تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,167 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,829 |
اللون ومعانیه الرمزیة فی آثار محمد الماغوط | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 7، دوره 4، شماره 16، خرداد 1436، صفحه 137-159 اصل مقاله (1.96 M) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
فاطمة کریمی1؛ سید حسین سیدی2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1طالبة الدکتوراه بجامعة فردوسی، مشهد، إیران. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2أستاذ بجامعة فردوسی، مشهد، إیران. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
یعتبر اللون من العناصر الهامة فی حقل المحسوسات حیث یلعب دورا هاما فی حیاتنا ویُعدّ رمزا لمشاعرنا المختلفة من حزن وسرور. فاللون هو البعد الإضافی الذی یمنح الأدیب معان غیر متناهیة للتعبیر عن کل شیء جمیل فی العالم. وبالوصول إلی معان رمزیة للّون تظهر خوالج الأدیب وأفکاره. یتناول هذا البحث دراسة اللون فی آثار محمد الماغوط معتمدا علی منهج التحلیل، والوصف والإحصاء فی تناول الألفاظ اللونیة فی آثاره بعد دراسة دلالات الألوان المختلفة للوصول إلی بعض نتائج منها دور أفکار الشاعر فی استخدام الألوان وسبب تفضیل لون علی الآخر عنده. یختصّ فی هذا الإحصاء الحدُّ الأقصی باللّون الأحمر، فهذا یدلّ علی ما قام به من تحریض الناس وتهییجهم علی الثورة. وللون الأسود أقل ظهورا فی دیوانه رغم ظننا بأنه ینبغی أن یکون فی صدر الألوان نظرا إلی تشاؤم الشاعر وسوداویته. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اللون؛ الرمز؛ محمد الماغوط | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إنّ اللغة العربیة مملوءة بتعبیرات ملونة ربما تتعلق برد فعلی فسیولوجی أو نفسی لدی الإنسان، لأن علاقته بالألوان علاقة ذاتیة قدیمة وإن الدراسة النظریة للألوان لیس المقصود بها حذف إحساسات وانفعالات الفنان أمام شاعریة هذه الألوان بل إن المقصود منها توجیه هذه الأحاسیس، وصقلها وتزویدها بدراسات تحلیلیة دقیقة. فللألوان لسان یبیّن أحاسیس وانفعالات کل من یختاره. إذن لغرض ما یختار الشاعر أو الکاتب لونا دون الآخر فی آثاره ومؤلفاته. «لذا عنیت العربیة عنایة فائقة بالألوان، وذلک علی ألسنة شعرائها وخطبائها... حتی بات موضوع الألوان، من الموضوعات التی تفرد لها أبواب خاصة فی مصنفات اللغویین المشهورین.» (سید أحمد، 2012م: 102) فمن منطلق ذلک اختار باحثا هذه المقالةِ هذا الموضوعَ وهو دراسة اللون ومعانیه فی آثار محمد الماغوط لیکشفا المعانی الرمزیة والثانویة لللون عنده ویستمدا منها فی تعریف أفضل للماغوط وتحلیل شخصیته وأفکاره عبرها. أسئلة البحث تحاول هذه الدراسة أن تجیب إلی بعض الأسئلة منها: هل استفاد محمد الماغوط من الألوان فی شعره ونثره؟ وهل قصده من استخدام الألوان توصیف اللون کما هو، أم له أغراض أخری؟ وهل استخدمها فی معانیها الأصلیة أم أعطاه معان رمزیة وثانویة؟ وهل یمکن أن تؤثر الأفکار والآلام فی اختیار لون دون الآخر أم لا؟ فرضیات البحث من المفترض أن الألوان لها مکانة خاصة فی مؤلفات محمد الماغوط ویبدو بعیدا أن یستخدمها فی معانیها الأصلیة لتصویر العناصر بل من المفترض أن یکون لها معان رمزیة لبیان آمال الشاعر وآلامه. کما علما بتشاؤمه وسوداویته نفترض أن یکون اللون الأسود فی صدر قائمة الألوان المستخدمة فی آثاره وربما یستخدم الألوان الدالة علی الفرح والرجاء قلیلا شاذا. خلفیة البحث استفدنا کثیرا فی کتابة هذا البحث من کتاب "اللغة واللون" وهو کتاب قیّم للدکتور أحمد مختار عمر کما ساعدنا کثیرا کتاب "فلسفة الألوان" لإیاد الصقر وکتاب "سایکولوجیة الألوان" لمارکس لوشر. فضلا عن تلک الکتب، هناک بعض المقالات أو الأطروحات عن اللون ودراسته فی آثار بعض الشعراء المعاصرین أو القدامی کمقالة "دلالة اللون عند الجواهری" لزمن عبد زید ومقالة "دلالات الألوان فی شعر یحیی السماوی" لرسول بلاوی و"الجمال اللونی فی الشعر العربی من خلال التنوع الدلالی" للیلا قاسمی حاجی آبادی ومهدی ممتحن و"إیقاع الألوان فی شعر عزالدین المناصرة"لحیدر محمد جمال سید أحمد و"جمالیات اللون فی مخیلة بشار بن برد" لعدنان محمود عبیدات وأطروحة تحت عنوان"دلالات الألوان فی شعر نزار قبانی" لأحمد عبدالله محمد حمدان ولکن لیس هناک أی بحث أو أطروحة أو کتاب یتناول دراسة معانی الألوان فی آثار محمد الماغوط؛ فیبدو أن یکون هذا البحث أول بحث قد تمّ فی هذا المجال. غایة البحث یهدف البحث إلی تبیین معانی الألوان وتعریف محمد الماغوط وأفکاره وآراؤه بتسلیط الضوء علی معانی الألوان المختلفة فی آثاره کما یهدف إلی بیان العلاقه بین اللون وشخصیة الکاتب وأفکاره. من هو الماغوط؟ یُعتبر محمد الماغوط من أکبر الشعراء والمسرحیین العرب. ولد فی مدینة السلمیة بمحافظة حماة عام 1934م فی عائلة فقیرة. (خورشا، 1381ش: 125) تلقّی تعلیمه الابتدائی فی مسقط رأسه ثم اتجه إلی دمشق لإکمال دراسته فی فرع الهندسة الزراعیة ولکن بعض العوامل ومنها الفقر أدّی إلی ترکه المدرسة وانصرافه عن التعلیم. (الماغوط، 2009م: 9-13) وسجن فی شبابه مرتین بسبب انتمائه إلی الحزب القومی السوری (صویلح، 2002م: 35) ولکن تجربة السجن هذه أدّت إلی تطویر موهبته الشعریة لکی یخلق فیما بعد آثارا قیّمة فی مجال الشعر، والمسرح، والروایة منها: حزن فی ضوء القمر، والفرح لیس مهنتی، وغرفة بملایین الجدران، والمهرج، والعصفور الأحدب، وخارج السرب، وکأسک یا وطن وشقائق النعمان؛ وکذلک سیناریو أفلام مثل الحدود، والتقریر؛ ومسلسلات تلفزیونیة مثل حکایا اللیل، ووادی المسک، ووین الغلط. من آثاره الأخری روایة الأرجوحة التی تصور حیاة الکاتب أکثر من بقیة آثاره. علاوة علی هذه الآثار له مجموعة النصوص باسم سأخون وطنی. (آدم، 2001م: 187) تعتبر "سیاف الزهور" من آثاره القیمة الأخری التی کتبها بعد موت زوجته سنیة صالح. کما للماغوط آثار قیمة أخری مثل "شرق عدن، غرب الله" و"البدوی الأحمر". (المصدر نفسه: 187) ما یشاهد فی جمیع هذه الآثار هو طلب الحریة، وحب الوطن، والقضایا الإنسانیة والاجتماعیة والإغاثة من الظلم والجور السائد داخل کیان الأمة العربیة المضطهدة. ینتقد الماغوط أوضاع المجتمعات العربیة کما ینتقد ضیاع وفقدان کرامة الإنسان فی هذه المجتمعات. علی سبیل المثال ینتقد من فقدان الحریة فی مجتمعه بقوله: عندما حلمت بالحریة، کانت الحراب تطوق عنقی کهالة الصباح. (الماغوط، 2013م: 197) وأدی هذا الأمر بأن یقال إن الماغوط متشائم وسوداوی. (صویلح، 2002م: 25) ویرجع أساس تشاؤمه إلی ذکریاته المرة فی السجن فی بدایة شبابه، کما أشار إلیه نفسه بقوله: «حین سجنت فی المرة الأولی رأیت الواقع علی إیقاع نعل حذاء الشرطی الذی کان یضرب علی صدری ... أحسست بشیء ما بداخلی یتکسر، لیس الضلوع، لکنه شیء عمیق. وفی الزنزانة زارنی الخوف وعرفنی، وأقام معی صداقة لازالت قائمة بداخلی حتی اللحظة... .» (المصدر نفسه: 16) ویستعمل الماغوط فی توجهه الناقد أسالیب کالسخریة، والرمز والکنایة؛ علی سبیل المثال یسمی مسرحیته التی کتبها مستلهما بحالته فی غرفة واطئة "العصفور الأحدب" ویرمز بالعصفور إلی نفسه وإلی کل من هو محروم من الحریة. ولکن لیست غایته من السخریةِ الانتقاصَ من شأن الآخرین کما لیس له نیة سوء من النقد إلّا إصلاح النقائص وعلاج المفاسد الاجتماعیة. یفضل الماغوط الرمز علی التصریح فی کتاباته علما إن تألیفاته ملیئة بالرموز ومنها اللون الذی یحاول أن تدرسه هذه المقالة وتکشف عن معانیه الرمزیة. مفهوم الرمز تطلق کلمة "الرمز" علی کلمةsymbol الإنجلیزیة ومعناه هو «الإشارة بالشفتین أو العینین أو الحاجبین أو الید أو الفم أو اللسان.» (الفیروزآبادی، ج2: 177) کذلک قیل عنه: «الرمز تصویت خفی باللسان کالهمس ویکون بتحریک الشفتین بکلام غیر مفهوم باللفظ من غیر إبانة صوت إنما هو إشارة بالشفتین.» (ابن منظور، 1988م، 5/312) ویری البعض الآخر أن أصل الرمز هو «الصوت الخفی الذی لایکاد یفهم.» (ابن جعفر، 1403ق: 61) وفی الاصطلاح یمکن أن یقال إن الرمز لون من ألوان التعبیر وهو عبارة عن کلمة أو عبارة أو صورة أو شخصیة أو اسم مکان یحتوی فی داخله علی أکثر من دلالة. إذن للرمز بعدان؛ البعد الأول یرتبط بمعناه الظاهری وهو ما تتلقاه الحواس منه مباشرة والثانی یرتبط بالمعنی الباطنی أو البعد المراد وهناک علاقة وطیدة بین ظاهر الرمز وباطنه. یطلق الرمز عند الفرنسیین «علی شکل أو علامة أو أی شیء مادی له معنی اصطلاحی.» (الجندی، لاتا: 70) أما أهم الأسباب التی تؤدی إلی التعبیر الرمزی هو الخوف المسیطر علی المجتمع والضغط الذی یجثم علی النفوس فتتحایل للتعبیر لتسلم من الأذی وتنجو من الضرر. الرمزیة أما الرمزیة کمدرسة أدبیة تختلف عن الرمز وهی حرکة أدبیة تمیزت فی فرنسا فی أواخر القرن التاسع عشر ورائدها "شارل بودلیر". وکانت لهذه المدرسة نزعة صوفیة فی بدایتها. إن الرمزیین کانوا یرون فی الإبهام جمالا لایتحقق فی الوضوح والظهور فتمایلوا إلی التعبیر الرمزی المبهم وعبّروا بکل الأشیاء من الألوان، والروائح، والأصوات عن الفکر. وفی هذا الاتجاه عمدوا إلی إسقاط کل ما یعین علی الشرح والتفسیر کما عمدوا إلی إهمال التشبیهات وحروف التشبیه، واستعملوا الکلمات الغریبة لازدیاد الإبهام وخالفوا القواعد النحویة إذ یرونها مانعة من الغایة التی یرمونها. رمزیة اللون تختلف جمالیة اللون عند المتلقی بسبب اختلاف الآراء والأسالیب. «فالألوان لیست خطوطا أو مسحات شکلیة خالیة من دلالات جمالیة، وتعبیریة ورمزیة، وفی بعض الأحیان تزئینیة؛ بل هی صور تعبر عن موضوعات الحیاة، وانفعالات الفنان بها، والتدقیق فی الآثار الأدبیة یرشدنا إلی استخدام اللون فی هذه الآثار لیس صدفة، ولیس لتنمیق الکلام فحسب بل له ارتباط وثیق بجمیع المستویات البنیویة، والبلاغیة والتعبیریة للنص الأدبی.» (قاسمی حاجی آبادی وممتحن، 1390ش: 84) اذن للّون معان مختلفة عند أشخاص مختلفة ولفهم هذه المعانی یجب أن نلفت النظر إلی بعض الملاحظات؛ منها التنبیه علی تقسیم اللون إلی مجموعتین: الحارة والجاذبة التی تؤثر علی جذب واستمالة الآخرین وهی (الأحمر، والبرتقالی، والأصفر وإلی حد الأبیض) والألوان الباردة والتی ترتبط بالمسارات السلبیة والباهتة وغیر المتلائمة فهی الأزرق، والنیلی، والبنفسجی وإلی حد الأسود) والأخضر لون متحرک بین المجموعتین. (اُنظر: سرلو، 1388ش: 432) إضافة إلی هذین القسمین، هناک تقسیم آخر للألوان وهو تقسیمها إلی الأولویة أو الأصلیة التی تشمل الأحمر، والأزرق والأصفر؛ والثانویة أو الفرعیة التی تشمل الأخضر، والنارنجی، والبنفسجی والارجوانی. (اُنظر: گنجی، 1385ش: 36-90) بینما یسمون الرمادی، والأسود والأبیض بالألوان غیر المعروفة. (المصدر نفسه: 98) تأتی أهمیة هذا الأمر من أن نقاء اللون یؤثر فی نقاء معناه الرمزی؛ إذن نجد للألوان استعمالات دقیقة تجعلها فی حقل مشاریع لها علائم شتی. وفیما یلی نشیر أولا إلی معان کلیة للألوان ثم إلی معانیها النفسیة. الأحمر یُعدّ الأحمرُ لونَ الدم الخافق ولون النار بمعنی العواطف المتأججة والنافذة. (سرلو، 1388ش: 434) الأحمر، نشیط یکثر الطاقة ومهیج جسدیا ویکون أثر تهییج هذا اللون أکثر من الألوان الأخری. ربما أن الأحمر رمز للحماسة، والحب والشهوة، وحتی الغضب والقتل. یقوی هذا اللون النفس بصورة جیدة ویساعدها علی وعیها. (دی، 1385ش: 6) وهو أیضا صورة للمشاعر القویة مثل الحب بشغف والغضب بانفعال. (تشونغ، 2010م: 89) الأزرق إنّ الأزرق هو لون السماء والبحر کما یرسم لنا هدوءهما. یری البعض أن هذا اللون یرمز إلی التفکیر (سرلو، 1388ش: 433) ویری الآخرون أنه رمزٌ للعواطف الدینیة، والتضحیة والعصمة. (المصدر نفسه: 436) وهناک من یراه رمزا للذکاء والعافیة. إنه منعش شفاف یوحی بالهدوء، والسلام، والطمأنینة والتفکیر المنطقی فی العالم المفعم بالضغوط النفسیة. (دی، 1385ش: 7) علاوة علی هذه المعانی الإیجابیة، للأزرق صفة سلبیة أیضا إذ إنه «یستعمل لبیان الحزن والکآبة ویقال له"the blues". (المصدر نفسه: 7) الأصفر إنّ الأصفر لون الشمس والذهب ویدل علی الطموح، الحدس، والتفکیر. (اُنظر: سرلو، 1388ش: 433-436) یحرک الأصفرُ الفکرَ ویؤثر علی ضمیر الإنسان وإبداعه کما یؤثر علی تفکیره الإیجابی. من خصائصه الأخری هی الخفة، والوضوح، والتفوق والانبساط. (دی، 1385ش: 8) یجب أن نتذکر أن للأصفر أیضا –علاوة علی المعانی الإیجابیة المذکورة– بعض معان سلبیة کالیأس، والکآبة، والمرض وخیبة الأمل و«قد یترافق أیضا مع الجبن أو الإرهاق.» (تشونغ، 2010م: 89) الأخضر إنّ الأخضر هو لون الطبیعة والظواهر الأرضیة، یرمز إلی الإنبات، والتعاطف والتوافق. (سرلو، 1388ش: 435-436) وقد اهتمّ علماء النفس بهذا اللون اهتماما بالغا حتی عرفوه أکمل الألوان فقالوا: «إن الذین یؤثرون هذا اللون هم أشخاص إیجابیّ الطبع.» (پورعلی خان، 1380ش: 96) کما قالوا: «الأخضر المزرق مبین للقرار والاستقرار والأهم من ذلک کله، المقاومة علی التغیرات. (لوشر، 1369ش: 83) ویرجح البعض، المعنی السلبی للأخضر علی معناه الإیجابی بقولهم: «یرتبط بمعانی الدفاع والمحافظة علی النفس، فهو إلی السلبیة أقرب منه إلی الإیجابیة.» (مختارعمر، 1997م: 185) ولکن البعض کتبوا أنّ «للأخضر وظیفة مزدوجة لأنه یبین اللاالتوازن أی العواطف الخطیرة کالغیرة والحسد.» (دی، 1385ش: 8) الأسود إنّ الأسود هو لون اللیل ویشمل معان کالظلمة، والسواد، والحزن، والعزاء والموت. الجدیر بالذکر أن نتذکر أن هذه هی نظرتنا إلی الحیاة التی تؤثر فی معان رمزیة للألوان، لأنها تتعلّق علی الخلفیات الثقافیة والعقائد القدیمة للأمم. «فالأسود من الجهة الروحیة بمعنی الواقیة. أما فی الموضة هو رمز للجمال المقبول والمستحسن کما یدل علی التأنق.» (دی، 1385ش: 10) رغم هذا، للأسود معان سلبیة تتداعی الموت والعزاء فی کثیر من المجتمعات والثقافات. علی أی حال إن أعمق معنی للأسود هو الالتباس والنمو فی الظلام. وفی بعض الأحیان یعتبر الأسود رمزاً للوقت حینما یعارض الأبیض وهو رمز للخلود والنشوة. (سرلو، 1388ش: 443) الأبیض کما أشرنا سابقا إن الأبیض معاکس للأسود إذن یدل علی النظافة، والعصمة، والتقوی، والعفة والطهارة. وقد عرف الأبیض بلون الآلهة وربما لهذا السبب یلف الموتی فی قماش أبیض لبیان إطلاق روحه النقیة من هیئة جسده البشری الفانی وانضمامه إلی روح الله. من المعانی الأخری للأبیض هی الحریة والسلام. علاوة علی هذه المعانی الإیجابیة للأبیض، له معان سلبیة کالعزاء، الموت والمرض. (اُنظر: بیهقی، 1376ش: 13؛ اسماعیل پور، 1377ش: 22؛ دی، 1385ش: 10) کما یشیر هذا اللون إلی معنی الوحدة والانعزال. (تشونغ، 2010م: 89) الألوان الأخری بما أن ضیق المجال لایسمح لنا أن نذکر خصائص جمیع الألوان بشکل تامّ، ففیما یلی نشیر بالإیجاز إلی بعض منها: البرتقالی: له خصائص کخصائص الأصفر ولکن بشکل أضیق ویدلّ علی الفخر والطموح. «یرمز البرتقالی إلی الطاقة والفاتح منه یدل علی الصحة والحیویة، والداکن منه یدلّ علی الغرور والتعالی.» (الصقر،2010م: 34) و«رمز للثقة بالنفس والإیمان بالذات والانطلاق.» (تشونغ، 2010م: 89) البنی: هو لون الأرض ویرتبط بالأمن والراحة. اللون البنفسجی: وهو مرکب من الأزرق (الذی رمز للتضحیة) والأحمر (رمز للحماسة والتهیج) ویدلّ علی التحسر والحنین. «کان یرمز له بالحزن فی الأغانی القدیمة.» (الصقر، 2010م: 34) الرمادی: وهو اللون الوحید الباهت. سلبی فی الغالب ویدل علی الکآبة، والضعف والرخوة. اللون ومعرفة الذات یبین کلُّ لون، المطالبَ، والحاجات والدوافع الذاتیة للأشخاص، کما یُلاحظ ذلک فی الجدول التالی.
بناء علی الجدول أعلاها، یبین اللون، الطبیعة الذاتیة لکل شخص. (اُنظر هارتمن، 1386ش: 14) الألوان ومعانیها الرمزیة عند محمد الماغوط إن الألوان رموز تدل علی المعانی المحددة والحالات النفسیة والداخلیة الخاصة. فاللون عند محمد الماغوط من التقنیات التی تمیز أسلوبه وشخصیته الفنیة. کأن اللون حاجة نفسیة عنده علاوة علی مهمته الدلالیة والفکریة وقد استفاد الماغوط من هذه التقنیة بکل اشتیاق وزیّن آثاره بألوان مختلفة والتی یمکن أن تکشف أفکاره وزوایا شخصیته بدراسة کل لون فی هذه الآثار. مع قراءة قصائد الماغوط یتبین أن له شخصیة معقدة وغیر متناسقة بل مزدوجة؛ یجده القارئ مرة فی قمة الحزن والکآبة حتی کأنه یکره کل شیء فی الوجود ولن یظن القارئ بأنه یمکن أن یشم رائحة الفرح والسرور ولو للحظة واحدة فی حیاته. ویساعده علی هذا الزعم تسمیته دواوینه الشعریة بـ"حزن فی ضوء القمر" و"الفرح لیس مهنتی" ولکن رغم هذا الظن، یمکن أن نجد فی آثاره صور الفرح والتفاؤل ولو یغلبها الحزن والتشاؤم. إن الألوان المستخدمة فی آثار الماغوط تبین فوضویته، وشغفه، وتهیجه ورغبته إلی الحرکة والحریة علاوة علی ازدواجیة الحزن والفرح فی شخصیته. قبل إحصاء الألوان فی آثار الماغوط، کنا نظن أن یکون الأسود أکثر ترددا وتکرارا فی مؤلفاته – نظرا إلی تشاؤمه وسوداویته؛ کما کان هذا الظن بأنه لامکانة للألوان السارة والمفرحة فی آثاره. ولکن بعد التدقیق والإحصاء، تبین أن اللون الأحمر هو أکثر ترددا فی آثاره وفی مقدمة بقیة الألوان باختصاص 5/21 بالمئة. تکررت الألوان الأصلیة المختلفة فی مجموعة آثار الماغوط حوالی مئتین مرة. فیما یلی نعرض قائمة الألوان المستفادة فی آثاره من الأکثر ترددا إلی الأقل:
الأحمر والتحریض علی الثورة عند الماغوط إن اللون الأحمر یدلّ علی الشغف، والتهیج، والغضب، والحرکة والعواطف المتأججة. وإن الماغوط – کما نعرفه– ذو طابع ثوری، ومشاغب وغاضب أحیانا. کما ینشد فی إحدی قصائده: «کل ما أریده هو الوصول بأقصی سرعة إلی السماء لأضع السوط فی قبضة الله لعله یحرضنا علی الثورة.» (الماغوط، 2006م: 296) نماذج من اللون الأحمر فی آثار الماغوط: «....سأطل علیک کالقرنفلة الحمراء البعیدة کالسحابة التی لاوطن لها.» (الماغوط، 1973م: 9) وبالرجوع إلی هذه القصیدة یتبین أن الماغوط یخاطب وطنه بهذه الجمل؛ وللوطن عنده معنی آخر کما له مکانة خاصة فی آثاره. وکما نری فی هذه الجمل إنه یعبر عن حنین لایوصف إلی وطنه. وقد استخدم اللون الأحمر لیساعده فی وصف مدی شوقه إلیه. یصف الماغوط قلبه الملیء بالعواطف والخفقان ویستمد فی هذا الوصف من اللون الأحمر أیضا. إذ یقول: «بلا أمل..... وبقلبی الذی یخفق کوردة حمراء صغیرة سأودع أشیائی الحزینة فی لیلة ما..» (المصدر نفسه: 22) وکما نشاهد أن اللون الأحمر رمز للهدوء والتفاؤل علاوة علی الشوق والتهیج لأن وداع کل شیء یثیر الحزن ویستحضر الذکریات الحزینة، ویدل علی التفاؤل والعزم علی استمراریة الحیاة بالسرور والسعادة. فی مسرحیة "المهرج" عندما یرید أن یظهر معاناة صقر قریش النفسیة وحسراته إلی ضیاع الأندلس–وهو فاتحها– یستخدم اللون الأحمر ویقول: «صقر: مستحیل. قد تطرد النجوم من السماء ولکن العرب لایطردون من دیارهم. قد تفر الأظافر من أصابعها ولکن العربی لایفر من وطنه... الأندلس... الأندلس الحمراء کدمی... کیف ضاعت؟» (الماغوط، 1973م: 70) اذا أمعنا النظر إلی الجدول المذکور سابقا، سنجد من معانی اللون الأحمر، إخفاء عدم الأمن الداخلی؛ وهذا ما نراه بعینه عند الماغوط وهو دائما یقول: إن تجربة السجن المرة أحالته إلی شخص خائف وحذر حتی یخاف من ظله وما أجمل تصویر هذا الخوف فی قصیدته التی سمّاها بهذا الاسم: «أتوسل إلیک أن تسرعی یا أمی وأن تعرجی فی طریقک علی الحصادین ومضارب البدو وتسألیهم عن "حجاب" جلدی عن "عشبة" ما تقینی هذا الخوف.» (الماغوط، 2006م: 291) یرسم الماغوط هذا الخوف وکأن شرطی یراقبه ویطارده دائما فلا یجرأ علی دخول المرحاض بدون بطاقة هویة ودائما یجب علیه أن یلتفت إلی ما حوله: «أدخل إلی المرحاض وأوراقی الثبوتیة بیدی أخرج من المقهی وأنا أتلفت یمنة ویسرة.» (المصدر نفسه: 293) اذن یمکن اختیار اللون الأحمر فی تصاویره ووصفه، بسبب الخوف والشعور بعدم الأمن کما أشار إلی فقدان الحریة بقوله: «ففی حنجرتی الیوم بلبل أحمر یود الغناء» (الماغوط، 1973م: 32) فکأنه یرید أن یقول إن اللسان الأحمر یسوق الرأس إلی المنشق لأنه لیس هناک أی حریة للتعبیر عن القضایا کما أشار إلی هذا المضمون فی مجموعة شعریة أخری بقوله: «تارکا فمه الأحمر یئز کالفراشة فوق الکروم» (الماغوط، 1973م: 44) فالأحمر فی قاموس الماغوط یدل علی الثورة، والاحتجاج والدم. إذن یصف الکلام الذی یخرج من الفم بالأحمر لأن کلامه فی الغالب یثیر السامع والقارئ علی القیام بالدفاع عن حقوقه، وأرضه وعرضه. حتی برأیه إن تستشهد أثناء الاحتجاج والثوره لأجل الوطن والحریة، سترافقک الطیور الحمراء: «کنا نحتضر والشعر جنازة ترافقها الطیور الحمراء إلی المنفی» (المصدر نفسه: 74) ربما قصده من هذا المصطلح بأنه ستکون فی زمرة المستشهدین والمقاتلین فی سبیل الوطن والحریة، وستلحقهم بثورتک واحتجاجک. الأزرق ومعانیه عند الماغوط الأزرق هو اللون الآخر الذی یحتل مکانة ثانیة بعد اللون الأحمر فی آثار الماغوط. جدیر بالذکر یستخدم الماغوط هذا اللون مع العین دائما وإن نلفت النظر إلی معانی الأزرق –وهو الهدوء، والسکینة والفرح– یمکن أن نقول إن مرافقة الأزرق والعین، ربما بمعنی أنه یبحث عن الهدوء والفرح بعینیه فی کل مکان ینظر إلیه، خاصة عندما نلتفت إلی المعنی السلبی لهذا اللون ألا وهو الحزن والکآبة. فعلی سبیل المثال نشیر إلی بعض نماذج منها: النموذج الأول وهو من مجموعة "حزن فی ضوء القمر": «وسحابة من العیون الزرق الحزینة تحدق بی بالتاریخ الرابض علی شفتة.» (الماغوط، 1973م: 8) والنموذج الآخر من مجموعة "غرفة بملایین الجدران": «والعیون الزرق الحافیة تبکی مع عیون أخری فی قاع الفراش فی قاع الوطن» (الماغوط، 1973م: 93) وکما نشاهد فی هذین النموذجین، إنه استخدم الأزرق بالعین مع قرینه دالة علی الحزن وهی کلمة "الحزینة" فی النموذج الأول وکلمة "تبکی" فی النموذج الثانی؛ والبکاء من أمارات الحزن. لم تکن مسرحیات الماغوط فارغة من اللون بل یستخدمه فی تلوینها أیضا کما استخدم الأزرق مرات عدیدة فی مسرحیة "العصفور الأحدب" ورافقه بالعیون أیضا: «الطالب: ... حتی استیقظت أمی وکانت جمیلة وعیناها أشبه بطائرین أزرقین حطا لتوهما تحت الحواجب.» (الماغوط، 1973م: 47) أو حینما یسأل القاضی عن لون عیون أولاد المتهم وهکذا یجاب: «المتهم: زرقاوان. الحاجب: بل سوداوان. المتهم: ولکنهما زرقاوان، کل جیراننا یعرفون أنهما زرقاوان.» (المصدر نفسه: 135-136) الأصفر ومعانیه فی آثار الماغوط من الألوان الأخری التی له دور هام فی تلوین التصاویر عند الماغوط، هو الأصفر الذی یدل علی الفرح مرة کما یدل علی الحزن والمرض مرة أخری. مثلا ینشد فی قصیدة "حزن فی ضوء القمر": «ووجوهنا المختنقة بالسعال الجارح تبدو حزینة کالوداع صفراء کالسل» (الماغوط، 1973م: 6) کما یرمز بالأصفر إلی القلق والأسف فی مسرحیة "المهرج" حینما یصف الضحکة بالصفراء ویقول: «المهرج: (بعد ضحکة مرتبکة صفراء) إنکم لاتفهمون قصدی... ذهبت هی... الأخری» (الماغوط، 1973م: 68) تبدل معنی الأصفر هنا وهو رغم ذکره مع الضحک الذی یرمز إلی الفرح؛ ولکن له معنی سلبی ومظلم. لیس ضحک المهرج من الفرح والسرور بل یدل علی أسفه، وحزنه، وخوفه وقلقه من عاقبة الأمور. لأنه حینما یقول لصقر قریش وأصحابه إن کثیرا من البلاد العربیة قد ضاع وسقط، یواجه إنکارهم، فیخاف من أن یقول إن بلدا آخر أیضا سقط وهو قلق من هذا القول إذ یضحک معهم ولکن ضحکة مرتبکة صفراء کانها زهرة ذبلت فی شفتیه واصفرّت قبل أن یزهر. ولعل هذا الضحک من شدة الغضب لأن الإنسان «إذا ما ضحک ضحکة صفراء فربما کانت الصفراء (العصارة المراریة) تلعب دورا فی هذا النوع من الغضب المکبوت.» (الصقر، 2010م: 9) وربما یدل هذا الضحک علی الفرح القلیل والشاحب فی حیاة الماغوط لأنها محفوفة بالأحزان والمخاوف حتی لم یتحقق الفرح فیها. إذا راجعنا مرة أخری الجدول السابق نجد أنّ إحدی المطالب للأشخاص الذین یختارون الأصفر هو الحریة. فحینما ندرس آثار الماغوط وأفکاره نستطیع القول بأنّ أی أثر من آثاره لایخلو من الحریة ومطالبتها: «آه یا أمی لو الحریة ثلجا لنمت طوال حیاتی بلا مأوی» (الماغوط، 2006م: 293-294) والحریة أکبر مطالبه وأهمها کما یقول: «هاجس الحریة یلاحقنی، وهو قدیم جدا، ولن ننتصر علی أعدائنا وأعداء حریتنا وتاریخنا ومستقبلنا بالسلاح الأبیض أو الأحمر، بل بالسلاح الأزرق، أی بالکلمة. وهکذا تجد أنه لاتخلو مقالة صحفیة لی من دون ذکر الحریة» (صویلح، 2002م: 47) وحینا آخر نری الماغوط یستخدم اللون الأصفر لوصف الیأس والهزیمة. مثلا یکتب فی مسرحیة "العصفور الأحدب": «الطالب: ... بل وأنتم غارقون حتی آذانکم فی عالم یسوده البارود والحقد والاصفرار» (الماغوط، 1973م: 40) کما یرسم فقره وبؤس أسرته فی مکان آخر ویستعین باللون الأصفر فی هذا التصویر: «کان بیتنا غایة فی الاصفرار یموت فیه المساء ینام علی أنین القطارات البعیدة وفی وسطه تنوح أشجار الرمان المظلمة العاریة تتکسر ولاتنتج أزهارا فی الربیع... (الماغوط، 1973م: 56) موت اللیل–و هو ربما بمعنی السکوت المنتج من حزن ساکنی البیت– ونوحة الطیور علی الأشجار الیابسة التی لاتورق فی الربیع ولاتثمر، فی بیت شدید الاصفرار الذی یوحی بالفقر والمرض، کل هذا یشیر إلی حزن الماغوط وکآبته. فالأصفر رغم أنه رمز للفرح ولکن یصبغ بلون الحزن فی آثار الماغوط. وهذا الحزن والبکاء الکثیر یؤدی إلی أن یصف الماغوط دموعه صفراء: «دموعی صفراء من طول ما حلمت بالسنابل الذهبیة وبکیت» (الماغوط، 2006م: 241) کما یصف السماء صفراء إذ یقول: «رأیتهم جمیعا تحت السماء الصفراء» (الماغوط، 1973م: 14) وفی مکان آخر یری الخوف أصفر أیضا: «اللون: أصفر من الرعب.» (الماغوط، 2006م: 287) ما معنی الأبیض عند الماغوط؟ یقع الأبیض فی المرتبة الرابعة فی آثار الماغوط ویدل علی المعانی المختلفة؛ تارة یدل علی الطهارة، والنقاء والقداسة (الحرمة)، وتارة علی الشرف والکرامة؛ مثلا یستخدم هذا اللون لوصف الرآیة العربیة فی مسرحیة "المهرج" لقداسة هذه الرآیة: «صقر: لا. لم أنته أیها الأحفاد العاقون. لقد ترکنا لکم الرآیة العربیة أنقی من ماء المزن. أنصع بیاضا من لحی القدیسین....» (الماغوط، 1973م: 104) وهذا ینشأ عن حبه واحترامه للوطن کما یقول فی مکان آخر: «سأقف جامدا کالتمثال عند تحیة العلم» (الماغوط، 1973م: 321) کما یعرب عن اشتیاقه للوطن ویعلن بأنه یلبس علم بلاده کقمیص: «علی هذه الأرصفة الحنونة کأمی أضع یدی وأقسم بلیالی الشتاء الطویلة: سأنتزع علم بلادی عن ساریته وأخیط له أکماما وأزرارا وأرتدیه کالقمیص» (المصدر نفسه: 243) ویبین فی مجموعته الشعریة "الفرح لیس مهنتی" قیمة وکرامة الشیوخ ویستخدم اللون الأبیض فی بیان هذه الکرامة: «وأنا فی خریف العمر والشیخوخة البیضاء بدأت تمس جبینی...» (الماغوط، 2006م: 268) ویستمتع الماغوط من الأبیض فی تصویراته وتشبیهاته. مثلا ینشد: «أنا طائر من الریف الکلمة عندی إوزة بیضاء والأغنیة بستان من الفستق الأخضر» (الماغوط، 1973م: 58) کأنه بهذا التشبیه وباستخدام الأبیض یرید أن یصور نقاءه وبساطته وکأنه یصرخ بصوت عال أننی لم أتعلق بأی مدرسة أو حزب وما أکتبه منبثق من طبیعتی الریفیة والنقیة وهو کلام قلبی. وفی مکان آخر یعبر الماغوط عن الشرف –وله قداسة ونقاء– بلون الأبیض ویقول: «ولکننی قادر علی قضم الشرف کالخبز الخبز الأبیض...» (الماغوط، 1973م: 51) ورغم اللون الأبیض، تشبیه الشرف بالخبز یبین قداسته وحرمته أیضا. من جمیع المعانی المذکورة للأبیض، ربما إن أفضل وأجدر معنی له فی آثار الماغوط هو الحریة والسلام. فحینما یرید أن یعبر عن هذین المعنیین یرافق الأبیض بالطیر: «والطیور الجمیلة البیضاء ترحل دونما عودة فی البراری القاحلة» (الماغوط، 1973م: 31) فالطیر رمز للحریة ونوع منه، والحمامة رمز للسلام فیصفه الماغوط باللون الأبیض لکی یشیر إلی حریته وما له من معانی السلام. الأخضر والماغوط من الألوان الأخری المستخدمة فی آثار الماغوط هو الأخضر. إنه یستخدم هذا اللون فی مجموعتیه الشعریتین "حزن فی ضوء القمر" و"غرفة بملایین الجدران" أکثر من بقیة آثاره وفی الغالب یستفید منه فی وصف مظاهر الطبیعة کالشجر والحدیقة و... کما یستفید منه فی وصف العیون: «ابتسم أیها الرجل المیت أیها الغراب الأخضر العینین» (الماغوط، 1973م: 52) علاوة علی هذا نراه یستخدم الأخضر لبیان الفرح والحیویة: «أشتهی أن أکون صفصافة خضراء قرب الکنیسة...» (الماغوط، 1973م: 16) کما یختاره لبیان الأمل والترجی: «الطالب: .... لمحت ورقة خضراء من النافذة .... کدت أطیر لأعضها بأسنانی. شیء أخضر، ألایهمک؟ شیء صغیر أخضر فی هذه البراری المنسیة. هل تعرف ماذا یعنی؟ صانع الأحذیة: لا ورب الکعبة الطالب: إنه فأل المطر. ونحن جافون کالخشب..» (الماغوط، 1973م: 40) فنلاحظ أن أفضل لون یستطیع أن یبین هذا الرجاء هو الأخضر خاصة حینما یرافقه بالورق وسط البراری التی لایظن أن یکون هناک أی رجاء للشجر والحیویة. علاوة علی هذا –کما هو معروف– إرائة الضوء الأخضر بمعنی الموافقة وهذا أیضا یدل علی الرجاء. أو العلم الأخضر یدل علی الفتح والنصر. إذن نری الماغوط یستخدم الأخضر فی معناه الإیجابی غالبا. الأسود، والحزن والکآبة من الألوان الأخری التی تلوّن آثار الماغوط، هو الأسود والرمادی – وهو ملحق بالأسود– وکما مشهور؛ هذان اللونان یشیران إلی الحزن والکآبة. فنری الماغوط یستخدم هذین اللونین فی معناهما الحقیقی ویختارهما لبیان حزنه، کما یتجلی ذلک فی السطور التالیة: «أمی..... فالموت یحیق بی من کل جانب السماء تظلم والریح تصفر والکلاب السوداء تنهش الکتب الدامیة من حقائب المارة» (الماغوط، 2006م: 291-292) السماء المظلم رمز الاختناق المطبق علی الجو السیاسی السوری فی عصر الشاعر. وصوت الریح الذی یزید علی الخوف المرعب وهیمنته، یدل علی الهلع المسیطر علی المجتمع. والکلاب السوداء التی تنهش الکتب الدامیة فی حقائب المارة رمز لرجال الأمن الذین یعذبون الماغوط بسبب أفکاره ومواقفه من النظام. إذن هذه الأمور تجعله حزینا ومتشائما. وللظلام أیضا مکانة خاصة فی آثار محمد الماغوط وهو یدل علی السواد بصورة غیر مباشرة ودلیل آخر علی تشاؤمه وسوداویته. حیث یقول فی قصیدة "الوشم": «أضحک فی الظلام أبکی فی الظلام أکتب فی الظلام حتی لم اعد أمیز قلمی من أصابعی» (الماغوط، 2006م: 284) کما نراه یتمسک کثیرا بـ"اللیل" وینادی حبیبة أو أختا باسم"لیلی" فی آثاره. وربما هذه الکلمة أیضا دلیل علی سلبیته وسوداویته لأن اللیل یجلب للإنسان جمیع الهموم والآلام ویکثر وحشته، کما قیل: «کان التعبیر باللون وسیلة من الوسائل التی استخدمها الشعراء للإحساس بجمال اللیل أو وحشته أو ظلمته أو انکشافه» (أبو سویلم، 1983م: 71) وهکذا یستفید الماغوط من اللون الرمادی أیضا لوصف الأجواء الحزینة والمرتبکة. مثلا یصور السجن وفضاءه فی مسرحیة "العصفور الأحدب" باستخدام هذا اللون تصویرا یغلب علیه الکآبة والحزن: «قفص بشری مجهول فی صحراء مجهولة. سماء شاحبة وغیوم رمادیة. ساقیة موشکة علی الجفاف....» (الماغوط، 1973م: 7) وکما نشاهد أن الغیوم الرمادیة، والسماء الشاحبة، والنهر التی علی وشک الجفاف ونفس القفص، کلها یدل علی فضاء کئیب. والقارئ یشعر بهذا الحزن من خلال الکلمات والألوان المستخدمة فیه. الماغوط والألوان الأخری علاوة علی الألوان الأصلیة المذکورة، هناک بعض الألوان الأخری یستخدمها الماغوط فی تلوین آثاره ولکن تردد هذه الألوان قلیل جدا. تظهر هذه الألوان أبعادا أخری من شخصیته وأفکاره. من هذه الألوان یمکن الإشارة إلی الأرجوانی وهو لون یدل غالبا علی الفرح ولا الحزن. ولکن یعتقد البعض أن هذا اللون رمز لـ"الحزن المفرح" أی اللون الذی یبین الفرح والحزن معا. النتیجة تبین مما تقدم أن اللون من العناصر الهامة التی تساعد الشاعر والکاتب فی بیان أفکاره کما رأیناه عند محمد الماغوط. فاللون له معان رمزیة یتمسک الشاعر به لکی یعبر عن بعض القضایا التی یصعب التصریح بها. بعد إحصاء الألوان التی تکررت فی دیوان الماغوط وصلنا إلی أنها استخدمت 200 مرة. یحتلّ اللون الأحمر المکانة الأولی حیث تکرر 43 مرة أی 5/21 بالمائة فیستمد الشاعر منه لتحریض المخاطب علی الثورة والاحتجاج ومطالبة الحق. أما اللون الثانی فهو الأزرق حیث تکرّر 38 مرّة و19بالمائة؛ وکما نعلم أن اللون الأزرق یدل علی الهدوء والسکینة فنری الماغوط یرافقه مع العین کأنه یبحث عن هذا الهدوء فی کل مکان ینظر إلیه؛ فربما بسبب اضطراباته النفسیة إثر تجربة السجن المرة فی بدایة شبابه لایشعر بالأمن أبدا حیثما کان. ویقع الأصفر فی المکانة الثالثة بتکراره 36 مرة أی 18 بالمائة فیدل فی معظم الأحوال علی البؤس، والفقر والهزیمة عند الشاعر. أما الألوان الأخری التی یقترن بعضها ببعض؛ هی الأبیض بتکراره 29 مرة أی 5/14 بالمائة والأخضر حیث تکرّر 28 مرّة أی 14 بالمائه، ولهما معنی إیجابی فالأبیض یدل علی الکرامة، والحریة والقداسة کما یدلّ الأخضر علی الحیویة والرجاء. واللون الأخیر هو اللون الأسود بتکراره 26 مرة أی 13 بالمائة. قبل الإحصاء کنّا نظنّ أن اللون الأسود یحتلّ المکانة الأولی بین الألوان الأخری لأن الماغوط شاعر متشائم وسوداوی ینظر إلی العالم بمنظار أسود، فکانت لتجربة السجن وتعذیبه دور عظیم فی هذا التشاؤم حیث جعل منه إنسانا خائفا إلی الأبد، یخاف من کل شیء حتی ظله. وأخیرا الجدیر بالذکر أنّ هذا التشاؤم عند الشاعر لم یؤدّ إلی صمته، وقعوده وانصرافه عن المطالب والحقوق؛ بل بقلمه الأحمر حرّض الجمیع علی القیام بمطالبة الحریة. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آدم، لؤی. (2001م). محمد الماغوط، وطن فی وطن. ط1. دمشق: دار المدی. اسماعیل پور، ابوالقاسم. (1377ش). الأسطورة والرمز. ط1. طهران: دار سروش. ابن جعفر، قدامة. (1403ق). نقد النثر. بیروت: دار الکتب العلمیة. ابن منظور، محمد بن مکرم. (1988م). لسان العرب. ط1. بیروت: دار إحیاء التراث العربی. أبو سویلم، أنور. (1983م). الطبیعة فی شعر العباسی الأول. ط1. الریاض: دار العلوم للطباعة والنشر. بیهقی، ابوالفضل. (1376ش). تاریخ البیهقی. ط6. طهران: دار مهتاب. پورعلی خان، هانیة. (1380ش). عالم أسرار الألوان. طهران: دار هزاران. تشونغ، تیریزا. (2010م). تنمیة الحاسة السادسة (أسالیب عملیة لتطویر حدسک). ترجمة رانیا حرب. بیروت: أکادیمیا. الجندی، درویش (لاتا). الرمزیة فی الأدب العربی. القاهرة: دار نهضه مصر للطبع والنشر. خورشا، صادق. (1381ش). مجانی الشعر العربی الحدیث ومدارسه. ط1. طهران: سمت. دی، جاناتان وتایلور لسلی. (1385ش). سایکولوجیة الألوان (المعالجة بالألوان). طهران: دار ساوالان. سرلو، خوان ادواردو. (1388ش). موسوعة الرموز. ترجمة مهرانگیز اوحدی. طهران: دار دستان. سید أحمد، حیدر محمد جمال. (2012م). «إیقاع الألوان فی شعر عزالدین المناصرة». مجلة الجامعة الإسلامیة للبحوث الإنسانیة. المجلد العشرین. العدد 1. ص 102. الصقر، إیاد محمد. (2010م). فلسفة الألوان. ط1. بیروت: الأهلیة للنشر والتوزیع. صویلح، خلیل. (2002م). اغتصاب کان وأخواتها (محمد الماغوط). ط1. دار البلد. الفیروزأبادی، الشیخ مجد الدین محمد بن یعقوب. (1306ق). القاموس المحیط. الجزء الثانی. بیروت: دار الفکر. قاسمی حاجی آبادی، لیلا ومهدی ممتحن. (1390م). «الجمال اللونی فی الشعر العربی من خلال التنوع الدلالی». دراسات الأدب المعاصر (التراث الأدبی). السنة الثالثة. العدد 9. ص 84. لوشر، ماکس. (1369ش). سایکولوجیة الألوان. ترجمة ویدا ابی زاده. طهران: شرکة الطبع والتوزیع ویس. الماغوط، عیسی. (2009م). محمد الماغوط، رسائل الجوع والخوف. ط1. دمشق: دار المدی للثقافة والنشر. الماغوط، محمد. (1973م). حزن فی ضوء القمر. بیروت: دار العودة. ــــــ. (1973م). العصفور الأحدب. بیروت: دار العودة. ــــــ. (1973م). غرفة بملایین الجدران. بیروت: دار العودة. ــــــ. (1973م). المهرج. بیروت: دار العودة. ــــــ. (2006م). الأعمال الکاملة. بیروت: دار العودة. ــــــ. (2013م). الأعمال الشعریة. ط3. بیروت: دار المدی للثقافة والنشر. مختار عمر، أحمد. (1997م). اللغة واللون. الطبعة الثانیة. القاهرة: عالم الکتاب. میرصادقی، جمال ومیمنت میرصادقی. (1377ش). مصطلح کتابة القصة. طهران: دار مهناز. هارتمن، تیلور. (1386ش). سایکولوجیة العلاقة بین الشخصیة واللون (الأزرق، الأحمر أو...). ترجمة جلیل اله فاروقی هنوالان وسعیده مظلومیان. مشهد: نی نگار.
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 2,932 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 1,069 |