تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,629 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,550,003 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,683,821 |
دلالة الألوان فی شعر المتنبی | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 6، دوره 4، شماره 15، اسفند 1435، صفحه 131-150 اصل مقاله (1.66 M) | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عیسی متقی زاده1؛ خاطره احمدی2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1أستاذ مساعد بجامعة تربیت مدرس فی طهران، إیران. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2طالبة مرحلة الدکتوراه بجامعة أصفهان، إیران. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
قد دلت الأبحاث علی أنّ اللون قوة تؤثر فی الجهاز العصبی واثره لا یقل عن الموسیقی، وربما یفوقها بعض الأحیان. إنّ الشعراء طوال التاریخ اهتمّوا باللون اهتماما کبیرا، لکن هذا الاهتمام یختلف من عصر الی عصر، حیث أنه یستخدم اللون فی العصر الجاهلی فی المعنی الأصلی فی معظم الأحیان، وشیئا فشیئا تتغیر هذه الرؤیه الی استخدام الألوان فی المعانی الأخری، حتی نشاهد الشعراء فی العصور التالیة خاصة فی العصر الحدیث، یستخدمون اللون فی المعنی الرمزی. نظراً إلی أنّ العصر العباسی یعتبر کالعصر الذهبی للأدب العربی وأنّ للمتنبی منزلة رفیعة بین الشعراء، حاولنا دراسة ظاهرة اللون فی اشعاره من خلال المنهج الوصفی – التحلیلی وتبیین وجوه دلالة اللون بنوعیها الرمزی والتصریحی عنده. یلُاحَظ أنّ الشاعر قد یجعل للألوان دلالات رمزیة وأحیانا تصریحیة، وقد یستخدم هذین النوعین فی بیت واحد. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شعر العصر العباسی؛ المتنبی؛ دلالة اللون؛ الرمز؛ التصریح | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
تعرّف الإنسان منذ العصور الغابرة الی الألوان، واهتدی الی وسائل التعامل معها فی مجالات الحیاة، لأنه أدرک قیمتها الجمالیة والفنیة. وتلعب الألوان دورا کبیرا فی حیاة الناس «وإنّ دفء اللون کدفء الإیقاع، کدفء المعنی، کلّها تخلق فی العمل الفنی طاقة خاصة، وتؤسس صورة جدیدة وجمیلة، وتکون لها طاقة ممیزة، وتؤسس صورة جدیدة، ذات مدلولات متغیرة، تصبها فی قالب جدید.» (المقالح، 1985م: 284) تعددت الألوان فی الطبیعة واختلفت وتقاربت، فلذا کانت مسمیاتها فی اللغة عدیدة «فنجد عشرات الأسماء للتعبیر عن اللون الواحد وهی تختلف باختلاف درجات اللون وهو ما عرف قدیما باسم إشباع اللون أو تأکیده.» (خلیفة، 1987م: 36و37) «تحتل الألفاظ ذات العلاقة باللون حیزا واسعا فی اللغة، سواء منها ما کان صریحا فی دلالته أو غیر مباشر، وهذا الحیز الواسع للغة عائد إلى طبیعة الألوان، وعلاقة الإنسان بها من باب، وسعة انتشار هذه الألوان فی الطبیعة وانعکاساتها فی الضوء والظلال فی باب آخر، وکحال ألفاظ اللغة عموما ترسمت دلالات تلک الألفاظ، مع ما یمکن أن یحدث من تباین فی الدلالات أو علاقات أخرى کالترادف والتضاد.» (حمدان، 2008م: 62) لو راجعنا دواوین الشعراء فی مختلف العصور، نلاحظ اهتمامهم بظاهرة اللون، إلا أنّ هذا الاهتمام عند شعراء العصر الحدیث أکثر شیوعا بالنسبة الی العصور الماضیة. «إنّ دلالات الألوان فی العربیة عمیقة الجذور، تواکب الحیاة العربیة فی بیئتها المختلفة وتسایر متطلباتها الحضاریة عبر تاریخها الطویل، إذ تمثل الألوان ملمحا جمالیا فی الشعر العربی منذ القدم، ورغم افتقار الصحراء العربیة للألوان إلا أنّ نصوص الشعر العربی القدیم جاءت حافلة بالدلالات اللونیة، ربما کان ذلک تعویضا عن جدب الواقع وجفاف الصحراء، لذا عنی العربی عنایة فائقة بالألوان.» (المصدرنفسه: 29) نشاهد استعمال اللون عند الشعراء عامة وعند المتنبی خاصّة حتی تصل أهمیتها بوصفها عنصرا من عناصر المعجم الشعری الذی یمیز کلّ شاعر. إنّ العصر العباسی کسائر العصور، لا یخلو من الشعراء الکبار الذین أنشدوا أشعارا قیمة واستخدموا ظاهرة اللون فی أشعارهم. ودون أدنی شک، یمکن اعتبار المتنبی من أکبر الشعراء فی هذا العصر إن لانقُل أکبرهم، وعلی هذا کانت أشعاره موضع الاهتمام من قبل الدارسین علی مرّ العصور. فنظراً الی مکانة شعره فی الأدب العربی واحتواءه علی الفنون المتعدّدة، بدأنا بتصفح دیوان هذا الشاعر الکبیر ورأینا أنّ للون دوراً خاصاً فی شعره، فمن هذا المنطلق حاولنا فی إطار المنهج الوصفی _ التحلیلی، الإجابة عن الأسئلة التالیة:
فللإجابة عن هذه الأسئلة، استخرجنا الأبیات التی تحمل الصبغة اللونیة وأحیانا تحمل معنی اللون وقسّمناها علی قسمین: قسم استخدم الشاعر فیها الألوان الرئیسة وأحیانا الألوان الفرعیة وقسم آخر استخدم الدلالات الرمزیة والتصریحیة فیها. وتجدر الإشارة الی أنّنا قمنا بإجرائیات احصائیة حول اللون فی دیوان المتنبی برمته وقمنا بتحلیل الأبیات المستخرجة التی تحتوی علی استخدام لون من الألوان ورکزّنا خاصّة علی الأبیات التی استخدم الشاعر فیها اللون فی المعنی الرمزی. ولأجل تبیین احصائیات استخدام الألوان، أتینا بجداول عدة تشیر الی تواجد اللون فی شعر المتنبّی من الجوانب المختلفة کالألوان الرئیسیة والفرعیة. خلفیة البحث قد کثرت الدراسات الأدبیة والنقدیة التی تناولت اللون، نتطرق إلی عدة منها: عصام شرتح فی مقالة (2006م) "جمالیات اللون فی شعر أبی العلاء المعری" یری أنّ مفردة اللون تتردد فی أشعار المعری بشکل یفوق مفردات أخری سواء الألوان الصریحة، أم المؤولة مثل: الشمس والصبح والذهب و... أنّ الشاعر وظفّ دوالّه اللونیة علی المستوی البلاغی فی الصور الفنیة کالتشبیه، والاستعارة والکنایة والتجرید ویقول أنّ المعری مع أنّه کان کفیفا، کثیرا ما استفاد من العلاقات اللفظیة عند المبصرین. محمد قرانیا (1997م) فی مقالة "ظاهرة اللون فی القرآن الکریم" یتحدث عن استعمال الألوان فی القرآن الکریم، ویقول أنّنا نری ستة ألوان فی القرآن، وهی الأخضر والأصفر والأبیض والأسود والأحمر والأزرق، کما أنّ هناک ألفاظ أخری تحمل معانی الألوان من دون لفظها. أحمد عبدالله محمد حمدان(2008م) فی رسالة باسم "دلالة الألوان فی شعر نزار قبانی" یقول أنّ الألوان قد احتلت مکانة واسعة فی شعر نزار قبانی وأنّ نزار قبانی استخدم الألوان فی أبعاد رمزیة دائما لأنّه کان یعیش فی مکان مکتظ بالأزهار الملوّنة. عدنان محمود عبیدات (2011م) فی مقالة "جمالیات اللون فی مخیلة بشار بن برد الشعریة" یتحدث عن اللون عند بشار ویأتی بنماذج من الأبیات التی استخدم الشاعر اللون فیها ومن ثمّ یقسم الأشعار علی أساس الأغراض الشعریة. مرضیة آباد (2012م) فی مقالة "دلالات الألوان فی شعر یحیی السماوی" تقوم بالتحلیل والوصف والإحصاء فی تناول الألفاظ اللونیة وتری أنّ السماوی من الشعراء المعاصرین الذین قاموا بتوظیف الألوان الرمزیة علی مستوی وسیع. فرح غانم صالح حمید تابیرمانی (2012م) فی مقالة "دلالة اللون فی الشعر النسوی العراقی المعاصر" تتحدث عن رقة الشاعرة العراقیة وجمالیة تعاملها مع اللون ودلالته، لاسیما اللون الأخضر والأحمر اللذان کانا أکثر اقتراباً من إحساس الشاعرة العراقیة المعاصرة فی معالجة قضایاها الوجدانیة. کما أنّ هناک کتبا عدیدة تتحدث عن اللون کفقه اللغة للثعالبی، اللغة واللون لأحمد مختار عمر وکثیر من الکتب التی تحتوی موضوع اللون. بناء علی الدراسات التی قد أجریت، وصلنا الی أنّه لا یوجد أی بحث أو مقال یقوم بتحلیل ودراسة دلالة اللون عند المتنبی، من هذا المنظر یبدو أنّ هذا المقال یحمل فی طیاته شیئا جدیدا. دلالة الألوان وإیحاءاتها للون قدرة علی الکشف عن شخصیة الإنسان، لأنّ کل لون من الألوان یتعلق بمفهومات معینة، ویمتلک دلالات خاصة، فعن طریق الکلمة تصاغ الدلالة اللونیة، فألفاظ الألوان الزاهیة المبهجة تشرح الصدر، وألفاظ الألوان الداکنة القاتمة تؤدی إلى التوتر أو الحزن. «إنّ الألوان لیست خالیة من دلالات جمالیة، وتعبیریة، وأحیانا رمزیة، بل هی صور تعبر عن موضوعات الحیاة، وانفعالات الفنان بها ولیست لتنمیق الکلام فحسب.» (حاجی آبادی وآخرون، 1390ش: 88) لون الأبیض لون یعبر عن الصفاء والنقاء وهو لون فاضل. وهذا اللون یعنی الأمل النابع فی وسط الظلام وله تأثیر فعال یوحی بالصدق والأمانة کما یوحی بالبراءة والإخلاص. أما فی الشعر العربی فیعدّ من الألوان التی کثر حضوره، ویقترن کثیراً ما بجمال المرأة وجلال الرجل ورهافة السیوف والدروع فی الشعر الجاهلی. لون الأسود رمز الحزن والألم والموت، کما أنه رمز الخوف من المجهول والمیل الی التکتم، ولکونه سلب اللون یدل علی العدمیة والفناء. حیث أنّه رمز خیبة الأمل، ولذلک فإن المتعاملین معه عادة ما یتصفون بالسلبیة.» (المحلاوی، لاتا: 53) أمّا اللون الأحمر فهو من الألوان الدافئة وبشکل عام یرمز هذا اللون للقوة والطاقة والحیویة والنشاط، کما أنه یرمز للفرح والسعادة والثقة بالنفس، وظهور اللون الأحمر کثیرا فی هالة الإنسان یعنی میل الإنسان لاستخدام القوة الجسدیة. فهذا اللون یثیر النظام الفیزیقی نحو الهجوم والغزو، وهو فی التراث مرتبط دائما بالمزاج القوی وبالشجاعة والثأر. (عمر، 1997م: 184) اللون الأصفر من الألوان الأساسیة وهو لون دافئ، یحمل معانی قویة فی التأثیر، وناجح فی جذب الإنتباه، وبشکل عام هذا اللون یدل علی العقل وحدة الذکاء. إنّ اللون الأخضر لون الطبیعة الخصبة ویمثل التجدد والنمو والأیام الحافلة للشبان الأغرار. یرتبط هذا اللون بمعانی الدفاع والمحافظة علی النفس، فهو الی السلبیة أقرب منه الی الإیجابیة کما یتصف بالإتزان والإعتدال ویستمتع معه الناظر بالراحة والإسترخاء...فیعطی الشعور بالهدوء والسکینة. (خلیفة، 1992م: 102) اللون الأزرق: من الألوان الباردة، فهو یثیر الشعور بالإسترخاء ویناقض الإثارة. ویثیر الشعور بالراحة والسلام وأنه یؤثر علی جسم الإنسان فیجعله ینتج مادة کیمیائیة تسبب تخدر فی المشاعر واستقرار فی العواطف. (حاجی آبادی وآخرون، 1390ش: 88) دلالات الألوانعند المتنبی إنّ المتنبی استخدم اللون بشکل غیرعفوی فی أشعاره، إلّا أنّنا لا نستطیع أن نحکم علی أنّه استخدم الألوان استخداما رمزیا کشعراء العصر المعاصر الذین یعرفون الرمز ویستخدمون الألفاظ لکی تدل علی المعانی الأخری، لکن نشاهد أنّه أحیانا خرج عن الإطار المألوف واستخدم الألوان استخداما بعیدا عن المعنی الحقیقی، کما أحیانا استخدمها فی المعانی المضادّة لها. إنّه کان شاعر البلاط وکان یمدح الملوک خاصّة سیف الدولة وکافور الأخشیدی حینا وحینما أخلف کافور وعده تجاه المتنبی، هجاه وفی کلّ من هذه الظروف کان یستخدم الألوان حسب الموقف الخاص بها وبما أنّه عاش فی العصر الذی شاهد کثیرا من الحروب والنزاعات، فهو کان یصف هذه المواقف والأحداث، إذن یتحدث عن ألوان المشاهد الحربیة والأدوت الخاصة بها کالسیوف والرماح. الأسود: إنّ الأسود لون محبب للنفس حینا وبغیض أحیانا أخری، وذلک حسب موضعه وسیاقه الذی یقع فیه؛ فهو محبب فی الشّعر والعین واللثة، لکن یستنبط منه فی معظم الأحیان الحزن والتشاؤم، کما یقول عمر أحمد مختار فی کتابه اللغة واللون «فقد کان العرب یتشاءمون حتی من مجرّد النطق بهذا اللون أو أحد مشتقاته.» (خلیفه، 1992م: 103) استخدم المتنبی الأسود رمزا وتصریحا. یفضَح الشمس کُلَّما ذَرَّت الشمـ ـسُ بِشَمسٍ مُنیرةٍ سَودَاءِ إِنَّ فِی ثَوبِکَ الذی المَجدُ فِیهِ لَضِیاءً یُزرِی بِکُلّ ضِیاءِ إِنَّما الجِلدُ مَلبَسٌ وابیِضَاضُ النَّفــ ـسِ خَیرٌ مِن ابیِضَاضِ القبَاءِ (العکبری، لاتا: 1/35) هذا المقطع من احدی قصائد المتنبی فی مدح کافور الأخشیدی، والشاعر أشاد بأخلاق الممدوح الکریمة وفضّله علی الأخرین رغم سواد بشرته. نشاهد أنّ دلالة اللون أخذت بعدا رمزیا ولیس المعنی الحقیقی فی القصیدة، فالمتنبی استخدم اللون الأسود علی طریقة الإنزیاح وأعطاه نوراً «یزری بکلّ ضیاء» ومنحه قدرة تفوق علی القدرات الأخری. «أنه فی سواده مُشرق، فهو باشراقه فی سواده یفضح الشمس.» (المصدرنفسه: 34) هذا من الدلالات الجدیدة التی أعطاها المتنبی للألوان إذ لا نری عند الأخرین أن یکون السواد منیرا. والشاعر لا یکتفی بمدح سواد الممدوح، فیمیل نحو البیاض وإیحاءاتها الإیجابیة ویربط بین الممدوح والبیاض، بأنّه ذو أخلاق ومکارم بیضاء، ثمّ یقارن بین الذی ظاهره أسود وباطنه أبیض مع عکسه ویرجحّ الأول علی الأخیر. «إنما الجلد بمنزلة اللباس فلا قیمة لبیاضه وإنما المعول علیه بیاض النفس ونقاؤها من العیوب.» (البرقوتی، 1368ش: 1/23) الملفت للانتباه فی هذه الأبیات أنّ المفردات المرتبطة بالبیاض والنور تتکرر خمس مرات "منیرة"، "ضیاء" (مرتین)، "ابیضاض"(مرتین) ونری "السواد" فی مفردة واحدة "السوداء" ویمکن أن تحمل هذه الظاهرة وجوهاً: الأوّل: أنّ الشاعر یصبغ الأبیات بصبغة إیجابیة باتیان هذه المفردات وإیحاءاتها الإیجابیة. الثانی: یمکن أن تحمل هذه المفردات رمز الإزدراء والإهانة، لأنّ الشاعر یذکّر الممدوح بلونه الأسود من خلال الأبیض. وعَجاجَةً تَرَکَ الحدیدُ سَوَادَها زَنجاً تَبَسَّمَ أَو قَذَالاً شائِبَا فکأَنّما کُسِیَ النَّهارُ بِها دُجی لَیلٍ وأطلَعَتِ الرماحُ کَوَاکبا (المصدرنفسه: 1/128) من عادة العرب أن یصفوا شدة الحروب بکثرة العجاج وظلم الجوّ نتیجة العجاج والغبار، کما رأینا عند البشار إذ یقال: «کأَنّ مثارَ النَقعِ فوقَ رؤوسِنا وَأسـیَافُنا لَـیلٌ تـَهاوِى کَـواکِبه» (الهواری، 1988م: 76) «تبرق الأسلحة من خلال الغبار الأسود فیبدو بریقها کابتسام الزنج، بیاضا فی سواد.» (سببتی، 1986م: 155) والمتنبی وصف الحرب الشدیدة بظلمة جوّها ولمعان تصارع السیوف والرماح ویزین هذا المنظار بتشبیه الغبار الی سواد وجه انسان زنجی أو شعر کثیف واللمعان وسط الظلمة کأسنان الزنجی البیضاء وسط وجهه الأسود، أو کالعنق الأبیض الجمیل وسط الشعر الأسود الکثیف أو کالنجوم المتألقة فی لیل مظلم. کأن النهار ألبس بتلک العجاجة ظلمة اللیل وکأن الرماح أطلعت من أسنتها کواکب أو أطلعت هی کواکب فی تلک الظلمة.» (البرقوتی، 1368ش: 92) فنری أنّ المتنبی فی تشبیهاته الثلاث یستخدم لونی الأبیض والأسود وبامتزاجهما شکّل صورة لافتة رائعة. فللون فی هذه الصور دور أساسی، خاصّة الأبیض الذی هو أساس جمال الصور، والسواد هنا رمز لشدّة الحرب. کالکأسِ باشَرها المِزاجُ فأَبرَزَت زَبَداً یَدُورُ علی شَرَابٍ أسوَدِ (المصدرنفسه: 2/17) الشاعر یرمز بالأسود الی شدّة احمرار الرحیق وهذا یدلّ علی جودته وأصالته، ولکن فی الحقیقة لون الشراب أحمر ویستعمل لون الأسود استعمالا إیجابیا کما تمّ استخدامه فی وصف آنیة العطر والعبیر بقوله «وَسَودَاءَ مَنظُومٌ علیها لآلِئٌ لَهَا صُورةُ البِطِّیخِ وَ هیَ مِنَ النِدِّ» (المصدرنفسه: 2/18) الأبیض: إنّ اللون الأبیض عند المتنبی یقع فی المکان الثانی بعد الأسود و«یحتلّ اللون الأبیض المرتبة الثانیة بعد اللون الأسود، حسب تمیز الألوان عند الشعوب المختلفة، ویعتبر من الألوان الباردة، التی تثیر الشعور بالهدوء.» (عبدالوهاب، 1985م: 85) اللون الأبیض یعطی دلالة النقاء والطهر والسذاجة فی آن معا. إِذا الشُرُفاءُ البِیضُ مَتُّوا بِقتوِهِ أتی نَسَبٌ أعلی مِنَ الأبِ و الجَدِّ (العکبری، لاتا: 2/66) اللون الأبیض یدلّ علی الطهر والنقاء، وهنا یرمز الشاعر بهذا اللون الی الأشخاص الأبرار والأخیار. القصد من الشرفاء البیض أی الذین اعمالهم ناصعة نظیفة، ولفظ الشرفاء یدلّ علی أنّهم من الأنساب الفضیلة و عالیة المستوی من المجتمع، فالبیض یضیف الی شرافتهم ونجابتهم جانبا إیجابیا ویکون بمثابة تأکید للشرف والنبل لدی الناس المقصودین. وبعدما تکتمل صورة العباد والشرفاء، یدعی الشاعر أنّ الممدوح فی مقام أعلی من آباء وأجداد هولاء الشرفاء وهکذا یُعلی درجة الممدوح الی مستوی أفضل وأشرف الناس. «اذا تقرّب الشریف بخدمة إلیه حصل له بخدمته نسب أعلی من نسب الأب والجد، أی صار بخدمته إلیه أعزّ منه بأبیه وأمه.» (المصدرنفسه: 66) لَیالی عندَ البِیضِ فَودایَ فِتنَةٌ وَ فَخرٌ وَ ذاکَ الفَخرُ عِندیَ عابُ (المصدرنفسه: 1/189) کان العرب یعجب بإنسان أبیض الوجه، خاصّة حینما تکون المرأة، إذن تغزل الشعراء بالنساء البیض فی أشعارهم کثیرا وقد افتخروا بعلاقاتهم معهنّ کما نری عند امرئ القیس و عمر بن أبی ربیعة. أمّا المتنبی فیدّعی أنّه لا یفتخر بسمراته مع النساء الجمیلات البیض وعلی عکس الآخرین یعتبره عیبا علی نفسه. وفی هذا البیت من الشاعر نشاهد نوعا من النرجسیة، لأنّه یرتفع نفسه عن الأخرین. «تمنیت ذلک لیالی کان شعری عند النساء فتنة لسواده وحسنه، وکنّ یفتخرن بوصلی، ذلک الوصل عندی عیب، لأنی أعف عنهنّ.» (المصدرنفسه: 189) عَصَفنَ بِهِم یَومَ اللُّقانِ و سُقنَهم بِهِنزیطَ حتی ابیَضَّ بالسَبّیِ آمِدُ (المصدرنفسه: 1/274) فی هذا البیت یمدح الشاعر سیف الدولة ویتحدث عن فوزه فی الحرب، ویستعمل لون الأبیض استعمالا رمزیا ویقول أنّ سبب ابیضاض آمد کثرة الأسراء الذین جاء بهم سیف الدولة الی هذه المنطقة وهذا الأمر یدلّ علی السعادة والنصر فی الحرب وتفاؤل الشاعر بهذا الحادث، إذا استطاع جیوش الممدوح أن یسیطر علی عدّة مدن الرومان حیث "عصفت بهم" أیّ أهلکتهم. (سببتی، 1986م: 2/70) ویقول البرقوتی فی شرح البیت «عصفت بهم خیلک وأتت علیهم هلاکا یوم أغرن علیهم بهذا المکان وساقتهم أساری حتی ابیضت أرض آمد بکثرة من حصل بها من الأساری من الجواری والغلمان.» (البرقوتی، 1368ش: 182) الأبیض والأسود معاً کثیرا ما نشاهد صنعة المقابلة فی الألوان عند المتنبی، خاصّة فی لونی الأسود والأبیض إمّا رمزیا وإمّا تصریحیا. فَالیلُ حِینَ قَدِمتَ فِیها أَبیضٌ وَالصُّبحُ مُنذُ رَحَلتَ عنها أسودُ (المصدرنفسه: 1/334) فی هذا البیت یأتی الشاعر بلونین متناقضین؛ هما أبیض وأسود ولکلّ منهما دلالته المعروفة الشائعة فی هذا البیت. لکن یرمز الشاعر بوصف اللیل الذی هو من أوضح أمثال الظلمة والقتامة بالأبیض، وبوصف الصبح الذی هو بدایة انجلاء النور بالأسود خارج عن إطار دلالاتهما الأولیة، الی أنّ هناک علاقة مباشرة بین تواجد الممدوح ووجود النور، لأنّ الممدوح میمون ومبارک ترافقه هذه المیمنة کنور یبدّل اللیل بالنهار وعدم وجوده یبدّل النهار باللیل وهو یفصل اللونین عن معناهما الحقیقی. «یقول: هذه البلدة لما قدمتها ابیض بنورک لیلها، واسودّ صباحها مذ خرجت عنها.» (المصدرنفسه: 334) مَن عَلَّمَ الأَسودَ المخصِیَّ مَکرُمَةً أ قَومُهُ البِیضُ أم آباؤهُ الصِّیدُ (المصدرنفسه: 2/46) یحاول المتنبی أن یجمع بین عدّة عیوب للکافور فی هذا البیت ویطلقها نحوه کالسهام النافذة. فیذکر السواد والخصی والنسب الردئ غیر الشریف ویطرح هذه العیوب من خلال استفهام إنکاری دون الخبریة، حتی یکون للجملة أثر کبیر فی السامع من خلال الاستفهام. وهناک إیهام التناسب بین کلمتی "الأسود"و "الأبیض"، علاوة علی کونهما تضادا أو طباقا، فالسامع حینما یسمع البیض یبادر الی ذهنه اللون الأبیض ولکن فی الحقیقة یقصد الشاعر لأشخاص والکرام والنبلاء وینکر أن یکون للکافور قوم نبیل. فیطرح الشاعر الأسود فی ذروة السلبیة والوقاحة ویسلب منه أسباب المروءة والرجولة. فیُشاهد فی البیت هجاء مقذع للکافور عن طریق استعمال لونین أحدهما یستخدم فی المعنی الحقیقی وهو الأسود والثانی یستخدم فی المعنی غیر الحقیقی وبشکل رمزی، وهو الأبیض. «یرید تحقیر شأنه، وأنّه مملوک وثمنه قلیل.» (المصدرنفسه: 46) «البیض هنا الکرام أیّ بیض الأعراض، ویقول: إنّ هذا الأسود لا یعرف المکرمة ما هی لانه عبد أسود لم یرث آباءه مجدا ولا مکرمة.» (البرقوتی، 1368ش: 274) لَبَسَ الثُّلُوجُ بِها علی مَسالِکی فَکَأنَّها بِبَیاضِها سَوداءُ (المصدرنفسه: 1/18) من أهمّ میزات شعر المتنبی فی مجال الألوان، أنّه قد یعطی دلالات مختلفة عمّا هی شائعة فی الثقافة العربیة للألوان، کما نری أنّه فی هذا البیت یعطی دلالة الضلال والتوه للون الأبیض، لأنّه کما قیل اللون الأسود لون التوه والضلال والشوم فی الثقافة العربیة والإسلامیة ولکنّ المتنبی فی هذا الموضع یحمل دلالة رمزیة للون الأبیض ویحمل دلالة الضلال علی البیاض الذی رمز للهدایة والنقاء والسعادة. وهکذا یدخل فی مجال الإنزیاح ویخرج من النطاق المعروف لدلالة الألوان. «أنّ الثلوج عمت علیّ مسالکی، ولبس الشئ: إذا عمّاه، أیّ: أخفی هذا الثلج بهذه العقاب طرقی علیّ، فلم أهتد لکثرتها وبیاضها، والأسود لایُهتدی فیه، فکأنّها لبیاضها إذ لم یُهتد فیها اسوّدت، وهذا من أحسن الکلام.» (المصدرنفسه: 19)کما یقول سببتی: «ضللت علی الثلوج رغم بیاضها کأنّی أمشی فی لیل حالک.» (سببتی، 1986م: 170) الأحمر الأحمر مرتبط بالدم حینا وبألوان المسرة حینا آخر، بما فیه من توهج وحرارة تنبعث من صوتها الرئیس "الحاء". (عبدالقادر، 2003م: 48) مَنِ الجَآذِرُ فِی زِیِّ الأعاریِبِ حُمرُ الحُلی وَ المَطایا و الجَلابِیبِ (العکبری، لاتا: 1/159) لون الأحمر فی الثقافة العربیة القدیمة یدلّ عادة علی الجمال وهو لون الغناء والترف، ففی النظرة الأولی فی هذا البیت للمتنبی، یبدو أنّ المرأة الموصوفة، غنیة متمولة وهذا محبوب عند العرب. ومن جانب آخر إنّ الأحمر لون یدلّ من وجهة نظر علم النفس علی الأمیال النفسانیة (لوچر، 1369ش: 83) وربّما ارتداء المرأة الثیاب الحمراء، یزید من درجة الحبّ والإنجذاب من جانب الرجل. «هذه النسوة فی زیّ الأعاریب ومتحلیات بالذهب الأحمر وممتطیات النیاق الأحمر ومشتملات فی الثیاب الحمراء، یعنی أنّهن من نساء الملوک لأن الحمرة لون ملابس الأشراف عندهم والنیاق الحمر أکرم النیاق لدی العرب.» (البرقوتی، 1368ش: 114)کما قال العکبری: «شبههن بالجآذر لحسن عیونهن، حمر الحلی: أیّ متحلیات بالذهب الأحمر، وحمر المطایا: أحسن ألوان الإبل، وحمر الملاحفة: یرید أنّهن علیهنّ ثیاب الملوک، وهنّ شواب.» (العکبری، لاتا: 160) مِن کُلّ أحوَرَ فِی أنیابِهِ شَنَبٌ خَمرٌ مخامِرُها مِسکٌ تُخامرُهُ نُعجٌ مَحَاجِرُهُ، دُعجٌ نَوَاظِرُهُ حُمرٌ غَفائِرُهُ، سُودٌ غَدَائرُهُ (العکبری، لاتا: 2/116) یصف الشاعر فی هذین البیتین جماعة النساء الجمیلات بعدّة أوصاف وکلّ وصف یرافق لونا خاصّا بها. فبدایة یصف النساء ب"أحور" بمعنی العین الشدیدة السواد وهو النوع الأفضل من العیون عند العرب، ثمّ یصفهن بالأحداق البیضاء والعیون السوداء، والشعر الأسود الذی یستره ثوب أحمر، فالصورة التی یرسمها الشاعر تمتزج فیه عدّة ألوان: الأسود، الأحمر، الأبیض، والامتزاج یعطی حیویة خاصة للصورة، إذ للأحمر الذی یأخذ الحیویة والجریان من الدمّ، دور خاصّ فی هذا المجال، والألوان الموجودة فی الصورة تحمل إیحاءات إیجابیة ویصوّرها الشاعر ألوان محبوبة وجمیلة. کما أنّه یذکر الأحمر للون لثیابهم حتی یرمز الی النساء بأنّهن جمیلات ثریات. «هنّ بیض المحاجر لبیاض ألوانهن، سود الأعین، حمرُ المقانع، لکثرة طیبهنّ بالمسک والزعفران، سودُ الذوائب.» (المصدرنفسه: 116) وَ لَطالَمَا انهَمَلَت بِماءٍ أحمَرٍ فی شَفرَتَیهِ جَماجِمٌ وَ نحُورُ (المصدرنفسه: 2/133) الشاعر یرثی الممدوح ویصف شجاعته فی الحروب ویرمز بماء أحمر الی الدم المراقة من رؤوس القتلی. أنّه یشبّه الدم بماء أحمر لکی یری المخاطب شدّة الحرب وشدّة الدماء المهراقة من الخصم، ولکی یشیر من خلالها الی شجاعة وجرأة الممدوح ومقدرته فی الحرب. «طالما سالت الجماجم والنحور من الأعداء فی سیفه.» (المصدرنفسه: 133) «الماء الأحمر کنایة عن الدم.» (سببتی، 1986م: 116) و یَمشی بِهِ العُکّازُ فی الدَّیرِ تائِبا وَ ما کانَ یَرضَی مَشیَ أشقَرَ أجرَدَا و ما تابَ حتی غادَرَ الکرُّ وَجهَه جریحاً وَخلَّی جفنَه النَّقعُ أرمَدا (العکبری، لاتا: 1/284) الفرس الأشقر من أفضل أنواع الفرس والعدو الذی کان لا یرضی أن یرکب هذا الفرس، بسبب غروره و تمکنه، إنّه عدو قوی والتغلب علیه یدلّ علی قوّة الممدوح من جانب، ومن جانب آخر إصابة العدو القوی بالأرمد فی العین نتیجة الحرب الواقعة بینه وبین الممدوح یدلّ علی وقعه فی المصائب. یمکن القول أنّ الأرمد بما فیه من عدم الوضوح والتذبذب بین الأبیض والأسود، یدلّ علی عدم وضوح مصیر العدوّ هل هو سیصبح قویا کما کان أم ینحدر نحو الشقاء والبؤس، أو انّ العدو أصاب بالغموض والإبهام ولا یدری ماذا سیواجه فی المستقبل، إذن هناک وضوح فی استعمال أشقر والغموض الموجود فی أرمد انتقل الی دلالته الخارجیة فی الإبهام وعدم التمییز. «الأشقر الفرس الأصیل.» (سببتی، 1986م: 124) «إنه لما خافک ترهب وتاب، وأخذ عصا مشی علیها، بعد أن کان لا یرضی بمشی الخیل السراع، وذلک لما لحقه من الهم، ضعف حتی صار لا یقدر أن یمشی إلا علی عُکازه.» (العکبری، لاتا: 284) الأخضر هذا اللون یدخل فی الاستعمال المجازی بنوعیه الإستعاری والمجاز المرسل، وذلک عائد لما فی الخاء من لیونة وطراوة و ذلک لامتلاء الأخضر بالماء، ویساعد صوت الراء علی استمرار الصفة فی جریان الماء وانسیابه فی العروق مما یزید فی طراوته ونداوته. (ابن جنی، 2001م: 1/510) لهم أوجهٌ غُرٌّ، وأیدٍ کَریمةٌ وَمَعروفةٌ عِدٌ، وألسنةٌ لُدُّ و أردِیَةٌ خُضرٌ وَ مُلکٌ مُطاعَةٌ وَ مَرکوزَةٌ سُمرٌ وَ مُقرَبَةٌ جُردُ (العکبری، لاتا: 1/382) الشاعر یصف نوعا من الثیاب وهو رداء أخضر، ویرمز به الی الملوک والأثریاء. لأنّ لون الأخضر لون السیادة «ارتداء الثیاب الخضر رمز للسیادة والملک والعرب یرجحّ هذا اللون علی الألوان الأخری، وهذا اللون یدلّ علی النشاط والطراوة.» (منوچهریان، 1387ش: 2/225) «اللون الأخضر یشیر إلی الخصب وکنّی به عن السیادة.» (سببتی، 1986م: 244) «ولهم أردیة خضر، لأنهم ملوک، ولأنّ خضرة الرداء یکنی بها عن السیادة ومملکة وسلطان مطاعة.» (العکبری، لاتا: 382) وَ لَیلٍ وَصَلناهُ بِیَومٍ کأنَّمَا علی مَتنِهِ مِن دَجنِهِ حُلَلٌ خُضرُ (العکبری، لاتا: 153/2) «العرب أحیانا یستخدم لون الأخضر بدل لون الأسود.» (منوچهریان، 1388ش: 545) کما فعل الشاعر هنا أشار الی سواد اللیل وظلمته بلون الأخضر. «کأنّ علی متن ذلک الیوم من ظلمة السحاب حُللاً سُودا، والسواد یسمی خضرة.» (العکبری، لاتا: 153) الأحمر و الأخضر معاً یَلقَاک مُرتَدیا بأحمَرَ مِن دَمٍ ذَهَبَت بخٌضرتِهِ الطُلَّی و الأکبُدُ (المصدرنفسه: 339/1) یصف المتنبی افراد جیش الممدوح ویخاطب الممدوح بهذا البیت فی وصفهم. احمرار السیف علامة من علامات شجاعتهم وخوضهم فی المعرکة. ویبدو أنّ هناک دلالة رمزیة فی خضرة السیوف، ویمکن القول أنّ الشاعر أتی بالخضرة للسیوف حتی لا یتبادر الی الذهن أنّ هذه السیوف ظالمة أو استخدمت لقتل الأبریاء و الضعفاء، فیشیر الیها بالخضرة حتی یوحی بخضرة السیوف الی خضرة الإسلام وتبرّک هذا اللون فی الثقافة الإسلامیة، ویزیل سوء الفهم الذی قد یؤدی إلی سوء النظر إلی جیش الممدوح والممدوح نفسه أیضا. «أنّه یلقاک کلّ واحد منهم متقلد السیف قد احمرّ من الدم، وزالت خضرة جوهره بدماء الأعناق والأکباد، فکأنه أبدل من الخضرة حمرة من دم الأعناق والأکباد وهذا معنی حسن.» (المصدرنفسه: 339) «الخضرة لیست لون یستحب وصفه به، الطلی الأعناق.» (سببتی، 1986م: 94) حتی دَخَلنا جَنَّةً لَو أَنَّ ساکِنَها مُخَلَّد خَضرَاء حَمراءَ التُّرا بِ کأنَّها فی خَدِّ أغیَد (المصدرنفسه: 251) یصف المتنبی فی هذین البیتین جمال قریة وبعدما یشبهها بالجنّة یدخل فی توصیف أرضه. فیصف الأرض بالخضراء بسبب الظروف الخاصّة لبیئتهم وجفاف أرضهم فی أکثر الأماکن وعلی جانب اللون الأخضر نری الشاعر یصف التراب باللون الأحمر ویشبهه بخدّ الحبیبة.«شبه خضرة نباتها علی حمرة ترابها بخضرة العذار علی حمرة خد اغید.» (البرقوتی، 1368ش: 250) الأصفر صفرة اللون یدلّ علی الذبول والشحوب والجفاف والمرض، لما فیه من خفة فی الفاء وما یتأتی من تکرار الراء، الدالة علی الذبول والشحوب والجفاف الصوتیة السابقة، مما یجعل الصوت کنبتة هزیلة جافة تطیر مع حرکة الریح.» (عبدالقادر، 2003م: 23) قالَت وَ قَد رأتِ اصفِرارِی مَن بهِ و تَنَهَّدَت فَأجِبتُها المُتَنَهِّدُ (المصدرنفسه: 1/328) فالشاعر یستخدم اللون الأصفر لکی یشیر الی لون الوجه، خاصّة حینما یعانی من ألم فراق الحبیب، إذا لا نشاهد دلالة رمزیة فی البیت.«سألت عن مسبب اصفرار وجهی وتنهدت فقلت لها المسبب هو من تنهد أی أنت.» (سببتی، 1986م: 90) الأزرق فهو الأقل شیوعا فی الموروث الإنسانی لاسیما العصر الجاهلی وأهمیته بالدرجة الأولی لاقترانه بالسماء(حمدان، 2008م: 27و28) وَ ما طَلَبتُ زُرقَ الأَسِنةَ غَیرَه وَ لکّنَ قُسطَنطینَ کانَ لَهُ الفِدا (العکبری، لاتا: 51) یستخدم الشاعر فی هذا البیت الزرق کصفة للأسنّة وهذا یدلّ علی حادّتها، الزرق هنا تعنی الأسنة، غلبت علیها صفة الزرق حتی صارت اسما لها، لما تحویه الزرقة من معنی الصفاء، وخیر الأسنة ما هی صقیلة صافیة، ومن مضمون هذا البیت نستدل علی أنّه بکلمة الزرق یرید معنی بعیداً عن المعنی اللونی وهو الأسنة. فکلمة الزرق هنا إذن قد بعدت عن المعنی اللونی، واقتصرت فی الدلالة علی الأسنة. «فالأسنة تکنی بالزرق لما فی لونها من الزرقة والصفاء.» (شرتح، 2005م: 14) الجداول جدول رقم (1) مفردات الألوان الرئیسة ومشتقاتها فی الدلالات الرمزیة والتصریحیة.
نلاحظ هنا عدم التوازن فی توزیع مفردات الألوان الرئیسة، وسیادة استخدام الأسود، أمّا الأزرق فهو الأقلّ استخداما. إنّ المتنبی استخدم لون الأسود أکثر من الأنواع الأخری فی الألوان. فهو 60 مرة استخدم هذا اللون. 16مرة اتخذ اللون دلالات رمزیة و44 مرة اتخذ دلالات تصریحیة، یستعمل فی المعنی الحقیقی. «إنّ المتنبی شاعر متشاؤم ویلقی لنا صورا قبیحة من عصره، إنّه لا یحارب أهل عصره فقط، بل یشاجر الدهر ویتربص لکی یظهر الدهر أمامه کإنسان حتی یخضب شعره بالقنا السمر.» (أنوار،1380ش: 69) إنّ الأسود عند المتنبی کثیر التناول جدّا وهذا یدلّ علی الإرتباک والقلق الذی اعترف به المؤرخون وأیضا کثرة استعمال "الأسود" دالّ علی أنّه کان ذا نظرة سوداویة، ویؤید هذا الرأی محمد فاضلی إذ یقول: «من جراء بعض اعتقاداته ینظر الی الدهر نظرة سوداء ویدعو الی تعطیل الحیاة، ویضع اللبنة الأولی لمقتفیه أبی العلاء المعری.» (فاضلی، 1372ش: 10) الأبیض هو اللون الذی احتلّ مکانة مرموقة بعد الأسود عند المتنبی، فإنّه یستخدم هذا اللون 39مرة، فی 11مرات نشاهد هذا اللون ذات دلالات رمزیة وفی 28مرة ذات الدلالات التصریحیة. أحیانا یستفید من هذا اللون فی هجوه للکافور ویستهزئه بهجاء کاریکاتوری مقذع، فیسمّیه بأبی البیضاء. کما یری فوزی عطوی «من خصائص شعر المتنبی الهجاء المقذع الموجع الذی یعکس خیبة المتمادیة بالناس والدهر وعکوفا علی جراحاته، وصدق انفعالاته وعمق ثورته النفسیة العارمة.» (عطوی، 1989م: 91) اللون الأحمر هو الذی احتلّ المکانة الثالثة عند المتنبی، فهو یستخدم 24 مرّة، فی 11 مرة هذا الاستخدام ذو دلالة رمزیة وفی 13 مرة ذو دلالة تصریحیة. هذا اللون رمز للمستوی الاقتصادی والاجتماعی للمرأة عند العرب. الأحمر لون الحیویة والنشاط وعند العرب هذا لون الترف والغناء. اللون الأخضر قلیل التناول عند المتنبی بالنسبة إلی الأسود والأبیض والأحمر، فالشاعر استخدمه فی 10 مرات 5 مرّات ذات دلالات رمزیة و5 أخری ذات دلالات تصریحیة. استعمال الأصفر والأزرق قلیل جدّا عند الشاعر، فهو یستخدم الأصفر 3 مرّات والأزرق مرّة واحدة. جدول رقم (2) استخدام الألوان الفرعیة عند المتنبی
إنّ الشاعر استخدم ستة من الألوان الفرعیة وهی الأسحم والفاحم والیقق والأشنب والأشقر والکمیت، فلا نشاهد دلالات رمزیة لها، بل هذه الألوان ذات دلالات تصریحیة وإنّنا نشاهد سیطرة لون الأسود فی لونی الأسحم والفاحم، علی ألوان "الیقق والأشنب والأشقر والکمیت"، إذا یمکن القول بأنّ هذا الاستخدام إحدی مؤشرات تشاؤم المتنبی علی جانب استخدامه الواسع للأسود. فالفاحم والأسود یکرران 4مرات والیقق والأشنب یکرران 3مرّات والکمیت والأشقر الذان فرعان من لون الأحمر یکرران مرّتین. جدول رقم (3) استخدام الألفاظ المرتبطة باللون عند المتنبی
نشاهد هیمنة الدجی والظلام من بین الألفاظ المرتبطة باللون فی شعر المتنبی وهذا یدّل علی أنّ له نظرة سوداویة تجاه الحیاة یبرز تشاؤمه فی استخدام الألوان والألفاظ المرتبطة بها، اضافة علی المضامین و الأفکار المطروحة فی اشعاره، فهو دائماً یشکو من الشقاء والإدبار، کما یقول: «أبدا قطع البلاد ونجمی فی نحوس وهمّتی فی سعود.» (العکبری، لاتا: 110) هذا الأمر یدلّ علی أنّ المتنبی اهتمّ باستخدام الألوان، ولا یمکن أن نعتبر استعمال الألوان عنده علی الصدفة، وکثرة الألفاظ المرتبطة باللون یزول الشک عن هذا الأمر، کما أننا لا نرید أن نحکم بحکم صارم علی أنّه استخدم الألوان کالشعراء العصر الحدیث استخداما واعیا ورمزیا.
النتائج التصفح فی دیوان المتنبی یظهر للمخاطب أنّه استخدم ألفاظ الألوان المتناقضة، حینا بشکل تصریحی وأحیانا بشکل رمزی ومعجمه اللغوی یتناول الألوان الرئیسة فی معظم الأحیان وهی الأبیض والأسود والأحمر والأخضر والأصفر والأزرق، وقلیلا ما نشاهد استخدام الألوان الفرعیة عنده، إلّا وهی الأسمر والکمیت والأشقر. أمّا عن حضور الألوان فی أعمال المتنبی وکثافته، فیلاحظ التباین الدلالی و تغییر الدلالات أحیانا وهو الإنحراف عن الدلالات العرفیة فی اللغة، ولها دلالات تتراوح بین الایجابیة و السلبیة خاصّة فی لونی الأبیض والأسود. کما أنّ هناک دورا خاصا للونی الأسود والأبیض عند الشاعر وکثیرا ما نلاحظ استخدام هذین اللونین الی جانب البعض فی صنعة المقابلة، لأنّ الثنائیة الضدیة فی اللونین مثار جمالی والضد یظهر حسنة الضد. فإنّه قد اتخذ الأسود والأبیض رمزا للتناقض للحسن والقبح، للخیر والشر، وإذا ندقق فی أبیاته لوجدنا أنّ هناک تلازما واضحا عنده بین الضوء والظلام واللونین الأبیض والأسود، فهو لا یکاد یذکر ضوء الصباح إلّا ویقرنه بالبیاض ولا یذکر ظلام اللیل إلا ویقرنه بالسواد. اللون الأسود یستخدم عادة فی المدح ذات دلالة إیجابیة وفی الهجا ذات دلالة سلبیة، ففی المدح لون جمیل و محبوب ویفضله الشاعر علی لون الأبیض وهو مظهر الجمال عند العرب وفی الهجا لون مشؤوم ومنحوس. ونشاهد سیطرة لون الأسود علی سائر الألوان، کما نشاهد سیطرة الدجی والظلام علی الألفاظ المرتبطة باللون عند الشاعر، وهذا الأمر یدلّ علی تشاؤمه ونظرته السوداویة تجاه الحیاة. تأتی الألوان عادة فی الکلمة الأخیرة فی الأبیات، ونلاحظ تکرار اللون مرتین أو ثلاث مرّات فی بیت واحد إمّا هذه الألوان مرادف وإمّا متضادّ. کما أنّ الشاعر قد یستخدم صفات غلبت علی موصوفها حتی صارت اسماً له. لون الأحمر عادة یستخدم کرمز للتعریف بالمستوی الاجتماعی والاقتصادی للمرأة آنذاک، وأحیانا نراه فی الدلالات الصریحة کلون الدم. الدلالات الصریحة غالبا تُلاحظ فی الوصف إمّا وصف الطبیعة ووصف الممدوح، أو وصف ادوات الخاصّة بالحروب کالسیوف والأسنّة والرماح وما الی ذلک.
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
انوار، سید امیر محمود. (1380ش). سعدی و متنبی. تهران: انوار دانش. البرقوتی، عبد الرحمن. (1368ش). شرح دیوان المتنبی. ط1. طهران: مطبعة ارومیه ئی. سببتی، مصطفی. (1986م). شرح دیوان أبی الطیب المتنبی، ط1. بیروت: دار الکتب العلمیة. حسین، طه. (لاتا). مع المتنبی. دارالمعارف: مصر. عبدالوهاب، شکری. (1985م). الإضاءة المسرحیة. القاهرة: الهیئة المصریة للکتاب. عطوی، فوزی. (1989م). المتنبی شاعر السیف و القلم. ط1. لامک: دار الفکر العربی. عمر، أحمد مختار. (1997م). اللغة و اللون، ط2، القاهرة: عالم الکتب. الفاخوری، حنا. (1377ش). تاریخ ادبیات عربی. ط1. طهران: انتشارات توس. فاضلی، محمد. (1372ش). التعریف بالمتنبی من خلال اشعاره. دانشگاه فردوسی مشهد. العکبری، أبی البقاء. (لاتا). دیوان المتنبی المسمی بالتبیان فی شرح الدیوان. ضبطه وصححه ووضع فهارسه: مصطفی السقا وزملاؤه. بیروت: دارالمعرفة. منوچهریان، علیرضا. (1387ش). ترجمه و تحلیل دیوان متنبی از شرح البرقوتی. انتشارات زوّار. هاشم، جوزف. (لاتا). ابوطیب المتنبی؛ دراسة ونصوص. لامک: دارالمفید. الهواری، صلاح الدین. (1988م). دیوان بشار بن برد. مصر: دار ومکتبة الهلال.
المقالات و الرسائل الجامعیة حاجی آبادی، لیلا وآخرون. (1390ش). «الجمال ﺍﻟﻠﻮﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﻨﻮﻉ ﺍﻟﺪﻻﻟﻲ». فصلیة دراسات الأدب المعاصر. السنة الثالثة، العدد التاسع. حمدان، أحمد عبدالله محمد. (2008م). دلالة الألوان فی شعر نزار قبانی. جامعة النجاح الوطنیة: کلیة دراسات العلیا. خلیفة، عبد الکریم.) 1992م). «الألوان فی معجم العربیة، مجلة مجمع اللغة العربیة الأردنی». العدد 33. شرتح، عصام. (2006م). «جمالیات اللون فی شعر أبی العلاء المعری»، مجلة آفاق المعرفة. السنة 44. العدد 508. عبدالقادر، أمل أبوعون. (2003م). اللون وأبعاده فی الشعر الجاهلی. جامعة النجاح الوطنیة: رسالة لنیل شهادة ماجستیر. المقالح، عبدالعزیز. (1985م). «إیقاع الأزرق والأحمر فی موسیقا القصیدة الجدیدة». مجلة المعرفة السنة 24. العدد 2 و3. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 2,962 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 2,373 |