تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,328 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,942 |
دور الفونیم الوظیفی وانزیاحاته فی مقطع وصف الناقة لمعلّقة طرفة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 7، دوره 4، شماره 14، آبان 1435، صفحه 137-159 اصل مقاله (2.05 M) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بیژن کرمی1؛ جلال مرامی1؛ محسن خوش قامت2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1أستاذ مساعد بجامعة العلامة الطباطبائی، إیران. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2طالب مرحلة الدکتوراه بجامعة العلامة الطباطبایی، إیران. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إنّ الفونیم وحدة صوتیّة تسهم فی تمیز کلمة من أخری. یندرج موضوع العلاقة بین الفونیم والدلالة فی إطار العلاقة بین الدالّ والمدلول فاستمرّ الجدل بین علماء اللغة منذ القدیم حتی الآن حول طبیعة هذه العلاقة. یری البعض أنّ الفونیم یلعب دوراً دلالیّاً فی النصّ الإبداعیّ من خلال صفاته ومخرجه بینما یعتقد الآخرون بعدم وجود علاقة بین الفونیم والمعنی. نهتمّ فی هذه الدراسة أوّلاً بإحصاء الفونیمات فی معلّقة طرفة وذکر نسبة انزیاحها الحضوریّ والغیابیّ فی مقطع وصف الناقة وهو یشکلّ جزءاً من القصیدة الجاهلیّة تکاد لاتخلو قصیدة منه. وثانیاً نسعی أن نقوم بدراسة علاقة الانزیاح الحضوریّ والغیابیّ للفونیمات مع المعنی فی مقطع وصف الناقة. وأخیراً نتوصّل إلی أنّ الفونیم یلعب دوراً دلالیاً فی النصّ الشعریّ، وفی وصف الناقة لمعلّقة طرفة تحتلّ الفونیمات التی تلائم دلالات صفاتها ومخارجها مع هذا المشهد من المعلّقة، حضوراً مکثّفاً بینما قلّ حضور فونیمات لا تتناسق مع مقطع وصف الناقة. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفونیم؛ الانزیاح؛ وصف الناقة؛ طرفة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
«إنّ الشعر ظاهرة لغویّة فی وجودها ولا سبیل إلی التأتی إلیها إلّا من جهة اللغة التی تتمثّل بها عبقریّة الإنسان وتقوم بها ماهیة الشعر.» (عبدالبدیع، 1970م: 5) ولعّل أکثر ما یمکن أن ینطبق علی لغة الشعر هو أنّها لغة النفس بکلّ ما فی النفس من توتّر وانفعال. بما أنّ الفونیمات هی ذرّات اللغة فإنّ وجودها المتّسق فی النصّ الشعریّ، هو أوّل ما ینبع منه إشعاعه الجمالیّ وما ذلک إلّا لأنّ الخطاب الشعریّ یحاول بوعیٍ أو بدونه الحدَّ من الاعتباطیّة من خلال تنمیة تردّد الأصوات الملائمة للمضمون. «تطرأ علی الفونیمات حین تَدخلُ فضاءَ النصّ وتهیمنُ فیه الوظیفةُ الشعریّةُ، تحولاتٌ ضروریّةٌ تُخوِّلهُا أداءَ تلک الوظیفة، وتمکّنها من لفت النظر إلی ذاتها، کما تشحنها بالقدرة علی تحمّل دلالات متعدّدة، ومن أهمّ هذه التحولّات: التکرار والانزیاح.» (محلّو، 2006: 27) ویتمثّل الانزیاح فی الفونیمات فی أن تُحصی نسبة کلّ واحد منها فی النصّ عموماً ثمّ تُقارن بنسبتها فی کلّ من الوحدات النصّیة التی یقسّم إلیها النصّ علی أساس المضامین أو تقریباً ما تعارف علیه النقاد العرب القدامی بالأغراض. وینتج عن ذلک الإحصاء وتلک المقارنة نوعان وهما: الانزیاح الحضوریّ: ویعنی أن تکون نسبة حضور الفونیم فی الوحدة النصیّة أعلی من نسبته العامة فی کلّ القصیدة. والانزیاح الغیابیّ: وهو أن تکون نسبة حضور الفونیم فی النصّ أقلّ من نسبته العامة فی کلّ القصیدة. إنّ البحث عن مکامن الإبداع فی النصّ یستوجب التوقّف عند بنی الصوتیة التی تمثّل جزءاً من هیکلیة القصیدة. والفونیم وحدة صوتیة «تتضافر أحیاناً مع المتغیرات الأسلوبیة الداخلیة لتمنح النصّ بعداً دلالیاً وإیحائیاً یعبّر عن حرکة الذات فی النصّ الشعریّ.» (فیاض، 2009: 352) إنّ دراسة دور الفونیم الوظیفی وانزیاحاته فی مقطع وصف الناقة لمعلّقة طرفه تکشف لنا کیفیة تعبیر الشاعر عن أحاسیسه بواسطة اللغة ویساعدنا لفهم النصّ ومقاصد الشاعر. أی أنّ الفونیم بسماته یمثّل حالة انعکاس لما یمرّ به الشاعر من متغیّرات نفسیة. وأمّا فی ما یتعلّق بوصف الناقة فکان ذا أثر کبیر فی الأدب العربیّ، فقد تناول الرواة أخبارها فی أشعارهم وأقوالهم وأمثالهم، لاسیّما کانت محط عنایة الطبقة الأولی من الشعراء العرب، فلقد أعطانا هؤلاء الشعراء، أجملَ الصور الشعریّة التی تتحدث عن علاقة العربیّ بناقته وقلّ أن نجد شاعراً جاهلیّاً لم یتناول هذا الغرض. لقد اهتمّ النقاد منذ القدیم بدارسة وصف الناقة کجزء من بنیة القصیدة الجاهلیّة، وفی مجال الدراسة الأسلوبیة توجد جهود شتی فی الاهتمام بوصف الناقة، منها الاعتماد علی المستوی الدلالی أو المستوی الترکیبی أو المستوی الصوتی. وأمّا بالنسبة للنظریة التی سأقوم بتطبیقها فی وصف الناقة وهی نظریة الانزیاح الحضوریّ والغیابیّ، لیست عندنا کتاب أو مقالة تتناول وصف الناقة من هذا المنظر إلّا ما قام به طالب فی بلاد الجزائر وهو تطبیق نظریة الانزیاح الصوتی فی قصیدة من قصائد الشنفری وهی تائیته. نسعی من خلال هذه المقالة إلی الإجابة عن الأسئلة التالیة: ما هی العلاقة بین الفونیم والدلالة؟ إلی أیّ مدی یستطیع الفونیم أن یؤدّی دوراً دلالیّاً ذا بعد جمالی فی وحدة وصف الناقة؟ وما هی الآلیة التی یتمّ بها أداء هذا الدور الدلالی ذی البعد الجمالی؟ بناء علی ما سبق، من الطبیعی أن یکون المنهجان الإحصائی والجمالی، عمادَ هذا البحث. فالإحصاء مناسب جدّاً للمستوی الصوتی ومتعلّق بشکل أساس بتحدید النسب العامة ونسب الانزیاحات. وأمّا المنهج الجمالی فهو الأجدر بإضفاء الروح علی تحلیل الإحصاءات رابطاً بین الفونیمات والدلالة فی وحدة وصف الناقة. الفونیم والدلالة الفونیم عند علماء الصوت هو وحدة صوتیّة قادرة علی التفریق بین الکلمات من النواحی الصوتیة، والصرفیة، والنحویة، والدلالیة. الحق أنّ العلاقة بین الصوت والمعنى نالت اهتمام اللغویین وأصبحت حجر الزاویة فی علم الدلالة، وثارت تساؤلات عدة حول طبیعة هذه العلاقة، أهی طبیعیة؟ فتکون معها دلالة الألفاظ علی معانیها ذاتیة، بمعنی أنّ کلّ صوت یرمز إلی معنی فتکتسب الألفاظ دلالتها من خلال جرس أصواتها، وینشأ ما یسمّی بالمناسبة الطبیعیة بین الأصوات والدلالات. وهذا اتجاه وجد کثیراً من اللغویین یؤیدونه ویحاولون إثباته بکل ما أتیح لهم من تصورات عقلیة. أم أنّ هذه العلاقة اصطلاحیة مصطنعة یفرضها الإنسان بمحض إرادته، باختیاره اسماً لکلّ مسمّی تواضعاً واتفاقاً ؟ فتکون الألفاظ رموزاً لغویة اصطلاحیة تنفی التلازم الدائم والطبیعی بین الصوت والمعنی أو بین اللفظ ودلالته. وهذا الإتجاه نظراً لقربه من الطبیعة اللغویة العلمیة التی تأبی الغموض، قد تیسر له من الأنصار والمؤیدین ما کتب له الغلبة حتی أصبح من المتفق علیه فی الدرس اللغوی الحدیث أنّ العلاقة بین اللفظ والمعنی علاقة اعتباطیة. التکرار والانزیاح الفونیمی فی الشعر تُعتبرُ دراسة تکرار الفونیمات والمستوی الصوتی عموماً فی الشعر العربیّ القدیم، دراسةً مثمرةً للغایة لأنّ الإنسان العربیّ رکّز بشدّة علی عمل الصوت، إذ ترکّز علی عمل الصوت طاقة الحضارة بأسرها فی الحضارات التی لا تمتلک فنوناً بصریّة کما هو الشأن عند العرب. والقول بالتکرار فی الشعر لا یعنی القصدیة، أی أن یقصد الشاعر واعیاً إلی تکثیف استعمال فونیمات معیّنة فی نصّه لتبنی علاقة جلیّة مع الدلالات «فالعلاقة التی نتحدّث عنها لیست سابقة علی التشکیل بل هی حادثة بحدوثه، وناتجة عن تفاعل الأصوات، وتجاورها، وتنسیقها بصورة خاصّة تمیّز المحتوی وتتمیّز به فی آن واحد.» (عبدالجلیل، 1998م: 5) «أمّا اعتقاد أن یؤدّی التکرار إلی رتابة فنظرة غیر دقیقة، لأنّ الخاصیّة الأخری للغة الشعریّة: "الانزیاح" تکفل کسر الرتابة. ویتمثّل الانزیاح فی الفونیمات فی أن تُحصی نسبة کلّ واحد منها فی النصّ عموماً ثمّ تُقارن بنسبتها فی کلّ من الوحدات النصّیة التی یُقسَّم إلیها النصّ علی أساس المضامین أو تقریباً ما تعارف علیه النقاد العرب القدامی بالأغراض.» (محلّو، 2002م: 33) وینتج عن ذلک الإحصاء وتلک المقارنة نوعان من انزیاح نسبة الفونیم فی الوحدة النصّیة عن نسقه العام فی کلّ النص. وصف الناقة فی معلّقة طرفة استهلّ طرفة بن العبد معلّقته بما استهل به غیره من أصحاب المعلّقات خاصة وشعراء العصر الجاهلی عامة، بذکر الأطلال والوقوف علی الدیار، ولکنّ الذی یهمّنا من هذه المعلقة هو القسم الذی تعرض فیه إلی وصف ناقته. فظهر وصف الناقة فی معلقة طرفة على أنّه المحور الرئیس لحیاته، وعوّل علی ناقته فی نقل أحاسیسه ومواجعه وتصوراته، ولهذا لم یقف عند حدودها الجسمیة، بل تعدى ذلک إلى جوهر طبائعها، وخصائص سلوکها، تبادلاً للسلوک، وتداخلاً واتحاداً فی الخصائص والأحاسیس، واشتراکاً فی العواطف والانفعالات، وکأنّها تحسّ به وبآلامه وبمشاعره. وحُق له أن یزهو بوصفها ویطیل فى تصویرها ویفخر بتشبیهه لها بسائر أنواع الحیوان الوحشی والصحراوی، ویتخیر من کلّ حیوان، الصفة الملائمة للإعجاب حتى یسقطها على ناقته، فأعطته فرصة لتقصی أجزائها، ووصف جوانبها[1]. یقول الدکتور "وهب رومیة" فی کتابه "الرحلة فی القصیدة الجاهلیة": «لم یرفع أحد من الشعراء "علی کثرتهم" هذا التمثال الضخم الذی شیّده طرفة بن العبد ورجح لدینا أنّ وصفه لناقته کان موقفاً أصیلاً من الشعر یجرّب موهبته فیه ویحاول تطویعها فی هذا الغرض البدوی العریق.» (رومیة، 1996م: 20) «وتعبر الناقة عن مظهر النمو العقلی والروحی فی الشعر الجاهلی عموماً وعند طرفة خصوصاً، فما هی إلّا تعبیر عن فکرة الثبات والقهر والصمود بسبب قوتها وصبرها وتحدیها لعوادی الزمن والطبیعة. ولقد ألبس طرفة ناقته شتّى الأفکار التی جالت بخاطره، واستمد من أوصافها معانیا عدیدة کغیره من الجاهلیین ولم یغادر فیها صغیرة ولا کبیرة. ولا نبعد کثیراً إذا قلنا: إنّ الناقة قد استحوذت على وجدان طرفة، فوصفها وخلد بأشعاره ذکرها، لأنّها مرکبة رحلته، ومطیة أهله، وأنیسه فی وحدته، ومفرجة کربه، ومزیلة غمه، ومسلیة عن همه، وهی غذاؤه وطعامه ولباسه.» (الشمشاطی، 1977م، ج1: 371)
«یبدأ جدول الانزیاح الحضوریّ فی وحدة وصف الناقة بفونیم الصاد الذی یحقّق نسبة: 82/82 %، والصاد فونیم أسنانی لثوی، رخو، مهموس، مفخم، أی مؤخرة اللسان ترتفع نحو الطبق وتتقعر قلیلاً مع رجوع اللسان إلی الوراء فی اتّجاه الحائط الخلفی للحلق، فیحدث التفخیم.» (الموسوی، 1998م: 68) تدلّ صفات التفخیم والإطباق فی الصاد علی حضور ملامح القوّة والصلابة، ونجد هذه الملامح فی الناقة، وهی حیوان طبع علی القوّة «إذن أصلح مرکب للصحراء لصبرها علی العطش وشدّة بنیانها وهی الحیوان الأصیل لبلاد العرب قبل الخیل.» (معروف، 2005م: 104) «والأمر الذی یلفت النظر هو فرق الانزیاح الحضوریّ للصاد مع تالیه وهو فونیم الجیم الذی یحقّق حضوراً نسبته: 80/36 %، نظراً إلی صفات التفخیم والإطباق فی الصاد –وهی تدلّ علی القوّة- یمکن القول: سرّ هذا الحضور الملفت للنظر یکمن فی إصرار الشاعر على فکرة أساسیة، وهی: إبراز قوة الناقة واتساق بنیانها؛ لیصل من خلال ذلک إلى أنّ هذه الناقة قادرة على تنفیذ إرادة الشاعر التی عزم على إنفاذها؛ ولذا ترکّزت کلّ الصور الفنیة والأسالیب حول هذه الفکرة، حیث یخصّ عدّة أبیات لوصف أعضاءها التی تتمتّع بالقوّة ونشهد حضوراً مکثّفاً لألفاظ تندرج فی إطار معنی القوّة: أفتلان: قویّان شدیدان/ متشدّد: قوی صلب/ أمرت: الإمرار هو إحکام الفتل/ المسند: الذی شدّ بعضه إلی بعض فأصبح قویّاً/ الململم: الصلب القوی/ الصفیح: الحجر الصلب/ المصمد: المحکم الموثق.» (مکارم، 1980م: 222- 223) فنظرة بسیطة لمعانی هذه الألفاظ التی تعجّ بالقوّة والصلابة، تبرّر هذا الحضور الوافر لفونیم الصاد فی هذه الوحدة. «هناک أصوات أخری فی جدول الانزیاح الحضوریّ تؤدّی بسمات القوّة نفس ما أدّاه الصاد، وهذه الأصوات هی الضاد والخاء والقاف. تُعدّ کل هذه الأصوات من أصوات الاستعلاء، أی یرتفع اللسان عند النطق بها نحو الحنک.» (البرکوبی، لاتا: 194) فالاستعلاء من صفات القوّة ومناسب لهذا المشهد، إلّا أنّ الضاد إضافة إلی الاستعلاء یتمیّز بالإطباق وهو مشترک بینه وبین الصاد، ومن هنا یکون الضاد أقرب إلی الصاد فی جدول الانزیاح الحضوریّ، مقارنة بالخاء والقاف. ومن جهة أخری إنّ مواجهة الأسنان الفک العلوی من الفک السفلی خلال نطق فونیم الصاد یدلّ علی مواجهة الطرفان الصلبان فی مشهد وصف الناقة، حیث تواجه الناقة -وهی تتمتّع بصفات القوّة والمقاومة– مصاعب ومعاناة الرحلة فی الصحراء. "صلب/ صلب" «ولا تقتصر دلالات الصاد علی ما سبق، بل هناک دلالة أخری تعود إلی مخرجه: یسمّی الصاد صوتاً أسنانیّاً لثویّاً.» (عمر، 1997م: 316) «أی عند نطقه یوضع طرف اللسان ضدّ الأسنان السفلی ومقدمته ضد اللثة.» (الموسوی، 1998م: 68) اجتماع عضوی متناقضی الطبیعة فی نطق الصاد "الأسنان الصلبة/ اللثة المرنة"، مرآة تعکس ما فی طبیعة الناقة من الملامح المتناقضة وهو اجتماع الخشونة والنعومة فی هذا الحیوان (سواء کان فی الجسم أو فی الطبع). اجتماع المتناقضین فی الجسم: وهو ما نجده فی أوصاف الناقة فی معلّقة طرفة حیث تتراوح الأبیات بین صفات الصلابة والمرونة: تشبیه الجمجمة بالعلاة فی بیت 30/ تشبیه الخد بالقرطاس والمشفر بجلد البقر المدبوغة فی بیت 31. تشبیه القلب بالمرداة فی بیت 36/ وصف أنف الناقة ومشفرها فی بیت 37. "+ الصلابة / - الصلابة" «وبعد الصاد جاء فونیم الجیم الذی حقّق انزیاحاً حضوریّاً نسبته 80/36 %، نظراً إلی مخرج الجیم وصفاته یأتی حضوره مناسباً لهذه الوحدة. فونیم الجیم هو الفونیم الوحید المرکب فی العربیة الفصحی.» (المصدر نفسه: 78) «إنّه مرکب لأنّ طریقة نطقه متکوّنة من مرحلتین: انسداد تام لمجری الهوی فانفصال بطیء لعضوی النطق.» (حسّان، 1986م: 131-132) فهذه الطریقة تمثّل مراحل نفسیّة لطرفة. یتمثّل حبس الهواء وانسداد مجراه فی المرحلة الأولی من نطق فونیم الجیم فی الوقوف علی الأطلال، کأنّ طرفة فی البدایة عندما یذکر خولة یحبس الحزن والألم فی قلبه، وهذا الوقوف والحبس یأتیان تزامناً مع وقوف جسم الشاعر أمام الأطلال، والوقوف علی الأطلال بما فیه من السکون وعدم الحرکة یناسب هذه المرحلة من نطق فونیم الجیم. «وبعد ذکر الحبیبة والأطلال ینتقل الشاعر إلی وصف الناقة ویبدأ رحلته، والرحلة مهیأة لاستقبال صورة الناقة.» (الجادر، 1423 :155) لأنّ الناقة وسیلة انطلاق الشاعر ویأتی وصفها فی القصیدة القدیمة –من حیث ترتیب أجزاء القصیدة– بعد الوقوف علی الدیار والبکاء علیها، وفی الکلام عن الرحلة أوّل شیء یخطر ببالنا هو السیر أو الحرکة. انفصال بطیء لعضوی نطق یُحیل إلی انفصال طرفة من ذکر حبیبته وترک الأطلال ووصفها. وهذه الحرکة، بعد السکون وتناسب خروج الهواء وحرکته نحو الخارج بعد حبسه فی الفم، ویأتی ذلک فی المرحلة الثانیة من نطق الجیم.
کما قلنا انفصال عضوی النطق لا یکون مفاجئاً، بل هذا الانفصال بطیء ویسمح للهواء من الخروج بهدوء وذلک یدلّ علی أنّ الانتقال من الأطلال إلی الناقة لیس مفاجئاً وسریعاً بل یخوض الشاعر شیئاً فشیئاً فی وصف مشهد متحرک، حیث یتذکّر بعد ذکر الأطلال، یوم الفراق ورحلة حبیبته "الحرکة" ویصفها، ثمّ هذه الحرکة تصل إلی ذروتها فی وصف الناقة ورحلة الشاعر. «بعد الجیم یجیء الزاء بانزیاح حضوریّ قدره: 06/34 % وهو صوت أسنانی لثوی.» (عمر، 1997م: 316) «وفی نطقه یلتقی طرف اللسان بالثنایا بحیث یکون بینهما مجری ضیق.» (الموسوی، 1998م: 66) وعند خروج الهواء من بین اللسان والثنایا «ینحصر الصوت ویصفر به.» (ابن یعیش، لاتا: 10/130) ولذلک یُسمّی الزاء صوت الصفیر. تعکس سرعة اندفاع هواء الصفیر فی الزاء سرعةَ الناقة فی سیرها وهی ما یؤکّد علیها طرفة فی معلّقته: جَمَاِلیةٍ وَجْنَاءَ تَرْدی کَأنّها سَفَنجَةٌ تَبْری لأَزْعَرَ أَرْبَدِ (طرفة، 2000م: 20) وواضح أنّ طرفة حذف الأداة ووجه الشبه، لیسوّی بین ناقته والجمل فی قوة البنیان، والحیویة، والنشاط، والسرعة، کما سوّی بینها وبین النعامة وقد عرضت لظلیم فطاردها فاشتدت تبغی الإفلات منه، فهی أشدّ سرعة من حالتها العادیة، وهو بذلک یرید أن یثبت لناقته شدة السرعة. إذ یرغب فی إبراز ما تمتع به ناقته من قوة، ونشاط، وسرعة. «وبعد الزاء یحتل فونیم التاء المرتبة الرابعة بانزیاح قدره: 71/31 %، وهو صوت أسنانی لثوی، شدید مهموس، مرقق.» (الموسوی، 1998م: 66) «عدم اهتزاز الوترین الصوتیین وثباتهما عند نطق التاء المهموس مرآة تعکس إلحاح الشاعر علی فلسفة حیاته –شرب الخمر والتمتع بالنّساء والتبذیر– وعدم مبالاته بتعییر الناس له. عاش طرفة عیشة لهو وعبث.» (شیخو، 1427، ج1: 55) «لأنّ فلسفته قاعدة حیاته وصورة تنبض فیها عقیدته الشخصیة وتنفخ فیها أهواءها القویّة.» (الفاخوری، 1385م: 108) «یسعی طرفة إلی أن یمنح ذاته هویة البطولة الفردیة التی تستمدّ عظمتها من کینونتها الخاصة لا من إنتماءه إلی القبیلة.» (الجادر، 1423م: 165) «لذلک ثار علی أعمامه وذوی قرباه.» (الشریقی، لاتا: 1145) «وخرج علی الضوابط الاجتماعیة ووقف أمام مقوّمات الحیاة القبلیة رافضاً ومتمرّداً.» (التطاوی، 1981م: 74) «وهو ما یدلّ علیه ارتفاع الحنک الأعلی لسد المجری الأنفی عند نطق التاء.» (الموسوی، 1998م: 61) والشاعر حینما یتمرّد علی القبیلة، کأنّه یرفع قامته أمامها ویدافع عن معتقداته وأهواءه. ولعلّ تصعید الذات عند طرفة جاء ردةَ فعلٍ علی إفراد قبیلته له أو الظلم الذی وقع فیه صغیراً من أعمامه. تعکس مواجهة طرف اللّسان الأسنانَ العلیا والتصاقهما، مواجهةَ الطرف الضعیف واللین الطرفَ الصعب والقوی وهی مواجهة طرفة قبیلتَه، القبیلة تفرض علی الشاعر أن یلتزم بقوانین المجتمع وقیمه والشاعر یرفض. وهذا الاجتماع بین المتناقضین لا یؤدّی إلّا إلی انفصالهما، کما ینفصل العضوین الملتصقین عند نطق التاء"اللّسان والأسنان" بشکل مفاجیء فیخرج الهواء بشدّة. «بُعید التاء جاء فونیم الحاء بانزیاح نسبته: 07/31 % وبعده سجّل الفاء حضوراً قدره: 68/26 % للتّأکید علی دلالات التاء السابق، بما فی نطقهم من میزات مشترکة: عدم اهتزاز الأوتار الصوتیة.» (بشر، 2000م: 303) «"همس" وارتفاع الحنک الأعلی لیسدّ مجری الأنفی.» (الموسوی، 1998م: 85) «فونیما التاء والفاء من أقرب الفونیمات مخرجاً فی الجهاز الصوتی، لأنّ التاء صوت أسنانی لثوی والفاء أسنانی شفوی.» (عمر، 1997م: 315-316) «قرب المخرج من الفم وخارجه "سعة الحیز المکانی"، جاء مناسباً لخصائص الناقة التی رسمها طرفة للتعبیر عن سرعة الناقة ونشاطها. حیث یقول إنّ ناقته عوجاء أی لا تستقیم فی سیرها لفرط نشاطها. و"یقول ناقته مرقال" والمرقال مبالغة مرقل من الإرقال وهو بین السیر والعدو، وموّارة الید والمور بمعنا الذهاب والمجیء والموّارة مبالغة المائرة. ویقول ناقته جنوح أی تمیل فی أحد الشقین لنشاطها فی السیر. ودفاق أی مسرعة غایة الإسراع.» (الزوزنی، لاتا: 95– 102) وظهور کلّ هذه الصفات فی الناقة یحتاج إلی مکان واسع، ومن الواضح إذا کان الطریق ضیقاً لا تستطیع الناقة أن تسیر بسرعة أو تمیل إلی الیمین والشمال خلال عدوها. وعلی عکس ذلک إذا کانت الناقة فی حالة السکون وعدم الحرکة لا تحتاج إلی مکان واسع. تنطلق الناقة فی الصحراء "الحیز المکانی الواسع" کما ینطلق الهواء من داخل الفم "الحیز المکانی الضیق" إلی الخارج. ویعود سبب تقدّم التاء إلی وجود سمات تُحیل إلی القوّة وهی صفة الشدّة ومخرجه الأسنانی. وهذه المیزات تجعل التاء أکثر تناسباً مع ما سبق ذکره من إصرار الشاعر علی طریقته واللامبالاة إزاء قوانین المجتمع وتمرّده علی القبیلة. بینما الحاء والفاء یتمیّزان بصفة الرخوة عن التاء والرخوة تُفقدهما شیئاً من القوّة التی یدلّ علیه عدم اهتزاز الأوتار الصوتیة وارتفاع الحنک الأعلی "القوّة والتمرّد" وذلک یؤدّی إلی تأخّر الحاء والفاء عن التاء. «وهناک میزة أخری فی مخرج الفاء تعضد دلالات التاء وتجعل الفاء قریباً منه فی جدول الانزیاح الحضوریّ، وهو أنّ الفاء فونیم أسنانی شفوی.» (الموسوی، 1998م: 55) «ویتفرّد بهذا المخرج فی اللغة العربیة، وعند نطقه یضغظ الثنایا العلیا علی الشفة السفلی.» (عمر، 1997م: 315) «کما تضغظ القبیلة علی الشاعر لکی ینصرف من سلوکه وطریقته. وخلال الضغط یرتفع الحنک الأعلی نحو جدار الحلق ولا یسمح للهواء أن یمرّ من الأنف.» (بشر، 2000م: 297) والفم هو المسیر المعتاد لخروج الهواء فی نطق أغلب الفونیمات إلّا أصوات الغنّة[2]. یشیر انفلات الهواء من الأنف إلی خروج الهواء من الطریق غیر المألوف وذلک یمثّل حالة طرفة، ولکن انسداد مجری الأنف وهو مسیر غیر معتاد، یعکس إعاقة القبیلة طریق طرفة فی الخروج علی المألوف وهی قیم القبیلة. «ینحرف طرفة من طریق الاعتدال کما ینحرف الهواء إلی جانبی الفم.» (بشر، 2000م: 256) «عند نطق الضاد الذی حقق حضوراً نسبته: 83/21 %. کما قلنا سابقاً إنّ الضاد بما فیه من صفات القوّة یُرسّخ دلالات الصاد ومناسب لوصف الناقة، غیر أنّه جاء متأخّراً عن الصاد فی المرتبة السابعة وسبب هذا التأخّر یکمن فی وجود صفة فی الضاد تمیّزه عن الصاد وهی الاستطالة، فی أثناء النطق بالضاد ینطلق الهواء من أحد جانبی الفم أو منهما معاً علی مساحة کبیرة.» (المصدر نفسه: 255) «وهو ما سمّاه القدامی بالاستطالة، والاستطالة فی الضاد یماثلها التفشی فی الشین.» (شاهین، 1987م: 209) «وهو غیر مناسب لهذا المشهد لأنّ علاقة الشاعر مع ناقته علاقة التماسک، والتوحّد، ولا التفشی والتبعثر، ولکن التفشی فی الضاد قلیل.» (ناصف، لاتا: 24) وتغلبه من سمات الضاد ما تناسب المشهد، وذلک أدّی إلی حضور الضاد فی جدول الانزیاح الحضوریّ. بعد الضاد یجیء فونیم العین ثامناً بانزیاح قدره: 07/13 % وهو فونیم حلقی والحلق من أبعد المخارج فی الجهاز الصوتی، بُعد المخرج فی العین جاء مناسباً لدلالات مشهد وصف الناقة. "وقد ألبس طرفة ناقته شتّی الأفکار التی جالت بخاطره واستمدّ من أوصافها معانی عدیدة" لأنّه بمعنی البعد عن الفم وخارجه، والخارج بما فیه من سعة المکان یدلّ علی مکان التعامل والعلاقة مع الآخرین، من هنا بُعد المخرج فی العین یُحیل إلی بُعد الشاعر من المجتمع واغترابه. کما یشیر طرفة إلی هذا الاغتراب والتفرّد فی وصف الناقة حیث یقول: مؤللّتان تعرفُ العِتقَ فیهما کسامعَتی شاةٍ بِحَوملَ مفرَدِ (طرفة، 2000م: 23) «یشبه أذنی ناقته بأذنی ثور وحشی منفرد بعید عن الآخرین فی الموضع المعین.» ( الزوزنی، لاتا: 105) «مشکلة الشاعر مع أهله صغیراً وإسرافه فی اللهو شاباً دفعه إلی التغرّب فی البلدان هائماً علی وجهه متنقّلاً بین أحیاء العرب أو قاصداً الملوک ولا أنیس إلّا ناقته. مات أبوه وهو بعد حدث فکفله أعمامه إلّا أنّهم أساؤوا تربیته وضیّقوا علیه فهضموا حقوق أمّه البعیدة عن قومها.» (الفاخوری، 1385م: 98) «یدعم دلالات العین فونیم الهاء الذی یحلّ المرتبة العاشرة بانزیاح حضوریّ قدره: 89/8 %، وهو فونیم حنجری، والحنجرة تلی الحلق الذی مخرج العین، وهو أبعد المخارج فی الجهاز الصوتی.» (عمر، 1997م: 319) «إذن یکون الهاء مناسباً جدّاً لدلالات العین علی بُعد الشاعر عن المجتمع وإحساسه بالغربة، إلّا أنّه جاء متأخّراً عن العین وذلک بسبب اجتماع سمات الضعف فیه وهی الرخوة والهمس والترقیق.» (الموسوی، 1998م: 88) وهذه السمات غیر مناسب لما یسیطر علی فکرة طرفة من تصویر أوصاف القوة والصلابة فی ناقته. «والهاء یجهر به فی بعض الظروف اللغویة الخاصة، فهو یهمس إذا ولیه صوت مهموس ویجهر إذا ولیه صوت مجهور.» (حسّان، 1979م: 131) ومن أجل ذلک یبدو الهاء مناسباً لتجسید حالتی علاقة الشاعر بالقبیلة، «وإنّه انجرف فی تیار القبیلة راضیاً حیناً وکارهاً حیناً.» (نافع، لاتا: 159) «الجهر صفة القوّة.» (حرکات، لاتا: 93) «ولا یکون الهاء مجهوراً إلّا إذا اقترن بفونیم مجهور "قوی/ قوی" کما لا یرفض طرفة عادات القبیلة وتقالیدها إلّا إذا تعارضت مع حیاته الحرّة التی ترضی مشاعره وإحساساته الخاصة، فإذا ما حدث عدم التوافق غلب موقفه الخاص علی موقف القبیلة وانتصر لذاته علی ذات الجماعة.» (التطاوی، 1981م: 74) «لو مددنا خیط وصل بین هموم الشاعر "حرم الحبیبة والدیار الخراب" وبین الصفات التی ألبسها طرفة لناقته "وهی تنطبق علی الإنسان" لوجدنا أنّ لدی الشاعر نزوعاً هروبیاً من المجتمع الجاهلی الرعوی غیر المستقر نحو حضاریة أکثر تقدّماً ومدنیّة، وطالما أنّ الناقة هی مرکبة الشاعر لعملیّة النزوع هذه فقد حملها فی وصفها الحسی عملیّة التمدّن الحضاری هذه فهی کقرطاس الشامی وهی کسبت الیمانی، وبذلک یکون قد أسبغ علیها من صلب الحضارة الجدیدة ما تحویه من صفات التمدّن "سبت الیمانی – قرطاس الشامی".» (مکارم، 1980م: 185) ولو نظرنا فی البیت: ربّعت القفّین فی الشَول تَرتَعی حدائقَ مَولی الأسرة أغیدِ (طرفة، 2000م: 21) «فالتربّع: هو رعی الربیع والإقامة بالمکان واتّخاذه ربعاً أو ملکاً دائماً، ومنه معنی المجازی "التربّع علی الأرض" أی الجلوس علیها بثبات واستقرار.» (مکارم، 1980م: 186) «کثبات الأوتار الصوتیة واستقرارها عند النطق بالخاء.» (بشر، 2000م: 303) «الذی سجّل حضوراً إیجابیاً نسبته: 43/10 %.کما سبق ذکره أنّ عدم تذبذب الأوتار الصوتیة فی الهاء یدلّ علی ثبات الشاعر علی مواقفه وإصراره علی معتقداته الشخصیّة، وذلک أدّی إلی اغترابه، والذی یدعم هذه الدلالة فی الهاء هو بعد المخرج عن الفم وخارجه وهو یعکس بعد الشاعر عن الحیّز المکانی الواسع "المجتمع". ولکن عدم تذبذب الأوتار الصوتیة فی الخاء جاء لیدلّ علی میل الشاعر نحو الحیاة المستقرّة وهی حیاة حضاریة. قرب المخرج فی الخاء هو الذی یدفعنا إلی أن نستفید من عدم تذبذب الأوتار الصوتیة معنی یختلف عمّا یدلّ علیه فی الهاء، لأنّ الخاء فونیم طبقی.» (عمر، 1997م: 318) «والطبق لیس من مخارج البعیدة، بل هو الجزء اللّین الرخو من سقف الحنک.» (الموسوی، 1998م: 35) لذلک قرب المخرج فی الخاء یُحیل إلی قرب الشاعر من المجتمع الحضاری ورغبته فیه، کما یدلّ بُعده فی الهاء علی بعد الشاعر عن المجتمع الرعوی غیر المستقر. «والفونیم الذی یلی الهاء هو القاف بانزیاح حضوریّ قدره: 13/8 %، وهو صوت لهوی ویُعدّ من أصوات الشدّة والاستعلاء.» (المصدر نفسه: 83) «وأدنی الأصوات إلی الحلق.» (ابن یعیش، لاتا، 10/138) لذلک یؤکّد دلالات العین علی الاغتراب. یقع مخرج العین "الحلق" قبل مخرج القاف "اللهو" فی الجهاز الصوتی، أی الحلق أبعد من الفم وخارجه ولذلک دلالته علی الاغتراب أقوی من اللهو، وذلک أدّی إلی تأخّر القاف عن العین فی جدول الانزیاح الحضوریّ. «بعد القاف یجیء فونیم الکاف بانزیاح حضوریّ نسبته: 31/7 %، وهو صوت طبقی، شدید، مهموس، وعند نطقه یرتفع مؤخّر اللّسان تجاه الطبق فیحبس الهواء خلفه حبساً تاماً لاتّصال أقصی اللّسان بأقصی الحنک الأعلی.» (الموسوی، 1998م: 80) إنّ حبس الهواء خلف اللّسان وإعاقة طریقه إلی الخارج یجسّد إعاقة طریق طرفة فی علاقته مع النّساء، إنّ اللّسان عضو لیّن فی الفم ولکنّه یقوم بعملیّة توحی بالقوّة، وهی الإعاقة والمنع کما تقوم الناقة بها وتجعل ذنبها حاجزاً بینها وبین فحل متلبّد الوبر یضرب حمرته إلی السواد، حتی لا تحمل منه وتظل خفیفة سریعة مکتنزة اللحم. «یلی الکافَ الراءُ ویسجّلُ انزیاح حضوریّاً قدره: 95/6 %، یتمّ نطق الراء عن طریق ضرب اللسان فی اللّثة ضربات متتالیة.» (عمر، 1997م: 317) «متکرّرة، ومن ثمّ کانت تسمیة الراء بالصوت المکرّر.» (بشر، 2000م: 345) «سمة التکرار فی الراء تندرج فی إطار دلالی یناسب مشهد وصف الناقة، تتکرر ضربات اللسان کما یتکرّر اسم الناقة وما فی حکمها إحدی عشرة مرّة علی الأقلّ فی معلّقته.» (مرتاض، 1998م: 298) تکرار ضربات اللّسان عند النطق بالراء یکون سریعاً، وهو یُحیل إلی سرعة حرکة الناقة، حیث یصفها الشاعر بأنّها تتبع وظیف رجلها بوظیف یدها، أی تضع الناقة رجلیها موضع یدیها وتتکرّر هذه العملیّة خلال عدوها. تندرج فی جدول الانزیاح الحضوریّ ثلاثة أصوات یتقعّر اللسان عند نطقها، أی یرتفع أقصاء اللسان وطرفه مع تقصیر وسطه، وهی الصاد والضاد والراء، هذا التقعّر یُذکرنا بعض سمات ناقة الشاعر فی جسمها. "تتشکّل حفرة فی اللسان" حیث یشبّه إبطیها بکناسین محفورین فی أصل شجرة سدر ولما وصف ما بین مرفقیها بالانبساط أراد أن یزید المعنی إیضاحاً فقال إنّ مرفقیها المفتولین المتباعدین یشبهان دلوین یحملهما سقاء قوی، إحداها فی یمناه والأخری فی یسراه.کما یُشبّه عینیها بمرآتین من الصفاء، والنقاء، والبریق ویقول : کأنّهما لغورهما وصلابتهما نقرتان فی جبل ینبع منه أصفی الماء. «یحقّق السین بعد الراء انزیاحاً حضوریّاً نسبته: 84/6 %، ینطق هذا الصوت بأن یعتمد طرف السان خلف الأسنان العلیا، مع التقاء مقدمته باللثة العلیا مع وجود منفذ ضیق للهواء.» (بشر، 2000م: 301) «فیحصل الحفیف بسبب احتکاک الهواء الضیق فیسمع الصفیر.» (الموسوی، 1998م: 67) «یؤکّد السین بصفة الصفیر دلالة الزاء علی السرعة، إذا کانت صفة الصفیر مشترکاً بین الزاء والسین فی الدلالة علی السرعة لماذا یحلّ الزاء فی المرتبة الثالثة بینما یقع السین فی المراتب الأخیرة من الجدول؟ سبب هذا البعد بینهما یکمن فی اهتزاز الأوتار الصوتیة "الجهر" عند النطق بالأوّل وعدم اهتزازها "الهمس" عند النطق بالثانی.» (المصدر نفسه: 66-67) یحیل الاهتزاز إلی الحرکة والسرعة، وعدم الاهتزاز یناسب السکون وعدم الحرکة، بسبب اجتماع اهتزاز الأوتار الصوتیة وشدّة اندفاع الهواء "الجهر والصفیر" فی الزاء تکون دلالته علی السرعة أقوی ولذلک یتقدّم علی السین. وصفة الهمس فی السین یُفقده شیئاً من دلالته علی السرعة ولذلک یتأخّر فی جدول الانزیاح الحضوریّ. «یسجّل النون بعد السین انزیاحا حضوریّاً قدره: 01/4 % وهو صوت لثوی أنفی مجهور یتم نطقها باتّصال طرف اللسان باللثة اتّصالاً محکماً مع خفض الطبق لفتح المجری الأنفی فالهواء الخارج من الرئتین یتّخذ مجراه فی الحلق.» (المصدر نفسه: 74) «اتصال اللسان باللثة یدلّ علی اتصال الشاعر بناقته. "اللسان واللثة یتّصفان باللیونة واللیونة تُلائم العلاقة الحمیمة الودّیة" إنّ طرفة کان شدید الحساسیة بفضل ناقته علیه.» (قناوی، لاتا: 73) ولا أنیس له إلّا ناقته، وهو من أکثر الشعراء صحبةً للناقة وقد أعطانا أجمل الصور الشعریّة التی تتحدث عن علاقته بناقته، وهو الذى تعلق بناقته تعلق الصدیق والرفیق وولّدت بینهما العشرة تآلفا متبادلاً شدت أواصره طبیعة الحیاة وظروفها آنذاک. «بقی فی قائمة الانزیاح الحضوریّ فونیم واحد هو الیاء الذی جاء سادس عشر بحضور: 22/0 %، وهو صوت غاری رخو مجهور.» (الموسوی، 1998م: 79) «ویتمّ نطقه باتصال أوساط اللسان بوسط الحنک وهو الغار، ثمّ تنفرج الشفتان ویخرج الهواء من الفم.» (بشر، 2000م: 369) «اتّصال اللسان بالغار یؤکّد دلالات النون علی اتصال الشاعر بناقته، إلّا أنّ هناک تقابل بین اللین "اللسان" والصلب "الغار"، لأنّ الغار جزء صلب یلی اللثة.» (الموسوی، 1998م: 43) طبیعة العلاقة بین الشاعر وناقته "وهی علاقة حمیمة ودّیة" تقتضی أن یکون کلٌ من الطرفین منفعلاً متنازلاً أمام الآخر. ولکنّ الصلابة فی الغار تنافی الانفعال والتنازل وهی موحیة بالمقاومة وعدم التخلّی، لذلک جاء الیاء فی الجدول بعد النون.
«ینطلق جدول الانزیاح الغیابیّ بفونیم الغین الذی یحقق انزیاحاً غیابیّاً قدره: 75/60، خلافاً لنظیره المهموس: الخاء.» (الموسوی، 1998م: 81) لأنّ جهره سیفید الشعور بالاضطرار عند حضور الهمّ، فالشاعر لم یکن یجهر بآلامه ولا تظهر فی ملامحه أو حرکاته بل تظلّ خفیّة تتفاعل داخل أسوار ذاته. کما أنّ الجهر لا یلائم حکمة الشاعر، وهدوئه، وصموده الذی یتغلّب به علی معاناته. فهی صفاتٌ تناسِب الهمسَ أکثر من الجهر. «عند النطق بالغین یرتفع مؤخّر اللسان تجاه الطبق فیلتصق به التصاقاً یسمح للهواء الخارج من الرئتین بالمرور.» (المصدر نفسه: 81) أی لیس التصاقاً تاماً، خلافاً لما وجدناه فی نطق النون والیاء فی جدول الانزیاح الحضوریّ وهو دلّ علی الاتصال التام بین الشاعر وناقته، ولکنّ وجود فجوة بین عضوی النطق فی الغین یُفقده هذه الدلالة ومن هنا یحلّ فی جدول الانزیاح الغیابیّ. «عندما ینطلق طرفة مع ناقته نحو الصحراء یجد أمامه أفقاً واسعاً ویشعر بأنّه تخلّص من قیود القبیلة وهو ما لا یناسبه ضیق المخرج فی الغین حیث یتمّ نطقه بتضییق مجری الهواء.» (عمر، 1997م: 318) «بعد الغین یجیء الثاء بانزیاح غیابیّ نسبته: 33/56 %،مخرج الثاء بین طرف اللسان وأطراف الثنایا العلیا.» (قدّوری، 2009م: 49) وهو نفس مخرج الذال الذی جاء فی المرتبة الخامسة. هناک فرق بین السین الذی یندرج فی جدول الانزیاح الحضوریّ والثاء: السین یخرج من مخرج الزای ویتّصف بالصفیر الذی یمثّل بسرعة اندفاع الهواء فی نطقه سرعة حرکة الناقة. ولکنّ عند نطق الثاء یخرج الهواء من بین الثنایا ببطئ ولا یحدث الصفیر. إذن لا تتوفّر سمات الدلالة علی السرعة والنشاط فی الثاء ولذلک یبدو تسجیله انزیاحاً غیابیّاً، مناسبا لهذا المشهد. «بعد الثاء حقّق الظاء انزیاحاً غیابیّاً قدره: 25/32 %، یتمیّز الظاء بقوّة اندفاع الهواء فیه مقارنة بالثاء، لأنّ نقطة تسرّب الهواء فی الظاء أکثر ضیقاً.» (شاهین، 1987م: 210) لکنّ الظاء لا یُعدّ من أصوات الصفیر وسرعة اندفاع الهواء عند نطقه دون السرعة فی أصوات الصفیر ولذلک لا یلائم مشهد وصف سرعة الناقة وأصبح غیاب هذا الفونیم أکثر فائدة. أمّا الإطباق الذی یُعدّ سمة ممیّزة للظاء فإنّه یُوحی لنا عبر تکوینه غرفة رنین منحصرة بین اللسان والحنک ومؤخرّ الفم بحالة العجز، کأنّ الشاعر یقف عاجزاً أمام القبیلة متنازلاً لأنّه لا یملک حیلة لتغییر الواقع فکأنّما هو مقیّد مُحاصر کما ذلک الهواء الذی یُبطیء حرکتَه انحصارُه. وهذا لا یناسب ما قام به طرفة إزاء القبیلة وهو تمرّد علیها ولم تستطع القبیلة أن تخضع الشاعر أو تقوم بحصره بالقوانین والقیود. «غیر بعید عن الظاء نجد اللام رابعاً بنسبة: 06/32 %، فهو لیس شدیداً حیث یسمع معها انفجار ولیس رخوة فلایکاد یسمع لها ذلک الحفیف الذی تتمیّز به الأصوات الرخوة، لهذا عدّه القدماء من الأصوات المتوسّطة بین الشدّة والرخوة.» (الموسوی، 1998م: 69) «وهذه السمة فی اللام یجعله غیر مناسب للمشهد لأنّ التوسّط یعکس الاعتدال وعدم الإفراط والتفریط فی الحیاة، ولا یسیر طرفة فی حیاته علی طریق الاعتدال بل ما کاد یفتح عینیه للحیاة حتی قذف بذاته فی أخضاها یستمتع بملذّاتها من غیر ما حرج، فلها وسکر ولعب مبذّراً حتی الإسراف، مکابراً لا یرید الإرعواء، وإذ ظلّ مکابراً لا یرعوی عن تبذیره وطیشه أُضطرّ قومه إلی طرده.» (الفاخوری، 1385م: 98) وهذا بمعنی أنّ القبیلة أیضاً لا تتعامل مع الشاعر بالاعتدال ولا تقبل التعایش والتسویة معه، بل تقف فی وجهه وتستنکر سلوکه. «یلی اللام الذالُ بانزیاح غیابیّ قدره: 25/25 %، وهو فونیم رخوٌ مجهور مرقّق.» (الموسوی، 1998م: 57) «الرخوة والترقیق کما قلنا لا یلائمان المشهد لأنّهما من صفات الضعف، والضعف لن ینسجم مع سیطرة صفات القوّة الجسدیّة للناقة علی المشهد. شبّه طرفة عینی ناقته بعینی بقرة وحشیّة وقد أفزعها صائد أو غیره.» (الزوزنی، لاتا: 104) وهی تخاف علی ولدها: طَحُورانِ عُوّارَ القَذَی فَتَراهُما کَمَکحُولتَی مَذعُورة أُمِّ فَرقَدِ (طرفه، 2000م: 23) یدلّ الخوف علی الانسحاب، والتنازل، والتخلّی عن الموقف ولا تناسبه صفة الجهر فی الذال وهو یُوحی بجهر الصوت والجرأة والشجاعة. «بعد الذال یجیء الطاء الذی حقّق انزیاحاً غیابیّاً نسبته: 09/24 %، وهو من أصوات القلقلة، تندرج فی قائمة الانزیاح الغیابیّ ثلاثة أصوات تُعدّ من أصوات القلقلة وهی: الطاء والباء "03/20 % -"والدال "33/2 % -"، إنّ السمات المشترکة التی سوغت جمع هذه الأصوات وضمّها بعضها إلی بعض فی فئة واحدة هو کونها شدیدة مجهورة، وهو ما یقابل التعبیر الحدیث المصطلح "الوقفات الانفجاریة" وسُمّیت هذه الأصوات بأصوات القلقلة لأنّه تجب قلقلتها أی تحریکها تحریکاً خفیفاً "الصوت فی حرکة واضطراب".» (بشر، 2000م: 378) «الحرکة والاضطراب یناسبان جدّاً لحالة طرفة وناقته، لأنّه أعدم المال وأعدم العدل وحرم من الإرث من أعمامه، ظلمت أمّه وعندما کبر طرفة فقد معنی الطمأنینة والاستقرار فرحل فی البلاد هائماً یبحث عن الجاه والترف وما کان یحقّق شیئاً حتی أهدر عمرو بن هند ملک العراق دمه بعد أن هجاه طرفة. ولکنّ تکون هذه الحرکة والاضطراب وعدم الاستقرار مقرونةً بالقوّة والصمود، لأنّ الشاعر وناقته لا یرضخان للأمر الواقع وذلک أمرٌ لا یلائمه صفة الاستفال فی الباء والدال وهی من صفات الضعف.» (الأندلسی، لاتا: 355) وتقابله صفة الاستعلاء فی القاف "من أصوات القلقلة" الذیجاء فی جدول الانزیاح الحضوریّ، والسبب یعود إلی أنّ الحرکة الاضطراب فی القاف مقرونان بالقوّة. ومن جهة أخری فی نفس هذه الحرکة دلالة علی الضعف والحقارة لأنّها مرآة تعکس عدم الثبات وهو ینافی دلالات الخاء، کما سُمّی هذه الأصوات بالأصوات المحقورة، لأنّها تحقر فی الوقف وتضغط عن مواضعها (فیروز آبادی، لاتا: مادة حقر) أمّا بالنسبة للطاء تدلّ صفة الإطباق فیه علی نفس الدلالات التی کانت فی الظاء ومن هنا جاء فی قائمة الانزیاح الغیابیّ. «وفی الرتبة الثامنة یسجّل الواو انزیاحاً غیابیّاً قیمته: 39/15 %، وهو فونیم شفوی مجهور متوسّط بین الشدّة والرخاوة.» (الموسوی، 1998م: 54) المخرج الشفوی فی الواو یخالف دلالات الهاء والعین، لأنّ الشفة قریبة من الخارج وتدلّ علی العلاقة مع القبیلة والمجتمع، کما یحمل بُعد المخرج فی العین والهاء "الحلق والحنجرة" دلالات علی الانطواء والبعد عن المجتمع. نجد فی جدول الانزیاح الغیابیّ ثلاثة أصوات شفوی: الباء والواو الذین سبق ذکرهما والمیم الذی حقّق انزیاحاً غیابیّاً بنسبة: 17/2 %، المخرج الشفوی فی الباء والمیم یحمل نفس الدلالة التی جاء فی الواو. هناک سمة مشترکة أخری بین هذه الأصوات الثلاثة وهو الجهر، والجهر فی هذه الأصوات یخدم دلالات الذال علی الجرأة والشجاعة، وهذه الصفات تنافی حالة الناقة التی وصفها الشاعر. «یختلف الواو والمیم عن الباء بالتوسّط بین الشدّة والرخاوة، لأنّ الباء صوت یتمیّز بالشدّة.» (بشر، 2000م: 414) التوسّط بین الشدّة والرخاوة یؤکّد دلالات اللام علی الاعتدال وعدم التفریط والإفراط، وهذه المعانی لا تلائم حیاة طرفة. «وأمّا سبب تقدّم الباء علی الواو والمیم فی الغیاب یعود إلی انفراج الشفتین بشکل مفاجئ بعد انطباقهما انطباقاً تاماً.» (الموسوی، 1998م: 52) عند النطق بالباء وهو یناقض الانفصال البطیء بین اللسان والغار فی الجیم الذی سجّل انزیاحاً حضوریّاً، کما قلنا لیس انفصال الشاعر عن ذکر حبیبته ووصف الأطلال انفصالاً مفاجئاً بل ینتقل الشاعر إلی وصف الناقة والکلام عن الرحلة ببطء. «بعد الواو سجّل الشین انزیاحاً غیابیّاً نسبته: 63/8 %، نوع من الصفیر فی الشین أقلّ من صفیر السین لأنّ الفراغ المجری مع السین أضیق من الفراغ مع الشین.» (المصدر نفسه: 77) ومن هنا سرعة خروج الهواء فی الشین أقلّ من سرعة خروجه فی السین ویکون غیابه أکثر فائدة لأنّ عدم السرعة فی اندفاع الهواء لا یلائم مع دلالات السین علی سرعة حرکة الناقة. «وأخیراً یحلّ الهمزة فی المرتبة الثانیة عشرة بانزیاح غیابیّ نسبته: 69/0 %، وهو مشترک مع الهاء فی المخرج "کلاهما حنجری".» (بشر، 2000م: 414) «ولکنّ یختلف عنه فی انطباق الوترین انطباقاً تاماً حیث لا یسمح للهواء بالمرور من الحنجرة، بینما یمرّ الهواء عند النطق بالهاء خلال الانفراج الواسع الناتج عن تباعد الوترین.» (المصدر نفسه: 304) وهذا الانفراج یعکس انفصال الشاعر عن قبیلته والقیام بالرحلة. ومن هنا انطباق الوترین عند النطق بالهمزة یدلّ علی ما لا یناسب حیاة الشاعر، حیث لا یوجد توافق بین القبیلة وطرفة. «ولکنّ الهمزة یحمل بحنجریّته.» (عبدالفتاح، لاتا: 37) وجهره وانفجاره دلالات القوّة ولذلک یکون أقرب الفونیمات فی هذا الجدول من الحضور بتسجیله نسبة ضئیلة من الانزیاح الغیابیّ. هکذا أدّت الفونیمات بانزیاحها الحضوریّ والغیابیّ، دوراً دلالیّاً فی وصف الناقة لمعلّقة طرفة، حیث یقوم هذا المشهد باتّخاذ الناقة رمزاً یمثّل حالة الشاعر ومشاعره، کما یقوم المشهد بترسیم صفات القوّة والسرعة فی الناقة ووصفها بالانطواء والإنفراد. وهذه المعانی تدلّ علی تمیّز طرفة عن أعضاء القبیلة وتمرّده علی قوانین المجتمع وأخیراً شعور بالغربة والانفصال عن القبیلة. النتیجة مّما سبق، وصلنا إلی أنّ الفونیمات تدلّ بمخارجها عبر آلیات مختلفة: - من خلال سعة المخرج وضیقه، کمخرج الصاد والسین. - أو من خلال قرب المخرج وبعده، کمخرج الفاء والعین. - أو من خلال الطبیعة الفسیولوجیة للأعضاء المسهمة فی تشکیله. کما تقوم الصفات بدورها من خلال: الصفات العامة: کالشدّة والرخوة، الجهر والهمس. صفات المجموعات: کالاستعلاء، والقلقة، والصفیر. هکذا أدّت الفونیمات من خلال صفاتها ومخارجها دوراً دلالیّاً فی مقطع وصف الناقة لمعلّقة طرفة، کما لاحظنا أنّ الفونیمات التی تلائم مع هذا المشهد من المعلّقة تحقّق انزیاحاً حضوریّاً أی تکون نسبة حضور فونیم ما فی مقطع وصف الناقة أکثر من نسبة حضوره فی کلّ القصیدة، بینما تحقّق الفونیمات التی لا تتناسق دلالاتها مع المشهد انزیاحاً غیابیّاً، وفی نفس الانزیاح الحضوریّ یختلف فونیم ما عن الآخر فی قوّة دلالاته أو ضعفه، ولذلک یتقدّم بعض الفونیمات فی الجدول ویتأخّر الآخر. هذا من جهة ومن جهة أخری قد کشف التحلیل الصوتی عن وجود أنساق صوتیة فی مقطع وصف الناقة، بمعنی أنّ هناک فونیمات لها صفات ومخارج مشترکة، ومن هنا تکون لهذه الفونیمات دلالات مشترکة، ووجود فونیمات من نسق واحد فی جدول الانزیاح الحضوریّ أو الغیابیّ مرتبط بالدلالة، کنسق الصفیری"ص، س، ز" أو الشفوی"ب، م، و". [1].انظر: المعانی المتجددة فی الشعر الجاهلی بتصرف د. محمد صادق حسن عبد الله. القاهرة: مکتبة النهضة المصریة. [2].و الغنّة صوت یخرج من الخیشوم من داخل الأنف، وهی صفة فی حرفین هما المیم والنون وکلاهما یخرجان من الأنف: بن بیر علی البرکوبی، محمد. درر الیتیم فی التجوید. تحقیق وتعلیق: محمد عبدالقادر خلف بغداد: آفاق الثقافة والتراث. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إبراهیم، عبدالفتاح. (لاتا). مدخل فی الصوتیات. تونس: دار الجنوب. ابن بیر علی البرکوبی، محمد. (لاتا). درّ الیتیم فی التجوید. تحقیق وتعلیق: محمد عبد القادر خلف. بغداد: آفاق الثقافة والتراث. ابن عبد، طرفه. (2002م). دیوان. شرحه وقدّم له: محمد مهدی ناصر الدین. بیروت:دار الکتب العلمیة. ابن یعیش. (لاتا). شرح المفصل. ج 10. القاهرة: إدارة الطباعة المنیریّة. الأندلسی، ابن وثیق. (لاتا). کتاب فی تجوید القراءات ومخارج الحروف. التحقیق: غانم قدّوری الحمد. لامک: کلیة التربیة، جامعة تکریت. بشر، کمال. (200م). علم الأصوات. القاهرة: دار غریب للطباعة والنشر. بهنساوی، حسام. (2004م). علم الأصوات. القاهرة: مکتبة الثقافة الدینیّة. التطاوی، عبدالله. (1981م). فی القصیدة الجاهلیة. القاهرة: دارغریب. الجادر، محمد عبدالله. (1423). «طرفة بین الانتماء والاغتراب فی نصه الشعریّ». التراث العربی. العدد 85. صص 155. حرکات، مصطفی. (لاتا). الصوتیات والفونولوجیا. الجزائر: دار الآفاق. حسان، تمّام. (1990م). مناهج البحث فی اللغة. لامک: مکتبة الأنجلو المصریة. الزوزنی، أحمد. (لاتا). شرح المعلّقات السبع. بیروت:منشورات دار مکتبة الحیاة. شاهین، عبد الصبور. (1987م). أثر القراءات فی الأصوات والنحو العربی. القاهرة: مکتبة الخانجی. الشریقی، بشیر. (لاتا) «شعراء الجاهلیة». نشریة الرسالة. السنة الثانیة. العدد 53. صص27-35. الشمشاطی، ابو الحسن. (1977م). الأنوار ومحاسن الأشعار. الکویت: لانا. علی قناوی، عبد العظیم. (1949م). الوصف فی الشعر الجاهلی. القاهرة: لانا. عمر، أحمد مختار. (1997م). دراسة الصوت اللغوی. القاهرة: عالم الکتب. عبد البدیع، لطفی. (1970م). الترکیب اللغوی للأدب. القاهرة: دار النهضة. الفاخوری، حنا. (1385ه ). تاریخ الأدب العربی. طهران: طوس. فیاض، یاسر. (2009 م). «البنی الأسلوبیة فی شعر النابغة الجعدی». مجلة جامعة الأنبار. العدد 4. صص87-98. فیروزآبادی، محمد بن یعقوب. (لاتا). القاموس المحیط. بیروت: دار إحیاء التراث العربی. محلّو، عادل. (2006م). الصوت والدلالة فی شعر صعالیک. الجزیرة: جامعة الحاج لخضر. معروف، یحیی. (2005). «الإبل فی القرآن والأدب العربی، العصر الجاهلی نموذجاً». مجلة العلوم الإنسانیة. العدد 12. صص76-89. مکارم، عدنان. (1980م). «رمزیة الناقة فی القصیدة الجاهلیة». مجلة المعرفة آب و ایلول. العددان 222 و 223. صص127-139. الموسوی، مناف مهدی محمد. (1998م). علم الأصوات اللغویة. بیروت: عالم الکتب. ناصف، مصطفی. (1981م). «قراءة ثانیة لشعرنا القدیم». التعریب. لامک: دار الأندلس. نافع، عبد الفتاح. (1421ق). «ظاهرة الاغتراب فی شعر طرفة بن العبد». مجلة المورد. العدد2. صص98-114. وهب، رومیة. (1996م). شعرنا القدیم والنقد الجدید. الکویت: لانا. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 2,117 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 1,398 |