تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,376 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,982 |
النیرفانا فی الغزل العذری علی أساس النقد النفسی الحدیث (أبوبکر محمد بن داود الإصفهانی نموذجاً) | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 4، دوره 5، شماره 17، شهریور 1436، صفحه 77-101 اصل مقاله (2.06 M) | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
روح الله صیادی نژاد1؛ فائزة پسندی2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1أستاذ مساعد بجامعة کاشان، إیران | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2طالبة مرحلة الدکتوراه بجامعة کاشان، إیران | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کان الغزل العذری حیّاً فی العصر العباسی رغم وجود الشعراء الذین ارتفعوا عن الحس المادی وعاشوا فی حبّهم معیشة طاهرةً نقیةً وعلی رأسهم محمد بن داود الإصفهانی المعروف بالظاهری. فهو نتاج تربیة إسلامیة صافیة امتزجت فیه التعالیم الدینیة بروح إنسانیة فنتجت عنها هذه العفة و"النیرفانا" من أهم میزاته ویمثل انعطافاً واضحاً فی تیار الشعر العربی، لأنّه وضع غرضاً شعریاً متمیزاً وکان حافظاً لأسالیب الشعر الموروثة، کما تأثّر بالحضارة الإسلامیة والثقافات الأخری آنذاک. سعت هذه الدراسة أن تبرز بعض معالم التربیة الروحیة المشترکة عند البوذیة والإسلام وأهمیة الحیاة الروحیة ومکانتها عند الدیانتین؛ وتدور حول وسائل العملیة لتحقیقها ثمّ أسالیبها لتجرد النفس عن رغباتها وتحقیق الوصول إلی الذات الإلهیة. ومن أهم عناصرها الموت، الألم، تعطیل الإرادة، الصراع النفسی والمازوشیة. هذا والمنهج الذی التزمناه فی بحثنا توصیفیاً تحلیلیاً ویعتمد علی مناهج الداراسات الحدیثة فی النقد النفسی الحدیث ویمکن معرفة الأجواء الأدبیة المسیطرة علی العصر العباسی من خلال النقد النفسی لأشعار الإصفهانی کما سلکنا فی هذا البحث مسلک النقد والتفنید. إذن دراسة دقیقة لأشعاره تُوضِح قیمة هذا الشعر من الناحیة الفنیة واتجاهه العفیف فی معالجة هذا الجانب الشعری المتمیز. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الإصفهانی؛ النقد النفسی الحدیث؛ الغزل العفیف؛ النیرفانا | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من مهمات النقد الأدبی مواکبة الأثر الفنی لمعرفة أسسه الفنیة والإبداعیة فی جوانبها التاریخیة والسیکولوجیة والإجتماعیة واللغویة. یحاول النقد النفسی العربی الحدیث الدخول إلی دراسة الکثیر من القضایا الفنیة فی التراث العربی القدیم؛ وأیضاً فهم أسرار الأدب عن طریق نظریات علم النفس مرتکزاً علی إستنطاق منطقة اللاشعور وهی مرکز تخزین تجارب الحیاة النفسیة. (شکری، 1984م: 119) هکذا یعتقد علماء النفس[1]والباحثون فی اللغة العربیة وآدابها، أنّ الباحث ینبغی أن یطالع ما کان له أثر فی آداب العصر کتاریخ الأدب والقضایا السیاسیة والثقافیة والمؤثرة فی البواعث النفسیة حتی یقدر علی تحلیل الشعر تحلیلاً نفسیاً. ومن المزدهرات الشعریة فی العصر العباسی، إزدهار أنواع الحب فی هذا العصر وتبیین انحائها قصداً إلی الشهوات الرائجة ونموّ الثقافات اللادینیة التی حذّرت المجمتع الإسلامی بحذافیره ولذلک شاع الغزل فی شتی مستویاته، فشاع الحب العذری (العفیف)[2] والإباحی بکل درجاتها لکن هناک بعض الشعراء کانوا یحافظون علی قدرٍ کبیرٍ من الغزل العفیف والحشمة والحیاء. (آذرشب، 1382ش: 204-223) ویتمیّز هذا الغزل بعفة اللسان وصدق الصبابة وطهارة المعنا ورقة العاطفة وعنفوان الشوق مع نغمة حزینة وشیوع ألفاظ ومعان حضاریة مستجدة والمیل بأسلوب السهل السلس. (الإصفهانی، لاتا: 25) إذن الغرض من هذه المقالة وأهم ما استوقف هذا البحث، أولاً: تصریحٌ بیّنٌ لماهیة وعناصر الحب العفیف والغزل العذری الذی یؤثّر فی نفسانیة شعر الشاعر فی ضوء النقد النفسی الحدیث (السیکولوجی). ثانیاً: ما هی المضامین الأصلیة فی شعره وهل إنعکست فیه خصائص الأدب العباسی؛ ثالثاً: معرفة أهم میزاته المسمّی بـ"النیرفانا" وجذوره وهو یعتبر من أهم میزات الغزل العذری وتعتبر مصدراً هامّاً من مصادر الصوفیة وهو المیل إلی العزلة عن الدنیا وملذاتها والحیاء والنقاء الناتج عن التربیة الإسلامیة والإنصراف إلی التأمل والفناء الذاتی لوصول المحبوب. المنهج المتَّبع فی هذه الدِّراسة هو المنهج الوصفی التحلیلی والفنی النفسی ویرتبط بالمجتمع من ناحیةٍ وبالنفسیة من ناحیةٍ أخرى. وهذا مقصد لم ینظر إلیه کثیر. خلفیةالبحث ومن بعض الدراسات المرتبطة: "الغزل فی العصر العباسی" رسالة ماجستیر لفضل الله السید عبدالرؤوف (1327ق)، "شعر الغزل العذری فی العصر العباسی شعراؤه وإتجاهاته الموضوعیة والفنیة"، للباحثة لینا عبد ربه خورشید الشخشیر(1998م)، "معالم التجربة الروحیة بین البوذیة وصوفیة الإسلام دراسة مقارنة"، للباحثة ماشطة أحمد (2007م)، "دراسة الحب فی الأدب العربی" للدکتور مصطفی عبدالواحد (1971م). فإنّ دراستنا هذه مبنیة علی النقد النفسی (السیکولوجی) الحدیث وهذا مقصد لم ینظر إلیه کثیر من الدارسین وأنّ فی الدراسات المشار إلیها أنفاً لا یوجد أی بحث أو مقال قام بدراسة الغزل العفیف لهذا الشاعر وتحلیلها فی العصر العباسی ویبدو أنّ هذا المقال یحمل فی طیاته شیئاً جدیداً. معرفة الشاعر وخصائص عصره کانأبوبکر محمد بن داود الإصفهانی (257-297هـ) إیرانی الأصل، ولد ببغداد وهو من أکابر الفقهاء واللغویین والعلماء والمحدثین و القضاة والشعراء فی العصر العباسی فی إزدهاره وله منزلةٌ عالیةٌ ومکانة خاصة فی هذا العصر وهو فی سن مبکّرة وکان من المقبولین بالحجاز ومصر والشام والعراقین وبلاد خراسان کما نعته إبن الرومی بـ"فقیه العراق". (الخطیب البغدادی، 1932م: ج5/256) فله مصنفات مختلفة فی المذهب الظاهری. له کتابٌ سمّی بـ"الزهرة" وأیضاً أتی فیه من نوادر وذکر فیه من أشعار خاصةً فی غزل العفیف کما أشار إلیها إبن خلکان، حاجی خلیفة وابن الجوزی. (حاجی خلیفة، 1946م: ج2/2014) وأرادَ أبوبکر أن یرسّم من خلال قصائد هذا الکتاب حرارة الشوق وأعماق الحبّ الذی تصاعدت براعمه فی نفسه، وانعکست آثاره ومرائر الحرمان الذی یعانیه ویهوی حبیبته بعین قلبه لا هواه وغرماً مدنفاً متیماً قولاً وفعلاً وجسداً وحسّاً ومجاهداً لغرض النفس وغصص الحب والوشایة العواذل، ووفیاً أمیناً لا یخون العهد ولا ینقض المیثاق. (الصفدی، 1949م: ج3/58) وفی هذا العصر کان للإیرانیین دور کبیر فی النهضة الأدبیة ولاسیّما للغزل العفیف دورٌ هام والحبّ من أهمّ مضامینه فهو یصدر عن نفس طاهرة عفیفة تحن إلی السّمو الروحی والطهر النفسی والجمال المطلق وتنشد ألحان الشوق واللوعة معبرة عن الحنین. (آذرشب، 1382ش: 59-47) وهناک العلاقات الثقافیة بین العرب والهنود وکانت للفتوحات الإسلامیة لبلاد السند أثر هام فی إمتزاج العنصر الهندی بالإسلامی فکانت هذه العلاقات قویة فی العصر العباسی وکان الثقافة والفکر الإسلامی قد إتصل بالحضارات والثقافات الأخری بعد ترجمة الکتب المختلفة خاصة عن الهندیة وکل ذلک کان له أثره فی إبن داود فهو متسع الثقافات، طلیق الأفق وکان الإتجاه الصوفی من الإتجاهات السائدة فی فهم طبیعة العشق فی عصره لکثرة إنغماس الناس فی الترف والتصوف الإسلامی نشأ فی بیئة إسلامیة وهو یمثل جانباً من الفکر الإسلامی إتصل بالثقافات الدخیلة والمترجمة کالفلسفة الیونانیة والهندیة وإستفاد منها. (عبدالواحد، 1971م: 54-68) ومن الملاحظ أنّ الدراسات الفقهیة والتشریعیة والمذاهب الفقهیة الأربعة نشطتْ؛ فالفقهاء یجتهدون ویتناظرون ویختلفون ویکثرون من التآلیف والمصنفات مما أدّی إلی ظهور مذاهب فقهیة ثانویة إلی جانب المذاهب الأربعة الکبری ولکلّ مذهب مجموعة کبیرة من أساتذته وشیوخه یذیعونه فی العالم الإسلامی ومنها المذهب الظاهری نسبة إلی أبی سلیمان داود بن علی بن خلف الأصبهانی الظاهری وهو یقوم علی إنکار القیاس فی الدین ومسائل التشریع، لأن القیاس عقلی والدین إلهی، ومن أجل ذلک کان یری الوقوف عند ظاهر الکتاب والسنة وعدم فتح الأبواب للقیاس والآراء التی تنبثق عنه. (آذرشب، 1382ش: 168) وأخذ "الزهد" ینمو سریعاً منذ فاتحة هذا العصر حین انتشرت موجة الفساد والتّحلل الخلقی فی المجتمع الإسلامی آنذاک، إذ أصحابه-ومن أهمهم الإصفهانی- یتحدثون عن الحب الإلهی وأحواله والنشوة به إلی درجة الفناء فی الذات العلیة ویصوّرون العشق ولوعة الحبّ فی القلوب ومشاعرهم. (المصدر نفسه: 169) الغزل العذری (= العفیف، الروحی) العذری نفس ممزقة بین الانجذاب المادی للجسد والتعلق الروحی بالمحبوب من حیث هو إنسان بالروح قبل الجسد وما العفة فی شعرهنّ إلا نتیجة تلقائیة للإیمان بالقیم الإسلامیة. أمّا التّمنع عند المقدره علی الوصال وهو ما یسمّی عادة بالأفلاطونیة فی الحب، تعبیر عن عواطفها وأحاسیسها الإنسانیة التی فطر علیها إلّا أنّ التّطبع والتّخلق بأخلاق الدین والتحلی بسمات مهذبة یجعلان هذا المحب متعفف مترفع یسمو فی حبه عن العلاقة الجنسیة والحق أن أصحاب هذا الحب شطحوا شطحات صوفیة فی أشعارهم ونظموا ما یسمّی بالحب الإلهی أو العشق الإلهی. (الیوسف، 1982م: 16) فالعشق کما یعبّر عنه إبن حزم الأندلسی فی المفهوم العربی ذو روحیة نابعة من طبیعة الحضارة العربیة الإسلامیة ذات الصبغة الروحیة والجذور العمیقة ولها روح الأسطورة والحب العذری أصّل للمفهوم الروحانی لماهیة العشق الحیّ عند العرب وهو ضرب من التصوف الإسلامی والصوفیة بدأت من حیث إنتهت العذریة. (الأندلسی، 1930م: 60) وهنا نشیر إلی الدراسة المقارنة عن الطرق والأسالیب لتحقیق النیرفانا، هذا الهدف الأسمى والغایة القصوى فی التعالیم البوذیة، وعند الصوفیة وبعض مواضع التشابه والإختلاف بینهما:
إنّ النیرفانا یعتبر من أهم میزات الغزل العذری وهو أسمى حالات الوجود فی البوذیة[3]. تدعو البوذیة إلی الإعتزال الکلی عن جمیع شؤون الحیاة فی تملک الأموال والإبتعاد عن الناس وعدم التلذّذ بالرغبات للوصول إلى النیرفانا. (نومسوک، 1999م: 280) وتعتبر مصدراً هامّاً من مصادر الصوفیة فانتشرت فی فارس وخراسان وما جاورها قبل الفتح الإسلامی وکان کثیراً من مشایخ الصوفیه من هذین المدینتین لتأثرهم بجوارها ومیلهم إلی العزلة عن الدنیا وملذاتها والإبتعاد عن الناس، إنصرافهم إلی التأمل والفناء الذاتی وإنقطاعهم إلی العبادة وعزوفهم عن الزواج والتبتّل والإعتزال والمعاناة الإنسانیة لوصول المحبوب فنجهوا نهجهم. (آذرشب، 1382ش: 168) وهذا الرأی عند الصوفیة مأخوذ من الآیة الشریفة: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَیاةُ الدُّنْیا لَعِبٌ ولَهْوٌ وزینَة﴾ (الحدید:20) کما ینشد الشاعر:
(الإصفهانی، لاتا: 17)
النیرفانا [4] إن کلمة نیرفانا کلمة سنسکریتیة وغلبت علی الفلسفة البوذیة وبمعنی إنتهاء الشهوة أو الفناء التام للروح والجسد معاً أو خمود الحیاة (الجسم و...) وبرودتها بعد حرارتها وتعتبر هدفاً أسمی للبوذی وعامل السعادة ولیست سوی ثمرة من تأملات بوذا الطویلة ومجاهداته الشاقة لکی یدفع عن نفسه آلام الحیاة کالمرض والشیخوخة والموت والرغبات. (موتوکان، 1961م: 37) تکشف الدراسة أن الطریق إلی نیرفانا ثلاثة: 1-مرحلة الإلتزام بالدین، الأخلاق والعمل الطیب 2-مرحلة الریاضیة النفسیة والتأمل الذاتی 3-مرحلة المعرفة والکشف والنظرة السلیمة؛ وهی تحصل لمن استطاع أن یعیش حیاة یسودها عدل کامل وصبر وشفقة على الکائنات جمیعاً وعندئذ یجوز أن یجنب نفسه العودة إلى الحیاة وسینطلق إلى غایة نبیلة وعالم آخر عالم لا یمت إلى الواقع بصلة. (سانج، 1978م: 406) ومن الملاحظ أن الشاعر أنشد بالمفردات الدینیة واسترفد ألفاظاً من الدین والقرآن قد یعود هذا إلی العقیدة النابعة من الاسلام التی دلّت علی ثقافة دینیة ویؤکّد مدی تأثیره بالقرآن واستعانته به وبالعلوم الدینیة وهی نتیجة نزعته شکلاً ومضموناً:
(الإصفهانی، لاتا: 42) الشرح: عندما یَنشر اللّیلُ جناحَیْه علی البَسیطةِ نَجدُ هؤلاءِ قد رَکَنوا إلی نومٍ هادئٍ مُریحٍ لا یَنْغصُ علیهم نومَهم ورُقادَهم أمرٌ مِن الأُمور؛ کما جاء فی القرآن: ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُکارى وما هُمْ بِسُکارى﴾ (الحج: 2) إذن النیرفانا العذریة تسامی للعذری الذی کان یعیش صدام شبوب عاطفی مع هویة أصلیة تنادیه من الأعماق للإشباع الغریزی فتسامی العذری عملیة حضاریة قوامها أن العذری یتخلی عن النزعة الجنسیة فی التماس اللذة الجزئیة وإتخذ لها هدفاً آخر یتصل تکوینیاً بما تخلّت عنه الذات وبذلک توصف بأنها عملیة ذات طابع نفسی اجتماعی جعلت العذری یتسامی بذلک عن الإهداف الجنسیة الشبقیة التی هی فی نهایة الأمر أهداف أنانیة إلی أهداف ذات طابع حضاری تضحی فیه "الأنا" بمتطلباتها الغریزیة من أجل بناء "النحن" بناء متکاملاً وبعبارة أخری المراد منها القضاء علی الفردیة التی تذوب فی الروح الجماعیة مؤدیة إلی حالة من السکینة والسعادة الکاملة. (الیوسف، 1982م: 9) یقول الشاعر:
(الإصفهانی، لاتا: 17) الشرح: حبُّنا فی عفةٍ، نبذلُ کلَّ ما فی وُسعنا أَنْ یبقی دائماً، وألّا یخترقَه سوءُ ظنِّ الآخرین، وألّا یَقضی علیه الشکوکُ والظّنونُ من قِبل الآخرین. أو:
(الإصفهانی، 1932م: 146) الشرح: ربّ شبابٍ ذوی صدقٍ تَعبتُ مِن لقائهم وزیارتِهم وغضضتُ عینیّ عنهم ولم أتکلّم معهم [أعرضت عنهم]. والإسلام قد عدل من مفهوم الحب فنقله من مفهوم حیوانی بهیمی إلی مفهوم روحی متسام أصله وقوامه الحیاء والنقاء. کما أنّ تسامی العذریة أفرزه تغلب الحیاء والنقاء الناتج عن التربیة الإسلامیة علی توق النفس ذات الدوافع الشبقیة. ولذلک فمن ممیزات الحب العذری إعتقاد العشاق بقوة خارقة لا حول لهم ولا قوة فی ردّها أو السیطرة علیها فیرتفع عنهم اللوم فی کل أعمالهم وترفع عنهم المسؤولیة. باعتبارهم مجبرون وخاضعون لسلطات العشق فیعبر الشاعر عن الرغبة فی الوصال بتعبیر یقبّله المجتمع. (جلال العظیم، 1983م: 95)، یقول:
الشرح: إنَّ الشاعرَ یقول: هذهِ المطیّةُ کانتْ تهوی الفراقَ فلو لم تکنْ تهواه لَکان نصیبُها النّحرَ ثمّ إنّ قیادَها لم یکنْ باختیارِها.
الشرح: أنتَ ذلک المحبوبُ الذی ما وفا بعهدِه وقد بَقی القلبُ معلّقاً بِذکراها مِن الجانبیْن، جانبِ الإکراهِ وجانبِ التَّخییر.
(الإصفهانی، لاتا: 25) الشرح: وهذا التغیُّرُ فی القلبِ تجاهَ تصرّفاتِک لم یکنْ مِن تِلقاء نفسی، ولم یکنْ بإختیاری حتّی أَترُکَه ولا عن إضطرارٍ بل اُصیبَ القلبُ بذلک فهی مِن دواعی القلبِ ونزعاتِه. ومن أهم خصائص النیرفانا، التجرد من أغلال الحیاة وقیود النفس والمراد به الآلام والشهوات النفسیة کالطمع والکراهیة والحسد والحقد والخوف وخاصّة الحب، فإذا تجرّدت النفس عن الحب فإنّها تتخلّص من الإحساس بالألم الذی یسبّبه إرتباط النفس بالأجسام وتحدث حالة التشبّع الروحی بالإنصراف عن الدنیا المادیة کلّها ومستعدة للوصول إلی نیرفانا. ومن سماته التجرد من فکرة الذات وهذا موافق لمعنی النبل. (سانان، 1970م: 320) لکن النیرفانیة العذریة نحت منحی فنیاً فی تصویرها للجسد المحبوب بلغة غیر شبقیة کانت إرهاصاً حقیقیاً للصوفیة العرفانیة فیما بعد؛ وهو ذات طابع فنی متسم بالجمولة العرفانیة الصوفیة التی اتصلت بالذات الإلهیة ولذلک بین العفة فی الحب وبین الزهد من سمات مشترکة وملامح متشابهة ونزوع إلی الأعلی والتحریم الجنسی. فالعذریة فی تعبیرها عن العشق أعطت للحب بعداً روحیاً کان إرهاصاً حقیقیاً لدخول رمز المحبوب بحمولة معرفیة عرفانیة دالاً علی الحب الإلهی. (جودة، 1983م: 131) کما یذکر ابن داود فی تفسیر الصوفی لحکمة العشق وتعلیل حدوثه بین الخلائق، أن المتصوفین یرون فی العشق قدراً یمتحن الله به من یشاء من عباده ویعوّض لهم فطه الذلة والإنقیاد حتی یصل الناس من وراء ذلک معرفه حق الله سبحانه وإیثار رضاه علی رضا العباد. (عبدالواحد، 1971م: 72):
(الإصفهانی، لاتا: 16) الشرح: إلی متی أبقی ملازماً لحبِّک مُتَشوّقاً إلی تحقُّقِ رِضاک، فأنا فیما أنا فیه مِن صدقِ ادعاءٍ، ولکنَّ الأمرَ لم یکنْ لیِصدِّق مِن جانبِ الحبیبِ بل یُکذِّبُه.
(المصدر نفسه: 17) الشرح: الاعتذارُ مِن التَّقصیرِ فی أمرِ الحبِّ قد یتبعُه أمورٌ تؤدّی إلی التَّحریفِ عن الصوابِ وکذا اللُّجوءِ إلی الکذبِ، ولا توجد عندی حاجةٌ إلّا رِضاک.
(المصدر نفسه: 20) الشرح: وسترضی قلوبٌ- أی قلوبُ الأَحبَّة- قد تراکَمَ وتضاعَف سخطُها علیه فعادتْه بغیرِ وترٍ ودونَ أَیِّ ذَنبٍ. الف- الفناء/ الموت[5] حینما تسرّبت المذاهب الهندیة إلی العالم الإسلامی کان إتفاقاً کبیراً بین فکرة الفناء بینهم فإنها متفقة فی الأصل وهو الوصول إلی مرتبة الکمال وسعادة النفس وإختلفت فی فروعها کما نشیر. (الهاشمی، 1346ق: 24) ومن الملاحظ أنّ النیرفانا إتخذ من الفناء هدفاً أسمی فی الحیاه البوذیة والمتأمل البوذی کان ینبغی الفناء دون الإتحاد بمدبر هذا الکون. ومن هنا قسّم البوذیة حالات الفناء فی النیرفانا إلی قسمین: 1-فناء شبه التام لأن الجسم لم یزل حیاً أمّا النفس فانیة ولا تتعلّق بحیاة الدنیا 2-الفناء التام بعد النیل إلی النیرفانا ولا یبقی جسماً أو روحاً ولا یبقی وجود ذاتی للفانی ولا یبقی فی نفسه ولا فی تفکیره شیء لا إله ولا غیره؛ کما یعتقد أن لا تخلو الحیاة من المعاناة التی یسبّبها الشقاء (کالولادة، الشیخوخة، المرض، مفارقة الصدیق...) وسرّ الراحة هو قتل تلک الرغبات. (واسین، 1981م: 214) ومن ثمّ الفناء لتحقیق النیرفانا فی البوذیة شأنه شأن الفناء فی التصوف الإسلامی غایة یصبو إلیها السالک البوذی بعد القیام بمجاهدة النفس مجاهدة شاقة طویلة وهی حالة من التشبّع الروحی بالإنصراف عن الدنیا کلّها إذ وصل إلیها الإنسان تتخلّص النفس فی أثنائها من الشعور والإحساس ومن الرغبات والشهوات ومن کافة الصفات البشریة فتضمحلّ الکائنات فی نظرة حتی یصبح لا یشاهد فیها شیئاً. أما فی الصوفیة إنّ الفناء هو الغایة القصوی للریاضه النفسیة وآخر مرحله من مراحل الطریق للسالک العذری فی سیره إلی الله. فالصوفی الإسلامی کان یرید الفناء فی الذات الإلهیة وهی قمة الطریق، غایة التصوف وثمرة مجاهدة النفس، ینالها فی طریقه للبحث عن الحقیقة. (ماتیوس، 2013م: 121) بعبارة أخری فناء المتصوف العذری غیر ما یکون فی بوذا، إذ معناه فناؤه عن نفسه وصفاته الحیوانیه الأرضیة حباً فی ذات الله بإلتزام التهذیب لا التعذیب ومتی تمّ له هذا الفناء أشرف به علی طور لا یشهد معه فی الوجود إلا الله حتی ولا نفسه التی بین جنبیه فلا یری وجوداً إلا لواجب الوجود وحده وإما وجود سواه أیّا ما کان فهو وجود مجازی غیر ذاتی لقبوله العدم والفناء؛ أما الوجود الحقیقی الذاتی فهو للذات العلیة الأبدیة الدائمة البقاء وحدها فیحصل بعین البصیرة والطهارة إلی مقام یسمّی مقام اللقاء أو الوصول وراء العقل المجرّد والإتحاد به ویمیل الحب إلی الفطرة الإلهیة فی الإنسان مهما وصل إلی هذا البحر الجیّاش الذی یجیش قلبه المتراکم من الحب العفیف وهذا هو السبب النفسی الأساسی والعامل الأصیل الذی یمیل العذری نحو هذا الإتجاه ویؤدی إلی النفس الراضیة المرضیة المطمئنة بالإیمان الراضخة لأحکام الشرع والدین والرقی الروحی إذ یصیر قلبه ملیئاً بالصدق والمروءة والطهارة والحنو إلی عباد الله والخلائق أجمعین فهذا الفناء یعقّبه الإتحاد بالله، یقول:
(الأصفهانی، 1932م: 72) یشیر الشاعر إلی نفس المحبوب التی تکون أعلی شأناً من نفسه ولیستا فی مرتبة واحدة وهذا یدلّ علی کثرة الإخلاص فی طریق الحبّ لأنّ الشاعر یفدی نفسه له ثمّ یحتقرها ویرجّح المحبوب علی نفسه وهذا نهایة الفناء فی الحبّ الإلهی لأنّ النفس أعزّ شیء عند کلّ إنسان. لا یکتمل الحدیث عن الموقف النفسی عند العذریین إلا بتوضیح رؤیتهم للموت کما قال تعالی: ﴿کلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ﴾ (العنکبوت: 57) وقد إرتبط الموت بالمحبوب فی الشعر العذری إرتباطاً وثیقاً وصوّرها الشعراء بوصفها سبباً للموت لکن الموت من ناحیة أخرى یمثّل عند العذریین إنعتاقاً من الألم، یمثّل وجهة الخلاص الوحیدة من هذه الأحاسیس المدمّرة والحیاة العاطفیة غیر المستقرة (شورون، 2000: 5)، یقول:
(الإصفهانی، لاتا: 48) الشرح: کَثُرتْ وازدادتْ علیه نوائبُ الدّهر واسْتحقَرَتْه لِضعفه، وهَجمتْ علیه بکُلّ أنواعِ البلاء إلّا الموت، أی لم یُهلکْ حتی یَرتاحَ ولکنَّه یُعذَّبُ بمکارهِ الدّهر.
(المصدر نفسه: 55) الشرح: ویلکَ أیُّها الحبیبُ لا تعْجلْ فی الإبتعادِ عنّی لِأنَّ الفراقَ هو الموتُ بعینِه فاحْذَرْ عواقبَ ما تُقْدِم علیه. ب- الألــم [6]الحیاة فی تفکیر البوذیة ألم من شرور هذه الدنیا وطبیعة فی الإنسان لا مندوحة من القضاء والتشاؤم ناشئة من هذا الألم. فإذا أردنا القضاء علیه یلزم القضاء علی الإنسانیة نفسها ومصدره هو الشهوة التی حدثت من الإرتباط بین الحواس والأشیاء الخارجیة والألم کالنار التی تلتهب فی الحطب، أطفئوها وتخلّصوا منها، فیقول إعدموا الألم فتکتسبوا الخلاص وعلی هذا لیس هناک أسمی من سعادة الطمأنینة وذلک عن طریق الوصول إلی النیرفانا. (نومسوک، 1999م: 259) ولیس الألم مقصوراً علی الألم العضوی من أعضاء الجسد بل یشمل جمیع تصرفات الإنسان المزیّنة بالرغبات والإعتداد بالذات وهو علی قسمین: 1-الألم الجسدی (کالولادة، الشیخوخة، المرض والموت) 2-الألم النفسی (الحزن والکراهیة والطمع وماشابه ذلک.) (موتوکان، 1961م: 191) وأمّا تخلل الألم نسیج التجربة الشعوریة عند العذریین، أصبح الحبّ عندهم مرادفاً للألم وهو الأثر النفسی الحاد فی نفوس فشلت فی أن تحب وفشلت فی أن تنسى ولم یبق لها إلّا أن تظل فی عذاب مقیم، عذاب لیس من نهایة له. وقد تجلّى القلق فی أمنیات الشعراء والعلاقة بین القلق والأمانی علاقة قویة، فالأمنیة رغبة غیر محققة، ویرتبط بمحاولة تحقیقها إحساس القلق أو أن بواعثها داخل النفس بواعث قلق وألم على وضع قائم یراد تغییره أو إصلاحه وقد فشل العذریون فی حبهم وأحسّوا فی أوقات أنّ الإرتباط الطبیعی بمحبوباتهم لا سبیل إلیه ولذلک فقد جنحوا إلى عالم الأمانی یحقّقون فیه ما قد عجزوا عن تحقیقه فی الواقع. (القط، 1407: 120) یقول الشاعر:
(الإصفهانی، لاتا: 47) الشرح: أیُّها الشاعرُ! أنتَ کمَن یُبدِّلُ الأثرَ بالعیانِ (متأثرٌ بصُور الخیال مِن الحبیب) وقلبُک مُتولّعٌ بالمحبّةِ یُخفِقُ بالمودّةِ والغرامِ.
(المصدر نفسه: 16) الشرح: یشیر الشاعرُ إلی الحالاتِ النفسیةِ عند الإنسانِ وتُسمّی إحدی هذهِ الحالات فی علمِ النَّفس بالوسواسِ أو مرضِ التردّدِ بقوله: أَعتقد بأَنّ کلَّ شخصٍ أُصیبَ بمرضِ التَّرددِ وکثرةِ الشَّک یخاف ممّا یخطر ببالِه ویَخشی حتّی مِن ظِلّه وخیالِه، ویظُنّ أنَّ کلَّ النّاسِ یُراقبون أَقوالَه وأَعمالَه. وهکذا کان للقلق والألم مظاهر شتى فی الشعر العذری کان اللیل وکثرة التساؤلات والتعبیر عن الغربة والحنین إلى أماکن حبهم وکذلک أمنیات الشعراء ورؤیة الغراب وظاهرة الإلتفات، کل هذه العناصر أبرزت إنفعاله عند العذریین، کما نری عند الشاعر:
(المصدر نفسه: 49) الشرح: هل تذکر الیومَ الذی اُصبتُ فیه بمرضِ الهوی وما لاقیتُه مِن الحزن وألمِ الشوق أو قد اکتَفیتَ بالخبر الذی وصلَ إلیک مِن حالی ولم تتفقَّدْ أَحوالی.
(المصدر نفسه: 42) الشرح: إنَّ فقدَ محبوبِ الشاعرِ أشدُّ علیه مِن الموتِ والهلاکِ، فإذا کان بُعدُ المحبوبِ وهجره أشدَّ علیه مِن الموتِ والهلاکِ، فهل یُبالی بالموتِ بَعد فقدِه، وهل یَتألَّم المذبوحُ مِن ألمِ سَلخِه؟ ووجد الشاعر فی قلبه بقایا من الحزن لألم الفراق ویبین لنا ابن داود أنه یتعجّب من إجتماع الهوی والیأس فی صدره دون أن یدرک أن ما فی قلبه من ألم الفراق لیس هوی فی ذاته ولکنه بقایا الهوی الزائل من وجود الیأس. (عبدالواحد، 1971م: 171)
(الإصفهانی، لاتا: 34) الشرح: فی رأی الشاعرِ لیس الغریبُ مَن یبتعدُ عن موطِنه وأهلِه، بل الغریبُ هو الَّذی یَظلِمه المحبوبُ ولا یُبالی بهِ، ولا یهتمُّ بما یحمله مِن حبٍّ، فهو الجفاءُ بعینِه وهی الغربةُ بعینِها.
(المصدر نفسه: 43) الشرح: إنَّ لونَ الشاعر قد تغیَّرَ مِن شدَّةِ الحُزن والألمِ علی فِراق المحبوب وحینذاک سألَه صاحبُهُ ما هذا الإصفرارُ الطارئُ علی وَجنتَیْک وخَدَّیْک وما لِعینیْک لا تَکفّانِ عن ذَرفِهما هذه الدُّموعَ السّاخنةَ. بعد أنْ یُبیِّنَ الشاعرُ أنَّ قطراتِ دموعِه قد تناثرتْ علی خدَّیْه بعد أن انقطعَ سِلکُها یقول: إنَّ لونَه قد تغیَّرَ مِن شدَّةِ الحُزن والألمِ علی فِراق المحبوب وحینذاک سألَه صاحبُهُ ما هذا الإصفرارُ الطارئُ علی وَجنتَیْک وخَدَّیْک وما لِعینیْک لا تَکفّانِ عن ذَرفِهما هذه الدُّموعَ السّاخنةَ:
(المصدر نفسه: 54) الشرح: اللهُ یعلمُ أنّی مُنذ أنْ هَویتُکم أستطیعُ أنْ أبوحَ بلسانی ما ألقاهُ مِن شدّةٍ وألم. ج) الصراع النفسی [7] إنّ النیرفانا هی أعلی درجات الصفاء الروحانی التی یبلغها البوذی بعد مصارعاته وجهوده النفسیة عن طریق تجرید النفس وقمع جمیع الشهوات والرغبات وممارسة الضغط علی الذاتیة والأنانیة والترکیز الباطنی فإذا وصل البوذی إلی هذه الدرجة زالت من نفسه رغباته وإنعدمت مطامعه وأهدافه علی زعمهم فلایحسّ بأیة مشاعر تدفعه لفعل خیر أو لإرتکاب الشر وجذوره الثلاثة وهی الشهوانیة، الحِقد والوَهم ویمکن التغلب والقضاء علیها ثمّ الوصول إلی النیرفانا. (نومسوک، 1999م: 253) هذا وظاهرة الصراع النفسی إحتلت جانباً کبیراً من الشعر العذری بل إنها کانت من أکثر الظواهر إلحاحاً فی هذا الشعر، فلا تکاد تمر قصیدة أو مقطوعة دون أن تبدو فیها إشارة إلى هذا الصراع أو أن یکون الصراع النفسی هو لحمة القصیدة وسداها؛ وله أثر مباشر لسیطرة الإنفعالات والعواطف على القصیدة العذریة. الإنفعالات -إذن- کانت عنصراً بارزاً فی التجربة الشعریة للعذریین وکانت مجالاً خصباً للتوتر النفسی الذی أخذ صورة صراع، والذی إستطاع أن یتغلغل فی معظم الشعر العذری، فأثر فیه سلباً أو إیجاباً. (الملیجی، لاتا: 157) فإنّ مشکلة الصراع النفسی من المشاکل المهمة باعتبار نتیجتها حالة من الکبت للدافع الذی لم یتم إشباعه وعدم حلّها نتیجة حالة من التوتّر والقلق وعدم الإرتیاح؛ وقد إنتهی فی بعض الأحیان إلى المرض النفسی أو العصبی کما لا یحفل بنوال أو وصال وهذا یدلّ علی القناعة الشدیدة. (عبدالواحد، 1971م: 106) ومن الملاحظ أنّ الفراق من الآفات الذی تعرّض فی الحب فتعقد مأساته وتسیر به فی طریق الأسی وهو إضطراری لا ذنب فیه ولا ملل وعند ابن داود الترویع بالفراق هو السهم الذی لا یعدل عن مقاتل العشاق ومن رمی به من المحبوبین أصاب ومن دعی به من المحبین أجاب (الإصفهانی، 1932م: 155) والمحبون یشفقون دائماً من الفراق ویحذرون وقوعه وذلک ما یملأ قلوبهم قلقاً ویذهب عنها الطمأنینة. (المصدر نفسه: 134)، یقول الشاعر:
(الإصفهانی، لاتا: 32) الشرح: کیف یتخلَّصُ قلبی ویبرأُ ممَّا أصابَه من الحبّ الذی ما بَرِحَ یُلازِمه بواسطةِ طبابتِکُم، فی حینٍ أنَّ الداءَ هو الدَّواءُ [لا جَدوی مِن المعالجةِ فی حینٍ أنَّ دائی دوائی ودوائی دائی].
(المصدر نفسه: 33) الشرح: أتحمَّلُ المصائبَ فی طریقِ وِصالک وأَصبر علی الأَذی خشیةَ الفِراق وکأنَّنی أَعیشُ علی جمرٍ، ولولا حبُّک ووصالُک لآثرتُ الفرارَ ولم یکن هذا الأَمرُ علیَّ صعبٌ. هو یرید نسیان الحبیب لکنّها لیست الإرادة القویة التی تترجم الرغبة إلى فعل جاد وإنما تنحصر فی حدود الرغبة التی تصطدم بعدم قدرته على النسیان فتقف عاجزة وترتدّ على مجال الأمنیات التی لا تتحقّق. کما نری صراع بین حبه للمحبوب ورغبته الصادقة:
(المصدر نفسه: 31) الشرح: وأَبکی أَیضاً لأَنَّنی لم أَکن علی یقینٍ أنَّ الحبیبَ سَیعودُ ولیسَ هناکَ أملٌ أو رجاءٌ لِتحقُّقِ هذا الأمرِ. الشاعر فی مجال الصراع النفسی یقوم بوقفة مع النفس وحساب لها وهو یحاول إقناع نفسه بهذا وکیفیة الخروج من هذه الدائرة القاتلة ومن المستحیل إرضاؤها کلّها، یتصارع فی نفس الشاعر دافعاً الخوف والحب: الخوف من الله والحب إلیه، ویعبّر عنه الرغبة فی لقاء محبوبته، الخوف من الله یتطلب منه التقوى والخشوع وللتقوى حدودها المرسومة فی الدین وأبسطها، والحب یتطلب منه أن یصل إلى محبوبته ویصاحبها فلابدّ من الصراع وخاصةً إذا کانت الدوافع متکافئة، لا سبیل إلى إرضائها معاً، یقول:
(المصدر نفسه: 53) الشرح: إنْ لم أبذلْ جُهدی ولا أُرغّبُ نفسی فی محبّتِک، یا تُری! فإلی مَن أَبذلُ هذا الجهدَ وهذه المنافسةَ (أی لا أبذلُها لغیرِک). ومن الملاحظ أنّ دائرة الصراع النفسی کانت النفس بکلّ تعقیداتها ولعلّنا وجدنا أیضا أنّ بعض أسباب الصراع النفسی کانت تنشأ فی خارج النفس وآثارها داخل النفس ووجدنا أیضاً أن نتیجة الصراع النفسی فی الشعر لم تکن معلّقة وإنما هی محسومة فی أغلب الأحیان لصالح دافع الحب وهذا یعنی دوام الصراع فی صور أخرى ولعلّ من الأشیاء اللافتة للنظر هنا توارد بعض التعبیرات عند العذریین على صور متشابهة، فلا نستطیع الإدّعاء أن الصراع کان بین الروح والجسد أو بین الأمل والیأس. (الخلیف، 1961م: 48) فکان للصراع النفسی آثار سلبیة وإیجابیة منها الیأس بقدر ما فیها من الإحباط والقلق والرجاء بالوصل بعد الصرم، یقول:
(الإصفهانی، لاتا: 45) الشرح: کلّما أَردتُ الیأسَ مِنک وکلمّا أرادَ أنْ یَیأسَ مِنک القلبُ ویقطع العلاقةَ أجابَهُ حسنُ الرّجاءِ والأملُ المطلوبُ وخُلِقَ عنده الأملُ ولکنَّ هذا الأملَ لم یلقَ إستجابةً منک، ولم یَرُدَّ علیَّ بسرورٍ وراحةٍ.
(المصدر نفسه: 46) الشرح: عند ذلک قلَّ رجائی وخابَ أملی وحَلّتْ مکانَه المخافةُ فما بَقِیَ لدیّ إلاّ التأسفُ عمّا فاتَ والفکرُ فی ما مضی. ونجد کثیراً إشارات لفکرة القضاء والقدر بأبعادهما الإسلامیة وسلطانه على الشعراء فی الشعر العذری وأن القضاء والقدر أحیاناً یکونان مرادفین لفکرة التسلط والقوة. (القط، 1407ق: 119) یقول الشاعر:
(الإصفهانی، لاتا: 47) الشرح: حتّی وإنْ بَلغت المصائبُ غایتَها وذروتَها، فإنّی لا أُبالی بها لأنّنی مُستسلمٌ أمامَ ما یحدث لی مِن قضاءٍ وقدرٍ.
(المصدر نفسه: 53) الشرح: واللیالی والحوادثُ هی حُبلی بالمکارهِ فتُصیبنی، لأَنّ کلَّ ما قدّرَ الرّحمنُ سیحدث ولا مانعَ لإرادةِ الله تعالی. الحب عند الشاعر العذری نوع من المعانة النفسیة الحادّة وحالة دائمة من الصراع بأشکاله المعقدة، هو رغبة فی الألم وإستعذاب له ولومة النفس والحب بالإبتلاء دون إختیار النفس والمحبوبة فی الشعر العذری ذات سطوة وقدرة وهی قادرة على أن تفعل وأن تؤثر:
(المصدر نفسه: 44) الشرح: یا أیّها الدهرُ! لماذا تعنّفُ بی وتُشدِّد علیَّ کأنّک لم تَرَ ما أصابَنی من عناءٍ وشدةٍ وکأنّک لم تجدْ أحداً قبلی ولا بَعدی ترمیه بسهامِ العذاب، وقد وُجّهتْ سهامُک نَحوی فقط.
(المصدر نفسه: 51) الشرح: وأنت تستطیعُ أنْ تُزیلَ ما أُعانیه مِن همومٍ وآلامٍ، ولعلّک تدری بما أُقاسیه وقد لا تدری.
(المصدر نفسه: 54) الشرح: اللهُ یعلمُ أنّی مُنذ أنْ هَویتُکم أستطیعُ أنْ أبوحَ بلسانی ما ألقاهُ مِن شدّةٍ وألم. کما أنشد الشاعر العذری فی شکوی الزمان وتقلب صروفه وغدر الأیام.
(المصدر نفسه: 36) الشرح: إنَّ الدَّهرَ خانَنی فی هذا الحبِّ وهو ذنبٌ، وأنا سأُقدِّم شُکری للدَّهر والمذنبِ الحقیقی، ولم أَکنْ فی یومٍ مِن الأَیام وعند تغیُّر الزَّمان وما یکتنِفُه مِن حوادثَ غیر مترقبةٍ أنْ أَشکرَ وأَتشکّرَ مِن مُذنبٍ مثل الدَّهر.
(المصدر نفسه: 39) الشرح: یا أیّها الدهرُ! لماذا تعنّفُ بی وتُشدِّد علیَّ کأنّک لم تَرَ ما أصابَنی من عناءٍ وشدةٍ وکأنّک لم تجدْ أحداً قبلی ولا بَعدی ترمیه بسهامِ العذاب، وقد وُجّهتْ سهامُک نَحوی فقط. إذن یری إبن داود من طبیعة العشق تحمل آلامه والصبر علی أوصابه وأن لحاق المحب بمحبوبه المفارق حتم لازم لا یعتذر عنه ولا تقف دونه عقبة فما یجوز عنده التعلل بالأخطار أو الحذر من المصائب. فهو یوجب علی العاشق أن یبذل نفسه ولا یبالی بما یتهدّده فی سبیل اللّحاق بمن یهواه؛ فکلّ ما یصور تحمل المحبین للعظام وإضطلاعهم بالمشقّات ورضاهم بالأهوال یلقی عند إبن داود حظوه وقبولاً. (عبدالواحد، 1971م: 106) د- تعطیل الإرادة [8] نری فی تعالیم بوذا دعوة إلی ترک الآمال والتعامل بالحسنی والتصدق والتفکیر السلیم والتحذیر من متاع الدنیا کالمال والشهوة والإنتصار على نفسه وشهواته بتجرید النفس عن الرغبات وکبت نوازعها وتعطیل الإرادة للنیل إلی النیرفانا. (الهاشمی، 1346ق: 19) أمّا السالک العذری بوصوله إلی مقام الفناء الذی وصفناه یتحقّق له قول النبی (ص): «موتوا قبل أن تموتوا» أی موتوا عن رؤیه وجودکم وإختیارکم وإعتمادکم علی حولکم؛ والوجود والإختیار فی الحقیقه وقف علی الله الواحد وإنکم أسباب وهو مسبّب الأسباب. (ماتیوس، 2013م: 121) وهی حالة -کما وصفه ابن الفارض- تتجرّد فیها النفس عن رغباتها، ومیولها، وبواعثها، بحیث تتعطّل إرادتها وتموت، فإذا ماتت الإرادة أصبحت النفس طوع الإرادة الإلهیة. (نومسوک، 1999م: 273) إذن الظاهرة العذریة فی التراث العربی تحوم حولها ظلال اشکالیة الإبداع وعلاقته بالإرادة والعذریون قد جعلوا من مقاییس صدق العاطفة الخضوع فی الحب والإستسلام لأمره، فهم أسری فی ید من یهوون لا یملکون تصرفاً ولا یحسنون صُنعاً. (عبدالواحد، 1971م: 91) ومن الملاحظ أنّ تعطیل الإرادة أصیل فی الهوی کلّه ولاسیّما الذی نسمّیه بالعشق العذری لأن المرء یرتبط فیه بإرادة شخص آخر فهو مقیدٌ بهذا الإرتباط الذی لا تتّفق فیه الإرادتان فی جمیع الأحیان وینتهی به الأمر إلی البقاء علی حاله عجزاً عن تغییره لا رغبة فیه فهو لا یتعلّق بمعشوقته لأنه راض عن هذه العلاقة یتلذّذها ویتذوّق النعمة فیها ولکنّه یتعلّق به لأنه عن فراقه مقید بضروب من العادات والوساوس لا حیلة له فیها ولا قدرة له علیها. (العقاد، 1982م: 266) إذن موضوع الإرادة (=الإختیار والعزم) من الموضوعات الفلسفیة والسیکولوجیة إذ تخضع بعضها للعقل وبعضها تسلط العقل، کما عبّر الشاعر عن شدّة ما تلقی من الوجد متمنیة الوصل إلی من تحب:
(الإصفهانی، لاتا: 43) الشرح: یقول الشاعرُ إنّه یضنُّ بنفسِه علی مَن یُریدها طوعَ إرادتِه ویُلِحُّ فی ذلک ولکنَّه یَبذلُها زَهیدةً رخیصةً لِمَن لا یرغَب فیها ولا یُریدُها.
(الإصفهانی، لاتا: 36) الشرح: إذا المرءُ لم یتهیَّأْ له ما یُریده وما یَتمنّاه، عندئذ سوف یکون خاضعاً لإرادةٍ خارجةٍ عن نطاقِه، فیستسلِمُ أَمامَ القضاءِ والقدرِ سواءً أَرَضِیَ بذلک أو لم یرضَ. وقوله تعالی: ﴿وَقَضى رَبُّکَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِیَّاهُ﴾ )الإسراء: 23( لا تدلّ الإرادة علی الرغبة الواعیة فقط لکنها تشمل علی الغزیزة اللاواعیة وعلی العادات والإندفاعیات والمیول من أی نوع ومن کل نوع. ومن ذهب إلی القول بتعطیل الإرادة فی العشق العذری فمذهبه یحمل کثیراً من المثالب والمغالطات النابعة من سوء فهم لإشکالیة الإرادة فی بعدها الفلسفی والنفسی إذ الإرادة لیست هی الوعی ولکن فی جوهرها هی اللاوعی. فالعذریة إذن لا تفتقد إلی الإرادة بل هی تجسید للإرادة التی حاولت أن تمحقها الظروف السیاسیة والإجتماعیة التی سادت المجمتع الإسلامی فی آنذاک وهی إرادة اللاوعی الذی صدع فی وجه الواقع بعد أن کبل الوعی وحُظر کما هی إرادة التغلب علی القهر والسلب الذی مورس علی الفرد داخل المجتمع وعلی جمیع الأصعدة السیاسیة والإجتماعیة والفطریة. (العقاد، 1982م: 16) فالعذریة شذوذ عن الأصل المعرفی لماهیة الحب وتعطیل لإرادة الحیاة وتلک نظرة للحب فی جانبه المادی لا فی جانبه الروحی العرفانی وإن تصادمت مع إرادة الحیاة وعطّلت من دورها الحیاتی إلّا أنها إرتقت بالنفس الإنسانیة إلی ملامسة جوهرها الروحی فسمت بالعشق من الطابع المادی إلی الطابع العرفانی. فحاولت العذریة أن ترتقی بالإرادة من مفهومها المادی إلی مفهومها العرفانی الذی عطل الإرادة فی فعلها الملموس. (نفس المصدر، 267) ومنعته مروءته وطابعه المعنوی حضور مجالس اللهو والغناء والخمرة، یقول الشاعر: وجدتُ الذی یسلی سوای یشوقنی إلی قربکم حتّـــی أملَّ مکانـی (الإصفهانی، 1932م: 146) الشرح: وجدت الذی یسلی العاشقین بشرب الخمر أو سماع الغانیات، بینما یشوقنی إلی قربکم حتّی ضاق علیّ مکانی فرحلت.
(الإصفهانی، لاتا: 49) الشرح: ینقلبُ القلبُ بقُدرة اللهِ وإرادتِه، حیثُ قیل إنّ قلبَ المرءِ بین إصبعیْن مِن أصابعِ الرّحمن یُقلِّبُه کیف یَشاء وقوله تعالی: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ﴾ )البقرة:20( هـ- المازوشیة[9] فی رأی البوذیة إنّ الدنیا کلّها ألم وشرور ومعرفة الحقیقة تحتاج إلی ضبط النفس وتعذیبها للوصول إلی النیرفانا أو الصفاء الروحی وهو أصعب من فتح الممالک ومنشأ هذه المعاناة والشقاء یرجع إلى الرغبات التی تمتلئ بها نفوسنا وأننا نرغب دائماً فی شیء ما مثل: الزواج، القوة، الجمال أو الثراء...؛ فتعالیمه کلّها سلبیة وإنما کانت لعقیدة قائمة فی النفس هو أنّ العمل الإیجابی یزید التکالب علی حطام الدنیا وهذا یزید الشقاء. (الهاشمی، 1346ق: 21) إذن المازوشیة أو التعذیب الذات من المبادئ الأساسیة فی رأی البوذیة والصوفیة وهدفها الوصول إلی السعادة؛ کما نری أیضا عند الشاعر العذری کان یتعمد التشبیب بالمحبوب تعمداً کانت وراءه دوافع اللاوعی التی تضمر أنّ العذری کان من العصابیین الذین یهوون تعذیب الذات أی مازوشی الطبع ولا تنتهی علاقته بالمحبوب إلی الرباط الشرعی الزواج ویحسن المنع والإغراء والإطماع بالإقصاء وأسباب اللّجاجة فی الهوی عنده کثیر. (العقاد، 1982م: 266) کما یقول الدکتور حمودی: «وجد الإصفهانی فی کتابه مکاناً فسیحاً یمکن أن یبسط فیه من مرارة النفس ما یریحها من الأعباء.» (الإصفهانی، لاتا: 15) فبدا غزله إمتلک صوراً جمیلة وألفاظاً عذبة متسمة بالإصالة والعمق کما أنشد حین صراحته فی إعلان العشق:
(المصدر نفسه: 46) الشرح: إنَّ ما أَلقاه مِن آلامٍ لا یُطاق إلّا بالصبرِ، فالصبرُ هو المستعانُ فی هذه الأَزمةِ؛ فعندئذٍ سوف أَتحمّلُ کلَّ هذه المتاعبِ أم أنَّنی فی حالةٍ یُزحزحه الزَّجرُ وعدمُ الإلتفاتِ.
(المصدر نفسه: 32) الشرح: مَن خَان عهدَه هانَ علیه الأمرُ إذ لا یُبالی بما سیحدثُ فی حینٍ أنّ قلبی ما فَتِئَ یَطلبُ الوصالَ ومُلازماً لحبِّه مع ما أنتَ علیه مِن الإصرارِ علی الهجرِ والإبتعادِ.
(المصدر نفسه: 33) الشرح: أَعد النَّظر فیما تدَّعِیه وادَّعیتَه مِن حبٍّ وإخلاصٍ، ولا تتجاوزِ الحقَّ والصّدقَ لِتُصبحَ علی بیِّنةٍ مِن الأمرِ، مَن مِنَّا هو المعذَّبُ فی هذا الحبِّ ومَن مِنَّا یُعانِی الشَّقاءَ والشِّدةَ؟! فنتاج الأدیب صورة لنفسه وتاریخ لحیاته الباطنیة، فالحب العذری یعبّر عن حالة مرضیة متغلغلة فی نفس العاشق وتتبیّن فی ولعه بسقمه وهزاله وحرمانه وتلذّذه بألمه وإستمتاعه بحرقة الشوق الذی لا أمل فی إشباعه ولا تخلو ظاهرة الحب العذری من خصائصه "السادو مازوشیة" (سلیمان، 1961م: 102)، یقول الشاعر:
(الإصفهانی، لاتا: 54) الشرح: یا مَن عنده شفاءٌ لسقمی، قُل لی متی ینتهی هذا السُقم، عندما یکون دوائی هو بذاته دائی (وهو المحبوب). هذا أمرٌ بعیدٌ أنْ یزولَ سُقمی بالدَّواء، نعم! دوامُ السُّقمِ یُعجّل بإنقضاءِ العُمرِ (ینقضی العمرُ بالسقم والألم). ومن الملاحظ أن الشاعر العذری یمیل میلاً شدیداً إلی تعذیب النفس والحبیب لمجرد الإستمتاع والتلذّذ بالألم والعذاب بأنهما جزءاً من عنف التجربة الغرامیة العذریة:
(المصدر نفسه: 32) الشرح: یا حبیبی! إنّنی علی اعتِقاد أنَّ الحبَّ یجب أنْ یکونَ قائماً بیننا، فافعلْ ما أحببتَ من تَعذیبی وهجری فإنَّ قتلی وإحیائی بیدک.
(المصدر نفسه: 42) الشرح: لقد هاجَ بی الشوقُ إلی المحبوبِ فلم أَذقْ لذّةَ الکری فی حینٍ أنَّ الرُّکبانَ قد إستولی علیهم النَّومُ مِن شدَّةِ التَّعبِ وطولِ المسیرِ، فَقَدْ أَشرقَ علیهم الصُّبحُ وبزغتْ علیهم الشّمسُ ولکنَّهم لم یَستفیقوا مِن نَومهم بعدُ.
النتیجة ومن خلال دراستنا نستطیع أن نخلص أهم ما حصلناه فیما یلی:
4. من خلال الرؤیة النقدیة لأشعار محمد بن داود الإصفهانی نستنتج أنّه کان من شعراء الغزل العذری فی العصر العباسی الثانی الذی تأثَّرَ بـ"النیرفانا" (من أهم مظاهر النفسی للحب العفیف) وجاء بکلّ عناصره منها الفناء، الألم، المازوشیه، تعطیل الإراده، الصراع النفسی فی دیوانه. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القرآن الکریم. آذرشب، محمدعلی. (1382ش). تاریخ الأدب العربی فی العصر العباسی. طهران: سمت. الأندلسی، ابن الحزم. (1930م). طوق الحمامة. دمشق: مکتبة عرفة. الإصفهانی، أبوبکر محمد بن داود. (1932م). الزهرة. اعتنی بنشره الدکتور لویس نیکل. بیروت: مطبعة الاباء الیسوعیین. الإصفهانی، أبوبکر محمد بن داود. (لاتا). أوراق من دیوان، نوری حمودی. بغداد: وزارة الأعلام العراقیة. جلال العظیم، صادق. (1983م). فی الحب والحب العذری. المغرب: دارالعیون. جودة نصر، عاطف. (1983م). الرمز الشعری عند الصوفیة. لبنان: دارالأندلس. حاجی خلیفة، مصطفی بن عبدالله. (1946م). کشف الظنون. أنقرة: لانا. الخطیب البغدادی، الحافظ أبیبکر أحمد بنعلی. (1932م). تاریخ بغداد. القاهرة: دارالفکر. خلیف، یوسف. (1961م). الحب المثالی عند العرب. مصر: مکتبة اسکندریة دار المعارف. سانج جانترا، راغام. (1978م). أصول البوذیة. بانکوک: مکتبة بانخار. سلیمان، موسی. (1961م). الحب العذری. لبنان: دارمکتبة الحیاة. شکری، عزیز الماضی. (1984م). محاظرات فی نظریة الأدب. الجزائر: دارالبعث. شورون، جاک. (2000م). الموت فی الفکر الغربی. کامل یوسف حسین. بیروت: المؤسسة العربیة للداراسات والنشر. الصفدی، خلیل بن أیبک. (1949م). الوافی بالوفیات. باعتناء س. دیدرینغ، إستانبول: مطبعة وزارة المعارف. عبدالواحد، مصطفی. (1971م). دراسة الحب فی الأدب العربی. مصر: دارالمعارف. العقاد، عباس. (1982م). المجموعة الکاملة. لبنان: دارالکتاب اللبنانی. القط، عبد القادر. (1407ق). فی الشعر الإسلامی والأموی. بیروت: دار النهضة العربیة. الملیجی، حلمی. (لاتا). علم النفس المعاصر. بیروت: دار النهضة العربیة. ماتیوس، أحمد، (2013م). الوسائل العملیة لتحقیق الفناء فی الإسلام والبوذیة. Global Journal Al Thaqafah, Kolej University, Volume3, Malaysia. موتوکان، بین. (1961م). مجموعة المصطلحات البوذیة. بانکوک: مکتبة کلانج فیدیا. سانان، نوکول. (1970م)، الفلسفة الهندیة، بانکوک: الجامعة البوذیة. نومسوک، عبدالله مصطفی. (1999م)، البوذیة تاریخها وعقائدها وعلاقة الصوفیة بها. الریاض: مکتبة أضواء السلف. واسین، أنتاسارا. (1981م). مبادئ الهامة فی البوذیة، بانکوک: مکتبة باتاخار. الهاشمی، محمد یحیی. (1346ش). «الألم بین بوذا وأبی العلاء». مجلة العرفان. العدد 559. الیوسف، یوسف. (1982م). الغزل العذری دراسة فی الحب المقموع. لبنان: دارالحقائق. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 2,230 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 3,029 |