تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,625 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,456,176 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,470,981 |
موازنة بین العقل والحسن والحبّ فی رسالتی السهروردی والفضولی | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 3، دوره 4، شماره 13، شهریور 1435، صفحه 63-45 اصل مقاله (1.55 M) | ||
نویسندگان | ||
زهرا پارسا پور1؛ خدیجة عارفی2 | ||
1أستاذة مساعدة بأکادیمیة العلوم الإنسانیة والدراسات الثقافیة، طهران، إیران. | ||
2خریجة أکادیمیة العلوم الإنسانیة والدراسات الثقافیة، طهران، إیران. | ||
چکیده | ||
تحتلّ مفاهیم کالحب والحسن والعقل مکانة کبیرة فی المؤلفات الصوفیة "العرفانیة". وتعتبر رسالة "فی حقیقة العشق" للسهروردی نسیج وحدها فی هذا المجال حیث شخّص السهروردی فیها مفاهیم مجردة من مثل الحسن والعشق والعقل وخلق من خلال ذلک قصة صوفیة فلسفیة وقد تبعه بعده الکثیر من الشعراء والکتاب مقلّدین هذا الأثر لینتجوا آثاراً مماثلة ومن جملتها رسالة "الصحة والمرض" للفضولی. وبالنظر إلی وجوه الشبه الموجودة بین الرسالتین فإنّ هذه الدراسة ستتناولهما من حیث استخدامهما لتلک المفاهیم. إنّ الفضولی یرمی من وراء هذه المفاهیم إلی البعد الصوفی "العرفانی" فیها. غیر أنّ السهروردی ینظر إلی البعد الفلسفی الکامن فیها. إنّ للعقل مفهومین مختلفین فی الرسالتین غیر أنّ الحسن والعشق قریبان من بعضهما البعض إلی حدّ کبیر فی هاتین الرسالتین. | ||
کلیدواژهها | ||
الصحة والمرض؛ فی حقیقة العشق؛ الحسن؛ العشق؛ العقل | ||
اصل مقاله | ||
تعدّ مفاهیم الحسن والعشق والعقل من المفاهیم الأساسیة فی الأدب الصوفی بحیث تحوّلت إلی أبطال فی القصص الصوفیة لتوصل سالک طریق الحق إلی هدفه الحقیقی. وقد ارتبطت هذه العناصر الثلاثة بعضها ببعض ارتباطاً وثیقاً حیث لا یمکن تصورها منفصلة إنّ قیمة الإنسان ومعنویاته وسموّه ترتبط بمدی تعلق الحسن به غیر أنّ الحسن لا یعرف إلّا بالعشق ولکن الوصول إلی الحسن والعشق یتطلب اجتیاز سلالم العقل. إنّ روح الإنسان تجتاز المراحل الجسدیة لبلوغ الحسن وحضور العشق مستعینة فی بدایة الأمر بالعقل لتبلغ مرحلة معرفة النفس وتسلک طریق الحق بعد ظهور العشق فی ساحة القلب. إنّ رسالة السهروردی المسماة "فی حقیقة العشق" تعدّ من الآثار الفریدة فی نوعها من بین الآثار الصوفیة المختلفة التی تناولت هذه المفاهیم حیث قام السهروردی فی هذه الرسالة بتشخیص مفاهیم الحسن والعشق والعقل وخلق عبرها قصة صوفیة فلسفیة. وقلّده بعده الکثیر من الشعراء والکتاب وأنتجوا آثاراً مماثلة لهذه الرسالة یمکن من بینها الإشارة إلی رسالة "الصحة والمرض" للفضولی وعلی الرغم من أنّ قصصاً من مثل رسالة الفضولی «تنتمی إلی المدرسة الصوفیة من حیث المضمون وتختلف عن القصة الفلسفیة - الصوفیة فی مدرسة الإشراق غیر أنّها متأثّرة بها من حیث الشکل ...» (بورجوادی، 1380ش: 14) إنّ رسالتی السهروردی والفضولی متأثرتان بمدرسة الجمال. وبالنظر إلی مسار الفکر لدی الفضولی فی هذه القصة ووجود الشبه بین الرسالتین فإنّ دراسة الحسن والعشق والعقل فیهما ستکون جدیرة بالاهتمام وإمعان النظر. إنّ الحسن والعشق والعقل هی الرکائز الأساسیة فی الرسالتین حیث یعالج السهروردی فی رسالته "فی حقیقة العشق" الحقیقة الغیبیة للعقل والحسن والعشق. ویطرحها من خلال مضمونها السماوی السامی وتجلّیها فی الوجود الإنسانی. لقد تطرق الفضولی کالمتصوفة الذین سبقوه إلی موضوع ابتعاد الروح أو النفس الناطقة عن العالم العلوی وعن الحقیقة المطلقة وأسرها فی سجن الجسد والعالم المادّی. وقد ظهرت هذه المفاهیم مرة أخری فی رسالته وتجلّت فی قالب قصصی صوفی فعندما یسلک السالک طریق الحقیقة فإنّ هذه المفاهیم تلعب دوراً کبیراً فی بلوغه السمو الروحی نحو العالم العلوی. لقد أخذت هذه المفاهیم فی الرسالتین شخصیة إنسانیة حیث إنّها تبادر إلی أعمال إنسانیة. إنّ مفهوم العقل یختلف فی الرسالتین غیر أنّ الحسن والعشق بغض النظر عن الشحنة المعنویة الفلسفیة التی یحملانها فی رسالة السهروردی لکنّهما متقاربان من حیث المفهوم إلی حدّ کبیر حیث إنّ وجود واحد مرتبط بوجود الآخر. إنّ الحسن یتّبعه العشق وإنّ العشق هو الطریق الوحید لبلوغ الحسن الحقیقی. یستعرض هذا المقال فی البدء ملخصاً من القصتین ثمّ یتناول بالبحث المفاهیم الفلسفیة أو الصوفیة للعقل والعشق والحسن ویدرس دور کل واحدة منها فی الرسالتین بالموازنة بینهما. رسالة "الصحة والمرض" تبدأ قصة الصحة والمرض برحلة الروح إلی أرض الجسد وهی قصة صوفیة، تسافر الروح من عالم الجبروت واللاهوت إلی عالم الناسوت وتدخل أرض الجسد وبعد تعرفها علی أرکان الجسد الأصلیة تمتزج بالأمزجة وتنجب ولداً اسمه الصحة وتقوم إلی جانب الصحة والمزاج بالتجول فی أرض الجسد وتسکن فی مدینة القلب بعد اجتیازها الدماغ والکبد وتزیل الخوف والعداوة والحزن من مدینة القلب وتبقی علی المحبة والأمل والفرح. ثمّ یدخل المرض فی الجسد بإرشاد العداوة مع الطعام ویقضی علی توازن الأخلاط ویصیب الجسم بالمرض عند ذلک یأتی العقل لنجدة الروح وینقذ الروح من الحزن والجسم من الأمراض وعند توازن الجسد تسمو الروح وعندما تعبر الروح المراحل الجسدیة یلتحق بها الفرح إلی جانب الحسن وبعد دخول الحسن إلی أرض الجسد تزداد الروح رونقاً وبهاء. ففی البدء تبدأ المحبة بخدمة الروح لتشاهد أوصاف الحسن التی سمعها من العشق وهی القد والوجه والضفائر وخصل الشعر ثم تذهب المحبة إلی العشق وتخبره عن أحوال الروح فیضطرب العشق فی طلب الحسن ویرجع حالاً إلی دیار الجسد حیث یصاحب الروح ویدرک أنّ الروح غافلة عن الحسن فیسلّم العشق مرآته الصافیة إلی الروح إذ لا ذوق للروح لتختار بین الحسن والعشق. ولکی تبقی صورة الحسن مصونة من الأعداء یوصی العشق أن یسلمها إلی خازن الإدراک حتی ینظر إلی صورة الحسن بواسطة الخیال. لا ترتاح الروح لصورة الخیال وتقوم بالسیر المعنوی فی دیار المعشوق وبادیة العاشق وذلک بتوجیه من العشق وبهدف الوصول إلی الحسن. عند ذلک تجتاز الروح المراحل والمنازل المختلفة البالغة الصعوبة لتتخلص من الجسد بشکل کامل وتبلغ المعرفة الحقیقیة وتلتحق بعالم الجبروت وعالم اللاهوت وتنطلق من القیود الدنیویة. رسالة "فی حقیقة العشق" إنّ أول ما خلقه الباری أطلق علیه اسم العقل وتمیز العقل بثلاث صفات: الأولی معرفة الحق والثانیة معرفة نفسه والأخری معرفة من لم یکن فکان. فمن الصفة الأولی ظهر الحسن و من الثانیة ظهر العشق ومن الثالثة ظهر الحزن. وعندما خلق الإنسان انتشر صیته فی الملأ الأعلی فرکب الحسن مرکب الکبریاء ودخل مدینة وجود آدم. فتبعه العشق والحزن فالعشق الذی کان قد أصبح أمیر الملائکة أمر الملائکة بالسجود أمام الحسن. وبعد آدم تجلّی الحسن فی وجود یوسف فلم یقبل الحسن لاستغنائه الحزن والعشق إلی محضره فاتجها لتهذیب النفس نحو طریق السلوک وورد کل منهما منزلاً. فذهب الحزن إلی کنعان وعند یعقوب فذهب العشق إلی مصر عند زلیخا. فسألته عن ماهیته ومنشائه ومقصده فقام العشق بشرح مدینة النفس وأبواب الحواس الظاهریة والباطنیة فعندما سمعت زلیخا قصة العشق سلمت وجودها للعشق فأکرمته إلی أن قدم یوسف إلی مصر فطرحت زلیخا هذا الأمر علی العشق فذهبا معاً لملاقاته. لقد وصل خبر یوسف إلی کنعان فغلب الشوق یعقوب فاتجه مع أبنائه إلی مصر فوجد فی قصر عزیز مصر یوسف مع زلیخا جالسین علی عرش الحکم غیر أنّ الحزن عندما وجد العشق مع الحسن سجد أمامه ووضع یعقوب وأبناؤه رؤوسهم علی الأرض بعد موافقة الحزن. لقد قام السهروردی فی الفصول الأخیرة بوصف الحسن ومعانی العشق وصوره وتحدّث عن الحسن والعشق فیها. العقل «إنّ العقل هو الفاصل بین الانسان والحیوان لکنّ المتصوفة والفلاسفة قد وصفوه بأوصاف أخری ففی العربیة تعنی کلمة العقل المنع والعقال. ویری أبو البرکات البغدادی أنّ کلمة العقل فی اللغة العربیة تدلّ علی العقل العملی فحسب. إذ تعنی کلمة العقال ربط رجلی الناقة ممّا یمنعها من الحرکة والجهد. فکلمة العقل وهی ذات أصل مشترک مع العقال تمنع الإنسان من الأعمال التی تقتضیها الشهوات وحب النفس.» (نقلاً عن دینانی، 2006م: ج1/32) یقول الجرجانی فی تعریفه عن العقل: «إنّه مأخوذ من عقال الناقة حیث یمنع ذوی العقول من العدول عن الطریق الصحیح ... . وهو الشئ الذی یدرک حقائق الأشیاء حیث اعتبر البعض مکانه فی الرأس والبعض الآخر یعتقد بوجوده فی القلب.» (الجرجانی، 1969م: 57-58) «إنّ للعقل فی المباحث الفلسفیة ساحتین نظریة وعملیة. إنّ العقل النظری ینقسم إلی العقل الهیولائی بالملکه وبالعقل الفعّال والمستفاد. ویمرّ العقل العملی الذی هو قوة تمییز الصحیح عن غیر الصحیح إلی أربع مراحل هی التخلیة والتجلیة والتحلیة والفنا.» (شیخ الإسلامی، 2004م: 21) وفی تعریف أشمل عن العقل یجب القول: «إنّ العقل العملی أو القوة العاملة هی القوة المستمدة من النفس التی تدبّر رغبة واهتمام النفس الناطقة بما دونه أی الجسم إنّ العقل العملی یهتمّ بالأمور الصنعیة والأخلاقیة ویمیز الجید والسیئ والقبیح والجمیل والربح والضرر فی الجزئیات.» (داودی، 1970م: 316-317) إنّ قصة السهروردی ترتکز علی العقل النظری فهو درّة مشرقة وأول شئ خلقه الله تعالی فهو العقل الأول أو العقل الکلی الذی یقال فی التعریف به: «جوهر مجرد ذاتاً وفعلاً. والمراد من هذه الجوهرة المجردة التی تدعی العقل هو العقل بمعنی أول ما خلق الله العقل الذی یشکل العالم الماورائی.» (سجادی، 1983م: ج3/300) «إنّ هذا العقل من منظور السهروردی یتصف بصفات ثلاث: هی معرفة الحق ومعرفة الذات ومعرفة من لم یکن فکان.» (السهروردی، 1993م: 268-269) «أمّا العقل فی رسالة الفضولی فهو یدلّ علی العقل العملی. إنّ تبعات هذا العقل هی الأخلاق الحسنة. فالغرالی قد ربط بین العقل والأخلاق الحسنة أیضاً. ففی رأی الغزالی فإنّ الاتصاف بالأخلاق الحسنة نتیجة لغلبة العقل علی الصفات البهیمیة.» (الغزالی، 1995م: ج1/24) إنّ أوّل خدمة یسدیها العقل بمساعدة الأخلاق الحسنة للروح هی تخلیص مدینة القلب من الحزن. ففی هذه القصة نجد أنّ الأمل ساکن فی القلب قبل حضور العقل. فالعقل یقوم بمساعدة السالک عندما تهاجمه أو تهاجم الروح مهالک کالحزن والعداوة والخوف مع أتباعها. ویقدّم الأمل لإحضار العقل ومساعدة الروح بسبب العلاقة القائمة بینه وبین العقل. فالأمل فی حقیقة الأمر مندوب العقل فالعقل یقوم بمساعدة السالک بناء علی طلبه هو. فالعقل الذی یتحدّث عنه الفضولی یبدو أنّه ساکن فی القلب حیث ینقذ القلب من المهالک أولاً ومن ثمّ یعمل علی صلاح الجسم. نلاحظ فی هذه القصة أنّ العقل یعمل کوزیر للسالک وطبیب للجسم فالروح التی هی سالک طریق الکمال فی حقیقة الأمر تلجأ إلی العقل عندما یصاب الجسم بالأمراض المختلفة وتسأله عن الحل. إنّ کلام الفضولی حول العقل یذکرنا بفکرة الغزالی. فالغزالی یشبّه الجسم بالمدینة وأعضاءه بالصناع والحرفیین قائلاً: «... إنّ القلب ملک هذه المدینة والعقل وزیره ...» (الغزالی، 1995م: ج1/19) ویعتبر الغزالی أنّ اتباع ملک القلب للعقل یؤدّی إلی صحة الجسم وهذا ما یحدث فی قصة الفضولی. إنّ غلبة العقل علی أطماع الأخلاط الناجمة عن الأهواء النفسانیة یؤدّی إلی الاعتدلال ففی الواقع فإنّ العقل یعید الأخلاط إلی توازنها بتدابیره ویزیل فساد الجسم ویسبب صحّته. ففی القصّتین نجد العقل صاحب شخصیه إنسانیة غیر أنّ دور العقل فی قصة الفضولی یختلف جذریاً عن دوره فی قصة السهروردی. ففی رسالة الفضولی نجد أنّ العقل هو قوة تشخیص المصالح والأضرار للجسم ویحمل معنی یعادل الاستدلال وقوة التمییز وهو مطروح فی مرتبة الجسم. ویلعب دور المنقذ للسالک فی بدایة الطریق. فهذا العقل یمهّد للمعرفة الأولیة عند السالک. وبعد ارتقاء السالک فإنّ حضور العقل سیکون باهتاً فی القصة إذ إنّ منزلته أقلّ من منزلة العشق فعندما یأتی العشق لا نجد حضوراً للعقل. ففی القسم الثانی من القصة نجد أنّ العشق هو الذی أخذ بزمام الروح حیث یقودها نحو الحقیقة المطلقة. أمّا العقل فی رسالة السهروردی فهو یعادل العقل الأول أو العقل الکلی الذی هو من تقسیمات العقل النظری وله حقیقة ماورائیة. فهو أول ما صدر عن واجب الوجود فمنزلته أرفع من منزلة العشق والحسن حیث ظهر الحسن والعشق من صفات العقل أی معرفة الحق ومعرفة الذات. الحسن الحسن فی اللغة هو الجمال والجودة یقول الجرجانی فی التعریف بالحسن: «إنّ الحسن هو الشئ المطابق لطبع الإنسان کالفرح أو الشئ الذی یدلّ علی صفة الکمال کالعلم أو الشئ الممدوح کالعبادات.» (الجرجانی، 1969م: 91) وفی المصطلحات العرفانیة فإنّ «الحسن یطلق علی الکمالات فی ذات واحدة وهذا ما لا یوجد إلّا عند الحق تعالی.» (العراقی، 1955م: 363) «إنّ الله تبارک وتعالی هو مصدر الحسن کلّه کما أنّ الجمال والکمال فی العالم المادی شعاع من الجمال والکمال الإلهیین. فللوصول إلی الکلّ وإلی الجمال الحقیقی لابدّ من اجتیاز الجزئیات والصور الدنیویة. إنّ أیّ جمال أو کمال فی جمیع مراتب الظاهر شعاع من جمال الله وکماله حیث أشرق ونال أصحاب المراتب الجمال والکمال به فکل عالم أثر من آثار علمه وکلّما وجد إبصار فهو ثمرة إبصاره. فجمیع الصفات صفاته حیث تنزلت من ذروة الکلیة والإطلاق وتجلّت فی حضیض الجزئیة والتقیّد لتهتدی أنت من الجزء إلی الکل ومن التقید إلی الإطلاق.» (الجامی، 1963م: 12-13) إنّ الحسن فی رسالة "فی حقیقة العشق" یعدّ صفة من صفات جوهرة العقل وهو صفة تظهر من معرفة الحق، «إنّ الصفة التی کانت مرتبطة بمعرفة الحق تعالی سببت ظهور الحسن ...» (السهروردی، 1993م: 268) لقد اعتبر السهروردی أنّ وجود الحسن مقدم علی وجود العشق إذ إنّ الحسن هو الشقیق الأکبر للعشق والحزن وکان موجوداً فی العالم العلوی قبل خلق العالم وآدم. لقد کان اهل الملکوت یتمنون رؤیة الإنسان بعد خلقه وذیوع هذا الخبر هناک. غیر أنّ الحسن قد اتّجه إلی مدینة وجود الإنسان قبل الجمیع راکباً مرکب الکبریاء «فوجد مکاناً بهیجاً ومتنزهاً خلاباً فهبط فأخذ آدم کله حیث لم یترک منه شیئاً.» (السهروردی، 1993م: 270) إنّ وجود الإنسان هو الوحید بین الکائنات والذی یعدّ مظهراًکاملاً للحق ویعکس جمیع صفاته، وإذا تطهر وجود الإنسان من جمیع الرذائل ومن غبار المادة فإنّ الجمال سیکون أساس الروح «فالروح التی تصبح جمیلة تشبه الله إذ إنّها مصدر لقسم أفضل وأجمل من الحیاة بل هی مصدر الحیاة نفسها أی الجمال ...» (فلوطین، 1987م: 773) لقد نفخ الله من روحه فی وجود الإنسان «فإذا سویته ونفخت فیه من روحی.» (ص72) أثنی علی نفسه بعد خلق الإنسان: ﴿فتبارک الله أحسن الخالقین﴾ (المؤمنون: 14) إنّ هبوط الحسن علی وجود الإنسان واشتماله علیه فی حقیقة الأمر مظهر لتجلی الله فی وجود الإنسان وهو إشارة إلی الآیة الشریفة: ﴿لقد خلقنا الإنسان فی أحسن تقویم﴾ (التین: 4) کما أنّه یشیر إلی تعلق الروح الالهی بالجسم «کما أنّه دلیل علی أنّ روح الإنسان تفیض بأقرب الروحانیات أی العقل الأول.» (بورنامداریان، 2011م: 293) إنّ للحسن عدّة تجلّیات فی رسالة السهروردی فهو یقصد یوسف بعد آدم فوجود یوسف مکان جدیر بالحسن فالحسن یمتزج بیوسف امتزاجاً لا یبقی بینهما فرق. فالسهروردی اعتبر وجود یوسف مثالاً من الحسن الأزلی. ولکی یبلغ السالک هذا الحسن علیه أن یجتاز مراحل لینال جدارة بلوغ الهدف فیوسف یتمتع بالجمال الظاهری والجمال الباطنی معاً: «فنور جماله الظاهری کان مستمداً من نور جماله الباطنی.» (جامع الستین: 218، نقلاً عن ستاری، 1994م: 138) جاء فی تفسیر کشف الأسرار ما یلی: «لقد أعطاه ربّ العزة العلم والحکمة والملک والنبوة وأتمّ علیه نعمته وأعطاه الحسن والضیاء والجمال علی أکمل وجه. قال المصطفی (ص): أعطی یوسف شطر الحسن. فکلّ ما للعالمین من الحسن فإنّ نصفه کان عند یوسف فقد قال: لقد رأیته لیلة المعراج کالبدر التام.» (المبیدی، 1982م: ج5/12) لقد اعتبر السهروردی وجود یوسف کواسطة لتجلی الحق واعتبره صورة الحسن الکاملة فی هذا العالم. فکما یشیر صاحب کشف الأسرار «فإنّ مشاهدة یوسف کانت عند یعقوب بمثابة مشاهدة الحق فکلّما کان ینظر بعین الرأس إلی یوسف کان ینظر بعین السرّ إلی الحق ...» (المبیدی، 1982م: ج5/12) وقد کان اختیار یوسف من جانب السهروردی بسبب تفسیر سورة یوسف کما کان نتیجة لذهنه الوقاد. وکأنّه وضع المرایا إلی جانب بعضها البعض لیقیم علاقة وثیقة بین المفاهیم وتجلّیاتها حیث إنّ إنعکاس المفاهیم فی بعضها البعض قد جعل الفصل بینها مستحیلاً. وبغض النظر عن مسار القصة فإنّ السهروردی قد وصف الحسن فی الفصل التاسع من رسالته وأضفی علیه طابعاً عرفانیاً "صوفیاً": «إعلم أنّ الجمال والکمال من أسماء الحسن لقد ورد فی الخبر إنّ الله تعالی جمیل یحب الجمال وإنّ جمیع الکائنات سواء الروحانیة منها والجسمانیة تنشد الکمال ولن تری أحداً لا یرغب فی الجمال فإذا فکّرت ملیاً وجدت الناس جمیعاً یطلبون الحسن ویسعون لأجله محاولین بلوغه ویصعب الوصول إلی الحسن الذی ینشده الجمیع إذ إنّ الوصول إلیه لا یتسنی إلّا بالعشق والعشق لا یسمح للجمیع أن یبلغوه ولا یسکن فی کل مکان ولا یُقبل علی کل عین ...» (السهروردی، 1993م: 284-285) نلاحظ فی رسالة الصحة والمرض أنّ الحسن هو تجلی الحق فی جسم الإنسان وروحه إذ إنّ هذا الحسن هو واسطة بلوغ السالک الحسن الحقیقی والمطلق. ففی القسم الأول من الرسالة فإنّ الفرح وهو ما یلائم الطبع الإنسانی حاضر فی القلب قبل الحسن، ففی هذه المرحلة یأبی الحسن الالتحاق بالروح إذ إنّها أسیرة الجسم وأغراضه. أمّا فی القسم الثانی فإنّ الحسن یرغب فی الروح لأنّها انطلقت من أسر الجسم وظهر شوق الطلب فیها، فبمساعدة الفرح فإنّ الحسن یلتحق بالروح فجأة. یقول الفضولی فی وصفه لالتحاق الحسن بوجود الإنسان: «لقد أعجب الحسن بدیار الجسد ورغب فی الإقامة فیه فأقام جیش الحسن حوالی الروح هذا الجیش المکوّن من الدلال والغنج والغمز والصدّ و ... فالتحق البعض بالوجه والآخر بالعین والحاجب.» (الفضولی، دائرة المعارف، الورقة رقم 7) إنّ کلامه یذکّرنا بقول السهروردی: «إنّ سلطان الحسن قد امتطی مرکب الکبریاء واتّجه نحو مدینة وجود آدم فوجد منزلاً بهیجآً ومتنزهاً خلاباً فهبط وسیطر علی آدم کله ولم یترک منه شیئاً.» (السهروردی، 1993م: 270) ففی الرسالتین نجد أنّ الحسن أعجبته مدینة وجود الإنسان فأقام فیها واستولی علیها بالکامل وهذا ما یشیر إلی کون الإنسان فی "أحسن تقویم" ونفخ الله فیه من روحه. یذکر الفضولی أعضاء الجسم وحالاتها لإظهار تجلیات الحسن غیر أنّ السهروردی لا یشیر إلی العناصر الجسدیة. فالسهروردی یطرح مسار الحسن وتطوّره وکماله فی التجلی فی وجود آدم ویوسف. یعتبر الفضولی أنّ الدلال والغنج من جیوش الحسن حیث یمکن اعتباره واحداً مع الحلاوة التی أشار إلیها العرفاء "المتصوفة" وساوی أحمد الغزالی بینها وبین دلال المعشوق. فمع التحاق الحسن والحلاوة بالروح «فإنّ الروح ازدادت رونقاً وزادت ممّا کانت علیه، فأینما وقعت أشعتها فإنّها أحرقت کل من ألقت نظرة علیه وأزالت حیاته ....» (الفضولی، دائرة المعارف: الورقة رقم 7) لقد أشار السهروردی إلی تأثیر الحسن وفتنته فی وجود آدم عندما سجدت له الملائکة عندما فتح العشق عینیه شاهد أهل الملکوت مصطفین فأقبل إلیهم فسلّموا أنفسهم له ... فنظروا إلی أعتاب الحسن ... . فعندما وقعت أعینهم علی الحسن سجدوا جمیعاً «فسجد الملائکة کلهم أجمعون.» (السهروردی، 1993م: 270-271) «وفی قسم آخر عندما یقیم الحسن فی وجود یوسف نلاحظ هذه الفتنة والسحر فی ثنایا القصة. إنّ فتنة الحسن وسحره یرجعان إلی ما استعاره الحسن من الذات الالهیة فهما انعکاسان للنور الحقیقی الذی یأسر القلوب ولیس جمال المظهر فحسب. إنّ الروح فی رسالة "الصحة والمرض" تنشد الحسن والجمال فمع التحاق الحسن بالروح تتحسن الروح ویمکن أن نجد سبب هذا الحسن فی کلام أفلاطون إذ یری أنّ الحسن حقیقة تؤثر علی سائر الحقائق إنّه لا یری فرقاً بین الحسن والجمال ویعتقد أنّ الحسن لا یحتاج إلی حقیقة بل إنّ الجمیع یلتفتون إلیه فهو القبلة والغایة. ففی رأی أفلاطون فإنّ الروح الإنسانیة قد شاهدت فی عالم المجردات حقیقة الجمال والحسن المطلق دون أیّ حجاب فعندما تشاهد فی هذه الدنیا الحسن المجازی فإنّها تتذکر ذلک الجمال المطلق الذی شاهدته قبل ذلک فیستولی علی حزن الفراق والعشق وتتحوّل إلی طائر فی القفص یتمنی الانطلاق والطیران.» (نقلاً عن فروغی، لاتا: ج1/31-32) إنّ الجمال المجازی مظهر للجمال المطلق وجسر للوصول إلی الحقیقة والجمال المطلق. نشاهد فی هذه الرسالة مثل رسالة فی حقیقة العشق أنّه کلّما وجد الحسن فإنّ العشق یتبعه إنّ الجمال والحسن یجعلان العشق مضطرباً وإنّ سحر الحسن یجعل العشق طالباً للروح. إنّ الحسن والعشق لا ینفصلان ویقال: «إنّ الحسن والعشق قد أخذا عهداً علی نفسیهما ألّا ینفصلا أبداً.» (الجامی نقلاً عن دانشور، 2009م: 233) إنّ السالک فی الرسالتین یسلک طریق السیر والسلوک وتهذیب النفس لبلوغ الحسن الحقیقی. وتقوم الرسالتان بشرح القوی النباتیة والحیوانیة والإنسانیة ومتعلقاتها وأدائها. «ففی رسالة السهروردی یجب علی السالک أن یتزود بالعشق والرغبة والشوق والجوع "تهذیب النفس" وبسلاح العلم لینطلق من أسر القوی الظاهریة والباطنیة أی من أسر الجسم والمادة لیصل إلی مدینة النفس ویتصل بالشیخ لیوصله إلی مراتب أعلی فی هذه المدینة.» (أنظر السهروردی، 1993م: 275-281) أمّا فی رسالة الفضولی فإنّ السالک ینطلق من العوامل الجسدیة بمساعدة العقل والتقوی إنّ الطریق التی یجب علی السالک أن یسیر فیها لبلوغ الحقیقة والحسن المطلق یشتمل علی ملک المعشوق ودیار العشق حیث یصف الفضولی هذه المراحل تحت تأثیر المتصوفة غیر أنّ السهروردی متأثّر بالفلسفة أکثر وإنّ کلامه انعکاس لأفکاره الفلسفیة. غیر أنّ الفضولی متأثر فی الغالب بالصوفیة وخاصة بمحبی الجمال منهم. إنّ المراتب العلیا ومرتبة الحیرة فی قصة الفضولی تعادل عالم اللاهوت والجبروت. إنّ بلوغ الروح مقامها الحقیقی یتمّ عبر الکشف والشهود فالمعرفة لدیه شهودیة ولیست مبنیة علی الاستدلال. إنّ الروح فی قصة الفضولی عاشقة ومعشوقة فی وقت واحد فهی عاشقة للحق ومعشوقة للحق أیضاً وإنّ مشاهدة الحسن غیر ممکنة إلّا فی مرآة عشق العاشق فعلی حدّ قول الغزالی فی السوانح: «إنّه بهر عین الحسن بجماله فهو لا یقدر علی إدراک کمال حسنه إلّا فی مرآة العشق لذا فإنّ من الضروری أن یکون للجمال عاشق لیتمکّن المعشوق من أن یتقوی بحسنه فی مرآة العشق وطلب العاشق له.» (الغزالی، 1980م: 15) «إنّ الروح تشاهد جمالها الوجودی وحقیقتها أی النور فی مرآة العشق وفی المعتقدات الغنوصیة فإنّ وصف الجمال والنور یعود إلی الروح ففی إحدی الأناشید الغنوصیة وصف هبوط الروح وأسرها فی العالم المادی علی النحو التالی: ظهر جسم النور فالتف فی مستقر وجوده ... أهل العالم لیشاهدوه ... ومن شدة إشراقه أصابهم مس من الجنون فقاموا لیشاهدوا له مثیلاً فسجدوا علی التراب وأصیبوا بالجنون من کل هذا الجمال.» (هارفید، 2009م: 422 نقلاً عن واردی دانائیان، 2001م: 174-175) «إنّ جمال الروح قد أشرق علی الجسم وتجلّی فی أجزاء الجسم المختلفة وزاده لطفاً فکما ورد فی رسالة العشق والعقل لنجم الدین الرازی فإنّ الروح قد التحقت بالجسم الإنسانی بأمر من الله وتکوّن هذا الجسم یتمتّع بأحسن ترکیب بفضل التدبیر الإلهی فإنّ کل موضع من المواضع الظاهریة أو الباطنیة فی الجسم ومظهره المادی فی الإنسان بمثابة خلیفة للروح حیث یعکسان صفات هذا الجوهر القدسی کمرآة للذات.» (الرازی، 1966م: 50)إنّ الجمال الجسدی والعبور منه بقیادة العشق یقودان الروح إلی مراتب علیا من الجمال الحال حقیقة الحیاة المطلقة التی تتعطش الذات الإنسانیة لبلوغها وتشتاق إلیها. العشق إنّ الغایة التی یرمی إلیها السالک هی نیل العشق الحقیقی فالعشق یلعب دوراً کبیراً فی توجیه السالک فالوصول إلی المعرفة الحقیقیة أمر مستحیل لولا حضور العشق وتوجیهه فقد اعتبر بعض المتصوفة أنّ العشق هو المرتبة السابقة من الحب وذکر فی التعریف به: «ثمّ یمرّ بالدرجة السابعة وهی العشق فالعشق هو المحبة التی تجاوزت الحدود وقد اشتقّت لفظة العشق من العشقة وهی نبات تلتف حول سائر النباتات وتتسبب فی جفافها فإذا بلغ العشق مرحلة الکمال أصاب القوی کلّها بالشلل ومنع منافع الحواس ومنع الطبع من الطعام وجعل العاشق یملّ الناس ویسأم غیر الحبیب فهو یسلبه کلّ المفاهیم فإمّا الجنون وإمّا المرض. وقد یبقی حیاً وقد یهلک.» (رجائی، 2007م: 347) إنّ العشق یخلّص العاشق من جمیع الأغیار لیبلغ مرحلة الاتحاد یقول ابن الدباغ فی وصف العشق: «إعلم ان العشق آخر درجات المحبة وتجاوزها للحدود فهو یشمل سائر مقامات الحب کالشوق والوجد والانجذاب والحیرة والفناء. ولاشک فی أن مفهوم العشق هو توحد ذات المحبوب مع ذات المحبّ بالاتحاد العقلی مما یجعل المحب غافلاً عن إحساسه الکلی حیث یغفل عنه بلقاء المحبوب وعن ذاته بذات المحبوب.» (ابن الدباغ، 2000م: 113) إنّ العشق فی رسالة السهروردی یعتبر إحدی صفات العقل «إنّ من الصفة التی کانت متعلقة بمعرفة الذات ظهر العشق.» (السهروردی، 2009م: ج3/318)«فمن أسمائه الودّ ففی هذه الرسالة اعتبر العشق معادلاً للنفس الأولی أو النفس الکلیة.» (بورنامداریان، 2011م: 290) ویبدو أنّ اعتبار العشق نتیجة لمعرفة العقل من إبداعات السهروردی نفسه. فالتعریفات التی ذکرها السهروردی عن العشق بالإضافة إلی أبعادها الفلسفیة فإنّ لها خلفیة عرفانیة "صوفیة". إنّ سبب هبوط العشق من دیاره أی الملکوت هو خلق آدم إذ بعد خلقه نزل الحسن إلی الأرض للقیادة فتبعه العشق.إنّ العشق فی رسالة السهروردی ملازم للحسن ومشتاق له. فأینما اتّجه الحسن اتّجه العشق معه فالعشق یقوم بالتهذیب إلی جانب الحزن للوصول إلی الحسن فیتّجه کلّ منهما إلی بلاد لبلوغ الحسن. «إنّ للعشق معنی غیبیاً کالحسن فهو هبط من العالم العلوی مع الحسن والحزن وتمثّل کلّ واحد منها فی وجود زلیخا ویوسف ویعقوب فهذه العناصر الثلاثة "العشق والحسن والحزن" موجودة فی قصة السهروردی من البدایة وحتی النهایة. إنّ العشق متجول فهو یقیم کل یوم فی مکان فأرضه عالم الروح وعالم المثال.» (السهروردی، 1993م: 275) «فالعشق هو الشیخ وهو الدلیل. ففی هذه الرسالة نری العشق موجّهاً لزلیخا التی تعدّ کالسالک فهو یقوم بشرح قصة حیاته ومن خلالها یبیّن مسار الحرکة والسلوک لزلیخا. إنّ لقاء زلیخا بالعشق شبیه بلقاء السالک أو صاحب الواقعة مع العقل والملک الموجِّه فی النماذج السابقة. ویظهر جلیاً أنّ العشق هنا یتحدّث إلی زلیخا باعتباره ملک العقل الذی ظهر نتیجة تعقل العقل الأول فلیس المقصود هنا العقل العاشر أو العقل الفعال غیر أنّه علی کل حال ملک من عالم الملائکة أو عالم الأنوار.» (بورنامداریان، 1985م: 268-269) ویری السهروردی أنّ العشق غایة المحبة «فإذا بلغت المحبة غایتها أطلق علیها اسم العشق ... فالعشق أخصّ من المحبة ...» (السهروردی، 1993م: 286) أمّا الفضولی فقبل أن یتحدث فی رسالته عن العشق فإنّه یشیر إلی حضور المحبة فی القلب. فالعشق مرتبة أعلی من المحبة. لم یشر الفضولی إلی مصدر العشق غیر أنّ ما یفهم من سیاق کلامه فی القصة هو أنّ العشق یأتی فی مرتبة أعلی من الجسد والمادة وعلی السالک أن ینطلق من المرحلة الجسدیة لیشرق جوهر العشق فی وجوده. فالعشق فی هذه الرسالة یلازم الحسن ویشتاق إلیه ولا یدخل مکاناً لا یوجد فیه الحسن فالعشق فی غنی ومادام السالک محبّاً للدنیا غافلاً عن الحسن فإنّه لا یلتحق به ولا یساعده «إنّ الروح محبّة للدنیا وغافلة عن العشق وخالیة من الحسن إنّنی لن أدخل مکاناً کهذا فأینما کان الحسن کنت هناک.» (الفضولی دائرة المعارف: الورقة رقم 4) ویظهر العشق فی قصة الفضولی کشیخ سائح وتسلم الروح زمامها الیه أمّا فی قصة السهروردی فالعشق یوصل زلیخا إلی یوسف کما أنّ العشق هو الذی یوصل السالک إلی الحسن والجمال فی قصة الفضولی أیضاً. ففی رسالة الفضولی نجد السالک بعد اجتیاز العقبات الجسدیة یبلغ المرحلة الثانیة من المعرفة وفی هذه المرحلة ذاتها نجد العشق قد التحق بالسالک لیواجهه إلی الغایة. إنّ السالک فی غایة الشوق إلی الحسن ممّا یجعله خاضعاً أمام العشق فالعشق یأخذه أینما أراد لیبلغ أخیراً مرتبة الشهود کما یقول ابن الدباغ: «فإنّ الجمال الجزئی لیس إلّا إشراق نور النفس الناطقة علی وجه الطبع الجمیل المعتدل لذلک فإنّ النفوس السلیمة تستأنس بالجمال وتنجذب نحو اللطافة الموجودة فیها حیث إنّها تستسلم للعشق بکلّ خضوع.» (ابن الدباغ، 2000م: 25-26) «إنّ العشق یسبّب فی رسالة الفضولی ولادة جدیدة للروح حسب رسالة الفضولی ففی رأی المتصوفة فإنّ الإنسان یتولّد مرتین ففی المرة الأولی یولد الإنسان بجسده وهذا مشترک بینه وبین الحیوانات وفی المرة الثانیة یولد الإنسان ولادة معنویة تخلّص الإنسان من هذا العالم فهذه الولادة تبدأ بالوعی والعشق. فالإنسان فی ولادته الثانیة یبلغ التجرید المطلق ویکون أفضل من جمیع الکائنات.» (زمانی، 2003م: 190؛ ابراهیمی دینانی، 2006م: ج2/ 248-249) إنّ کلام المتصوفة هذا مأخوذ من کلام عیسی علیه السلام: «لن یلج ملکوت السموات من لم یولد مرتین.» (فروزانفر، لاتا: 96) ففی الولادة الثانیة یجتاز الإنسان جمیع العلل لیدخل فی اللامکان. إنّ الروح تبلغ بتوجیه العشق المصدر الأصلی وإنّ الطریق التی تسیر فیها الروح فی ولادتها الثانیة لیست الطریق التی یمکن السیر فیها بالجسد بل لابدّ من السیر فیها بالقلب إنّ الروح فی حالة الحیرة وتسلم زمامها للعشق. إنّ سلوک الروح بواسطة العشق مبنی علی الذوق والجذب وإنّ السالک قادر علی طیّ الطریق المعنوی عبر هذه الطریقة فقط. إنّ العشق فی هاتین الرسالتین متأثر بمعتقدات الصوفیة المحبین للجمال. ففی رأیهم «إنّ العشق الأول ولید الجمال ویحمل معه حرارة وقوة تحرکان جمیع کائنات العالم وإنّ جمیع حرکات الحیاة تنبع من قوة العشق.» (افراسیاب پور، 2001م: 75) إنّ العشق یخلّص السالک من الأنانیة ویزیل الحجب الصوریة والمعنویة «ففی البدایة کان الصوت والصراع والأنین لأنّ العشق لم یستول بعد علی جمیع ولایة الوجود فإذا بلغ الأمر غایته فإنّ الحدیث ینتقل إلی البقیة لیتحول الأنین إلی النظر والهزال إذ إنّ القذارة تتحوّل إلی الطهارة.» (الغزالی، 1980م: 230) عندما تنظر الروح إلی نفسها فی مرآة الصفا تری وجهاً شاحباً وجسداً ضعیفاً وعندما تسأل العشق عن السبب تقول له إنّهما وجهان للعشق ففی المرة الأولی عندما تنظر إلی نفسها تکون فی حالة الغفلة ولا تعرفها فبعد الجهد وطی الطریق تنال معرفة حقیقة نفسها. إنّ هذه المرحلة إشارة إلی الفکرة العرفانیة "الصوفیة" التی تری أنّ السالک فی البدایة یعشق الظاهر وعندما یفقد الظاهر جماله یعرف أنّ الجمال الحقیقی أبعد من الظاهر. یقول عن ذلک جلالالدین المولوی: «لکون هذا الحسن مطلیاً بالذهب فإنّ ظاهره کان نوراً وباطنه کان دخاناً أسود، فعندما یذهب النور ویظهر الدخان فإنّ العشق المجازی ینتهی عند ذلک یعود إلی أصله ویبقی الجسم سیئاتنا مفتضحا.» (المولوی، 1996م: ج6/972-974) «لقد ورد فی الفصل التاسع من قصة السهروردی أنّ العشق عندما یدخل مکاناً یقوم فی البدایة بتخلیة المکان لتستقر نمال الحواس الظاهریة والباطنیة فی أماکنها لتبقی فی صون من أذی جنود العشق ولیبقی الدماغ بعیداً عن الخلل. ثمّ یقول: «عند ذلک علی العشق أن یتجوّل حول البیت وینظر إلی جمیع أرجائه. ثمّ ینزل فی حجرة القلب ویدمّر بعضها ویصلّح بعضها وینشغل بذلک عدّة أیّام وبعد ذلک یقصد أعتاب الحسن وعندما یتبیّن أنّ العشق هو الذی یوصل الطالب إلی المطلوب علیه أن یجتهد لیصبح مستعداً لمعرفة العشق ومنازل العاشقین ومراتبهم ثمّ علیه أن یسلّم نفسه للعشق لیری منه العجائب.» (السهروردی، 1993م: 285) ونلاحظ فی قصة الفضولی أنّ للعشق نفس المنزلة فالروح تسلّم نفسها للعشق والعشق یرافق الروح وتجتاز المراحل المختلفة وعند عودة الروح إلی دیار الجسد تشاهد الروح أنّ جیش الحواس قد انهزم ولم یبق للطبائع نظام وأصاب دیار الجسد تزلزل کبیر. إنّ هذه المرحلة هی مرحلة انطلاق الروح من التعلقات والحواس المادیة إنّ بلوغ هذه المرحلة مقدمة لبلوغ المطلوب الحقیقی. إنّ العشق یوجّه الروح حتی آخر مرحلة وهو الذی یسبب وصول الروح إلی الحقیقة المطلقة. عندما یدرک السالک حقیقة العشق ویبلغ العشق فی وجوده مرحلة الکمال فإنّ العاشق والمعشوق یتّحدان وکما یقول الغزالی: «إنّ قوة کمال العشق من الاتّحاد ولا تسعه تفاصیل العاشق والمعشوق.» (الغزالی، 1980م: 8) إنّ الفضولی متأثر بالسهروردی من حیث المعنی فی استخدام المحبة والعشق ففی قصة الفضولی یعدّ العشق غایة المحبة. کما أنّ المعرفة والمحبة أساسان لسلّم واحد. غیر أنّ المعرفة الحقیقیة تأتی عندما یعبر السالک ودیان العشق بعد الإصابة به. النتیجة إنّ العقل والحسن والعشق من المفاهیم العرفانیة "الصوفیة" السامیة وقد ظهرت فی رسالتی الفضولی والسهروردی. ففی رسالة السهروردی امتزجت هذه المفاهیم بأفکاره الفلسفیة غیر أنّ الفضولی متأثّر بالأفکار الصوفیة أکثر. إنّ العقل الذی یصفه السهروردی هو العقل الأول والمخلوق الأول أمّا العقل الذی نراه فی قصة الفضولی فهو العقل العملی. لقد اعتبر السهروردی الحسن والعشق حقیقتین غیبیتین ومن صفات العقل الأول ونری فی رسالة الفضولی أنّ الحسن والعشق مفهومان مستقلان عن العقل. وبغض النظر عن الأبعاد الفلسفیة للحسن عند السهروردی فإنّه فی الرسالتین من تجلّیات الجمال الإلهی فی وجود آدم (ع) إنّ هذا الحسن یسبّب ولادة العشق وأینما یدخل نجد العشق مشتاقاً له وراغباً فیه. إنّ العشق فی الرسالتین متأثّر بمعتقدات المتصوفة المحبین للجمال. إنّ الفضولی متأثّر بکلام السهروردی من حیث المعنی فی استخدام مفهومی المحبة والعشق ففی قصة الفضولی نری أنّ غایة المحبة هی العشق. فالعشق کالشیخ والمرشد وإنّ الطریق الوحید لبلوغ الحسن هو العشق. إنّ العشق نتیجة المعرفة والمحبة. إنّ العشق فی رسالة الفضولی حسب رأی المتصوفة هو العشق الحقیقی الذی یرشد السالک إلی الحقیقة المطلقة والجمال الإلهی ویوصله إلیه. وعندما یبلغ السالک الحقیقة الأصلیة فإنّ الحسن والعشق یتّحدان فی وجود السالک لینال مرتبة الاتحاد والوحدة. | ||
مراجع | ||
ابراهیمی دینانی، غلامحسین. (2006م). دفتر عقل وآیت عشق. ج3. ط2. طهران: طرح نو. ابندبّاغ، عبدالرحمن بن محمد. (2000م). عشق اسطرلاب اسرار خداست "مشارق القلوب ومفاتیح أسرار الغیوب". تحقیق: ترجمه قاسم انصاری. طهران: طهوری. افراسیابپور، علیاکبر. (2001م). زیباییپرستی در عرفان اسلامی. طهران: طهوری. پورجوادی، نصرالله. (2001م). «سهروردی وتأثیر آن در ادبیات فارسی». نشر دانش. السنة 18. العدد2. پورنامداریان، تقی. (1985م). رمز و داستانهای رمزیدر ادب فارسی "تحلیلی از داستانهای عرفانی فلسفی ابنسینا و سهروردی". ط4. طهران: شرکت انتشارات علمی و فرهنگی. ـــــــ. (2011م). عقل سرخ: شرح و تأویل داستانهای رمزی سهروردی. ط2. طهران: انتشارات سخن. جامی، نورالدین عبدالرحمان. (1963م). لوایح. لامک: مکتبة فروغی. جرجانی، علیبن محمد شریف. (1969م). کتاب التعریفات. لبنان: مکتبة لبنان. دانشور، سیمین. (2009م). علم الجمال و جمال در ادب فارسی. تدوین مسعود جعفری. طهران: نشر قطره. داودی، علیمراد. (لاتا). عقل در حکمت مشاء از ارسطو تا ابنسینا. طهران: طبعة مرد مبارز. رازی، نجمالدین. (لاتا). رساله عشق و عقل. به اهتمام و تصحیح تقی تفضلی. طهران: بنگاه ترجمه و نشر کتاب. رازی، نجمالدین. (1966م). رساله عشق و عقل. تصحیح تقی تفضلی. طهران: بنگاه ترجمه و نشر کتاب. رجایی، احمدعلی. (2007م).خلاصه شرح تعرّف بر اساس نسخه منحصر به فرد مورخ 713 هجری. ط2. طهران: پژوهشگاه علوم انسانی و مطالعات فرهنگی. زمانی، کریم. (2003م). میناگر عشق: شرح موضوعی مثنوی معنوی. طهران: نشر نی. ستاری، جلال. (1994م). درد عشق زلیخا. طهران: توس. سجادی، جعفر. (1983م). فرهنگ معارف اسلامی. ج3. ط3. طهران: شرکت مؤلفان و مترجمان ایران. سهروردی، شهابالدین یحیی. (1993م). مجموعه مصنّفات شیخ اشراق. تصحیح و تحشیه و مقدمه سیّد حسین نصر. ج3. ط4. طهران: پژوهشگاه علوم انسانی و مطالعات فرهنگی. شیخالاسلامی، علی. (2004م). خیال، مثال و جمال. طهران: فرهنگستان هنر. عراقی، فخرالدین. (1956م). کلیّات شیخ فخرالدین ابراهیم همدانی متخلص به عراقی. به کوشش سعید نفیسی. طهران: انتشارات کتابخانه سنایی. غزالی طوسی، ابوحامد. (1995م). کیمیای سعادت. حسین خدیوجم. ج 6. طهران: انتشارات علمی و فرهنگی. غزالی، احمد. (1980م). سوانح. با تصحیحات جدید و مقدمه و توضیحات نصراله پورجوادی. طهران: انتشارات بنیاد فرهنگ ایران. فضولی، محمد. (1011ق). صحت و مرض "مخطوطة". طهران: مرکز دایرة المعارف بزرگ اسلامی. فلوطین. (1987م). دورهی آثار فلوطین. ترجمه محمدحسن لطفی. ج2. ط1. طهران: انتشارات خوارزمی. فروغی، محمّدعلی. (لاتا). سیر حکمت در اروپا. ج1. ط3. طهران: ناشر بنگاه مطبوعاتی صفی علیشاه. مولوی، جلالالدین محمّد. (1996م). مثنوی معنوی. تصحیح رینولد الدین نیکلسون. ج3 و 6. طهران: انتشارات توس. میبدی، ابوالفضل رشیدالدین. (1982م). کشفالأسرار وعدة الأبرار. به سعی و اهتمام علیاصغر حکمت. ج5. ط3. طهران: امیرکبیر. واردی، زرینتاج؛ دانائیان، نجمه. (2011م). «سیر تحول و کارکرد عرفانی- ادبی عنصر نور». دو فصلنامهی علمی- پژوهشی ادبیات عرفانی دانشگاه الزهرا. السنة 2. العدد 4. صص 159-195.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,454 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 503 |