تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,186 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,845 |
الالتزام فی أشعار عبدالوهاب البیاتی | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 7، دوره 3، شماره 12، خرداد 1435، صفحه 180-153 اصل مقاله (266.23 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
صلاحالدین عبدی1؛ لیلا عسگری2 | ||
1أستاذ مساعد بجامعة بوعلی سینا فی همذان، إیران | ||
2الماجستر فی اللغة العربیة وآدابهابجامعة بوعلی سینا فی همذان، إیران | ||
چکیده | ||
الأدب الملتزم یطلق علی مشارکة الشاعر أو الأدیب لهموم الناس فی قضایاهم الاجتماعیة والسیاسیة ومواقفهم الوطنیة. ومن میزات الأدب الصادق، أن یتکلّم عن الواقع الذی یعیشه الأدیب والظروف التی تحیط به. لاشکّ فی أنَّ قیمة الشعر تنطلق من طریقة تعاطیه مع موضوعات الحیاة ولاسیَّما الموضوعات المصیریة فی حیاة الإنسان ویکون الإنسان موضوعاً متسعاً لهذا النمط من الأدب وظهر الأدب الملتزم رداً علی فکرة الفن للفن. أما عبدالوهاب البیاتی الذی یعتبر من شعراء المدرسة الواقعیة فی العراق، فبدأ ینشر مجموعات شعریة تکشف عن الإلتزام. فقد جاء شعره مملوءاً بروح التمرد والثورة والدعوة إلی الحریة وتحطیم الأوثان الماضیة. إنَّه فی أدبه الملتزم لا یتکلَّم عن المأساة البشریة والفقر الموجود فی المجتمعه فقط، بل یتکلَّم عن المأساة البشریة فی کل العالم. البیاتی یؤمن بأهمیَّة الکلمة ودورها فی التغییر والثورة وهو أثناء قصائده یلجأ الی استخدام الأساطیر منها أسطورة برومیثیوس ویجعله رمزاً للإنسان الثائر المتمرد. وأیضاً فی أشعاره الملتزمة یستدعی الشخصیات التراثیة ذات جانب تاریخی وشعبی ودینی. لهذا درسنا الالتزام فی أبعاده السیاسی والدینی والاجتماعی فی أشعار البیاتی واعتمدنا علی أسلوب التحلیل المضمونی. | ||
کلیدواژهها | ||
الأدب الملتزم؛ البیاتی؛ الرفض والتمرد؛ الثورة؛ الحریة | ||
اصل مقاله | ||
إنَّ العالم العربی فی أعتاب القرن العشرین یعانی من تمزق مقیت علی شتّی المستویات ولاسیَّما المستوی السیاسی والاجتماعی والفکری من جرّاء الأمیَّة الفاشیة والبطالة والفقر وظاهرة الطبقیة وللتخلُّص من هذه المعاناة، اعتنق التحوّل الاشتراکی لأنَّه یری الحلّ الوحید الذی تحتمه الظروف. وبما أنَّ الثورات المختلفة التی طرأت فی العالم العربی وخاصة فی العراق ومنها ثورة 14 تموز (1958م) خلقت فی نفس الفرد حالة من التفاؤل والأمل والتطلّع الإنسانی والتحول الفرد عن انطوی علی نفسه إلی الجمع والمجتمع وهکذا وجد الشعراء أنفسهم أمام مسؤولیة الدفاع عن معطیات الثورة وتهیئة الأذهان لقبول القیم الجدیدة وانتشرت فکرة الاشتراکیة فی جزء من العالم العربی وحلت الاشتراکیة بأفکارها ومقوماتها محل الإقطاع والتضخم والرأسمالیة والاستعمار وما إلی ذلک ممَّا یثقل کاهل الشعب وکل ذلک ترک أثره فی الأدب العربی عامة وفی الشعر خاصة وتأثر الشعراء العراقیون ولاسیَّما عبدالوهاب البیاتی بالثورات الشعبیة وکان لهتافات الشعب صدی فی أشعاره فنشأت فکرة الالتزام فی أشعاره. «إنَّ الأدب الملتزم جاء لمناهضة فکرة الفن للفن وکان یعنی أنَّ التجربة الفنیة غایة فی ذاتها وهی جدیرة بأن تطلب لذاتها. فقیمة الأدب بوصفه تجربة خیالیة ممتعة تبنی علی أساس القیمة الذاتیة فی الأدب. فهذه العقیدة التی تؤمن بالفن وتجعل الفن کیاناً قائماً بذاته لایتحرک نحو البشریة ولایستمد منها مبرّرات وجوده.» (الماضی، 1986م: 220) والأدب الملتزم ظهر کردّ فعل لهذا الاتجاه ویتحدث هذا الأدب الجدید المناهض لفکرة الفن للفن بأنَّ الأدب قضیة إجتماعیة وإنسانیة ولیس متعة وترفیة والشاعر من خلال إبداعه یدافع عن القضایا الاجتماعیة والسیاسة والإنسانیة. «إذن الالتزام کان یعنی الانطلاق من الواقع بغیة تطورة نحو الأحسن من وجهة نظر اجتماعیة.» (فوزی، 1383ش: 48) وراح الشعراء یهتمون بتصویر العلاقات الاجتماعیة وبعبارة أخری کلّما عمق الشاعر فی التعبیر عن الاجتماع والإنسان، حقق لشعره ارتقاءً وسمواً وفی المقابل، کلَّما عبّر عن القضایا الهامشیة، هبط بشعره إلی الحضیض وبذلک، نشأت فکرة الالتزام لتعبیر الشاعر والأدیب عن مشاکل الحیاة التی یعشیها الناس . «یعدّ البیاتی من روّاد الواقعیة الاشتراکیة فی العراق والعالم العربی وکما یقول نفسه بأنَّ محاکاته من شعر الشعراء الکبار فی العالم لا لأنَّهم مشهورون بل لأنَّ أشعارهم تحتوی علی نوع من الالتزام الواعی الحیّ النابع من داخل نفوسهم.» (البیاتی، 1972م : 19-17) اصطبغ شعر البیاتی فی بدایات أعماله بصبغة رومانسیة ذاتیة فشعر بخیبة الأمل والتحول فیما بعد إلی شاعر الواقعیة والالتزام. إنَّه یتکلَّم عن بدایات التزامه قائلاً: «عندما غمر النور الواقع الانسانی أمام عینی مع بدایة الخمسینات، کانت الصورة التی ارتسمت أمامی صورة واقع محطّم یُخیم علیه الیأس. وهکذا کانت أشعاری الأولی محاولة لتصویر هذا الدمار الشامل والعُقم الذی کان یسود الأشیاء. لم أکن أحاول البحث عن السبب الکامن وراء هذا العقم ولکنَّنی اکتفیت بتصویره وعندما تجاوزت مرحلة التصویر، لم یکن ذلک مرتبطاً بالعثور علی مبرّر اجتماعی للتمرّد. بل کان مرتبطاً بالقضیة المیتافیزیقیة، حتی لقد کان المفهوم المیتافیزیقی لرفض الواقع والتمرّد علیه - دون الثورة – هو بدایة الالتزام.» (المصدر نفسه: 19) البیاتی نفسه یذهب إلی أنَّ ضمور الباعث المیتافیزیقی وتطویر الدافع الاجتماعی والسیاسی فی نفسه بدیلاً یناسب مرحلته الشعریة الجدیدة فنجد الهدف الرئیس له خلق الوعی الثوری فی المجتمع فیستمر قائلاً: «کنت أفهم الالتزام علی أنَّ الفنان مطالَب من أعماقه أن یحترق مع الآخرین عندما یراهم یحترقون. أمَّا الوقوف علی الضفّة الأخری والاستغراق فی الصلاة الکهنوتیة فلیس هذا من صفات الفنان الحقیقی، فی أی عصر من العصور.» (المصدر نفسه: 20) وفی موقف صریح یرفض فکرة الفن للفن قائلاً: «الناس فی کل زمان ومکان لایطیقون الکتابات التی لاتقول شیئاً عن عذاباتهم ونبض عصرهم فالکتابة من أجل الکتابة فی العالم الثالث لامعنی لها.» (البیاتی، 1993م: 102) فاختار البیاتی الشعر الثوری الحقیقی فی جدلیة الثورة والإبداع وظل ملتزماً أمام الذل البشری والواقع الاجتماعی المریر مدافعاً عن حقوق الإنسان. وهذا المقال یعتزم علی أن یبحث هذا الموضوع ویستهدف أن یجیب سؤالین التالیین: ١- ما هو میزات الأدب الملتزم عند البیاتی؟ ٢- ماهو الموضوعات التی عالجها البیاتی فی أدبه الملتزم؟
الالتزام لغةً واصطلاحاً الالتزام لغة:جاء فی اللسان «لزم الشئ یلزمه لزماً ولزوماً، ولازمه ملازمةً ولزاماً، والتزمه، وألزمه إیَّاه فالتزمه، ورجل لُزمة یلزم الشئ فلا یفارقه. واللزام: الملازمة للشئ والدوام علیه، والالتزام الاعتناق.» (ابن منظور، ١۹۵٦م: مادة لزم) وجاء فی القاموس المحیط «لزم الشیء: ثبت ودام، التزم الشیء: لزمه من غیر أن یفارقه، التزم العمل والمال: أوجبه علی نفسه.» (فیروزآبادی، ١۹٨۳م: ١۷۵) الالتزام اصطلاحاً: فیوضح الدکتور محمد غنیمی هلال قائلاً: «ویراد بالتزام الشاعر، وجوب مشارکته بالفکر والشعور والفن فی قضایا الوطنیة والإنسانیة وفیما یعانون من آلام وما یبنون من آمال.» (غنیمی هلال، ١۹۷۳م: ۴۵٦) «وعرّفه الدکتور مصطفی هدارة بأنَّه ارتباط الأدیب بقیم أو قضایا محددة، فکل تفکیر وتعبیر صادر عنه، یکون فی نطاق هذا الارتباط أو الالتزام.» (هدارة، ١۴٠۵ق: ١) وجاء فی معجم مصطلحات الأدب «هو اعتبار الکاتب فنه وسیلة لخدمة فکرة معینة عن الإنسان، لا لمجرد تسلیة غرضها الوحید المتعة والجمال.» (وهبه، 1974م: 79) وإلى ذلک أشار محمود أمین العالم بقوله: «إنَّ الأدیب الملتزم فکراً وتنظیماً لا ینعکس التزامه فی أدبه فی شکل واجبات وأوامر وتوجیهات... بل فی عمق إبداعی أصیل.» (امین العالم، لاتا: 20) فی الواقع، الالتزام یطلق علی مشارکة الشاعر أو الأدیب لهموم الناس فی قضایاهم الاجتماعیة والسیاسیة ومواقفهم الوطنیة. «ویقوم الالتزام فی الدرجة الأولى على الموقف الذی یتّخذه المفکّر أو الأدیب أو الفنان فیه. وهذا الموقف یقتضی صراحةً ووضوحاً وإخلاصاً وصدقاً واستعداداً من المفکّر، لأن یحافظ على التزامه دائماً ویتحمّل کامل التبعة التی یترتّب على هذا الالتزام.» (أبوحاقة، ١۹۷۹م: ١۴) استخلصنا مما سبق من التعاریف أنَّ الالتزام هو أن یعیش الأدیب أو الشاعر بین الشعب وکان له هواجس شعبه وهو مطالَب بالتعبیر عن آلام أمَّته وآمالها وطموحاتها ویسخّر نتاجه الأدبی شعراً کان أو نثراً فی التعبیر عن معاناة وأن یوظّف بشکل جدی هذا النتاج فی الدفاع عن قضایا مجتمعه لأنَّ الأدب مسؤول عن الحریة وعن الاستقرار وعن التطور وکذلک التخلُّف وألا یکون التزامه فی کل عن أوامر بل ینبثق عن إبداع أصیل. إنَّ الالتزام فی الأدب لیس معناه أن یکون الأدب الملتزم منصرفاً عن الزخرف اللفظی وعن الزینة الصوریة، بل هو أن یکون الأدب مرآة لتصویر قصّة الإنسان وقضایاه المختلفة وهو أن یکون الأدب رسالة یستوحیها من الجانب الإلهی من فکره وروحه. ولیکون الأدب صادقاً، لابدّ أن یتکلّم عن الواقع الذی یعیشه الأدیب، والظروف التی تحیط به وظروفنا الاجتماعیّة الحافلة بالقلق والمشکلات، وهذا تدعو وبشدّة إلى الأدب الملتزم. مقیاس الالتزام فی الأدب هو الذی یزن الأدیب بمقدار تکیفه للمجتمع وموقفه من قضایا أمته واحتماله لما ینبغی أن ینهض به من تبعات ومسؤولیات، ولاشکّ فی أنَّ من الصعب تجرید الأدب من وظیفته الجمالیة وحبسه فی غائیة مادیة تجعل منه رسالة اجتماعیة سیاسیة إنسانیة وحسب بعیداً عن الوظیفة الجمالیة التی تمیزه عن سائر فنون القول والکلام، إلا أنَّ هناک حدوداً یعرفها الأدباء تجعل من الأدب عالماً تتداخل فیه الغایات والجمالیات لیستطیع إیصال رسالته الفنیة ولموضوعیة على الأقل. ظهرت المدرسة الواقعیة التی تدعو إلی معالجة الموضوعات الواقعیة المقتبسة من الأحداث الحیة. وسمیت الواقعیة الانتقادیة أو النقدیة أیضاً؛ لأنَّها تتضمن نقداً للواقع الاجتماعی المحیط بالأدیب. «وکان للواقعیة النقدیة إتجاهات الأخری منها: الواقعیة الاشتراکیة التی تنطلق من التزام تعالیم مارکس ونظریته التی یعتقد الإنسان لابدّ له قبل الاهتمام بالسیاسة والعلم والدین والفن من أن یحصل علی طعامه وشرابه وسائر ما یؤمّن الاستمرار فی العیش.» (أبوحاقة، 1979م: 29) فنشأ مذهب الواقعیة الاشتراکیة وطالب الأدیب بالإیمان بالفکر الاشتراکی العالمی وأن یعبّر فی أدبه عن قمم الإنسانیة مثل العدالة الاجتماعیة والحریة السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة. وبالنتیجة تغیرت صورة الأدب بتغییر صورة المجتمع. دوافع هذه النزعة فی الشعر العربی الحدیث یرجع إلی نکبة فلسطین فی عام (١۹۴٨م) وبخاصة بعد قیام ثورة مصر سنة (1919م) التی أکّدت علی الوحدة العربیة وأیضاً قیام ثورة (١۹۵٨م) فی العراق. «فمن الواضح أنَّ العالم العربی کان یعیش عصر الثورة. وکانت الثورة حرکة متطورة، بدأت من مرحلة التطور الاجتماعی إلی مرحلة التحول الاشتراکی. فاعتبروا أنَّ الحل الاشتراکی هو الحل الذی تحتمه الظروف، من أجل بناء مجتمع الکفایة والعدل.» (اسماعیل، ١۹٨۵م: 51-49) من جانب آخر، نشرت فکرة الشعر للشعر عام (١۹٠١م) لأول مرة، «وکانت تعنی أنَّ التجربة الشعریة غایة فی ذاتها وأنَّها تنطوی علی قیمة ذاتیة، فقیمة الشعر تبنی علی أساس القیمة الذاتیة فی الشعر. فهذه العقیدة التی تؤمن بالفن وتجعل الفن کیاناً قائماً بذاته، لا یتحرک نحو البشریة، واجهت عدم الإقبال من جانب الثقافة الجدیدة فطرح فکرة قضیة الالتزام فی الأدب کردّ فعل لإتجاه الفن للفن.» (م.ن،١۹) وبالنتیجة تمحور الشعر حول القضیة الاجتماعیة والإنسانیة. «أما البیاتی فیعتبر فی طلیعة من مثّل الواقعیة الاشتراکیة أو الواقعیة المحدثة فی العراق وربّما فی العالم العربی فترة من الزمن. فإنَّه بدأ ینشر مجموعات شعریة تکشف عن الالتزام بهذه الفکرة وحاول أن یمثل امتداد الرؤیا الاشتراکیة والإنسانیة فی شعر کبار شعراء هذا الاتجاه.» (فوزی، ١۳٨۳ش: ۹۴) خلفیة البحث إنَّ عبدالوهاب البیاتی هو محور اهتمام کثیر من النقاد والکتاب الذین خلقوا آثاراً عدیدة من الکتب والمحاضرات وفیها عالجوا البیاتی وأشعاره وتمحورت هذه المقالات حول أسطورة نحو: "عبدالوهاب البیاتی اسطورهای زنده" لمعصومة شبستری و"اسطورههای برجسته در شعر عبدالوهاب البیاتی" لعلی نجفی و"استدعاء التراث فی مرآة اشعار" البیاتی للدکتور صلاحالدین عبدی أو حول تقنیات استدعاء التراث من التناص والقناع منها: "القناع والدلالات الرمزیة لعائشة عند عبدالوهاب البیاتی" لحامد صدقی و"التناص فی أشعار عبدالوهاب البیاتی مع القرآن الکریم" لطیبة سیفی و"قناع الحلاج فی الشعر المعاصر عبدالصبور والبیاتی نموذجاً" لکبری روشنفکر. نوقشت البیاتی من حیث شتی المظاهر الإنسانیة منها: "هاجس الاغتراب والترحال عند عبدالوهاب البیاتی" لناهدة فوزی و"دغدغههای اجتماعی شعر عبدالوهاب البیاتی واخوان ثالث لفرهاد رجبی" ومقالة "ظاهرة الحزن الرومانسی فی أشعار الشعراء الرواد العراقیین للشعر الحر السیاب والملائکة والبیاتی" لأبو الحسن أمین المقدسی. وتناول البیاتی بالبحث من حیث الأدب المقارن نحو: "در انتظار گودو بررسی تحلیلی مفهوم منجی در شعر اخوان ثالث وبیاتی وقبانی" لرضا ناظمیان و"الأثر الفارسی فی شعر عبدالوهاب البیاتی" لعیسی متقیزاده ومقاله "صورة مایاکوفسکی فی شعر البیاتی وشیرکو بیکس" لخلیل بروینی و"حاکمیت شب، نگاهی به دو شعر از نیما یوشیج وعبدالوهاب البیاتی" للدکتور أمین المقدسی ومقالة "شخصیتهای ایرانی در دیوان عبدالوهاب البیاتی" لأحمد نهیرات و"شعر عبدالوهاب البیاتی وناظم حکمت در آینه ادبیات تطبیقی" لخلیل پروینی. أما الکتب: "عبدالوهاب البیاتی حیاته وشعره" لناهدة فوزی و"الرؤیا فی شعر البیاتی لمحییالدین صبحی". ولکنه لم نعثر علی مقالة تعالج موضوع الالتزام فی أشعار البیاتی بصورة مستقلة. عبدالوهاب البیاتی حیاته وشعره «ولد عبدالوهاب أحمد جمعة خلیل البیاتی فی 19 کانون الأول سنة (1926م).» (کرو، 2000م: 72) «فی حی من أحیاء بغداد یسمى "باب الشیخ" نسبة إلى الشیخ عبدالقادر الکیلانی أحد کبار المتصوفة والمدفون هناک وکان هذا الحی مزدحما بالفقراء والمجذوبین والباعة والعمال والمهاجرین من الریف وهو مصدر المه الکبیر.» (البیاتی، 1999م: 14) «فمنذ طفولته عاش فی البؤس والموت إذ أنَّه ولد لعائلة فقیرة فی حی فقیر وانحدر البیاتی من أسرة عریقة وفقیرة کانت تنتمی الی الطبقة المتوسطة من ریف العراق.کان البیاتی متاثراً بجدّه لأبیه وجدّته لأمّه وهما کانا معلمیه وملهمیه.» (البیاتی، 1996م: 19؛ 1993م: 42؛ 1999م: 25-17) البیاتی قد تزود بمخزون ثقافی کبیر لأنَّه منذ سنین طویلة کان یقرأ أعمال الأدباء القدماء کما أنَّ شاعرنا وقف طویلاً عند الأدب الواقعی الروسی والغربی لکنَّه یقول: «بالرغم من أنَّنی قرأت الشعر الغربی وأکثر من کثیر من الشعراء ولکنَّنی وجدت أنَّ الشعر العربی أقرب لی ولنا؛لأنَّه یمثل هواجسنا وأحلامنا والأخطار التی تهددنا.» (ارناؤوط، 2004م: 28و27) «اختار البیاتی منذ البدایة أن یکون شاعراً وأن یعیش من أجل شعره دون أن یشغل نفسه بأیّ شیء آخر غیر أنَّه عمل مدرساً فی مدینة "الرمادی" بعد تخرجه، لکنَّه فصل منها بسبب آرائه السیاسیة ومعارضته للنظام العراقی آنذاک وأدّت هذه المعارضة إلی مغادرة العراق والهجرة التی کان یحلم بها دائماً وأخرجته إلی دائرة أوسع من الاطلاع والاحتکاک وعرّفته علی عدد من الأدباء البارزین وأتاحت له معرفة الثقافات المتنوعة بسبب أسفاره الکثیرة الی بلدان عدیدة وکما یذعن البیاتی نفسه بأنَّ الرحیل أثَّر فی تدفق ینابیع الشعر وتنمیة موهبته من جهة وإنَّ قراءاته المتنوعة للتراث الإنسانی منذ ذلک، أثَّرت فی تکوین رؤیته الإنسانیة من جهة أخری.» (البیاتی، 1999م: 53و 52؛ عبدالعزیز،1991م: 177) «فسافر إلی مدن بلدان العالم منها دمشق وبیروت والقاهرة التی قضی فیها سبع سنوات ویعتبر هذه الفترة هی المرحلة الأهم فی حیاته إذ عاش فیها مرحلة النضج والسلام والاستقرار مما جعله یبدأ مشاریعه الأدبیة والشعریة.» (کرُّو، 2000م: 71-67) وکما یقول النفی موجود بداخله على حدّ تعبیره: «فقد أحسست بالنفی قبل حصول النفی نفسه أی أنَّنی أحسست بأنِّی منفی منذ طفولتی.» (البیاتی، 1999م: 57) لذلک نجده قد عاش فی معظم مدن العالم وکان لکلِّ مدینة أثراً فی تقدم شعره وعالمیته وخیر مثال على ذلک، مدینة مدرید الإسبانیة والتی مکث فیها عشر سنوات من (1979م) إلی (1989م) «فعند لقائهم البیاتی فرحوا به واهتموا بشعره وترجموا الکثیر منه وبما أنَّ اللغة الإسبانیة لغة عالمیة ساهمت فی نشر ترجمات أشعاره فی منطقة واسعة من العالم.» (المصدر نفسه: 6) توفی البیاتی فی الغربة أی دمشق فی بیته فی یوم الثلاثاء (3/8/1999) «ودُفن فی مثواه الأخیر وهی مقبرة محییالدین بن عربی تنفیذاً لوصیته.» (فی بیت الشعر، 1999م: 31) «أصدر اول مجموعته الشعریة باسم "ملائکة وشیاطین" سنة (1950م) تدل علی التجربة الذاتیة وأحاسیسه فبدت فردیة، تتحدث عن إحزان الشاعر وتعکس إحساسه بالضیاع والضجر والحب الرومانسی الذی تمثلت به مجموعته الأولی فراراً من واقع الحیاة إلی الطبیعة وعالم الطفولة والخیال.» (البیاتی، 1999م: 46؛ 1995م: 115-110) صُدر الدیوان البیاتی الثانی "أباریق مهشمة" عام (1954م) واعتبر من منشورات "الثقافة الجدیدة" و الحزب الشیوعی[1] فمال البیاتی إلی الواقعیة وظهرت شروط الحداثة والانطلاقة الحقیقیة للشعر الحدیث بدیوانه هذا ویعدّ من تتلمذ علی دیوانه قائلاً: «إنَّ دیوان أباریق مهشمة الذی اعتُبر اوّل ثورة فی الحداثة الشعریة العربیة وتتلمذ علیه شعراء کثیرون أمثال درویش وصبور وأدونیس کما اعترف بعضهم.» (البیاتی، 1993م: 76) فی مصر أتیح له أن یصدر مجموعتین شعریتین جدیدتین وأصدر عام (1956م) مجموعة "المجد للاطفال والزیتون" وفی عام (1957م) أصدر مجموعة "أشعار فی المنفی" فی القاهرة وبعدما عاد إلی العراق، مثّل العراق فی مختلف المؤتمرات فی أنحاء العالم ثم أصدر مجموعته "عشرون قصیدة من برلین" فی عام (1959م) وفی العام بعده (1960م) أصدر مجموعة "کلمات لاتموت" الشعریة ثم ما کتبه خلال سنوات إقامته فی موسکو نُشِر فیما بعد فی الدیوان "النار والکلمات " عام (1964م) «فاعتبره الشاعر خاتمة لمرحلة التضامن مع الیسار وتخلّص مما ترسب فی داخله.» (البیاتی، 1996م: 163و162؛ 1999م: 76؛ 1993م: 15-10). «بعد أن تأزمت ظروف البیاتی وضاق به المقام فی موسکو.» (البیاتی، 1999م: 79 و 78) إثر ذلک کتب مسرحیة "محاکمة فی نیسابور" عام (1963م) «بعد أنَّ شعر بالاختناق وأنَّ معظم أبواب النور قد أغلقت أمام بصره، فحاول فی هذه المسرحیة أن یعبِّر عن حاله وعما یختلج فی نفسه بشکل عفوی فمثّلت هذه المسرحیة أحزانه وآلامه.» (البیاتی، 1996م: 163) أصدر فی عام (1965م) دیوان «سفر الفقر والثورة» فی بیروت واعتبره احسان عباس «ذروة أعلی سناماً فی تاریخ شعر الشاعر بعد ظهور الدیوان أباریق مهشمة.» (شرف، 1991م: 183؛ البیاتی، 1993م: 15-10) وفی عام (1966م) «ظهر دیوانه "الذی یاتی ولایاتی" وتزود البیاتی بما یتناسب مع التطورات الجدیدة واقعیاً وحضاریاً وثبت کشاعر مبدع عملاق فی خلق الأساطیر.» (الکبیسی، لاتا: 29و28) «وأصدر فی عام (1967م) دیوان "الموت فی الحیاة" فی بیروت تفصح بأسالیب مختلفة عن موقف ثائر وإرادة تغییر واضحة وتطلع نحو الأحسن ویعتقد البیاتی نفسه أنَّ هذا الدیوان ودیوان "الذی یأتی ولا یأتی" یعتبران إکمالاً لدیوان "سفر الفقر والثورة" ویشکلان ثلاثیة شعریة.» (البیاتی، 1993م: 76) «ونشر أوّل کتاب فی سیرته الشخصیة والشعریة بعنوان "تجربتی الشعریة" فی بیروت نفس العام.» (سیرة ذاتیة لسارق النار: 104) وفی عام (1969م) «فی بیروت أصدر مجموعته الشعریة "عیون الکلاب المیتة" فطغی الطابع السیاسی والهجاء المقذع علی قصائد هذا الدیوان.» (البیاتی، 1996م: 55-57) وفی عام بعده أی (1970م) «أصدر مجموعتیه "الکتابة علی الطین" و"یومیات سیاسی محترف" فاعتبر بعض النقاد دیوان "الکتابة علی الطین" أول دیوان فی الشعر العربی یستخدم المنهج الأسطوری بأکمله لغةً وشکلاً ومضموناً.» (البیاتی، 1993م: 76) والدیوان الثانی، الانتماء الحزبی والشعارات والمفردات السیاسیة هی السمة المسیطرة علیه. «أصدر فی عام (1971م) دیوان "قصائد حب علی بوابات العالم السبع" وانحاز إلی الصوفیة فکرة ورغبة .بعد أربعة أعوام نشر مجموعة "سیرة ذاتیة لسارق النار" فعبّر عن الاحساس بالغربة والفراق والموت إشارة إلی أسطورة برومیثیوس الذی سرق النار من الآلهة لیخدم البشر عنوانا لسیرته الذاتیة.» (فی بیت الشعر: 33) «أصدر فی عام (1975م) مجموعة "قمر شیراز" فی بغداد و"کتاب البحر" فی بیروت ففی هذین الدیوانین صوّر عائشة فی تحولاتها ویقترب الشاعر فی بعض القصائد إلی قصیدة النثر شکلاً والغموض مضموناً.» (المصدر نفسه : 33-26؛ 1996م : 111،113،302،303) وفی عام (1979م) «بعد مرور أربع سنوات من آخر مجموعته نشر الدیوان "مملکة السنبلة" فی بیروت فیقترب البیاتی إلی الصوفیة ویذکر أسماء کثیر من کبار المتصوفین والمعجم الصوفی ویلجأ أحیانا إلی الأوهام والخیال أی مدرسة السریالیة وفی نفس العام أصدر کتاب "صوت السنوات الضوئیة" نثراً وترجمةً فی بیروت.» (فی بیت الشعر : 36-28؛ 1996م: 303و302) وبعد عشر سنوات بسبب ترحاله المستمر ونشاطاته الاجتماعیة والثقافیة التی کانت تستنزف کل وقته نشر عام (1989م) مجموعة "بستان عائشة" فی بیروت التی أُعتبرت مرحلة جدیدة من إبداعاته وتطوّره الشعری. بعد أربع سنوات فی عام (1993م) «أصدر کتاب "کنت أشکو إلی الحجر" فی بیروت وهی مجموعة حوارات مع الشاعر. وبعد عام أی (1994م) جاء کتاب "حرائق الشعر" وهو ذکریات مع الشعراء العربیة والغربیة مع القصائد التی کتبها عنهم وأیضا مقتطفات من آراء بعض النقاد عن البیاتی وشعره.» (البیاتی، 1994م: 9-1) وفی نفس العام أصدر کتاب "السیرة الذاتیة: القیثارة والذاکرة" فی لندن وثم أصدر بعد عام أی (1995م) مجموعته الشعریة "کتاب المراثی" فی بیروت وعمان وکما قال البیاتی نفسه قائلاً: «المراثی لیست مراثی لأشخاص فحسب بل مراثی لعصر بکامله.» (البیاتی، 1993م: 57) «وبعد ثلاث سنوات نشر مجموعته الشعریة "البحر بعید أسمعه یتنهّد" فی بیروت وتعبر قصائدها عن تجاربه الشخصیة.» (البیاتی، 1999م: 22؛ 1998م: 71-66) «إنَّ عام (1999م) تمیّز بتدفق انتاجه نثراً وشعراً بعضه جدید وبعضه إعادة ما نشر تحت عناوین جدیدة وأصدر "ینابیع الشمس" السیرة الشعریة نثراً تکملة لما جاءت فی "تجربتی الشعریة" وأصدر کتاب "مدن ورجال ومتاهات" نثراً وکرر فیهما ما کتبه فی کتاباته السابقة "تجربتی الشعریة" و"حرائق الشعراء" و"کنت أشکو إلی البحر" و"ما یبقی بعد الطوفان" مع بعض اضافات یسیر وهذا آخر ما أصدر البیاتی تشمل الشعر الحر والعمودی فالجزء الکبیر منها القصائد النثریة. وإنَّ بعض القصائد النثریة تعتبر نوعاً من السیرة الشخصیة بالذات.» (نصوص شرقیة: 27و 26، 92و91) یقول الدکتور محییالدین صبحی عن شعره: «إنَّ الشعر عبدالوهاب البیاتی قد واکب الحیاة العربیة المعاصرة بکل همومها، منذ أنَّ أسهم فی حرکة الشعر الحدیث التی طرح فکرتها ومنهجها الشاعرة نازک الملائکة والشاعر بدر شاکر السیاب، بدءاً من عام (١۹۴٨م)، وما بعد. هذا الشاعر الذی جعل من أسباب وجوده أن یعبر عن الإنسان العربی المعاصر وقضایاه، فی فترة التاریخیة الخصبة بین الخمسینات والسبعینات.» (صبحی، ١۹٨٨م: ١۹) البیاتی والالتزام إنَّ الثورة الشعریة التی نضجت فی الخمسینات التحمت بإرادة الثورة والتمرد علی القیم السائدة الاجتماعیة والسیاسیة والثقافیة. حیث أصبحت الکتابة من أجل الکتابة لا معنی لها. فانتهج البیاتی هذا المنهج، فسار ملتزماً بهذا الإتجاه. فنری الشاعر أکّد مراراً التزامه بقضیة الإنسان، وأعلن الحرب علی دعاة الفن للفن وشعرهم الکذوب الذی یستحق الذهاب إلی الجحیم، وهتف بحبه العظیم لقضیة الإنسان فی قصیدة "الفن للحیاة" من دیوان "کلمات لا تموت" قائلاً: «سأدوسُ فی قدمی/ دُعاةَ "الفن" والمتحذلقینَ/ وعجائزَ الشعراءِ/ والمتسولینَ/ وأحطِّمُ الأشعارَ فوقَ رؤوسِهم/ فدمُ الحیاةِ/ یجری بأعراقی/ وإنِّی لن أخونَ/ قضیةَ الانسانِ إنِّی لن أخونَ/ فلتذهبی یا ربةَ الشعرِ الکذوبِ إلی الجحیمِ/ فأنا هنا أستلهمُ الأشعارَ من حبی العظیمِ.» (البیاتی، ٢٠٠٨م: ١/۳۵٨) الالتزام السیاسی الدعوة إلی الثورة إنَّ الشعر العراقی المعاصر ولاسیَّما شعر البیاتی حاله کحال أی نتاج أدبی یولّد من رحم الأحداث وحرکة التغییر الدائمة فی المجتمع وعلى ذلک، یصح أن نسمیه أدباً ثوریاً حتى وإن لم تکن الثورة مضمونه الأساسی وصفته، طالما أنَّ ماهیة الثورة تتسع لتشمل کل ما هو خارج عن دائرة التقبل السلبی لظروف ما. لقد أخرج البیاتی بشعره موضوع الثورة من عباءته القدیمة الموشاة بالتهدید والوعید والتحریض وذم المحتل وما سواها من أفکار إلى أفق قصیدة الشعر الحر الرحیب ونقح النص الشعری من المباشرة والسذاجة فی الطرح والتقلیدیة فی الأداء والسطحیة فی التناول مستفیداً من انجازات المدارس الأدبیة الغربیة التی أطلع علیها. وبالنسبة للأساطیر فقد کانت له طریقته الخاصة فی التعاطی معها فهی عنده قد تجسدت فی تمثیل روح الحیاة المعاصرة واختفت الأساطیر القدیمة وتلح الغریزة الشعریة المبدعة علیه لربط الحاضر بالماضی والمستقبل بروح الحاضر وهذا هو سر الإبداع فی الأعمال الخالدة، ویخرج عن الأسلوب التسجیلی المعتاد فی معالجة موضوع الثورة فیطوف مع الثوار ثائراً یستلهم التاریخ ویدعو دعوته الصریحة التی لا تلمیح فیها إلى الثورة. یری البیاتی الشعر کعنصر ثوری، فنراه یقول فی کتابه تجربتی الشعریة: «الفنان - الثوری إذن هو تجسید لإرادة الکائنات المتناهیة المکبوتة المضطهدة، وامتداد لها علی مدی التاریخ. ولکنَّ الکائن المتناهی هو الذی یحول أحلام الفنانین والثوریین والفلاسفة إلی عمل واقع أی إلی فعل وفی ذلک سرّ عظمته.» (البیاتی، ۱۹۷٢م: ۴۷) و«إنَّ ثوریة البیاتی هی ثوریة هادفة إلی بناء مجتمع العدل بنظامه الإنسانی المتقدم. فالثوریة هی الأولی فی جمیع توجهاته الحیاتیة. فمن الممکن متابعة التزام البیاتی بثوریته من خلال شعره الذی دلّ علی الانتصار الدائم للثورة.» (فوزی، 1383ش: ١۰٨) فالبیاتی یبشر بمیلاد عالم وقیم جدیدة وعهد سعید بفعل الثورة والمکافحة وتضحیة الإنسان حتی الموت. ففی قصیدة "یومیات العشاق الفقراء" من دیوان "قصائد حب علی بوابات العالم السبع" یحاول أن یکشف عن حقیقة الشیء من خلال الکشف عن ضده: «نموتُ واقفین/ نبحرُ واقفین/ لمدنِ المستقبلِ البعیدِ/ نغتصبُ العالم َبالموتِ وبالثورةِ والرحیلِ/ نستأنفُ المسیرةَ الکبری من الموتِ إلی المیلادِ/ نظلُّ فی کلِ عصورِ البؤسِ والضیاء/ معلِّقین بخیوطِ الأملِ السوداءَ/ منتظرینَ النارَ والطوفانَ/ یا فقراءَ العالمِ المنهوبِ/ اتَّحدوا/ یا فقراءَ العالمِ المنهوبِ.» (البیاتی، 2008م: ٢/٢39 و 238) فی هذا القسم یحرض الناس إلی الثورة والقیام وإن لم ینهضوا فکان مصیرهم الفناء وانعدام الأمل ویحصل الشعب عن طریق الثورة علی أمله المنشود. البیاتی یری فی الثورة، الحیاة والتطلع نحو المستقبل ویذهب إلی أنَّ الإنسان الثوری لایعترف بالهزیمة: «فالثوری لن یعرف الهزیمة ولن یقبلها بأیة حال من الأحوال.» (البیاتی، 1972م: 76) وفی قصیدة "الباب المضاء" من دیوان "یومیات سیاسی محترف" عبر عن نفس المفاهیم وهو یحمل لواء الثورة وله ایمان بقدرة الشعب علی التغییر الثوری: «والأصدقاءُ المیتون مِنَ المصانعِ والحقولِ/ کمیاه نهرٍ هائجٍ یَتدفقون/ ویهتفون:/ بموتِ سفاکی الدماءِ/ وسقوطِ صُناعِ الظَلامِ.» (البیاتی، 2008م: ١/۳٢٠) البیاتی یؤمن بالغد ویری أنَّ الحیاة تنبثق من الماضی ویذهب إلی أنَّ الحیاة أغنیة جمیلة یتغنی بها الشعب: «یا إخوتی: الحیاة/ أغنیة جمیلة، مطلعها الدموع والأحزان.» (م.ن: 1/218) البیاتی یری أنَّ الإنسان سید مصیره وفی نهایة المطاف هو یثور علی سفاکی الدماء ویعاقبهم والغد الأفضل أمامه. کتب البیاتی قصائد کثیرة إلی کبار ثوار العالم فی عصره. منها قصیدة "سبع سنابل" من دیوان "عشرون قصیدة من برلین" التی أهداها إلی "تیلمان" من ثوار الحرکة الیساریة: «سنابلُ سبعٍ مِن الیونانِ/ مِن أمِّ دیمتروفِ/ مِن صوفیا/ ومِن أطفالِ کردستانَ/ حمّلتُها إلیک، یا رفیقَنا/ تیلمانُ/ المجدُ للإنسانِ/ لعالمٍ یُولَدُ تحتَ الرأیةِ الحمراءَ/ تحتَ رأیةِ العمالِ/ یا رفیقَنا تیلمانُ/المجدُ للبحرِ والرُّبانِ/ فانهض/ فإنّ الحُبَ والأغانیَ/ والخبزَ للجمیعِ/ فی بلادِک الخضراءَ.» (المصدر نفسه: ۱/330 و329) ظهرت مرجعیات ثقافة شعره کثیرة فمنها بصورة قصائدة مهداة لهم ومنها قصائد معنونة باسمهم وهذه الأمور تبرهن علی سعة وشمولیة ثقافته وتنوع مطالعاته وینابیع إیحاءاته. وفی قصیدة "إلی غابریل بیری وعمال مارسیلیا الصغار" من دیوان "المجد للأطفال والزیتون" یمجد الشاعر ثوار (مارسیلیا) العمال و(غابریل) قائلاً: «غابریلُ یا عبقَ الربیعِ ویا نشیدَ الثائرینَ/ مازلتُ أذکرُ وجهَک الصافیَ العمیقَ/ وقد تخضبُ بالدماء/ مازلتُ أذکرُ صمتَ مرسیلیا المریرَ/ ولربَّما یوماً سیقتلنی البرابرةَ اللئامَ/ ویظلُّ مِن بعدی وبعدک سائرینَ/ عمالُ مرسیلیا الصغارُ/ نحو الغدِ النائی القریبِ.» (المصدر نفسه: ۱/٢24 و323) البیاتی یعتقد أنَّ الشاعر یجب علیه ارتباط بجمیع ثورات العالم قائلاً: «لأنَّ ثورات العالم حلقات متّصلة ولیس آخر ثورة فی هذا العصر أو ذاک هی آخر ثورة فی العالم. والشاعر لایرتبط بثورة عصره وبلاده فقط وإنَّما بثورات کلّ العصور وکلّ البلدان، لأنَّ روح الثورة تحلّ فی الحیاة وتنتصر علی الموت وتحلّ فی الأشیاء فتمنحها الحیاة.» (البیاتی، 1972م : 78) قصیدة "إلی مالک الحداد" من دیوان "النار والکلمات" تدلّ علی إیمان الشاعر بدور الثورة العملاقة وحتمیة الانتصار: «الثورةُ العِملاقةُ/ الفکرةُ الخلاّقةُ/ تَجرِفُ فی طریقِها المسوخَ والطبولَ/ تَحرثُ فی إعصارِها الحقولَ/ تُعیدُ صنعَ الرائعِ النَّبیلِ/ تمنحُ للممثلِ القتیلِ/ دماً جدیداً، مسرحاً جدیداً/ تنفحُ فی قصائدِ الجلیدِ/ حرارةَ الخلقِ، تُعیدُ خلقَها، تُعیدُ.» (البیاتی، 2008م: ١/۵٠٦) یری البیاتی أنَّ الثورة تغسل کل معوقات أمامها وتخلق ظواهر جدیدة. هو یعتقد أنَّ الحل الوحید أمام الشعب للتخلص من أدران الاستعمار وأذنابه هو الثورة. فی قصیدة "الشعر والثورة" من دیوان "کلمات لاتموت" یشیر الشاعر إلی وظیفة الشعر الثائر ویعلن أنَّه ذاهب لکی یقرع أجراس الثورة ویشعل النار الثورة: یا شعرُ حطّم هذه الأوثانَ/ وإقتحم الخطوبَ/ وتعال نرتاد البحارَ/ ونجتلی نجمَ الشعوبِ/ أنا ذاهبٌ کی أقرعَ الأجراسِ/ کی أطأَ اللهیبَ.» (المصدر نفسه: ١/۳۵۹) هذا الشعر یبرهن علی أنَّ الفنان "الشاعر" مسؤول تجاه الآخرین وهذا الأمر منبثق من إیمان الشاعر بالوظیفة الحقیقیة کعنصر ثوری من فئة الملتزمین. وأیضاً فی هذه القصیدة، کان البیاتی یری أنَّ وظیفة الشعر الملتزم الثوری أن یحطم الشعر الکذوب الذی مدح السلاطین الغزاة: «الشعرُ أعذبُه الکذوبُ/ کانوا حذاءً للسلاطینَ الغزاةِ/ بلا قلوبٍ/ یا شعرُ حطِّم هذه الأوثانَ/ واقتحم الخطوبَ/ وتعال نرتاد البحارَ.» (المصدر نفسه: 1/359) إنَّ البیاتی أثناء قصائده یلجأ إلی استخدام الأساطیر منها اسطورة برومیثیوس - الإله الجبار الذی سرق النار من الآلهة لیفید منها البشر- ویجعله الشاعر رمزاً للإنسان الثائر المتمرد الذی یبحث عن الحریة. ففی قصیدة "سیرة ذاتیة لسارق النار"، جاءت الأسطورة لتنقذ اللغة من الشعراء الذین یزخرفون الکلمة ویزیفون الحقائق فی عصر الثورات: «اللغةُ الصلعاءُ کانت تصنعُ البیانَ والبدیعَ/ فوقَ رأسِها باروکةٌ/ ترتدی الجناسَ والطباقَ فی أروقةِ الملوکِ/ فی عصرِ الفضاءِ -السفنِ الکونیةِ- الثوراتُ/ وشعراءُ الحِلمِ المأجورِ فی الأبراجِ کانوا بالمساحیقِ/ وبالدهانِ یخفونَ شُحوبَ ربةِ الشعرِ التی تَشیخُ/ الخصیانُ کانوا یمدحونَ الخدمَ- الملوکُ فی الأقفاصِ/ کان سارقُ النارِ مع الفصولِ یأتی/ حاملاً وصیةَ الأزمنةِ-الأنهارِ/ یأتی رائیاً:/ یَهجسُ- فی سباقِ خیلِ البشرِالفانینَ، فی توهجِ الأرضِ/ التی حلَّ بها.» (المصدر نفسه: ٢/۳۴۷-۳۴٨) یذهب البیاتی إلی أنَّ مهمة الشاعر هی أن یقرع اجراس الثورة لیوقظ شعبه الغافی ویشعل نار الثورة ویخوض غمار اللهب. لقد نقل البیاتی موضوع الثورة إلى أفق جدید ووظّف الأساطیر والرموز للتعبیر عن الأفکار الثوریة وحرکة المجتمعات بصورة جدیدة. عبّرت عن روح المرحلة وراح التجدید الحقیقی فی الشعر العراقی وهو نفسه النزوع إلى الثورة مقنعاً بالحب مختبئاً خلف أقنعة الأسطورة یقول فی قصیدة "الهجرة إلى الذات" من دیوان بستان عائشة قائلا: «وحین عبرتُ الخطَ الأحمرَ للدنیا/ لمعتُ فی عتمةَ نفسی شاراتِ ضیاءٍ/ وحوارَ مابین الأحیاءِ الموتى/ والموتى الأحیاءُ/ سکنت روحی فی الکلماتِ/ نهراً قدّسه رمزٌ کونی/ صار الوجهُ الآخرُ للدنیا/ صار الإشراقُ/ ظهرَ الوجهِ الخالدِ للحبِ/ انتصر الإبداعُ/ قامت مدنٌ بشروطِ الفنِ یکافحُ فیها/ الشعراءُ من أجلِ خلاصِ الإنسانِ.» (المصدر نفسه: 2/564) فهو یؤمن أنَّ الشعر رسالة یحملها الشعراء تسعى لخلاص الإنسان یتوحدون معها لتشرق أرواحهم مع إشراقة الخلاص المنشود. الشاعر فی قصیدة "عین الشمس" من دیوان "قصائد حب علی بوابات العالم السبع" یطالب بالوقوف أمام الظلم ویحض للثورة:«مَن یُوقفُ النزیفَ؟/ وکلُّ ما نحبُّه یرحلُ أو یموتُ/ یا سفنَ الصمتِ ویا دفاترَ الماءِ وقبضِ الریحِ/ موعدُنا ولادةٌ أخری وعصرُ قادمٍ جدیدٍ/ یسقطُ عن وجهی وعن وجهِک فیه الظلُّ والقناعُ/ وتسقطُ الأسوارُ.»(المصدر نفسه: ٢/٢٢۹) ففی قصیدة "صورة تقریبیة لبورجوازی صغیر یقرض الشعر" من دیوان "یومیات سیاسی محترف" یذم ّ الشاعر أعداء الحریة والثورة؛ فیأخذ من الإمام حسین (ع) رمزاً للثائر الحیّ الشهید ویکشف عن جنایة المنافقین وهم یبکون علیه بعدما قتلوه: «رأیتُه یبکی علی الحسین/ ویَطعنُ الحسینَ/ فی کربلاء طعنةُ الجبانِ فی العینینِ/ یُقبّلُ الیدَ تصفُه لقاء َلیرتینِ.» (المصدر نفسه: ١/۳١١) الدعوة إلی الحریة إنَّ الشاعر فی قصیدة "مذکرات رجل مسلول" من دیوان "المجد للأطفال والزیتون" دعا إلی الحریة والحیاة من أجل غد الإنسان آملاً بعالم جدید قائلاً: «إنِّی لأومنَ فی غدِ الإنسانِ، فی نهرِ الحیاةِ/ فلسوفَ یکتَسِحُ التفاهاتَ الصغیرةَ والسدودَ/ وسوفَ ینتصرُ الغداةَ/ إنسانُ عالمِنا الجدیدُ/ علی المذابحِ والخرائبِ والوباءَ/ إنِّی لأومنَ/ رغمَ مَوتی فی المساءِ/ إنِّی لأومنَ، أیُّها الموتُ العنیدُ/ بالفکرِ یعمرُ أرضَنا الذهبیةَ الخضراءَ، بالفکرِ الجدیدِ.» (المصدر نفسه: ١/٢۳۴) إنَّ البیاتی یحب الإنسان ومن أجله یحب الحیاة ویکره الموت وهکذا انطلق من خلال شعوره بوحدة انسانیة شاملة یدعو إلی الحیاة وإلی اقتحام وسط الشعب الذی یقاتل من أجل غد أفضل للإنسان. إنَّ الشاعر فی قصیدة "اللیل فی کل مکان" من دیوان "الذی یأتی ولا یأتی" یبحث عن سبیل التحرر ویدعو إلی الحریة: «عدیدةُ أسلابِ هذا اللیلِ فی المغارةِ/ جماجمُ الموتی، کتابٌ أصفرُ، قیثارةٌ/ نقشٌ علی الحائطِ، طیرٌ میتٌ، عبارةٌ/ مکتوبةٌ بالدمِ فوقَ هذه الحجارةِ/ الساسةُ المحترفون ورجالُ المالِ والملوکِ/ سادةُ هذا العالمِ المنهوکِ/ اللیلُ فی کلِّ مکانٍ، وأنا أنتظرُ الإشارةَ/ أیُّتها المحارةُ/ تکسری، تطایری، تقمصی العبارةَ/ واندلعی شرارةً.» (المصدر نفسه: ٢/٨۷-٨٨) «یری الشاعر کل ما حوله سادته ظلمة ودمس والحل الوحید لخلاص من هذااللیل الأسود بالثورة. إنَّ الإنسان إذا کان مکتوفی الأیدی فقد کان مصیره الموت وبقی منه جماجمه لجیل الغد. إنَّ الفقر والقهر الاجتماعی هما المحرک الأساسی للثورات الاجتماعیة وانطلاقا من هذا یتمرد علیها کظواهر غیر انسانیة مقیتة ولاسبیل لغلبة علیها إلا بتحقیق الحریة التی یتعثر منها الإنسان علی التحرر والانتقاء. الحریة لدی البیاتی هی أساس إیدئولوجیته الفکریة. إنَّ علی الإنسان أن یتحرر أولاً وبعدها سوف یتمکن من أن یحقق لنفسه وللآخرین أمل الإنسانیة فی الدفء والخصوبة.» (الورقی، 1984م: 248) إنّ البیاتی إذا استحضر صوت المعری أو المتنبی أو الخیام ولجأ إلی قناع هؤلاء الشعراء والکتاب فهو یرید أن تصبح هذه الشخصیات صوتاً من خلال البعد التاریخی وتأکید صمودهم تجاه الهزیمة وأن یثبت دور الکلمة أمام ظالمین التاریخ لنیل إلی الحریة ولهذا ینشد باستدعاء المعری قائلاً: «یا رهینَ المحبسینَ/ قم ترَ الأرضَ تُغنی، والسماءُ/ وردةٌ حمراءُ والریحُ غناءُ/ قم ترَ الأفقَ مشاعلَ/ وملایینُ المساکینِ تقاتلُ/ فی الدُّجی من أجل أن تطلع الشمس.» (البیاتی، 2008م: 1/268) «للبیاتی قدرة فائقة علی تصویر الواقع الإنسانی فی أشعاره والتعبیر عن ثقته بالحریة ویستهوی متلقیه بما فیه من نبرة متوقدة من الحب والأمل والحنان.» (الجیوسی، 2001م: 73) فینشد قائلاً: «الشمسُ فی مدینتی/ تشرقُ والأجراس/ تُقرَعُ للأبطال/ فاستیقظی حبیبتی/ فإنَّنا أحرار...» (البیاتی، 2008م: 1/382).
الرفض والتمرد ربّما تخطر علی بالنا ما علاقة التمرد والرفض بالالتزام؟ فنجیب بأن ظهر ونشأ الموقف الذی تضمنه مفهوم الواقعیة وهو أساس الالتزام منبثق من التمرد والرفض والثورة علی الواقع الاجتماعی والإنسانی. نجد شاعر التمرد والثورة فی قصیدته "عن الموت والثورة" یخاطب التاریخ والزمن ویبشر بعالم الغد الآتی من موقف ثائر. والإیمان بالتغییر واضح فی أبیات هذه القصیدة: «أیتُّها العلامةُ/ یا قدرَ التاریخِ والمصیرِ للوجودِ/ الموتُ فی الزمانِ/ فی داخلِ الإنسانِ/ یأتی لبعثِ الجنةِ المفقودةِ/ فی هذه الحیاةِ/ علامةُ الثورةِ فوقَ السمِ والشرورِ/ فهی عبورٌ مِن خلالِ الموتِ/ وصیحةٌ عَبرَ جدارِ الصوتِ.» (المصدر نفسه: ٢/١۵5-152) أن تأمل مغزى هذه الکلمات یفضی إلى استکناه الطرقة الجمیلة التی یوظف فیها الشاعر الموت لیصب فی الهدف الخاص الذی یرمی إلیه وهو یؤکد فکرة العبودیة التی ستزول لامحالة بفضل النضال والصبر والثبات کما أنَّ مغزى البیتین الأخیرین یؤکد مکانة الشاعر فی استنهاض الهمم وبذر الثورة فی النفوس وقیادة الجموع لتحقیق الغایة الکبرى المتمثلة بالخلاص. وفی قصیدة "سأنصب لک خیمة فی الحدائق الطاغوریة" من دیوان "کتاب البحر" یتمرد الشاعر علی المدن الخائنة، تمرداً إیجابیاً لتغییر الواقع. وهو ینشد قیم الثورة ویحلم بالمدینة الفاضلة: «الطفلُ والعاشقُ فی وجهه الـ/ آخر یرثی المدنَ الخائنةَ/ یفرُّ مِن جحیمِها ثائراً/ ممارساً طقوسَه الباطنةَ/ مدمّراً حیاتَه حالماً/ بالمدنِ الفاضلةِ العاشقةِ/ منتظراً غزالةَ البحرِ والـ/ مراکبَ البیضاءَ والصاعقةَ.»(المصدر نفسه: ٢/۳٢۴) الشاعر یصور فی عالمه المجنح، المدینة الفاضلة التی تکتظ بالمراکب البیضاء والثورة ونجد الثورة والتغیر من آهم مقومات تمرده ورفضه. الشاعر فی مواقف الثورة والتمرد یصور السندباد ثائراً، منها فی قصیدة "الجرادة الذهبیة" من دیوان "الموت فی الحیاة" التی ینشد: «لعلّ السندبادَ/ یشعلُ فی صیحتِه جزائرَ الهندِ وأرخبیلَ بحرِ الرومِ/ یحملُ فی مرکبِه للألمِ المغلوبةِ البشارةَ/ وعشبَه ونارَه/ إلی الذین دفنوا أحیاءَ فی المغارةِ/ وقاتلوا مَعَ الملایینِ التی تئنُ فی أغلالِها ووقعوا فی الأسرِ/ وأعدمُوا فی الفجرِ/ وهم یغنون أغانی النصرِ.» (المصدر نفسه : ٢/١۷١) الشاعر فی قصیدة "عین الشمس" من دیوان "قصائد حب علی بوابات العالم السبع" یرید من الشعب تواصل الثورة والتمرد قائلاً:«أیتُّهاالأرضُ التی تعفنت فیها لحومُ الخیلِ والنساءِ/ وجثثُ الأفکارِ/ أیُّتها السنابلُ العجفاءُ/ هذا أوانَ الموتِ والحصادِ/ قریبةَ دمشقَ/ مَن یوقفُ النزیفَ فی ذاکرةِ المحکومِ بالإعدامِ قبلَ الشنقِ؟/ ویرتدی عباءةَ الولیّ والشهیدِ؟/ ویصلّی مثلی بنارِ الشوق؟.» (المصدر نفسه: ٢/228و227) فی قصیدة "الجرادة الذهبیة" من دیوان "الموت فی الحیاة" یندد بحکام وملوک الشرق وفیها نری استدعاء شهرزاد: «رأیتُ فی مزابلِ الشرقِ وفی أسواقِه الملوکَ/ عادوا بتیجانِ مِن الورقِ/ مِن رحلةِ الضیاعِ والقلقِ/ وحالمین یحرثُون البحرَ/ فی طلوعِ الفجرِ/ رأیتُ شهرزادَ/ جاریةً فی مدنِ الرمادِ/ تُباعُ فی المزادِ/ رأیتُ بؤسَ الشرقِ.»(المصدر نفسه: ٢/١۷٢) یتحدث البیاتی فی کتاب "کنت أشکو إلی الحجر" عن تمرده قائلاً: «أوکد هنا أنَّ التمرد قد وُلد فی داخلی مع صرختی الأولی وأنا فی ید القابلة ...کل ما هنالک هو وجه البؤس الإنسانی ونار التمرد التی کانت تتّقد فی داخلی.» (البیاتی، 1993م : 43) البیاتی لایری الإبداع إلا تمرداً وثورة :«الإبداع هو تمرد وثورة تمنح الانسان الوعی الکامل والإحساس وبقدره ومصیره بشرط الإبداع.» (المصدر نفسه: 82) قضیة فلسطین إنَّ البیاتی إضافة علی استخدام الأساطیر، استدعی الشخصیات التراثیة لإنجاز رسالته الشعریة. ففی قصیدة "الجرادة الذهبیة" من دیوان "الموت فی الحیاة" التی أهداها لللاجئین الفلسطینین، یمزج بین الموروث التاریخی "صلاحالدین الأیوبی" ومعاناة الإنسان فی عصره. فیتکلم عن معاناة اللاجئین ویصورهم بانتظار خیل صلاحالدین. فیبدأ بالألم المغلوبة منذ زمن المغول ویمجد ثوار الفیتنام قائلاً: «أبعث حیاً بعدَ ألفِ عامٍ/ فی ساحةِ الإعدامِ/ وفی خیامِ اللاجئینَ ومقاهی مدنِ العالمِ دونَ وطنٍ أو بیتٍ/ نجوتُ من مذابحِ المغولِ/عبرتُ ألفَ سورٍ/ رأیتُ فی مزابلِ الشرقِ وفی أسواقِه الملوکَ/ عادوا بتیجانِ من الورقِ/ من رحلةِ الضیاعِ والقلقِ/ وحالمینَ یحرثونَ البحرَ/ فی طلوعِ الفجرِ/ رأیتُ بؤسَ الشرقِ/ ونجمةَ المیلادِ فی دمشقِ/ رأیتُ مجدَ فقراءِ الأرضِ فی الفیتنامِ/ وفی خیامِ اللاجئینَ سیدَ الآلامِ/ منتظراً خیل َصلاحِالدین/ وصیحةِ الفرسانِ فی حِطینَ.»(البیاتی، 2008م: ٢/١72-169) وأیضاً فی قصیدة "العرب اللاجئون" من دیوان "النار والکلمات" یشیر الشاعر إلی معاناة اللاجئ الفلسطینی وخیانة الحکام العرب الذین باعوا صلاحالدین وقبور اللاجئین: «یا مَن یدقُّ البابَ/ نحنُ اللاجئینَ/ مِتنا/ وما یافا سوی إعلانِ لیمونٍ/ فلا تقلق عظامَ المیتینَ/ باعوا صلاحَالدین/ باعوا درعَه وحصانَه/ باعوا قبورَ اللاجئینَ.» (المصدر نفسه: ١ /۴۴1و440) إنَّ البیاتی فی نفس القصیدة استدعی شخصیة أخری من التراث الشعبی لتعبیر عن الواقع الحزین الذی إتجه نحو العرب اللاجئین؛ فیصورهم بزیّ السندباد قائلاً: «مَن یشتری؟- اللهُ یَرحمکُم/ ویَرحمُ أجمعینَ/ آباءَکم، یا محسنون/ اللاجئ العربی والإنسان والحرف المبین/ برغیفِ خبزٍ/ إنَّ أعراقی تجفُّ وتَضحکون/ السندبادُ أنا/ کنوزی فی قلوبِ صغارِکم/ السندبادُ بزی شحاذٍ حزین/ اللاجئُ العربی شحاذٌ علی أبوابِکم/ عارٍ عطین/ النمل ُیأکلُ لحمَه/ وطیورُ جارحةُ السنینَ.» (المصدر نفسه: ١/۴۴١) البیاتی رفض الالتزام السیاسی وظل منحازاً إلی الالتزام الإنسانی، إذ أنَّه یری أنَّ اصحاب السیاسة لایقتصرون علی الإشادة بأنفسهم عن طریق أشعار الشعراء واکتظاظ سجون المستبدین -نحو استالین شاهد علی ذلک- بالشعراء بل أرادوا أن یجعلوا الشعراء أتباعاً لایفکّرون وأبواقاً لنیاتهم السیئة ولایکتبون إلا ما یملون علیهم. الالتزام الاجتماعی الأوضاع الاجتماعیة[2] لاشکّ فی أنَّ قیمة الشعر تنطلق من طریقة تعاطیه مع موضوعات الاجتماعیة للحیاة ولاسیَّما الموضوعات المصیریة فی حیاة الإنسان ومن الطبیعی أنَّ موضوع الإنسان بکامل جوانبه موضوع حیوی یتسع کما قلنا سابقاً إلى أبعاد أعمق من مجرد کونه نشاطاً له أهدافه المتنوعة. الأدیب، إنسان یعیش ضمن مجموعة من البشر یتبادل معهم التأثر والتأثیر ویشارکهم الهموم والتطلعات، فهو لا یعیش فی فراغ زمانی أو مکانی. ولکنَّه یعیش ضمن مجتمع حی متحرک یهدف إلى التطور والتقدم نحو الأفضل، کما یهدف إلى معالجة قضایاه الاجتماعیة التی تقف عائقاً فی طریق هذا التحرک المستمر والمتجدد؛ فهو یتأثر بکل اهتزازات الذبذبة الإنسانیة سلباً وإیجاباً، ویتأثر بکل ألوان الطیف الحیاتی التی تنسکب فی وعاء وجوده کإنسان یمثل طبیعة الوجود، وهو کإنسان تاریخیّ یجب أن یرسم الطریق للأجیال الحاضرة والقادمة عبر أدبه الإنسانیّ الثر. «للشعر وظیفة واحدة هی الدفاع عن إنسانیة الإنسان فی هذا العالم.» (عباس، 1978م: 160) کما سبقنا أنَّ الالتزام هو الجانب الإیجابی من علاقة متبادلة بین الشاعر والمجتمع وهی لیست علاقة أخذ وعطاء ولاعلاقة انصهار أو ذوبان إنَّما هی علاقة تطابق. إحدی طرق البیاتی التجأ إلیها للتعبیر عن القضایا الاجتماعیة هی الأسطورة وأبطال الأسطوریین واختار هؤلاء الأبطال من الشخصیات الثوریة فی التاریخ نحو: الحلاج والمعری والخیام والمتنبی وغیرها من الشخصیات ویتوخّی من خلال هولاء الأبطال، أن یعبر عن أزمة إنسانیة عامة من أجل الحیاة ضد قوی الشر والموت ولهذا ینشد فی قصیدة "عذاب الحلاج" بالتقاء البشریة بعضها بعضاً وإحتضانهم بعد أنَّ حال دونهم قوی الشر وقطعوا أوصال جسمه وأحرقوها: «موعدُنا الحشرَ، فلا تداعبی قیثارةَ الجسدْ/ أوصالُ جسمی أصبحت سماد/ فی غابةِ الرمادْ/ ستکبرُ الغابةُ یا معانقی/ وعاشقی/ ستکبرُ الأشجارُ/ سنلتقی بعد غدٍ فی هیکلِ الأنوار.» (البیاتی، 2008م: 2/19) البیاتی یؤمن بإنسانیة الإنسان ولهذا یدافع عنه لأنَّه یری أنَّ للإنسان القیمة الوحیدة فی هذا الکون هو یبشر بنمو بذرة شجرة الحب والحریة. إنَّ إرادة التغییر وعوامل التخلف والقهر جعلتا البیاتی أن یتمسک فی أعماله الشعریة بموقف الحریة الإجتماعیة کوسیلة لإستمرار فعالیة الوجود الإنسانی. وفی قصیدة "رحلة حول الکلمات" من دیوان "سفر الفقر والثورة" یتکلم البیاتی عن المأساة والکآبة الإنسانیة قائلاً: «ما أوحش اللیل إذا ما انطفأ المصباح/ وأکلت خبز الجیاع الکادحین زمر الذئاب/ وصائدو الذباب/ وخربت حدیقة الصباح/ السحب السوداء والأمطار والریاح.»(المصدر نفسه: ٢/١١) ففی قصیدة "اعتذار من خطبة قصیرة" من دیوان "النار والکلمات" یعبر الشاعر عن مدی إنزعاجه من الخیانات والأکاذیب: «الشموع انطفأت/ واللیالی بردت/ وأنا أحمل قلبی فی حقیبة/ مثل طفل میت، أغرق بالدمع صلیبه/ عبر آلاف الخیانات وآلاف الأکاذیب الحقیرة/ إنَّ روحی تختنق/ بین آلاف الخیانات وآلاف الأکاذیب الحقیرة/ فوداعاً/ سیداتی وسادتی.»(المصدر نفسه: ١/۴٢8و427) البیاتی فی قصیدة "سفر الفقر والثورة" من نفس المجموعة، للتعبیر عن الثورة علی الظلم والفقر، استدعی عبارة الإمام علی (ع): "لو کان الفقر لقتلته": «مِن القاعِ أُنادیک/ لسانی جفَّ واحترقت/أهذا أنتَ یا فقری،/ بلا وجهٍ، بلا وطنٍ/أتترکنی؟/ صغاراً آه قد کنا، وقد کان.../ لو أنَّ الفقرَ إنسانٌ/ إذن لقتلته وشربت من دمه/ لو أنَّ الفقرَ إنسانٌ.» (المصدر نفسه: ٢/۴۳) أیضاً فی قصیدة "المرتزقة" من دیوان "عیون الکلاب المیتة" استدعی البیاتی قول الإمام علی (ع) وذلک فی خطبته الشهیرة "الجهاد": «یا أشباه الرجال ولا رجال ویا أحلام الأطفال وعقول ربات الحجال... .» استمد الشاعر منه لبیان حال الحکام: «آه مِن عصرِ الممالیکِ الجدیدِ/ ومِن الصمتِ/ ومِن بوقاتِ اشباهِ الرجالِ المیتین/ مِن کهوفِ العالمِ السفلی.»(المصدر نفسه: ٢/١١۵). ویتکلّم الشاعر فی قصیدة "الأعداء" عن ضغط الحکام للأدباء والشعراء السوفیاتین فی موسکو وأیضاً عن تجار الکلمات قائلاً: «مَن أسکت صیحاتِ الشعراءِ/ مَن یبکی/ مَن مات؟/ قبض الریح/ فأنثر أزهارَک فی الریحِ/ وأصمد فی وجهِ الریحِ/ وأصفع تجارَ الکلماتِ/ العورَالأقزامَ/ سَقطَ متاعَ الأیامِ.» (المصدر نفسه: ١/۴۴۵) وفی قصیدة "الصحف الصفراء" یفضح الشاعر دور الصحف فی تلک الظروف: «الصحفُ الصفراءُ فی زمانِنا/ توزّعَ الألقابَ/ تلثمُ أیدی القاتلینَ/ تمسحُ الأعتابُ/ أبطالَها مزیفوا النقودَ والتاریخَ والأفکارَ/ ولاعبوا الحبالِ والمهرجونِ کاتموا الأسرارِ/ وجوقةُ الأوغادِ والأشرارِ.» (المصدر نفسه: ١/۴۷٨) فعالج البیاتی مشکلة المدینة، ولیست مشکلة المدینة فی أشعاره مشکلة سکانیة ولا عمرانیة بل تعبیر عن إحساس الشاعر بالضیق والاختناق، وشوقه الی الحریة والانطلاق. ففی قصیدة "ذکریات الطفولة" من دیوان "أباریق مهشمة" یعبر عن هذا الاختناق والظلام:«بالأمس کُنا، آه مَن کُنا: ومِن أمسَ یکون/ نعدو وراء ظلالِنا...کُنا، ومِن أمس یکونُ/ لا نرهبُ الصمتَ الذی تضفیه أشباحُ الغروبِ/ فوقَ الحدائقِ والغروبِ/ کانت مدائنُنا الجدیدةُ فی الظلامِ/ بمنازلِ الأمواتِ أشبه أو قری/ کانت مدائنُنا تُقام/ وفی الظلامِ/ کُنَّا نحدقُ فی الفراقِ، ولا ننامُ/بَعدَ المساء، وبَعد حینٍ/ وتثورُ أحقادُ السنینَ/ فنعودُ نبحثُ فی بقایا الذکریاتِ عن الحیاةِ.»(المصدر نفسه: ١/١۷2و171) فی قصیدة "المدینة" من دیوان "عیون الکلاب المیتة" یعبر البیاتی عن فرق الشاسع بین الفقراء والأغنیاء وعن تدمیر روح العصر. ویری الشاعر الإنسان یباع فی واجهة المخاذن، فیصرخ بوجه الساسة واللصوص، ویندد بعجز الإنسان الذی فقد إنسانیته: «وعندما تعرت المدینةُ/ رأیتُ فی عیوِنها الحزینةِ/ مباذلَ الساسةِ واللصوصِ والبیاذقِ/ رأیتُ فی عیونِها الطفولةِ الیتیمةِ/ ضائعةً تبحثُ فی المزابلِ/ عَن عظمةٍ/ عَن قمرٍ یموتُ/ فوق جثثِ المنازلِ/ رأیتُ الإنسانَ الغدَ المعروضَ فی واجهةِ المخاذنِ/ وقطعَ النقودِ والمداخنَ/ مجللاً بالحزنِ والسوادِ/ مُکبلاً یبصقُ فی عیونِه الشرطئَ/ واللوطئَ/ والقوادَ/ رأیتُ فی عیونِها الحزینةِ/ حدائقَ الرمادِ.» (المصدر نفسه: 2/104و103) إنَّ فی قصیدة "سوق القریة" من دیوان "أباریق مهشمة" وجد البیاتی فی القریة مکاناً نموذجیاً للتمثیل على الظلم والفقر وبؤس البشر والفکرة الاجتماعیة وفیه من مفردات ذات دلالات بالظلم والفقر والتخلف والألم البشری: «الشمسُ، الحمرُ الهزیلةُ، والذبابُ/ وحذاءُ جندیٍّ قدیمٍ/ یتداولُ الأیدی، وفلاحٌ یحدقُ فی الفراغِ/ فی المطلعِ العامِ الجدیدِ/ یدای تمتلئان حتماً بالنقودِ/ وسأشتری هذا الحذاء.../ مِن جنةِ الفردوسِ أقربُ والذبابُ/ والحاصدون المتعبون/ زرعوا، ولم نأکل/ ونزرع، صاغرین، فیأکلون.» (المصدر نفسه: ١/١۴٨) الالتزام الدینی «ویرجح بعض الدارسین أنَّ الفن نشأ فی أحضان العقیدة الدینیة، ولیس هناک فنان معروف لم یصدر عن عقیدة، والعقیدة هی التعبیر القدیم عمّا نسمیه الیوم بالأیدیولوجیة فالأیدیولوجیة عقیدة، وکل ما فی الأمر أنَّ کلمة عقیدة ارتبطت فی أذهاننا خلال التاریخ بالعقیدة الدینیة.» (إسماعیل، 1985م: 38) «والالتزام فی مفهومه الحدیث، هو اتخاذ موقف فی النزعات السیاسیة والاجتماعیة معبراً عن أیدیولوجیة طبقة ما أو حزب أو نزعة أی: عقیدة تلک الطبقة أو الحزب أو النزعة وهدف الالتزام إسهام الأدیب فی حل مشاکل المجتمع.» (ابوحاقة، 1979م: 13). استفاد البیاتی فی قصائده من المفردات التی یدل علی التزامه الدینی؛ ففی قصیدة "صورة تقریبیة لبورجوازی صغیر یقرض الشعر" من دیوان "یومیات سیاسی محترف" یأخذ من الحسین (ع) رمزاً للثائر الحیّ الشهید ویکشف عن جنایة المنافقین وهم یبکون علیه بعدما قتلوه: «رأیته یبکی علی الحسین/ ویطعن الحسین/ فی کربلاء طعنة الجبان فی العینین/ یقبّل الید تصفه لقاء لیرتین.» (البیاتی، 2008م: ۱/۳۱۱) البیاتی فی کثیر من قصائده تکلّم عن المبشّر الذی ینتظره منها فی قصیدة "شیء من ألف لیلة" من دیوان "الموت فی الحیاة" یقول: «کانت سماءُ القارةِ/ تنتظرُ البشارةَ/ ألفاً مِن السنینَ أو تزیدُ/ تحتَ رکامِ الورقِ المیتِ والجلیدِ/ أنتظر "الغائبَ" مِن دمشقَ/ یأتی علی جوادِه تحتَ حرابِ البرقِ/ مکتسحاً رکامَ هذا القبرِ/ ومشعلاً نیرانَه فی القفرِ.»(الدیوان، لاتا: ٢/١۷۷) الشاعر فی قصیدة "الموت" من دیوان "الذی یأتی ولا یأتی" استفاد آیات من القرآن کنایة بأفعال الحکام: «الثعلبُ العجوزُ/ یقرأُ فی کلِ اللغاتِ کتبَ الفلسفةِ الجوفاءِ/ یزیفُ النقودَ والأفکارَ/ یندسُ فی قلبِ المغنی، یقطعُ الأوتارَ/ یَذلُّ مَن یشاء/ یَعزُّ مَن یشاءُ.»(م.ن: ٢/٨۴) البیاتی فی قصیدة "قصائد حب إلی عشتار" من دیوان "الکتابة علی الطین" یشیر إلی الکعبة وفی جنبه یذکر کلمات المحراب والعبادة قائلاً: «مدنُ اللهِ فی الأرضِ بنیناها، بنینا کعبةَ عَبرَ البحارِ/ وتعبّدنا بمحرابِ النهار.» (المصدر نفسه: ٢/٢١١) وفی قصیدة "مجنون عائشة" من دیوان "قصائد حب علی بوابات العالم السبع" یجعل الکعبة فی ذهننا عندما یذکر کلمة الحجر الأسود: «خبأتُ وجهی بیدی/ رأیتُ/ عائشةَ تطوفُ حولَ الحجرِ الأسودِ فی أکفانِها/ وعندما نادیتُها هوت علی الأرضِ رماداً وأنا هویتُ/ وکتبتُ أسماءَنا جنباً الی جنبٍ علی لافتةِ الضریحِ.»(المصدر نفسه: ٢/٢۵٨) وأیضاً فی قصیدته "دیک الجن" یأتی بذکر الکلمات الجنة والجحیم قائلاً: «کانت طیورُ الجنةِ المفقودةِ/ تُوقظُ فی غنائِها طفولتی الشریدةُ/ غداً أمام اللهِ فی الجحیمِ أحطِّمُ الدمیةَ والقدحَ/ أتبعها عبر الممراتِ إلی الفراتِ.»(المصدر نفسه: ٢ / 160158) أو فی قصیدة "قصیدة الإغریقیة" من دیوان "قمر شیراز" یستحضر المسجد حین یذکر لفظ المحراب: «قالوا إنطق باسمِ الحُبِ/ وباسمِ اللهِ/ وتکلم واقرأ هذا اللوحَ المحفوظَ وراءَ المحرابِ.» (المصدر نفسه: ٢/۳۴٨) إنَّ البیاتی استفاد من اللفظ الدینی أی یوم القیامة فی قصائده المختلفة منها فی قصیدة "رسائل إلی الإمام الشافعی" من دیوان "قصائد حب من بوابات العالم السبع" الذی یقول: «رحلتُنا تمت دلیلی قالَ فالإسکندرُ الکبیرُ/غزا بلادَ فارسِ والهندِ/ قال دلیلی وبکی وخضلت لحیتُه الدموعَ/ وسقطت فوقَ زهورِ الأرضِ/ فأصبحت حمراءَ قال إنَّها علامةُ القیامةِ/ وشارةُ الإمامةِ.» (المصدر نفسه: ٢/٢۵٦) استفاد الشاعر من لفظ الصلاة ومشتقاتها أثناء قصائده؛ وفی "الموت فی غرناطة" هکذا ینشد: «أیَّتها العذراءُ/ ها أنا انتهیت/ ها أنا صلیتُ/ لعودة الغائبِ مِن منفاه/ جفَّت جذوری، قَطَعَ الحُطابُ/ رأسی وما استجابَ/ لهذه الصلاةِ.» (المصدر نفسه: ٢/١۴۴ -١۴۵) أو فی قصیدة "عین الشمس" یستخدم البیاتی من مشتق الصلاة قائلاً: «تملکتنی مثلما امتلکتُها تحت سماءِ الشرقِ/ وهبتُها ووهبتنی وردةٌ ونحنُ فی مملکةِ الرب نصلی فی انتظارِالبرق.» (المصدر نفسه: ٢/٢۴٠) کشف البیاتی فی سیرة کتبها عن موقفه الإیدئولوجی قائلا: «أنا تقدمی دون أن أکون مارکسیاً ومسلم عربی الإیدیولوجیا لاتفرض علیّ شروطها.» (البیاتی، 1999م: 11)
النتیجة - عبدالوهاب البیاتی هو الشاعر الملتزم فی عالم العرب المعاصر الذی یشارک هموم الشعوب المختلفة فی قضایاهم الاجتماعیة والسیاسیة ومواقفهم الوطنیة. البیاتی یری أنَّ الشعر فعال فی تنبیه الوعی والدفع نحو الثورة وانطلاقاً من هذا اتجه نحو الشعر وآمن بقدرته الخارقة وبأهمیة الکلمة ودورها فی التغییر إذا لم یکن سبیل آخر لإفاقة الشعب من نومه الطویل وللحیولة دون ظالم الظالمین. - إنَّ التزام البیاتی یتجسد فی ثلاثة مواضع؛ الالتزام السیاسی بمقوماته الثوریة والحریة والرفضیة والتمردیة، والالتزام الاجتماعی وکل هم البیاتی جُمع لإنشاد الشعر للنیل الی العدالة الاجتماعیة التی ضیعت والالتزام الدینی الذی یتجلی فی خواطره القدیمة. - إنَّه فی أدبه الملتزم یدعی الناس إلی الثورة والحریة والرفض والتمرد أمام السلطات الظالمة. - البیاتی یحض علی الثورة نحو الوضع الموجود وأیضاً الثورة نحو الشعرالکذوب. - الشاعر أثناء قصائده یعبر عن معاناة اللاجئ الفلسطینی ویندد الخیانة الحکام. - البیاتی فی تعبیر عن قضیة فلسطین یمزج بین التراث التاریخی ومعاناة اللاجئین. - إنَّه یعالج الأوضاع الاجتماعیة السائدة علی عصره ویعبر عن الفقر والاختناق فی المجتمع. - إنَّ البیاتی أثناء قصائده یلجأ إلی استخدام الأساطیر منها أسطورة برومیثیوس ویجعله رمزاً للإنسان الثائر المتمرد الذی یبحث عن الحریة. - إنَّه یستدعی الشخصیات التراثیة الثوریة لیعبر عن خلالها أزمة إنسانیة عامة من أجل الحیاة ضد قوی الموت. 1- «طبیعة الحیاة الأدبیة فی العراق لم تکن مستقلة آنذاک وأکثر الأدباء منذ الخمسینیات بدأوا یتوزعون مواقعهم فی الاستناد إلی القوی السیاسیة التقدمیة ومعروف أنَّ الیسار خلال هذه السنوات کان یزداد نفوذاً فی أوساط المثقفین. فالبیاتی لنشر أعماله ولأن ذاع صیته بحاجة إلی هذ النوع من الأعمال أی انحیاز إلی جهة لها النفوذ ومن شاعر بعید عن الحزبیة إلی محرّر فی مجلة "الثقافیة الجدیدة" المارکسیة التی کان یصدرها جماعة الشیوعیین.» (صالح، 1986م: 25) [2] - یکاد کل ماجاء فیما سبقناه من المقالة حول الالتزام السیاسی بشتی مقوماته یمثل جوانب من علاقة الشاعر بالمجتمع فلیس لدی عذر فی اختیار العنوان هنا إلا الرغبة فی الکشف عن سمات وقضایا أخری لم أتعرض لها من قبل. | ||
مراجع | ||
القرآن الکریم. ابنمنظور. (١۹۵۵م). لسان العرب. لاط. بیروت: دار صادر. أبوحاقة، أحمد. (١۹۷۹م). التزام فی الشعر العربی. بیروت: دار العلم للملایین. أرناؤوط، عبداللطیف. (2004م). عبدالوهاب البیاتی رحلة الشعر والحیاة. بیروت: مؤسسة المنارة. إسماعیل، عزالدین. (١۹٨۵م). الشعر فی إطار العصر الثوری. بیروت: دارالحداثة. أمین العالم، محمود. (لاتا). ملاحظات حول نظریة الأدب وعلاقتها بالثورة الاجتماعیة. لامک: دائرة النشاط الثقافی لوزارة التعلیم العالی والبحث العلمی الجزائریة. البیاتی، عبد الوهاب. (۱۹۷٢م). تجربتی الشعریة. بیروت: دار العودة. ـــــــــ.(1993م). کنت أشکو إلی الحجر "حوارات". الطبعة الأولی. بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر. ـــــــــ. (1994م). حرائق الشعراء. تقدیم محمد البطراوی. الطبعة الأولی. بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر . ـــــــــ. (1995م). الأعمال الشعریة. بیروت: المؤسسسة العربیة للدراسات والنشر. ـــــــــ. (1996م). مایبقی بعد الطوفان "آراء ، مختارات شعریة، سیرة وحوار". إعداد عدنان الصائغ ومحمّد ترکی النصار. الطبعة الأولی. لندن: نادی الکتاب العربی. ـــــــــ. (1998م). البحر بعید أسمعه یتنهّد. الطبعة الأولی. بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر. ـــــــــ. (1999م ). ینابیع الشمس السیرة الشعریة. الطبعة الأولی. دمشق: دار الفرقد. ـــــــــ. (1999م). تحولات عائشة. الطبعة الأولی. بیروت: دار الکنوز الادبیة. الجیوسی، سلمی الخضراء. (2001م). الإتجاهات والحرکات فی الشعر العربی الحدیث. الطبعة الأولی. بیروت: مرکز الدراسات الوحدة العربیة. خلیلجحا، میشال. (١۹۹۹م). الشعر العربی الحدیث من أحمد شوقی إلی درویش. الطبعة الأولی. بیروت: دار العودة. الخیاط، جلال. (١۹۷٠م). الشعر العراقی الحدیث. بیروت: دار صادر. سارتر، جان بول. (١۹٦۷م). الأدب الملتزم. جورج طرابیشی. بیروت: منشورات دارالآداب. شرف، عبدالعزیز. (1991م). الرؤیا الإبداعیة فی شعر عبدالوهاب البیاتی. الطبعة الأولی. بیروت: دار الجیل. صالح، مدنی. (1986م). هذا هوالبیاتی. الطبعة الأولی. بغداد: دار الشؤون الثقافیة العامة . الصبحی، محیی الدین. (١۹٨۷م). الرؤیا فی شعر البیاتی. الطبعة الأولی. بغداد: دار الشؤون الثقافیة. غنیمیهلال، محمد. (١۹۷۳م). النقد الأدبی الحدیث. القاهرة: دار الشعب. فوزی، ناهده. (١۳٨۳ش). عبدالوهاب البیاتی حیاته وشعره. الطبعة الأولی. طهران: انتشارات ثارالله. فیروزآبادی. (١۹٨۳م). القاموس المحیط. مجلد الرابع. الطبعة الرابعة. لامک: دار المأمون. الکبیسی، طراد. (لاتا). فی الشعر العراقی الجدید. بیروت: المکتبة العصریة. کرُّو، أبوالقاسم محمد. (2000م). عبدالوهاب البیاتی بین الذکریات والوثائق. الطبعة الأولی. تونس: دار المعارف. الماضی، شکریعزیز. (1986م). فی نظریة الأدب. الطبعة الأولی. بیروت: دار الحداثة. الورقی، السعید. (1984م). لغة الشعر العربی الحدیث. الطبعة الثالثة. بیروت: دار النهضة العربیة. وهبه، مجدی. (1974م). معجم مصطلحات الأدب. الطبعة الأولی. بیروت: مطبعة دار القلم. هدارة، محمدمصطفی. (١۴٠۵ق). التزام فی الأدب الإسلامی "من بحوث ندوة الأدب الإسلامی". لامک: لانا.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 4,987 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 9,652 |