تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,623 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,416,427 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,444,989 |
صورة الخلیفة فی شعر الأخطل | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 3، دوره 3، شماره 11، اسفند 1434، صفحه 87-59 اصل مقاله (285.8 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسنده | ||
محمد دوابشة | ||
أستاذ مشارک بالجامعة العربیة الأمریکیة، فلسطین. | ||
چکیده | ||
یرمی هذا البحث إلى إبراز صورة الخلیفة الأموی فی شعر الأخطل التغلبی– شاعر الأمویین– ویرکز على إبراز هذه الصورة بأبعادها کافة، التی أظهرها فی شعره وکررها بشکل لافت للنظر، فقد جاءت صورة الخلیفة فی شعر الأخطل من خلال ثلاث صور: - الصورة الدینیة. - الصورة السیاسیة. - الصورة التقلیدیة. جاءت الصورة العامة التی قدمها الأخطل للخلیفة ذات طابع دینی ممزوج بطابع سیاسی، من خلال بعض الحجج التی تحاول باطلا وعبثا إثبات حق الأمویین فی الخلافة، وقد اعتمد الباحث المنهج الوصفی التحلیلی فی هذا البحث لکونه أقرب المناهج لدراسة هذا الموضوع، کما استعان البحث أحیانا بالتاریخ لجلاء بعض الأحداث وتجلیة الجو الذی قیل فیه النص. | ||
کلیدواژهها | ||
الصورة؛ الخلیفة؛ الأخطل؛ الأموی | ||
اصل مقاله | ||
«الأخطل هو أبو مالک غیاث بن غوث بن الصلت بن الطارقة، ویقال سیحان بن عمرو بن الفدوکس بن عمرو بن مالک جشم بن بکر بن حبیب بن عمر بن عنم بن تغلب.» (الأصفهانی، 1997م: 8/417 )، «وهو نصرانی من أهل الجزیرة بالعراق، وهو فی الطبقة الأولى من الشعراء الإسلامیین مع جریر والفرزدق عند ابن سلام.» (ابن سلام، 1982م: 250) «وشعره یشبه شعر النابغة الذبیانی فی ما ذکر أبو عبیدة لصحة شعره.» (ابن قتیبة، 1964: 189) «ولا یعرف متى ولد بالضبط، والراجح أنه ولد حول سنة 20 للهجرة، وکانت ولادته فی الحیرة کما یذکر صاحب الأغانی.» )الأصفهانی، 1997م: 8/282) «والنصوص المتصلة بنشأة الأخطل قلیلة حتى عند الأصفهانی. ونلاحظ تناقضاً حول شخصیة الأخطل الدینیة عند الأصفهانی، فمرة یصفه بأنه کثیر الوقوع فی أعراض الناس.» (الأصفهانی، 1997م: 8/417)، «ومرة یصفه بأنه کان باراً بالکنیسة.» (الأصفهانی، 1997م: 8/310_313 )، وأرى أن الأخطل لم یکن بارا بالکنیسة، فوالده تزوج على أمه، وهذا ممنوع فی الدیانة المسیحیة– إلا لأسباب معینة - وبالتالی لم ینشأ الأخطل نشأة دینیة فی بیته، إضافة إلى مبالغته فی شرب الخمرة. «وکذلک وصفه أحد القساوسة بأنه فاسق ویشتم أعراض الناس، وسجن بسبب لسانه.» (الأصفهانی، 1997م: 8/437)، وأرى أنه لم یأخذ نصرانیته مأخذ الجد بفکر وثقة، ولکنه فطر علیها، وجرى فیها مجری التقلید لما علیه قبیلته تغلب. «وهو شاعر الأمویین بلا منازع وعصر عبد الملک یعد العصر الذهبی للأخطل، فقد نزل منه منزلة الشاعر الرسمی للدولة، آثره على جمیع معاصریه من الشعراء.» (ضیف، 1963م: 262) أما علاقته بالأمویین فقد بدأت بحادثة بعد انتهاء وقعة صفین، إذ شبب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاویة، فغضب أخوها یزید وشکا الأمر لأبیه، فبحث عن شاعر من أنصار بنی أمیة للرد على شاعر الأنصار، فلم یجد إلا کعب بن جعیل التغلبی، ولکنه کان قد دخل الإسلام ویخشى هجاء المسلمین، فقال لیزید أَوَ أَدُلُّـکَ على غلام منا نصرانی لایبالی أن یهجوهم، کأن لسانه لسان ثور، فدله على الأخطل، فقال فی هجاء الأنصار قصیدة، ومنها: ذَهَبَتْ قُرَیشٌ بِالمَکَارِمِ وَالعُلَى وَاللؤمُ تَحْتَ عَمَائِمِ الأَنْصَارِ فَذَرُوا المَکَارِمَ لَسْتـُم مِن أَهْلِهَا وَخُذُوا مَسَاحِیکُم بَنِی النَّجَارِ (دیوانه، 1979م: 483-484) کانت هذه الحادثة بدایة علاقة الأخطل بالأمویین وفتحت له بابا واسعا ولج منه إلى قصور بنی أمیة، حتى أصبح شاعرهم الخاص، وکانت الباب الواسع الذی دخل منه إلى البلاط الأموی. بینما خفت نجمه فی عهد الولید بن عبد الملک، إذ قرب شاعراً مسلماً آخر، وهو عَدِىّ بن الرِّقاع العَامِلِیّ، فی حین أصبح قریبا من یزید؛ لأن یزید کان یقرض الشعر ویقدر الشعراء، وکان شابا مندفعا مثل الأخطل، فوجد عنده صدى لشخصه، فقربه ونادمه، وصار له صدیقاً، فکان مطیعاً لیزید، وکان الأخطل یعنى بالحفاظ على هذه العلاقة التی تؤمن له الشهرة التی کان یحلم بها «ومن حینئذ أصبح الأخطل شاعر بنی أمیة یعیش فی بلاطهم وفی ظلالهم، وقد اتخذه یزید ندیماً له، فکان یرافقه ویلازمه حتى فی الحج إلى البیت الحرام.» (الأصفهانی، د.ت: 8/301). وکان من فضل هذه الصلة على الأخطل أن رحب به أمراء الأمویین وولاتهم، وفتحوا له أبواب قصورهم، فوفد إلیهم مادحاً مستثیباً، وأنتج فی صلته بهم إنتاجاً غزیراً، فاتصل ببشر بن مروان، وکاتبه عکرمة بن ربعی الفیاض، واتصل بخالد بن أسید وعبد الله بن سعید بن العاص، واتصل بهشام بن عبد الملک والولید بن عبد الملک وأبی بکر عبد العزیز بن مروان، وکذلک اتصل برجلین من رجال البیت السفیانی: هما عبد الله بن معاویة وخالد بن یزید، ولکنه کان فی عهد عبد الملک کثیر النشاط غزیر الإنتاج، علما أننا لا نظفر من شعره فی عبد الملک بغیر قصائد ثلاث (دیوانه، 1979م: 39، 192، 404) وبغیر تلک الأبیات المتفرقة التی کان یلقیها بین یدیه. «ولما تطورت الظروف بعد وفاة یزید، ودعا ابن الزبیر لنفسه بالخلافة، انضمَّت تغلب إلى صفوف مروان بن الحکم ثم ابنه عبد الملک، حتى إذا اجتمعت الأمة على الأخیر بزغ نجم الأخطل فی بلاطه على الرغم من نصرانیته، فکان یَجیء وعلیه جُبَّة خزٍّ وحِرزُ خَزٍّ، فی عنقه سلسلة ذهب، فیها صلیب ذهب، تنفض لحیته خمراً، حتى یدخل على عبد الملک بن مروان بغیر إذن.» (الأصفهانی، 1997م: 8/299)، ولکن الأخطل أُبعد کما أًبعدت معه تغلب فی عهد الولید بن عبد الملک، «ومن یرجع إلى مدائحه فی الولید یجدها ضعیفه فاترة، لیس فیها روح ولا ما یشبه الروح، إنما فیها ألوان خفیفة من الحزن لإبعاد الولید له عن القصر ولمعاملته القاسیة للمسیحیین.» (ضیف، 1977م: 141) والراجح أنه توفی سنة 92 وسنتناول الصورة التی رسمها الأخطل للخلیفة من زوایاها المختلفة، یأتی فی مقدمتها الصورة الدینیة فالسیاسیة ثم الصورة التقلیدیة. الصورة الدینیة ظل الأمویون یتطلعون إلى الخلافة والریاسة فنسبهم یرقى بهم إلى أمیة بن عبد شمس، وهو یعادل فی الرفعة عمه هاشم بن عبد مناف، وبما أن الخلافة جاءت من بنی هاشم، بقی بنو أمیة یتطلعون إلیها، إلى أن جاءت خلافة عثمان فاستبشروا بها، عندها رأوا أن السیادة عادت لهم، جاء هذا على لسان هشام بن المغیرة فی قوله «تنازعنا نحن وبنی عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطینا حتى إذا تحاذینا على الرکب وکنا کفرسی رهان، قالوا : منا نبی یأتیه الوحی من السماء، فمتى ندرک مثل هذا.» (العشماوی،1996م: 150) لذلک کان الأمویون یفتقرون إلى الجانب الروحی أمام الناس، وبما أنهم یمتلکون السلطان وزمام الحکم فقد التف حولهم الشعراء لا قناعة بهم، وإنما خوفا أو طمعا. «واللافت للنظر أن نرى شاعراً نصرانیاً یرسم صورة إسلامیة لخلیفة یخالفه فی العقیدة والفکر، ولکنه کان حریصاً على رسمها ضمن الإطار الإسلامی، وإن لم یدخل ضمن هذا الإطار، علما أن الخلیفة عبد الملک عرض علیه الدخول فی الإسلام، ولکنه ذکر أن الخمرة هی التی تمنعه من الدخول فیه.» (الأصفهانی، 1997م: 8 / 290) حاول الأخطل الترکیز على الصورة الدینیة والاحتجاج بها أمام أحزاب المعارضه، ولکن الدلائل والحجج عنده کانت أضعف، کالتی نجدها فی شعر الشیعة مثلاً، فراح الأخطل یشید بأن الله اختار بنی أمیة وآزرهم، وراح یصفهم بأنهم حراس على الدین وبأنهم أفضل قریش، وهذه دعوى أقرب إلى الخطابة والدعایة منها إلى الشعر وأسالیبه، کقوله فی عبدالملک: أَحیَا الإلَهُ لَنَا الإمَامَ فَإِنـَّه ُ خَیْرُ البَرِیَّةِ لِلذُّنُوبِ غَفُـورُ نُورٌ أَضَاءَ لَنَا البِلادَ وَقَد دَجَتْ ظُلَمٌ تَکَادُ بِهَا الهُدَاةُ تَجُورُ (دیوانه، 1979م: 404) وأراها مبالغة ممجوجة، یرفضها الضمیر المسلم، وتأباها المبالغة المستملحة فی الشعر، ولعل السبب فی ذلک یرجع إلى أن بنی أمیة لم یقیموا سلطانهم على أساس دینی یستمدون منه حقهم فی الحکم، «وربما لأن خلفاء بنی أمیة باستثناء عمر بن عبد العزیز منحوا الشؤون السیاسیة والحربیة والإداریة الهم الأکبر.» (الحوفی، 1975م: 177) والملاحظ على شعر الأخطل خلال حدیثه عن خلفاء الأمویین، أنه دائما یذکر السامع أن الله اختصهم بالخلافة، ونرى ذلک مقرونا بالکرم والسخاء فی تقریریة لا تحتاج إلى شرح وتفصیل، ولکن کلامه ینقصه الدلیل الدینی والعقلی والتاریخی، یقول: وَقَد جَعَــلَ اللهُ الخِلافَةَ فِیْـکُم ُ لأِبْیَضَ لا عَارِی الخِوَانِ وَلا جَدْبُ (دیوانه، 1979م: 47) ولکن الأخطل رکز على رصانة اللفظ وجزالته، وبخاصة فی قصیدة "خف القطین" التی تعد واسطة العقد فی شعره بالنسبة لعبد الملک خاصة والأمویین عامة. فهل الصورة التی رسمها الأخطل لعبدالملک کانت صورة نابعة من قناعة الأخطل بها من جوانبها کافة: النفسیة والدینیة والسیاسیة، وهل هذا الخلیفة هو القادر على منح رعیته العدل ومعاملتهم بالتقوى کما یزعم الأخطل؟ هل هذه الثلة –الأمویون– کانوا یستحقون أن یکونوا ساسة الناس؟ ولماذا لجأ لهم الأخطل وراح یحطب فی حبالهم دون غیرهم؟ مهما قلنا فی صدق الشاعر، أو محاکاة شعره للواقع، فإننا ینبغی أن نتذکر أن ثمة فرق بین العالم الشعری والعالم الواقعی، فهما یتشابهان ولکنهما لا یتطابقان، لذلک یمکن ملاحظة أن هذه الشخصیات، شخصیات مفارقه للواقع، تغادر جذرها الإنسانی لتحلق فی فضاء المثال المنشود، الذی یسعى إلیه الفن عموما والشعر خصوصا، لذلک لا نکاد نحظى– فی دیوان الشعر العربی– على ضخامته – بصورة واقعیة لرجل أو امرأة، بل لا نصادف إلا المرأة المثال، والرجل المثال؛ «لأن الفن یستمد جذوره من الحیاة ویضیف إلیها نفسه، وبه یصحح الإنسان الطبیعة ویکملها، کما یقول أرسطو، إنه– أی الفن– یبحث دائماً عن المثل الأعلى، لا یحاکی الطبیعة کما هی علیه، بل یتجاوزها.» (رومیة، 1979م: 32 ) لقد ابتدع الشاعر المعانی التی توحی بعظمة الممدوح فی ذهن المتلقی، لذا لجأ لهذه الصورة ورکز على هذا الجانب منها، ثم قرنها بالمعانى الدینیة والبراهین الشرعیة؛ لانعدام البراهین المقنعة على دعوى بنی أمیة فی أحقیتهم بالخلافة. وأصبحت هذه الأفکار التی رکز علیها الأخطل کأنها دستور للسلطة الأمویة بشکل عام وللخلیفة بشکل خاص، فحاول الشاعر بکل الوسائل الفنیة إبراز القدرة على التصویر والإقناع؛ لإثبات الصورة الدینیة والمظهر الدینی للخلیفة؛ لأنه یفتقر إلیهما على أرض الواقع، فهو لا یستحق الخلافة وهو لیس أهل لها، بل وصل إلیها بالحیلة والخداع والظلم والقتل، فلذلک لجأ الأخطل إلى مثل هذه الأسالیب العاطفیة، یقول فی عبد الملک: الخَائِضِ الغَمْرَ والمَیْمُونِ طَائِرُهُ خَلَیفَةِ اللهِ یُسْتَسْقَى بِهِ المَطَرُ (دیوانه، 1979م: 76) لم یقدم الأخطل أدواته عند حدود التشبیه الجید أو التصویر الجید، وإنما تخطّى ذلک إلى النحت الجید، حین تعامل مع واقعه المحسوس، لم یقدمه کما هو، بل تجاوزه، وخرج منه بواقع صلب، وبذلک جاء بواقعیة أشد وبصورة أکثر إشراقا. ویمد الأخطل شخصیة عبد الملک بطاقة جدیدة، ویحلق بها فی فضاء نصی، یرتکز على الآیة التی تقول «یا أیها الذین آمنوا أطیعوا الله ورسوله وأولی الأمر منکم» ﴿سورة النساء: 59﴾، والطاعة هنا، تعنی عند الأمویین، الإقرار والتثبیت لفکرة الجبریة التی تبناها الحزب الأموی، وطفق یوطد لها فی محاولة لإخماد الرأی العام حول الأسرة الأمویة، فقدم الخلیفة بصفات خاصة من خلال الحشد الآلی التجریدی الذی جاء به الأخطل، فقد رسم الصورة مستعیناً بالکنایة القریبة اللطیفة "یستسقى بسنته" و"یستسقى به المطر" کما أنه یَخلص إلى نوع من المعارضة والمناقضة لیفید من الغلو، یقول: أعِنِّی أَمِیْرَ المُؤمِنِینَ بِنَائـِلٍ وَحُسْنِ عَطَاءٍ لَیسَ بِالرَّیـِّثِ النِّـزْرِ وَأَنْتَ أَمِیْرُ المُؤُمِنِینَ وَمَا بِنَـا إِلَى صُلْحِ قَیْسٍ یَا بنَ مَروانَ مِن فَقْرِ فَإِن تَکُ قَیْسٌ یَا بنَ مَروَانَ بَایَعَتْ فَقََدْ وَهِلَتْ قَیسٌ إِلیـْکَ مِنَ الذُّعْـرِ إِلَیْکَ أَمِیْرَ المُؤمِنِینَ نَسِـیْرُهَـا تَخُبُّ المَطَایَا بِالعَرَانِیْنِ مِنْ بَکْـرِ (دیوانه، 1979م: 189 – 190) فشعر الأخطل هو شعر العرض والاعتراض والإبانة والنقاش، یتسم بالنبرة الخطابیة الملازمة للانفعال الشعری من اصطخاب الألفاظ والوزن والقوافی وتداول صیغ "الشرط"فإن تک": والنفی ومابنا– لیس، وهذه الحرکة السریعة الحاشدة فی تباین الصیغ تکشف عن الحماس والاحتشاد والانفعال. وما یلفت النظر فی الأبیات السابقة عدة أمور منها، التکرار، ویشیر هذا التکرار إلى أهمیتها، وإلى کونها فکرة محوریة فی النص، وکذلک تکرار ضمیر المخاطب، مفردا أو جمعا، وعلى الرغم من دلالته على حالیة الخلیفة، لم یلبث الشاعر أن تحدث عن الخلیفة بضمیر المخاطب، فکأننا أمام فکرة محوریة تدور حول أمر واحد لا تتعداه. وروح التکلف فی هذا الشعر واضحة، کما أن الشاعر أوحى من طرف خفى بأنهم جبابرة، لا یصلح العرب إلا بشدة سطوتهم، ثم إنه لما لم یجد ما یؤید به دعواهم فی الخلافة، من حق یؤیده الشرع، أو المنطق یقر به العقل، ردها إلى القضاء والقدر. وکان خلفاء بنی أمیة یشعرون بالنقص الشرعی فی أحقیتهم بالخلافة من جانب، وبنفاق الشعراء من جانب آخر، لذا أدرک الخلیفة عبد الملک ما فی الشعر من تکلف، وما یفتقر إلیه من صدق الانفعال، فلام عبیدالله بن قیس الرقیات بقوله، أتقول لمصعب بن الزبیر: إِنَّمَا مُصْعَبٌ شِهَابٌ مِن اللّهِ تَجَلَّتْ عَن وَجْهِهِ الظَّلْمَاءُ (دیوانه، 1956م: 91) وتقول لی: یَعْتَدِلُ التَّاجُ فَوْقَ مِفْرَقِةِ عَلَى جَبینٍ کَأَنَّهُ الذَّهَبُ ؟! (دیوانه، 1956م: 5) لأن الصورة واضحة فی البیتین، صورة روحیة دینیة مشرقة وأخرى أقرب إلى صور الأعاجم ومفتقرة إلى المعانی الدینیة، بینما نجد الصورة المباشرة والمقررة مسبقا فی قوله: عَلَى ابنِ أَبِی العَاصِی قُرَیْشٌ تَعَطَّفَتْ لَهُ صُلبُهَا، لَیْسَ الوَشَائِظُ کَالصُّلْبِ وَقَد جَعَــلَ اللهُ الخِلافَةَ فِیْـکُم ُ لأِبْیَضَ لا عَارِی الخِوَانِ وَلا جَدْبُ ولَکِـن رَآکَ اللُهُ مَوضِعَ حَـقِّـه ِ عَلَـى رَغْمِ أَعْدَاءٍ وَصَدَّادَةٍ کُذْبِ (دیوانه، 1979م: 47) «إلا أن الأخطل وصل إلى ذروة فنیة فی حشد المعانی وابتداع الأطر الحسیة لها واستنباط التآویل التی تدرک بها أقصى غایاتها فی الغلو فهو ینهک المعنى، فیما لا یغالی به ولا یدع فیه وجها آخر أو افتراضا. (حاوی، د.ت: 139) وهنا تتحول الصورة من الملحمیة إلى الخطابیة، وتطغى الآراء ووجهات النظر على الصورة، یقول: قُرُومُ أَبِی العَاصِی غَدَاةَ تَخَمَّطَت ْ دِمَشْقُ بِأَشْبَاهِ المُهنَّأةِ الجُرْبِ یَقُوْدُوْنَ مَوْجَاً مِن أمَیَّةَ لَمْ یَرِثْ دِیَارَ سُلَیْمٍ بِالحِجَازِ وَلا الهَضْبِ (دیوانه، 1979م: 49 – 50) نلاحظ أن الأخطل تنقل فی المقطعین السابقین متمهلاً، فی غیر عجلة أو اندفاع، کما لجأ إلى أسلوب الاستطراد فی معرض التشبیه، فقد یعرض له معنى من المعانی أو صورة من الصور فیشعر بالحاجة إلى التمثیل، فیشبه الصورة بمثلها، وقد یحتویه الموقف فیضل القول فی المشبه به. ولا ینسى الأخطل فکرة الاختیار، فیشیر إلى أن الله اختار الخلیفة فی أرضه وبین عباده للدفاع عن دینه، فهو المنصور بإذن الله، على عکس الذین راموا الخلافة وکذبوا على الناس وضللوهم، - وهذا والله زور وبهتان– فهل الذین ذُبحوا بکربلاء کذبوا على الناس؟؟ ألم یسمع الأخطل بما حصل مع نساء آل البیت فی الحجاز والعراق؟؟ ألم یرَ الأخطل کیف دافع الإمام عن الأمة وراح شهیدا من أجلها وکذلک فعل أولاده وأحفاده؟؟ هل هؤلاء کذبوا على الناس؟؟ لا والله، ولکن سیاسة تکتیم الأفواه وسیاسة الظلم والتجبر والخوف، یضاف إلیها مصلحة قبیلة تغلب جعلته یقول مثل هذا الکلام، ویقول أیضا: شُمْسُ العَدَاوَةِ ، حَتّى یُسْتَقَادَ لَهُمْ وَأَعْظَمُ النَّاسِ أَحْلامَاً ، إِذَا قَدَرُوا ( دیوانه، 1979م: 201 ) فلم یعتمد الشاعر على الصورة الجاهزة فی اللغة، وإنما اعتمد على الصورة المخلوقة أو المعاد خلقها، فلم یتعامل مع الحواس التی تحرک اللغة، بل تعامل مع أسلوب السرد العقلی؛ لأن الذی یهمه هو عملیة التواصل والتوصیل المباشر للخلیفة لذا اعتمد على الذکاء والصنعة المسبقة. فهم یعنفون بمن یخرج عن سلطانهم ویعفّون عمَّن یقع فی أیدیهم ویستذل لهم، أی أنهم یعفون عند المقدرة، إذ لا حلم فی العفو من دون ذلک، ویعود الشاعر إلى تعلیل انتصارهم وتفوُّقهم، فیرجعه إلى الله، یقول: أََعْطاَهُم اللّهُ جَدّاً ینُْصَرُونَ بِهِ لا جَدَّ إِلاّ صَغِیرٌ ، بَعْدُ ، مُحْتَقَرُ لَمْ یَأَْشَرُوا فِیهِ إِذْ کَانُوا مَوَالِیَهُ وَلَو یَکُونُ لِقَومٍ غَیْرِهِم أَشِرُوا ( دیوانه، 1979م: 201) والأخطل لا یقدم الصورة جامدة أو یقدمها نحتا یابسا، وإنما یقدمها من خلال الحرکة یساعده فی ذلک الفعل المضارع "ینصرون – یأشروا– یکون"، فالفعل ینصرون یقدم للسامع مشهدا جلیلا من مشاهد النصر المتلاحقة، فهی تحفر فی ذهن السامع کل ما یرافق الکلمة من معان تدل على الاستقرار، مثل: الأمن والاستقرار والسیطرة والصبر والشجاعة وغیرها. فکأنه یلمح بذلک أنَّهم الأصلح، مترجّحاً بین الصورة الدینیة والسیاسیة، مازجاً أحداهما بالأخرى، فالتنویه بإیثار الله لهم یمنحهم تفوقا دینیاً وسیاسیاًَ معاً، إذ الإسلام دینٌ ودولة، ثم إنه عقب على ذلک بنعتهم بالتواضع، أی أن خمرة السُّلطة لم تُسکرهم ولم تبطرهم. «فالأمویون قدجمعوا غایة القوَّة إلى غایة العقل» (حاوی، د.ت: 123) نجد هنا أن الشاعر یصور الخلیفة بصفات قریبة من صفات أئمة الشیعة، کما فی قولة: أَحْیَا الإِلَهُ لَنَا الإِمَامَ فَإِنَّهُ خَیْرُ البَرِیَّةِ لِلذُّنُوبِ غَفُورُ (دیوانه، 1979م: 404) فکلمة الإمام لم تکن تطلق إلا على الشیعة ولکنه منحها للأمویین؛ لنقصان الدلیل الشرعی عند الأمویین، ثم راح یضیف إلیها صورة أخرى، وهی صورة الملک ولو أنها لم تکن محببة للمسلمین؛ لارتباطها بالعجم، وقصة عبدالملک مع عبیدالله بن قیس الرقیات قصة مشهورة، فقد «جعل الأمویون من الخلافة الإسلامیة ملکا متوارثا، کما اعترف بذلک مؤسس دولتهم معاویة، قائلا فی فخر وکبریاء وتعال: "أنا أول الملوک"، وبالتالی لم یکن لهم أن یلوموا الشعراء إن وصفوهم بما یوصف به الملوک، من قوة السلطان ... واعتدال التاج فوق رؤسهم ... ، مما هو ألیق بصور الملوک منه بصور الخلفاء، الذین لا یستند حقهم فی الخلافة إلى أسس شرعیة دینیة.» (الهادی، 1986م: 145) اصطنع بنو أمیة الشعراء، واستعانوا بهم على اختلاف قبائلهم وبطونهم، فازداد الشعراء بذلک نفوذا وتقربا من الخلفاء أو الأمراء، وکان الخلیفة یعد مدح الشاعر له دلیلا على رضى قبیلته عنه، والقبیلة تعد إکرام الخلیفة لشاعرها إکراماً لها «فقد نجح الأمویون فی أن یحموا جلودهم بهذه الدروع الواقیة القویة التی صنعها لهم الشعراء.» (رومیة، 1997م: 615)، یقول: أَعْطَاکُمُ اللَهُ مَا أَنتُم أَحَقُّ بِهِ إِذَا المُلُوکُ عَلَى أَمْثَالِهِ اِقْـتَرَعُوا ( دیوانه، 1979م: 366 ) وبالتالی فالقضیة هنا قضیة سیاسیة قبلیة، فالشاعر یرید من خلال هذه النعوت المتلاحقة رضا الأمویین علیه وبالتالی رضاهم على قبیلته؛ لأن القاصی والدانی یعرف أحقیة آل البیت بالخلافة بکل المقاییس: الشرعیة والتاریخیة والمنطقیة، وقد أثبت لهم الشاعر الکمیت بالدلیل العقلی هذا مرارا. نجد الأخطل فی حدیثه عن الخلیفة یتأنى فی عرض صوره تأنیاً، ویطیل فی تصویره إطالة، ویقف فی تفصیل الصورة وقفات فنیة، یبدأ الصورة بتقریر حق عبد الملک فی الخلافة فی حزم وقوة، فقد حرص على هذه الهالة من القداسة والتبجیل «لیقروا مهابتهم فی نفوس الرعیة، ولیجعلوا مناوئیهم المارقین والملحدین.» (النص، 1977م: 107) إنها السیاسة الفاسدة التی قلبت الحق إلى باطل. نستطیع القول إن صورة الخلیفة الدینیة جاءت مکررة بألفاظها ومعانیها عند الأخطل، فقد حاول إثبات حق بنی أمیة فی الخلافة من خلال الاحتجاج، والصورة العامة التی رسمها لعبد الملک وشارکه فیها خلفاء بنی أمیة، تنافس صورة الإمام الهاشمی وتزاحمها، فهو أیضا: الإمام، العادل، التقی، الورع، الخاشع، القائم، الصائم، إلى آخر هذه الصفات –التی وظفت توظیفا دینیا لأغراض سیاسیة – والتی أسبغها الشیعة على أئمتهم. لم یجد الأخطل من الحق الشرعی أو الأسس الدینیة أو المنطق العقلى ما یستند إلیه فی دعوى استحقاق بنى أمیة الخلافة، فلجأ إلى خلط المعانى الدینیة بمعان أخرى، تجعل من الخلیفة حاکما راشداً مصلحاً، حرص الأخطل على إضافتها إلى الخلیفة، کما تتردد کثیر من المعانى الإسلامیة المستمدة من المعجم اللغوی الشیعی العامة التی من شأنها أن تجعل منه نموذجاً مثالیا للخلافة الإسلامیة . «لذلک بحث بنو أمیة عما یدعم حقهم ویقوی شوکتهم من مبررات، فلم یجدوا أفضل من المبررات الدینیة لتأکید أحقیتهم فی الخلافة وإقناع الناس بهذا الحق، فلجأوا إلى وسائل الترغیب والترهیب مع خصومهم فی الحجاز والعراق، وبخاصة أن صوت الدین هو المسموع والمقبول، فرأوا کذلک أنهم فی حاجة إلى صوت یسمع الناس حججهم ویقنعهم بهذه الحجج الدینیة، فالمجتمع إسلامی تغلب علیه الفطرة الإسلامیة ویسوده الإیمان ویحکمه الشرع، فهم قریبو عهد بخلافة النبی علیه السلام، فکان هذا الصوت هو صوت الشاعر الموالی لهم والناطق باسمهم، فاستقطبوا عددا من الشعراء وعلى رأسهم الأخطل، وظیفتهم إثبات أحقیة بنی أمیة فی الخلافة وتبریرها. وبما أنه لا یکفی أن یکون الخلیفة کریما وشجاعا ومعطاء، بل علیه أن یکون عدلا تقیا مؤمنا یطبق شرع الله إضافة إلى قرشیته، فکان على الأخطل أن یبحث عن مثل هذه المعانی فی شعره الموجه إلى الخلیفة، والغرض من هذا کله إثبات أحقیة بنی أمیة فی الخلافة والرد على خصومهم ومناوئیهم وأن یرسم صورة الخلیفة الکامل معبرا بذلک عن آمال الجماعة الإسلامیة الکبرى فی الخلیفة المثالی.» (سرکیس، 1981م: 246) الصورة السیاسیة سعى خلفاء بنی أمیة منذ بدایة عهدهم فی تبریر تولیهم الخلافة وإلى دعم حقهم فیها، فمنذ أصبح معاویة خلیفة للمسلمین بعد وقعة صفین، وجد نفسه فی حاجة إلى ما یدعم تثبیت أحقیة ما ناله من أمر الخلافة وبخاصة أن بعض الصحابة لم یرتضیه، فهو من الطلقاء الذین اسلموا یوم الفتح، فلم تکن له سابقة فی الإسلام ولا فی مشارکة فی غزوات الرسول صلى الله علیه وآله، ولم یکن من الستة الذین اختارهم عمر من بعده لأمر الشورى «والخلافة الإسلامیة شدیدة الارتباط بالدین ولا فصل بین الدین والدولة فی الإسلام»، (العوا، 1989م: 120؛ الدقش، 1993م: 26) وبما أن الدولة الأمویة ظلت تعانی من الفتن والثورات الداخلیة التی أشعلتها المعارضة لها فی أرجاء متفرقة منها «فرأت أنها فی حاجة إلى دعایة ضخمة تحیط بها، وتؤید بها سیاستها، وتشهرها فی وجوه خصومها الذین کانت لهم أیضاً وسائلهم الإعلامیة التی تروج لنظریاتهم السیاسیة المختلفة، ولم یکن من وسیلة للدعایة مثل الشعر.» (القط، 1979م: 87) ونجح الأمویون فی خلق حزب سیاسی یدافع عن نظریتهم السیاسیة ویؤکد حقهم فی الخلافة أمام المعارضة، یمکن أن نسمیه الحزب الأموی، وقوام هذا الحزب أجهزة الدولة ومنظروه ودعاته، وهم الشعراء على اختلاف مشاربهم «فقد استطاعت الدولة الأمویة أن تجمع حولها بطرق شتى طائفة من کبار الشعراء یتغنون بمآثر خلفائها وأمرائها ویسألون ثمن غنائهم وینالونه جاها ومالا وکانوا أحیانا یدفعون ثمن» ذلک «فی سیاسة لایؤمنون بها.» (القط، 1979م : 36) ولما کان خلیفة المسلمین خلیفة وحاکماً، کان مطلوباً منه التحلی بالأخلاق الدینیة والسلوک القویم، لذلک رأى طه حسین «أن الفقهاء أنکروا لهو یزید بن معاویة، وسخطوا على عبث یزید بن عبد الملک، وکفروا الولید بن یزید، ولم ینکر هؤلاء الفقهاء عبث شعراء الحجاز ولهوهم» (حسین، 1974م: 242)، وأنا أتفق تماما مع ما قاله طه حسین؛ لأنهم لا یمثلون حکومة المسلمین أو السلطة الرسمیة التی ینبغی أن یحتذى بها. کان الأخطل النصرانی حریصاً على تسجیل ما کان یجری فی عهد الأمویین من حروب وفتن على السلطة السیاسیة، ویسجل لهم قیامهم على بناء الدولة وعمرانها وتقدمها، یقول فی عبد الملک: یَغْشَى القَنَاطِرَ یَبْنِیهَا وَیَهدِمُهَا مُسَوَّمٌ فَوْقَهُ الرّایَاتُ وَالقَتَرُ وَتَسْتَبِیْـنَ لأقوَامٍ ضَلاَلَتُهُـم وَیَسْتقِیْمَ الَّذِی فِی خَدِّهِ صَعَرُ فِی نَبْعَةٍ مِن قُرَیْشٍ یَعْصِبُونَ بِهَا مَا إِنْ یُوَازِی بِأعلَى نَبْتِهَا الشَّجَرُ تَعْلُو الهِضَابَ وَحَلُّوا فِی أَرُومَتِهَا أَهلُ الرّباءِ وَأهلُ الفَخْرِ إنْ فَخَرُوا حُشْدٌ عَلَى الحَقِّ عَیّافُو الخَنَا أُنُفٌ إِذَا ألَمّتْ بِهِم مَکْرُوهَةٌ صَبَروُا أََعْطاَهُم اللّهُ جَدّاً ینُْصَرُونَ بِهِ لا جَدَّ إِلاّ صَغِیرٌ، بَعْدُ، مُحْتَقَرُ (دیوانه، 1979م: 199- 202) نلاحظ أن الشاعر هنا یولّد المعانی من الفکرة الواحدة ویقّلب هذه الفکرة على وجوهها، وهو بهذا التولید والتقلیب، یربط الأبیات بعضها ببعضها الآخر ربطاً وثیقاً، ویستعین على تأدیة وظیفة الشعر الفنیة بحشد مجموعة من الصفات الدینیة لتساند الصورة السیاسیة، وکأنه یدور حول محور واحد، فهو لا یعتمد الیقین الإیحائی، فیما ینتزعه مشاهد الحیاة ذات الدلالة البلیغة على غایة الشاعر، فشعره هو شعر التجسید ولیس شعر التجرید، یعرض المعنى أو یستعرضه فی إهابه الحسیِّ، فی طینته الواقعیة، وفی حرکته وتنفساته الدالة المعبرة. وجد بنو أمیة أن قرشیتهم وحدها لا تؤهلهم للخلافة، فهناک من یشارکهم فی هذا النسب وربما یفضلهم بکونه من آل البیت، وهم الشیعة، وکذلک الزبیریون، فأضافوا إلى نسبهم قصة مقتل عثمان وورثة دمه، ولکن قرابتهم من عثمان لا تشکل لهم نظریة مقنعة فی الخلافة.» (عطوان، 1986م: 19-20)، أمام الفرق الأخرى، مثل الشورى المقیدة عند الشیعة، ونظریة الشورى المطلقة عند الخوارج، وغیرهم ممن أسقطوا شرط النسب والقرشیة وجعلوا الخلافة للأکفیاء من أبناء الأمة.» (عطوان، 1990م: 30)، «لذلک اعتنق الأمویون مذهب الجبر فی الخلافة وتعلقوا به لإثبات حقهم فیها وتصحیح انفرادهم بها، کان معاویة أول من قال بالجبر من خلفاء بنی أمیة.» ( القاضی، 1986م: 143) وراح الشعراء یبثون هذه الفکرة بین الناس من خلال التسلیم للقضاء والقدر، وقد استغل الأمویون ذلک استغلالا کبیرا؛لإضعاف کل مقاومة لنظامهم، کما وجدوا فی مذهب حریة الإرادة خطرا علیهم فلاحقوا معتنقیه، ومما ینسب إلى معاویة بن أبی سفیان قوله: «الأرض لله، وأنا خلیفة الله، فما آخذ من مال الله فهو لی، وما ترکت منه کان جائزا لى.» (المسعودی، د.ت: 2 / 79)، ومما روی عنه أیضا «تعلمن أیها الناس أنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطی لما منع الله.» (المغزاوی، 1996م: 259-260)، وکأن مثل هذه الأقوال أصبحت دستوراً له وللخلفاء من بعده، فهذه المقولة جاءت من قوة سلطانه السیاسی الذی بناه على فکرة الجبریة لبنی أمیة. نجحت السیاسة الأمویة فی استمالة الأخطل وغیره من الشعراء إلى صفها، فأغدقت علیهم العطاء ونجحت فی زرع فکرة الأمویة فی تثبیت المظهر الدینی لخلفائها، هذه المهمة العظیمة انتدب الشعراء أنفسهم لها، إذ کان علیهم أن یظهروا هؤلاء الخلفاء على أنهم القدوة المثلى المطلقة فی کل شیء، لا یشبهها أحد أو یدانیها، لذلک لم لا نجد الکثیر من الشعراء الذین منحوا ولاءهم ولاء خالصا لبنی أمیة. «فهم لم یکونوا ٌقد أشربوا المذهب السیاسی لبنی أمیة، کما أشرب الکمیت مذهب الشیعة، وکما اعتنق ابن الرقیات مذهبه الزبیری.» (الحوفی، 1965م: 184) نلاحظ أن صورة الولید مثلا قامت على حالة متوسطة بین التقریر والغلو الملحمیِّ، وقد کان یطیب للولید أن یسمع مثل ذلک، یقول: وَتُضْحِی جِبَالُ الرُّومِ غُبْراً فِجَاجُهَا بِمَا أَشْعَلَتْ غَارَاتُه ُ وَمَقانِبُهْ (دیوانه، 1979م: 290) ولم ینس الأخطل انتصار معاویة- ظاهریا - فی صفین، وراح یرجع هذا النصر لله، یقول: وَیَوْمَ صِفِّینَ وَالأبصَارُ خَاشِعَةٌ أَمَدَّهُم إِذْ دَعَوا مِن رَبِّهم مَـدَدُ وَأَنتُم أَهْلُ بِیْتٍ لا یُوازِنُهُم بَیْتٌ إِذَا عُدَّتْ الأَحسَابُ وَالعَدَدُ أَیْدِیْکُمُ فَوْقَ أَیدِی النّاسِ فَاضِلَةٌ وَلَنْ یُوَازَنکُم شِیْبٌ وَلا مُــرُدُ (دیوانه، 1979م: 445-446). لقد رسم الشاعر للخلیفة صورة سیاسیة متقنة، فقد «دخلت عناصر سیاسیة جدیدة إلى قصیدته تتصل بسیاسة الخلفاء، وما یؤدونه للدولة من أعمال من أجل استتباب الأمن، والضرب على أیدی العصاة والمتمردین، وعرض لسیاسة الدولة الداخلیة» (القط، 1979: 92) ویقول فی یزید بن معاویة: فَأَصْبَحَتَ مَولاَها مِنَ النَّاسِ بَعدَهُ وَأَحَرَى قُرَیْشٍ أَنْ یُهَابَ وَیُحْمَدَا وَفِی کُلِّ أُفْقٍ قَد رَمَیْتَ بِکَوکَبٍ مِن الحَرْبِ مَخشِیٍّ إِذَا مَا تَوَقَّدا وُتُِشْرِقُ أَجْبَالُ العَوِیرِ بِفَاعِـلٍ إِذَا خَبَتِ النِّیْرانُ بِاللِّیلِ أّوْقَـدَا وَمُنتَقِمٍ لا یَأمَنُ النَّاسُ فَجْعَــهُ وَلا سَورَةَ العَادِی إِذَا هُو أَوعَدَا (دیوانه، 1979: 309) غلبت الصبغة السیاسیة على هذه الأبیات، فلم تظهر فیها المعالم الروحیة، وهذه الأحوال لازمت قصائده من خلال التباس واقعه القبلی السیاسی بواقع الخلیفة فی قتاله لأعدائه ومصالحتهم أو مهادنتهم، وإذا کان الأخطل یخشى الصلح أن یعقد بین القیسیین والخلیفة، فلا نزال نجد عاملاً على إلصاق کل شبهة بالخصوم وتمجید بنی قومه فی دفاعهم عن الخلافة، وقد یکون الأخطل فی مثل ذلک صادقا مخلصا، وقد یکون حسن الدفاع عن مصالح القبیلة، ولکنه یفتقر إلى التأمل والرویة والتحرر من سجل الأحداث ووقائعها، ومثل هذه البینات والحجج أقرب إلى واقع الخطاب السیاسی منها إلى واقع الشعر. وللأخطل أسلوبه الخاص به فی عرض الصورة السیاسیة للخلیفة، لا یحید عنه إذ لا یدع وسیلة للغلو، وقلما نقع على قصیدة للأخطل دون أن نعثر فیها على صیغ المبالغة فی أصولها اللغویة، وبخاصّة صیغة أفعل التفضیل المُطلقة، وقد حَشَدها حیناً حشداً ذهنیّاً وحیناً آخر حشدا تشخیصا، وهی تعکس نزعة الاطلاق والتعمیم. وعرض الأخطل صورة الخلیفة السیاسی من خلال محاور عدة، أهمها: نجاحه فی حمایه الدین من أعداء الداخل، والاستمرار فی الیقظة، وإعداد العدة للمتربصین، وعرج أیضا على تصویر الحروب الخارجیة التی قامت لمد سلطان الدولة والحفاظ على حدودها وأمنها، ولکن حدیث الداخل کان أکثر حساسیة واشتعالا، فهو یستغرق جل نشاط الخلیفة السیاسی، وکان على الشاعر فی أثناء تعرضه لأحداث الداخل الإلمام برجال الأحزاب المعارضة، ورصد حرکاتهم ودعواتهم، وتذکیر هؤلاء الرجال بما لاقوه وما یلاقونه من بطش الخلیفة القوی الذی یقود إلیهم الجیوش الجرارة، یقول الأخطل: صَدَرَتْ وُفُودُ النَّاسِ عَن کَلِمَاتِهِ بِالشّامِ إِذْ خَرَجَ الإِمَامُ الأَعْظَمُ (دیوانه، 1979م: 579) وتکاد هذه الصورة تنطبق على جمیع الخلفاء، فلا نستطیع تمییز خلیفة من آخر، إذ الجمیع على الدرجة ذاتها من الحنکة السیاسیة، ولعل ّ الأستاذ أحمد الشایب قد أصاب عندما قال إننا «نجد فی الشعر صورة صادقة لشخصیات رجال الدولة السیاسیة، ففی الشعر حلم معاویة، وعنف یزید ابنه، وحزم عبد الملک، وتحرج عمر بن عبد العزیز، وقسوة هشام، وعبث یزید بن عبد الملک وابنه الولید.» (الشایب، 1976م: 304)، فالشاعر هنا لم یقف شعره على السیاسة وحدها، بل قال فی موضوعات أخرى وعندما نقول إنه انقطع لبنی أمیة، إنما نعنی ما کان شعره متعلقا بالسیاسة، وجاء کله أو أکثره فی نصرة بنی أمیة وخلفائهم. وکانت نظرته شمولیة عامة مما أدى إلى الإسراف والمبالغة والغلو، وذلک استجابة لرغبة السلطة الأمویة ودعماً لنظریتها السیاسیة، مع الأخذ بعین الاعتبار أن الأخطل لم تبرأ دوافعه من الأعطیات إذ تتطلع إلى الاستفادة من سخاء الأمویین، یقول الأخطل: فَلَولا یَزیدُ ابنُ الإِمَامِ أَصَابَنِی قَوَارِعُ یَجْنِیهَا عَلَیَّ لِسَانِی (دیوانه، 1979م: 298) جاء مفهوم السیاسة فی فکر خلفاء بنی أمیة وولاتهم موافقا لآرائهم فی کیفیة التعامل مع الناس، عبر عنه عبد الملک بن مروان حین سأله ابنه الولید: «یا أبت ما السیاسة؟ قال: هیبة الخاصة مع صدق مودتها واقتیاد قلوب العامة بالإنصاف لها، واحتمال هفوات الصنائع فإن شکرها أقرب الأیادی إلیها.» (ابن قتیبة، 1925م: 1/ 10)، فالأخطل مزج الصورة المثالیة المطلقة بصورة أو بخطوط فی الواقع الخاص الذی لا یصح إلا فی الخلیفة. والناظر فی شعر الأخطل یرى فیه المبالغات الواضحة، فهو یزعم أن المُلک کان مقدرا ومقسوما لأول خلفائهم ثم توارثه من جاء بعده، یقول: وَکَانَ ذَلِکَ مَقْسُومَاً لأوَّلِهِم وَارِثَةً وَرِثُوهَا عَن أَبٍ فَأَبِ (دیوانه، 1979م: 253) ثم ینتقل الشاعر فی تملق سیاسی إلى الحدیث عن تصویر عظمة ملکهم وقوة سلطانهم واتساع دولتهم «فطمع الشعراء فی أن یزید ما ینالونه على أشعارهم من منح الأمویین وهباتهم، هو الذى دفعهم إلى استحیاء عقولهم، ومهارتهم اللغویة، أکثر من استحیاء عواطفهم، فأجهدوا أنفسهم فی اختیار اللفظ، وصنعة العبارة، والجری وراء الخیال والمبالغة فی المعانى، وقد تخرج المبالغة على لسان بعض شعرائهم إلى حد الغلو البعید کل البعد عن تصور العقل، ورعایة جانب الدین.» (الهادی، 1986م: 163-192) استوعب الأخطل فکرة الجبر وضمنها فی شعره، فکان کلما ذکر خلیفة أکد حقه معتمدا على هذه الفکرة، فهو المخصوص بالملک ومن نخبة العرب نسبا، وقد ساعد الأمویین فی هذا الزعم هذه الفکرة، فکرة الجبریة، لذلک اختص شعر الأخطل بالافتنان بالعبارة والخیال والمبالغة؛ لأنه استوحى عقله لا عواطفه، فراح یکون من مفردات الصورة صفات سیاسیة خاصة بالخلیفة، فجاءت الصورة فی کثیر من الأحیان خارجه عن المألوف فی الصدق أو القرب منه، وبخاصة أنه کان یرید إرضاء الخلیفة ودغدغة عواطفه، مما أدى إلى التهویل والتجوید، ولعل عبد الملک کان یشعر بذلک، إذ قال لجماعة من الشعراء: تشبهوننا مرة بالأسد والأسد أبخر أو بالجبل والجبل أوعر ومرة بالبحر الأجاج، ألا قلتم فینا کما قال أیمن بن خریم فی بنی هاشم: نَهَارُکُم مکَابَدَةٌ وَصَومٌ وَلَیلُکُم صَلاةٌ وَافْتِرَاءُ وَلِیْتُم بِالقُرآنِ وَبِالتَّزَکِِّی فَأَسْرَعَ فِیکُم ذَاکَ البَلاءُ أَأَجْعَلُکُم وَأَقوَامَاً سَوَاءً وَبَیْنَکُم وَبَیْنَهُم الهَوَاءُ وَهُم أَرضُ لأَرْجُلِکُم وَأَنْتُم لأَِرؤُسِهِم وَأَعیُنِهِم سَمَاءُ (الأصفهانی، 1997م: 16/ 21) والراجح أن عبد الملک أعجب بهذه الأبیات لما فیها من صدق القول والعاطفة، ولعله کان یعرف فی نفسه أن ما یقوله الأخطل وبعض من شعراء بنی أمیة کان بدافع الأعطیات أو الخوف، ولکن لیس بدافع الانتماء الحقیقی کالذی نراه عند شعراء الشیعة فی أئمتهم، فالمتأمل فی قول عبدالملک یلاحظ الحسرة التی کان یشعر بها عبد الملک الخلیفة وطموحه إلى الصورة التی کان یحلم بها، فهو لم یشعر بالهزة الجمالیة التی تترک صورتها وتأثیرها فی النفس، لذا یمکن القول:إن العالم الشعری لا یتطابق مع العالم الواقعی، وإن ثمة فرقا بینهما. کان للأخطل مرکز سیاسی فی قصر الخلافة بجانب مرکزه الأدبی، وکان الأخطل الناطق باسم تغلب والمدافع عن مصالحها عند الخلیفة، وعلى هذا الأساس یمکن أن نفسر کثیراً من العلاقات السیاسیة والنفسیة التی تتصل به من جهة، وبعبد الملک من جهة ثانیة، فقد کان یُکرمه ویُنزله منزلة رفیعة، حتى بلغ الأمر بالرواة أن زعموا أنه کان یشقُّ إلیه الصفوف، والصلیب مُدلى من عنقه، ولحیته تقطر خمراً أمام خلیفة المسلمین!!!!. الصورة التقلیدیة نقصد بالصورة التقلیدیة تلک الصوره المستمدة من العناصر القدیمة المتوارثة فی الشعر الجاهلی والتی رکز فیها الشاعر على عناصر قدیمة، ولکنه منحها خیوطا إسلامیة ومعان جدیدة، فقد صور الأخطل الخلیفة بصور مألوفة ومأثورة مستمدة من الشعر الجاهلی، مثل الکرم والنجدة والشجاعة والقوة والبطولة إلى غیرها من الصور التی کان یلح علیها الشاعر الجاهلی، ولکنها عند الأخطل ممزوجة بالمعانی الإسلامیة، «وقد أشاع الشعراء فی العصر الأموی هذه المثل القدیمة وأضافوا إلیها ما یلائم مصالحهم للظهور بقوة؛ لأنهم لا یرسمون لممدوحیهم صوراً مختلفة، بل یصورنهم صوراً متشابهة، تقوم على مجموعة من الملامح الکبرى المشترکة، وعاد هذا المدح إلى الغلو والإسراف وعدم الاعتدال.» (رومیة، 1977م: 165) فصورة عبد الملک فی دیوان الأخطل هی صورة تفیض بالشمائل العربیة، إنها صورة الرجل کما یجب أن یکون عندما یتولى أمر الناس، ولا یخفى أن الأخطل یرسم هذه الصورة وعینه على النموذج الماثل فی ذاکرته الفنیة القائمة على الموروث القدیم والعنایة به والاصطفاء منه، یقول: إِلَى امرِىءٍ لا تُعَرِّینَا نَوَافِلُهُ أَظْفَرَهُ اللهُ فَلْیَهْنِئ لَهُ الظَّفَرُ الخَائِضِ الغَمْرَ والمَیْمُونُ طَائِرُهُ خَلَیفَةِ اللهِ یُسْتَسْقَى بِهِ المَطَرُ وَالهَمّ بَعْدَ نَجِیّ النّفْسَ یَبْعَثُهُ بِالحَزْمِ والأصْمَعَانِ: القَلْبُ والحَذَرُ والمُسْتَمِرّ بِهِ أمْرُ الجَمِیعِ فَـمَا یَغْتَرُّهُ بَعْـدَ تَوْکیدٍ لَهُ غَـرَرُ (دیوانه، 1979م: 196-197) فالملاحظ على هذه الأبیات أنها أقرب إلى الخطاب منها إلى الإبداع، تعتمد على ضخامة اللفظ وجلجلة العبارة وعلو الإیقاع، والتی یمکن أن تقال فی أی شخص کریم معطاء عاش فی العصر الجاهلی، یقول فی عبد الملک: دَعَانِی إلَى خَیْرِ المُلوکِ فُضُولُهُ وَإِنِّی امْرؤٌ مُثْنٍ عَلَیْهِ وَنَادِبُهْ وَعَالِقُ أَسْبَابِ امْرِئٍ إِنْ أَقَعْ بِهِ أَقَعْ بِکَـرِیمٍ لا تُغِبُّ مَوَاهِـبُهْ وَإِنْ أتَعَرَّضْ لِلوَلِیدِ فَإِنَّهُ نَمَتْهُ إِلَى خَیْرِ الفُرُوع ِ مَضَارِبُهْ (دیوانه، 1979م: 288 – 289)
یصور الأخطل نشاط الخلیفة وعمله الدائب من خلال صور تقلیدیة متوارثة یرکز فیها على الکرم والقوة کما فی قوله: قُرُومُ أَبِی العَاصِی غَدَاةَ تَخَمّطَتْ دِمَشْقُ بِأشْباهِ المُهَنّأَةِ الجُرْبِ یَقُودُونَ مَوْجاً مِنْ أُمَیّةَ لَمْ یَرِثْ دِیَارُ سُلیْمٍ بِالحِجَازِ وَلا الهَضْبِ مُلُوکٌ وَأحْکَامٌ وَأصْحَابُ نَجْدَةٍ إِذَا شُوغِبُوا کَانُوا عَلَیْهَا أُولِی شَغْبِ أهَلّوا مِن الشَّهْرِ الحَرَامِ فَأَصْبَحُوا مَوَالِیَ مُلْکٍ لاَ طَرِیْفٍ وَلاَ غَصْبِ تَذُودُ القَنَا والخَیلُ تُثْنِی عَلَیهِم وَهُنَّ بِأیِدی المُسْتَمیتینَ کالشُّهُبِ (دیوانه، 1979م: 49- 50) وهذه المعانی لیست متوازنة، فبعضها تقریری قریب المتناول، کوصفه بالکرم الأصیل، وبعضها الآخر یظهر فیه الغلو والمبالغة، مع فقدان المضمون الإنسانی والوجدانیة الصادقة، مثل تعظیم کرمه على فیضان النّیل فی صورة تمثل الأفکار الدعائیة. تلک صورة مبالغ فیها، ولکنها بعیدة عن القیم الفنیة الجمالیة کما جاء فی صورة الولید إذ «جاءت علاقة الأخطل بالولید بعیدة عن الوجدانیة والإیمان بالتفوق، فراح یبتدع المعانی ابتدعاً زائفاً.» (حاوی، د.ت، 184)، فقد استمد الشاعر لغته من موضوعه؛ لأن الکلمة عنده صوت ویحاول أن یجعل لها قرارا وجوابا فی الوقت ذاته بالعدید من الأسالیب، کالتضعیف والتنغیم، أو ما یسمى بمعنی الأبنیة، فله أسلوبه الخاص الذی أوصله بالحرکة المستمرة، حرکة کانت تبحث عن قرار حیث یوجد لإیقاع. فنرى إلحاح الأخطل على الصورة التقلیدیة مقرونة بالصورة الدینیة السیاسیة، وربما یکون انتماء الأخطل الدینی وإحساسه القبلی سبب لجوئه إلى هذه الصور، یقول فی الولید بن عبدالملک: والمُطْعِمُ الکُوْمَ لا یَنْفَکُّ یَعْقِرُهَا إِذا تَلاقَى رِوَاقُ البَیْتِ وَاللَّهَبِ (دیوانه، 1979م: 87) ویقول فی بنی أمیة: وَالمُطْعِمِیْنَ عَلَى مَا کَانَ مِنْ إِزَمٍ إِذَا أَرَاهِیْطُ مَلُّوا ذَاکَ أَو خَدَعُوا (دیوانه، 1979م: 365) یرى شوقی ضیف أن مدائح الأخطل فی الولید فاترة والصورة باهتة؛ وذلک لانصراف الولید عن الشاعر، وإهماله تغلب ومسیحییها بشکل عام، وتحویله الکنیسة إلى المسجد الأموی الکبیر (ضیف، 1977م: 264 )، نلاحظ تراجع صورة الخلیفة الدینیة عند الأخطل على حساب صورة السید العربی الذی یتمتع بمجموعة الصفات التقلیدیة مثل الکرم والقوة، کما لا ینسى التذکیر بوراثتهم هذا الأمر من آبائهم، یقول: حَتَّى تَنَاهَى إِلَى القَوْمِ الّذینَ لَهُم عِزّالمُلوکِ وَأَعَلى سُورةِ الحَسَبِ بِیْضٌ مَصَالِیْتٌ لَمْ یُعْدَلْ بِهِمْ أَحَدٌ فِی کُلِّ مُعْظَمَةٍ مِن سَادةِ العَرَبِ الأَکْثَرِیْنَ حَصَىً وَالأَطْیَبِیْن ثَرَىً وَالأحْمَدِیْنَ قِرىً فِی شِدّةِ اللَّزَبِ مَا إِنْ کَأحلامِهِم حِلْمٌ إِذَا قَدَرُوا وَلا کَبَطْشِهِم بَطْشٌ لَدَى الغَضَبِ وَهُمْ ذُرَا عَبْدِ شَمْسٍ فِی أُرُومَتِهَا وَهُمْ صَمِیمُهم لَیْسُوا مِن الشذَبِ وَکَانَ ذَلکَ مَقْسُوماً لأَوَّلِـهِم وِرَاثةً وَرِثُوهَا عَـن أَبٍ فَأَبِ (دیوانه، 1979م: 252 - 253) لقد حشد الشاعر الصفات حشداً واضحاً کما فی «بیض – مصالیت – سادة العرب – الأکثرین – الأحمدین – الأطیبین ذرا عبد شمس»، وهی صفات لها دلالات نفسیة واجتماعیة، لجأ إلیها الشاعر بألفاظ مستعارة من مُعْجم الألفاظ. وأرى أن المبالغة فی هذه الصفات وحشدها هی عبارة عن شعریَة ضعیفة وبخاصة عندما تحشد حشداً، إذ یکشف ذلک عن عجز الرُّؤیا، والتعویض عنها بالانفعال؛ لمطالعة مضامینه الإنسانیة، ویجری على هذا الغرار قوله: «فَلَنْ یُدْرک ما قدَّموا عُجْمٌ ولا عَرَبُ» حیث أحلَّ التَّعمیم والإطلاق مَحَلَّ الصفات الحاشدة، والاطلاق یَصْدر عن الحماس الفاقد البصیرة، «ولقد کان الاطلاق الآفةُ الکُبْرى الملازمة للغلو عند الأخطل.» (حاوی، د.ت: 143) فالمعانی التی خصها الشاعر والألفاظ التی تناولها فی شعره انطلقت من حاجة الأخطل إلى الأمویین. إن مثل هذه الصور والمعانی تمثل الصبغة الغالبة فی شعره وهی فی مجملها تدغدغ عواطف الإنسان العربی، فیهتز لها طرباً، وبخاصة فی بیئة یحتاج کثیر من أهلها إلى والعطاء، یقول: إِلَیکَ أَبَا حَرْبٍ تَدَافَعْنَ بَعْدَمَا وَصَلْنَ لِشَمْسِ مَطلِعاً بِغُـرُوبِ وَلَولا أَبُو حَرْبٍ وَفَضْلُ نَوَالِهِ عَلَینَا أَتَانَا دَهرُنَا بِخُطُــوبِ وَحَمَّالُ أَثـْقَالٍ وَفَرَّاجُ غَمْرَةٍ وَغَیْثٌ لمَجْلُومِ السَّوامِ حَرِیْبِ کَرِیمُ مُنَاخِ الضَّیْفِ لاَ عَاتمُ القِرَى وَلاَ عَندَ أَطْرَافِ القَنَا بِهَیُوبِ (دیوانه، 1979م: 263- 265) وهذه الأبیات تضم معان متعددة، إلا أن ثمة معنى عاما یهیمن علیها، هو معنى الکرم، وعندما أحس الأخطل أن هذه الصفات غیر کافیه لتبریر انفرادهم بالسلطان، أضاف، أن الملک کان قدراً مقدرا لأول خلفائهم، ثم توارثه من جاء بعده، وهذه حجة واهیة وضعیفة، وبذلک أقر کثیر من النقاد. ویبقى الأخطل ضمن دائرة هذه المعانی التقلیدیة مکررا صفة الملک والملوک، وقدیما قیل إن الأخطل یجید نعت الملوک، وفرق کبیر بین صفات الملک وصفات الخلیفة، یقول: دَعَانِی إلَى خَیْرِ المُلوکِ فُضُولُهُ وَإِنّیَ امرؤٌ مُثْنٍ عَلْیهِ وَنَادِبُهْ وَإنْ أَتَعرَّضْ لِلوَلیدِ فَإنَّـــهُ نَمَتْهُ إلى خَیْرِ الفُرُوعِ مَضَارِبُهْ رَفِیعُ المُنَى لا یَسْتَقلُّ بِحِمِلــهِ سَؤُومٌ وَلاَ مُستَنْکَشُ البَحْرِ نَاضِبُهْ تَجیشُ بِأَوْصَالِ الجَزُورِ قُدُورُهُ إِذا المَحْلُ لم یَرْجِعْ بِعُودَیْنِ حَاطِبُهْ مَطَاعِیمُ تْغدُو بِالعَبیِطِ جِفَانُهُم إِذَا القُرُّ أَلْوَتْ بِالعِضَاهِ عَصَائِبهْ (دیوانه، 1979م: 288 -290) کما یقول فی الولید: إِنَّ ابنَ مَروَانَ أَسْقَانِی عَلَى ظَمَأٍ بِسَجْلٍ لاَ عَاتَمٍ رَیّاً وَلاخَذِم ِ لاَ یَحرُمُ السَّائِلُ الدُّنیَا إِذَا عَرَضَتْ وَلا یُعَوَّذُ مِنْهُ المَالُ بِالقَسَــم ِ مَن آلِ مَروانَ فَیَّاضُ العَطَاءِ إِذَا أَمسَى السَّحابُ خَفِیْفَ القَطْرِ کَالصَّرِم ِ البَاسِطُونَ بِدُنیَاهُم أَکُفُّهُــم وَالضَّـارِبُونَ غَدَاةَ العَارِضِ الشّبَم ِ وَالمُطْعِمُونَ إِذَا مَا أَزْمَةٌ أَزَمَتْ وَالمُقدِمُونَ عَلَى الغَارَاتِ بِالجِذَم ِ (دیوانه، 1979م: 223- 225) «وکأننا فی البادیة العربیة زمن الجاهلیة، مع ما یکون من مفارقة بین الصورة القدیمة وصور القرى الملکی أو المدنی فی دمشق.» (القط، 1979م: 329)، فی حین قدم الخلیفة عبد الملک من خلال "الأنموذج" المتعارف علیه فی الشعر العربی، «فهو لم یقدم له صورة شخصیة، وإنما وضعه فی إطار مجرد متعارف علیه عند المدح فی العربیة، وکما أنه عبر عن قبیلته وعصره وخلق لهما معادلا فی شعره.» (بدوی، 1987م: 201) وقد وضع النقاد القدماء منهجاً للمدح وطالبوا الشعراء التزامه، وهو ما أوضحه قدامة عندما رأى لزوم مراعاة أن یکون المدح بالصفات النفسیة، وقال: «إنه لما کانت فضائل الناس من حیث إنهم ناس، إنما هی العقل والشجاعة والعدل والعفة، کان القاصد لمدح الرجال بهذه الأربع خصال مصیباً والمادح بغیرها مخطئاً.» (ابن جعفر، د.ت: 69)، یقول فی المروانیین: شُمْسُ العَدَاوَةِ، حَتّى یُسْتَقَادَ لَهُمْ وَأَعْظَمُ النَّاسِ أَحْلامَاً، إِذَا قَدَرُوا حُشْدٌ عَلَى الحَقِّ عَیّافُو الخَنَا أُنُفٌ إِذَا ألَمّتْ بِهِم مَکْرُوهَةٌ صَبَروُا (دیوان، 1979م: 201) ومثل هذه الصفات تبدو أکثر تعاظماً وحشداً فی الشعر الجاهلی، ونراها فی شعر الأخطل، عندما یتناول موضوعاً وصفیاً، إذ یتحول الشاعر من الإبداع إلى الوصف، والشعر لیس محاکاة للأشیاء ووصف أو رصف لها باللفظ، بل هو خلق منها وابتکار فیها، فالصفات المباشرة لیست قوام العبارة عند الأخطل، وإنما کان یعترض بها ویلجأ إلیها لتحدید المعنى وتأکیده أو جلائه، لذا فقد برزت المعانی الملحمیة التی تعظم من بطولة الخلیفة وتبدع مثالا خارقا فی الکفاح والتضحیة وبعد الهمة، یؤدی ذلک بالأوصال والأفکار والاستطرادات الحسیة المنطویة على معنى الکنایة، تکثر فی هذه الصور الجمل الإنشائیّة من أمر ونهی وتعجب، کما یغلب أسلوب الاحتجاج والعرض والتبیین، حیث تضعف قوى الخیال والإبداع وتنبری من دونها القوى النثریة الواعیة، یقول: وَقَدْ حَلَفْتُ یَمِینَاً غَیْرَ کَاذِبَةٍ بِاللهِ رَبِّ سُتُورِ البیتِ ذِی الحُجُبِ إِنَّ الوَلِیدَ أَمِیْنَ اللهِ أَنقَذَنِی وَکَانَ حِصْناً إِلَى مَنْجَاتِهِ هَرَبِی (دیوانه، 1979م: 244) فأدوات القسم التی یستخدمها الأخطل هی أدوات للتأکید لیُقنع القارىء أو السَّامع بصدق ما یقول، ولعلَّها أعم فی عهد البداوة، حیث تطغى الانفعالات الشدیدة، فالبدائی لا یحرج من الإیمان المغلظة، وقد أفاد منها الإسلام وحوّل الیمین إلی بیعة ملزمة لا تنقض، أما من الناحیة الفنیة الخالصة، فلیس للقسم قیمة بذاته إذ أن الشاعر المبدع لا یؤکد بالقسم ولا یلجأ إلیه، بل إنه یقنع بذاته أو باستحضاره للحقیقة بذاتها أو بما یماثلها، ولا جدوى من القسم علیها لتمثیلها أو خلقها، والأخطل یعظم من قَسمه لیؤکد على اعتصامه، فالقسم المتطاول المتعاظم لیس أداة فنیّة بذاته، إذ أنه یجهض الانفعال بتهاویل تحدق به ولا تناله.یؤکد الأخطل على أن الباعث الأقوى لقصائد الأخطل فی بشر مثلاً لیس دینیا بقدر ما هو سیاسی، یقول فیه: فَأنتَ الَّذی تَرجُو الصَّعَالیکُ سَیْبَهُ إذَا السّنَةُ الشَّهبَاءُ خَوَّت نُجُومُهَا وَنَفسِی تُمَنِّیْنِی العِرَاقَ وَأَهلـــه ُ وَبِشْرٌ هَوَاهَا مِنهُمُ وَحَمِیمُــهَا (دیوانه، 1979م: 317) إن هذه الأبیات وأمثالها تطالعنا بواقع الشعر عند الأخطل، إذ یمتزج الذاتی بالاجتماعی والسیاسیّ الحیّ مع الواقع التقلیدی المیت الذی ما زال یتلى فی طقوس من النّظم الجاهلی، لا یجد فیها الشاعر سبیلا للخلق والإبداع، إلا فی حدود الصیاغة اللفظیة والصورة الحسیة والأحداث الواقعیّة، یقول: إِلَى خَالِدٍ حَتّى أَنَخْنَ بِخَالِدٍ فَنِعْمَ الفَتَى یُرْجَى وَنِعْمَ المُؤَمَّلُ أَخَالِدُ، مَأوَاکُمُ لِمَن حَلَّ وَاسِعٌ وَکَفَّاکَ غَیْثٌ لِلصّعالِیکِ مُرسَلُ هُوَ القاِئدُ المَیمُونُ وَالمُبتَغَى بِهِ ثَباتُ رَحىً کَانَت قَدِیماً تَزَلَزَلُ أَبَى لَکَ إِنْ تَستطیعَهُ أَو تَنالَهُ حَدِیْثٌ شَآکَ القَومُ فِیهِ وَأَوَّلُ أُمیَّةُ والعَاصِی وَإنْ یَدْعُ خَالِدٌ یُجِبْهُ هِشَامٌ للفَعالِ وَنََوْفَلُ أُولئِکَ عَینُ المَاءِ فیهِم وَعِندَهُم مِنَ الخیفَةِ، المَنجَاةُ والمُتَحوَّلُ (دیوانه، 1979م: 27 -29) «فإذا کانت القیم التی یمجدها هذا الشعر تعبر عن الحس الأخلاقی السائد، وعن طبیعة الحیاة فی مرحلة المدیح هذه کما رأى وهب رومیة وهو یعلل بروز قیم أساسیة فی المجتمع الجاهلی، "کالقوة والکرم". والتی أرجعها إلى طبیعة الحیاة الجاهلیة القائمة على الصراع الجذب.» (رومیة، 1997م: 157). فإن الحیاة الأمویة کانت مملوءة بالصراع الذی أدى إلى نهوض هذه القیم مرة أخرى، وهکذا کانت لوحة الکرم أکثر اللوحات خصباً لدى الشعراء یفرّعون فیها، ویرددون معانیها، کما فی اللوحة الجاهلیة، فنصادف الحدیث عن الجدب والنار والقرى، واستمراراً للهالة القدسیة التی انطلقوا منها فی السیاق الدینی. ویعمد الأخطل إلى السّبل الفنیّة فی الغلو والتعظیم متوسِّلاً إطلاق صیغه الصرفّیة المحضة وهی صیغ لا شأناَ فنّیا لها؛ لأنها لا توضح الانفعال ولا تدعه یغور فی ذاته ویستطلع غیبها، بل إنها تسفحه فی نوع من التعمیم الذی یوهم ولا یفهم، وهذا الإطلاق یوافق مقتضى الانفعال ولکنه الانفعال الحماسیّ الذی لم تلجمه المعاناة الإنسانیة عن الطفرة والجموح، فالشعر لیس إنسیاقاً إثر الانفعال، بل إنه ترجمة وکشف له واستبطان لضمیره، ثم إنک تراه یقمش له المعانی تقمیشاً ویتسقّطها تسقُّطاً دون لحمة أو سیاق.
إلا أنَّ أکثر المعانی التی یرددها فی صورة الخلیفة هی الکرم، والأخطل إذ یعرج على المدح بالکرم یتوسل أسلوبین :أحدهما یقوم على الفکرة أو الصورة المقتضبة، والثانی على التشبیه الاستطرادی من خلال المقارنة.استخدم الأخطل بعض الأسالیب الفنیة لأجل تنمیة الصورة وتطویرها، منها "الاستدراک" فجاءت جمله متوسطة الطول تشتمل على فاتحة وخاتمة، وتتألف من فواصل ترتبط بإحکام وتتساوق فی نظام، وتحمل کل فاصلة من فواصل الفاتحة جزءا من المعنى، بحیث لا یتم إلا بذکر الجملة الأخیرة، وهی الخاتمة، إذ استخدم الأخطل الاستدراک فی معرض المفاضلة، فکان یرى وجه الشبه بین صورتین مختلفتین فیقابل بینهما ویفضل أحدهما على الأخرى فی شکل دائری، بحث یبدأ دائما بالمفضول منفیا، لینتهی دائما بالمفضل، کقوله فی یزید: وَمَا مُزبِدٌ یَعلُو جَزَائِر حَامِز ٍ یَشُقُّ إِلیَهَا خَیْزُرَاناً وَغَرْقَدَا تَحَرَّزُ مِنْهُ أَهْلُ عَانَةٍ بَعْدَ مَا کَسَا سُورَهَا الأَعلَى غُثَاءً مُنضَّدَا یُقَمِصُّ بِالمَلاّحِ حَتَّى یَشُفَّهُ الـ حِذارُ وَإنْ کَانَ المُشیخ المُعوَّّدَا بِمُطَّرِدٍ الآذِیِّ جَوْنٍ کَأَنَّمَا زَفَی بِالقَرَاقِیْرِ النَّعَامَ المُطَّردَا کَأَنَّ بَنَاتِ المَاءِ فِی حَجَرَاتِهِ أَبارِیقُ أَهَدَتْهَا دیِافُ لِصْرخَدَا بِأَجْوَدَ سَیْباً مِن یَزِیدَ إذاَ غَدَتْ بِهِ بُخْتُهُ یَحْمِلْنَ مُلْکَاً وَسُؤْدُدَا (دیوانه،1997م: 310– 311) کما اتبع الأخطل الاستدارة فی معرض التوکید، بهدف تقریر صورة من الصور أو موقف من المواقف، فلجأ إلى القسم المکرر مقررا به ما یرید فی مجموعة من الأبیات متلاحمة الأجزاء من بدایتها إلى نهایتها، فی شکل دائری، یبدأ دائما بالقسم لینتهی دائما بتقریر الصورة أو الموقف. وقد استعان الأخطل بهذا الأسلوب فی تنمیة صورة الخلیفة بإظهار براعته الفنیة، إذ لم یکتف بالقسم الواحد، فأکثر من الأقسام ماشاء له الإبداع الفنی أو عند شعوره بالحاجه إلى تقریر الصورة وتأکیدها، إذ اتکأ على هذا الأسلوب فی تولید بعض الصور الشعریة، یقول فی یزید: إنِّی حَلَفْتُ بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ وَمَا أَضْحَى بِمَکَّةَ مِن حُجُبٍ وَأَسْتَارِ وَبِالهَدِیّ إذَا احَمْرَّتْ مَذارعها فِی یَوْمِ نُسْکٍ وَتَشْریقٍ وَتَنْحارِ وَمَا بِزَمْزَمَ مِن شُمْطٍ مُحَلِّقَةٍ وَمَا بِیَثْرِبَ مِن عُونِ وَأَبْکَارِ لأَ لَجَأَتْنِی قُرَیشٌ خَائِفاً وَجِلاً وَمَوّلَتِْنِیُ قُریشٌ بِعدَ إقْتَارِ (دیوانه، 1979م: 171- 172) وفی بعض مقطوعاته "لفتات نفسیة" تضیف إلى الصورة حرکة وللأخطل حیویة، من خلال الألفاظ المعبرة، یقول عندما تشفع له یزید عند معاویة: وَبَاتَ نَجِیّاً فِی دَمِشْقَ لحَیَّةٍ إِذَا عَضَّ لَمْ یَنْمِ السَّلَیمُ وَأَقْصَدَا یُخَفِّتُهُ طَوْراً وَطَوْراً إِذَا رَأَى مِن الوَجْهِ إِقْبَالاً أَلَحَّ وَأَجْهَدَا (دیوانه، 1979م: 306) فالألفاظ "باتَ وعضَّ" وما توحی به من خطورة الموقف، یضاف إلیها صورة الحیة وفتکها وبطشها وعضها توحی بفهم الشاعر لنفسیة معاویة، یقول: فَلَولاَ یَزیدُ ابنُ الإِمَامِ أَصَابَنِی قَوَارعُ یَجْنیهَا علَیَّ لِسِانــی وَلَم یَأتِنی فی الصُّحُفِ إلاّ نَذَیرُکُمْ وَلَو شِئْتُم أرســلتُم بأَمانِی (دیوانه، 1979م: 298) فلا یوجد فی هذه الأبیات صورة جدیدة یمکن أن تضیف إلى ما جاء به الجاهلیون، وإنما هی ضرب من الاعتراف بالفضل مع الترکیز على الخوف والعقاب والسجن مع تطویر فی الصورة وتحویر فیها بما یتناسب والدین الإسلامی، فالأخطل لم یتمرس هنا بالفن الصعب فی إبراز الصورة الروحیة، وإنما هی قصیدة مدح خالصة ومعظمها فی الوصف الذی انتمت إلیه بالباعث الذاتی الوجدانی فی الصفات التی وصفها ومنحها لبنی أمیة، لذا جاءت الصورة ممزوجة بالعطاء والشجاعة وإغاثة الملهوف، یقول: المُنْعِمُونَ بَنُو حَرْبِ وَقد حَدَقَتْ بِیَ المنیَّةُ، واستبطأتُ أَنصارِی بِهِم تَکَشَّفُ عَنْ أَحْیائِهَا ظُلَمٌ حَتَّى تَرَفَّع عَن سَمْعٍ وَأَبصَارِ قَوْمٌ إذا حَارَبُوا شَدّوا مَآزِرَهُم عَن النِسّاءِ، وَلَو باتَتْ بأَطْهَارِ (دیوانه، 1979م: 172) فهو یغالی بالتأکید فیما ذهب إلیه من أمر حمایتهم، وهذا الأسلوب قد ینطوی على أجواء إیحائیة من خلال الألفاظ الدینیة، إذ بدا المعنى قاصرا عن إدراک الغایة العامة للمجتمع المسلم، فاستعان علیه بالقسم الخارجی دون أن یمثل للسامع المعنى أو یکشفه أو یعمقه، فالمعنى ورد خلال قوله: لأَلجَأتنِی قُرَیْشٌ خَائِفاً، وَجِلاً وَمَوَّلَتْنِی قُریشٌ، بَعْدَ إِقتارِ ) دیوانه، 1979م: 172) وصورة الشاعر النفسیة أمام الخلیفة والمبالغة فیها أسهمت فی تعظیم خوفه ومصابه من خلال الحدبار والبئر، وما هذا إلا للحدبار وسیلة غیر مباشرة لصورة یزید بسطوته، ولقد سمت فنیته فی ذلک، إذ حرص على أن یجسد المعنى من خلال صورته بنوع من الاستعارة المباشرة، تدعنا نفهمه بقدر ما نراه، بالرغم من أنه لا یُرى. أما ذکره للفیل فی هذا المقام ، فقد کان نوعا من التعبیر بالافتراض والإیحاء، إذ لا یزال الفیل مثالا للقوة وشدة الاحتمال. فاستحالت تجربته فیه إلى فکرة یباشر بها المعنى التقریری الهادئ، فهو لا یمل ولا یجفو، ومن ثم یعرج على تصویره بالمعانی العامه، یقول: کَأنَّ ذَوِی الحَاجَاتِ یَغْشوْنَ مُصْعَبَا أَزَبَّ الجِرانِ ذَا سَنَامَیْن أَحْرَدَا تَخَمَّط فَحْلَ الحَرْبِ حَتَّى تَوَاضَعَتْ لَهُ وَاعْتَلاهَا ذَا مَشِیْبٍ وَأَمْرَدَا وَمَا وَجَدَتْ فِیهَا قُرَیْشٌ لأَمرِهَا أَعَفَّ وَأَوْفَی مِن أَبیک وَأَمْجَدَا وَأَصْلَبَ عُوداً حِینَ ضَاقتْ أمُورُها وَهَمَّتْ مَعَدٌّ أّنْ تَخِیْمَ وَتَخْمُدَا وَأَوْرىَ بَِزَنْدَیْهِ وَلَو کَانَ غَیرُهُ غَدَاةَ اختِلافِ الأَمْرِ أَکْبَی وَأَصْلَدَا (دیوانه، 1979م: 307-308) وتشبیه یزید بن معاویة بالبعیر، هو تجسید لمعنى التعالی بما کان یتمثلها به معاصروه، وإذا تأملنا البعیر، الناهد إلى أعلى، تطالعنا فیه الکبریاء والعنجهیة، فکأنه مزهو بما هو علیه، وهذه الصورة أقرب إلى الصورة العربیة القدیمة التی کان یزهو بها الشخص فی الجاهلیة وأیام البداوة. النتیجة اعتمد الأخطل فی شعره على الخطاب الدینی بشکل مباشر بالاعتماد على فکرة الجبر التی أشاعها الأمویون، وکان بهذا ناطقا بلسانهم، فحقق للخلفاء ما أرادوا، کما رکز الأخطل على وصف الأمویین بالمقدرة فی سیاسة الرعیة وتدبیر شؤون الملک وأشاد بمجدهم فی الجاهلیة والإسلام، خوفا وطمعا لا قناعة بما قال. رسم الشاعر للخلیفة صورتین، خارجیة وداخلیة، وهذا ما جعل صورة الخلیفة عنده ممیزة عن الآخرین، الصورة الخارجیة، هی صورة عامة کانت تعد سلفا لکل الخلفاء، فهو کثیر الانتصارات، ینحدر من أرومة بنی أمیة، وهو سلیل حسبها ونسبها، أما ملامح الشخصیة الداخلیة فهی أقرب إلى الصورة الخاصة، إذ نجد الخلیفة یمتاز بالقوة ورباطة الجأش، وقد لجأ إلى هذه الصفات؛لأنه لم یجد ما یؤیدها فی الدین والعقل والتاریخ والمنطق. لقد وفق الأخطل فی بناء الصورة ورسمها ضمن الإطار الإسلامی من منظور آخر( مسیحی) فجاءت الصورة کما أرادها الخلیفة، وجاءت الصورة عند الأخطل متداخلة بین الصورة الدینیة والسیاسیة والتقلیدیة المتوارثة، وقد حشد الأخطل کل الأدوات المکملة للصور من تجوید وتنقیح وتهذیب؛لتخرج ضمن إطار یلیق بالممدوح سیاسیا ودینیا. | ||
مراجع | ||
اعتمدت فی تحلیل الشعر ومناقشته على (شعر الأخطل) صنعة السکری. (1979م). تحقیق فخر الدین قباوة. الطبعة الثانیة. بیروت: دار الآفاق الجدیدة. الأصفهانی، أبو الفرج. (1997م). الأغانی. الطبعة الثانیة. لامک: دار الکتب العلمیة ودار إحیاء التراث العربیة. بدوی، عبدة. (1987م). دراسات فی النص الشعری. الطبعة الأولی. الکویت: عصر صدر الإسلام وبنی أمیة. الجندی، درویش. (1970م). ظاهرة التکسب وأثرها فی الشعر العربی ونقده. القاهرة: دار نهضة مصر. ابن جعفر، قدامة. (د.ت). نقد الشعر. تحقیق کمال مصطفى. لامک: لانا. حاوی، إیلیا. (د.ت). الأخطل فی حیاته وشعره ونفسیته. بیروت: دار الثقافه. حسین، طه. (1963 م). حدیث الأربعاء. الطبعة13. لامک: دار المعارف. الحوفی، أحمد. (1965 م). أدب السیاسة فی العصر الأموی. الطبعة الأولی. بیروت: دار القلم. خلیف، می یوسف. (1993م) التیار الإسلامی فی القصیدة الأمویة. دار الثقافة للنشر والتوزیع. خلیف، یوسف. (1991م). فی الشعر الأموی. دراسة فی البیئات. القاهرة: مکتبة غریب. الدقش، کامل. (1993م). الدولة الإسلامیة. ط1. عمان: دار الأرقم. رومیة، وهب. (1997م). بنیة القصیدة العربیة حتى نهایة العصر الأموی، قصیدة المدح نموذجاً. دار سعد الدین. سرکیس، إحسان. (1981م). الظاهرة الأدبیة فی صدر الإسلام والدولة الأمویة. ط1. بیروت: دار الطلیعة للطباعة والنشر. ابن سلام ، محمد. (1964م). طبقات فحول الشعراء. تحقیق محمود محمد شاکر. مصر: طبعة دار المعارف. الشایب، أحمد. (1976م). تاریخ الشعر السیاسی إلى منتصف القرن الثانی. ط5. بیروت: دار القلم. ضیف، شوقی. (1977م). التطور والتجدید فی الشعر الأموی .ط6. القاهرة: دار المعارف. ضیف، شوقی. ( 1963م). العصر الإسلامی. ط12. القاهرة: دار المعارف. عطوان، حسین. (1986م). الأمویون والخلافة. ط1. بیروت: دار الجیل. عطوان، حسین. (1990م). الشورى فی العصر الأموی. ط1. بیروت: دار الجیل. العوا، محمد سلیم. (1989م). فی النظام السیاسی للدولة الإسلامیة. ط1. القاهرة: دار الشرق. فتوح، محمد. (1991م) الشعر الأموی. ط1. دار المعارف. ابن قتیبه، أبو محمد. (1925م). عیون الأخبار. مصر: دار الکتب المصریة. ابن قتیبه، أبو محمد. (1964م). الشعر والشعراء. تحقیق أحمد محمد شاک. بیروت. القط، عبد القادر. (1979م). فی الشعر الإسلامی والأموی. بیروت: دار النهضة العربیة. القاضی، عبدالجبار. (1986م). فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة. ط2. تونس: الدار التونسیة للنشر والتوزیع. المغزاوی، محمد بن عبدالرحمن. (1996م). فتح البر فی الترتیب الفقهی. ط1. الریاض. المسعودی، أبو الحسن. (د.ت) مروج الذهب ومعادن الجوهر. ط البهیة. النص، إحسان. (1977م). الشعر السیاسی فی عصر بنی أمیة. دمشق. الهادی، صلاح الدین. (1986م). اتجاهات الشعر فی العصر الأموی. ط1. القاهرة: مکتبة الخانجی.
اعتمدت فی تحلیل الشعر ومناقشته على (شعر الأخطل) صنعة السکری. (1979م). تحقیق فخر الدین قباوة. الطبعة الثانیة. بیروت: دار الآفاق الجدیدة. الأصفهانی، أبو الفرج. (1997م). الأغانی. الطبعة الثانیة. لامک: دار الکتب العلمیة ودار إحیاء التراث العربیة. بدوی، عبدة. (1987م). دراسات فی النص الشعری. الطبعة الأولی. الکویت: عصر صدر الإسلام وبنی أمیة. الجندی، درویش. (1970م). ظاهرة التکسب وأثرها فی الشعر العربی ونقده. القاهرة: دار نهضة مصر. ابن جعفر، قدامة. (د.ت). نقد الشعر. تحقیق کمال مصطفى. لامک: لانا. حاوی، إیلیا. (د.ت). الأخطل فی حیاته وشعره ونفسیته. بیروت: دار الثقافه. حسین، طه. (1963 م). حدیث الأربعاء. الطبعة13. لامک: دار المعارف. الحوفی، أحمد. (1965 م). أدب السیاسة فی العصر الأموی. الطبعة الأولی. بیروت: دار القلم. خلیف، می یوسف. (1993م) التیار الإسلامی فی القصیدة الأمویة. دار الثقافة للنشر والتوزیع. خلیف، یوسف. (1991م). فی الشعر الأموی. دراسة فی البیئات. القاهرة: مکتبة غریب. الدقش، کامل. (1993م). الدولة الإسلامیة. ط1. عمان: دار الأرقم. رومیة، وهب. (1997م). بنیة القصیدة العربیة حتى نهایة العصر الأموی، قصیدة المدح نموذجاً. دار سعد الدین. سرکیس، إحسان. (1981م). الظاهرة الأدبیة فی صدر الإسلام والدولة الأمویة. ط1. بیروت: دار الطلیعة للطباعة والنشر. ابن سلام ، محمد. (1964م). طبقات فحول الشعراء. تحقیق محمود محمد شاکر. مصر: طبعة دار المعارف. الشایب، أحمد. (1976م). تاریخ الشعر السیاسی إلى منتصف القرن الثانی. ط5. بیروت: دار القلم. ضیف، شوقی. (1977م). التطور والتجدید فی الشعر الأموی .ط6. القاهرة: دار المعارف. ضیف، شوقی. ( 1963م). العصر الإسلامی. ط12. القاهرة: دار المعارف. عطوان، حسین. (1986م). الأمویون والخلافة. ط1. بیروت: دار الجیل. عطوان، حسین. (1990م). الشورى فی العصر الأموی. ط1. بیروت: دار الجیل. العوا، محمد سلیم. (1989م). فی النظام السیاسی للدولة الإسلامیة. ط1. القاهرة: دار الشرق. فتوح، محمد. (1991م) الشعر الأموی. ط1. دار المعارف. ابن قتیبه، أبو محمد. (1925م). عیون الأخبار. مصر: دار الکتب المصریة. ابن قتیبه، أبو محمد. (1964م). الشعر والشعراء. تحقیق أحمد محمد شاک. بیروت. القط، عبد القادر. (1979م). فی الشعر الإسلامی والأموی. بیروت: دار النهضة العربیة. القاضی، عبدالجبار. (1986م). فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة. ط2. تونس: الدار التونسیة للنشر والتوزیع. المغزاوی، محمد بن عبدالرحمن. (1996م). فتح البر فی الترتیب الفقهی. ط1. الریاض. المسعودی، أبو الحسن. (د.ت) مروج الذهب ومعادن الجوهر. ط البهیة. النص، إحسان. (1977م). الشعر السیاسی فی عصر بنی أمیة. دمشق. الهادی، صلاح الدین. (1986م). اتجاهات الشعر فی العصر الأموی. ط1. القاهرة: مکتبة الخانجی.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,803 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 5,127 |