تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,346 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,960 |
دراسه نقدیة لعنصر اللون فی أَشعار بدر شاکر السیّاب الأسود والأبیض نموذجاً | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 6، دوره 3، شماره 11، اسفند 1434، صفحه 146-131 اصل مقاله (220.92 K) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نرگس أنصاری1؛ طیّبة سیفی2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1أستاذة مساعدة بجامعة الإمام الخمینی الدولیّة، إیران. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2أستاذة مساعدة بجامعة الشهید بهشتی، إیران. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
یعدّ اللون عنصراً هامّاً من عناصر الطبیعة والذی لفت انتباه الإنسان منذ القدیم وسحر روحه، فاهتمّ به الشعراء المعاصرون أکثر من الآخرین؛ لأنّهم عرفوا الألوان المتنوّعة وتأثیرها فتعلّقوا بها تعلّقاً وثیقاً واستعانوا بها فی صورهم الشعریة. ومنهم الشاعر العراقی المعاصر بدر شاکر السیّاب الذی یعتبر من روّاد الشعر الحر وأکبر الشعراء المعاصرین. إذ تمتلک الألوان خاصة الأبیض والأسود، دوراً هاماً فی أشعار السیّاب، فلذلک تسعى المقالة هذه إلى أن تکشف عن أهمیة هذین اللونین فی أشعار هذا الشاعر المعاصر وتدرس دلالاتهما المختلفة بعد استخراجهما عن مجموعاته الشعریة وتحلیلهما عبر رسوم بیانیة وجداول تدلّ علی الدلالات المختلفة لللونین وأهمیتهما فی معرفة حالات الشاعر النفسیة والروحیة. دراسة اللونین فی أشعار السیّاب تبیّن لنا أن اللون الأسود أکثر استعمالاً فی شعره وهو ممّا یدلّ على غلبة مشاعر الحزن والکآبة على روح الشاعر ونفسیته ومن جانبٍ آخر تقارب اللون الأبیض من الأسود فی شعره یکشف لنا عن رجاء الشاعر وأمله إلى المستقبل، إضافةً إلى ذلک أن هذین اللونین یظهران مشاعر الخیر والشرّ والحرب والصلح عند الشاعر فی مواطن کثیرة. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اللون؛ الصورة الشعریة؛ بدر شاکر السیّاب؛ اللون الأسود؛ اللون الأبیض | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إنّ اللون هو أول خصوصیة یجذب المشاهدین، فیعجبهم أو یؤدی إلى حزنهم. یعدّ اللون فی الأدب «أداة أساسیة للتصویر والذی یرتبط توظیفها بالزمان والبیئة واللغة والتراث وإبداع الأدیب وذوقه الفنّی وعوامل أخرى.» (دریاب، 1986م: 41) «والتعمّق فی الآثار الأدبیة تثبت أن استخدام الألوان فیها لیس من الصدفة، کما لم تستعمل فیها لمجرّد التزیین؛ بل توجد صلة وطیدة بین اللون ومستویات النص البنیویة والبلاغیة والتعبیریة.» (عصفور، 1983م: 281) «إنّ الألوان التی تعتبر من الظواهر الواقعیة فی الصور الشعریة تشتمل تراثاً ثقافیاً یحتوی بنیة الثقافات الأسطوریة والحضاریة ولها دلالات لغویة.» (محمد علی، 2001م: 193) «یتجاوز دور الألوان عن الدلالة المعجمیة إلى المعانی الإیحائیة؛ لأنّها من العناصر الحیة فی بنیة النصّ خاصة عندما تزیدها الأصوات والحرکات والموسیقى. إنّ معنى الألوان الدلالیة تتغیر بناء على حالة الشاعر النفسیة والموقف الذی یتحدّث فیه.» (محمد عبیدات، 2004م: 311) إذا اهتم الکتّاب والأدباء العرب والشعراء منهم خاصة إلى الألوان واستعانوا بها فی صورهم الشعریة وبما أن اللون یعدّ عنصراً هاماً فی بنیة القصیدة الفنّیة ویلعب دورا هاماً فی تکوین صورها الشعریة وکما نجد الکثیر من التشابیه والاستعارات والکنایات قد بنی على التوسیع فی معانی الألوان، فکانت هی عنصراً من العناصر المکوّنة للصور من القدیم والأدوات الفنیة التی کانت تزید القصیدة جمالاً. أما الشعراء المعاصرون فیعتنون بالألوان عنایة بالغةً لما فیها من أنواع ولعلمهم بها ولتعمّقهم فی عناصر العالم منها الألوان. وممّا یجدر بالعنایة الأکثر هو أنّ اللون کیف یرتبط بالعالم الذی یخلقه الشاعر ویؤثر على شعریّته وخیاله. واللونین الأسود والأبیض یعتبران من الألوان الأولى التی تعرّف علیهما البشر ولهما دلالات مختلفة، فیحتلّان مکانة خاصة فی أشعار الشعراء لاسیّما المعاصرین ومنهم السیّاب الذی یعدّ من روّاد الشعر الحر، وقد تمیّز شعره بمیزة خاصة باستخدام الألوان. خلفیّة البحث هناک بحوث سبقت هذا البحث بصورة عامة، منها ما قام بدراسة الألوان فی الصور الشعریة فی الشعر الجاهلی خاصة بعض المعلقات کـ: "الأساس الواقعی لجمالیات اللون فی شعر الأغربة" لخالد زغریت و"اللون فی الشعر العربی قبل الإسلام قراءة میثولوجیة" لإبراهیم محمد علی و"اللون فی القصیدة العربیة" لمحمد حافظ دیاب. کما یتناول بعض المقالات المطبوعة داخل البلد أیضاً أشعار المعاصرین ومنها ما نشرناها فی المجلات المحکّمة کـ"دلالتهای نمادین رنگ سبز در شعر حجازی" و"زیباییشناسی رنگ آبی در أشعار عبد الوهاب البیاتی" وغیرها. وقد عالج مرتضى قائمی فی مقالته "کاربرد رنگ در تصویرپردازیهای محمود درویش" والتی نشرها فی مجلة "أدب المقاومة" فی کرمان أشعار هذا الشاعر الفلسطینی. هناک مقالة أخرى عنوانها "عنصر رنگ در رمزگرایی محمود درویش" لمنصورة زرکوب، إلا أنّ المقالة هذه تناولت ولأول مرة دراسة اللونین الأبیض والأسود فی شعر السیّاب بأسلوب إحصائی ودراسة نقدیة تحلیلیة. لأن اللونین قد اتّخذا دلالات متنوعة مختلفة فی شعر الشاعر فیزیدانه جمالاً وفنّاً. إضافة إلى ذلک ثمّة أسباب جغرافیة وذاتیة فی حیاة السیّاب تؤثر علیه فتدفعه إلی أن یستخدم اللون بمعانیه المعجمیة والرمزیة والإیحائیة متأثراً بما واجهه من الحوادث المرّة فی مراحل حیاته الشعریة. المعانی التی قد تتّخذ دلالات متضادة لا یمکن فهمها وتحلیلها إلا بمعرفة حالاته النفسیة والروحیة. فلذلک تطرقت المقالة هذه إلى دراسة وتحلیل الأشعار التی استخدم فیها السیّاب اللونین مع دلالاتهما ومعانیهما الرمزیة وغیرها بعد مقدمة تمهیدیة عن حیاة الشاعر ومراحلها المختلفة وهی التی تسبب الدلالات الرمزیة فی أشعاره، ثم نواصل دراسة الأشعار وما فیها من اللونین الأسود والأبیض ونقوم بتحلیلها وفقاً لأسباب وعوامل مختلفة ذاتیة واجتماعیة وسیاسیة مضافاً إلی ذلک الجدول الإحصائی الذی یبیّن کمیة استخدام اللونین فی أشعار الشاعر. نظرة عابرة إلى حیاة الشاعر إن تجربة الشاعرالشعریة فی حیاته الذاتیة والاجتماعیة تؤثّر على مشاعره وتؤدّی إلی إنتاج الشعر، فلذلک یجب على الدارس أن یعرف ما مرّ به الشاعر من مختلف التجارب خاصةً فی العصر الحاضر؛ لأن المعاصرین من الشعراء أکثر استقلالیةً من غیرهم، یستخدمون الشعر کأداة للتعبیر عن أحاسیسهم ومعتقداتهم. «فالأحداث السیاسیة والاجتماعیة تمّت بصلة وثیقة بالمفردات التی یختارها الشاعر فی معجمه الشعری خاصة الألوان والسیّاب لا یستثنى من ذلک بل دراسة حیاته ضروری لاتصال شعره بمراحل حیاته المختلفة. فأشعاره تعکس حزن بلاده العراق خاصةً وبلاد العالم الثالث.» (بیضون، 1991م: 11) ولد بدر شاکر بن عبد الجبار بن مرزوق السیّاب سنة 1926م فی قریة "جیکور" الواقعة بجنوب العراق؛ ماتت والدته فی السادسة من عمره، فتولت شأنه جدتّه بعد أن تزوّج والده من زوجة أخرى. قضى دراسته الابتدائیة فی العراق فقصد البصرة لیواصل دراسته. کان السیّاب ینشد الشعر منذ المرحلة الابتدائیة. التحق سنة 1943م بمعهد المعلمین ببغداد واختار العربیة للدراسة، لکنّه انصرف عن الدراسة بعد عامین واشتغل بدراسة اللغة الإنجلیزیة وهو تأثر بإلیوت الشاعر الإنجلیزی الشهیر. اشتهر السیّاب بأنه من روّاد الشعر الحر وکان أوّل تجربته الشعریة فیه قصیدته "هل کان حباً" فی عام 1947م. کانت لحیاة الشاعر المضطربة بالغ التأثیر على شعره. یمکن أن نقسّم حیاته إلی مراحل أربعة: 1- المرحلة الرومانسیة: (1943م -1948م) فالأحداث المرّة التی شهدها الشاعر خلال هذه السنوات فی حیاته الأسریة جعلته یتمسک بعالم الخیال والرؤیا بعد أن رفض الواقعیة. فیمتاز شعره فی هذه المرحلة بمحاکاة القدماء کما کانت النشاطات الشیوعیة قویة فی العراق، فالتحق بها کثیر من الشباب العراقیین منهم السیّاب. 2- الواقعیة: (1949م - 1955م) تغیّر فیها نزعة الشاعر نحو الحیاة الاجتماعیة فتحوّل شعوره الفردی إزاء المصائب إلی شعور جماعی فقصائده "فجر السلام"، و"أنشودة المطر"، و"الأسلحة والأطفال"، و"المومس العمیاء" تعکس هذا الشعور. 3- التموزیّة أو الواقعیّة الحدیثة: (1956م - 1960م) یتمسّک الشاعر فی هذه المرحلة بعالم الأسطورة والرمز لیحفظ نفسه من الضغوط السیاسیة فیعبّر عمّا یشاهد فی واقع حیاته بالرمز منها قصائده: "مدینة بلامطر"، و"جیکور" و"المدینة". 4- الذاتیّة أو العودة إلی الذات: «تبدأ من 1961م عندما یصاب الشاعر بالمرض إلی أن یفارق الحیاة فی 1964م. یمیل الشاعر فیه إلی الذاتیة. کان شعره متأثراً بما کان یعانی الشاعر من الفقر والمرض فیعود إلی ماضیه للخلاص من مشاکله فیذکر ذکریاته الماضیة، ویشکو من الدهر و... فالأفکار هذه تتجلى فی دواوینه الثلاثة "المعبد الغریق"، و"شناشیل ابنة الجلبی"، ومنـزل الأقنان".» (بلاطه، 2007م: 119-81؛ عباس، 1983م: 99- 17؛ توفیق، 1979م: 116- 45؛ سیّاب،2000م: 34- 5) - دراسة الألوان فی شعر بدر شاکر السیّاب - اللون الأسود الأسود ما لیس فیه لون ولا ضوء یعادل اللیل والظلام ومن أهم خصائصه أنّه لون «فیه الصمت والسکون وعدم الحرکة و بما أنه یؤثّر فی خمود الجسم والروح یسبّب الخمول وتقلیل النشاط.» (أکبرزاده، 1375ش: 79) «یرمز الأسود إلی الحزن والخوف والخفاء والغموض والسرّ والموت والوحشة والقلق کما أن البعض یراه لون الشیطان وهو لون الجریمة والسرقة کما أنّه لون المأتم والحداد واستخدام مفردات: العام الأسود، والمجاعة، والثوب الأسود یدلّ على تأثیره السلبی.» (شی جی وا، 1377ش: 29) الأسود من أوضح الألوان فی أشعار السیّاب وأکثرها استعمالاً ولها دلالات مختلفة یدلّ علیها النظام الشعری. الحزن والظلم والیأس من أوسع الدلالات الرمزیة لللون الأسود فی شعره فقد استخدمه الشاعر تأثّراً بمجتمعه وبیئته أو استخدمه من أجل خصائصه النفسیة فی الإقبال على هذا اللون؛ لأنه شاعر حزین مهموم ومرجع حزنه هذا هو المصائب التی تحملها الشاعر فی طفولیته کما یعود إلی عدم نجاحه فی الحبّ أیضاً وبما أنّ الشاعر یمیل إلی الاجتماعیة فی المرحلة الواقعیة من حیاته (1949م- 1955م) فیتضمّن شعره مضامین الفقر والجوع عند شعبه والظلم الذی کان یسود على أرجاء مجتمعه الذی کان یتنازع بین السنة والحداثة والتجدّد والقدیم، فانعکس کل هذا فی شعر شاعر مبدعٍ کالسیّاب. کما کان مرضه الذی أصیب به فی نهایة عمره سبباً هاماً فی استخدامه الأسود لیرمز إلی ما یدور فی ضمیره من الآلام والهموم. فاللیل الذی من أکثر الرموز الاجتماعیة فی شعره یدلّ على ما نقول، فأصبح الأسود فی شعره رمزاً للظلمة والظلم والحزن والیأس: «یا وفیفة/ والحَمامُ الأسود/ یالَهُ شلالُ نورٍ مُنطَفِی/ یالَهُ نَهرُ ثِمَارٍ مِثلَهَا لَم یقطِف.» (سیّاب، 2000م: 1/93) إن الفشل فی الحبّ والحزن الذی ألمّ به إثره، دفعه إلی أن یری حبیبته حمامة سوداء وهی «رمز الظلمة والضیاع والحزن.» (الصائغ، 2003م: 127) فالحزن الذی غلب على الشاعر إثر ضیاع الحبیب والفراق عنه، جعله لیستعین بدلالة الأسود الرمزیة، فیصفه حماماً أسود والنور المنطفئ والثمر الذی لم تقطفه ید الشاعر. کما فقد الشاعر فی طفولیّته حنان الأم، فبدأ یبحث بدله عن علاقة مع کثیر من الفتیات إلاّ أنّها باءت بالفشل کلّها فتکدّر حیاة الشاعر خلال هذه السنوات التی تمتاز بالحرمان فیسری الأسود إلی شعره لیدلّ على حزنه وألمه: «مَضَت عشرٌ من السنوات، عشرة أدهُر سُود.» (سیّاب، 2000م: 1/ 107) فهو یهرب من اللیل الذی یذکّره بأحزانه ویبعث فی نفسه الخیفة والألم والهمّ فیطلب الشمس ألاّ تغرب: «قِفِی، لاتَغرِبِی، یا شَمسُ، ما یأتی مَعَ الَّلیل/ سِوى الموتى. فَمَن ذا یرجِعُ الغائبَ للأهلِ/ إذا ما سَدَّت الظَلمَاءُ/ دَروبَا أثمَرَت بِالبَیتِ بَعدَ تَطاوُلِ المَحل؟/ وإنَّ اللیلَ تَرجِفُ أکبُدَ الأطفالِ مِن أشباحِه السوداء.» (المصدر نفسه) وعندما یخیّم على شعره أجواء الألم من المرض والغربة والفراق عن الأحبة والأسرة فی آخر عمره، یجد حیاته سوداء تشبه اللیالی التی تمرّ به فی مدینة لندن بلیالی الموت. والسهر والبرد (وهو رمز الحیاة الغربیة) والضجر یدل على احتضاره فی الغربة، فلذلک یتمنّى أن یعود إلی وطنه لیتنفّس من هواء وطنه ویلمس جسمه ترابه وینحدر ماؤها کالدّم فی عروقه وأخیراً یأمل أن یدفن فی تراب وطنه: «فی لندنَ، اللیلُ موتٌ نَزعُهُ السَّهَرُ/ والبَردَ والضَجرُ/ وغربةٌ فِی سِوادِ اللیلِ سوداءُ/ یا ربِّ یا لیتَ أنّی لی إلی وطنِی/ عودٌ لِتَلثِمَنِی بالشمس أجواءُ/ مِنهَا تنفّست روحی: طینها بدّنی/ وماؤها الدمُ فی الأعراق ینحدرُ/ یا لَیتَنی بَینَ مَن فی تُربِهَا قُبِروا.» (المصدر نفسه: 1/153) وعندما یتحوّل السیّاب من شاعر رومانسی إلی شاعرٍ ملتزمٍ اجتماعیٍ یستخدم شعره لبیان أغراضه السیاسیة والاجتماعیة والمشاکل الإنسانیة، فلشعره فی هذه المرحلة أهمیة خاصة، یتّخذ الألوان مضامین ودلالات جدیدة. أما الأسود، فیدلّ على ظلم الحکام المستبدّین على البلاد والدّمار الذی تسببّه الحرب فهو واضح فی قصیدة "فجر السلام " التی یقابل الأسود فیها الأبیض وهو تقابل الحرب والسّلام والخیر والشرّ. فیحاول الشاعر أن یستخدم کلّ آلیات الکلام لیصف جمال السّلام وما یتأتّى على الحرب من مظاهرها وأنّها کیف فتحت فاهها لتأکل کلّ ما یقابلها: «شَدقٌ یزیدُ اتسَاعا کلّ مَا رُفِعَت/ سِترُ الدُّجَى خَفَقَت مِن کوکبٍ غَربَا/ آلَى على الأرضِ أن یجتَثَّ عَالِیهَا/ سَفِلا وَیصفَعَ مَن یأتِی بِمَن ذَهَبَا/ َولا یریقُ دَما إلا وَأضرَمَهُ/ نَارَاً وَ ذَرَّى رَمَادا مِنهُ أو لَهَبَا.» (المصدر نفسه: 2/449) وقد یحصی الشاعر آثار القنابل الذریّة من الدّمار والهلاک والموت محاولاً أن یقارن بین خوفه عنها وبین قصة قابیل الذی یرمز إلی إنسان ظالم سفاک: «ظَلَّ لِقَابِیلَ ألقَى عَبءَ ظُلمَتِهِ/ فَحمَا یسُودُ البَرَایا حَولَهُ القَلَقُ.» (المصدرنفسه) ثمّ یصف الظلام والسواد الذی سیطر على العالم إثر هذه الجرائم مشیراً إلی الطفل الرضیع الذی أصیب بالجنون إثر انفجار قنبلة وهو یعدو: «وَانقَضَّ- مِن حَیثُ تَهوَى الشَمسُ غَارِبة -/ لیلٌ مِنَ القَاصِفَاتِ السُودِ أو شَفَق/ جَنَّ الرَضِیعُ الذِّی یحبُو وَهَبَّ على/ رِجلَیهِ یعدو وَیلوِی جِسمَهُ العُنُق.» (المصدر نفسه: 450) یتحدّث الشاعر عن أولئک الذین یرغبون السّلام والصداقة ویریدون أن یسود ذلک فی أرجاء العالم، کأنهم یطلقونه کحمامة بیضاء فی السماء: «هذِی الیدُّ السَمحَةُ البَیضَاءُ کم مَسَحَت/ جُرجَا وَکم أزهَقَت أنفاسَ جَبَّار/ وَأطلَقت فِی الدُّجَى الأعمى حَمَامَتَها/ بَیضَاءَ کالمَشعَلِ الوَهَّاجِ فِی غَار.» (المصدرنفسه: 447) إلاّ أنّ جهدهم یخفق ولایتحقّق آمالهم فی انتشارالسلام إلاّ بالثورة والقیام ضدّ الرقّة والعبودیة وانهیار الطاغوت التی تشبه فی ظلامه باللیل فیستیقظ بذلک الشعوب من الغفلة خاصة الشعوب الشرقیة: «لَیلُ العُبُودِیةِ النَّکراءِ صَدعُهُ/ مَهَوى طَوَاغیتَ واستِبسالُ ثُوَّار... .» ( المصدر نفسه: 453) وفی قصیدته "الأسلحة والأطفال" یتحدّث السیّاب عن الذین یتجرّون الموت ویعطون الهلاک والدّمار للبشریة بتجارتهم الأسلحة والآلات الحربیة فیسیطر على شعره أجواء الموت باستخدامه کلمات الدّم، والنّار والدّخان إضافة إلی اللون الأسود: «یحُوک الرَّدى غَزلَهُ الأسودا/ دَمَاً أو دُخَاناً، یحُوک الرِّدى/ شُبَاکاً مِنَ النَّار حَولَ البُیوت/ عَلَى صَبیةٍ أو صَبَایا تَمُوت.» (المصدر نفسه: 1/303) یمتاز شعره باستخدام الأسطورة خاصة الأساطیر الیونانیة، فقد یوّفق الشاعر بین معناه المقصود وما یدلّ علیه الأسطورة واللون والمفردات الأخرى وکأنّه یضفی شعره لوناً من الجمال والإبداع: «تَمَوزُ یمُوتُ عَلَى الأفق/ وتَغُور دِمَاه مَعَ الشَفق/ فِی الکهفِ المُعتَم، وَالظَلمَاء/ نَقالة إسعَاف سَوداء/ وکأنَّ اللیلَ قطیعُ نساء؛/ کحلٌ وعباداتُ سُود/ اللیلُ خِبَاء/ اللیلُ نهَار مَسدُود.» (المصدر نفسه: 1/187) فیرمز التموز هنا إلی «الخصب والحیاة وموته موتها.» (عباس، 1983م: 247) فیحاول الشاعر أن ینتقل من وصف الذبول والموت فی الطبیعة ونضارتها إلی ما یعانی شعبه من الجوع والفقر. فالانسجام بین الأسطورة وقد یتأثّر الشاعر بتراثه الأدبی ویجعل الأسود لون الحداد والمأتم فیقول فی رثاء شهید من الشهداء: «شهید العُلا لن یسمَع اللومَ نادبُه/ وَلیسَ یرَى باکیه مَن قَد یعاتِبُه/ طَوَاهُ الرِّدى فَالکون لِلمَجدِ مَاتم/ مَشَارِقُهُ مُسوَدَّةٌ وَمَغَارِبُهُ.» (سیّاب، 2000م: 2/410) فیلبس المشرق والمغرب فی فقدانه ثوب المأتم وهو الأسود. وقد یدلّ بنیة الکلام على أنّ اللون الأسود جاء بمعنى الموت ذاته، ففی قصیدته "رحل النهار" تحدّث الشاعر عن رحیل سندباد (رمز الثورة والحریّة والمغامرة) الذی لایعود وعن رحیل النهار (رمز النور والضیاء): «رَحَل النَّهَار/ هَا إنَّه انطَفَأت زُبالته عَلَى أفُق توهَجّ دونَ نَار/ وَالبَحرُ یصرُخُ مِن وَرائک بالعَواصِفِ وَالرُّعُود/ هَو لَن یعُود/ أوَ مَا علمتِ بأنَّه أسَرَتهُ آلهةُ البِحَار/ فِی قلعةٍ سُوداءَ فِی جَزَرِ مِنَ الدَّمِ وَالمَحَار/ هُوَ لَن یعُود/ رَحَلَ النَّهار/ فَلتَرحُلی هُوَ لَن یعُود.» (المصدر نفسه: 1/141) فیکشف النهار والسندباد فی شعر السیّاب عن ثورة وحریّة وأمل فی مجتمع أو بیئة خاصة، لکنّه أسر فی قلعة سوداء أحاطها الدّم. فهذه الصورة التی یرسمها الشاعر یدلّ على فشل الثورة وخمود ضوء الأمل فی المجتمع فیغطّی الأفق بالعواصف والرّعود ویسیطر على القصیدة أشکال الموت والخوف. واللون الأسود یقوّی معنى الشعر وهو الموت: «الأفقُ غَابَاتٌ مِنَ السُحُبِ الثَقیلةِ وَالرُعُود/ المَوتُ فِی أثمَارهِ وَبَعضِ أرمِدِةِ النَّهار/ الموتُ مِن أثماَرِهنَّ وبعضِ أرمِدةِ النَّهار/ الخَوفُ مِن ألوانِهنَّ وبعضِ أرمدةِ النَّهار/ رَحَلَ النَّهار/ رَحَلَ النهار.» (المصدر نفسه) وممّا یجدر بالذکر أن الشاعر یلحّ على رحیل امرأة تنتظر مجیئ سندباد من سجنه فی القلعة السوداء والسحب التی تمطر الموت على الأرض فیبدو أن الشاعر یقصد من المرأة مجتمعاً متحضرة یتلاشى أرکانه برحیل السندباد ورحیل النهار منها. وربّما تدلّ القلعة السوداء على المصائب التی توجد فی طریق عود النهار والسندباد (أی عود الحریّة والحیاة والأمل) إلی هذه المدینة لبناء حضارة جدیدة متقدّمة. ویتّضح ممّا قیل أن للأسود دلالات سلبیة فی شعر السیّاب وهو لیس بغریب، لأنه یحکی خصائص الشاعر النفسیة والروحیة وممّا یجب الانتباه إلیه أن الأسود یستخدم أحیاناً بمعنى الجمال والحسن فی وصف المرأة وما بها من جمال. فالمرأة فی البیئة العربیة ترمز إلی الجمال، توصف بشعرها الأسود وعیونها السوداء وهذا اللون اتصل فی شعر السیّاب بأحبّته متأثراً فی ذلک بتراثه الأدبی القدیم: «مَاذَا تُریدُ العیونُ السُودُ من رَجُلٍ/ قَد حَاشَ زَهرُ الخَطَایا حینَ لاقَاهَا.» (المصدر نفسه: 1/201) «عِینَانِ سُوداوانِ أصفى مِن أمَاسِی اللِّقاء/ وَأحبُّ مِن نَجمِ الصَّباحِ إلى المَرَاعِی وَالرُّعَاء.» (المصدر نفسه: 1/55) «عَطَّرتُ أحلامِی بِهذَا الشَّذَى/ مِن شَعرِک المُستَرسِلِ الأسود.» (المصدر نفسه: 1/63) والأخیر عن اللون الأسود فی شعر السیّاب أنّه استخدم صریحاً کما تدلّ علیه مفردات: اللیل، والدّخان، والظلمة، والدیجور، والغبراء، والرّماد، والحزن و... وغیر مباشر. اللون الأبیض والأبیض من أهمّ میزاته أنّ «له کیفیة إیجابیة مهیّجة، ومضیئة، ولطیفة ودقیقة.» (علی أکبرزاده، 1375ش: 78) ومن أبرز معانیه الرمزیة الطهارة، والعصمة، والبراءة، والفرح والانتصار. الأبیض یرمز إلی السّلام ونهایة الحرب، فلذلک رایة السلام بیضاء، لأنها «علامة التسلیم، ومتارکة الحرب، والصداقة وحسن التفاهم.» (کوپر، 1379ش: 172) وهو یخالف السواد والظلمة ویقابل اللیل کالنهار. الأبیض لون یحبّه القلوب، لأنّه یبعث الأمل ویسبّب المحبّة والودّ إلی أن یتداعى الطهارة والبراءة والتفاؤل. یحتلّ الأبیض المکانة الرابعة فی أشعار السیّاب بین الألوان التی استخدمها وهو أیضاً جاء بصورة صریحة وغیر صریحة. والسیّاب شاعر یأمل السعادة والسلام والنصر للشعب العراقی رغم ما کان یعانی هو وشعبه من الحزن والألم فاستعان باللون الأبیض للتعبیر عن السّلام والأمل والحریّة. فعندما یصوّر الحرب بین المستعمرین یراهم تجاراً یشعلون نار الحرب ویقطعون أیدی الشعوب السمحاء فیقول: «هَذِی الیدُ السَمحَةُ البَیضاءُ کم مَسَحَت/ جُرحَاً وَکم أزهَقَت أنفاسَ جَبَّار.» (السیّاب، 2000م: 2/447) یصف أیدیهم وهی بیضاء تمسح الجروح وتهلک المستبدین. فهذه الأیدی هی تنادی بالسّلام والصداقة فی العالم لأنّه یواصل قائلاً: «وأطلَقَت فِی الدُّجَى الأعمَى حَمَامَتهَا/ بَیضاءَ کالمَشعَلِ الوَهَّاج فِی غَار.» (المصدر نفسه) فالأیدی البیضاء تطلق الحمامات البیضاء فی العالم الذی یسیطر علیه ظلام الظلم کمشعل یضیئ الطریق أمام البشریة. فالحمامة البیضاء ترمز إلی السّلام والودّ والحریّة کما یعبّر الدکتور الصائغ أنّ «للأبیض إیحاءات وإشارات مختلفة یدلّ على البراءة والطهارة کما یدلّ على الخیر والسلام.» (الصائغ، 2003م: 118) فقد استخدم السیّاب الحمامة البیضاء للدلالة على السّلام فی بلده العراق والذی یضمّن السعادة والرفاهیّة لشعبه ویضیئ لهم الطریق ویخرجهم من الظلمات. فالعبارة "الدّجى الأعمى" یمثّل الظلم والفساد والدمار والحمامة التی حلّقت فی سماء بلاد العالم الثالث، ولطمت على وجه الظلام وهی تمهّد الطریق للفجر والانتصار وکذلک یصوّر التضاد الدائم بین الخیر والشر، والبیاض والسواد، والحرب والسّلم فی شعر السیّاب ویؤکد على ایمان الشاعر بالوصول إلی النصر لأنّه یذکر آثار السّلم بتعبیرات مختلفة: «کأنَّمَا فَجَّرَت مَاء لِظَامِئَة/ أو أطلَعَت کوکبَا یأتَمَّه السَارِی.» (السیّاب، 2000م: 2/447) استخدم السیّاب مصطلح "الید البیضاء" فی قصیدة أخرى یعبّر عن اتجاهاته الشیوعیّة ویصف فیها بطولات الشباب وأصدقائه: «حرکتَ فِی المُستَقبَلِ الدَّاجِی یداً/ بَیضَاءَ تَمسَحُ أدمُعَ البُؤَسَاء.» (المصدر نفسه: 2/497) کان یعتقد الشاعر أن الشیوعیة یحقّق النصر للعراق ویخلّص الشعب من الاستعمار، فیصف یدها بیضاء وهی تحاول أن تحفظ الضعفاء فی مستقبل العراق المظلم والأسود، تمسح الدموع من عیون البؤساء وتهب السعادة للشعب العراقی عندما تغلب على أعدائهم المستعمرین. وقد استعمل اللون الأبیض فی التراث الأدبی القدیم للدلالة على الجمال کالأسود. فاستخدمه العرب للتعبیر عن جمال المرأة لأنها کانت محبوباً عنده کما وصف الله تعالى المرأة فی کتابه بصفة البیضاء: ﴿کأنَّهُنَّ بِیضٌ مَکنُون﴾ (صافات: 49) فانعکس ذلک أیضاً فی أشعار الشاعر واستفاد من اللون الأبیض لوصف المرأة منها: «وَاهاً لأجسَادِ الحِسَان! أ یأکلُ اللیلُ الرَّهیب/ وَالدُّودُ، مِنهَا، مَا تَمَنَّاه الهَوَى؟.» (السیّاب، 2000م: 1/ 288) وقد یضیف المعنى الرمزی إلی المعنى الجمالی ویدل على الطهارة والبراءة فی المرأة أیضاً: «هِی الَّتِی بِالأمسِ کاَنت کمَا/ رَجَی خَیالٌ لِلهَوى الأوَّل/ یَمُوجُ فِی مِرآتِهَا ظِلُّهَا/ سوسَنَةً بیضَاءَ فِی «فرأی الشاعر وجه المرأة سوسنة حسناء، أما اللون الأبیض فقد زاد الصورة جمالاً وخیالاً وذلک لأنّ اللون یعدّ من العناصر الهامة فی خلق التشابیه والاستعارات والصور الحسیّة والمتحرّکة.» (شفیعی کدکنی، 1370ش: 271) وفی قصیدة أخرى یخاطب الشاعر حبیبته مشبهاً أقدامها البیضاء وسط الأعشاب الخضراء بفراشة بیضاء، فالتشبیه هذا یدلّ على جمال المحبوب إضافة إلی براءتها وطهارتها: «أینَ مِنهُنَّ خَفقُ أقدَامِک البَیضَاءِ بَطنَ الحَشیشِ فَوقَ اخضِرارِه/ مِثلَ نَجمَتَین أفِّلَتَا مِن مِدارَینِ/ فَجَالَ الضِّیاءُ فِی غَیر دارِه/ أو فَراشَینِ أبیضَینِ استَفَاقَا یسرِقَان الرَّحِیقَ مِن خُمَارِه.» (السیّاب، 2000م: 1/83) وأحیاناً یستعین الشاعر بالنور الذی یدلّ على اللون الأبیض غیر مباشرٍ لوصف ما فی حبیبه من الحسن والجمال: «کم عَاشِقٍ کانَت أمانِیُه أنْ/ یرتَشِفَ النورَ عَلَى جِیدِهَا.» (المصدر نفسه: 2/253) وقد تدلّ النجوم على اللون الأبیض والذی یستخدمها الشاعر لوصف جمال المرأة وهی أیضاً تدلّ على البراءة والطهارة فیها: «أنتُنَّ أسعَدَ ما أظَلَّ الکونَ یا زهَرالنُجُوم/ أنتُنَّ أبصَرتُنَّ ذاک الوَجهَ فِی اللیلِ البَهیم.» (المصدر نفسه: 1/111) وفی قصیدته "لیلةالقدر" تأثر الشاعر بسورة القدر ویصف فیها أجنحة الملائکة بیضاء تعبیراً عن صفاءها وطهارتها أیضاً: «لَیلَةَ القَدرِ نُوراً أضَاءَ لَنَا/ قاعَ السَماءِ فَأبصَرَنا مَدى عَجَبا/ تَنَزَّلَ الرُّوحُ رِفَافَا بِأجنِحَة/ بِیضٍ عَلَى الکونِ أرخَاهُنَّ أو سَحَبَا.» (المصدر نفسه: 2/534) وقد یلازم الأبیض حرکة المیاه لما فیها من الهدوء والطمأنینة لیقصد الشاعر منها إلی الراحة والرفاهیّة والهدوء الذی یلازم حیاته فیصف جدول ماء أحاطته الغمائم البیضاء وهی تسیر هادئاً مع خریر المیاه: «وَأغِیبُ فِی نِغَمٍ یذُوبُ.. وَفِی غَمَائِمَ مِن عَبیر/ بَیضَاءَ مِکسَالِ التِلَوى تَستَفیقُ عَلى خَرِیر.» (المصدر نفسه: 1/63) ویمکن أن نقول إنّ الأنهار التی کانت تجری فی قریة الشاعر تلهمه هذه الصورة فهی إذن ترتبط بحیاته الذاتیة وهدوءها وسکونها. تتّصف الأمور المعنویة کالحسیّة بالألوان فی أشعار السیّاب منها "الرؤى" التی یراها الشاعر بیضاء: «خَیالُک أضَحى لابِسَا مِن فؤادیا/ رداء مُوَشّى بالرؤى البِیضِ حَالِیا.» (المصدر نفسه: 2/415) یخاطب الشاعر هنا خیال حبیبته ویصفها بیضاء «لیرسم صورة جمیلة منها، لأنّ قلبه یبدّل إلی رداء ملوّن بخیال المحبوب البیضاء التی تلبس هذا الرداء.» (آل موسى، 2008م: 463) فطهارة المحبوب وبراءتها هی التی تدفع الشاعر لیصف خیالها بیضاء کأنّه یأمل أن تتحقّق تلک الرؤى. فقد صوّر الشاعر الأمور المعنویة ملوّنة لیجعلها محسوساً ملموساً للمخاطب. یتّخذ اللون الأبیض دلالة سلبیة فی أشعار السیّاب إضافة إلی دلالاته الإیجابیة، فیدلّ على اقتراب الموت والانفصال عن الدنیا وفراقها وذلک بأن یرتبط الأبیض بالشیب ویذکر السیّاب إلی جانب ذلک أمارات الشیخوخة الأخرى من العصا: «والمَرءُ لایمُوتُ إن لَم یفتَرِسهُ فِی الظِّلامِ ذِیب/ أو یختَطِفهُ مَارِد، والمَرءُ لا یشِیبُ/ فَهَکذا الشُیوخُ مُنذُ یولَدون/ الشَعرُ الأبیضُ وَالعَصَى وَالذُوقُون.» (المصدر نفسه: 1/103) الجدول الإحصائی لللونین الأسود والأبیض فی أشعار السیّاب:
إنّ الأعداد المذکورة فی الجدول تدلّ على غلبة الأسود على الأبیض فی أشعار السیّاب والصور الشعریة التی استخدم فیها الشاعر هذین اللونین بکمیتهما المختلفة تبیّن أنّه کان قد نفر الأسود باحثاً عن البیاض والفجر والصبح. «قال علماء النفس عن الأسود بأنّه ینفی ذاته وهو رمز یتوقّف عنده الحیاة ویوحی الهلاک والخلاء وهو یقابل البیاض الذی یشبه صفحة فارغة تکتب علیها القصة، لکنّ الأسود هو النقطة الأخیرة لها ولایوجد وراءها شیئ. والشخص الذی یختاره کأنّه ینفی کل شیئ ویعترض بما یجری حوله لأنّ الحیاة والظروف لیست کما یرید هو فیقف أمام مصیره.» (لوشر، بیتا: 97-98) اشتهر شاعرنا السیّاب بشاعر الوجع لما شاهد من آلام الفقر والجوع والمرض طوال حیاته التی کانت ملیئة بالهموم النفسیة کما وجد ما کان یعانی شعبه من الحزن والمشاکل لأجل الاستعمار والحکّام الظالمین فاختار الأسود تعبیراً عن تلک المعانی والظروف التی تبیّن اشمئزاز الشاعر منها وهی واضحة فی أشعاره. ومن جانب آخر إنّ النماذج الکثیرة من اللون الأسود إلی جانب المفردات التی توحی بالسواد غیر مباشرة مثل اللیل والظلام وغیرها تدلّ على أن الشاعر یحتاج إلی الهدوء والطمأنینة والخلاص من المشاکل؛ «لأن الإنسان مهما کانت حاجته بالهدوء أکثر کان میله إلی الألوان الداکنة أکثر غریزیاً وعکس ذلک أنه إذا أراد أن یطلق طاقاته بالعمل أو النشاط الذهنی یمیل إلی الألوان الفاتحة.» (المصدر نفسه: 26) کما أن کمیّة استخدم الشاعر لللَّون الأبیض دلیل على عدم یأسه من الحیاة بل هو یأمل الفرج. النتیجة ومن مستجدات البحث هی ما یلی: أنّ الأسود عند الشاعر یعدّ من أهم الألوان وأکثرها استعمالاً ولعلّه ینبعث من حیاته الذاتیة وما عانى فیها من الآلام والهموم کما یرجع إلی التزامه الاجتماعی. کان السیّاب یتألّم بما یواجه فی مجتمعه من الأحداث والفجائع، فانعکس اللون الأسود فی شعره أکثر من غیره واتّخذ تعبیراً سلبیاً عن تجارب الشاعر وحزنه أو حزن شعبه کما وصف به الشاعر ظلم الحکام وفسادهم وقد یستخدمه للتعبیر عما حلّ به من الیأس إثر الحیاة وغلبة الموت علیها. قد یقابل الأسود والأبیض کشفاً عن التضادّ بین الخیر والشرّ فی الکون وأحیاناً یتأثر الشاعر بتراثه الأدبی القدیم ویضفی الأسود طابعاً تراثیاً فی الدلالة على المأتم والحداد أو تعبیراً عن جمال المرأة فی عیونها وشعرها. أما الأبیض فمن أبرز معانیه الرمزیة ودلالاته الإیحائیة هو النور والبراءة والصمت والطهارة والهدوء. استخدمه السیّاب للدلالة على القدرة والطاقة عند المجاهدین وطالبی السلام کما یرسم جمال المرأة وحسنها وطهارة الحبیب وبراءتها مستعیناً باللون الأبیض. وقد یأتی البیاض تعبیراً عن الحرب ودمارها تصویراً لتقابل الخیر والشرّ. کما أنّ النماذج التی استخدم فیها الشاعر اللون الأبیض تبیّن أنه یتّخذ دلالات سلبیة کالأسود. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آل موسى، علی علی. 2008م. شعریة القلق عند بدرشاکر السیّاب. الطبعة الأولی. بیروت: دار الأولى. توفیق، حسن. 1979م. شعر بدر شاکر السیّاب دراسة فنیة وفکریة. الطبعة الأولی. بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر. دیاب، محمد حافظ. 1984م. «جمالیات اللون فی القصیدة العربیة». مجلة الفصول. الهیئة المصریة العامة للکتاب. العدد5. السیّاب، بدر شاکر. 2000م. الأعمال الشعریة الکاملة. الطبعة الثالثة. بغداد: دار الحریة للطباعة والنشر. شفیعی کدکنی، محمد رضا. 1370ش. صور خیال در شعر فارسی. الطبعة الرابعة. طهران: انتشارات آگاه. شیجیوا، هیداکی. 1377ش. همنشینی رنگها. ترجمه فریال دهدشتی، ناصر پورپیرار. الطبعة الأولی. طهران: نشر کارنگ. صائغ، وجدانغ. 2003م. الصور الاستعاریة فی الشعر العربی الحدیث. الطبعة الأولی. بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر. عباس، إحسان. 1983م. بدر شاکر السیّاب دراسة فی حیاتة وشعره. الطبعة الخامسة. بیروت: دار الشروق. عصفور، جابر. 1983م. الصورة الفنیة فی التراث النقدی والبلاغی عند العرب. الطبعة الأولی. (لامک):دار الحوار. علیأکبر زاده، مهدی. 1375ش. رنگ وتربیت. الطبعة الثانیة. طهران: انتشارات میشا. محمد عبیدات، عدنان. 2004م. الأداء باللون فی شعر المتنبی. مجلة دراسات العلوم الإنسانیة والاجتماعیة. العدد 3. لوشر، ماکس. 1386ش. روانشناسی رنگها. ترجمه ویدا ابیزاده. الطبعة 23. طهران: انتشارات درسا. محمد علی، إبراهیم. 2001م. اللون فی الشعر العربی قبل الإسلام قراءة میثولوجیة. الطبعة الأولی. طابلس: جروس برس. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 2,041 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 1,013 |