تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,800,502 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,301 |
إشکالیّة "الوظیفة المسرحیّة" لدى المسرحیّین الروّاد فی المشرق: بلاد الشام وإیران وترکیا العثمانیّة | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 6، دوره 3، شماره 9، شهریور 1434، صفحه 134-119 اصل مقاله (1.53 M) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسنده | ||
فاطمه پرچکانی | ||
أستاذة مساعدة بجامعة الخوارزمی، إیران. | ||
چکیده | ||
واجه المسرحیّون الروّاد فی بلدان المشرق فی القرن التاسع عشر إشکالیّة فیما یتعلّق بوظیفة المسرح. کان هؤلاء فی بلاد الشام وإیران وترکیا العثمانیّة یؤکّدون على ضرورة وجود المسرح فی بلادهم. إنّهم لم یروا المسرح تسلیة فحسب، بل اعتبروا أنّ وظیفة المسرح تتخطّى التسلیة، وله وظائف أخرى. إنّ المسرحیّین الروّاد فی المشرق آمنوا بفوائد فنّ المسرح، وکتبوا مقالات عنه وعن فوائده للمجتمع والشعوب، واعتبروها من أفضل الآداب والفنون، وأنّ المسرح یقدّم خدمات کبیرة لتقدّم البلاد، وهو فنّ تسلیة متعال. فی رأیهم یمکن للمسرح المساهمة فی تهذیب الطبائع وإصلاح النفوس وتنویر العقول ومحاربة الأفکار المتحجّرة، وأنّه یتمتّع بوظیفة رسالیّة فی المجتمعات. بالرغم من اعتبار المسرح فنّا ترفیهیّا، إلاّ أنّ القائمین به اعتقدوا بأنّه من أفضل وسائل الترفیه والتسلیة، حیث یقدّم فوائد للمجتمع ویهذّب الشعب ویطوّر الأخلاق الاجتماعیّة، فضلا عن البُعد الترفیهیّ له. فلذلک دافعوا عن المسرح، على أنّه فنٌّ مفید للشعب یجب التمسّک به. | ||
کلیدواژهها | ||
المسرح؛ الوظیفة المسرحیّة؛ بلاد الشام؛ إیران؛ ترکیا العثمانیّة | ||
اصل مقاله | ||
وظیفة الفنّ أو النوع الأدبیّ الجدید هما إشکالیّة وتحدّ یواجههما من یقوم بممارسته لأوّل مرّة؛ الأمر الذی واجهه المسرحیّون الروّاد فی بلدان المشرق الإسلامی عند قیامهم بممارسات مسرحیّة أو تألیف مسرحیّ فی بدایات دخول هذا الفنّ بالمعنى الحدیث فی تلک البلدان فی القرن التاسع عشر للمیلاد. تتطرّق هذه الدراسة إلى وظیفة المسرح فی المجتمع من وجهة نظر المسرحیّین الروّاد والذین اهتمّوا بهذا الفنّ فی بلدان إسلامیّة شرقیّة کانت رائدة فی إدخال المسرح إلیها، هی بلاد الشام وإیران وترکیا العثمانیّة، لتبیّن ما هو المطلوب من المسرح کفنّ للعرض وکنوع أدبیّ، من خلال فهمهم لهذا الموضوع. ویتمّ البحث عن وظیفة المسرح من وجهة نظر المسرحیّین الروّاد فی بلدان المشرق، بشکل عامّ بالنظر إلى ما کُتب عن المسرح فی بدایات نشأته فی المشرق، من مقالات ومذکّرات ومقدّمات مسرحیّة، لیتبیّن لنا ما هی الوظیفة التی کانت مطلوبا من المسرح فی رأی المسرحیّین الروّاد، ومَن کان من أنصار المسرح.
بلاد الشام؛ المسرح مصلح للنفوس بالنسبة إلى وظیفة المسرح، من وجهة نظر المسرحیّین الروّاد فی بلاد الشام فی فترة نشأة المسرح فیها، فعلینا النظر إلى ما کتبه عنه الروّاد فی هذه المنطقة مارون نقّاش وأبو خلیل القبّانی، وآخرون. یشیر مارون نقّاش الرائد المسرحیّ فی لبنان، إلى أهدافه من الاهتمام بالمسرح فی خطبة قدّمها عند عرض مسرحیّته الأولى "البخیل"، نورد قسمًا منها بسبب أهمّیّتها ومن ثمّ نتطرّق إلیها: »... وها أنا متقدّم دونکم إلى قدّام، محتملاً فداءً عنکم إمکان الملام، مقدّما هؤلاء الأسیاد المعتبرین، أصحاب الإدراک الموقّرین، ذوی المعرفة الفائقة، والأذهان الفریدة الرائقة، الذین هم عین المتمیّزین بهذا العصر، وتاج الألبا والنجبا بهذا القطر، ومبرزا لهم مرسحا أدبیّا، وذهبا إفرنجیّا مسبوکا عربیّا، على أنّنی عند مروری بالأقطار الأوروپاویّة، وسلوکی بالأمصار الإفرنجیّة، قد عاینت عندهم فیما بین الوسایط والمنافع، التی من شأنها تهذیب الطبائع، مراسح یلعبون بها ألعابا غریبة، ویقصّون فیها قصصًا عجیبة، فیرى بهذه الحکایات التی یشیرون إلیها، والروایات التی یتشکّلون بها ویعتمدون علیها، من ظاهرها مجازٌ ومزاحٌ، وباطنها حقیقةٌ وصلاحٌ.« (نقّاش، 1869م: 15- 16) یشیر نقّاش فی هذه الخطبة إلى أنّ المسرحیّة: »تنقسم إلى مرتبتین، کلتاهما تقرّ بهما العین، إحداهما یسمّونها بروزه وتنقسم إلى کومیدیا ثمّ إلى دراما وإلى تراجیدیا ویبرزونها بسیطًا بغیر أشعار، وغیر ملحّنة على الآلات والأوتار. وثانیتهما تسمّى عندهم أوپرا، وتنقسم نظیر تلک إلى عبوسة ومحزنة ومزهرة، وهی التی فی فلک الموسیقى مقمرة... .« (نقّاش، 1869م: 16) ویشیر إلى أنّه اختار النوع الثانی أی المسرحیّة الغنائیّة لأنّه کان لدیه »ألذّ وأشهى، وأبهج وأبهى. ومن عادة المرء ألاّ یجود ممّا بیدیه، إلاّ على ما مالت نفسه إلیه. والمصنّف حیثما یکون مناه، یطفح نحوه جود قریحته ونهاه. ثانیًا حیث ظنّ المرء بالناس، کظنّه بنفسه بلا التباس، فترجّحت آرائی ورغبتی وغیرتی، أنّ الثانیة تکون أحبّ من الأولى عند قومی وعشیرتی. فلذلک قد صوّبت أخیرًا قصدی، إلى تقلید المرسح الموسیقیّ الجدّیّ.« (نقّاش، 1869م: 16) بهذا الکلام نستنتج أنّ مارون نقّاش عرف أنواع المسرح واختار بوعی کبیر المسرح الغنائیّ أو نوعا من الأوپرا. ولاختیاره هذا سببان له لتفضیل المسرح الموسیقیّ على غیره، الأوّل أنّه معجب بهذا النوع، والثانی أنّه یعتقد بأنّ الشعب العربیّ واللبنانیّ سیُعجبه المسرح الموسیقیّ أکثر من غیره. یعتقد نقّاش بوجود رسالة تهذیبیّة للمسرح، إذ إنّه یرى بأنّ المسرحیّات »مملوّة من المواعظ والآداب، والحکم والإعجاب، لأنّه بهذه المراسح تنکشف عیوب البشر، فیعتبر النبیه ویکون منها على حذر، وعدا اکتساب الناس منها التأدیب، ورشفهم رضاب النصائح والتمدّن والتهذیب.« (نقّاش، 1869م: 18) ویعرّف المسرح أکثر، جاهدا فی الإشارة إلى أبعاد المسرح الموسیقیّ المتعدّدة ومکوّناته، من نصّ ومعان وتمثیل وألحان وغناء وموضوع. کما أنّ هناک فصولاً مضحکة تُعرض بین فصول المسرح الرئیسیّة. »... فإنّهم بالوقت ذاته یتعلّمون ألفاظًا فصیحة، ویغتنمون معانی رجیحة، إذ من طبعها تکون مؤلّفة من کلام منظّم، ووزن محکم، ثمّ یتنعّمون بالریاضة الجسدیّة، واستماع الآلات الموسیقیّة، ویتعلّمون إن أرادوا مقامات الألحان، وفنّ الغنا بین الندمان، ویربحون معرفة الإشارات الفعّالة، وإظهار الإمارات العمالة، ویتمتّعون بالنظارات المعجبة، والتشکّلات المطربة، ویتلذّذون بالفصول المضحکة المفرجة، والوقایع المسرّة المبهجة، ثمّ یتفقّهون بالأمور العالمیّة، والحوادث المدنیّة، ویتخرّجون فی علم السلوک، ومنادمة الملوک، وبالنتیجة فهی جنّةٌ أرضیّة، وحافلةٌ سنیّة، فأرجوکم أن تصغوا لها وتسمعوا، وهذا ضربٌ منها فتمتّعوا.« (نقّاش، 1869م: 18) أمّا عن تاریخ المسرح فی العالم، فنرى أنّ مارون نقّاش لا یملک معلومات کافیة عنه، إذ بعد الإشارة إلى أنّ البعض یُعیدون تاریخه إلى زمن إبراهیم، یضیف إلى أنّ تاریخ المسرح یعود إلى عهد الرومان. فلا یشیر نقّاش إلى المسرح فی عهد الیونان الذی یسبق الرومان. یقول نقّاش: »اعلم أنّ وجود هذا الفنّ فی العالم هو قدیم جدًّا حتّى قال بعض المؤرّخین إنّه من زمن أبینا إبراهیم، وإنّ ظننّا ذلک مبالغة، فلا نقدر أن نشکّ بما أجمعت علیه آراء المؤرّخین بأنّه من زمن الرومانیّین وقبل مجیء سیّدنا یسوع المسیح بأجیال کثیرة، وإنّما فی أوائل الأمر کانوا یشخّصون الروایات بخلاف أسلوب، أی أنّهم فی وسط النهار کان یجتمع البعض ویرکبون خیولهم ویمرّون بالأزقّة والشوارع بإشارات وحکایات وتقلیدات بها مواعظ وإنذار حیث یقلّدون مثلاً السکر أو البخل وهلمّ جرّا.« (نقّاش، 1869م: 19) کذلک یحاول نقّاش إعطاء رؤیة عن المسرح فی أوروپا إلى أهل بلاده، ویصف المسارح فی إیطالیا ودور الأوپرا والزینة فیها والأموال الکثیرة المصروفة لها، وعظمة الجوقات الموسیقیّة فیها، وتأثّر المشاهدین بالمسرحیّات. کما أنّنا نشیر فیما یتعلّق بخطبة نقّاش وإدراکه وفهمه عن المسرح، أنّه مقتنع بأنّ المسرح وسیلة حضاریّة وثقافیّة متقدّمة، وأنّ هذه الوسیلة لم تکن موجودة فی البلدان العربیّة، وأنّ إدخالها إلى هذه البلدان تطلّب جهدًا کبیرًا، وهذا الجهد یحتاج إلى حسن التدبیر والتعامل مع المسرح بحکمة. کما أنّ مارون نقّاش یُظهر لنا أنّه على وعی کامل بما یقوم به من الجهد، وأنّه أخذ مصدره الفکریّ فی المسرح من الثقافة الأوروپیّة، لکنّه یصوغه صیاغة عربیّة کی یلائم الذوق والمجتمع العربیَّین، لأنّه یدرک الفرق بین الثقافتین الأوروپیّة والعربیّة، لذلک یرى أنّه یجب علیه مراعاة هذا الفرق. کما أنّه یرکّز على الوظیفة الرسالیّة للمسرح، وإن کان کغیره یبالغ فی وجود هذه الوظیفة، إلاّ أنّه یؤمن بذلک، فبناء علیه یکلّف نفسه الجهد المسرحیّ ومعاناته واعیا صعوباته. أمّا عن أبی خلیل القبّانی الرائد المسرحیّ فی سوریا، وعن فهمه للمسرح، ودور هذا الفنّ ووظیفته فی المجتمع، فی رأیه، فنجد أنّ نظرته تشبه نظرة نقّاش، حیث یرى للمسرح غایة فی إصلاح النفوس وتهذیبها وتنویر العقول. کما أنّنا نرى أنّه یحاول کنقّاش مواءمة المسرح مع ذوق شعبه، بقیامه بإدخال الأشعار والأغانی على المسرحیّات. لفهم نظرة القبّانی إلى المسرح، من الجدیر الإشارة إلى أبیات وضعها فی مقدّمة مسرحیّة "هارون الرشید مع أنس الجلیس" وهی: »مراسح أحرزت تمثیل من سلفوا وعظًا وجاءت لنا عنهم کمرآة تمثّل الیوم أحوال الأُلى سبقوا من طیّبات لهم أو من إساءاتِ عسى یکون لنا فیمن مضى عبر تجدی ونعلم أنا عبرة الآتی عسى نکون کرامًا إذ یشخّصنا من بعدنا أو فیا طول الفضیحاتِ فالحرّ إن مات أحیته فضائله والوغد إن عاش مقرون بأمواتِ هذا هو القصد من تمثیل من عبروا لا اللهو والزهو والإعجاب بالذاتِ« (حمو، 1998م: 12) یدلّ مضمون هذه الأبیات على أنّ القبّانی لا یرى المسرح تسلیة ولهوًا، بل ینظر إلیه کعبرة وعظة، وتصویر للماضی وتجاربه، ومرآة للواقع. کما أنّ المسرح فی رأیه وسیلة لتهذیب الأخلاق والنفس وإظهار الفضائل وکشف الفضائح. کذلک یؤکّد القبّانی على نظرته هذه إلى المسرح فی قوله: »التمثیل جلاء البصائر، ومرآة الغابر، ظاهره ترجمة أحوال وسیر، وباطنه مواعظ وعبر، فیه من الحکم البالغة، والآیات الدامغة، ما یطلق اللسان، ویشجّع الجبان، ویصفی الأذهان، ویرغب فی اکتساب الفضیلة، وهو أقرب وسیلة، لتهذیب الأخلاق ومعرفة طرق السیاسة، وذریعة لاجتناء ثمرة الآداب والکیاسة.« (حمو، 1998م: 12- 13) وبالرغم من أنّ القبّانی کان منجذبًا إلى تمثیلیّات خیال الظلّ التقلیدیّة التی کانت تُعرَض فی دمشق، کان یرى أنّ القیام بتمثیلیّة حیّة مؤلّفة من الأشخاص أفضل من خیال الظلّ، وهذا ما أدخل فی ذهنه قراره لمحاولة إیجاد المسرح. ینقل المالح عن القبّانی کلامه: »نحن نأکل ونشرب ونتحدّث ونُسمع الناس أصواتنا الطبیعیّة (غیر المزیّفة). فإذا کتب أحدنا قصّة لخمسة أشخاص أو أکثر، ثمّ أخذنا نتحاور فی کلّ ما من شأنه أن یعود بالفائدة على المجتمع ویحطّم الأدمغة المتحجّرة. ألیس ذلک أفضل من تلک الخیالات التی یزرع فیها الحیاة المؤقّتة رجل واحد؟ ومع مرور الأیّام نختار القصص العربیّة والتاریخیّة والإسلامیّة الطافحة بالتوجیه والعبر والشجاعة والفداء والتضحیة. ومن ثمّ نضیف إلینا من یغنّی ویطرب ومن یرقص السماح ویبدع ونقیم الحفلات المبدئیّة فی قاعات البیوت الکبیرة. لا ریب أنّه عمل شاقّ، ولکنّه یصبح سهلاً هیّنًا إذا تضافرنا جمیعًا وذلّلنا العقبات التی لا بدّ من أن تعترض طریقنا لأوّل وهلة.« (المالح، 1984م: 13) ویبدو أنّ أصحاب القبّانی وافقوا على خطوته المقترحة وبدأوا یهیّئون ما یلزم، ویقدّمون عروضهم فی قاعة واسعة فی بیت جدّ القبّانی. (المالح، 1984م: 13) من خلال کلام القبّانی، نرى لنظرته إلى المسرح بُعدَین: الفنّیّ الشکلیّ والغایی. فی البُعد الفنّی، یعتبر القبّانی أنّ التمثیل الحیّ من قِبل الأشخاص أحسن من التمثیل بالدمى، حیث من الأفضل الاستفادة من أعمال الإنسان من الأکل والشرب والتحدّث بدلاً من اللعب بالدمى، لأنّ تأثیر تمثیل الأشخاص فی الناس والمشاهدین أکثر من تأثیر الدمى. أمّا فیما یتعلّق بالغایة من المسرح، فیرى القبّانی المسرحَ فنًّا مفیدًا للمجتمع یحارب الأفکار المتحجّرة والمتخلّفة، ویؤدّی إلى إیقاظ الناس ورفع إدراکهم ووعیهم. کما أنّ القبّانی، کونه عربیًّا ومسلمًا، یؤمن بضرورة مواکبة المسرح للذوق العربیّ والإسلامیّ واختیار القصص العربیّة والإسلامیّة، کی یتقبّله الناس، فضلاً عن إدخال الغناء والطرب ورقص السماح إلى المسرح لتقریب فنّ المسرح من المزاج العربیّ. وطبیعیّ أنّ کون القبّانی موسیقیًّا وملحنًّا، ساعده فی أن یأخذ المسرح وسیلة لإظهار إبداعاته الغنائیّة والتلحینیّة. لذلک علینا أن ننظر إلى القبّانی باعتباره یمزج الموسیقى والمسرح، فهو لیس موسیقیًّا فحسب، کما أنّه لیس مسرحیًّا فقط، بل یجمع الوسیلتین من أجل الحصول على غایته فی العمل الفنّیّ، ألا وهی إفادة المجتمع فضلاً عن تسلیة الناس. وقد یکون من المفید أن نشیر إلى وظیفة المسرح لدى مسرحیّ آخر فی بلاد الشام ساهم فی تطوّر المسرح فی هذه المنطقة، وهو سلیم نقّاش ابن أخی مارون نقّاش الذی کان من ضمن فرقة مارون المسرحیّة وتعلّم التمثیل منه ومثّل فی مسرحیّاته، ومن ثمّ استمرّ فی العمل المسرحیّ بعد مارون وألّف فرقة مسرحیّة، کما أنّه أکمل نشاطه المسرحیّ فی مصر أیضًا. یرى سلیم نقّاش أنّ إظهار الفضائل فی المسرحیّة من ضروریّاتها، یقول: »أمّا ما یُشترط فی الروایات، فهو أن تجلی بها الفضیلة ونتائجها الحسنة، لتمیل الناس إلیها، وتبدو الرذیلة تحت برقع الأدب مع عواقبها الوخیمة لیرى الناظر شناعتها فیتجنّبها ویأنف من الإتیان بها. أمّا العشق الشدید فیظهر أیضًا لتبدو عواقبه إن حسنة وإن قبیحة. وذلک یتأتّى عن کیفیّة العشق، فإنّه قد یکون أدبیّا لا یأنف الشهم منه، وقد یکون وخیمًا لا یقبله الذوق السلیم، وفی الأمرین فوائد لا تنکر. وهذا هو المطلوب من کلّ مؤلّف روایة تشخّص روایاته لدى الجمهور. وما أحسن ما قاله فی هذا الباب راسین الفرنسویّ الشهیر عن مؤلفّی الروایات الأدبیّة، وهو أنّ روایاتهم تفید من یحضر إلیها ویسمع حکمها فائدة لا تنالهم من مدارس الفلسفة الکبرى. وعلیه لا تفید الروایات ما لم ینشر بها طیّ الهزل حکم عن مبادىء التهذیب والتمدّن.« (نقّاش، 1875م: 517) یؤمن سلیم کغیره من المسرحیّین الروّاد فی بلاد الشام بفضیلة المسرحیّة ونتائجها الحسنة، وتأثیرها الإیجابیّ فی الناس. والأهمّ من ذلک، أنّه یؤکّد على ضرورة أن یُظهر المسرح الحسنات من أجل أن یمیل إلیها الناس. کما أنّ على المسرحیّ أن یخلق عواقب وخیمة للرذائل من أجل أن یتّقی شرّها الناس. فضلاً عن ذلک، من الضروریّ أن تظهر النتائج الإیجابیّة والسلبیّة للعشق الشدید. وفی فهمه للمسرح ووظیفته، یستشهد بالمسرحیّ الفرنسیّ راسین کی یؤکّد على فائدة المسرح للمجتمع.
إیران؛ المسرح مصلح العیوب ویأتی دور إیران کی ندرس فیها نظرة المسرحیّین الروّاد إلى المسرح، ووظیفة هذا الفنّ بالنسبة إلیهم. فی هذا المجال کتب آخوند زاده، أوّل کاتب مسرحیّ فی إیران عن ضرورة التمسّک بالمسرح وفائدة هذا الفنّ: »انتهى دور گُلِستان...، هذا النوع من المؤلَّفات لا یفید الشعب الیوم. إنّ المؤلَّف الذی یتضمّن فوائد للشعب ومناسب للطبائع هو فنّ الدراما... فی الإفرنج بلغ مؤلّفو هذا النوع من التألیفات وفقًا لموهبتهم إلى درجات عالیة والشهرة الکبیرة... من هؤلاء الأشخاص مولییر وشکسپیر.« (آدمیت، 1349ش: 54- 55) إنّ فکرة التجدید والحداثة تظهر بوضوح فی ما کتبه آخوندزاده عن اتّجاهه إلى الکتابة المسرحیّة، حیث یشیر إلى أنّه یؤمن بأنّ الزمن قد تغیّر وتحوّلت الأفکار والآداب، وأنّ على الکتّاب أن یخلقوا شیئًا جدیدًا، وعلى الأدب أن یوقظ الأذهان ویکون مرآة للجیّد والردیء فی المجتمع. وبهذا الکلام، یدعو آخوندزاده إلى الإتیان بالجدید والحدیث لأنهما مفیدان، والابتعاد عن الماضی، لأنّه لم یعد مفیدا. أمّا بالنسبة إلى اتّجاه آخوندزاده إلى الکومیدیا أکثر من أنواع مسرحیّة أخرى، فإنّنا نستنتج ممّا کتبه فی مقدّمة مسرحیّاته أو نقده لمسرحیّات "میرزا آقا تبریزی" أو فی رسائله إلى الآخرین أنّه یحاول التوجّه نحو الکومیدیا لأنّها لم تکن موجودة فی البلدان الإسلامیّة قبل ذلک الوقت. حیث یشیر آخوندزاده إلى أنّه من الطبیعیّ أن یمیل الطبع البشریّ إلى "المصائب والمفرحات"، وفی الغرب منذ العصور القدیمة بنوا مبانی المسارح من أجل عرض مسرحیّات عن المصائب أو عن الفرح، لکن فی البلدان الإسلامیّة ترکّز الاهتمام فقط على ذکر المصائب، ولیس الأفراح، ویضیف: »بدلاً من مجالس التعزیة... علینا أن نُقیم تیاترات فی إیران کالتی توجد فی الإفرنج.« (آدمیت، 1349ش: 56) یؤکّد هذا الکلام على النظرة الحداثویّة التی کانت لدى آخوندزاده، کما أنّه یدلّ على إصراره على إدخال الحداثة والفنّ الحدیث أو النوع الأدبیّ الحدیث إلى البلد والابتعاد عن الأنواع التقلیدیّة التی یراها غیر مفیدة للشعوب. کما أنّ هذه النظرة مشترکة بین الکثیر من المسرحیّین الروّاد فی المشرق، منهم میرزا فتح علی آخوندزاده وإبراهیم شناسی ومارون نقّاش الذین تمسّکوا بالکومیدیا أکثر من أنواع مسرحیّة أخرى، حیث إنّهم رأوا فیها فوائد أکثر لشعبهم ومجتمعهم، ووسیلة لإیجاد الوعی بین الناس من خلال إظهار معایب الشعب فی المسرح الکومیدیّ وإمکانیّة أخذ العبَر منها. ومرّة أخرى، کتب آخوندزاده إلى السفیر الإیرانیّ فی ترکیا العثمانیّة "میرزا حسین خان" فی جواب انزعاجه من مسرحیّات آخوندزاده المنتقِدة للحکومة الإیرانیّة، مؤکّدًا على إمکانیّة کون المسرح عبرة للناس: »... قبل المجیء إلى إسلامبول کنتُ قد أرسلتُ نُسَخًا من تمثیلاتی إلى إیران کی یتعرّف مواطنیّی على فنّ الدراما الشریف أی التیاتر. إنّنی کنت أعتبر هذا النوع من المؤلَّفات حبّ الوطن عینه، لأنّ شعوب أوروپا جمیعها کتبت هکذا مؤلَّفات عن أحوال الناس وتصرّفاتهم وتَعتبر هذا الفنّ فرصة لتهذیب الأخلاق، ومن الواضح أنّ فی کلّ شعب یوجد مخادعون وأشرار وحمقى. یتمّ إظهار أحوال وتصرّفات هؤلاء الأشخاص کی تکون عبرة للآخرین.« (آخوندزاده، 1963م: 108- 109) فی مقدّمة مجموعة "تمثیلات"، یقدّم آخوندزاده تعریفًا بفنّ المسرح، ویعتقد بأنّه مؤثّر فی تهذیب الأخلاق والآداب الإنسانیّة. وهو یقسّم الوظیفة المسرحیّة إلى قسمین: نقل المصائب أی تراجیدیا ونقل الفرح أی کومیدیا. ویرى أنّ الکومیدیا لها تأثیر أکبر فی إصلاح أخلاق الناس وإرشادهم إلى الطریق الصحیح ومحاربة الفساد، وهو کذلک یختار هذه الطریقة لیفضح العیوب والمفاسد المتفشّیة فی عصره بلسان الکومیدیا والضحکة. (آخوندزاده، 1356ش: 27- 28) من اللافت تأکید آخوندزاده على أنّه یمکن من خلال الکومیدیا وإضحاک الناس کشف العیوب والمفاسد. ویدلّ کلامه على أنّه یرى للمسرح وظیفة إصلاح العیوب وتهذیب الأخلاق. إلى جانب نظرة آخوندزاده إلى المسرح، من الجدیر أن نشیر إلى نظرة میرزا جعفر قراچه داغی، مترجم مسرحیّات آخوندزاده، إلى المسرح وغایته من ترجمة المسرحیّات. یقول میرزا جعفر: »... فنّ التیاتر هذا الذی هو أصلح وأهمّ وأوّل وسیلة للتقدّم لم یصبح مشهورًا فی إیران وباللغة الفارسیّة بعد... علم تهذیب الأخلاق الشریف لم یُکتب قط باللغة الفارسیّة على الطریقة الکومیدیّة ووفقَ فنّ تیاتر النظیف الذی هو ألطف الکلمات... إن شاء الله یُکتب بقلم هذا المجهول فی هذه الرسالة، لأنّ نشره وشهرته وسیلة للبصیرة لأهل البلد وسببًا لتسهیل تعلّم اللغة الفارسیّة فی الخارج.« (آخوندزاده، 1963م: 17- 25) نرى أنّ میرزا جعفر کآخوندزاده یبالغ فی التعریف بفنّ المسرح باعتباره أهمّ وأوّل وسیلة لتقدّم الشعوب، بالرغم من أنّه کان یُعتبر ظاهرة جدیدة للنقد فی المجتمعات آنذاک. کما یشیر میرزا جعفر إلى أنّ »الهدف من هذا التألیف والترجمة علم تهذیب الأخلاق.« (آخوندزاده، 1356ش: 23) ویرکّز على موضوع تهذیب الأخلاق من طریق المسرح، حتّى أنّه یسمّی فنّ المسرح بـ "علم تهذیب الأخلاق". کما أنّه یحاول من خلال إرشاداته فی مقدّمة ترجمته لـ "التمثیلات" أن یرشد القارىء إلى کیفیّة قراءة المسرحیّة، مثل شرحه للتوضیحات التی یوردها الکاتب خارج الحوار والتی تسمّى الیوم "الإرشادات الإخراجیّة". یقول: »فی بعض الأماکن عندما یتمّ شرح المجلس أو وضع المتکلّم إلى جانب اسمه، ویُقال مثلاً أنّه یرکع أو یبکی أو یضحک، لا ترتبط هذه بالکلام ولا یجب أن یُقرأ فی الحوار.« (آخوندزاده، 1356ش: 26) حتّى أنّنا نرى أنّ المترجِم یوصی القرّاء أن یضعوا أنفسهم مکان شخصیّات المسرحیّات عند قراءة نصّ مسرحیّ، وکأنّهم یمثّلون أدوار الشخصیّات:»یجب أن یکون فی مکان الاستغراب مستغرَبًا، عند السؤال سائلاً، لدى الخوف خائفًا، وقت السکوت ساکتًا، عند الضحک ضاحکًا، لدى البکاء باکیًا، عند التغییر متغیَّرًا.« (آخوندزاده، 1356ش: 26) هذا الکلام إشارة إلى توجیهات عن فنّ التمثیل المسرحیّ أیضًا. هذا الشرح من قِبل المترجِم یساعد أیضًا على کیفیّة تلقّی المسرحیّات، کذلک إمکانیة نقل المسرحیّة إلى حرکة وعمل، لأنّه من البدیهیّ أنّ القارىء الإیرانیّ الذی یواجه لأوّل مرّة نصوصًا مسرحیّة سیطرح لدیه أسئلة عمّا یراه جدیدًا فی هذا النوع من النصّ. أمّا بالنسبة إلى أفکار میرزا آقا تبریزی، أوّل کاتب مسرحیّ إیرانیّ باللغة الفارسیّة، عن المسرح، فیکتب بنفسه قائلاً: »یوما من الأیّام، کان کاتب هذه الأوراق مشغولاً بالتحدّث مع فئة من الأصدقاء فی مجلس أقامه أحد الأصحاب. فجأة برز الحدیث عن فوائد مطالعة الحکایات والاستماع إلى الروایات، ووصل الحدیث إلى قیاس حسن التعابیر وأسلوب البیان وفهم الکنایات والإشارات. فی تلک اللحظة قام صاحب المجلس فورًا وأحضر کتاب الأدیب اللبیب والکولونیل السید میرزا فتح علی آخوندزاده الذی کُتب باللغة الترکیّة وبأسلوب جدید... وبما أنّ تکرار هکذا حکایات وذکر هذا النوع من المصنَّفات یُعتبر سببًا لترقیة الشعب وتربیته وإکمال العبرة والتجربة، فلذلک قام هذا العبد الحقیر بتقلید هذا الأسلوب المیمون وکتب کتابًا باللغة الفارسیّة یشمل أربع حکایات، وکلّ حکایة تحتوی على أربعة مجالس سنة ألف ومائتین وثمان وثمانین للهجرة [1871 للمیلاد].« (تبریزی، 1355ش: 1- 2) کان من المقرّر أن یترجم تبریزی مسرحیّات آخوندزاده الترکیّة إلى اللغة الفارسیّة، إلاّ أنّه قرّر القیام بالتألیف المسرحیّ بتقلید منه بدلاً من ترجمة مسرحیّاته. ویؤکّد فی حدیثه على أنّه یرى فی المسرح وسیلة للتربیة والتهذیب والعبرة للناس. هناک مستند آخر متعلّق بتبریزی معنون "فی نتیجة تحریر الکتاب"، والذی وُجد فی أرشیف آخوند زاده من دون أن یحمل تاریخًا معیّنًا، یشیر فیه تبریزی إلى رؤیته الجمالیّة للمسرح وأهمّیّة هذا الفنّ بأسلوب السؤال والجواب. »السؤال: ما الفائدة من هذا الفارغ والملیء؟ الجواب: أقول بما أنّ قراءة الحکایات والاطلاع على القصص والروایات، والتفکیر والتعمّق فیها، یفتح البصیرة ویسبّب الوعی وزیادة التربیة للشعب، وتؤدّی العبرة والتربیة إلى تطوّر البلد وتنمیته، ویوصل هذان الاثنان إلى انتظام الدولة وقدرتها، لذلک فقراءة هکذا حکایات مفیدة جدًّا بل هی واجب، على هذا الأساس قمت بکتابة هذه الأوراق المبعثرة... السؤال: لکن، لذکر عیوب الناس وقبائح أعمالهم بصراحة، ولإظهارها إلى الآخرین، نتائج سیّئة وتنتج عداوة، فما الضرورة من أن یخلق الإنسان عدوًّا لنفسه عبثًا ویسبّب مشاکل لنفسه؟ الجواب: هذا الکلام یتطلّب فصلاً من الأجوبة... أوّلاً، إنّ الانتباه إلى القائل [المسرحیّ] مهمّ، وهل هو یقول من أجل تبیان الحقیقة أو من أجل الاستهزاء والاستخفاف. إنّنی أعلن بصوت عال وأعترف بأنّنی من الشعب الإیرانیّ وأعتبر فی غایة الغیرة والتعصّب أنّ صلاح شعبی فخر وشرف لنفسی وأعتبر عار شعبی یتعلّق بی أیضًا... ثانیًا، سمعنا من النصحاء المشفِقین والشیوخ الکبار أنّ الصدیق الحقیقیّ هو أن یقول عیب صدیقة لا أن یخفیه، والعدوّ العالِم هو الذی یُخفی عیوب عدوّه عنه کی تزید وتتحوّل إلى العادة. تظهر أضرار الأعمال القبیحة لدى شعب خاصّة عندما تفرح البعض فی الأطراف والأکناف من العالم الموافِقة والمعارِضة بسبب وجود العیوب أو یتّجهون إلى الاستخفاف والاستهزاء. فمن هنا واجب على أفراد الشعب أن یسعوا بأیّ نحو کان إلى إیجاد أسباب التنبّه من أجل تحریر شعبهم من مأساة العیوب والتصرّفات القبیحة. فإذن إنّ کتابة هذا النوع من القصص والحکایات ستکون نوعًا من أسباب البصیرة والمعرفة.« (تبریزی، 1355ش: 193- 195) تلفت عدّة أمور فی هذا المقطع، منها محاولة تبریزی تسویغ المسرح وإظهار أهمّیّته، وبالتالی صون نفسه ومسرحه من المعارَضة التی یتوقّع أن یواجهها. فضلاً عن ذلک، من المهمّ إشارته إلى الصراحة فی المسرح، وقدرة المسرح على النقد، وکذلک اعتبار المسرح نقدًا بنّاءً ولیس مدمِّرًا. وتبریزی لا یعتبر النقد من طریق المسرح مهمًّا فحسب بل أکثر من ذلک، فهو یعتبره ضروریًّا من أجل إصلاح المجتمع وصونه من العیوب، إذ یعتبر أنّ إظهار العیوب الاجتماعیّة والسیاسیّة على الملإ من طریق المسرح یمنع الناس و أهل الدولة من ارتکاب القبائح والأخطاء أو تجنّب تکرار أخطائهم بإعطائهم معرفة قبحها. لذلک یُعتبر المسرح وسیلة من وسائل صقل البصیرة والمعرفة لدى الشعوب. وهذه التسویغات تُظهر لنا "الوظیفة الاجتماعیّة" للمسرح من وجهة نظر تبریزی، بینما کانت وجهة نظر آخوندزاده مرکَّزة على "الوظیفة الأخلاقیّة" فی الدرجة الأولى. وکما رأینا یعتقد المسرحیّون فی بلدان المشرق بوظیفَتین أساسیَّتین للمسرح، هما التسلیة والترفیه من جهة، والتعلیم والتهذیب من جهة أخرى. ترکیا العثمانیّة؛ المسرح ترفیه أخلاقیّ فی ترکیا العثمانیّة کان البعض یعتبرون أنّ المسرحیّات الغربیّة لا تتوافق مع التقالید والمعتقدات الشرقیّة، لذلک فإنّ اقتباس المسرحیّات من الغرب یؤدّی إلى إفساد الفکر الوطنیّ الترکیّ. (خیال، 17 تموز 1290ق: 85) إلاّ أنّ البعض الآخر یجیب على ذلک بأنّه بسبب وجود الاختلاف بین التقالید الغربیّة والشرقیّة، یجب تکییف المسرحیّات المقتبسة مع الفکر الشرقیّ کی تتطابق مع تقالید ومعتقدات الشرقیّین. (خیال، 3 أغسطس 1290ق: 90) ورد فی جریدة "قاسا" العثمانیّة: »لا یمکن أن ننکر إلى أیّ درجة یخدم المسرح العادات والأخلاق، لأنّه لا یمکن وصف وتقدیر منافع المسرح ومزایاه. ولیس کذبًا إذا قلنا إنّه لا یوجد فی عالم الأدب شیء یؤدّی إلى تنویر الأفکار وتهذیب الأخلاق وتطهیر الضمائر... أکثر من المسرح. فبناء علیه، إنّ الأدباء الشرقیّین والغربیّین قدّموا خدمات کبیرة إلى المسرح وترکوا آثارًا جمیلة تخدم الأخلاق. وإذا نظرنا إلى مکتبة الآثار الأدبیّة للمشاهیر الأوروپیّین، وإلى آثار النظم والنثر، ألیس المسرح هو الأثر الأکثر حیویّة وتأثیرًا؟ وإذا ألقینا نظرة على روائع الأدباء فی عصرنا، والتی تحیّر العقول، نرى أنّ المسرحیّات هی الأجمل بینها.« (قاسا، 1290ق: 8- 10) یرکّز هذا المقال على الفوائد الکامنة فی المسرح للأشخاص والمجتمعات، من جهة أنّ المسرح خدمة لعادات الناس وتقالیدهم، کما أنّه یفضّل المسرح على الأنواع الأدبیّة الأخرى من أجل تهذیب الأخلاق، ویعتقد بالتأثیر الکبیر لفنّ المسرح فی المجتمعات، وأنّه أفضل الآداب والفنون. "نامق کمال"، المسرحیّ العثمانیّ الرائد، کتب کثیرًا عن دور المسرح لیشیر إلى وظیفة التسلیة ووظائف أخرى له، منها ما کتبه مدافعًا عن أفکاره عن المسرح: »کنتُ قد قلتُ فی مکان آخر إنّ المسرح عبارة عن تسلیة، إلاّ أنّه التسلیة الأکثر فائدة، لأنّه یفوق الحواسّ الظاهرة فی شدّة الانفعال وقوّة الانتقال، ویُشارک النظر والسمع، ویؤثّر فی الفکر والضمیر بهاتین الوساطتین. لذلک لا ینفصل المسرح عن ماهیّة التسلیة، وفی البلدان المتحضّرة قدّم المسرح خدمات کثیرة للثورات والتقدّم أکثر من جمیع المنشورات... إنّه تسلیة متعالیة یمکنها أن تعطی سلاحًا منتصرًا للفکر السیاسیّ... حتّى إنّه فی أوروپا أجمل آثار للأدباء المشهورین هی المسرحیّات.« (شرق، 1297ق: 10- 19) کذلک کتب نامق کمال فی مکان آخر أنّ المسرح لیس أساسًا مکسبًا أخلاقیًّا، بل هو ترفیه، وحتّى الأحداث الحزینة فی المسرحیّة لا تُلغی کونها ترفیهًا، لکنّها تُفضَّل على أسباب الترفیه الأخرى، بسبب أنّها تخدم فکر الإنسان. ویضیف: »ما هی الفائدة أکثر من أن یکون فی التسلیة عبرة؟... إنّ المسرح خیالٌ شاعریّ للجسم والروح، وکأنّه یمسک بید الإنسان، ویفتح الستائر المخفیّة للقلوب، ویُسرح الإنسان فی عمق زوایاها.« (Sevengil, 1968:171) نرى أنّ نامق کمال یرکّز على الوظیفة الترفیهیّة للمسرح، حیث یعتبره وسیلة للترفیه والتسلیة فی الدرجة الأولى. لکنّه بالرغم من هذا یشیر أیضًا إلى وظیفة المسرح الأخلاقیّة، ویعتبر المسرح تسلیة مفیدة ومتعالیة بالمقارنة مع أنواع التسلیة الأخرى، کما أنّه یرى أنّ المسرح هو أفضل الأنواع الأدبیّة. وکتب کمال فی مقال آخر عن المسرح: »... إنّ الکتاب صدیق الشخص الوحید، والمسرح رفیق الجماعة. إنّ الکتابَ تراه العین، لکنّ المسرح یراه الضمیر... إذا کتب شعبٌ کتابًا فی الأخلاق لا یمکنه أن یهذّب شخصًا بسهولة، لکن إذا کتب أدیب مسرحیّات جمیلة یمکنه أن یهذّب شعبًا.« (Sevengil, 1968:174- 178) وهنا یرکّز کمال على کون المسرح نوعًا فنّیًّا وأدبیًّا جماعیًّا ولیس فردیًّا، وأنّ المسرح یؤدّی وظیفة التهذیب لیس للفرد فحسب، بل للشعب عامّة. کما أنّه یؤمن بتأثیر المسرح الکبیر فی المجتمعات، حیث إنّه یعتبر المسرح أکثر تأثیرًا من کتب الأخلاق. إنّ الترکیز على الوظیفة الأخلاقیّة والتعلیمیّة للمسرح فی ترکیا العثمانیّة، یظهر أیضًا من خلال توصیفات یُطلقها المسرحیّون على المسرح، منها: "تصحیح أخلاق" (تصحیح الأخلاق)، "مکتب عرفان" (مذهب المعرفة)، "مسیر أدب" (مسیر الأدب). مثلاً فی مقدّمة مسرحیّة "خائن زوجه" (الزوجة الخائنة) المترجمة إلى الترکیّة العثمانیّة نقرأ: »المسرح: إنّه مدرسة للمعرفة وُجدت من أجل خدمة آداب وأخلاق الناس. تؤدّی هذه المدرسة إلى فتح ضمیر الناس وتزید من الشعور فی إدراکهم، وتُظهر ماهیّة الأخلاق الحمیدة والأخلاق الذمیمة. إنّ المسرح یُبکی الإنسان أحیانًا، ویُضحکه أحیانًا أخرى؛ یسلّیه ویفیده أیضًا. وفی النتیجة، یخدم المسرح الأخلاق الأدبیّة.« (HainZevce, 1302:4) إنّ اللافت فی هذه المقدّمة أنّ الکاتب یعتبر المسرح مدرسة بذاته، یمکنها أن تقوم بوظیفة تعلیمیّة معرفیّة تخدم البشر وإدراکهم ووعیهم وأخلاقهم. حتّى إنّ اعتماد هذا الأسلوب کان یحصّن المسرحیّات والمسرحیّین فی مواجهة المعارضات. من ذلک نموذج المسرحیّ "میناکیان" الذی کانت مسرحیّاته تتمتّع بنوع من الحصانة حتّى فی أصعب سنوات الاستبداد العثمانیّ. (And, 2004: 73)
النتیجة لقد تبیّن لنا من خلال دراسة نظرة المسرحیّین الروّاد، فی المشرق، إلى المسرح أنّهم کانوا یرکّزون على ضرورة وجود المسرح فی بلادهم، وکانوا یعتبرون وجوده دلیلاً على التطوّر والتقدّم، وفی هذا المجال، کثیرًا ما کانوا یشیرون إلى المسارح فی أوروپا ویرونها من علائم التقدّم فی البلدان الأوروپیّة. إنّ معظم المسرحیّین الروّاد یعتبرون أنّ المسرح لیس فنًّا للتسلیة فحسب، بل وظیفته تتجاوز التسلیة إلى وظائف أخرى. وهم بذکر وظائف أخلاقیّة وتهذیبیّة للمسرح حاولوا مواجهة بعض المعارضین الذین کانوا یعتبرون أنّ المسرح یؤدّی إلى إفساد الفکر، وأنّه لا یتوافق مع الفکر الشرقیّ. إنّ المسرحیّین الروّاد فی المشرق، وبعض المثقّفین الذین آمنوا بفوائد فنّ المسرح، کتبوا مقالات عن المسرح وحاولوا شرح تلک الفوائد، واعتبروها من أفضل الآداب والفنون، وأنّ المسرح یقدّم خدمات کبیرة لتقدّم البلاد، وهو فنّ تسلیة متعال. وصف المسرحیّون فی بلاد الشام أیضا فوائد کثیرة للمسرح، ودافعوا عن هذا الفنّ بذریعة أنّه لیس وسیلة للتسلیة فحسب، بل هو مفید للمجتمع والشعب. وکان مارون نقّاش وأبو خلیل القبّانی الرائدان المسرحیّان فی بلاد الشام کتبا عن أهمّیّة المسرح وأنّه بإمکان هذا الفنّ المساهمة فی تهذیب الطبائع وإصلاح النفوس وتنویر العقول ومحاربة الأفکار المتحجّرة، وأنّه یتمتّع بوظیفة رسالیّة فی المجتمعات. کذلک المسرحیّون الإیرانیّون، دافعوا عن المسرح بدورهم، على أنّه فنٌّ مفید للشعب یجب التمسّک به، وأنّ الشعب الإیرانیّ لم یعد بحاجة إلى الأدب القدیم، بل هو فی أمسّ الحاجة إلى فنّ المسرح من أجل صقل الأذهان. وکان المسرحیّون الروّاد فی إیران یؤکّدون على ضرورة إدخال فنّ المسرح إلى إیران وانتشار هذا الفنّ من أجل نشر فوائده فی المجتمع، لأنّهم رأوا المسرح وسیلة من وسائل الحداثة والتطوّر تساهم فی تربیة الشعب وترقیته، کما رأى بعضهم وظیفة أخلاقیّة للمسرح، والبعض الآخر تحدّث عن الوظیفة الاجتماعیّة لهذا الفنّ، لذلک شجّعوا على الابتعاد عن بعض التقالید غیر المفیدة والتمسّک بالمسرح المفید. أمّا فی ترکیا العثمانیّة، فرکّز بعض المسرحیّین، منهم نامق کمال على الوظیفة الترفیهیّة للمسرح، إلاّ أنّهم آمنوا أیضا بأنّ هذه التسلیة من أفضل وسائل الترفیه والتسلیة، حیث تقدّم فوائد للمجتمع وتهذّب الشعب وتطوّر الأخلاق الاجتماعیّة، فضلاً عن البُعد الترفیهیّ لها. | ||
مراجع | ||
آخوندزاده، میرزا فتحعلی. (1963م). الفبای جدید و مکتوبات. گرد آورنده حمید محمد زاده. باکو: نشریات فرهنگستان علوم جمهوری شوروی سوسیالیستى آذربایجان. آخوندزاده، میرزا فتحعلی. (1356ش). تمثیلات. ترجمه محمّد جعفر قراچه داغی.چاپ سوم. تهران: خوارزمی. آدمیت، فریدون. (1349ش). اندیشه های میرزا فتحعلی آخوندزاده. چاپ اول. تهران: شرکت سهامی انتشارات خوارزمی. تبریزی، میرزا آقا. (2535 [1355ش]). چهار تیاتر. به کوشش محمد باقر مؤمنی. چاپ اول. تبریز: ابن سینا. حمو، حوریّة محمّد. (1998م). حرکة النقد المسرحیّ فی سوریّة 1967- 1988. لا طبعة. دمشق: اتّحاد الکتّاب العرب. خیال. (17 تموز 1290ق). سایى 85؛ 3 أغسطس (1290ق). سایى 90. شرق. (1297ق). میدیللی متصرفی سعادتلی کمال بیگ افندی حضرتلرینین بیر ماقاله سی دیر. سایى 1. صص 10- 19. عبرت. (2 قاسیم 1288ق). سایى 53. قاسا. (1290ق). سایى 1. صص 8- 10. المالح، وصفی. (1984م). تاریخ المسرح السوریّ ومذکّراتی. الطبعة الأولى. دمشق: دار الفکر. نقّاش، سلیم. (1875م). »فوائد الروایات والتیاترات. مجلة الجنان«. المجلّد الخامس. ص 521. نقّاش، مارون. (1869م). أرزة لبنان. مقدّمة نقولا نقّاش. لا طبعة. بیروت: المطبعة العمومیّة. - And, Metin.)2004(. Başlangıcından 1983'e Türk tiyatro tarihi. 1. Basım. İstanbul: İletişim yayınları.
- Hain Zevce. )1302(. İstanbul: İstepan Matbaası.
- Sevengil, Rafik Ahmet. )1968(.Türk Tiyatrosu Tarihi, III, Tanzimat Tıyatrosu. İstanbul: Devlet kıtapları müdürlügü. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,539 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 519 |