تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,185 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,842 |
دراسةٌ أسلوبیةٌ فی قصیدة "موعد فی الجنة" | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 7، دوره 3، شماره 9، شهریور 1434، صفحه 152-135 اصل مقاله (1.71 M) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عیسی متقیزاده1؛ کبری روشنفکر2؛ نورالدین پروین3 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1أستاذ مساعد بجامعة تربیت مدرس، طهران، إیران. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2أستاذة مساعدة بجامعة تربیت مدرس، طهران، إیران. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
3طالب الماجستیر بجامعة تربیت مدرس، طهران، إیران. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
تسعى الأسلوبیة "stylistics"إلى دراسة الهیکل البنائی للشعر وتحلیل أنساقه التی تکشف عن تنظیمه وفقاً للمستویات الصوتیة والترکیبیة والبلاغیة فتؤدی إلى التمیز بین آثار الأدباء عامة والشعراء خاصة. استهدف هذا البحث دراسة القصیدة الرثائیة "موعدٌ فی الجنة"للشاعرة الکویتیة المعاصرة سعادالصباح التی کتبت فی "مبارک"، الابن الذی رحل وکان لما یزل طفلا فبکته العینان وبکاه الفؤاد واللسان، وذلک فی ضوء المنهج الوصفی-التحلیلی، مستعینا الأسلوبیة التی تتمحور حول معطیات علم اللغة العام. ومن النتائج التی توصلت إلیها هذه الدراسة أنّ العاطفة تکون الصادقة تجری علی لسان الشاعرة التی تعبر عما یختلج فی صدرها من الحزن والتحسر الشدید. نلاحظ بأنّ الأصوات المجهورة والمهموسة فی هذه القصیدة تناسب أکثر التناسب الدلالات التی توجد فی القصیدة. وقد دفعت العاطفة الحزینة الشاعرة إلى أن تستخدم فی هذه القصیدة الجملَ الفعلیة أکثر من الجمل الاسمیة؛ فهناک توازن مقصود بین عاطفتها وأسلوبها. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الشعر العربی؛ فن الرثاء؛ الأسلوبیة؛ سعاد الصباح | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عرف العرب الرثاء منذ العصر الجاهلی، إذ کان النساء والرجال جمیعاً یندبون الموتی، کما کانوا یقفون علی قبورهم مؤبنین لهم مُثْنین علی خصالهم وقد یخلطون ذلک بالتفکیر فی مأساة الحیاة وبیان عجز الإنسان وضعفه أمام الموت وأن ذلک مصیر محتوم. (القرشی، 1986م: 39) فالرثاء کفن شعری قدیم، ینشأ عن وقوع مصیبة تلمّ بالشعراء فتثیر مشاعرهم وعواطفهم لینظموا الأشعار الحزینة التی تثیر مشاعر مستمعیها. إنه یطلق علی الحزن علی المیت فی غالبیة الأحیان؛ بحیث یبکی الشاعر علی من فقده، یعد محاسنه فیبجّله فی شعره. هذا ویُعتبر موت الولد من أهمّ الدوافع لنظم الأشعار فی الرثاء عند الشعراء منذ قدیم الزمن. إنّه یؤثر مشاعرَ الشعراء والشاعرات فینظمون أشعاراً حزینة تؤثر وجدان المستمع. تُعتبر سعاد الصباح من الرواد المتمیزین فی شعر رثاء العصر الحدیث؛ وذلک من أجل دیوانها الشهیر "إلیک یا ولدی[1]" الذی أنشدته فی رثاء ولدها. وقصیدة "موعدٌ فی الجنة" تُعتبر من أروع ما قیل فی مجال الرثاء وجلبت أنظار المحبّین منذ العصور وتلک هی التی نحن علی صدد بیان خصائصها الأسلوبیة. اُستخدم مصطلحُ الأسلوبیة "stylistics" منذ الخمسینات وأرید به منهجُ تحلیل للأعمال الأدبیة یقترح استبدال الذاتیة والانطباعیة فی النقد التقلیدی بتحلیل موضوعی أو علمی للأسلوب فی النصوص الأدبیة. (الخفاجی، 1992م: 11) یجمع الدارسون على أنّ مولد علم الأسلوب کان فی إعلان العالم الفرنسی"جوستاف کویرتنج"عام 1986م فی قوله: «إن علم الأسلوب علی تصنیف حقائق الأسلوب التی تلفت أنظارهم طبقاً للمناهج التقلیدیة. لکن الهدف الحقیقی لهذا النوع من البحث ینبغی أنْ یکون أصالة فی تعبیر الأسلوبیة أو ذاک، وخصائص العمل أو المؤلف التی تکشف عن أوضاعها الأسلوبیة فی الأدب کما تکشف بنفس الطریقة عن التأثیر الذی مارسته هذه الأوضاع.» (فضل، 1985م: 12) یعتقد أحمد الشایب أن الأسلوب: «فن من الکلام یکون قصصا أو حوارا أو تشبیها أو مجازا أو کنایة أو حکماً وأمثالاً.» (الشایب، 1966م: 41) «کلمة الأسلوب فی عصرنا هذا، من الکلمات الشائعة المستعملة فی بیئات مختلفة، یستعملها العلماء لیدلوا بها علی منهج من مناهج البحث العلمی، ویستعملها الموسیقیون دلیلاً علی طرق التلحین وتألیف الأنغام، والرسامون فهی عندهم دلیل علی طریقة تألیف الألوان ومراعاة التناسب بینها، ویستعملها الأدباء فی الفن الأدبی فتقرؤها، أو نسمعها مقترنة بأوصاف معینة.» (الکواز، لاتا: 20) إنّ التعاریف والآراء حول الأسلوبیة کثیرة جداً، لکن الأسلوبین یتفقون فی تحدید مستویات التحلیل الأسلوبی المتمثلة فی: المستوی الصوتی، والمستوی الترکیبی، والمستوی البلاغی. فتهدف هذه الدراسة إلی الکشف عن أهم خصائص الأسلوبیة فی قصیدة "موعد فی الجنة" للشاعرة سعاد الصباح ضمن الإجابة عن الأسئلة التالیة: 1. ما هی المیزات البارزة للمستوی الصوتی فی أسلوب سعاد الصباح الشعری؟ 2. ما هی أهم السمات البارزة للمستوی النحوی فی مرثیة سعاد الصباح؟ 3. ما هی أهم الجوانب المتمیزة للمستوی البلاغی فی أسلوب سعاد الصباح الشعری؟ خلفیة البحث 1. الجلداوی، خیر الله فی رسالته (1377ش) بعنوان "الشعر الکویتی الحدیث" قام بدراسة قسم من أشعار سعاد الصباح ونقدها. 2. ذو القدر، فاطمة (1389ش) فی مقالة بعنوان "التناص الدینی فی أدب المرأة الکویتیة سعاد الصباح نموذجاً" تشیر أولاً وباختصار إلى بعض البحوث والدراسات التی تناولت قصائد الشاعرة الکویتیة "سعاد الصباح"، ومن ثمّ تدرس التناص الدینی میادین استعماله فی أدب المرأة الکویتیة من خلال ذکر نماذج شعریة فی بعض دواوین الشاعرة. 3. أحمد فیاض، یاسر (2009م) فی مقالة تحت عنوان "البنى الأسلوبیة فی شعر النابغة الجعدی" یدرس ثلاثة مستویات: المستوی الصوتی، والترکیبی، والدلالی. 4. زینب، منصوری (2010م) فی رسالتها تحت عنوان دیوان "أغانی أفریقا" لمحمد الفیتوری والرسالة دراسة أسلوبیة تدرس ثلاثة مستویات: المستوی الصوتی، والترکیبی، والدلالی. 5. الیوزکی، مؤید محمد صالح ومحمد، الحان عبد الله (2010م) فی مقالتهما تحت عنوان "خطبة قس بن ساعدة الأیادی دراسة أسلوبیة بنیویة" قاما بدراسة أسلوبیة بنیویة. التعاریف الأسلوب لغةً واصطلاحاً فعلی الصعید اللغوی قال صاحب اللسان: «"یقال للسطر من النخیل أسلوب" وکلّ طریق ممتد فهو أسلوب، الأسلوب الطریق والوجه، والمذهب، یقال أنتم فی أسلوب سوء، ویجمع أسالیب والأسلوب الطریق تأخذ فیه، والأسلوب الفن، یقال أخذ فلان أسالیب من القول أی: أفانین منه وإن أنفه لأسلوب إذا کان متکبراً. فالأسلوب من زاویة هذا الطرح لفظ استعمل فی غیر ما وضع له أصلاً من قبیل المجاز فانتقل مفهومه عن المدلول المادی الذی یوازی "سطر النخیل" أو "الطریق" إلی معناه المعنوی المتعلق بأسالیب القول وأفانینه.» (ابن منظور، 1994م: 178) لقد أفضی تعریف ابن منظور للأسلوب إلی معان کثیرة تصبّ فی حقل دلالی واحد هو: «التآلف المفضی إلی الانسجام والنسق المفضی إلی حسن الانتظام والامتداد المفضی إلی طول النفس، ووراء معنی الأسلوب، معنی الفنّ ومعنی السموّ وکلاهما من مولدات التآلف والنسق والامتداد.» (أبو العدوس، 2007م: 20) هذا من الجهة اللغویة البحتة، لکن لامفرّ لاستکمالها بالمفهوم الدلالی للأسلوب فی التراث العربی ولعلّ أدقّ تحدید یرجع إلی"ابن خلدون" الذی یقول فی مقدمته عن الأسلوب: «إنّه عبارة عن المنوال الذی تنسج فیه التراکیب أو القالب الذی یفرغ فیه، ولا یرجع إلی الکلام باعتبار إفادته کمال المعنی من خواص الترکیب الذی هو وظیفة البلاغة والبیان، ولا باعتبار الوزن کما استعمله العرب فیه الذی هو وظیفة العروض، وإنّما یرجع إلی صورة ذهنیة للتراکیب المنتظمة باعتبار انطباقها علی ترکیب خاص.» (ابن خلدون، 1960م: 1290) أما فی الدرس اللغوی الغربی فکلمة "أسلوب" لها صلة بکلمة "style" فی اللغة الإنجلیزیة. فکلمة "style" تشیر إلی "مرقم الشمع" وهی أداة الکتابة علی ألواح الشمع. (ناظم، 2002م: 15)یقول عبد المنعم الخفاجی: «منذ الخمسینات من القرن العشرین، أصبح مصطلح الأسلوبیة stylistics یطلق علی منهج تحلیلی للأعمال الأدبیة والأسلوب یعرف وفق الطریقة التقلیدیة بالتمییز بین ما یقال وفی النص الأدبی وکیف یقال، أو بین المحتوی والشکل ویشار إلی المحتوی عادة بالمصطلحات: المعلومات أو الرسالة (Message) أو المعنی المطروح.»(الخفاجی والآخرون، 1992م: 11) «اشتقت کلمة "style"من الشکل اللاتینی "stilus" والذی یعنی إبرة الطبع أی مثقب یستخدم فی الکتابة. وهو استخدام الکاتب لأدوات تعبیریة من أجل غایات أدبیة. ویتمیزُ فی النتیجة من القواعد التی تحدِّدُ معنی الأشکال وثوابها.» (الأبطح، 1994م: 17) مفهوم الأسلوبیة «یقال إنّ مصطلح الأسلوبیة لا یمکن أن یحدِّدَ بتعریف واضح ومتقن، وذلک لعلاقتها بمیادین عدّة، ولکن جل من عرضوا لمفهوم الأسلوبیة أکدوا أنّها تعنی بالتحلیل اللغوی لبنی النصوص.» (المصدر نفسه: 11) "بییر جیرو"[2] یعرف الأسلوبیة بقوله: «فالأسلوبیة الیوم هی: دراسة للغة، وهی أیضاً دراسة للکائن المتحول باللغة وهی کذلک دراسة للعمل الإبداعی.» (بومصران، 2011م: 8) وقیل إنّها: «نوع من الحوار الدائم بین القارئ والکاتب من خلال نص معین.» (مطلوب، 2002م: 126) یقول أبوالعدوس عن الأسلوبیة إنها: «مدرسة لغویة تعالج النص الأدبی من خلال عناصره، ومقوماته الفنیة، وأدواته الإبداعیة، متخذة من اللغة والبلاغة جسراً تصف به النصّ الأدبی، وقد تقوم أحیاناً بتقییمه من خلال منهجها القائم علی الاختیار والتوزیع، مراعیة فی ذلک الجانب النفسی والاجتماعی للمرسل والمتلقی.» (أبوالعدوس، 2010م: 51) إذن نشاهد الباحثین یذهبون فی فهمهم للأسلوب مذاهب عدّة، ولکنّهم أجمعوا علی أنّه: طریقة التعبیر الخاصة بأدیب من الأدباء. وبما أن المنهج الأسلوبی یعنی دراسة الموضوع ضمن مستویات التحلیل الأسلوبی "الصوتی، والنحوی، والبلاغی" فلا بدَّ أن نشیرَ إلی معنی المستویات الأسلوبیة. المستوی الصوتی یعرّف اللغویون الصوت بأنّه: «أثر سمعیّ تُنتجه أعضاءُ النطق الإنسانی إرادیّا فی صورة ذبذبات نتیجة لأوضاع وحرکات معیّنة لهذه الأعضاء. ومن هذا الأثر السمعی تتألّف الرموز التی هی أساس الکلام عند الإنسان، ومن هذه الرموز الصوتیّة تتألّف الکلمة ذات المعنی،والجمل، والعبارات، وهذه الأربعة أی الصوت، والکلمة، والمعنی، والجمل هی العناصر الأساسیة للغة.» (مطر، 1998م: 31) فالدلالة الصوتیّة هی الدلالة التی تستنبط من الأصوات التی تألّفت منها الکلمة وتختلف دلالة الکلمات بحسب طبیعة هذه الأصوات، فتدلّ شدّة الصوت وجهره علی معنی قوی، کما تدلّ رخاوة الصوت وهمسه علی معنی فیه لین ویسر. والدلالة الصوتیة تشتمل علی دلالة الصوت، دلالة النبر، دلالة المقاطع، ودلالة التنغیم. (عوض حیدر، 1999م: 30) الاستقرار علی أن نسبة شیوع الأصوات المهموسة[3] فی الکلام لاتزید علی الخمس أو عشرین فی المئة فیه، فی حین أن أربعة أخماس الکلام تتکون من أصوات مجهورة.[4] (أنیس، 1981م: 265) أصوات الکلام تحیط بنا من کل جهة، فالإنسان حینما یتصل بغیره وحینما ینظم شعراء یستعین بالأصوات فالصوت إذن ضروری فی الحیاة کالهواء... . وضرورته تأتی من کونه یمثل الجانب العلمی للغة ویقدم طریق الاتصال المشترک بین الانسان وأخیه الإنسان مهما قلّ علمه فی التعلیم والثقافة. (عمر، 1999م: 1) وقد أدرک اللغویون قیمة الصوت، فاستعانوا به علی قضاء حاجاتهم، وتلبیة رغباتهم، وإیصال أفکارهم، لذلک أخذ الصوت حظاً وفیراً من الدراسات الأدبیة، باعتباره یحدّد الملامح الأدبیة والخصائص الأسلوبیة. (بشر، 2000م: 119) أما حول أهمیة الصوت فی الشعر فیقول أبو العدوس: «المادة الصوتیة تکمن فیها الطاقة التعبیریة ذات البعدین الفکری والعاطفی، وإذا ما توافقت المادة الصوتیة مع الإیحاءات العاطفیة المنبعثة من مکانها لتطفو علی سطح الکلمة لتتناسق مع المادة اللغویة فی الترکیب اللغوی فإن فاعلیة الکشف الأسلوبی للتعبیر تزداد لتشمل دائرة أوسع تضمّ التقویم بالإضافة إلى الوصف.» (أبو العدوس، 2007م: 101-100) المستوی الترکیبی المستوی الترکیبی یستنبط من خلال الجملة المنطوقة أو المکتوبة علی المستوی التحلیلی أو الترکیبی ویطلق علی هذا النوع من الدلالة الوظائف النحویة أو المعانی النحویة. (حسان، 1998م: 178) وجانب آخر من المستوی یمکن أن یستنبط من المعانی العامّة للجمل والأسالیب الدالة علی الخبر أو الإنشاء، والإثبات أو النفی، والتأکید والطلب کالاستفهام، والأمر، والنهی، والعرض، والتخصیص، والتمنّی، والترجّی، والنداء، والشرط باستخدام الأدوات الدالّة علی هذه الأسالیب. (عوض حیدر، 1419ق: 43) کما أنّ الباحث فی هذا المستوی یتحدّث عن الأزمنة الفعلیة، کإحصاء عدد تواتر الأفعال الماضیة والمضارعة فی شعر ما أو قصة إلخ. (منصوری، 2010م: 4) المستوی البلاغی والدلالی تقیم البلاغة والأسلوبیة، منذ زمن، علاقات وطیدة بینهما. تتقلّص الأسلوبیة أحیاناً حتى لا تعدو أن تکون جزءاً من نموذج التواصل البلاغی، وتنفصل أحیاناً عن هذا النموذج وتتّسع حتى لتکاد تمثل البلاغة کلّها باعتبارها "بلاغة مختزلة" ویصدق مثل هذا القول علی العلاقة بین البلاغة والأسلوبیة والشعریة من جهة أخری. (بلیت، 1999م: 19) فالصورة هی أساس البناء الشعری والأدبی، وعماده الذی یقوم علیه، والخیال هو المنبع الذی یستمد منه الشاعر صوره بکل أبعادها، وهو الذی یهب الشاعر القدرة على الانزیاح من تصویر المألوف إلى تصویر فنی معتمداً فی ذلک على التأمل والتفکیر، والصورة لن تستطیع تتخلق إلا بعنصر الخیال، لذا: هو العامل الوحید الذی تتخلق فیه الصورة الشعریة. (محمود، 1984م: 105)والبلاغة دراسة للغة، منظورة من خلال وظیفتها. والصور أشکال مصمّمة تهدف إلى إحداث التأثیر، وإثارة الإعجاب، والتلوین، کلّ ذلک بقوة وغرابة. وتستجیب الأجناس لهذا فی الوقت نفسه. فشکلها یتعلّق أیضاً بالانطباع الذی یرید الکاتب أن یحدثه فی القارئ والسامع. کما یتعلق بالأدوات التی یملکها لتحقیق هذا الأمر. (بییرجیرو، 1994م: 97)
الرسم1: مکونات التحلیل الأسلوبی
تقوم هذه المقالة فی المستوی الصوتی بدراسة الأصوات المجهورة، والمهموسة، وتکرارها. وفی المستوی النحوی تُدرس دلالةُ دراسة الجمل والاستفهام والنداء وفی المستوی البلاغی تدرس الأسالیب البلاغیة والدلالة الکامنة وراء النص. حیاة سعاد الصباح ولدت الشاعرة سعاد محمد الصباح عام 1942م فی العراق، وهی الابنة البکر لوالدها الشیخ "محمد الصباح"، الذی حمل اسم جده حاکم الکویت من عام 1896-1892م تلقت علومها الأولى فی الکویت وثمّ التحقت بجامعة بیروت والقاهرة ودرست الاقتصاد وحصلت علی بکالوریس ومن ثمّ دکتوراه من جامعة ساری جلفورى البریطانیة عام 1981م قد بدأت بالکتابة وهی لم تتجاوز الثالثة عشر عاماً، ثمّ جمعت قصائدها فی دیوان نشرته عام 1964م تحت عنوان "من عمری" وکان أول دیوان لامرأة خلیجیة یصدر فی ذلک الحین، ومن ثمّ تلاحقت دواوینها الشعریة الأخری وأخذت شهرة واسعة وتواصل إنتاجها حتى وصل إلى المستویات العالمیة. بدأت فی بدایتها بالمتنبی وأبیتمام ومن ثمّ بشعراء المهجر اللبنانین وبشوقی وفی أواخر الخمسینات بنزار قبانی حیث کانت تعتبر نفسها تلمیذةً فی مدرسته. (خلف، 1992م: 42) وأما علی مستوی الشکل الفنی والوحدة الدرامیة للقصیدة، فاستعانت الشاعرة بجمیع أدوات الشعر من رموز وصور، وإیحاءات، وأوزان، وقواف، وغیر ذلک من أدوات الوحدة الفنیة للقصیدة. وعلی رغم هذه الأبعاد الفکریة المرکبة فی قصائدها فإنّها لم تتخل عن لغتها السلسة للقصیدة المتدفقة فی یسر وسهولة بعیدة عن صخور التقعد، مثل استخدامها أوزان الخفیف، والرمل، والرجز، والمتدارک التی یسهل على الجمهور العادی استیعابها والإحساس بها. (عیسی، 2002م: 57) القسم التحلیلی المستوى الصوتی قسم علماء اللغة الأصوات إلی: «المجهورة "les sonores" والمهموسة "les soudres" بحسب وضع الوترین الصوتیین. ففی حالة النطق بالمصوت المجهور تنقبض فتحة الزمار ویقترب الوتران الصوتیان أحدهما من الآخر فتضیق هذه الفتحة، ولکنها تسمح بمرور النَفَس الذی یندفع فیها، فیهتزّ الوتران الصوتیان.» (طحان، 1972م: 51-50) أما الحروف المجهورة فهی: «الف/ب/د/ذ/ر/ض/ظ/ع/غ» والحروف المهموسة وهی «ء/ت/ث/ح/خ/س/ش/ص/ط/ف/ق/هـ.» (حسان، 1998م: 79) تعدّ قصیدة سعاد الصباح من أبرز القصائد الرثائیة لیست علی مستوی المضمون حسب بل المستوی الصوتی، حیث تکمن هذه الطاقة الصوتیة فی وراء الألفاظ بما تحتوی من أصوات تختلف فی وضوحها السمعی وقدرتها علی إبراز المعنى. إذن یتجلی البناء الصوتی فی هذه القصیدة من خلال انتقاء الأصوات المهموسة والمهجورة کی تکون منسجمة مع وحدات الجمل. وفیما یلی نماذج لملامح الجهر، والهمس، ودلالتهما فی شعر سعادالصباح: أیادُنیا من الآلام أسرى فی دیاجیه/أکابدها.. ولاأدری متىأو أین أُلقیها؟/ مبارک کان لی دنیا من الحُبّ أُناجیها/ ویلقیبی إلى الظلمات تشقینی وأُشقیها/ فیا ولدی، ویا ذخری من الدنیا وما فیها../ تعذّبنی دقائقها.. وتُحرقنی ثوانیها/ وهذی دارنا الغنّاءُ قد حالت مغانیها/ وطوّف بائع الأحزان فی کلّ نواحیها من خلال الاستقراء الشامل لقصیدة سعادالصباح تبین أن أکثر الحروف وقوعاً فی هذا الموضع هی الف، ثم د، ثم حاء، والعین، والهاء، وق. تتکررهذه الحروف وتتداخل مع القیمة الدلالیة للسیاق مما یمنح هذه الأصوات طبیعة إیحائیة، والناظر إلى هذه الأصوات وفقاً لمخارجها یجد أنّها تمتاز بالشدة والرخاوة؛ فهی تتوافق مع المواضع المؤلمة والعواطف الحزینة. التکرار الصوتی التکرار الصوتی هو من الأنماط التکراریة المنتشرة والشائعة فی الشعر عامة وفی شعر الرثاءخاصة، ویتمثل «هذا التکرار فی تکرار حرف یهیمن صوتیاً فی بنیة المقطع أو القصیدة.» (العرفی، 2000م: 82) علاوة علی تکرار الحروف الکثیرة من خلال القصیدة کـ:أ (104) یعنی 46/60 والیاء(68) یعنی (53/39) نشاهد تکرار (-ِ یها) فی نهایة الأبیات والذییدل على حزن الشاعرة کما یأتی: أیا دُنیا من الآلام أسرى فی دیاجِیها/ أجب.. من یغلب النّار التی شبّت، ویُطفِیها؟/ وأضواء الثُریّات خبّت فی عین رائِیها/ فلا الشکوى تؤانسها ولا الصّبر یواسِیها حتی نهایة القصیدة: لتسمع فی جنان الخلد فلذتها تنادِیها.. فالأسلوبیة الصوتیة تعالج التکوینات الصوتیة وفق خصائصها المخرجیة، والتوزیعیة، والفیزیائیة. الأمر الذی أشار إلیه شارل بالی[5] حینما قال: «ثمة علاقات طبیعیة بین الفکر البنى اللسانیة المعبرة عنه. وهناک نوع من التعادل بین الشکل والمضمون وأن هناک استعداداً طبیعیاً یقوم فی الشکل للتعبیر عن بعض فئات الفکر... بفضل استعداد هذه البنى لإنتاج حرکة الانفعال.» (بییر، 1994م: 56) فهذا التکرار لأصوات یخلق نوعا من الإیقاع الذاتی الذی یسهم فی تأکید فکرة الشاعرة ودلیل علی شمولیتها واتساعها اللامحدود. یُلاحظ فی هذه الأبیات أنّ الموسیقی قد عرضت ملامح الأصوات فی القصیدة من جهر، وهمس، وشدة، ولین، وربط کل ذلک بالجانب الدلالی والکشف عن الحالة النفسیة والطاقة الشعوریة، کل صوت حسب نوعه فکل جرس مفتاح لانفعال حزن سعاد الصباح وکشف عن شعورها فی فقد ابنها. ففی شعر"سعاد الصباح" حضور کثیف لأصوات الجهر، والهمس یرتبط ارتباطا وثیقا بحالة الشاعرة النفسیة الحزینة. المستوی الترکیبی دراسة الجمل «الجملة هی عنصر الکلام الأساسی، إذ یحصل بوساطتها الفهم والإفهام بین مختلف المنتفعین باللغة. ویحوّل المنتفع مادة فکرة إلى کلام معبّر، بوساطة الجمل، ویتکلّم ویتواصل بوساطتها کذلک. واعتبر علماء الألسنیة الجملة، الصورة الصغرى للکلام المقید، أی الکلام الذی یخضع لمتطلبات اللغة ونوامیسها.» (الحسینی، 2004م: 195) «ولوعدنا إلی تعریف الزمخشری للجملة وهی الکلام المرکب من کلمتین أسندت إحداهما إلی الأخری، ندرک من خلاله أن عناصر الجملة هی ترکیب إسنادی وأقوی الروابط فی نظامها هی العلاقة بین المسند والمسند إلیه وهذا ما یؤکِّده سیبویه فی کتابه فی باب بعنوان المسند والمسند إلیه. وعلیأساس هذین العنصرین المکونین للجملة قسّم النحاة الجملة إلی قسمین: الجملة الفعلیة والجملة الاسمیة.» (شتاح، 2009م: 82) وظّفت سعاد الصباح فی هذه القصیدة الرثائیة کلا النوعین من الجمل فعلیةً واسمیةً. لکنّهاتعتمد علی الجمل الفعلیة أکثر من الجمل الإسمیة. جدول4: تواتر الجمل الإسمیة والفعلیة ودلالاتهما فی القصیدة
تستخدم سعاد الصباح فی هذه القصیدة الجمل الفعلیة أکثر من الجمل الاسمیة. حیث بلغ عدد الجمل الفعلیة فیها 19جملة، فی حین لم تشکل الجمل الإسمیة إلا 7 جملات. ومن بین الجمل الفعلیة تعتمدعلی الفعل المضارع أکثر من الفعل الماضی والأمر. تستخدم الشاعرة الفعل الماضی والمضارع والأسلوب الإنشائی. جدول4: تواتر الأفعال فی القصیدة
الفعل الماضی بلغت النسبة المئویة للفعل الماضی فی القصیدة الرثائیة لسعاد الصباح 86/41%: و کم أجهدتُ إیمانی وصبری فی تحدّیها/فلم أجن سوى یأسی من الدنیا وما فیها../کأنّی موجةٌ فی الیمّ قد ضلّت مراسیها/وهذی دارنا الغنّاءُ قد حالت مغانیها/ وأضواء الثُریّات خبّت فی عین رائیها/تولّت فرحة الدنیا فعاشت فی مآسیها کما نشاهد فی الأبیات توظیفاً مکثفاً لصیغة الفعل الماضی والتی تناسقت مع أدات التأکید، علی سبیل المثال أفاد التوکید بـ"کموقد" فی "کم أجهدتُ وقد ضلّت" حصول الحزن، والقلق فی نفسیة الشاعرة، إلا أن التعبیر بـ"الفعل الماضی" و"کم وقد" زاد جمالا وقوة، وفی کل هذا إیصال للمعنی الحزین إلى ذهن المتلقی. وتفید "کم وقد" فی البیتین من زیادة التاکید، ویؤتی بها لدفع توهم ولإظهار الحقیقة المریرة التی مرّت بها الشاعرة. فاستعانت سعاد الصباح بالفعل الماضی مع أداة التأکید لبیان حزنها وأقدرت أن تحقق رؤیة واضحة لحزنها. النفی أکابدها.. ولا أدری متی أو أین أُلقیها؟/فلا الشکوی تؤانسها ولا الصّبر یواسیها إن النفی من الأسالیب التی تستفیدها سعاد الصباح فی قصیدتها الرثائیة، وقد وظفتها لدلالات سیاقیة عدیدة. وتعبر عن مشاعرها وأحزانها الصادقة والاستعطاف حینما تقول: "فلا الشکوی تؤانسها ولا الصّبر یواسیها" أو دال علی الحسرة والأسف "لا أدری" فالشاعرة حزینة، جریح، وفی حالة لاتستطیع الخلاص منها إلا باستعطافها وإظهار الحسرة. تستخدم الشاعرة أفعال "الماضی، والمضارع والأمر" وهذا یساعدها علی بقاء القصیدة وتأثیرها الحزین فی القراء، إذ قیل إنّ: «الجملة الفعلیة تفید التجدد والحدوث فی زمن معین تحدده القرائن وفی مقدمتها قرینة السیاق، ذلک لأن الفعل مرتبط بالزمن وتحولاته، فالفعل الماضی مقید بالزمن فی الماضی، والمضارع مقید بزمن الحال أو الاستقبال فی الغالب، لذلک وصفت بالتجدد والتغیر وهذا یعطیها حیویة ونشاطاً.» (الحسینی، 2004م: 247) کما تسفید الشاعرة من الصیغة الندائیة المتعلقة بالخطاب الأمری وأسلوب الاستفهام کما یأتی: النداء النداء أسلوب من الأسالیب الإنشائیة الطلبیة، وفیه یتمّ تنبیه المنادى، وحمله علی الالتفات. (المخزومی، 1986م: 289) فقد دفعت العاطفة الحزینة، الشاعرة إلى أن تستخدم أسلوب النداء "5 مرات" لبیان حزن موت ابنها قائلة: أیا دُنیا من الآلام أسرى فی دیاجیها/فیا ولدی، ویا ذخری من الدنیا وما فیها../أیا لوعة قلب الأم إن ماتت أمانیها «إنّ حروف النداء غیر الهمزة تستعمل لنداء البعید أو ما یشبهه، وأما الهمزة فهی لنداء القریب. الموضوعة لنداء البعید قد تستعمل فی القریب مجازا على سبیل الاستعارة التبعیة لنکت: منها: إظهار الحرص علی إقبال المنادى، وقصد تعظیم شأن المدعو.» (فاضلی، 1365م: 130-129) فقد استعملت أداة النداء "أیا ویا" فی قصیدتها الرثائیة وهما أداة نداء تستعملان للبعید ولکنهماتدلّان علی القریب مجازاً، فالشاعر استخدمت أداة"أیا ویا" إشارة إلى أن المنادى علی الرغم من بعده فی المکان إلا أنّه قریب إلى القلب، وحاضر فی الذهن وأما تعظیم شأن ابنها فإنه جاء علی سبیل المجاز، کأنهما فی موضع واحد. فالمنادی فی هذه القصیدة دلالة نفسیة عن الحزن العمیق الذی حل بالشاعرةفعبرت عنها بصدق العاطفة. الاستفهام «لأسلوب الاستفهام دلالات کثیرة منها: الحیرة الماورائیة فی بعض القصائد الرثائیة التی تعبر ألم الشاعر الحادّ، والأبیات التالیة تمثل حیرة سعاد الصباح وتؤلمها من جراء الواقع الألیم لتلک المصیبة التی حلّت لموت ابنها، وذلک لتعدد الأسئلة وتوالیها.» (الحسینی، 2004م: 215) یأتی نموذج منها: فکیف... اغتالها منّی قضاءٌ جاء یطویها/ أکابدها.. ولا أدری متی أو أین أُلقیها؟/أجب.. من یغلب النّار التی شبّت، ویُطفیها؟ إن هذا الاستخدام لاستفهام یمثّل سمة أسلوبیة ممیزة عند الشاعر تنتشر فی معظم قصیدته، وهی تمثل طریقته فی عرض المعانی والأفکار الحزینة التی یریدها الشاعر فی قصیدته الرثائیة. ونجح البناء اللغوی والفنی فی تجسیدها المعانی الحزینة التی یریدها الشاعر للوصول إلى الهدف وهو ذهن المتلقی والتأتیر علیه. (فتوح، 2004م: 339) نلاحظ من خلال استخدام الشاعرة للأدوات الاستفهام "5 مرات" بأنّها استخدمت هذه الأدوات لبیان حزنها وإن کان أکثرها دوراناً هو: کیف، ومتى، وأین، ومن و... . هذه التنوعات التی استخدمتها الشاعرة فی قصیدتها، تکشف عما فی نفس الشاعرة من حیرة وقلق لموت ابنهاکما تکشف عمّا فی نفس الشاعرة من حزن خاص. المستوی البلاغی کما ذکرنا أن المستوی البلاغی والدلالی یسعی إلى البحث عن الدلالة الکامنة وراء النص، بوصفه العنصر الرئیس من عناصر العلمیة الاتصالیة. من هنا تأتی أهمیة دراسة الأشکال البلاغیة بوصفها عناصر مهمة فی بیان مقصود الشاعرة. أولى الصور البلاغیة فی هذه القصیدة الرثائیة، هی التشبیه، والاستعارة والکنایة. قبل الإشارة إلى کل منها علی حده نشیر إلیها إجمالاً ضمن الجدول: جدول5: تواتر الصور البلاغیة فی القصیدة
التشبیه «تقوم أدلة التشبیه على عملیة عقلیة هی أن نضع جنباً إلى دالین متمایزین یقابلها مدلولان یظهران تماثلاً بینهما، مع إیراد لفظة دالة على تشابه الحقیقتین المذکورتین، تبنى عملیة التشبیه إذن علی حقیقتین وکان التشبیه أقرب صورة بلاغیة شعریة رأى فیها النقاد، والشعراء، والمتلقون قدرته علی القیام بذلک.» (فتوح، 2004م: 196)تستخدم سعاد الصباح التشبیه لبیان حزنها کما یلی: مبارک کان لی دنیا من الحُبّ أُناجیها/ وآمالاً أعیش بها، وأحلاماً أًغنّیها/کأنّی موجةٌ فی الیمّ قد ضلّت مراسیها. تسیطر عاطفة الأسی والحزن العمیق علی الأبیات، وظهر أثر هذه العاطفة فی تعبیرات وصور سعادالصباح خلال القصیدة. حینما یقول: "مبارک کان لی دنیا"شبهت ولدها کدنیاها لإظهار حبها الکثیر لمبارک وکمبرر لحزنها علیه، "وآمالاً أعیش بها، وأحلاماً أًغنّیها" شبهت ابنها مثل آمالها وأحلامها. وهذا یعبر عن الحزن والأسى المسیطر على الشاعرة. وقول "کأنّی موجةٌ فی الیمّ" شبه الشاعر نفسها کالموجة فی الیم متحیرة. تجدر الملاحظة بأنّ الشاعرة استفادت من التشبیهات الحسیة لبیان حزنها وشدتها، فتستخدم تشبیهاتها حسیاً لتؤکد بها حزن فقد ابنها. هذه الصور المعبرة غنیة بالألفاظ والمعانی لأنّها نتاج إحساساتها الحزینة. الاستعارة «إنّ الصور الاستعاریة أقدر من الصور التشبیهیة فی إظهار طاقاتها الخیالیة والتشکیلیة وکذلک علی الأداء الجمالی، إذ بینما یبقی طرفا التشبیه منفصلین مع وجود الأداة الرابطة، فإن الاستعارة من شأنها أن تلغی الحدود وأن تحطم الفواصل، فیندمج الطرفان فی صورة واحدة حتى لو کانا منفصلین أو متناقضین.» (القاضی، 1982م: 43) کما تأتی الشاعرة بالاستعارة لبیان شدّة تفجّعها بفراق المرثی ومبالغة فی ذکر مناقبه: فیا ولدی، ویا ذخری من الدنیا وما فیها../تعذّبنی دقائقها.. وتُحرقنی ثوانیها/ وحتى نضرة الأزهار ماتت فی أوانیها/ أیا لوعة قلب الأم إن ماتت أمانیها/تولّت فرحة الدنیا فعاشت فی مآسیها. استفادت الشاعرة استعارة تصریحیة فی"ذخری"،"لوعة قلب الأم" لوصف إبنها، والاستعارة مکنیة فی " تعذّبنی دقائقها.. وتُحرقنی ثوانیها"،"نضرة الأزهار ماتت" و"تولّت فرحة الدنیا". تأتی الشاعرة بالاستعارة هنا لتصویر حزنها فهی تحاول بقدرتها الفنیة أن تنقل تجربتها إلى المخاطب ببراعة ودقة، وتربط بین الواقع والخیال فی تصویرها. فقد أضفت الشاعرة باستخدامها الاستعارات التصریحیة والمکنیة حزناً وتأثیراً عمیقین علی القصیدة. الکنایة «الکنایة لون من ألوان التعبیر یعرض فیه الحقائق عرضاً غیر مباشر، فإن هناک ما یستدعی الإشارة إلى المطلوب من بعید، فتکون فی النفس أوقع وأحلى وعند بیان الغرض أنسب وأولى. والأسلوب الکنائی أفضل وسیلة لبیان المراد والرامی إلى الغرض.» (فاضلی، 1365م: 356-359) تسفید الشاعرة من هذا الأسلوب لبیان حزنها کما تقول: وهذی دارنا الغنّاءُ قد حالت مغانیها/وطوّف بائع الأحزان فی کلّ نواحیها/وأضواء الثُریّات خبّت فی عین رائیها/أیا لوعة قلب الأمإن ماتت أمانیها تظهر خلال هذه الأبیات الکنایة التی توضحها الشاعرة، أنّها ترید إظهار حزنها للمتلقی. ففی مثل هذه الکنایات "هذی دارنا الغنّاءُ قد حالت مغانیها"، " وطوّف بائع الأحزان فی کلّ نواحیها"و.. التی تطرحها الشاعرة من خلال القصیدة تصرّح علی کل ما هو خفی فی نفسها من حزن فقد ابنها وتدلّ فی معناها الخفی علی شدة اللوعة، والأسی، والحزن الذی صاحب الشاعرة فی فراق ابنها. النتیجة نلاحظ الشاعرة فی القصیدة غنائیة مغرقة، ورومانسیة واسعة، لأنّ رثاء سعاد الصباح صدر عن عواطف صادقة تدلّ علی حبّ صادق لابنها. تکون عاطفتها صادقةً تجری علی لسان الشاعرة فی إطار هذه القصیدة التی تعبر عما یختلج فی صدرها من المشاعر، من الحزن والتحسر الشدید، فسیطرت على الأبیات العاطفة الصادقة المفعمة بالحزن والأسی، فتؤثر هذه الأبیات فی نفس القارئ أیما تأثیر وتقترن القارئ معها إذ إنها تخرج من أعماق قلب الشاعرة. ومن الناحیة الصوتیة نلاحظ بأنّ الأصوات المجهورة المهموسة فی هذه القصیدة تناسب أکثر التناسب، الدلالات التی توجد فی القصیدة، فهناک تناسب بین الأصوات المجهورة ودلالاتها حینما تتحدّث الشاعر عمّا یجده من الحزن والهموم فی صدرها. وذلک من الطبیعی أن یکون عدد تواتر الأصوات المجهورة والمهموسة قریباً بعضهم عن البعض لأنّ الجوّ العاطفی فی القصیدة یدور حول حزن عمیق لفقد ابنها وتسیطر علیها عاطفة أمومة محزونة وفی هذه الحال یناسب جوّ القصیدة الأصوات المهموسة والمجهورة. کان تکرار الأصوات ظاهرة أسلوبیة لافتة فی قصیدتها الرثائیة، وظفتها للتعبیر عن مشاعرها الحزینة، فعبّر التکرار عن حالة الشاعر النفسیة المضطربة. أما فیما یتعلق بالمستوی الترکیبی فقد دفعت العاطفة الحزینةُ الشاعرةَ إلى أن تستخدم فی هذه القصیدة الجمل الفعلیة أکثر من الجمل الاسمیة عامة، فکانت الجمل الفعلیة تعبر عن الحالات والمواقف بهدف بیان مظاهر الحرکة، والتی تمثلت فی الجمل الإنشائیة الطلبیة مثل "النداء والاستفهام" والجمل الخبریة ک"الفعل الماضی والنفی" خاصة. ومن الناحیة البلاغیة اقترنت القصائد بصورة بلاغیة من الاستعارة، والتشبیة والکنایة. فقد تمیزت الصور بالمعانی الحزینة کما کانت الصور البلاغیة قویة محکمة تخلو من الرکاکة، ویمتاز أسلوبه البلاغی بالتصویر الحسی.
[1]الحزن ملأ الدیوان "الیک یاولدی"، حیث نقرأ نصوصاً عفویة الحزن وعفویة البیان والصور، لأنّها تصدر عن فیض الخاطر الکلیم الحزین. فلا صنعة فیها ولا تکلف، ولا ترویق ولا زخرفة. هذه الصور التی تتجلى فی المرثیة، جعلت من سعاد الصباح خنساء معاصرة. (الأمین، 1994م: 90) نحن اخترنا قصیدة "موعد فی الجنة" من هذا الدیوان. [2]Pierre Giraud [3]الصوت المهموس فهو الذی لا یهتز معه الوتران الصوتیان ولایسمع لهما رنین حین النطق به. [4]الصوت المجهور حدة وارتفاع فی شدة الصوت، ما یثیر التنبیه بقوة التأثیر وبقرع الأذن بجوهریته. (انیس،1961م: 20) [5]CharlesBali | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأبطح، جلال. (1994م). الأسلوبیة. ط2. حلب: مرکز الإنماء الحضاری. ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد. (1960م). مقدمة ابن خلدون. قاهرة: نشر الدکتور علی عبدالواحد وافی. ابن منظور، أبی الفضل جمال الدین محمد بن مکرم. (1994م). لسان العرب. ط2. بیروت: دار الصادر. أبوالعدوس، یوسف. (2007م). الأسلوبیة الرؤیة والتطبیق. عمان: دار المسیرة. الأمین، فضل. (1994م). سعاد الصباح شاعرة الانتماء الحمیم. بیروت: شرکة النور للصحافة والطباعة والنشر. أنیس، إبراهیم. (1981م). موسیقی الشعر. ط5. القاهرة: مکتبة الأنجلو المصریة. ـــــــــــ. (1961م). الأصوات اللغویة. القاهرة: دارالطباعة اللغویة. بشر، کمال. (1971م). دراسات فی علم اللغة. ط2. مصر: دار المعارف. بلیت، هنریش. (1999م). البلاغة والأسلوبیة نحو نماذج سیمیائیة لتحلیل النص. المترجم: محمد العمری. بیروت: الدار البیضاء. بومصران، نبیل. (2011م). بنیات الأسلوب فی قصیدة مآتم وأعراس لعبدالله البردونی. الجزائر: جامعة قاصدی مرباح، ورقلة. بییر، جیرو. (1994م). الأسلوبیة. ط2. المترجم: منذر عیاشی. حلب: دار الحاسوب للطباعة. حسان، تمام. (1998م). اللغة العربیة معناها ومبناها. ط3. القاهرة: عالم الکتب. الحسینی، راشد بن حمد بن هاشل. (2004م). البنى الأسلوبیة فی النص الشعری. ط1. لندن: دار الحکمة. الخفاجی، عبدالمنعم؛ محمد السعدی فرهود؛ عبدالعزیز شرف. (1992م). الأسلوبیة والبیان العربی. القاهرة: دار المصریة للبنانیة. خلف، فاضل. (1992م). سعادالصباح الشعر والشاعرة. ط1. الکویت: منشورات شرکة النور. الشایب، أحمد. (1966م). الأسلوب. ط6. القاهرة: مکتبة النهضة المصریة. العرفی، حسن. (2000م). حرکیة الإیقاع فی الشعر العربی المعاصر. ط1. لامک: الشرکة العالمیة للکتاب. عمر، احمد مختار. (1999م). دراسة الصوت اللغوی. القاهرة: عالم الکتب. عوض حیدر، فرید. (1419ق). علم الدلالة دراسة نظریة وتطبیقیة. ط2. القاهرة: مکتبة النهضة المصریة القاهرة. عیسی، فوزی. (2002م). دیوان القصیدة أنثی والأنثی قصیدة قرأة فی شعر سعاد الصباح. القاهرة: دار جمیل للنشر. فاضلی، محمد. (1365). دراسة نقدیة فی مسائل بلاغیة هامة. مشهد: مؤسسة مطالعات وتحقیقات. فتوح، شعیب محیی الدین سلیمان. (2004). الأدب فی العصر العباسی خصائص الأسلوب فی الشعر ابنالرومی. الإمارة: دار الوفاء. فضل، صلاح. (1985م). علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته. ط1. القاهرة: الهیئة المصریة للکتاب. القاضی، النعمان. (1982م). أبوفراس الحمدانی الموقف والتشکیل الجمالی. القاهرة: دارالثقافة. القرشی، أبوزید محمد بن ابی الخطاب. (1986م). جمهرة أشعار العرب. بیروت: دارالکتب العلمیة. الکواز، محمدکریم. (1426ق). علم الأسلوب "مفاهیم وتطبیقات". ط1. لیبا: جامعة السابع من أبریل. محمود، الخالق. (1984م). شعر ابن الفارض فی ضوء النقد الأدبی الحدیث. ط3. القاهرة: دار المعارف. المخزومی، مهدی. (1986م). فی النحو العربی وتوجیه. ط2. بیروت: دار الرائد العربی. مطر، عبد العزیز. (1998م). علم اللغة وفقه اللغة. قطر: دار قطر بن الفجاءة. مطلوب، أحمد. (2002م). فی المصطلح النقدی. بغداد: منشورات المجمع العلمی. ناظم، حسن. (2002م). البنی الأسلوبیة "دراسة فی أنشودة المطر للسیاب". ط1. المغرب المرکز الثقافی العربی: دار البیضاء. الرسائل شتاح، ثلجة. (2009م). «سورة یس دراسة دلالیة». رسالة مقدمة لنیل شهادة الماجستیر فی اللغة العربیة. الجزائر: جامعة الحاج لخضر باتنة. منصوری، زینب. (2010م). «دیوان "أغانی أفریقیا" لمحمد الفیتوری دراسة أسلوبیة». رسالة مقدمة لنیل شهادة الماجستیر. الجزائر: جامعة الحاج لخضر، کلیة اللغة والآداب.
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 3,061 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 22,386 |