تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,376 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,982 |
المرأة المعشوقة فی أشعار المعلقات السبع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 5، دوره 2، شماره 6، آذر 1433، صفحه 113-97 اصل مقاله (1.2 M) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
حامد صدقی1؛ یاسین ویسی2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1أستاذ بجامعة تربیت معلم، طهران – إیران. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2خریج جامعة آزاد الإسلامیة، فرع علوم وتحقیقات بطهران، إیران. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کانت المرأة هی موضوع الشعر الجاهلی، وإذا عدنا إلى الشعر الجاهلی فإننا قلّما نجد قصیدة لم تبدأ بالنسیب، والغزل، ووصف محاسن المرأة، وحبّ الشاعر وحدیثه عن الشجاعة، والفخر بها لنیل إعجابها. لقد تناول الشاعر جمالها وأول ما لفت نظره جمال وجهها، وجمال أعضائها؛ ووصف الجمال الجسدی هو الأمر العام الطاغی علی الغزل. أما وصف المحاسن الخلقیة والنفسیة، وتصویر عواطف المرأة، وحکایة الحب بین الرّجل والمرأة، فیأتی کل ذلک فی مرتبة متأخرة عن وصف الأعضاء. إن الشعراء الجاهلیین قد نحتوا للمرأة فی أشعارهم تمثالا مجلوّ القسمات، بدا بشَعرها وانتهی بقدمیها، وهو تمثال یُفیض حیویّة، ویمتلیء بصفات خلقیة، وروحیة وهی الصفات التی أحبّها الجاهلی فی المرأة بشکل عام. یتطرق هذا المقال إلی کیّفیّة اتّجاه الشعراء الجاهلیین، إلى المرأة فی مجتمعهم ویقارن هذه النظریات، بشعر أصحاب المعلقات الجاهلیین، وبعد هذه المقارنة، یأتی بالجداول الإحصائیة مرتبة بحسب أولویة عدد الأبیات التی حول وصف المرأة بصورة عامة، ووصف المرأة المعشوقة، بصورة خاصة. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
المرأﺓ المعشوقة؛ المعلقات؛ الشعر الجاهلی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کانت فکرة اختیار موضوع هذا البحث الذی یدرس جانبا مغمورا من جوانب الشعر الجاهلی وهو المرأﺓ المعشوقة فی أشعار المعلقات تعود إلى أن موضوع المرأة موضوع مهم، لأن لها مکانة اجتماعیة مهمة. وإن هذا الموضوع یحتاج إلى فطرة لطیفة، وبصیرة ثاقبة، وذوقٍ واعٍ یذوق الجمیلِ، لأنه یتطلع إلى المرأة بحس المتعة، والجمال، جسدا أو روحا. وقدرأینا أن تکون دراستنا هذه شاملة للشعر الجاهلی فی وصف المرأﺓ، ومن ناحیة أخری لم نجد بدّا من تحدید الموضوع، ولذلک فإننا قدتصدینا للشعر حول المرأﺓ المعشوقة فی أشعار المعلقات. ولکن لماذا اخترنا هذا الموضوع بالذات؟ فلذلک أسباب منها: 1. لأن الشعر قیمة إنسانیة، رفیعة ووسیلة مهمًة لإغناء لغة الحیاة. 2. لأن المرأة هی عالم الجمال - لا کل الجمال- ولأن الجمال هو من المؤثرات التی یستجیب لها الإنسان، وخاصة الشاعر، یشعر بالراحة، وتنبسط أساریره، وترتوی نفسه من ینابیع ذلک الکائن الأکثر سحرا وجاذبیة، من دون سائر الکائنات الأخری. وقدتکون المرأة مصدر قلق وشقاء للإنسان، وسببا من أسباب المعاناة له، فتنقبض أساریره ویعتصر الألم فؤادَه.(عباس، 1994م: 336) یشیر الدکتور نصرة عبدالرحمن إلى أن "الرجل فی الشعر الجاهلی معنى والمرأة صفة" وهی إشارة ذکیة، لکنها تحتاج إلى التطویر، فالصفة أو الصفات أوجه الماهیة، والماهیة أساس المعنى؛ وإذاً فلکون المرأة صفة یعنی؛ أنها أکبر من تجسدها، وأنها معنى إمکانی یستوعب المعنى المتحقق(الرجل) ویشتمل علیه. (الجهاد، 2007م: 283) ما أکثر ما تحدث الناس عن المرأة فی الشعر الجاهلی! وما أکثر ما توقفوا لدیها فتحدثوا عن رمزیتها، وواقعیتها ووضعها الاجتماعی!! إلا أنه لم یتناول أحدٌ المرأة المعشوقة عند أصحاب المعلقات علی هذا النحو الذی تناولناه. ولم نعثر - علی حد علمنا- علی مقالة أو دراسة تقتصر علی هذا الموضوع. إننا رأینا دراسات حول المرأة الجاهلیة بصورة عامة، منها الدراسة التی قام بها الدکتور عبدالملک مرتاض، حیث تناول الموضوع تحت عنوان: السبع المعلقات مقاربة سیمیائیة - انتروبولوجیة لنصوصها. وأیضا فی دراسة بعنوان: صورة المرأة فی الشعر العربی عبر العصور المختلفة تحلیلاً نفسیا، وهذه المقالة منشورة فی الإنترنت. یهدف هذا البحث إلى الإجابة عن الأسئلة التالیة: السؤال الأول: هل کان الجاهلیون یعتقدون بحقوق المرأة ومکانتها فی مجتمعهم؟ وکیف تنعکس هذه النظرة فی أشعار الشعراء؟ والسؤال الثانی: کیف کانت نظرة الشعراء واتجاهاتهم إلى المرأة فی الشعر الجاهلی؟ والسؤال الثالث: أیّ من المعلقاتیین أقدر من أصحابه علی تصویر المرأة من حیث هی عزیزة فی نفسها، موسرة، کریمة فی شرفها. 1. مکانة المرأﺓ فی الشعر الجاهلی تحتلّ المرأة فی حیاﺓ العربی فی العصر الجاهلی موضع القلب مِن جسده واهتماماته وشعره، وقد حملت هذه المکانة السامیة للمرأﺓ، بعض الباحثینَ مِن المستشرقین علی القول بأنّ العرب کانت تتبعُ فی الأزمنة القدیمة نظام الأمومة. وهنالک مِن الأدلة ما قد یعزز مثل هذا القول. فقد استنتج بعض الدارسین انتساب الأفراد إلى أمهاتهم، وشیوع الأمومة عندالعرب؛ حتى أنهم منحوا أهم الآلهة، اللاﺓ والعزی ومناﺓ، صفات الأنوثة فی الإخصاب والولادة والخضرة والخیر. (مرتاض، 1998م: 262) وإذا درسنا الشعر الجاهلی فإننا قلّما نجدُ قصیدﺓ لم تبدأ بالنسیب والغزل ووصف محاسن المرأﺓ وحبّ الشاعر لها وانشغاله بها، واسترضائها أو الاعتذار إلیها أو الافتخار بالشجاعة لنیل إعجابها. کانت المرأﺓ الجاهلیة بالإضافة إلى ذلک کلّه تشرف علی الحیاة العامة. وکان تدخّل المرأﺓ فی الحیاﺓ الأدبیة یلهم قرائح الشعراء، ویحفزهم علی الخَلق الفنی، وقدتفننوا فی وصفها وأبدعوا فی تصویر محاسنها، رشوف، ولعوب أنوف، وفرعاء لفاء، وخریدﺓ خفرﺓ، وعروب حصان. (سمرین، 1999م: 16-21) 2. جمالیة المرأﺓ المعشوقة فی المعلقات إننا لو ذهبنا إلى مادیة الوصف النسوی فی المعلقات بخاصة، وإلى مادیة الوصف من حیث هو بعامة، لانری أیّ مبررات لا أخلاقیة، ولا دینیة، ولا قانونیة، ولا نفسیة، ولا اجتماعیة، کانت تحمل أولئک المعلقاتیین علی التلمیح دون التصریح، وعلی الترمیز دون التقریر والتوضیح. ولعل الأوصاف الدقیقة التی حاول المعلقاتییون توصیف المرأة بها یمکن أن تکون من بین الأمارات التی نتخذها ظهیرا لعمل أبعاد رمزیة للمرأة فی المعلقات. (مرتاض، 1999م: 262-263) وصف المرأﺓ المعشوقة فی المعلقات المرأﺓ الموصوفة أو المحبوبة تظلّ امرأة غامضة تشخص الجمال الأنثوی فی صورة قینوسیة، ولکنها لاتخصصه فی امرأﺓ بعینها. (بین القدیم والجدید، 1987م: 13) المرأﺓ هی موضوع الشعر الجاهلی، وقد تناول الشاعر جمالها وأول ما لَفَت نظره، جمالُ وجهها وجمال أعضائها، ووصف الجمال الجسدی هو الأمر العام الطاغی علی الغزل، أما وصف المحاسن الخلقیة والنفسیة، وتصویر عواطف المرأﺓ، وحکایة الحُبّ بین الرجل والمرأﺓ، فیأتی کل ذلکَ فی مرتبة متأخرة بعد وصف الأعضاء. فإنّ الشاعر یَقفُ أولاً عند الصورﺓ الخارجیة للمرأﺓ، الصورﺓ التی تحرّک فیه عواطف الجنس، وعواطف الحُبّ والخیال. (الجبوری، 1994م: 282) فصورة المرأﺓ فی المعلقات هی صورﺓ أنثی تُصلح لِإطفاء الرغبة الجنسیة العارمة لدی تذکرها لا امرأﺓٌ تُشاطر الرجلَ حیاته وآماله وآلامه وتظاهره فی الکدح الیومی، وتقاسمهُ جمال الحیاﺓ الزوحیة التی یبدو أنّها - مِن خلال ما وصلنا من الشعر الجاهلی علی الأقلّ- کانت غائبة مِن وجودهم إلا فی مظاهر نادرﺓ. فالصورﺓ العامة التی ینهض علیها وجود المرأﺓ، إذن، فی الشعرالجاهلی بعامة وفی المعلقات بخاصة، تتمثل فی أنثویتها لا فی أنوثتها، فکانت لدیهم، کما یبدو ذلک مِن کثیر مِن النصوص الشعریة، مجّرد جسد غضّ بضّ، یتلذذُ به الرجلُ، دون أن تکونَ شیئاً آخر متمثلاً فی شیء آخر. (مرتاض، 1999م: 263) لقَد تعارف الجاهلیون – ومن جاء بعدهم– علی مقاییس فی الجمال أحبّوها فی المرأة، وصور هذا الجمال أکثر من شاعر. وممّن صورها هو امرؤالقیس فی معلقته، فهو یقصّ حکایتهُ معها بعد أن فاجأها وهی تنضو ثیابها للنوم، ثم خرج بها إلى منعقد الرمل فی بطن خبتٍ، وصار یغازلها ویصف مفاتنها بقوله: (أبوالفضل، 1984م: 15-18) إذا قلتُ هاتی، تُوّلینی تمایلتْ عَلّی، هَضِیمَ الْکَشْحِ، رَیّا الْمُخَلْخَلِ مُهَفْهَفَةٌ، بَیْضاءُ، غَیْرُمَفَاضةٍ تَرائِبُها مَصْقُوْلَةٌ، کَالسَّجَنْجَلِ کَبِکْرِ مقَانَاﺓِالْبَیَاضِ بِصُفْرَﺓٍ غذاها نمیر الماء غیرَ محللِ تَصُدُّ وتُبدِی عَنْ أسِیْلٍ، وتَتَّقِی بِنَاظِرَﺓٍ مِنْ وحْشِ وَجْرَﺓَ مُطْفِلِ وَجِیدٍ کَجِیْدِالرِّئمِ، لَیْسَ بِفَاحِشٍ إذاهِیَ نَصَّتْهُ، ولا بِمُعَطَّلِ وَفَرْعٍ یُغَشِی الْمَتْنَ أسْوَدَ فَاحِمٍ أثِیْثٍ کَقِنْو النَّخْلَةِ، المتعثکلِ غَدَائرهُ مُسْتَشْزِراتٌ إلَى العُلا تَضِلُّ العِقاصُ فِی مُثَنَّی ومُرسَلِ وَکَشْحٍ لَطِیفٍ کَالْجَدیلِ مُخَصّرِ وسَاقٍ کَاُنْبُوبِ السَّقِی الْمُذَلَّلِ وتَعْطُو بِرَخْصٍ غَیْرَ شَثْنٍ کَأنَّهُ أسَارِیعُ ظَبْی، أومَسَاوِیْکُ إسْحِلِ تَُضِیءُالظَّلامَ، بِالعِشاءِ کَأنّها مَنَارَﺓُ مُمْسِی راهِبٍ مُتَبَتّلِ وَتُضْحِِی فَتِیتُ الْمِسْکِ فوقَ فِراشِها نَؤومَ الضُّحَی، لَمْ تَنْطَقْ، عَنْ تَفَضُّلِ إلى مِثْلِهَا یَرْنُوْالْحَلیمُ صَبَابَةً إذا مَاإسْبَکَرَّتْ بَیْنَ دِرْعٍ وَمِجْوَلٍ (مفید، 1994م: 64-65) المرأة التی تعرفنا إلیها من خلال شعر امرئ القیس، هی امرأة بدینة ممتلئة، وهی لاتقوم علی مفهوم قدماء الجاهلیة لأسس الجمال الأنثوی عندهم، بقدر ما هو من ترسبات المعتقد القدیم، الموغل فی البدائیة، الذی یری أن المعبود یجب أن یتصف بالصفات التی تؤهله لأداء الوظیفة التی عبد من أجلها، إنها صورة دینیة تسربت إلى الشعر الجاهلی القدیم فتحولت فیه عن معناها الاعتقادی إلى معناها الفنی. فامرؤالقیس حین یتحدث عن المرأة، یوحی لنا بأنه یتحدث عن المرأة الخصبة دون سواها من النساء، فهو یدقق فی تصویرها، یستعیر لها التشبیه الحسی الذی یجعلها أکثر جسامة وبهاء.(الحسین، 2006م: 339-340) لقد وصف امرؤالقیس کلّ ما شاهَدَ من حبیبتهِ أو لَمِسَه، فهی لطیفة الکشحِ، مملؤﺓ الساقین، ضامرﺓ البطن، بیضاء صافیة اللون، صدرها صیقل متلألیء کالمرآﺓ الصافیة، أسیلة الخدّین، واسعة العینینِ، طویلة العنق قدزیّنهُ الحلی، شعرها طویلٌ مسترسلٌ على ظهرها أسود فاحم مُجعد، قد غقصت جدائل منه فوق رأسها، فهو کثیر، منه المعقوص ومنه المرسُل، وخصرها لطیف، وساقها رائق صاف کأنبوب البردی، وهی مترفة مخدومة، تنام الضُحی، طیبة الرائحة، وترفها هذا جعلها ناعمةالأصابع، رقیقة البنانِ. أما وجهها فَصَبیحٌ یغلبُ نورُهُ ظلام اللیل، وهی طویلة القد، مدیدة القامة، ولم تدرک الحلم وإِن جاوزت سنّ الجواری الصغار. فالوصف التمثیلی لجسد المرأة عند امرئ القیس، یقترب من صورة المرأة المثالیة، فهو یتحدث عن بکورتها التی تری فی الأذهان صورة المرأة الولود. إضافة إلى دلالة البکورة علی معنى البیضة الأولى، والدرة التی لم تثقب المراة العذراء. (نفس المصدر: 339) وعلی الرغم مِن جرأة امرئ القیس وماعرف عنه مِن الأوصاف الحسیّة فی تصویر حبیبته، والمجاهرﺓ بالخلوات المریبة، فإنّ عمرو بن کلثوم کان أکثر تکشفاً وصراحةً حین وصفَ حبیتهُ وقد کشفت عن مفاتن جسمها، فهو یصورها، وقد تعرّت علی خلاء، وأمنت عیون الناسِ، ویصف أعضاءها وصف مَن قد رأی. (مرتاض، 1998م: 120-121) ثم یأخذ فی وصف مفاتن تلک الحبیبة الظاعنة التی أثارت فی نفسه الهموم والأحزان، وجعلته یحن إلى ذکریات الهوی والشباب، ویرکز علی مفاتنها الحسّیة التی نجد لها أمثلة فی کل الشعر الجاهلی الذی یذکر المرأة ویتغزل بها، فهی بیضاء سمینة ممتلئة شحماً ولحماً، وطویلة لینة تثقل أردافها ویدق خصرها حتى یکاد یتثنی أمام ضخامة ما یعلوه وما یلیه. (نفس المصدر: 252) تُرِیکَ إذا دَخَلْتَ، عَلَى خَلاءٍ وقَدْ أمِنَتْ عُیُونَ الکاشِحِینا ذِرَاعَی عَیْطَلٍ، أدْمَاءَ بِکْرٍ هِجَانَ اللَّونِ لَمْ تَقْرَأ جنینا وثَدْیَاً، مِثْلَ حُقّ الْعاجِ، رخصاً حَصَانَاً، مِنْ أکُفِّ اللّامِسِینا ومَتْنِی لَدْنَةٍ، طَالَتْ ولَاْنَت رَوَادِفُها، تَنُوءُ بما یَلِینَا ومَأکُمةٍ یَضِیْقُ البابُ عَنْهَا وکَشْحاً قَدْ جُنیتُ بهِ جُنُونَاً وسَارِیتی بَلنطٍ أو رُخَامٍ یُرّنُ خِشاش حَلیْهما رَنِیْنَاً فقد رای الشاعرُ منها ذراعین ممتلئتینِ کذراعی الناقة البکر، طویلة العنق، سمینة بیضاء لم تحمل ولم تلد، وثدیاً مثل حُقّ العاج أبیض مُستدیراً مصوناً لم یَمُسَهُ أحدٌ، ومتنی قامة طویلة لینةً، وأردافاً مکتنزﺓ ثقیلة، وورکاً عظیماً ممتلئاً وکشحاً جمیلاً جنّ مِن حسنِه، وساقین کأسطوانتینِ مِن عاج أو رخام أبیض فیهما الخلاخیلُ لها خشخشه ورنینُ. وهذا الوصف الدقیق لأعضاء المرأﺓ یتداولَه الکثیر من الشعراء الجاهلیین، فهم لم یخرجوا علی هذه المقاییس فی وصف المحاسن، وإن اختلفوا فی کیفیة عرض الصورﺓ المحسوسة من الجسم. وقد تکررّت هذه الأوصاف عند النابغة، والأعشی، والمرقش الأکبر، وغیرهم. والملاحظ أن الشاعر الجاهلی صریح فی أوصافه وحدیثه عن المرأﺓ، وفی عرضهِ لمفاتنها الجسدیة، بل یتفننُ فی وصف الأعضاء المستورﺓ کالخصر، والثدی، والروادف، والساقین، والبطن، والکشح وغیرها، ولایجد فی ذلک حرجاً، ولعلّ ذلک یعود إلى طبیعة حیاتهم البسیطة الصریحة الواضحة التی لاتعرف المواربة والتغطیة والحیاء الکاذب المصطنع، ولعلّ لکلّ ذلک أثراً فی هذا الإقبال علی الغزل الحسی الصریح فالشاعر - والسامع- یجدُ فی عرض هذه المفاتن لذة ومتنفسا لعواطفه وغرائزه. وحقاً کان الاهتمام منصرفاً إلى المحاسن الجسدیة، وهو الطابع العام الشائع فی الشعر العربی والشعر الجاهلی خاصة، ألا إنّ الشعراء لم ینسوا الجوانب الخُلقیة والنفسیة، فقد ذکروا المرأﺓ بالحیاء والعفة والتمنع، وإن لم یطیلوا فی ذلکَ، وقد وردت هذه الصفات ضمن الأوصاف الجسدیة. (الجبوری، 1994م: 277-278) أظهر الأعشی فی تودیعه حباً، إنّه حبُّ للجمال الذی تجسده المرأة الفاتنة فی مفاهیم عصره، حب للذة الحسیة الآنیة المفارقة التی سرعان ما یجد لها الأعشی العوض والبدیل، ولیس کحب أولئک العذریین الذین قدسوا الحب، وامتزجوا فیه، وربطوا وجودهم بإقامته ورحیله، فکانت حیاتهم رحلة طویلة من العناء والشقاء والدموع. لذلک فإننا نجد الأعشى فی معلقته یقطع کل التساؤلات النفسیة والاستفهامات الوجدانیة لینتقل مباشرة إلى ذلک الجمال الخلاب الذی یشده إلى المرأة بوجه عام، فیشرع فی وصف مفاتن "هریرة" الحسیة والأخلاقیة ویقول: غَرَّاءُ، فَرْعَاءُ، مَصْقُولٌ عَوَارِضُها تَمْشِی الهُوَیْنَی، کَمَا یَمْشِی الوَجِى، الوَحِلُ کَأنّ مِشْیَتَها، مِنْ بَیْتِ جَارَتِها مَرُّالسحابةِ، لارَیْثٌ، ولاعَجَلُ لَیْسَتْ کَمَنْ یَکْرهُ الجِیرانُ طَلْعَتَها ولَاتَرَاها، لِسرِّ الْجارِ، تختتلُ یَکَادُ یَصْرَعُها، لَولَا تشدُّدُّها إذا تَقُوم ُ، إلَى جارَاتِها، الْکَسَلُ إذَا تُلَاعِب قِرناً، ساعةً، فَتَرَتْ وارْتَجَّ مِنْهَا، ذُنُوبُ الْمَتنِ والکَفَلُ صِفْرُ الْوِشاحِ، ومِلءُالدَّرْعِ، بَهْکَنَةٌ إذا تَأتَی یَکَادُ الْخَصْرُ یَنْخَزلُ نِعْمَ الضَّجِیجُ، غَداةَ الدَّجْنِ، یَصْرَعُهَا لِلَذَّةِ الْمَرءِ، لا جافٍ، ولا تَفِلُ هِرْکُوْلَةٌ، فُنُقٌ، دُرْمٌ، مَرَافِقُها کَأنَّ أخْمَصَها، بِالشَّوْکِ، مُنْتَعِلُ ینحت لنا الأعشی تمثالا للجمال فی عصره، تمثالا تجسده لنا "هریرة" من خلال ذلک الوصف الحسی الدقیق الذی یظهرها سیدة بیضاء فرعاء، مصقولة العوارض، ممتلئةالجسم شحما ولحما، ثقیلة الأرداف، ضامرة الخصر، بطیئة الخطو، تکاد قدماها تعجز عن حمل ذلک الجسد الضخم الممتلئ، وهی أیضا إلى جانب ذلک الجمال الحسی الخارق، تتمتع بصفات خلقیة تزید فی روعتها وبهائها وجلالها، مِن ذلکَ أنّ الأعشی یصف صاحبتهُ هریرﺓ ذاکرا وجهها وفمها ومشیتها وجلالُها وطیب نشرها ویشبه ذلک بطیب الزنبق ویقارن بین رائحتها الطیبة ورائحة الروض الذی جاده الغیث، ویذکر ضمن کل ذلک أخلاقها، فهی حبیبة إلى الجیران کما هی حبیبة إلى نفس الشاعر، وهی عفیفة کتومُ السرَّ لا تَفضحُ أسرار جیرانها ولاتلوک سیرتهم. استطاع الأعشی أن یرسَم بها صورﺓ رائعة لتلک المرأﺓ السیدﺓ المترفة، التی تُجّسد کل صفات المرأﺓ المکتملة، ولذلک تبدو فی نظره هریرﺓ رمزاً للمرأﺓ التی أحبّها الشاعر علی طریقته ولیست قینة مِن القیانِ، لأننا ومِن خلال وصفه لها نلاحظ أنها مثال المرأﺓ التی یطمح إلیها الجاهلی فی عصره، رغم أنّ الشعر لم یتورع فی وصفه لها عن ذکر ما لم یتورع الجاهلیونُ عن ذکره. ولعلّ ذلک مرّده إلى طبیعة الأعشی الخاصة التی تقبل بکل جوارحها، علی اللّذة وصولاً إلى النشوة التی لایمتلکُ أحاسیسهُ، فیشرعُ فی رسم بواغتها غیر عابئٍ، بأسرار الحب وقدسیة علاقاته الإنسانیة. (مفید، 1994م: 369-372) یبدأ الحب للإنسان الجاهلی من الجسم، أما العواقب الذهنیة والروحیة فمن نتائجها، لذة الجسم تهیأ التکامل والتملک، ویجد الإنسان الجاهلی، جنته الأرضیة فی المرأة. ففی رأیه المرأة هی الماء والحیاة، هی قمة الرشاقة ورمز النتیجة والسکون، الرمز لکل شیء یُوجد ویُنعش الحیاة، وکلّما أرقتْ أرفعتْ، الشاعر الجاهلی بالسیطرة علی المرأة، یُشعر بأنه یسیطیر علی الطبیعة نفسها، لأن المرأة هی الهدف للوصول إلى الأهداف السامیة والعالیة. (أدونیس، 1376ش: 18) والأعشی ذکر لمحبوبته الملامح المعنویة أیضا، فمنها: الوقار الذی یصل إلى درجة تمنعها عَن أن تستغرق فی الضحک أو تبالغ فی العبس، کراهة الشیب فی نفسها وفی الرجل، کما یضفی علیها الأعشی ملامح تدخل فی إطار الرأی الذی یُقصد به السخریة أو المرح مِن مثل ما یراهُ. مِن أنّ المجبوبة – أو النساء عامةً- تزعم للفتى أنها لاتطیق الحیاﺓ من بعده، (نبوی، 2004م: 208) کما یقول لیبدٌ فی معلقته: بَلْ ما تَذَکَّرَ مِنْ نَوارَ، وقَدْ نَأتْ وتَقَطَّعَتْ أسْبَابُها، ورِمامُها؟ مُرِّیِّةٌ حَلَّتْ بِفَیْدَ وجَاَوَرَتْ أهْلَ الْحِجَازِ، فَأیْنَ مِنْکَ، مَرامُها؟ یصور رحیل الأحبة عن الدیار، فیصف مراکبهن وجمالهن ویتذکر نوار التی تقطعت الأسباب بینها وبینه، إلا أنه فی تذکّره لها یظل محافظاً علی منهج له فی الحب ارتضاه لنفسه، وهو أنّ الحبّ یجب أن یکون متبادلا بین الطرفین، بین الرجل والمرأة، فإذا أخل الجانب الآخر أی المرأة فیه أخلّ هو من جانبه أیضاً، فهو محبٌ لاینساق مع عواطفه، لأنّه یری أنّ الانسیاق معها إلى الذروة یؤدی فی کثیر من الأحیان إلى فقدان التوازن والسقوط القوی الذی یوازی ذلک الارتفاع. وَاحبُ المجاملَ بِالْجَزِیلِ وصَرْمُهُ بَاقٍ إذا ظَلَعَتْ وزَاغ قوامُهَا (مفید، 1994م: 212) هو یشکو مِن نوار لأنّها لاتبادلهُ الوصل، وکما یشتهی ویُحبّ ویشعر بعض غمرات یأسِه مِن هذا الحب الضائع إنّه یمکن أن ینساها، لیستریح مِن عناءِ حبّها الفادح فیدفع عن نفسه، أو یجیبها فی رحلة طویلة علی ناقة تعودت الأسفار. (نبوی، 2004م: 208) ولبید فی وصف الفحل وأتانه مستعیراً لهما صوراً مادیةً مختلفة نحس من خلالها وکأن لبید یحاول بها أن یرسم العشق الإنسانی فی جوانبه العامة التی تکاد تکون مطابقة لصور العشق عند تلک الحالة الأولى وهو یکون أکثر أحلاماً وشفافیة وانصیاعاً وطاعة من کلا الطرفین، إلا أنّه فی الحالة الثانیة یکون أکثر واقعیة وعقلانیة، وقدتحکمه تنوعات من العلاقات التی تظهر عادة بعد الزواج، وبأشکال متعددة کالغیرة وعدم الانسجام والندم، إلى غیر ذلک من الإشکالات التی تحول الحیاة إلى نکد وقطیعة بین الزوجین فی بعض الأحیان ولعل الشاعر فی قوله: حَتّی إذا سَلَخَا جُمادَی سِتَّة ً جَزَءا، فَطَالَ صِیامُهُ وصِیامُها رَجعا، بِأمرِهِما، إلى ذِی مِرّةٍ حَصِدٍ ونُجْحُ صَرِیمةٍ إبرامُها وَرَمَی دَوابِرَها السَّفی، وتَهَیَّجَتْ رِیحُ الْمَصایفِ: سَوْمُها، وسَهامُها قد رمز بالشتاء إلى حالة الاضطراب والتمرد، وبالربیع إلى عودة الهدوء والصفاء، وبالصیف إلى حالة السعی والجد الذی یمثله الورود إلى الماء أی إلى العمل من أجل الحیاة، التی لایتم صفاؤها إلا بالتعاون المثمر والحرص المتبادل. ولبید فی تصویر تلک البقرة الوحشیة والإنسیة فی صفاتها یقول: وتُضِیءُ فِی وَجْهِ الظَّلامِ، مُنِیرةً کَجُمانَةِ الْبَحْرِیَّ، سُلَّ نِظامُها فهو هنا لایرسم صورة للبقرة، ولکنّه یرسم صورة للمرأة نلمح لها مثیلاً عند إمرئ القیس فی قوله: تُضِیءُ الظَّلامَ بِالعشاءِ کأنَّها مَنارةُ مُمْسِی راهبٍ مُتَبَتل تلک المرأة الجمیلة التی یلاحقها الصیادون بأسالیبهم المتنوعة، ویتصارعون فی سبیل امتلاکها والحصول علیها، دون أن یکون لها رأی ویتعاملون مع قنص أو طریدة، ولذلک نراها تستعد للمقاومة عملاً بمنطق العصر، الذی کان شعاره القتل من أجل دفع القتل، والظلم من أجل الظلم، إنّه ولاشک شعار یبرر الوسیلة، ویجردّ الإنسان من کل حقّ مشروع له حتی حق الموت الذی لایکون له فیه أدنى خیار. (مفید، 1994م: 212-217) وإذا نظرنا إلى معلقة طرفة بن العبد نجد أنّه کبقیّة الشعراء الجاهلیین یقبل إلى اللذة، واللهو، والخمر، والقیان، والإسراف إلى حدّ التبذیر، والإتلاف لکل ما یملک من طریف ٍ وتالدٍ ومفاهیم الحیاة عنده: ولَو ثَلاثٌ هُنَّ مِنْ عِیشةِ الْفَتَی وجَدّکَ لَمْ أحْفِلْ مَتَی قَامَ عُوَّدِی فَمِنْهُنَّ سَبْقُ الْعاذِلاتِ، بِشَرْبَةٍ کُمَیْتٍ، مَتَی مَا تُعْلَ بِالماءِ تُزْبَدِ وکَرِیّ، إذا نَادَی المُضَافُ، مُحَنَّبَاً کَسِیدِ الْغَضَی، نَبَّهْتَهُ، الْمُتَوَرِّدِ وتَقْصِیرِ یَوْم ِالدَّجْنِ والدَّجنُ مُعْجِبٌ بِبَهْکَنَةٍ، تَحْتَ الخِباء ِ المُعَمَّدِ لقد وصف طرفة کل ما شاهد من حبیبته، وقد شبهّها بالظباء والبقر فی الجمال، ویقول: إنّ الحبیبة إذا تبسمت عن ثغر لها شفتان تمیل إلى السواد، وجعلهما لمیانیین، وشبّه هذا الثغر کأنّه أقحوان نبتت أزهاره فی کثیب صاف من الرمل، لایخالطه تراب. وجعله ندیّاً لیکون غضّاً ناضراً وهذا الثغر أعارته الشمس ضوءها فصار براقاً ومنیراً، وهذا یزید المرأة جمالاً. ووصف وجهها بصفات کمال الوجوه وجمالها. فی الْحَیِّ أحْوَی، یَنْفُضُ المَرْدَ شادِنٌ مُظاهِرُ سِمْطَیْ لُؤلؤٍ وزَبَرْجَدِ خَذُوْلٌ، تُراعِی رَبْرَبَا ً بِخَمِیلَةٍ تَنَاوَلُ أطرافَ الْبَریرِ وتَرْتَدِی وَتَبْسِم ُ عَنْ ألْمَی کَأنَّ مُنَّورِاً تَخَلَلَّ حُرَّ الرَّمْلِ، دِعْصٌ لَهُ نَدِ سَقَتْهُ إیّاةُ الشَّمْسِ، إلاّ لِثَاتِه ِ أُسِفَّ ولَمْ تَکْدِمْ عَلَیْهِ بِإثْمِدِ ووجه کأنّ الشمس ألقت ردائها علیه نقی اللون لم یتخدد (مفید، 1994م: 106-107) من الواضح أن طرفة رکَّب صورة هذه المرأة الغائبة مجسدة فی صورة هذا الشادن الحاضر بجعله یمدُّ جیده لیکون أطول، ولمنظره أجمل، بشکل أظهر، وتشبیه المرأة بالحیوان فی الشعر العربی بعامة وفی المعلقات بخاصة سیرة کانت معروفة، وسلوک کان متعارفا بین الشعراء. فکماأنّ جید الحبیبة الجمیلة یذکرهم بجید الرئم أو الجدایة أو الرشاء أو الشادن. (مرتاض، 1998م: 270) ولم یکتف بهذا بل منح الظبیة قدسیة وأضفی علیها هالة من التقدیس والجمالیة لیرتفع بها إلى صورة الشمس ذلک لأن تشبیة المرأة بالشمس کثیرا ما ترددت فی أشعار الجاهلیین، تلک الشمس التی کان أکثر الجاهلیین یتعبدون لها، فهی تبسم عن ألمی منور، وقد سقتها إیاة الشمس ووجهها کالشمس قد خلت علیه رداها. (الحدیثی، 2008م: 191) ویستهل زهیر معلقته بالوقوف على دیار الأحبّة، على عادة الشعراء الجاهلیین التی صارت عرفاً وتقلیداً: أمِنْ اُمِّ أوْفَی دِمْنَةٌ لَمْ تَکَلَّمِ بِحُوْمَانَةِ الدَّرَاجِ فَالْمُتَثَلَّمِ إلا أنّ وقوف زهیر یختلف کلیاً عن وقوف امرئ القیس، حاول الشاعر أن یسترجع ذکریات حبه الأول، ذلک الحب الذی شهد فجر صباه، کان ثمرته زواج من أم أوفى، إنّه وقوفٌ یحمل شخصیة زهیر إنّه لم یسطتع أن یمحو من قلبه وذاکرته الوفاء وصلاً بصدودٍ، وإقبالا بجفاءٍ، فَراح یسترضیها ویتودد إلیها فی شعر نلمح فیه أخلاق زهیر ومثالیّته فی الحبّ والعلاقات: لَعَمْرُکَ والخطوبُ مُغیّراتٌ وفِی طُوْلِ الْمُعَاشَرةِ التقالی لَقَدْ بالیت مطعنَ أمَّ أوْفَی وَلَکَن أمّ أوْفَی لا تُبالِی (مفید، 1994م: 163) إلا أننا نری فی معلقة عنترة تعففه من صعوبة اللقاء الحقیقی مع الحبیبة، ویری وصالها أمراً عسیراً بعد أن اکتنفها الأعداء من کلّ جانبٍ، وحاولوا بینه وبینها بسبب العداوة والقتال، إلا أنّ حبّها الذی حلّ فی قلبه کحلول الغیث فی التربة الکریمة، لایمکن له أن یتغیّر أو یتحّول فهو مقیم علیه، لأنّه یرتبط بعلائق مقدسة لاتقلّ أهمیّة عن شرف الدفاع عن القبیلة والعشیرة: عُلِّقْتُهَا عَرَضَاً، وأقْتُلُ قَوْمَها زَعْمَاً لَعَمْرُ أبِیک َ لَیْسَ بِمَزْعَمِ ولَقَدْ نَزَلْتِ فَلا تَظُّنِی غَیْرَه مِنّی بِمَنْزِلَة ِ الْمُحَبِّ، الْمُکرَمِ إنّنا هنا ولاشک، نستشعر حراجة الموقف ودقته من خلال ذلک المزج بین العداوة والحب بین الواجب والعاطفة، ونتبین بوضوح عمیق ذلک الصراع الداخلی الذی تقاسم قلب عنترة وشطره إلى نصفین، توزعهما قومه من جهة وحبیبته من جهة أخری. ولذلک راح عنترة یصوّر رحیل الأحبّة، ویصور ما ترک ذلک الرحیل فی قلبه من روع وحزنٍ، ویستحضر عن طریق الذاکرة صوراً لتلک الحبیبة الهاجرة التی سحرته بجمالها الطبیعی الفتّان الذی یرسم معالمه مستعیراً له عالم الروض وأبعاده الرائعة فیقول: إذْ تَسْتبِیکَ، بِذِی غُرُوبٍ واضِح عَذْبٍ مُقَّبَلُّهُ، لَذِیذِ الْمَطْعَمِ وَکَأَنَّ فارَّةَ تاجِرٍ، بِقَسِیمَةٍ سَبَقتْ عَوارِضَها،إلیکَ مِنَ الْفَم أو رَوْضَةً، أنُفاً، تَضَمَّنَ نَبْتَها غَیْثٌ، قَلیلُ الدِّمْنِ، لَیْسَ بِمَعْلَمِ جَادَتْ، علَیهِ، کُلُّ بِکْرٍ حُرَّة فَتَرَکْنَ کُلَّ قَرَارَةٍ کالدِّرْهَمِ سَحّاً، وتِسْکابَاً، فَکُلّ عَشِیَّةٍ یَجْرِی عَلَیها الْمَاءُ لَمْ یَتَصَرَّمِ فالحبیبة التی استطاعت أن تحتلّ من قلبه ذلک المکان لیست حبیبة عادیة، إنّما هی جمال رائعیستهوی النفوس کالبطولة تماماً، بل یستبیها کما تُستبی الفرسان فی ساحات القتال والوغی، أیّ استباء یعادل استباء الحب عند الشعراء، إنّه استباء لامثیل له، استباء یفجرّ عواطف الإنسانیّة فی کلّعصرٍ ویجعلها تتقطر رقة وسحراً وعذوبة لتملأ الکون نغماً وظلالاً وأنداء، کَما ملأت قلب عنترة فی ذلک الزمن السحیق وجعلته یرتمی فی أحزان الحب کما یرتمی فی أحضان الوغی والقتال، فلا عجب بعد أن نری عنترة الفارس البطل یستبیه الرقیق العذب الذی یصوغه شذاً ویتألق ضیاءً ویتقطر سکراً، یستبیه الحبیب بکل مفاتنه الحسیة التی تتغلغل إلى أعماق الروح وتنصهرمعها وتتوحد فیها لتوجد ذلک الإستباء الذی یستشعره الإنسان کما استشعر عنترة من قبل.(نفس المصدر: 292-302) وقارئ الشعر الجاهلی یُمکنه أن یستخلصَ المثال الأعلی للجمالِ، سواءً کان جمالاً حسیّاً أو معنویاً یتصلُّ بالسجیة والأخلاقِ، وعذوبة الروح وحلاوﺓ الحدیث أو المزاج الخاص تجاه صفات بعینها، تُحبّها المرأﺓ أو تکرهها فی الرجال، ذلک أنّ الشعراء الجاهلیینَ قد نحتوا للمرأﺓ فی أشعارهم تمثالاً دقیقاً مجلو القسماتِ، بدأ بشَعرها وانتهی بقدمَیها، وهو تمثال یفیض حیویة ویمتلئ بصفات خلقیة وروحیة هی الصفات التی أحبها الجاهلی فی المرأﺓ بشکلٍ عامٍ. وطبیعی أن تختلف الزاویة التی ینظرُ فیها کل منهم إلى المرأﺓ، فالبعض یلّمُ بمظاهر الجمال الحسی إلماماً، والبعضُ یُدیم النظرُ لیتأمل الجزئیات والتفاصیل فی مثال الجمال کما یراه أو یتمنّاه، والبعض الآخر ینعت الجمال المعنوی أو الروحی لحبیبته. (نبوی، 2004م: 115) الجداول
النتیجة نلاحظ فی الدراسة أنّ الشعراء الجاهلیین قد تناولوا فی غزلهم جُلّ ما یتصل بالمحبوبة مِن دیار وظعُن وسمات جسدیة وخلقیة، کما صوروا تعلّقهم بها، وصدها وهجرها وصوّروا کذلک زینتها وملابسها وطیبها، وقد سلکوا فی سبیل ذلک ضربین: الضرب الأول هو ضرب حسّی حیث تکون المرأﺓ وسیلة للمتعة واللهو والحیاﺓ الهنیئة. وقَد یُرّدُ هذا الضرب إلى ما شاع عندهم مِن الفتوﺓ حیث یفخرون بأنّهم ینالون مِن المرأﺓ ما یریدون، کما یرد إلى طبیعة النفسِ البشریة التی تتعلّقُ بالمرأﺓ. أما الضرب الثانی فهوالضرب الذی تسامى فیه الشعراء، فتحدثوا عن الحبیبة والحُبِّ بعیداً عن قسمات الجسد ونزواته، ولایختص الشاعر بهذا اللون أو ذاک، بل نجدُهما معاً عند کثیر مِن الشعراءِ وقد یغلب هذا الضرب أو ذاک عند شاعر دون آخر کغلبة الاتجاه الحسی- إن جاز التعبیر عند امرئ القیس والأعشی وعمرو بن کلثوم، وغلبة الاتجاه الروحی عند عنترﺓ بن شداد العبسی. ویمکن أن نستخلص من هذه المتابعات الوصفیة التی تابعنا بها نصوص المعلقات، فی الجانب المنصرف إلى وصف المرأة منها، جملة استنتاجات، لعل أهّمها: الف. إن امرءالقیس هو أوصف المعلقاتیین للمرأة وأقدرهم علی ملاحظة مکامن الجمال فیها ومظاهر الفتنة منها. ب. امرؤالقیس المعلقاتی الوحید الذی یحاور المرأة على حین أن المعلقاتیین الآخرین کأنما یتحدثون عن کائن میت وامرؤالقیس الذی یجعلنا نشهد مصاحبة النساء. ج. امرؤالقیس أقدر من أصحابه على تصویر المرأة لیس من حیث هی أنثى یطفی الرجل منها شبق الرغبة الجنسیة فحسب ولکن من حیث هی امرأة عزیزة فی نفسها، کریمة فی شرفها، موسرة. د. هو أکثر المعلقاتیین تعدادا لأوصاف المرأة کما سبق. ه. إن ستة من سبعة من المعلقاتیین وصفوا المرأة بشکلٍ یختلف کثیرا أو قلیلاً عن الآخرین ویمکن ترتیبهم بناءً على تواتر هذا الوصف لدیهم وکثافته فی معلقاتهم، فنجد امرءالقیس یتبؤ المنزلة الأولى بخمسة عشر وصفاً، والأعشى فی المنزلة الثانیة بأربعة عشر وصفا،ً وعمروبن کلثوم فی المنزلة الثالثة بأحدعشر وصفاً، وطرفة فی المنزلة الرابعة بتسعة أوصاف، ثم عنتره بخمسة أوصاف، ولبید بوصفین اثنین ، فی حینٍ لم یتجاوز زهیر وصفاً واحداً وهو فی الحقیقة غیر صریح. ونجد امرءالقیس یتبؤ المنزلة الأولى فی تحدید الاسبقیات بالنسبة إلى عدد الأبیات فی وصف المرأة بثلاثة وأربعین بیتاً، والأعشی بسبعة عشر بیتاً فی المنزلة الثانیة، وطرفة باثنی عشر بیتاً فی المنزلة الثالثة، وعنترة بتسعة أبیات فی المنزلة الرابعة، وعمرو بن کلثوم بسبعة أبیات فی المنزلة الخامسة، ولبید بأربعة أبیات فی المنزلة السادسة، وزهیر ببیتین فی المنزلة الأخیرة. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أبوالفضل، إبراهیم. 1964م. دیوان امرئ القیس. مصر: دار المعارف. أدونیس، علی أحمد سعید. 1376م. مقدمة للشعر العربی. ترجمه کاظم برگ نیسی. تهران: فکر روز. الجهاد، هلال. 2007م. جمالیات الشعر العربی. بیروت: مرکز الدراسات الوحدة العربیة. الجبوری، یحیی. 1994م. الشعر الجاهلی خصائصه وفنونه. الطبعةالسابعة. مؤسسة الرسالة. الحسین، قصی. 2006م. شعر الجاهلیة وشعرائها. الطبعة الأولى. لبنان. طرابلس: منشورات المکتبةالحدیثة. الحدیثی، بهجت عبدالغفور. 2008م. نصوص من الشعر الجاهلی والإسلامی والأموی. المکتب الجامعی الحدیث. دیب، عواصه. 2006م. المرأﺓ فی شعر عمربن ربیعة، عمر أبی ریشة، نزار قبانی. بیروت: شرکة رشادبرس سمرین، رجا.1999م. شعرالمرأﺓ العربیة المعاصرﺓ. الطبعة الأولى. دارالحداثة. عباس، حسن. 1994م. المتنبی وشوقی. مصر: دار المعارف. العقاد، عباس. 1994م. مراجعات فی الآداب والفنون. الطبعة الأولى. بیروت: دار الکتاب العربی. مرتاض، عبدالملک. 1998م. السبع المعلقات، مقاربه سیمیائیه- انتروبولوجیه. منشورات اتحاد الکتاب العرب. مفید، قمیحة. 1994م. شرح المعلقات العشر. مکتبة الهلال. نبوی، عبدالعزیز. 2004م. دراسات فی الأدب الجاهلی. الطبعة الثالثة. مؤسسة المختار.
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 3,463 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 702 |