تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,193 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,851 |
النقد الاجتماعی للأدب نشأته وتطوره | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 8، دوره 2، شماره 6، آذر 1433، صفحه 172-151 اصل مقاله (1.45 M) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
آزاده منتظری1؛ محمد خاقانی2؛ منصوره زرکوب3 | ||
1طالبة الدکتوراه بجامعة إصفهان، إیران. | ||
2أستاذ بجامعة إصفهان، إیران. | ||
3أستاذة مساعدة بجامعة إصفهان، إیران. | ||
چکیده | ||
ثمة علاقة وثیقة بین الأدب والمجتمع، إذ أقر بها الفلاسفة والعلماء منذ القدیم فی ظل نظریة المحاکاة، نظریة الانعکاس وشتی الآراء والأفکار المطروحة فی هذا المجال، ولم تکد تظهر نظریة الجدلیة المارکسیة حتی تأسّس علی بنیانها، المنهج الاجتماعی للأدب؛ أحد المناهج الرئیسة فی الدراسات الأدبیة والنقدیة، وهو منهج یربط بین الأدب والمجتمع فی مختلف المستویات، ویدرس ویحلّل العلاقة بین المجتمع والأدب باعتباره انعکاسا للحیاة. وهذا البحث محاولة لتبیین النقد الاجتماعی للأدب علی أساس المنهج الوصفی التحلیلی من خلال دراسة أهم الأفکار والآراء التی نشأت علی صعید علاقة الأدب بالمجتمع؛ بدءاً من نظریة المحاکاة مرورا بالجدلیة المارکسیة، ووصولا إلى ولیدتها البینویة التکوینیة عند لوکاتش وأتباعه، انطلاقا من أن معالجة الأدب من الناحیة الاجتماعیة لاتتنافی مع الإبداعات الشخصیة المتمیزّة لدی الأدباء إذ أن الغوص فی الأعمال الأدبیة لایتیسّر إلاّ فی الإطار الاجتماعی الذی ینطلق منه الأدب ویلتفت إلیه. | ||
کلیدواژهها | ||
النقد الأدبی؛ علم اجتماع الأدب؛ المحاکاة؛ الجدلیة؛ البینویة التکوینیة | ||
اصل مقاله | ||
إنّ العلاقة بین الأدب والمجتمع علاقة جذریة متماسکة ولایتولّد فن عموما ولا أدب خصوصاً إلا فی الجماعة، ولایصح إذا قلنا إنه یولد فلانٌ فنّا لیتمتع به نفسه، أو یقول شعراً لیسمعه وحده. ثمّ من أین یستمّد الفنّان أو الشاعر انفعاله المبدع؟ ألیس من تجاربهما فی بیئته؟ وهل یقتبس صوره وقیمه إلا من الثقافة التی تلقیاها، منذ الصغر.ولایمکن له أن یشعر برضی وراحة إلا عندما یجد من یقرأ الشعر أو یستمع إلیه، ومن یتمتع بالفن فیشارکه فی الأحاسیس ویقدّر الأنامل التی صاغت ونحتت. نحن لاننکر أن لکل شاعر طابعاً خاصاً یمیز شعره عن سواه وأن لشخصیة الأدیب وحیاته النفسیة دوراً بارزاً فی مواقفه الأدبیة، لکن الأدباء والفنانین هم أبناء بیئتهم، منها ینهلون، ویتناولون، ویغرفون، وفیها یشع إنتاجهم، ویتدفق إبداعهم، وإلیها یلتفتون، فلا أدب ولا فنّ إلا فی الجماعة ومن أجل الجماعة؛ ولایمکن الغوص فی أعماق الأدب إلا داخل الإطار الاجتماعی الذی منه ینطلق الأدب وإلیه یلتفت، وهذا موضوع علم الاجتماع الأدبی علی الإجمال. إضافة إلی أن اختصاص أی فرع من فروع علم الاجتماع لدراسة الظاهرة الأدبیة یعّد من أوضح البراهین علی هذا الترابط الوثیق بین الأدب والمجتمع. وعندما یأتی الحدیث عن وجود علاقات وثیقة بین الأدب والمجتمع، وینوی الدارس الأدبی القیام بمثل هذه الدراسات فهو یواجه بعض المفاهیم والمصطلحات الشائعة تدفعه إلی أن یتساءل عن بعض القضایا فی هذا الصعید، وعلیه الإجابة عنها قبل الولوج إلی حقل النقد الاجتماعی للأدب، کی یذلّل صعوبات الطریق ویضع اللبنة الأولی السلیمة لبناء معالجة نقدیة سلیمة. من تلک التساؤلات: هل الأدب هو مرآة للأشیاء أو لعقل الأدیب، أو لنفسه، أو مرآة للبیئة أو للمجتمع؟ ثمّ هل المرآة مستویة أو محدّبة أو مقعرة؟ ثم إذا وجد عدد من الأدباء فی مرحلة اجتماعیة واحدة وربّما فی طبقة اجتماعیة واحدة فهل یفرض هذا تماثلا فی إنتاجهم الأدبی؟ بعبارة أخری هل یعنی تقدّم المجتمع تقدّماً فی الأشکال الأدبیة؟ وهل تفرض انتکاسة المجتمع انتکاسة فی الأشکال الأدبیة؟ وتستهدف هذه المقالة الإجابة عن هذه الأسئلة، وکذا تبیین تلک الأبحاث الأدبیة – الاجتماعیة التی وردت فی مجال العلاقات القائمة بین الأدب والمجتمع منذ نشأتها إلی تطورها فتقوم بشرح أهم النظریات والمفاهیم فیها إضافة إلی عرض تاریخی موجز وتحدید نسبی لبعض المناهج الأدبیة التی تتصل بالمجتمع والقضایا الاجتماعیة بنوع ما - مع أن التوصل إلی تحدید نهائی للمفاهیم النظریة فی حقل العلوم الانسانیة أمر صعب وقد یکون مستحیلا إذ أنها مبنیة علی مبدأ "تعددیة المعانی" (POLYSEMIE). (أبوشقراء، لاتا: 39) وممّا یستدعی الانتباه فی قیمة هذا البحث هو أنّه یمدّ من یرید معالجة النصوص الأدبیة معالجة تطبیقیة وفق أصول المناهج الاجتماعیة، ویرشده فی الحصول علی أقوی المناهج للتطبیق علیها قبل أن یتیه فی حقول علم الاجتماع لاسیما فی مجال النصوص القدیمة إذ یمکّن الباحثین من أن ینظروا إلیها من منظور المناهج الاجتماعیة الحدیثة وهذا مما تؤدّی إلی ازدیاد الدراسات النقدیة المنهجیة علی الأعمال الأدبیة القدیمة القیّمة. الدراسات والبحوث السابقة من أهم الأبحاث والدراسات التی توجد فی هذا المجال هی: - مقالة "درآمدی بر جامعه شناسی هنر وادبیات" لنعمت الله فاضلی، المطبوعة فی مجلة "فصلنامه علوم اجتماعی7و8". إضافة إلی بعض المقالات التی صبّت اهتمامها علی أفکار وآراء بعض منظرّی علم اجتماع الأدب مثل: - مقالة "بوردیو وجامعه شناسی ادبیات" لمحمد حسن مقدس جعفری المطبوعة فی مجلة "أدب پژوهی" العدد الثانی، صیف 1386ش، وغیرها من الدراسات التی کتبت غالبا باللغة الفارسیة والترکیز فیها علی الصعید الاجتماعی أکثر بکثیر من الصعید الأدبی. أما هذه المقالة فتنظر إلی قضیة الأدب والمجتمع من منظور یختلف تماما عمّا قام به الباحثون الآخرون فی أبحاثهم ودراساتهم کما تفید من یرید بحثا أدبیا من منظار علم الاجتماع حتی ینتهج منهجا علمیا فی أعماله النقدیة التطبیقیة. 1. الأدب والنقد بادئ ذی بدء، من الأجدی أن نأتی بمقدمة وجیزة عن الأدب باعتباره المادّة الرئیسة لعملیة النقد، وکذا عن النقد الذی اقترن بالأدب، ویعدّ من أهم الحوافز الدافعة إلی ازدهار الإبداع الأدبی، وتطویر أشکاله الفنیة ومقاصده الفکریة والثقافیة؛ فما ازدهر الأدب فی عصر من العصور إلّا وکان النقد رافدا له وتفسیرا أو تقییما أو إبداعا، وکلّما قلت القراءة المبدعة خبت جذوة الإبداع وقاربت الأفول. هناک من یحاول تحدید ماهیة الأدب من خلال ربطه بغیره من الظواهر فیصبح جزءا من الفن بشکل عام، أو جزءا من المعارف والعلوم الانسانیة، أو جزءا من النظام الاجتماعی أی یعدّ ظاهرة اجتماعیة وخلافا لکل ما تقدّم ثمّة من یری أن الأدب شکل جمالی خالص أو عمل فنی بحت، أو نظام من الرموز والدلالات التی تولد فی النص وتعیش فیه ولا صلة لها بخارج النص وعلی عکس هؤلاء یری الآخرون أن الأدب تعبیر بالکلمة عن موقف الأدیب من العالم، أو أنه أداة تعبیر طبقیة، أو أنّه صیاغة لتجربة إنسانیة عمیقة، أو أنّه استخدام خاص للغة لتحقیق هدف ما. (عزیز الماضی، 1986م: 10و11) تتمحور القضایا الرئیسة التی تطرح فی مواجهة الأدب حول ثلاث قضایا: نشأة الأدب، طبیعة الأدب، وظیفة الأدب أی مصدره وماهیته ومهمته، فالبحث فی نشأة الأدب یعنی بیان العلاقة القائمة بین الأدب والعمل الأدبی، کما أن البحث فی طبیعة الأدب یعنی بیان جوهر الأعمال الأدبیة أی خصائصها وسماتها العامة، وأخیرا فإن البحث فی وظیفة الأدب یقتضی مواقف محددة من الإنسان والحیاة إذ أن الحدیث عن وظیفة الأدب یفضی بنا بالضرورة إلی الحدیث عن مهمة الإنسان وعلاقته بالذین یعیشون معه وهو یعنی بیان العلاقة بین الأدب وجمهور القراء وبیان أثر الأدب فی المتلقین.«ولاشک بأن الأدیب والعمل الأدبی وجمهور القراء أرکان أساسیة لوجود الأدب، وإذا انتفی رکن من هذه الأرکان انتفی وجود الأدب.» (المصدر نفسه: 13) وقلما یتم النظر إلی هذه الأرکان الثلاثة بنظرة سویة بل قد تهمل فی جانب منها وتؤکّد علیه فی جانب آخر. والأدب أسبق إلی الوجود من النقد، والناقد قد سبقه الأدیب فی إبداعه سواء کان نقده سلبیا یقف عند تذوّق الشعر فحسب، أم إیجابیا یتجاوز ذلک إلی تعلیل انطباعاته؛ والأدب ذاتی من حیث إنه تعبیر عما یحسه الأدیب، وعما یجول بصدره من فکرة أو خاطرة أو عاطفة نابعة من تجربته الشخصیة أو من تجارب الآخرین، أما النقد فذاتی موضوعی، فهو ذاتی من حیث تأثره بثقافة الناقد وذوقه، ومزاجه ووجهة نظره، وهو موضوعی من جهة أنه مقید بنظریات وأصول علمیة. (عتیق، 2010م: 9) والسؤال الذی قد یرد علی بالنا الان هو: هل عرف النقاد العرب مصطلح "النقد العربی" الشائع الان واستعملوه أولا؟ إذا رجعنا إلی علوم العربیة فی جمیع تقسیماتها عند المتقدمین من علمائنا فإننا لانجد النقد العربی واحدا منها، ذلک لایعنی أن العرب کانوا یجهلون النقد الأدبی إذ أننا نجد فی التراث الأدبی القدیم کتبا تطرّقت إلی النقد الأدبی من زوایا وجوانب مختلفة. فمن هذه الکتب علی سبیل المثال: کتاب طبقات الشعر لـ"ابن سلام"، والشعر والشعراء لـ"ابن قتیبة"، وعیار الشعر لـ"ابن طباطبا"، والموازنة بین أبی تمام والبحتری لـ"الآمدی"، والوساطة بین المتنبی وخصومه لـ"القاضی الجرجانی"، والأغانی لـ"الأصفهانی"، والذخیرة لـ"ابن بسّام". (مطلوب،1421ق: 6) «فالدارس لمثل هذه الکتب حری بأن یری بأن العرب قد عرفوا "النقد الأدبی" معنی لا اسما، کما یقول الأستاذ طه إبراهیم کنها وحقیقة، وإن لم یعرفوه عنوانا لطائفة من المسائل.» (عتیق، 2010م: 11) ومن وجهة نظر الدکتور عبد العزیز العتیق إن النقد والبلاغة لم یکونا منفصلین منذ القدیم بل حسب تعبیره إن البلاغة تعد شقیقة النقد الکبری؛ لقد نبعا من أصل واحد، وسارا معاً شوطاً بعیداً فی المراحل الأولی من تاریخهما، ثم أخذ کل منهما یحکم بوظیفته یشتق لنفسه طریقاً خاصاً، ویکتسب سمات وصفات معینة انتهت بهما إلی انفصال کعلمین مستقلین ولکن هذا الانفصال والاستقلال لایعنی الانقطاع التام بینهما؛ لأن النقد کان ولایزال یقوم فی بنائه علی أسس بلاغیة. (المصدر نفسه: 11) ولابدّ لناقد الأدب الاستناد إلی نظریة فی الأدب ومن التسلّح بمفهوم ما للأدب عامة قبل تعامله المباشر مع النصوص الأدبیة فإن الأدب هو موضوع النقد ومیدانه الذی یعمل فیه ویجول. الأدب والمجتمع إن مصطلح النقد الاجتماعی هو حدیث نسبیا لکنّه قدیم من حیث الفکرة فهو یعنی «تفسیر الأدب والظاهرة الأدبیة فی المجتمعات التی تنتجه، وتستقبله، وتستهلکه.» (برکات وغسان، 1995م: 13) أو کما یعرفه کلود دوشیه: «الوصول إلی النص نفسه کمکان لحرکة المجتمع.» (المصدر نفسه: 137) والحقیقة أن تاریخ العلاقة بین الأدب والمجتمع یعود إلی العصور القدیمة جدا، ویمکننا القول إنها ترجع إلی ذلک الزمان المجهول الذی بدأ الانسان فیه یعبّر عن أفکاره بصوره تخییلیة وقد یکون حکماء الیونان القدیم هم من أوائل الذین عبّروا عن هذه العلاقة فی خطاباتهم الفلسفیة والأدبیة ثم جاء اللاحقون علی إثرهم واحدا تلو آخر. قد نجد جذور علم اجتماع الأدب فی نظریة المحاکاة التی طرحها أفلاطون وطوّرها ارسطو، وهما من أعظم الفلاسفة الأقدمین بلامنازع، وهی فی أساسها یلمح إلی التقاعل والترابط الموجود بین المجتمع والأدب فتعبیر "المحاکاة" «یعنی تقلیداً لمظاهر الطبیعة والحیاة، ثم إبداعا لما هو موجود فی عالم الواقع والمحتمل.» إن المحاکی من وجهة نظر أفلاطون هو "صانع الصورة" التی هی الفضیلة، غیر أن هذا الصانع أو المحاکی لایعرف شیئاً عن الوجود الحقیقی، وعمله یشبه عمل المرآة؛ فالمحاکاة فی رأیه هو تقلید لأعمال الناس ونسخا لصورة الفضیلة بعیداً عن الحقیقة. (المصدر نفسه: 50-47) یری أفلاطون أن کل الفنون قائمة علی التقلید (محاکاة للمحاکاة) انطلاقا من فلسفته المثالیة التی تری أن الوعی أسبق فی الوجود من المادة، لذلک یری أن الکون ینقسم إلی عالم مثالی وعالم محسوس طبیعی مادی. والعالم المثالی أو عالم المثل یتضمّن الحقائق المطلقة والأفکار الخالصة والمفاهیم الصافیة النقیة. أما العالم الطبیعی أو عالم الموجودات فهو – بکل ما فیه أشیاء وأشجار وأنهار... إلخ – مجرد صورة مشوهة وناقصة عن عالم المثل الأول الذی خلقه الله. فالأشجار المتعددة فی العالم الطبیعی مجرد محاکاة لفکرة الشجرة الموجودة فی عالم المثل. والفنان أو الشاعرالذی یرسم أو یصف شجرة علی سبیل المثال فهو یحاکی العالم الطبیعی المحسوس فیصیر عمله محاکاة لما هو محاکاة أصلا ومن ثمّ فهو یبتعد عن الحقیقة بونا شاسعا. لیس فی المحاکاة الأفلاطونیة الإبداع وعملیة الإبداع، بل یوجد ضرب من اللعب والعبث لبعدهما عن الحقیقة والعقل. والمحاکی لایلتفت نحو غایة سلیمة فی محاکاته أو إبداعه، لأن الفن الذی یبدعه والذی یقوم علی المحاکاة «وضیع ینکح الوضیعة، فیولدها نسلاً وضیعاً.» (دیتش، 1967م: 340) إذن جمیع الفنون الإبداعیة ومن بینها الأدب، هی إنتاج وضیع إذ یمثل صورا لأشباه الحقائق ولا الحقائق نفسها فیفسد الأفهام ویضعفها. ومع أن هذا الرأی استخفاف بشأن الفنون الإبداعیة عامة والأدب خاصة وإدانه لها، ولکنه یؤکّد علاقة وطیدة بین الفن وتلک الأجواء التی تولّد الفن فیها ونما، إضافة إلی أن الفن لیس بمعزل عن حقائق الحیاة وطبیعتها بل هو یمثلها ویصورها أحسن تصویر. وما انحصرت نظریة المحاکاة علی ما قال أفلاطون بل جاء بعده أرسطو وهو استخدم نفس المصطلح أی "المحاکاة" بعد أن منحه مفهوما جدیداً متبایناً عما أراد به أستاذه أفلاطون من أن الشعر محاکاة للمحاکاة، وبالتالی فهو صورة مشوهة ناقصة عن عالم المثل أو الحقیقة الخالصة قائلا بأنّ الأدیب حین یحاکی فإنه لاینقل فقط بل هو یتصرّف فی هذا المنقول وذهب أبعد من ذلک حین قال بإن الشاعر لایحاکی ما هو کائن بل یحاکی ما یمکن أن یکون، أو ما ینبغی أن یکون بالضرورة أو احتمال، فإذا حاول الفنّان أن یرسم منظراً طبیعیاً مثلاً ینبغی له ألا یتقید بما یتضمنه ذلک المنظر بل علیه أن یحاکیه ویرسمه أجمل ما یکون، أی بأفضل مما هو علیه، فالطبیعة ناقصة والفن یتممّ ما فی الطبیعة من نقص، والشعر إذن من وجهة نظر أرسطو هو مثالی ولیس نسخة طبق الأصل من الحیاة الإنسانیة. (عزیز الماضی: 33) ولقد میز أرسطو بین الفنون الإبداعیة التی تحاکی باللون والشکل، وبعضها الآخر الذی یحاکی بالصوت، کما میز بین المحاکاة بصوت کائن حی وبین المحاکاة بصوت آلة جامدة، فالأدب عامة والشعر خاصة محاکاة إبداعیة بالصوت عند أرسطو، شبیه کل الشبه بأی ظاهرة إبداعیة أخری لأنها تقوم علی الأسس الآتیة: الف. وسیلة المحاکاة. ب. الموضوعات الخارجیة التی تحاکَی. ج. طریقة المحاکاة. وفی مجال هذه الأسس الفنیة للشعر والتی غدت ظاهرة اجتماعیة، یری الدکتور زکی نجیب محمود أن الوزن أو الإیقاع واللفظ والنغم هی وسیلة المحاکاة الملائمة هنا وعن الموضوعات التی یحاکیها الشعر والأدب فهی أفعال الناس؛ فالشعر یحاکی الناس وأفعالهم کما هم أو بأسوأ أو أحسن مما هم، فالفاعل إما أن یکون سویاً مع الطبیعة البشریة أو فوقها أو دونها، وهذا التقسیم الثلاثی یصدق علی کل ضرب من ضروب الشعر، فشعر الملحمة، والشعر الغنائی، والتراجیدیا، والکومیدیا، کلها تخضع لهذا التفاوت فی محاکاة الناس لفعلهم. (نجیب محمود، 1967م: و) ویظهر من تقسیم الموضوعات التی یحاکیها الشعر، بأنه تقسیم علی أساس خلقی إذ أنه یجعل الناس فی ثلاث فئات؛ أخیار وأشرار وأوساط، ومعروف أن الأدب فی رأی هؤلاء الکبار لاینفصل عن القیم الخلقیة التی تؤدّی دوراً هاماً فی سمو المجتمع وازدهاره أو إهباط المجتمع وتخلّفه. مع أن نظریة المحاکاة لیست بمعزل عن العلاقة الوثیقة بین الأدب والمجتمع وفقد اهتمّ کل من أفلاطون وأرسطو بالوظیفة الاجتماعیة للأدب فی اتجاهین مختلفین: فأفلاطون یری أن التراجیدیا مفسدة للأخلاق إذ أن الشعراء یعودّون الجمهور علی مجانبة الفضیلة والاقتراب من الرذیلة بعرضهم نماذج من الشخصیات الملیئة بالحقد والشر تدفع الناس إلی التمثّل بها وأنها تنمی عاطفتی الشفقة والخوف، وتجعل الناس أکثر ضعفاً أمّا أرسطو فإنه یؤمن بأن التراجیدیا مع أنهّا تنمی عاطفة الشفقة والخوف لکنها تجعل المشاهدین أکثر قوة من خلال "التطهیر" فإنها تتیح المشاهدین تصریف العواطف المکبوتة الزائدة (البکاء فی التراجیدیا والضحک فی الکومیدیا) أی تجعلهم أکثر توازنا من الناحیة الانفعالیة والعاطفیة. وبالتالی فإن المشاهد یشعر بالراحة وبالقوة. (برکات وغسّان: 19و20) لم تکن مهمتنا هنا تحدید صحة هذه الأفکار التی تعرّضت لکثیر من التعدیلات والأبحاث أو سقمها إذ نوینا الترکیز علی الجانب الاجتماعی فی آراء الروّاد الأوائل لعلم اجتماع الأدب، مع هذا کله نشیر إشارة عابرة إلی أنّ أفلاطون لم یکن مصیبا فی حکمه هذا، وکانت رؤیته ضیقة جدا إذ لم یرَ فی الشعر سوی جانب مظلم منه بینما رأی تلمیذه أرسطو للشعر وجهاً مضیئاً عندما فکّر بما تحدث هذه الانفعالات فی النفس الإنسانیة من تأثیرات جلیة تطهّر النفس من شرورها بإشباع هذه الرغبات والتخلص منها، وهذا مناقض تماما لما تصوّره أفلاطون. ورجال الیونان الکبار کانوا من أوائل الذین ابتدعوا الحدیث عن الصلة المباشرة بین الفن والمجتمع وجاء إثرهم عدد من العلماء والفلاسفة المسلمین تأثروا بتعبیر "المحاکاة" وأولوه عنایة تتعلق بآراءهم وأفکارهم منهم "الجاحظ"، و"الفارابی" و"ابن سینا" و"ابن رشد". (قصی الحسین، 1993م: 88-106) لکنه لم یصل مرحلة النضج والتنظیر إلا فی العصر الحدیث عموماً والقرن العشرین خصوصاً، فقد اتفق کثیر من الآراء حول وجود هذه العلاقة بین الأدب والمجتمع وتأثرهما أحدهما بالآخر، غیر أنها قد اختلفت فی وصف طبیعة هذه العلاقة وتمایزت بین ناقد وآخر ونتج عن ذلک ظهور أعلام لهذا الاتجاه فی القرنین التاسع عشر والعشرین. ظلّت نظریة المحاکاة مسیطرة علی الحرکة الأدبیة النقدیة الأوربیة حتی منتصف القرن الثامن عشر تقریبا، ثم طرحت نظریة التعبیر فی منتصف القرن الثامن عشر إثر تغییرات جذریة هزّت معالم المجتمع الأروبی الاقتصادیة، والسیاسیة، والثقافیة کما جاءت إثر تطورات فی شأن الدراسات الاجتماعیة، والاقتصادیة، ونمو الروح الفردیة فی المجتمع، وقد اهتمت هذه النظریة بالأدیب الشاعر أکثر ممّا اهتمت بالأسلوب أو الشکل کما یعنی بمشاعر الأدیب وأحاسیسه وخیاله أکثر من اهتمامه بالوظیفة الاجتماعیة للأدب علی عکس نظریة المحاکاة، ویمکن أن تعدّ هذه النظریة بمثابة ردّ فعل عنیف علی نظریة المحاکاة؛ فبینما تضع نظریة المحاکاة قواعد وقوانین لابد للأدیب من اتباعها والالتزام بها فإن نظریة التعبیر تمثل التمرّد علی کل القواعد والقوانین، وبینما تری نظریة المحاکاة أن القیمة للعقل والمنطق فإن نظریة التعبیر تری القیمة فی العواطف والانفعالات، وإذا کانت الطبیعة مشوهة لدی أفلاطون أو ناقصة لدی أرسطو فإن للطبیعة قیمة کبری لدی أصحاب "نظریة التعبیر" منهم "کولیردج" (۱۸۳۴-۱۷۷۲) وهو یعدّ من أعظم الشعراء، والأدب فی ضوء نظریة المحاکاة موضوعی لأنه محاکاة للعالم أما فی ضوء نظریة التعبیر فالأدب ذاتی بالدرجة الأولی. (عزیز الماضی، 1986م: 49ـ65) ثم ظهرت نظریة الخلق (الفن للفن) فی أواخر القرن التاسع عشر وهی امتداد للتعبیر وقد جاءت هذه بصفتها ردّ فعل علی تحول الفنّ إلی سلعة فی العالم الرأسمالی، فهی فی أصولها حرکة احتجاج ونقد عنیف لوضع الفن والأدب المتردی لذلک نادت بالفن الخالص أو الفن الحقیقی الذی یرفض ارتباطه بأی شئ خارجی (الأخلاق، والعلم، والمجتمع، و...) لذلک رفضت أن یوظّف الأدب، والفن فی خدمة أهداف نفعیة متمثلة فی کتابات وآراء بودلیر (1821-1867م) وغیره. (الدیدی، 1369ق: 1760) ومن الجلی أن هاتین النظریتین تأثرتا بالظروف الطارئة علی المجتمع الأروبی وکل واحدة منهما ظهرت بمناسبة من مناسبات علاقة الأدب بالمجتمع وما یختص به من الدین، والعلم، و... والأولی منهما رفضت الوظیفة الاجتماعیة للأدب فی وقفة احتجاجیة أمام نظریة المحاکاة، والثانیة منهما خالفت کون الأدب سلعة فی خدمة أهداف المجتمع. وأما نظریة الانعکاس، وهی التعبیر الحدیث عن المحاکاة التی ظهرت فی هذه الحقبة، فقد أدّت دورا هاما فی تنظیر منهجیة علم اجتماع الأدب بالقیاس إلی النظریات الثلاثة السابقة (لمحاکاة، التعبیر، والخلق) واستندت فی تفسیر الأدب نشأة وماهیة ووظیفة إلی الفلسفة الواقعیة المادیة التی تری بأن الوجود الاجتماعی أسبق فی الظهور من وجود الوعی بل إن أشکال الوجود الاجتماعی هی التی تحدد أشکال الوعی. (عزیز الماضی، 1086م: 81-85) وقد استطاعت نظریة الانعکاس أن تقدّم مفاهیم جدیدة تماما عن الأدب ولعلها أکثر النظریات حیویة وقدرة علی الاستمرار بفضل منهجها الذی یتسم بالحرکة وزاد عدد أنصارها یوما بعد یوم محاولین تطویر بعض القضایا والمفاهیم المختصة بها، بالإضافة إلی أن هذه النظریة تمیزت عن سائر النظریات بکونها لم ترکّز علی جانب واحد من جوانب الظاهرة الأدبیة إذ ترکزّت نظریة المحاکاة علی المتلقی، واهتمت نظریة التعبیر بزاویة المبدع، ونظریة الخلق بزاویة العمل أو النص الأدبی، وأمّا نظریة الانعکاس فقد تناولت هذه الجوانب کلها من المبدع، والإبداع، والمتلقی. الأدب وعلم الاجتماع یتفق معظم الباحثین علی أن الإرهاصات الأولی للنمهج الاجتماعی فی دراسة الأدب ونقده بدأت منهجیاً منذ أن أصدرت الکاتبة والروائیة الفرنسیة مدام ستایل (1766-1817) کتابها "الأدب فی علاقته بالأنظمة الاجتماعیة" عام1800م و"عن آلمانیا" عام 1813م، تتحدث فیه عن دور عامل الهویة القومیة وعلاقته بالوسط الاجتماعی وتأثیراتهما فی الإبداع، والذوق الفنی، والقول الأدبی فقد تبینّت مبدأ أن الأدب تعبیر عن المجتمع. (هویدی، 1426ق: 94) تری مدام دوستال أن الأدب یتغیر بتغیر المجتمعات ویتبدّل بتبدّلها ویتطوّر حسب تطور الأوضاع الاجتماعیة، من هنا رأت أنه أصبح من الضروری بعد قیام الثورة الفرنسیة عام 1789م ظهور أدب جدید یعبّر عن مجتمع ما بعد الثورة ویختلف کثیرا عن أدب ما قبل الثورة وصار لزاما علی النقد أن یحوّل سؤاله من"کیف یکتب الأدباء؟" إلی "عن ماذا یکتبون؟". (برکات وغسّان: 49) فقد أرادت من هذه الفکرة أن توجّه النقد إلی مسار حدیث وهو الاهتمام بالموضوعات والصیاغات التی تتناولها الإبداعات الأدبیة أکثر بکثیر من الاهتمام الزائد بفنون الکتابة، والبلاغة، والخطابة التی احتلّت مساحة کبیرة من کتب النقد القدیم. بعد مدام دوستایل ظهر الفیلسوف والناقد هیپولیت تن (1828- 1893) الذی تأثر کثیرا بتطورات العلوم المختلفة فتقدّم بمفهوم النقد الاجتماعی خطوة إلی الأمام وهی محاولة إخضاع الأدب للنظریة العلمیة علی غرار ما هو قائم فی العلوم الأخری. استند تین فی نظریته الواردة فی کتاب "تاریخ الأدب وتحلیله" عام 1863م إلی ثلاثیته المشهورة وهی: البیئة أو الوسط، الجنس أو العرق، اللحظة التاریخیة أو العصر؛ ورأی أنه من دون هذه العناصر لایمکن فهم العمل الأدبی وتفسیره ونقده لأن العمل الأدبی لیس مجرد نوع من عبث الخیال الفردی، ولکنه نقل للتقالید المعاصرة، وتعبیر عن عقل من نوع ما، فالأدب یعکس بعض الحقائق والانفعالات المحددة والقابلة للتمحیص. (عزیز الماضی، 1986م: 81) ویتراءی من خلال نظریة "تین" أن الأدب بمثابة ظاهرة من الظواهر الطبیعیة یسجل بعض الانفعالات المحددة القابلة للمعالجة والاختبار، ویمکن للدارس الأدبی أن یفهم العمل الأدبی ویفسّره تحت مجهر العناصر الثلاثة (البیئة، والجنس، والعرق) ولکن هل الظاهرة الأدبیة مثل الظاهرة الطبیعیة تسمح بمثل هذا التعمیم فی القوانین، وبمثل هذه الحتمیة الجبریة؟ ألیس الأدب ظاهرة فنیة ولا طبیعیة؟ ألیست الظاهرة الفنیة عظیمة بقدر قابلیتها لتعدد المعانی ولعشرات التأویلات مما یجعل انخراطها فی قانون عام أمرا مستحیلا؟ إن الظاهرة الأدبیة ذات طبیعة تخییلیة وإیحائیة، وهو ما یعنی أنه لایمکن أن تکون مادة تجریبیة تخضع لقوانین عامة، وتدخل فی قوالب جاهزة تقاس علیها جمیع النصوص؛ فإذا کانت الظاهرة الطبیعیة مادة قابلة للملاحظة، والقیاس، والتعمیم، واکتشاف قوانینها، فإن الظاهرة الأدبیة تخرج من دائرة التعمیم والقیاس، لتدخل دائرة الفردیة والتخصیص؛ «فالعلم تعمیم والفن تخصیص، العلم تجمیع والفن تفرید. العلم یلاحظ الأشباه والنظائر لیستخلص منها أوجه الشبه فیصوغها فی قانون واحد ینظمها، والفن یلاحظ جزئیة واحدة یقف عندها، ویحللّ خصائصها.» (نجیب محمود، 1967م: 89) إن الدارس أو الناقد الأدبی، عندما یدرس أدب أدیب معین، فهو غالباً لا یهتم اهتماماً بالغاً بما یشترک فیه ذاک الأدیب مع بقیة البشر، أو مع باقی أدباء عصره، فهو یدرسه لاکتشاف ما تفرّد به هذا الأدیب وهذا یختلف عن عالم الطبیعة الذی یستهدف وضع قوانین عامة تتکررّ فی جمیع الحالات. وعلی أیة حال فإن هذه الآراء تعبّر عن الالتفات إلی الصلة بین الظاهرة الأدبیة والمجتمع لکنّها لم تتوصل إلی إدراک علاقة التأثیر والتأثر بین الأدب والمجتمع أو إلی إدراک تناقضات المجتمع وعلاقاته حتی ظهرت عدد من أعلام النقد الاجتماعی فی روسیا فی أثناء هذه المرحلة وجاءت إسهاماتهم فی هذا المجال مؤثّرة فی تطویر النقد الاجتماعی کما جاءت مؤثرة فی مفهوم النقد المارکسی مباشرة علی أمثال: بیلنسکی (1848- 1810م) وتلامذته حین طالبوا بأن یکون الأدب انعکاساً للحیاة الاجتماعیة ناقلا الواقع بأمانة، دون أی تزییف، وهم اهتمّوا بالحقیقة الواقعیة واللحظة التاریخیة والمتطلبات الاجتماعیة والقومیة وعرّفوا الأدب الحقیقی بأنّه ذلک الأدب «الذی یکون تعبیرا عن التطور التاریخی للروح القومیة، وعن الحرکة الدیالکتیکیة للأفکار السیاسیة، والاقتصادیة... وأعاظم الکتّاب أکثرهم تقمصاً لمجتمعهم وتطوره، وتنبوءا بحاجات عصرهم، وتعبیرا عن روحه وتمثیلا لمعاصریهم.» (ویمزات، 1975م، ج3: 66) کان للمفکر المادی المارکسی تأثیر عظیم فی تطور المنهج الاجتماعی، وإکسابه إطاراً منهجیاً وشکلاً فکریاً ناضجاً ولکون هذه المدرسة ذات أهمیة بالغة فی تحدید مسار المنهج الاجتماعی عموماً نسلّط الضوء علی بعض مبادئ هذه المدرسة الفکریة معتمدین علیها فی الأبحاث التطبیقیة للشعر. المدرسة الجدلیة تدور الفکرة المارکسیة حول محور الأساس الاقتصادی للمجتمع (البنیة التحتیة) الذی یحدّد طبیعة الإیدیولوجیة والمؤسسات والممارسات (کالأدب) التی تشکّل البنیة الفوقیة لذلک المجتمع وبما أن الأدب بنیة فوقیة تعکس الواقع الاجتماعی والاقتصادی للبنیة التحتیة إذا لا بدّ من وجود علاقة حتمیة مباشرة بین القاعدة والبنیة الفوقیة. (برکات وغسّان: 53) فأی تغیر فی قوی الإنتاج المادیة لا بدّ من أن یحدث تغییرا فی العلاقات والنظم الفکریة، وقد أثارت هذه الفکرة «الکثیر من الجدل حول استقلالیة العمل الفنی ومدی اعتماده علی العناصر الخارجیة أو تفاعله معها، وبخاصة أن الحتمیة کمفهوم تنطوی علی أن عملیة التحدید القطعیة التی توحی بها تجلب إلی الأدب عناصر خارجیة علیه یفترض أنها صانعة حتمیة.» (حافظ، 1981م: 68) إلا أن قراءة دقیقة لأعمال مارکس ترفض هذه الحتمیة المبتذلة لاسیما فی المجال الأدبی إذ إنّ فهم الأدب وفق النظریة المارکسیة لا یتمّ إلا ضمن إطاره الاجتماعی ویفترض أن یفهم الأدب فی صلته بالواقع التاریخی والاجتماعی، لا مستقلا عنهما. ومن جانب آخر قد لاحظ مارکس أن الفن قد ازدهر أحیانا فی عصور لم تکن قد وصلت إلی درجة من التطور المادی العام إذ کانت أسالیب إنتاجها بدائیة غیر متطورة ورأی أن الفن الإغریقی وروائع شکسبیر المسرحیة، وموسیقی المؤلفین الروس الساحرة فی القرن التاسع عشر، ورسوم فنانی النهضة وغیرها نماذج حیة تدل علی عدم وجود حتمیة فی ارتباط الفنون بتطور القاعدة المادیة لاقتصاد المجتمع (الموسی، 2011م: 22) کما واجه النقاد العرب أمرا شبیها بهذه الإشکالیة عند تطبیق النظریة المارکسیة علی الأدب العربی ووجدوا أن مراجعة تاریخ الآداب والمجتمعات تؤکد أن التلازم بین التقدم الاقتصادی والازدهار الثقافی والأدبی لیس تلازماً صحیحاً دائماً وذکروا نقیضا لها بنموذج من تاریخ الأدب العربی وهو العصرالعباسی الثانی إذ أنه عُرف بتفکک الدولة، وانتقال السلطة من العرب إلی العجم، ونشوء الدویلات ومع کل هذه الظواهر السلبیة اتسّمت هذه الحقبة بالإبداع الشعری فی الثقافة العربیة. (فضل، 1417م: 45؛ وأبوالرضا، 1425ق: 62) وقدّم المارکسیون حلا سریعا لهذه المشکلة وهو "قانون العصور الطویلة" مفاده أنّ نتیجة التطور الاقتصادی، والسیاسی، والثقافی وارتباطه بالتطور الإبداعی الأدبی لایظهر مباشرة؛ بل یلزم ذلک مرور أجیال وعصور طویلة حتی یتفاعل الأدب مع مظاهر التطور المختلفة. (فضل، 1417ق: 46و47) لاینعزل الأدب عن المجتمع والتاریخ، ولایکون بناء لغویاً مستقلاً عن التأثیرات الخارجیة والواقع الاجتماعی فی النظریة المارکسیة لیس «خلفیة مبهمة ینبثق الأدب منها أو یتآلف معها، إن له شکلاً محدداً، وهذا الشکل قائم فی التاریخ الذی یعتبره المارکسیون سلسلة من الصراعات بین الطبقات الاجتماعیة متناحرة ومن أنماط الإنتاج الاقتصادی الذی تضطلع به.» (أن جفرسون، 1994م: 245) بعد أن تبین المحور الأساسی للفکرة المارکسیة فی البنیة التحتیة للمجتمع وعلاقتها بالبنیة الفوقیة، نلقی الضوء علی الجوهر العام لهذه الفکرة ونقوم بشرح المصطلحین، الجدلیة والمادیة التاریخیة، اللذین هما فی علاقة حمیمة مع النظریة المارکسیة. المادیة الجدلیة قوامها ثلاثة قوانین علمیة تبتدئ من المادة، وتنتهی بالإنسان والتاریخ وهی: 1. قانون التناقض ووحدة الأضداد: یتمثل هذا القانون فی الذرة أصغر الأشیاء فی الکون، وذلک من خلال حضور الإلکترونات الموجبة إلی جانب تلک السالبة داخلها حیث تتشکل من هذه الضدیة الطاقة الکامنة فی الذرة فالطاقة هی الهویة الناجمة عن وحدة المتناقضین. ونجد مثل هذا التناقض فی المجتمع البشری، فی أی مرحلة من مراحل حیاته، والصراع الذی تخوضه الطبقة المستغَّلة ضد الطبقة المستغلِّة هو قوام الطاقة المحرّکة للتاریخ. 2. قانون النفی ونفی النفی: نفی النفی إیجاب یتمثل فی سیرة حبة القمح. فوجود هذه الحبة نفی لوجود حبة قمح أخری بذرت فی التربة. ونفی الحبة الجدیدة إذا ما بذرت هو نفی للنفی الذی ینتج لنا إیجابا بحضور حبوب قمح جدیدة. (زیتون، 2010م: 21) ونجد هذا القانون قائما فی حیاة الإنسان أیضا إذ أن انتصار الطبقة المستغَّلة نفی للطبقة المستغِّلة وانتصارها یحوّلها إلی طبقة مستغِّلة یأتی انتصار الطبقة المستغَّلة الجدیدة علیها نفیا لها ونفی النفی، هذا إنّما یحرّک التاریخ ویوجّه الإنسان إلی مزید من الرقی والتحررّ. (المصدر نفسه: 22) 3. قانون التراکم الکمی والطفرة (القفزة النوعیة): الماء سائل علی درجة حرارة معینة، یتحوّل عن طبیعته هذه إلی البخار إذا تراکمت الحرارة درجة وراء درجة، ویتحوّل إلی جماد إذا تراکم تناقص تلک الدرجات. وکذلک فی المجتمع الطبقی فإن تراکم استغلال الطبقة المسیطرة للطبقة الخاضعة یؤدی بالتأکید إلی ثورة تغیر علاقات الإنتاج، وفی الحالین: المادیة والاجتماعیة أدی التراکم إلی طفرة. (المصدر نفسه: 23) تتمیز هذه النظریة بالحرکة والتطور فی المجتمع متمثلة فی بعض مفردات منها "الصراع"، "الثورة"، "الطفرة"، و"القفزة"، و... کما تتمیز بالتناقض والنفی القائم علی المجتمع البشری الذی لن ینتهی بل هو قائم علی قدم وساق ویقود المجتمع تجاه المزید من الرقی والتحرر. ثم المقصود بالمادیة التاریخیة من منظور مارکسی: «لیس وعی الناس هو الذی یحدد وجودهم الاجتماعی، إنّما وجود الناس الاجتماعی هو الذی یعین وعیهم.» (وبسیرکین: 42) و"الوعی الاجتماعی" (social consciousness) هذا من أهم المفاهیم التی أفاد منها منظّرو علم اجتماع الأدب ودفعتهم إلی تحدید خطوط هذا العلم ومنهجیته. إن المادة فی المارکسیة سابقة للوعی الإنسانی، فقد کانت المادة ثم کان الوعی فإذا کانت المادة تسبق الوعی، وإذا کان الوعی انعکاس المادة علی الفکر، فمن الطبیعی أن تکون أسس المادیة التاریخیة هی أسس المادیة الجدلیة، فإذا کانت المادة الجدلیة تنظر إلی الطبیعة علی أنها لیست مجموعة من الأشیاء والظواهر المتفرقة، وإنما هی مجموعة متصلة اتصالا عضویا، فإن المادة التاریخیة تنظر إلی المجتمع علی أنه «لیس عبارة عن تراکم فوضوی لظواهر اجتماعیة مختلفة، بل هو کل مترابط تتبادل کل جوانبه التأثیر فیما بینها، ویرتبط بعضها ببعض ارتباطا وثیقا لا انفصام له.» (کیللی، 1970م: 46) فکما أن المادیة الجدلیة تجد المادة فی حرکة دائمة وتجد التناقض الداخلی محرکا إیاها، فإن المادیة التاریخیة تری أن المجتمعات تتحرک، وأن التناقض الداخلی محرکاً لها، إذن «الحرکة هی محور المادیة التاریخیة والتاریخ الإنسانی تاریخ حرکة المجتمعات وانتقالها من طور إلی طور آخر: فمن المشاع البدائی إلی الرّق، ومن الرّق إلی الإقطاع، ومن الإقطاع إلی رأس المال، ومن رأس المال إلی الشیوعیة.» (عبد الرحمن، 1979م: 83) جهود معاصرة فی مجال علم اجتماع الأدب ظهرت فی القرن العشرین تطورات مهمة للنقد الاجتماعی تأسیسا علی هذا الموروث التاریخی - الذی خلّفه کارل مارکس وغیره من الفلاسفة والعلماء - وانطلاقا منها، وقد برز جورج لوکاتش (1885-1971م) منظرا لهذا الاتجاه عندما درس وحلل العلاقة بین المجتمع والأدب، باعتباره انعکاساً وتمثیلا للحیاة، وقدّم دراسات ربط فیها بین نشأة الجنس الأدبی وازدهاره، وبین طبیعة الحیاة الاجتماعیة والثقافیة لمجتمع ما تسمّی بـ"سوسیولوجیا الأجناس الأدبیة" تناول فیها الطبیعة ونشأة الروایة المقترنة بنشأة حرکة الرأسمالیة العالمیة وصعود البرجوازیة الغربیة. (فضل، 1417ق: 55) إن لوکاتش یرجع العامل الجوهری لازدهار الروایة علی مستوی الکتاب إلی شدة التناقضات فی المجتمع البرجوازی ویری أن فهم الروایة لاتتحقق إلا بعد فهم الصراعات القائمة علی صعید المجتمع البرجوازی ویلزم علی الباحث بأن یجعل هذه الخصائص الهامة للمجتمع نصب عینیه قبل قیامه بعملیة دراسة الأدب وتحلیلها. ومن الشیق فی هذا المجال الحدیث عن العلاقة بین الشکل والمضمون، هذه القضیة الهامة التی شغلت اهتمام الباحثین منذ القدیم وارتبطت لدیهم بما یسمی العلاقة بین اللفظ والمعنی عند الجاحظ وعبد القاهر الجرجانی أمثاله ولعلّ اهمیتها «تنشأ من ارتباطها الوثیق بتقدیر قیمة العمل الأدبی، وتبین تأثیره.» (العشماوی، لاتا: 9و11) قد تبلورت رؤیة الشکل والمضمون، فی الخطاب النقدی فی ظل الصراع الإیدئولوجی بین أنصار الفن للفن وبین أنصار الفن للجتمع إذ یلحّ النقاد فی الخطاب النقدی الاجتماعی علی رفض الشکلیة فی الأدب فی حین یعنون بالشکل الفنی عند منطلقاتهم النظریة ولایهملونه، وتعد هذه المسألة من أهم مقولات المادیة الجدلیة التی تؤکّد علی وحدة الشکل والمضمون وتفاعلهما غیر أنها وجدت لدی لوکاتش معنیاً مختلفاً عما أراد به الشکلانیون الروس المعتمد علی الأسالیب اللغویة والصیاغیة التی تکوّن النص الأدبی فالشکل برأیه هو المضمون الذی یصاغ فی قالب فنی، وبذلک یمیز الشکل المضمونی عن الشکل اللغوی. (برکات وغسّان: 67) ویخطو لوکاتش خطوة أعمق فی نظرته للعلاقة بین الشکل والمضمون، فهو یقرر بحقیقة ربط العمل الفنی والواقع الاجتماعی، والسیاسی، والاقتصادی، والثقافی القائم لکنّ الإبداع الفنی برأیه لایخضع للشروط الأدبیة فحسب بل یستند إلی شکل حال تاریخیة محددة یقوم الکاتب بالتعبیر عنها وإعطائها شکلا فنیا یتناسب معها. وقد خصص لوکاتش الکثیر من أعماله حول الفکر، والأدب، والفن مستندا إلی ربط وثیق بین الذوق الکلاسیکی الذی لایتوقف عن إبداء إعجابه به، وبین العقیدة المارکسیة التی بقی مخلصا لها طوال حیاته، فکتاباته عن علم جمال وتنظیراته الأدبیة والفکریة لاتزال من المراجع الأساسیة للأدباء الواقعیین، والنقاد الذین ینهجون المنهج الاجتماعی. (المصدر نفسه: 59) ثم جاء بعده "لوسیان غولدمان" الذی رکزّ علی مبادئ لوکاتش وطوّرها حتی بنی اتجاهاً یطلق علیه "علم اجتماع الإبداع الأدبی"، حاول فیه الاقتراب من الجانب الکیفی علی عکس اتجاه "اسکاربیه الکمی". اعتمد "غولدمان" علی مجموعة من المبادئ العمیقة والمتشابکة التی یمکن أن نوجزها فی ما یأتی: 1.یری غولدمان أن الأدب لیس إنتاجاً فردیاً، ولایعامل باعتباره تعبیرا عن وجهة نظر شخصیة، بل هو تعبیر عن الوعی الطبقی للفئات والمجتمعات المختلفة، بمعنی أن الأدیب عندما یکتب فإنه یعبّر عن وجهة نظر تتجسّد فیها عملیات الوعی والضمیر الاجتماعی، فجودة الأدیب وإقبال القرّاء علی أدبه بسبب قوته فی تجسید المنظور الجماعی ووعیه الحقیقی بحاجات المجتمع، فیجد القارئ ذاته وأحلامه ووعیه بالأشیاء، والعکس صحیح لمن یملکون وعیاً مزیفاً. 2. إن الأعمال الأدبیة تتمیز بأبنیة دلالیة کلیة، وهی ما یفهم من العمل الأدبی فی إجماله، وهو یختلف من عمل لآخر، فعندما نقرأ عملاً ما فإننا ننمو إلی إقامة بنیة دلالیة کلیة تتعدل باستمرار کلما عبرنا من جزء إلی آخر فی العمل الإبداعی، فإذا انتهینا من القراءة نکون قد کونّا بنیة دلالیة کلیة تتکّون من المقابل المفهومی والمقابل الفکری للوعی والضمیر الاجتماعیین المتبلورین لدی الأدیب. 3. إن النص الأدبی برأی غولدمان هو بنیة متولدة عن بنیة أشمل وأعمق هی البنیة الاجتماعیة للجماعة أو الطبقة التی یمثلها المبدع، ولهذا لابدّ من دراسة النص الأدبی للکشف عن مدی تجسیده للبنیة الفکریة للطبقة أو للجماعة الاجتماعیة التی یعبّر عنها الکاتب، ونقطه الاتصال بین البنیة الدلالیة هی العمل الأدبی والوعی الاجتماعی هی أهم الحلقات عند "غولدمان" والتی یطلق علیه مصطلح "رؤیة للعالم"، فکل عمل أدبی یتضمن رؤیة للعالم، لیس العمل الأدبی المنفرد فحسب لکن الانتاج الکلی للأدیب. وانطلاقا من هذا المنظور أسس غولدمان منهجه "التولیدی" أو "التکوینی" کما قام بإجراء عدد من الدراسات التی ترتبط بعلم اجتماع الأجناس الأدبیة کما فعل "لوکاش" فأصدر کتابا بعنوان "من أجل تحلیل سوسیولوجی للروایة" درس فیه نشأة الروایة الغربیة وکیفیة تحولاتها المختلفة فی مراحلها المتعددة تعبیرا عن رؤیة الیرجوازیة الغربیة للعالم. (فضل، 1417ق: 58) وجدیر بالذکر أن سبب الاهتمام بـالروایة فی معظم النظریات الاجتماعیة الحدیثة للأدب وعدم الترکیز علی النصوص الشعریة لیس لعدم عنایة هؤلاء المنظرین بالإنتاجات الشعریة وإهمالهم إیاها بل قد یعود جذور اختیارهم للروایة إلی أنها أکثر بکثیر من الأنواع الشعریة تعکس القضایا الاجتماعیة، وتجسّد تلک الظواهر والصراعات التی تولد فی بطن المجتمع وتنمو فیه فهی أکثر مجالا للمقاربات الاجتماعیة للأدب. وقد استخدم بعض الدارسین العرب المنهج التولیدی فی تحلیل ظواهر الأدب العربی، من أبرزهم "الطاهر لبیب" رئیس جمعیة علماء الاجتماع العرب، وقد تناول ظاهرة الغزل العذری فی العصر الأموی من حیث تعبیرها عن رؤیة العالم لفئة اجتماعیة معینة، حاول فیها أن یقیم علاقة بین ظاهرة الغزل العذری وبین طبیعة الأبنیة الاجتماعیة والاقتصادیة لهؤلاء الشعراء، ومدی نجاحهم فی تقدیم رؤیة للعالم تعبر عن واقعهم الاجتماعی. ثم حدث تطور فی مناهج النقد الأدبی، فأدّی إلی نشؤء علم جدید هو علم "اجتماع النص"، یعتمد علی اللغة بوصفها واسطة الأدب والحیاة فهی مرکز التحلیل النقدی فی الأعمال الأدبیة. وتمکّن هذا المنهج من تجاوز ما وجّه لـ"رؤیة العالم" من نقد إذ لیست هی سوی فکریة، وذهنیة، وفلسفیة فعلم اجتماع النص تصور لغوی یرتبط بجذور الظاهرة الأدبیة، ونجد الناقد "بییر زیما" فی کتابه "النقد الاجتماعی" یتمیز من خلال عرضه للاتجاهات التی سبقته، وبعد أهم الصعوبات والانتقادات التی وجهّت إلیها، اقترح تصورا أکثر نضجاً وتطوراً فی سوسیولوجیا الأدب. (أبوالرضا، 1425ق: 72) إذا کانت المناهج الاجتماعیة، کالتجریبی، والبنیوی التکوینی... رکّزت فی الغالب علی الجانب المضمونی فی العمل الأدبی علی حساب الشکل؛ فإن منهج سوسیولوجیا النص الأدبی، الذی یمثله بییر زیما، حاول الإفادة من الأبحاث اللسانیة والبنیویة المعاصرة وهو یهتم ببنیة النص اللغویة والرمزیة بجانب المحتوی الذی هو متجسّد فی هذه الوحدات اللغویة.
المنهج الاجتماعی فی النقد العربی إننا نجد فی التراث النقدی العربی القدیم نقدا للمجتمع وسلوکیاته ککتاب "البخلاء" للجاحظ، والحرص علی الربط بین المعنی الشریف واللفظ الشریف الذی نجده عند بشر بن المعتمر، وبعض الملاحظات المنتشرة فی کتب النقد القدیم التی تحث علی الربط بین المستوی التعبیری ومستوی المتلقین. أمّا فی النقد الحدیث فنجد بعض الدعوات إلی الاهتمام بالاتجاه الاجتماعی فی النقد الأدبی عند شبلی شمیل، وسلامة موسی، وعمر الفاخوری، وقد اقترب هذا المنهج من المدرسة الجدلیة عند محمد أمین العالم، وعبد العظیم أنیس، ولویس عوض. النتیجة النتائج التی حصلت علیها هذه المقالة هی: - لاریب فی أن الأدب مرآة وتکرر هذا المصطلح "المرآة" منذ أفلاطون حتی أیامنا هذه تحت عناوین منها "المحاکاة" و"الانعکاس"، وإن تطورت مدلولاته طوال الأعوام المتمادیة، وقد تتباین وتتناقض الآراء فیه قائلة بأن الأدب هو مرآة للأشیاء أو لعقل الأدیب أو مرآة للبیئة أو المجتمع ومما قد حصل علیه هذا البحث هو أن الأدب لیس مرآة للأشیاء علی الإطلاق بل هو مرآة للبیئة والمجتمع. أما عقل الأدیب فیعکس المجتمع أیضاً إذ إن الوجود الاجتماعی أسبق فی الظهور من وجود الوعی فیکون عقلیة الأدیب متاثرة بالمجتمع أیضا. - أما المرآة فلیست مستویة بالضرورة حیث یعکس المجتمع کما هو، بل قد تکون مقعّرة أو محدّبة؛ تکبّر بعض القضایا وترکز علیها أو تصغّر بعضها الآخر وتُهملها. - إن المجتمع الواحد لاینتج أعمالا أدبیة واحدة بل إنّها تتغیر وتتفاوت حسب عقلیة الأدیب ونوعیة تعبیره أیضا فلایستبعد إذا ما وجدنا فی بیئة واحدة أدیبین أو أکثر منهما یعیشان فی ظل ظروف واحدة تسود علی المجتمع، یأتیان بأعمال أدبیة لاتتماثل مع بعضها الآخر فحسب، بل قد یتناقضان فیها أیضا، فحضور المجتمع والقضایا الاجتماعیة فی تکوین الأعمال الأدبیة لایعنی خمود جذوة الإبداع عند الأدباء علی الإطلاق. - التقدم الاقتصادی فی المجتمع قد یترک تأثیرات إیجابیة فی الأدب کما قد یترک انتکاسة المجتمع تاثیرات سلبیة فیه لکنه لایعنی أن هناک تلازما بین التقدم الاقتصادی والازدهار الأدبی أو العکس، إذ إن مراجعة تاریخ الآداب والمجتمعات قد اثبتت خلافا لذلک. - ناقد الأدب فی حاجة ماسة إلی منهج علمی ینتهج به فی تطبیق بعض الأصول النقدیة الحدیثة علی عدد من الأعمال الأدبیة ولایصح إذا قلنا إن المناهج الحدیثة تتطلب الإنتاجات الأدبیة الحدیثة بحتا بل توجد فی الأعمال القدیمة طاقات کثیرة لمثل هذه الدراسات التی تُلبس علیها ثیاب الجدّة والطراوة. - إن منهج البنیویة التکوینیة من أقوی المناهج الاجتماعیة للتطبیق علی الأعمال الأدبیة إذ إنه یهتم بالمضمون والشکل علی حد سواء؛ وإنه قد یتفوق الجانب الاجتماعی منهما علی الجانب الآخر إضافة إلی أنّ "علم اجتماع النص" بإمکانه أن یأتی فی إکمال ما فاته من القضایا فی الدراسات الاجتماعیة أو ما قد یهمل فیها أحیانا. | ||
مراجع | ||
أبوالرضا، سعد. 1425ق. النقد الأدبی الحدیث- أسس الجمالیة ومناهجه المعاصرة. لانا. أبوشقراء، محی الدین. لاتا. مدخل إلی سوسیولوجیا الأدب العربی. الطبعة الأولی. بیروت: المرکز الثقافی العربی. أن جفرسون، دیفید روبی. 1994م. النظریة الأدبیة الحدیثة. ترجمه: سمیر مسعود. دمشق: منشورات وزارة الثقافة. الجاحظ، أبوعثمان عمرو بن بحر. 1938م. کتاب الحیوان. تحقیق وشرح: عبد السلام هارون. الطبعة الأولی. مصر: لانا. حافظ، صبری. 1981م. «الأدب والمجتمع مدخل إلی علم الإجتماع الأدبی». القاهرة: مجلة فصول. المجلد الأول. العدد الثانی. دیتش، دیفید. 1967م. مناهج النقد الأدبی. ترجمة: محمد نجم. بیروت: دار صادر. الدیدی، عبد الفتاح. 1369ق. «بودلیر وفن الشعر». الرسالة، العدد،86. زیتون، علی مهدی. 2010م. النص من سلطة المجتمع إلی سلطة المتلقی. الطبعة الثانیة. بیروت: حرکة الریف الثقافیة. عبد الرحمن، نصرت. 1979م. فی النقد الحدیث. الطبعة الأولی. عمان: مکتبة الأقصی. عتیق، عبد العزیز. 2010م. تاریخ النقد العربی عند العرب. بیروت: دار النهضة العربیة. عزیز الماضی، شکری. 1986م. فی نظریة الأدب. الطبعة الأولی. بیروت: دار الحداثة. العشماوی، محمد زکی. « الشکل والمضمون فی النقد الأدبی الحدیث». الکویت: مجلة عالم الفکر. المجلد التاسع. العدد الثانی. عصفور، جابر. 1983م. الصورة الفنیة فی التراث النقدی والبلاغی عند العرب. الطبعة الثانیة. بیروت: دار التنویر. فاضلی، نعمت الله. «درآمدی بر جامعه شناسی هنر وادبیات». فصلنامه علوم اجتماعی 7و8. ص 107-134. فضل، صلاح. 1417ق. مناهج النقد المعاصر. الطبعة الأولی. القاهرة: دار الآفاق العربی. قصی، الحسین. 1993م. السوسیولوجیا والأدب. الطبعة الأولی. بیروت: المؤسسة الجامعیة للدراسات والنشر والتوزیع. کیللی، وکوفالزون. 1970م. المادیة التاریخیة. ترجمه: أحمد داود. دمشق: دار الجماهیر. مروة، حسین. 1976م. دراسات نقدیة فی ضوء المنهج الواقعی. الطبعة الثانیة. بیروت: لانا. مطلوب، أحمد فاق. 1421ق. « النقد الأدبی العربی: فی القرن الحادی والعشرین». المجمع العلمی العراقی. العدد 96. مقدس جعفری، محمد حسن وآخرون. 1386ش. «بوردیو وجامعه شناسی ادبیات». ادب پژوهی. تابستان. ص76-94. الموسی، أنور عبد الحمید. 2011م. علم الاجتماع الأدبی. الطبعة الأولی. بیروت: دار النهضة العربیة. نجیب محمود، زکی. 1967م. کتاب ارسطوطالیس فی الشعر. تحقیق: الدکتور شکری عیاد. القاهرة: دار الکتاب العربی. وائل برکات، وائل والسید غسّان. 1995م. مقدمة فی المناهج النقدیة للتحلیل الأدبی. دمشق: لانا. ویمزات ولیام. 1975م. النقد الأدبی تاریخ موجز. ترجمة: حسام الخطیب ومحی الدین صبحی. دمشق: مطبعة جامعة دمشق. هویدی، صالح. 1426ق. النقد الأدبی الحدیث – قضایاه ومناهجه. الطبعة الأولی. منشورات جامعة السابع من ابریل. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 2,546 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 4,798 |