تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,629 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,552,916 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,726,527 |
دراسة الرجز فی العصر الإسلامی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 5، دوره 1، شماره 4، اردیبهشت 1433، صفحه 103-79 اصل مقاله (208.49 K) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسنده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
سید محمد رضی مصطفوی نیا | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عضو هیئة التدریس بجامعة قم – أستاذ مساعد. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کان الرجز أحد الأرکان الأصلیة فی الحروب الماضیة، الرکن الذی کان یلقی لبواعث مختلفة مثل إیجاد الخوف فی قلب العدو وتعزیز قوی الروحیة للجیش و... . رغم أن الرجز فی العصر الجاهلی والعصور التالیة استخدم فی الموضوعات المختلفة، مثل الأراجیز التی حتی أنشدت فی وصف بعض الحیوانات کالضبع والفأر والحیة، لکن علینا أن نعدّ مصدر الرجز الأصلی، معرکة القتال. فنبحث فی الرجز بواسطة هذه المضامین الأصلیة کمرآة لتبیین الثقافة والرسوم والعقائد، تبیینا تاما فی العصرین الجاهلی والإسلامی إذ إنّ لهذه الأراجیز لغتها الخاصة بها فی کل عصر؛ فنری فی العصرین الجاهلی والإسلامی ضعفا وشدة للمعانی المطروحة للرجز حیث نلاحظ فی العصر الإسلامی طرح المعانی الجدیدة کالصمود، والصبر، والوفاء، ونصرة النبی(ص)، والأئمة(ع) و... بدل القتل، والسلب، والتفاخر علی القبائل الأخری، والهجو، والذم و... . إنّ أدب المقاومة الذی یعدّ من مظاهر الشعر الحماسی نبع من صمیم الثقافة الشیعیة وذاتها کما تأثر هذا الأدب کثیرا بحماسة کربلاء. فانطلاقا من ذلک تتعرّض هذه المقالة کذلک لتحلیل أراجیز أصحاب سید الشهداء معتمدة علی طریقة التوصیف والتحلیل. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الرجز؛ أهل البیت (ع)؛ کربلاء؛ الحماسة؛ العصر الإسلامی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
یعتبر الرجز المظهر التام لظهور العقائد والإحساسات والآمال، الذی یختاره الراجز لتعریف نفسه ودواعی مشارکته فی الحرب. یتم وضع هذا الفن المنیع فی الأدب العربی تحت المجهر فی هذا البحث العلمی حتی یتبین لنا سیر تحول هذا الفن من العصر الجاهلی إلی العصر الإسلامی خاصة تطوره فی المعنی والقیم السائدة فی الأراجیز، التحول الذی غیر أرکان الأراجیز فی المعانی ببزوغ فجر الإسلام، وأعطی لها غنی وافرا. وبالنظر إلی الموقع الرفیع للرجز والمکان الحساس لاستعماله تتعرّض هذه المقالة للزوایا الخفیة لهذه الظاهرة الفنیة حتی نحصل خلال هذه المقالة علی الزوایا الخفیة للرجز ونحصل علی الظروف الحاکمة والسائدة علی المجتمع آنذاک ونلتقط العبر عبر هذه الکلمات لأنفسنا. ومن الأهداف المطلوبة فی هذه المقالة هو التعرف علی الماهیة الثقافیة والبعد القیمی والفنی للأراجیز إذ إنّ الرجز عندنا هو إحدی القمم الرفیعة لظهور الثقافة والدین. ومن الأهداف التطبیقیة لهذه المقالة هی: أن القاریء الکریم کذلک بواسطة قراءة هذه المقالة ومن خلال التعمق والتحلیل فی معانیها یحصل علی بصیرة جدیرة بالذکر لمعرفة الجریانات الموجودة فی مجتمعه الیومی، ویستطیع أن یقوم بمقارنة الأفکار والعقائد الرائجة فی نفس المجتمع وبین العقائد والمعانی التی شبّت الحروب بسببها فی العصرین الجاهلی والإسلامی. فیقول صاحب کتاب (الشعر فی موقعة صفین) فی هذا الشأن أن: «الرجز مع النظر إلی هذا التغییر الأساسی والحیاتی بدأ بالحرکة إلی التأسلم. والرجز سجل فی هذه الفترة (العصر الإسلامی) تطورا موضوعیا وفنیا نحو الإسلامیة، وأنه خطا الخطوة الأولى من صورته القدیمة الجاهلیة إلى صورة جدیدة إسلامیة، وهی خطوة لم تظهر بوضوح فی رجز الفتوح الأولى.» (عدنان محمد، 2005م : 25) الرجز یعتبر الرجز إحدی البحور العروضیة القدیمة فی الشعر العربی الذی بنی علی (مستفعلن) وهذه التفعیلة تعاد عادة ست مرات أثناء بیت واحد:
(قدری، 1421 ق/2000م: 101) قد شهد هذا البحر کباقی البحور الشعریة تغییرات عدیدة حیث تأتی تفعیلة (مستفعلن) بعض الأحیان علی وزن (مفاعلن) أو (مفتعلن) أو (مفعولن) أو (فعلتن)، وکذلک نری بعض الأحیان أن عدد الأبیات یصل إلی أربعة. (المصدر نفسه: 44) سمی الرجز رجزا لمشابهة بین هذا البحر الشعری مع طریقة خاصة لنهوض الإبل من مکانه، لأن أصل الکلمة یدلّ علی الاضطراب والتحرک فی رجل البعیر الخلفیة، الذی یحدث حینما یرید البعیر النهوض من مکانه. یقول ابن منظور فی (لسان العرب): «الرَّجَز: أن تَضطَرِبَ رِجْلُ البَعیرِ اَو فَخذاهُ إِذا أرادَ القیامَ أو ثارَ ساعةً ثُم تَنبَسِطُ... . وإِنَّما سُمِّیَ الرَّجَزُ رَجَزاً لِأنَّهُ تَتَوالى فِیهِ فِی أوَّلِهِ حَرکةٌ وسُکونٌ ثُمَّ حَرکَةٌ وسُکونٌ إِلى أن تَنتَهِیَ أجزاؤُهُ یُشبِهُ بِالرَّجَزِ فی رِجْل الناقَةِ ورِعْدَتِها وهو أن تَتَحَرَّکَ وتَسکُنَ ثُمَّ تَتَحَرَّکَ وتَسکُنَ.. .» (ابنمنظور، لاتا: 6/104) کان الرجز فی العصر الجاهلی مختصا إلی مواضیع معینة مثل التفاخر إلی الکرم والشجاعة وإلی الطائفة والقوم وقتل الأقوام بعضهم بعضا، والمیل إلی الانتقام، وإلی توصیف ساحات القتال وذکر المراثی. وبعد الورود إلی العصر الإسلامی أضیفت مفاهیم أخری مثل ثناء الله، والإیمان إلی یوم القیامة والدفاع عن الإسلام والرسول الأکرم )ص). رغم أن هناک مشابهة بین الرجز الجاهلی والرجز الإسلامی فی الأسلوب لکن نری التحول والتغییر فی الموضوع والمفهوم. ونحن نعرف أن الشجاعة أو الحماسة عنصر لایتقید بالزمان ولایمکن تقییده إلی العصر الجاهلی أو الإسلامی، لکن الأمر المذموم والجاهلی هو العصبییة المنشأة من التعلقات القومیة والطائفیة کما أن النبی الأعظم) ص) أشار إلی هذا المضمون فی قوله: «لَیسَ مِنّا مَن دَعا اِلى عَصَبیهٍ، ولَیسَ مِنّا مَن قاتَلَ عَلی عَصَبیَّهٍ، ولَیسَ مِنّا مَن ماتَ عَلی عَصَبیهٍ.» (سلیمان بن الأشعث، لاتا: 4/332) کذلک روی عنه (ص): «ومَن قاتَلَ تَحتَ رایهٍ عَمیَةٍ یَغضِبُ لِلعَصَبیةِ أو یَدعوا إلى عَصَبیهٍ أو یَنصُرُ عَصَبیهً فَقُتِلَ قَتلة جاهِلیة.» (البیهقی، 1994م: 8/156) لیس فی الإسلام سبب للتفاضل والتفاخر إلا بالتقی ولایوجد سیادة لقوم علی قوم إلا وهو یتمتع من هذه المیزة الإلهیة وهذا الأمر من أول ما علّمنا النبی(ص): «لا فَضلَ لِلعَرَبی عَلی العَجَمیِ وَلا لِلاَحمَرِ عَلَی الاَسوَدِ اِلّا بالتَّقوی.» (المجلسی، 1404ق: 22/348) ومن أمثلة الأراجیز الإسلامیة التی راجزه غیر معلوم هو:
یعنی کل الثناء لله الذی لم یخلق شیئا عبثا؛ ولم یترکنا سدی بعد نبیه عیسی(ع)؛ أرسل لنا رسول الله، الذی هو خیر رسل الله علی الأرض؛ صلوات الله علیه إلی یوم القیامة. (ابن کثیر، 1986م: 2/236) إنّ تأثیر الإسلام علی معانی الرجز واضح فی المعارک التی وقعت فی صدر الإسلام، کما نری أن التفاخر إلی الإسلام جاء بدل التفاخر إلی القوم والطائفة. و لم یکن الراجز بعد الإسلام یباهی بعشیرته وطائفته بل کان یباهی بإیمانه وإسلامه وکان یوعد المشرکین إلی نار الجحیم. لکن نری هناک تراجعا فی هذا التعالی بعد زمن النبی الأعظم (ص) وبعد تصدی الحکومة الأمویة الحکم، نری نفس المعانی السائدة علی الأراجیز الجاهلیة تأتی وتسود علی سائر المضامین ونری العصبیة الطائفیة التی ناهضها الإسلام وجعلها مقابل القیم الإسلامیة مثل التقوی، کیف تموج فی أراجیز المعارک التالیة مثل وقعة صفین. هناک فی نفس الزمان أراجیز تنبع من أصل کریم فی وقعة کربلاء وتعلو هذه الأراجیز القیم الإسلامیة فی أعلی درجاتها وباستطاعتنا أن نعدّ هذه الأراجیز مصداقا بارزا لأراجیز الصمود والمقاومة. فهذه الأراجیز خالیة عن أی عصبیة جاهلیة، وکأنها کفیلة فقط عن طرح موضوعات مثل الدفاع عن الإسلام وعن أهل بیت رسول الله (ص). نسعی فی هذا المقال أن ندرس أراجیز العصر الجاهلی والعصر الإسلامی، وسیر تکامل هذا الأسلوب الشعری، وندرک مدی تأثیر أراجیز عاشوراء علی أدب المقاومة بعد وقعة کربلاء. وللحصول علی هذا المطلوب نذکر بعض الأمثلة من الرجز الجاهلی ثم ندرس الأراجیز المنشدة فی معارک بدر، وأحد، وخندق وصفین التی فیها مشابهة مع أراجیز معرکة کربلاء؛ وتضاهی وقعة عاشورا من جهة أنه فی هذه الحروب کان عدد المسلمین قلیلا وعدد الکفار والمشرکین کثیرا ووقعة کربلاء کان کذلک، وحرب صفین کذلک کان فیها تقابل بین بنی هاشم والأمویین وکذلک کانت وقعة کربلاء. فی النهایة للتبیین الأکثر نأتی بأراجیز الکوفیین حتی نوضح الفرق بین هذه الأراجیز وأراجیز أصحاب سید الشهداء(ع) بصورة جیدة. الف. أراجیز العصر الجاهلی یعتقد بعض مؤرخی تاریخ الأدب العربی أن الرجز هو أول بحر شعری فی الأدب العربی الذی استخدمه شعراء الجاهلیة وهو فی الواقع السجع المتکامل. یقول (بروکلمان) حول هذه القضیة: «یَنبَغی أن یَکونَ أقدَمُ القَوالِبِ الفَنّیةِ العربیةِ هُو السَّجعُ، أی النَّثرُ المقَفّی اَلمجَرَّدُ مِنَ الوَزنِ... وتَرَقّی السَّجعُ اِلی بَحرِ الرَّجَزِ المتَاَلَّفِ مِن تِکرارِ سَبَبَینِ ووَتَدٍ لِیَسهُلَ عَلی السَّمعِ ویَبلُغَ أثَرُهُ فی النَّفسِ.» (بروکلمان، لاتا: 1/51) وبما أن الرجز عند بعض العروضیین لایعدّ (شعرا)، لهذا السبب یقال للذی ینشد الأرجوزة (راجزا) لا (شاعرا). یقول صاحب لسان العرب: «وزَعَمَ الخَلیلُ أنَّ الرَّجَزَ لَیسَ بِشِعْر وإِنما هُو أنْصافُ أبیاتٍ وأثْلاثٌ. . . والرَّجَزُ : بَحرٌ مِن بُحورِ الشِّعْرِ مَعروف ونَوعٌ مِن أَنواعِهِ یَکونُ کُلُ مِصْراعٍ مِنهُ مُفرَداً وتُسمّی قَصائِدُهِ أراجِیزَ واحِدَتُها أرْجُوزَهٌ وهِیَ کَهَیئَةِ السَّجْعِ إلّا أَنَّهُ فی وَزنِ الشِّعْرِ ویُسَمَّى قائلُهُ راجِزاً کَما یُسَمَّی قائلُ بُحورِ الشِّعْرِ شاعِراً.» (ابنمنظور، لاتا: 6/104) لم یکن هذا البحر الشعری شائعا عند شعراء الجاهلیة. یقول الجاحظ فی (البیان والتبیین): «مِنَ الشُّعَراءِ مَن یَحکُمُ القَریضَ وَلایُحسِنُ مِنَ الرَّجَزِ شَیئاً فَفی الجاهِلیَةِ مِنهُم زَهیر والنابِغَةِ والأَعشی وأما مَن یَجمَعُهُمَا فَامرُؤُالقَیس ولَهُ شَیءٌ مِنَ الرَّجَزِ وطَرفَةٌ ولَهُ کَمِثلِ ذلکَ ولَبیدٌ.» (الجاحظ، 1968م: 1/599) ونری المعانی فی هذا العصر نفس المعانی السائدة فی العصر الجاهلی فی سائر البحور الشعریة یعنی الفخر والحماسة والهجو. ومن أمثلة ذلک: هذا رجز امرئ القیس عندما یسمع أن بنی أسد قتل أباه:
(امرؤالقیس، لاتا: 134) ویهجو لبید بن ربیعه فی رجز ضمرة بن جابر الذی کان من أشراف بنو نشهل عندما کان أسیرا فی ید طائفة بنی کلاب، بألفاظ قبیحة ویقول:
أی: یا ضمر الذی أنت عبد بنی کلاب، یا وَرلاً رمیت فی المیاه النتنة، هل هذا أول حسنک؟ أنت دنی إلی مرتبة لا تجدر أن أشیر بیدی إلیک وأتکلم حولک، أنا الآن بواسطة سیفی الصارم أجازیک کما أجازی الذباب. وینشد فی رثاء أخیه:
(المصدر نفسه: 63) أی: قل حول أربد الکریم إلی الکرماء، وتکلم حول السید أربد، الشخص الحنون، الذی یبذل أمواله للذکر الحسن، المصلح الذی دوما یشبه الکرماء، الذی بذله دائمی ولایعد، ویملأ عیون الآخرین. والنابغة الذبیانی یمدح نفسه بهذه الصورة:
(النابغة الذبیانی، 1991م: 158) أی: هذا روح عصام الذی جعله أسود الوجه، وعلمه الهجوم فی الحرب وکیفیة المناضلة، وجعل منه ملکا کبیر الشأن، إلی مدی یعلو کل یوم ویسود علی سائر الأقوام. وکما أشرنا آنفا غیرت مفاهیم الرجز بواسطة الإسلام تغییرا عظیما. تقول رجاء الجوهری فی هذا الشأن: «وهکَذا تَمَخَّضَ رَجَزُ الحَماسَة الجاهِلیَة عَن رَجَزِ الجهادِ فی صَدرِ الاِسلامِ مَعَ اختِلافٍ فِی دَوَاعِی استِعمالِهِ، فَالأوَّلُ کانَ یَقُومُ عَلی إثارَهِ النَعَراتِ الجاهِلیَة وَالدَعوَة إلی الأخذِ بِالثَّأرِ وَالاِنتِقامِ، أمَّا الثّانِی فَقَد دَعاهُم إلَیهِ داعِی الإسلامِ وَحَبّ نُصرَتَه وَالرَغبَة وَالاِستِشهادَ فِی سَبیلِ اللهِ ونُصرة هذا الدّینِ الحَقِّ.» (الجوهری، لاتا: 42) ب. أراجیز بدر وأحد وخندق بعد فحص کثیر فی الکتب التاریخیة مثل: الکامل، والمغازی، وتاریخ الیعقوبی، وتاریخ الطبری، وتاریخ الإسلام، وکتاب البدایة والنهایة، وجدنا أن هناک عددا قلیلا من الأراجیز التی لایمکن قیاسها بالحجم الکبیر من أراجیز عاشورا. ونحن نذکر قدر الحاجة بعض هذه الأراجیز. 1. الأراجیز التی أنشدت فی غزوة بدر (البدر العظمی) فی السنة الثانیة من الهجرة: رجز عمیر بن حداد فی أثناء الحرب:
(ابن کثیر، 1986م: 3/277) والرجز الآخر لمجذر بن زیاد بعد قتله أبا البختری بعد أن نهی رسول الله (ص) المسلمین عن قتله:
(ابن کثیر، 1986م: 3/285) أی: إن لم تعلم أو نسیت نسبی، إن نسبی بنفسه سوف یقول لک: أنی من قوم بلی، ذلک القوم الذی یقتل أعداءه برماح یزنی، وذلک القوم الذی یسقط علی الأرض الکبش الکبیر، قولوا لابن البختری أنه عن قریب یصبح یتیما، أو قولوا هذا الخبر لأولادی ولا أخاف، أنا الذی أقول أصلی من قوم بلی، وأقتل صعدة بضربات رمحی، وأکسر القرون بحد سیفی، أنی أصیح علی الموت کإنسان حائر. ولیس له مفر إلا أن یسلم نفسه إلی الموت. ومن الواضح أنه لایری أثر من المفاهیم الإسلامیة فی هذا الرجز، إلا أن الراجز کان شخصا مسلما. عندما کانوا یأتون بأسری بدر إلی المدینة رجز راجز باسم عدی بن أبو زغباء:
(ابن کثیر، 1986م: 3/305؛ الواقدی، 1989م: 1/45) أی: أیها البراری الواسعة، هیأ له قلبک، لأنه علی أولیاء طلح أن یعلموا أنه لایری عروسا لنفسه، وما رأی إلی الآن أحد ملکا محبوسا فی الصحراء، اعلموا أنه لا یمکن حبس قیم قوم، لکن تضییعه نوع من الفطانة، إن الله سوف ینصرنا. ولانری فی هذا الرجز شیئا من الإسلامیة إلا لفظة واحدة من المظاهر الإسلامیة وهی لفظة «الله» الشریفة. 2. الأراجیز المنشدة فی غزوة أحد فی شهر شوال فی السنة الثالثة للهجرة: یعطی الرسول الأعظم (ص) سیفا إلی أبی دجانة الأنصاری، وبعد قتال شدید ینشد:
(ابن کثیر، 1986م: 4/16؛ الطبری، 1967م: 2/533) أی: أنا الذی عاهدنی الرب، ونحن معروفون بالکرم، إننی لست کباقی الناس البخلاء الذین یتفکرون فی الکیل والمکیال، وإننی أقاتل بسیف الله ونبیه. عندما یقتل حمزة بن عبد المطلب أحد مقاتلی المشرکین باسم عثمان بن أبی طلحة یرتجز ویقول:
(ابن کثیر، 1986م: 4/17؛ الواقدی، 1989م: 1/226) أی: إن لنا حقا علی أهل اللواء، إلی أن أقتل قبیلة صعدة وتندق. وترتجز هند علی صخرة بعد أن جعل المسلمون جبل أحد ملجئا لأنفسهم:
(ابن کثیر، 1986م: 4/37) أی: نحن أعطینا جزاءکم یوم بدر، والحرب بعد الحرب ذات قیمة، ولاأستطیع التحمل بعد عتبة، ولاأستطیع التحمل کذلک بعد أخی وعمی ولا بعد بکر، إنی جعلت نفسی هادئا حتی أؤدّی نذری، وأننی أشفی غلیل صدری، والشکر لهذا الغلیان إلی نهایة عمری، عندما تنخر عظامی فی قبری. ثم أجابتها هند بن أثاث بن عباد بن مطلب هکذا:
(ابن کثیر، 1986م: 4/38) أی: یا هند ذللت فی حرب بدر وبعدها، یا بنت کبیر الکفار، والله یجعلک حیا عند الصباح، وأننی لاأفکر بأخی ولا عمی ولا بکر، أنی شفیت نفسی وأدیت نذری، حول العترة الهاشمیة التی لها وجوه مشرقة، وأقسم بکل سیف قاطع للعروق، أن حمزة أسدی وعلی صقری، عندما تکون عند فتی عربی الفتوة فی حین أبوک یخادعنی، إذن علینا أن نصبغ وبر الآبال بدمه، وهذا نذرک وشر النذور. هذا الرجز کذلک یفتقد للمعانی الإسلامیة وفقط تجیب علی هجو المرتجزة. وکلیا أن الأراجیز البدریة کذلک لایمکن توصیفها بوصف الإسلامیة. 3. الأراجیز المنشدة فی غزوة خندق فی السنة الخامسة للهجرة: یری الرسول الأعظم (ص) المهاجرین والأنصار فی حال الجوع والتعب فی صباح بارد وهم مشغولون بحفر الخندق. ثم یدعوهم هکذا: «اللَّهُمَّ إِنَّ العَیشَ عَیشُ الآخِرَة، فاغفِر الأَنصارَ والمهاجِرَةَ.» ثم یجیبه المسلمون:
(ابن کثیر، 1986م: 4/95؛ الواقدی، 1989م: 2/453؛ الذهبی، 1993م: 2/298) وروی أیضا أن النبی (ص) کان یقرأ رجز عبدالله بن رواحه حین حفره الخندق:
(ابن کثیر، 1986م: 4/96؛ الواقدی، 1989م: 2/449؛ الذهبی، 1993م: 2/298) أی: أقسم بالله لو لم یکن الله یهدینا، لم یکن یؤیدنا ویصلی علینا ولم یکن یرسل علینا الهدوء ولم یکن یثبت أقدامنا، لکانوا یبغون علینا عند بغیهم علی آبائنا. وکذلک نقل أنه (ص) کان یقرأ هکذا:
(ابن کثیر، 1986م: 4/97) خرج نوفل بن عبدالله المخزومی من جیش المشرکین إلی القتال وطلب المبارز، عندئذ خرج زیبر بن عوام من جیش المشرکین لقتاله وقتله بضربة سیفه بحیث انکسر سیفه. ثم رجع قارئا:
(ابن کثیر، 1986م: 4/107) بعد أن طلب عمرو بن عبدودّ المبارز فی دفعات قال: «أَلا رَجُلٌ یَبرُزُ؟ فَجَعَلَ یُؤَنِّبُهُم ویَقُولُ: أَینَ جَنَّتُکُمُ الَّتِی تَزعُمُونَ أَنَّهُ مَن قُتِلَ مِنکُم دَخَلَها أَفَلا تُبرِزُونَ إِلَیَّ رَجُلاً؟» فهکذا یقول:
(ابن کثیر، 1986م: 4/106؛ الواقدی، 1989م: 2/470) أی: لکثرة صراخی تألمت حنجرتی، ولأنی طلبت المبارز مرات، وأنا قائم کالقرن عندما یشتد الحرب، عندما أری المحرضین إلی القتال خائفین، لهذا السبب أنا ما زلت مشتاقا إلی الحرب والقتال قبل أن یأتی وقت الهزیمة، والشجاعة فی الواقع من علامات الفتی، وکذلک الجود هو من أهم الغرائز. ثم استجاز علی (ع) النبی (ص) بإصرار کثیر:
(ابن کثیر، 1986م: 4/106) تنقل عائشة أن سعد بن معاذ کان یرتجز هکذا:
(ابن کثیر، 1986م: 4/108؛ الواقدی، 1989م: 2/469؛ الذهبی، 1993م: 2/291) ج. أراجیز صفین: إن الأراجیز التی أنشدت فی وقعة صفین کثیرة جدا ونحن نکتفی بذکر جزء منها یتضمن مضامین متفاوتة رغم أن بعضها کذلک أنشدت فی جواب رجز آخر من العدو مثل ما ارتجز به عمرو بن عاص فی الیوم الأول من الحرب:
وأجابه شاعر من العراق:
أی: أنا أحذرکم فی أن لاتقاتلوا أب أسدین الذی هو فطن. الذی یطحنکم کما یطحن القمح فی المطحن. لولا تعلمون هذا فاعلموا أنکم غدرتم. بحیث سوف تعضون أیدیکم لفقدکم السنن العادلة. وقد نری بین هذه الأراجیز الهجو، کما نری أن مجزاة بن ثور - بعد أن تهجم قبیلة ربیعة علی عسکر الشامیین وینهزم العسکر- یرتجز:
(المصدر نفسه: 305) یعنی: أنا أقاتلهم لکنی لا أری بینهم معاویة القبیح، الذی سوف یسقط فی الجحیم، ویجاور الکلاب الوحشیة. والنقطة البارزة فی هذا الحرب أنه فی الأراجیز الموجودة من هذه الوقعة تسود العلاقات القبائلیة علی باقی المعانی. علی سبیل المثال نلتفت إلی هذه الأرجوزة:
(المصدر نفسه: 312) یعنی: هو قتله بضربته أحدا من قبیلة هوازن، القبیلة التی کانت مشهورة بالسیرة الحسنة.
(المصدر نفسه: 311) یعنی: أن بنی أسد دافعت فی الحرب عن نفسها، لکن لاتجد مثلهم تحت غبار الحرب، إنهم أقرب إلی الیمن وأبعد عن الشقاوة، کأننا قائمون مثل جبل ثبیر وأحد، نحن لسنا کالأوباش نمن الناس – یعنی مثل أعدائنا-، بل نحن النخبة من أبناء معد، وکنت ترینا فی شدائد الحرب مثل الأسود ، یا لیت روحی یخرج من الجسم وأموت فی الحرب. ومما یجدر الإشارة إلیه هو أنّ العصبیة القبلیة قلیلة فی الأراجیز الموجودة فی وقعة کربلاء، وأنّ الراجز لایغفل عن ذکر الله حینما یثیر العصبیة القومیة:
(المصدر نفسه: 310)
(المصدر نفسه: 299) یذکر الدکتور عدنان محمد أحمد فی مقالة بعنوان الشعر فی موقعة صفین: «ویُمکِنُ أن نُلاحِظَ فِی هذه الأَرجازِ أَنَّ قائلیها، برغم اهتِمامِهم بِتَحریضِ المقاتِلینَ مِن خِلالِ إِثارهِ الحَمیّةِ القَبلیةِ لدَیهِم، لَم یَغفُلُوا أَهمّیَّهَ الاستِفادةِ مِنَ النَّزعَةِ الدّینیةِ، وکانَ طَبیعیّاً أَن تَختَلِطَ فِی الأَذهانِ الحَمیّةِ الجاهِلیةِ القَبلیةِ وَالنَّزعَةِ الدّینیّةِ، وَقَد تَلاقَتا، أَو تَوافَتا، فی بَؤُرَةٍ تَجَمَّعَت فیها شَتّی المؤَثِّرات مِمّا خالَجَ ضَمائرَ النّاسِ فِی هذا الجانِبِ أَو ذاکَ.» (عدنان محمد، 2005م: 321) والشیء الآخر الذی نراه فی هذه الأراجیز هو، الحمایة عن علی (ع) والدفاع عن الحق. خاصة فی أراجیز عمار یاسر:
(المصدر نفسه: 343)
(المصدر نفسه:341) أو أراجیز جندب بن زهیر:
(المصدر نفسه: 398) لکن علینا أن لانغفل عن أنه هناک عدد مشهود من الأراجیز التی فیها الصبغة الجاهلیة، مثلا عندما یهجم جیش عراق علی جیش الشام یرتجز أحدهم قائلا:
(ابن أعثم، 1991م: 3/123؛ المنقری، 1382ش: 380) أی: إسأل حبیبة المعبد عن بعلها، واسأل حول المرأة اللخمیة التی هی من بنات کلاب، واسأل أعداء الله حول أرماحنا، عندما مهیئة للقتال، واسأل معاویة الخائف الذی هرب عن ساحة القتال، الذی یرکض والجیش خلفه، ماذا قال ذلک المنبیء الصادق حولنا وحولهم، لو یکن صادقا لقد قال لک أننا أهل القتال ونستمع للداعی إلی الحرب، نحن ندعو إلی التقوی ونراعی أهله، رعایة مطمئنة، وندخل أرماحنا فی أجساد أعدائنا. د. دراسة مفهومیة فی أراجیز عاشوراء إنّ الأراجیز التی أنشدها أصحاب الإمام الحسین(ع) فی یوم عاشورا کانت تتضمن معان مختلفة، منها: 1. الأراجیز حول التعرف علی الإمام الحسین (ع) إنّ الإشارة إلی مقام سید الشهداء ومکانته (ع) وذکر قرابته النسبیة إلی النبی الأعظم (ص) کان أحد الموضوعات المهمة التی تناوله أصحاب الإمام (ع) فی أراجیزهم الحماسیة. وتکمن أهمیة هذه الأراجیز فی أنها تُعدّ تذکارا وتنبیها لإیقاظ جیش عمر بن سعد الذین کأنهم قد نسوا فی وجه من یقاتلون، وکأنهم لم یکونوا یعلمون أنهم یریدون قتل أی شخصیة، النقطة التی یشیر إلیها سید الشهداء (ع) بنفسه فی بیانه هذا: «فَانسِبوُنِی فَانظُرُوا مَن أنا، ثُمَّ ارجِعُوا إِلى أنفُسِکُم وعاتِبُوها، فَانظُرُوا، هَل یَحِلُّ لَکُم قَتلِی وانتِهاکُ حُرمَتِی؟ ألَستُ ابنَ بِنتِ نَبیِّکُم (ص) وابنَ وَصیِّه وابن عَمِّه، وأوَّل المُؤمِنِینَ بِاللهِ والمصَدِّقَ لِرَسُولِه بِما جاءَ بِه مِن عِندِ رَبِّه! أو لَیسَ حَمزَهُ سَیِّدُ الشُّهَداءِ عَمَّ أَبِى! أولَیسَ جَعفَرٌ الشَّهیدُ الطَّیّارُ ذُوالجَناحَینِ عَمِّى! أو لَم یَبلُغکُم قَولٌ مُستَفیضٌ فیکُم إِنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) قالَ لِی ولِاَخِی: هذانِ سَیّدا شَبابِ أَهلِ الجَنّهِ!» (الطبری، 1967م: 5/425) ومن أمتن هذه الأراجیز هو رجز حجاج بن مسروق، مؤذن الإمام الحسین(ع):
(ابن شهر آشوب، 1379ش: 4/103؛ المجلسی، 1404ق: 45/25؛ ابن أعثم، 1991م: 5/109) والمثال الآخر هو رجز سعید بن عبد الله حنفی الذی یقول فی أرجوزته:
(المجلسی، 1404ق: 45/26؛ ابن شهر آشوب، 1379ش: 4/103؛ ابن أعثم، 1991م: 5/109) والأمر الذی هو جدیر بالذکر أننا نری أن الراجزین فی هذه الأرجوزات خرجوا من الموضوعات المتعارفة فی الرجز مثل شجاعة الراجز أو قبیلته أو هجو العدو و... و یذکرون فقط عظمة عترة النبی(ص) وأهل بیته (ع). 2. الدفاع عن أهل البیت(ع) من أحسن الأراجیز المنشدة فی هذا الموضوع نستطیع أن نذکر رجز (جون) مولی أبی ذر الغفاری:
(المجلسی،1404ق: 45/22؛ ابن شهر آشوب، 1379ش: 4/103؛ البلاذری، 1996م: 3/196؛ ابن أعثم، 1991م: 5/108) قد یری هذا الموضوع فی أراجیز الکثیر من أصحاب الإمام (ع) لکن هنا یشکّل المفهوم الأصلی للرجز. بعبارة أخری، کان قصد جمیع أنصار أبی عبدالله (ع) الدفاع عنه وهذا أمر لایشک فیه أحد. یعتبر رجز حرّ بن یزید ریاحی نموذجا لهذا المعنی:
(المجلسی، 1404ق: 44/319 و45/14؛ الشیخ الصدوق، 1404ق: 159؛ الفتال، لاتا: 1/186؛ ابن شهرآشوب، 1379ش: 4/100؛ البلاذری، 1996م: 3/159؛ ابن أعثم، 1991م: 5/101) 3. مذمة الأعداء إنّ الموضوع الآخر الذی ارتجز حوله أصحاب سید الشهداء (ع) هو مذمة الأعداء وانتسابهم إلی الکفر والفسق. کما یرتجز محمد بن عبدالله بن جعفر بن أبیطالب (ع) عندما یرید الذهاب إلی المعرکة:
(ابن شهر آشوب، 1379ش: 4/106؛ ابن أعثم، 1991م: 5/111) کذلک نستطیع أن نشیر إلی رجز عمر بن علی بن أبیطالب(ع) فی هذا الموضوع الذی یرتجز بعد أن یستشهد أخوه أبوبکر بن علی(ع) علی ید زحر بن بدر نخعی:
(المجلسی، 1404ق: 45/37؛ ابن أعثم، 1991م: 5/113) 4. طلب المبارز لانری تفاوتا جازما فی هذا الشأن بین أراجیز عاشوراء وأراجیز العصر الجاهلی إلا أنه لابد لنا أن نعترف بأن النیة فی أراجیز عاشورا لاینحصر فی بیان شجاعة الشخص فحسب بل إن الراجز فی کربلاء یرید أن یدافع عن عقائده وعن إمامه، إذن هناک بون شاسع بین داعی الراجز فی کربلاء فی ارتجازه بأراجیز محتویة علی شجاعته وبین الراجز فی العصر الجاهلی الذی کان یرید من ذکر شجاعته إلقاء الرعب فی قلب عدوه والتفاخر بنفسه فحسب. إذن علینا أن نعرف أن غالب الأراجیز فی العصر الجاهلی أنشدت فی حال التساوی فی احتمال غلبة کل فریق علی الآخر، والراجز کان یرتجز بواسطة الاطمئنان إلی قومه وعشیرته خلافا لراجزی کربلاء الذین کانوا یعلمون نهایة أمرهم وهی الشهادة. نذکر مثالا لتوضیح الأمر: یرتجز أحد موالی الإمام (ع) بعد أن أرادَ الذهاب إلی معرکة القتال:
(المجلسی، 1404ق: 45/30؛ ابن شهر آشوب، 1379ش: 40/104) ویرتجز عبدالله بن الحسن (ع):
(المجلسی، 1404ق: 45/42؛ ابن شهر آشوب، 1379ش: 4/109) کما أنه نقل حول حرّ بن یزید ریاحی بأنه عندما عقروا حصانه فی المعرکة، نزل منه وارتجز کلیث هزبر:
(ابن أعثم، 1991م: 5/102؛ المجلسی، 1404 ق: 45/14؛ ابن کثیر، 1986م: 8/182؛ الطبری، 1967م: 5/437) وهکذا یرتجز إبراهیم بن حصین الأسدی:
(ابن شهر آشوب، 1379ش: 4/105؛ سپهر، لاتا: 6/264) 5. الاشتیاق إلی الاستشهاد فی سبیل الله واستقبال الموت هذا المفهوم من المفاهیم الشائعة فی أراجیز کربلاء. والراجز فی هذه الأراجیز یتکلم حول مبارزة الأعداء والافتخارات القومیة فی سبیل الدین وشوقه إلی لقاء الله والاستشهاد فی سبیله وفی سبیل الدفاع عن ذریة رسول الله(ص).... ومن أجمل هذه الأراجیز ما ارتجز به عمرو بن خالد الأزدی:
(ابن شهر آشوب، 1379ش: 4/101؛ المجلسی، 1404ق: 45/18؛ ابن أعثم، 1991م: 5/105؛ البلاذری، 1996م: 3/196) وبعد استشهاده یأتی ابنه خالد بن عمرو الأزدی ویرتجز فی ساحة القتال:
(المجلسی، 1404ق: 45/18؛ ابن شهر آشوب، 1379ش: 4/101؛ ابن أعثم، 1991م: 5/105) هـ . أما الأراجیز المنشدة بواسطة جیش عمر بن سعد لم یذکر فی المصادر الروائیة والتاریخیة، أراجیز کثیرة من جیش عمر بن سعد فی یوم عاشوراء. هناک احتمالان فی سبب هذا الأمر: إما أنه ما نقلها الکتب التاریخیة لأی سبب من الأسباب. والثانی أنهم لم یرتجزوا أصلا. ونحن نختار الاحتمال الثانی إذ إنّ أمراء جیش عمر بن سعد کانوا ینهون الناس من المقابلة وجها للوجه مع أصحاب سید الشهداء (ع). فیما یلی یرد رجز من حصین بن نمیر ورجز من سنان بن أنس وشعر من بجیر بن أوس لکن الأخیر لیس فی بحر الرجز. 1. حصین بن نمیر ورد فی کتاب (ناسخ التواریخ) أن حصین بن نمیر هجم علی حبیب بن مظاهر وقرأ هذا الرجز:
(سپهر، لاتا: 6/256) 2. سنان بن أنس وجاء فی کتاب (بحار الأنوار) أن سنان حینما أتی برأس الإمام الحسین (ع) إلی عبید الله بن زیاد ارتجز قائلا:
3. بجیر بن أوس ورد فی کتاب (ناسخ التواریخ) أن بجیر بن أوس الذی کان من جیش عمر بن سعد، یقتل أحد أصحاب سید الشهداء (ع) باسم بریر بن خضیر ثم یرتجز:
(سپهر، لاتا: 6/250؛ المجلسی، 1404ق: 45/15؛ الطبری، 1967م: 5/433) من خلال ما تقدّم یستنتج أن أراجیز کربلاء یعد مظهرا لتقابل السنن الجاهلیة والروحیة الإسلامیة. وها هنا یقول الإمام علی (ع) لأهل الکوفة: «ألاَ وَإنَّکُمْ قَد نَفَضْتُمْ أیْدِیَکُمْ مِنْ حَبْلِ الطاعَهِ، وَثَلَمْتُمْ حِصْنَ اللهِ الْمَضْرُوبَ عَلَیْکُمْ، بَأَحْکَامِ الْجَاهِلِیَّهِ... وَاعْلَمُوا أنَّکُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الْهِجْرَهِ أَعْرَاباً، وَبَعْدَ الْمُوَالاَة أحْزَاباً، مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الْإِسْلاَمِ إِلاَّ بِاسْمِهِ، وَلاَ تَعْرِفُونَ مِنَ الْإِیمَانِ إِلاَّ رَسْمَهُ.» (الإمام علی(ع)، خ192: 90) ونستطیع أن نری ذروة هذا التقابل والرجوع إلی الجاهلیة وهب نیران العصبیة القومیة فی کلمات الإمام الحسین (ع) عندما یخاطبهم الإمام (ع) ویقول: «وَیلَکُم! عَلی مَا تُقاتِلُونِی؟! عَلی حَقٍّ تَرَکتُهُ أَم عَلی سُنَّهٍ غَیّرتُها أَم عَلی شَریعَهٍ بَدَّلتُها؟» وهم أجابوا: «بَل نُقاتِلُکَ بُغضاً مِنّا لِأَبیکَ وما فَعَلَ بِأشیاخِنا یَومَ بَدرٍ وحُنَینٍ.» (سپهر، لاتا: 6/286) أدب المقاومة فی کربلاء: أحدثت واقعة کربلاء ویوم الطفّ حرکة شعبیة - سیاسیة بین المسلمین، أدت إلی إسقاط الأمویین، وکذلک أحدث أدب عاشوراء فی الأدب العربی حرکة بدیعة باسم أدب المقاومة الذی ظهر بصورة الأشعار السیاسیة فی الدفاع عن أهل البیت (ع). علی سبیل المثال نستطیع أن نشیر إلی رجز (سلیمان بن صرد) قائد قیام التوابین فی معرکة عین الوردة أمام جیش الشام. ورد فی کتاب (الفتوح): «وَجَعَلَ سُلَیمانُ بنُ صُرَدٍ یُنادِی بِأَعلی صَوتِهِ: یا شیعَةَ آلِ مُحَمَّدٍ! یا مَن یَطلُبُ بِدَمِ الشَّهیدِ ابنِ فاطِمَةَ! أبشِرُوا بِکَرامَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَواللهَ ما بَینَکُم وبَینَ الشَّهادَةِ ودُخُولِ الجَنَّةِ والرّاحَةِ مِن هذِه الدُّنیا إِلّا فِراقُ الأَنفُسِ والتَّوبَةُ والوَفاءُ بِالعَهدِ. ثُمَّ کَسَرَ سُلَیمانُ بنُ صُرَد جَفنَ سَیفِهِ وتَقَدَّمَ نَحو أَهلَ الشّامِ وهُو یَرتَجِزُ ویَقُولُ:
ثُمَ حَمَلَ ولَم یَزَل یُقاتِلُ حَتّی قَتَلَ مِنهُم جَماعَةً وقُتِل.» (ابن أعثم، 1991م: 6/222) والمثال الآخر هو رجز (عبید الله بن حر) عندما ندم عن عدم نصرته سید الشهداء (ع):
(الدینوری، 1368ش: 262)
النتیجة وقد توصلت هذه الدراسة إلی عدّة نتائج من أهمّها: - بعد دراسة الرجز نستطیع القول بأن معظم الأراجیر الجاهلیة کانت حول موضوعات نفسانیة وأرضیة وغیر شاملة للقیم الإنسانیة؛ بل وفی بعض الأحیان کانت تعتبر بعض الأمور المشترکة بین الإنسان والحیوان أمرا ذا قیمة یجدر التفاخر به مثل التفاخر إلی القتل والنحب والزور والفجور و... وذلک خلافا للأراجیز الموجودة فی العصر الإسلامی التی کانت معظمها حول القیم المتعالیة الإنسانیة والإلهیة مثل التفاخر إلی حمایة المظلومین وجلب رضا الله ورسوله وترک بعض اللذات الدنیویة للحصول علی الدرجات الأخرویة و... لاسیما فی أراجیز عاشوراء التی نعتقد إنها تکون شمس تعالی الرجز فی العصر الإسلامی. - إن الأراجیز المنشدة فی المعارک الأولی من العصر الإسلامی مثل بدر، وأحد، وخندق، وصفین لا یمکنها أن تکون بصورة کاملة مرآة لتکامل الشعر والتفکر الإسلامی. - إن أراجیز کربلاء یعدّ نموذجا متکاملا من التعالیم الإسلامیة التی تشکّل معانیها الأصلیة مفاهیم مثل الشوق إلی الشهادة والدفاع عن أهل البیت والصمود أمام الظلم. کذلک هی تعدّ نموذجا متعالیا من أدب المقاومة الذی استطاع أن یؤثر فی الأدب السیاسی الذی ظهر بعده. - إن أراجیز عاشورا بالمقارنة مع الأراجیز المنشدة من قبل الکوفیین یحتسب کمیدان تقابل بین القیم الإسلامیة والقیم السائدة فی الساحة الجاهلیة، انطلاقا من هذا الموقف نستطیع أن نقارن قیام الإمام حسین(ع) إلی الکوفة بالهجرة النبویة إلی المدینة، فی أن هجرته (ص) کان بقصد بناء الإسلام وهجرة الإمام الحسین (ع) کان بقصد حفظه وإصلاحه. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الإمام علی بن أبیطالب(ع). 1422ق. نهج البلاغة. قم: مؤسسة النشر الإسلامی. ابن أعثم، أحمد الکوفی. 1411ق/1991م. الفتوح. تحقیق علی شیری. بیروت: دارالأضواء. ابن الأثیر، علی بن أبی الکرم. 1385ق/1965م. الکامل فی التاریخ. بیروت: دار صادر - دار بیروت. ابن جنی، أبی الفتح عثمان. 1407ق/1987م. کتاب العروض. تحقیق: د أحمد فوزی الهیب. الکویت: دار القلم. ابن شهرآشوب، محمد. 1379ش. مناقب آل أبی طالب. قم: مؤسسة العلامة للنشر. ابن کثیر، أبوالفداء إسماعیل بن عمر. 1407ق/1986 م. البدایة والنهایة. بیروت: دار الفکر. ابن منظور، محمد بن مکرم. لاتا. لسان العرب. بیروت: دار صادر. أبوداود، سلیمان بن الأشعث. لاتا. سنن أبی داود. تحقیق: محمد محیی الدین عبد الحمید. بیروت: دار الفکر. امرؤالقیس. لاتا. الدیوان. تحقیق: محمد أبوالفضل إبراهیم. القاهرة: دارالمعارف. بروکلمان، کارل. لاتا. تاریخ الأدب العربی. ترجمه الدکتور عبدالرحیم نجار. قاهرة: دار المعارف. البلاذری، أحمد بن یحیى بن جابر. 1417ق/1996. جمل من أنساب الأشراف. تحقیق سهیل زکار وریاض زرکلی. بیروت: دار الفکر. البیهقی، أبوبکر أحمد بن الحسین بن علی بن موسی. 1414ق/1994م. سنن البیهقی الکبری. تحقیق: محمد عبد القادر عطا. مکة المکرمة: مکتبة دار الباز. الجاحظ، عمرو بن بحر. 1968م. البیان والتبیین. تحقیق: المحامی فوزی عطوی. بیروت: دار صعب. الدینوری، أحمد بن داود. 1368ش. الأخبار الطوال. تحقیق عبد المنعم عامر. قم: منشورات الرضی. الذهبی، محمد بن أحمد. 1413ق/1993م. تاریخ الإسلام ووفیات المشاهیر والأعلام. تحقیق عمر عبد السلام تدمری. بیروت: دار الکتاب العربى. سپهر، میرزا محمد تقی (لسان الملک). لاتا. ناسخ التواریخ. تهران: انتشارات امیرکبیر. الشیخ الصدوق،1404ق. الأمالی. قم: المکتبة الإسلامیة. الطبری، محمد بن جریر. 1387ق/1967. تاریخ الأمم والملوک. تحقیق محمد أبوالفضل إبراهیم. بیروت: دار التراث. أحمد، عدنان محمد. 2005م. الشعر فی موقعة صفین. مجلة جامعة تشرین للدراسات والبحوث العلمیة _ سلسلة الآداب والعلوم الإنسانیة، المجلد 27، العدد1. عمروبن کلثوم. 1441ق/1991م. الدیوان. جمعه وحققه وشرحه إمیل بدیع یعقوب. بیروت: دار الکتاب العربی. الفتال، محمد بن الحسن. لاتا. روضة الواعظین. قم: دار الرضی. لبید بن ربیعة. 1414ق/1993م. الدیوان. شرح الطوسی. بیروت: دار الکتاب العربی. مایو، قدری. 1421ق/2000م. المعین فی العروض والقافیة. بیروت: عالم الکتاب. المجلسی، محمد باقر. 1404ق. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الأطهار. بیروت: مؤسسة الوفاء. المسعودی، علی بن الحسین بن علی. 1409ق. مروج الذهب ومعادن الجوهر. تحقیق أسعد داغر. قم: دار الهجرة. المنقری، نصر بن مزاحم. 1404ق. (1382ش. افست قم). وقعة صفین. تحقیق عبد السلام محمد هارون. القاهرة: المؤسسة العربیة الحدیثة. قم(افست): منشورات مکتبة المرعشی النجفی. النابغة الذبیانی. 1441ق/1991م. الدیوان. شرح وتعلیق: الدکتور حنا نصر الحتی. بیروت: دار الکتاب العربی. الواقدی، محمد بن عمر. 1409ق/1989م. المغازی. تحقیق مارسدن جونس. بیروت: مؤسسة الأعلمی. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 2,031 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 751 |