تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,800,529 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,348 |
تحلیل الخطاب الأدبی فی مقامات الهمذانی | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 6، دوره 1، شماره 3، بهمن 1432، صفحه 116-101 اصل مقاله (156.4 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
عیسی متقی زاده1؛ علی رضا محمد رضائی2؛ أمیر فرهنگ نیا3 | ||
1عضو هیئة التدریس بجامعة تربیت مدرس - أستاذ مساعد. | ||
2عضو هیئة التدریس بجامعة طهران، فرع قم – أستاذ مساعد. | ||
3طالب الدکتوراه بجامعة تربیت مدرس | ||
چکیده | ||
إنّ البحث فی الخطاب الأدبی وصلته بالنقد استحوذ علی اهتمامات دارسی اللغة والأدب منذ منتصف القرن العشرین، بفضل ما قدمته الحقول المعرفیة الجدیدة کاللسانیات، والأسلوبیة، والسیمیائیة من مصطلحات وأدوات إجرائیة، أسهمت فی مقاربة الأثر الأدبی بعیدا عن المقولات النقدیة التی کانت مستعارة من کل الحقول إلا حقل الأدب. وهو أقرب أنواع الخطاب للتربیة وتعدیل السلوک وتعلیم الناس؛ حیث إنّه یرقی بالتفکیر، والقلب، والسلوک من خلال أسالیبه المختلفة، منها البیانیة کالتشبیه، والمجاز، والرمز، أو الأسالیب التی تخصّ علم المعانی کالدعاء، والاستفهام وهی أسالیب تنبّه الحس الجمالی والمتعة فی النفوس وتحمل الفائدة المرجوّة فی ثنایا الخطاب الممتع، فتوصلها بطریقة محبّبة، بعیدا عن أسالیب الجدل الجافّ الذی لاتصبر له النفوس ولاترغب فیه. إنّ هذا المقال یسعی إلى دراسة الخطاب الأدبی فی مقامات الهمذانی، وهی خطبة یمتاز الخطاب الأدبی فیها بقدرته علی إیصال محتواه إلى طبقات المجتمع علی اختلاف شرائحها؛ حیث یکثر فیها اقتران اللفظ والمعنى أو الشعور والتعبیر؛ کذلک تهدف إلى دراسة الواقع الجمالی الذی یحدثه هذا العمل الأدبی فی المتلقی وردود فعله إزاءه، حین یتأمله ویتفکّر فیه؛ ویتّبع المقال التحوّلات والتطوّرات التی یتداولها المتلقی أو المستمع. | ||
کلیدواژهها | ||
الخطاب الأدبی؛ المقامة؛ المبدع والمتلقی | ||
اصل مقاله | ||
کان الخطاب فی البلاغة القدیمة مجرّد وسیلة یعبّر بها عن الفکرة، ولکن کان ینظر إلیه باعتباره کیانا مستقلّا، یحمل خصائصه الذاتیة، ویظهر ذلک فی الرسالة (النص) الصادرة من الکاتب إلى المتلقّی. یستمد مفهوم الخطاب قیمته النظریة، وفاعلیته الإجرائیة من کونه یقف راهنا فی مجال النقد الأدبی الحدیث فی نقطة تقاطع/تلاقی بین تحلیل النصوص والإجراءات التطبیقیة التی تتطلبها عملیات التحلیل، والأعمال الأدبیة الإبداعیة بصفة عامة باعتبارها نظاما مغلقا لا یحیل إلاّ علی نفسه. بل إنّ مفهوم الخطاب قدیعود بنا أدراجا إلى ما هو أعمّ من اعتباره مجرد مفهوم إجرائی فی تفکیک سنن النصوص ومرجعیاتها، وذلک من خلال إعادة النظر فی أنساق المعرفة النقدیة التی اتخذت من النصوص التراثیة سندا لها. إنّ هذا المقال یسعی إلى دراسة الخطاب الأدبی فی مقامات الهمذانی ویهدف إلى دراسة الواقع الجمالی الذی یحدثه هذا العمل الأدبی فی المتلقی وردود فعله إزاءه، حین یتأمله ویتفکّر فیه؛ ویتّبع المقال التحوّلات والتطوّرات التی یتداولها المتلقی أو المستمع وفقا للمنهج الوصفی والتحلیلی. 1. الخطاب ورد فی معجم المصطلحات العربیة الخطاب، الرسالة (Letter)، نص مکتوب ینقل من مرسل إلى مرسل إلیه، یتضمن عادة أنباء لا تخصُّ سواهما. ثم انتقل مفهوم الرسالة من مجرد کتابات شخصیة إلى جنس أدبی قریب من المقال فی الآداب الغربیة - سواء أکتب نظما أو نثرا – أو من المقامة فی الأدب العربی. (مجدی، وهبة؛ والمهندس کامل، 1984م: 90) أما فی المعاجم الأجنبیة فإن الخطاب «مصطلح ألسنی حدیث یعنی فی الفرنسیة (Discourse)، وفی الإنجلیزیة (Discourse)، وتعنی حدیث، محاضرة، خطاب، خاطب، حادث، حاضر، ألقی محاضرة، وتحدث إلى.» (إلیاس انطون، 1972م: 191) وهناک علاقة قویة جدا بین الخطاب والنص. «فالخطاب مجموعة من النصوص ذات العلاقات المشترکة أی أنه تتابع مترابط من صور الاستعمال النصی یمکن الرجوع إلیه فی وقت لاحق، وإذا کان عالم النص هو الموازی المعرفی للمعلومات المنقولة والمنشطة بعد الاقتران فی الذاکرة من خلال استعمال النص فإن عالم الخطاب هو جملة أحداث الخطاب ذات العلاقات المشترکة فی جماعة لغویة أو مجتمع ما … أو جملة الهموم المعرفیة التی - جری التعبیر عنها فی إطار ما.» (دی بوجراند، 1998م: 6) یبدو أنّ أنواع الخطاب فی الأدبیات المعاصرة قد تمّ استبعادها لحساب عمومیة الخطاب وإخضاعه لمنطقٍ لغوی ومنهج تحلیلی واحد؛ وفی العمومیة تخفی الخصوصیة؛ فقد اتجهت المدارس اللغویة المعاصرة نحو الشکل دون المضمون؛ وبالتالی لم تُعنَ إلّا بالتراکیب والمضمون؛ المضمون من حیث هو مضمون، دون تخصیصه بدینی، أو فلسفی، أو أخلاقی، أو قانونی، أو تأریخی، أو اجتماعی سیاسی، أو أدبی فنّی، أو إعلامی معلوماتی، أو علمی منطقی؛ فالخطاب أصوات ونبرات، أکثر منه معانی ودلالات، وتترک الدراسات اللغویة المعاصرة أنواع الخطاب إلى میادینها خارج علم اللسانیات العامّ؛ فالخطاب الدینی جزء من الفکر الدینی، والخطاب الفلسفی أحد موضوعات الفلسفة، والخطاب الأخلاقی موضوع من موضوعات الأخلاق، والخطاب القانونی جزء من منطق القانون، والخطاب التأریخی یدخل فی فلسفة التأریخ، والخطاب الأدبی الفنّی جزء من علوم النقد، فأنواع الخطاب فی اللسانیات المعاصرة تدخل فی علومها الخاصّة، ولیس فی علم اللسانیات نظرا لسیادة النزعة الشکلیة علیه؛ فمن الواضح أنّ علم اللسانیات قد استقلّ بنفسه عن باقی العلوم الإنسانیة، وأصبح الخطاب فیه خطابا لغویا خالصا بصرف النظر عن مضمونه وموضوعه وقصده وباعته. 2. عناصر الخطاب لیس هناک خطاب إلّا یدور فیه هذه العناصر، وهی: أ. المبدع إنّ المبدع یمتلک المقدرة علی نقل الأفکار فی أشکال وطرق متنوّعة، وعلیه فإنّ الخاصیة اللغویة یمکن أن تثیر انفعالات متعددّة ومتمیزة تبعا للسیاق الذی تردُ فیه، وینتج عن ذلک أنّ نفس الانفعال یمکن أن نثیره بوسائل أسلوبیة متعدّدة، وهکذا یکون ترکیب الأسلوب وما ینتج عنه من أثرٍ انفعالی مطابقا لخاصیة الدوالّ والمدلولات فی الدراسة اللغویة، وبهذا تمتلک الأسلوبیة سبلها الخاصّة بها مثلما للغة الخطاب هذه السبل. (عبد المطلب، 1994م: 221) یؤکد بارت «أن الکتابة هی فی واقعها نقض لکل صوت کما أنها نقض لکل نقطة بدایة (أصل)، وبذا یدفع بارت المؤلف نحو الموت، بأن یقطع الصلة بین النص وبین صوت بدایته، ومن ذلک تبدأ الکتابة التی أصبح بارت یسمیها بالنصوصیة (Textuality) بناء علی مبدأ أن اللغة هی التی تتکلم ولیس المؤلف. والمؤلف لم یعد هو الصوت الذی خلف العمل أو المالک للغة أو مصدر الإنتاج، ووحدة النص لاتنبع من أصله ومصدره، ولکنها تأتی من مصیره ومستقبله، ولذا یعلن بارت بأننا نقف الآن علی مشارف عصر القارئ. ولا غرابة أن نقول إن ولادة القارئ لابد أن تکون علی حساب موت المؤلف وبذا یحسم بارت الصراع بین العاشقین المتنافسین علی محبوب واحد فیقتل رولان بارت منافسه لیستأثر هو بحب معشوقه (النص) وینتصر القارئ علی المؤلف، ویخلو الجو للعاشق کی یمارس حبه مع محبوبه الذی لایشارکه فیه مشارک. وتتحول العلاقة بین المؤلف والنص من علاقة بین أب وابنه علی وجود الابن، إذ تتحول إلى علاقة ناسخ ومنسوخ أی أن المؤلف لایکتب من اللغة التی هی مستودع إلهامه، ولا وجود للمصدر إلا من خلال النص، ولولا النص، ما کان المصدر.» (الغذامی، 1988م: 71،72) ب. المتلقی (المرسل إلیه) بدأ الاهتمام المتزاید بالمتلقی، وکان ذلک منذ ظهور ما بعد البنیویة (Post- structuralism) "فقد أثار" قتل البنیویة للمؤلف، وتحویلها التواصل البرغماتی إلى لعبة المنطق الشکلی الترکیبیة، واعتبارها النص الأدبی بنیة مغلقة لا علاقة لها بالذات المتلفظة وبسیاق التلفظ … ردود فعل متباینة لعل أبرزها تبلور خطاب نقدی یحتفی بالعلاقة المتبادلة بین القارئ والنص. بحیث ینظر إلى القراءة بما هو فعالیة تعید کتابة النص المرصود للقراءة. کما أن النظریة اللسانیة ساهمت بدورها فی لفت النظر إلى المتلقی فهی تصادر علی موضوعها هو النص، باعتباره "مرسلة مشفرنة" (Message Code) تنتقل عبر سیرورة تواصلیة من "مرسل" (Destinateur) إلى مرسل إلیه (Destinataire) ویتعین علی المرسل إلیه أن یحل شفرات تلک المرسلة، مما یعنی أن التواصل لایتحقق إلا حین یتم حل الشفرات هذا بذلک، یقضی «المنهج العلمی بدارسة النص لیس انطلاقا من المرسل، أی المؤلف بل من زاویة المرسل إلیه خاصة أی المتلقی.» (بندحدو، 1994م: 472-473) وإن ما یمیز المتلقی امتلاکه حاسة التوقع والانتظار، وکلما قدم له المبدع ما یخالف هذا التوقع وذاک الانتظار، فإنه یمتلک قمة البیان الأسلوبی الذی لایکون إلا مجموعة طاقات وإمکانیات لغویة، والمبدع الفنان هو الذی یمتلک ناصیة هذه الطاقات بحیث لایکتفی بأداء المعنى وحده وبأوضح السبل، وإنما یجب أن یکون الوضوح فی أجمل ثوب، بحیث یختار المبدع الشکل الملائم لیعبر عما یخالجه. (عبد المطلب، 1994م: 197) ج. السیاق إنّ السیاق عند جاکبسون هو «الطاقة المرجعیة التی یجری القول من فوقها، فتمثل خلفیة للرسالة تمکن المتلقی من تفسیر المقولة وفهمها. إنه الرصید الحضاری للقول وهو مادة تغذیته بوقود حیاته وبقائه… ولاتکون الرسالة بذات وظیفة إلا إذا أسعفها السیاق بأسباب ذلک ووسائله… فلکل نص أدبی سیاق یحتویه، ویشکل له حالة انتماء، وحالة إدراک…. وهو سابق له فی الوجود. فالسیاق أکبر وأضخم من الرسالة ... وموضع النص من السیاق مثل موضوع الکلمة من الجملة، فلا قیمة للکلمة من دون الجملة، مثلما أنه لا وجود للجملة من دون الکلمة.» (الغذامی، 1988م: 8-11) إن «الضابط فی کل قراءة هو السیاق فالمعرفة التامة بالسیاق، شرط أساس للقراءة الصحیحة، ولایمکن أن نأخذ قراءة ما علی أنها صحیحة إلا إذا کانت منطلقة من مبدأ السیاق؛ لأن النص تولید سیاقی ینشأ عن عملیة الاقتباس الدائمة من المستودع اللغوی لیؤسس فی داخله شفرة خاصة به تمیزه کنص، ولکنها تستمد وجودها من سیاق جنسها الأدبی، والقارئ حر فی تفسیر الشفرة وتحلیلها، ولکن مقید بمفهومات السیاق.» (المصدر نفسه: 78) 3. أنواع الخطاب تتعدد أنواع الخطاب العربی وتختلف باختلاف مرجعیتها، فهی ثلاثة: أ. الخطاب القرآنی إنّ الخطاب القرآنیّ خطاب إلهی، مطلق ولا نهائیّ فی دوالّه ومدلولاته، وهو رسالة ربّانیة لجمیع الناس دون الانتصار إلى صفة طائفیة أوجغرافیة أوشعوبیة معینة: Cیا أیها الناس إنّا خلقناکم من ذکرٍ وأنثی وجعلناکم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أکرمکم عند الله أتقاکم إنّ الله علیم خبیرB (الحجرات: 13) إنّ الخطاب القرآنی لانهائی الدال والمدلول أو الترکیب، هو «خطاب یمیل إلى مرجعیة ثلاثیة، فهناک مرجعیة الدال، ویکون النص علی مثال مرسله. وهناک مرجعیة المدلول، ویکون النص فیها علی مثال متلقیه. وهناک أخیرا، مرجعیة النص نفسه علی نفسه ویکون النص فیها دالا ومدلولا خالقا لزمنه الخاص ودائرا مع زمن المتلقین فی کل العصور، وسمة القراءة فی کل ذلک، أن کل واحدة من هذه المرجعیات تستقل بذاتها وتطلب الأخری فی الوقت ذاته.» (عیاشی، 1990م: 220) ب. الخطاب الإیصالی إن عملیة الإیصال لاتکون إلا بوجود الأقسام الثلاثة: المرسِل، والمرسَل إلیه (المتلقی)، والرسالة؛ قد ذهبت بعض الدراسات الحدیثة، إلى دراسة هذا النوع من الخطاب تحت اسم "La Pragmatique" النفعیة أو "التداولیة"، وهذه الدراسات کما تقول "فرانسواز آرمینغو": تدرس «اللغة ظاهرة استدلالیة، وإیصالیة واجتماعیة فی الوقت نفسه.» (عیاشی، 2002م، 141) یعنی التداولیون بالاقتراب من الخطاب کموضوع خارجی، أو شیءٍ یفترض وجود فاعل منتج له، وعلاقة حواریة مع مخاطب أومرسَل إلیه؛ ومن الناحیة الألسنیة، فإنّ فکرة الفاعل ضروریة لمتابعة تحوّلات اللغة فی الخطاب؛ فلیست اللغة نظاما وحید الاتجاه، ولا الفاعل المتکلم وحدة شخصیة، أو فردا معروفا فی ممارسته القولیة، بالرغم من أنّهما یمثّلان الأساس الضروری لنظریة اللغة والأسلوب؛ ففی علم اللغة نجد أنّ تصوّر الفاعل المنتج للخطاب تقترن به ملاحظة حضوره فی هذا الخطاب ذاته، فالفعل الفردی لتملُّکِ اللغة یدخلُ المتکلمَ فی کلامه، وهذا اعتبار یعَدُّ جوهریا فی تحلیل الخطاب، إذ أنّ الخطاب هو المکان الذی یتکوّن فیه فاعله، ومن خلال هذا الخطاب فإنّ الفاعل یبنی عالمه کشیء ویبنی ذاته أیضا. (فضل، 1978م: 90) ج. الخطاب الإبداعی یقوم الخطاب الشعری الإبداعی علی ستة عناصر کما حددها جاکبسون تغطی کافة وظائف اللغة بما فیها الوظیفة الأدبیة. فلقد وجد أن السمة الأساسیة التی من أجلها وجد النص هی الاتصال، هذا ویأخذ النص سماته الخاصة من خلال تدرج وظائف عناصر الاتصال، والتی فصلهما جاکبسون فی نظریة الاتصال (Communication theory)، ولیس من خلال احتکاره لواحدة منها. (عیاشی، 1990م: 218) 4. الخطاب الأدبی إنّ البحث فی الخطاب الأدبی وصلته بالنقد استحوذ علی اهتمامات دارسی اللغة والأدب منذ منتصف القرن العشرین، بفضل ما قدمته الحقول المعرفیة الجدیدة کاللسانیات والأسلوبیة والسیمیائیة من مصطلحات وأدوات إجرائیة، أسهمت فی مقاربة الأثر الأدبی بعیدا عن المقولات النقدیة التی کانت مستعارة من کل الحقول إلا حقل الأدب، «أنّه صیاغة مقصورة لذاتها، وصورة ذلک أنّ لغة الأدب تتمیز عن لغة الخطاب العادیّ بمعطی جوهری، فبینما ینشأ الکلام العادیّ عن مجموعة انعکاسات مکتسبة بالمران والملکة، نرى الخطاب الأدبی صوغ للغة عن وعی وإدراک، إذ لیست اللغة فیه مجرّد قناة عبور الدلالات، إنّما هی غایة تستوقفنا لذاتها، وبینما یکون الخطاب العادی شفّافا، نری من خلاله معناه ولا نکاد نراه فی ذاته، نجد الخطاب الأدبیّ علی عکسه ثخنا غیر شفّاف یستوقفنا هو قبل أن یمکننا اختراقه، فالخطاب العادیّ منفذ بلوری لا یقوم حاجزا أشعّة البصر، بینما الخطاب الأدبی حاجز بلوری تصدّ أشعّة البصر عن اختراقاته.» (المسدّی، 1982م: 112) إنّه یمکن لنفسه العمل علی اللغة المألوفة لیخلق منها لغة جدیدة غیر مألوفة، کما تقول "جولیا کریستیفا" فی الحدیث عن الخطاب الأدبی: «إنّ الخطاب الأدبی یتطلّع دوما لأن یجعل اللغة تنتقل فی انزیاحها وتحوّلاتها الجدیدة إلى مستوی أرفع ممّا کانت علیه من قبل، إنّه یهدم العادة، لکن حقیقة هدمه بناء.» (کریستیفا، 1991م: 61) د. مقامات الهمذانی المقامات جمع المقامة، وهی اسم للمجلس أو للجماعة من الناس؛ وسمِّیت الأحدوثة من الکلام مقامة؛ لأنّها تُذکر فی مجلس واحد یجتمع فیه الناس لسماعها، وهی ضرب من الحکایة القصیرة التی یرویها راو ویقوم ببطولتها رجل صاحب حیلة ودهاء، ویسعی لتحصیل رزقه من خلال فصاحته وبیانه ودهائه؛ ولها غایة لغویة أدبیة. (المقدسی، 1960م: 360)، وقیل إنّها حدیث أدبی بلیغ؛ وهی أدنی إلى الحیلة منها إلى القصة؛ فلیس فیها من القصة إلّا ظهر فقط؛ أما هی فی حقیقتها مخیلة یصرفنا بها بدیع الزمان وغیره لنطلع من جهة علی حادثة معینة، ومن جهة ثانیة علی أسالیبب أنیقة ممتازة. (ضیف، لاتا: 9) إنّ لبدیع الزمان الهمذانی فضل السبق فی المقامات؛ فهو أول من أعطی کلمة المقامة معناها الاصطلاحیّ بین الأدباء، إذ عبّر بها عن مقاماته المعروفة وهی جمیعها تصوّر أحادیث تُلقی فی الجماعات، وهو عادة یصوغ هذا الحدیث فی شکل قصص قصیرة یتأنّق فی ألفاظها وأسالیبها، ویتّخذ لقصصه جمیعا راویا واحدا هو عیسی بن هشام، کما یتخذ لها بطلا واحدا هو أبوالفتح الإسکندریّ الذی یظهر فی شکل أدیب شحّاذ، لایزال یروّغ الناس بمواقفه بینهم وما یجری علی لسانه من فصاحة أثناء مخاطباتهم. (المصدر نفسه: 8) فالبطل ذو خبث وحیلة؛ یمارس جمیع المهن التی یحترفها الناس من أجل الکدیة وکسب المال. لقدتلقی نقاد کثیرون المقامات بوصفها نصوصا قصیرة مستقلة فی قالب المقامة، ولم تکن المقامات فی حقیقتها نصوصا مستقلة، بل نصا وخطابا متصلا؛ ولذا فإنّ التلقّی النقدی للمقامات أغلق علیها دائرة ضیقة، ولم یمکِّن فضاءها السردی فی نسیجها الروائی وخطابها الإبداعی، إلّا عندما قیض الله لها دارسین یدرکون بأنّ للنص نسیج ملتفّ وممتدّ یتجاوز حدود الکتابة أو النطق، ویخترق الفضاءات الخفیة والعصیة، وهی فضاءات النسق الثقافی، وهنا أشیر إلى ما أنجزته البنیویة التأویلیة عندما أتاحت بعض تطبیقاتها الغربیة عبد الفتاح کلیطو مثلا أن تجعل من النص مرکزا للتأویل. (الکعبی: 2005م، 114) أفاد بدیع الزمان الهمذانی (ت 398) من موروث الکدیة ومن الموروث الحکائی العربی فی إبداع نوع سردی جدید أسماه المقامة، إذ طوّر بدیع مدلول هذه اللفظة وجعلها تدلّ علی بنیة سردیة مستحدثة تتخذ الخبر إطارا لها، ولکنها تخرج عن بنیة الخبر التقلیدیة. (المصدر نفسه: 115) وضعت المقامة فی شکل حوار قصصی، وهو حوار یمتد بین عیسی بن هشام الراوی وأبی الفتح الإسکندری البطل، فهی (المقامة) «معرض قصصی یملأه الکاتب بالبراعة الأسلوبیة التی تبین عن ملکته اللسانیة وتستدرّ عطف الناس علی بطله المغترب بالرغم من فصاحة لسانه وروعة بیانه من جهة أخری.» (مسعود جبران، 2004م، ج1: 455) لیست المقامة نوعا سردیا منغلقا علی نفسه. فاستجابت المقامة منذ نشأتها وتطوّرها فی عصور مختلفة لتفاعل نصی کوّن ما یمکن أن یشکّل رکیزة أساسیة فی علاقة المبدع بالمتلقی (Code) نسمیه القانون الأدبیّ أو الثقافی ( Literature)، وشکّل التفاعل النصی فی المقامات انفتاحا على أجناس وأنواع سردیة وشعریة، لعلّ من أهمّها الخبر والشعر والرحلة والمناظرة والوصیة والمأدبة والألغاز والأهاجی اللغویة إلى جانب القرآن الکریم، والأحادیث الشریفة والأمثال. (الکعبی، 2005م: 136) «إنّ المقامة تکون حفلة دائریة لثلاثة متکلمین، وثلاثة مستمعین. فالدائرة تنطلق من أبی الفتح الإسکندری لتنتهی عند المتلقّی الثالث، وقد توسّل بدیع الزمان بالخبر کی یضفی قبولا شرعیا لمقاماته عند نقّاد الثقافة الرسمیة، وروّاد الثقافة العالمیة. فهو یرید أن تکتسب مرویاته مفهوم "النص" المعترف به.» (کلیطو، 1982م: 60) اختار بدیع الزمان المجلس إطارا مکانیا تدور فیه مناظرته. فعلی سبیل المثال فی المقامة المطلبیة، تتمحور هذه المناظرة بین جماعة لهم وجوه مشرقة وأخلاق مرضیة وبین أبی الفتح الإسکندری، وهو شابّ قصیر؛ فالبطل یرغب فی الإدلاء بدلوه لیظهر تفوّقه علی الآخرین: «فأخذنا نتجاذب أذیال المذاکرة، ونفتح أبواب المحاظرة، وفی وسطنا شابّ قصیر من بین الرجال، لا ینبس بحرف، ولا یخوض معنا فی وصف، حتی انتهى بنا الکلام إلى مدح الغنى وأهله وذکر المال وفضله، فکأنّما هبّ من رقدة أو حضر بعد غیبة، وفتح دیوانه وأطلق لسانه، فقال: صه، لقد عجزتم عن شیء عدمتموه، وقصّرتم عن طلبه فهجّنتموه، وخُدِعتم عن الباقی بالفانی، وشُغِلتم عن النائی بالدانی»، إلى حیث یقول: «والله لولا صیانة النفس والعِرض، لکنتُ أغنى أهل الأرض، لأننی أعرف مطلبین: أحدهما بأرض طرسوس، تشره فیه النفوس.» (الهمذانی، 2002م: 246،247) إلى حیث یقول: «فلمّا أن سمعنا ذلک أقبلنا علیه، وملنا إلیه، وأخذنا نستعجز رأیه فی القنوع بیسیر المکاسب، مع أنه عارف بهذه المطالب.» (المصدر نفسه: 248) فقد شکّل بدیع بطله المکدی من تراث المکدین، والشطار، والصعالیک، والمعوزین. فلم تخرج ملامح بطله فی مقاماته «عن ذلک الرجل الذکی البلیغ، حاضر البدیهة، واسع المعرفة، غزیرها، یأخذ من کلّ علم بطرف، وربّما بنصیب وافر، حاضر النکتة، عمیق السخریة، واسع الحیلة، قادر على التشکل، یجید التخفِّی، بضاعته فی الأغلب الأعمّ لسانه، یجید النظم والنثر، وهما وسیلته إلى الکدیة، قلّب له الدهر ظهرَ المجنّ، فإذا هو غنی مفتقر.» (السعافین، 1987م: 157) هـ . خصائص سیاق المقامات یجد المرء فی أی مسار تواصلیّ، باثّا (مرسلا)، ورسالة ومرسلا إلیه (متلقّیا). ففی مقامات بدیع الزمان یکون المرسِل والمرسَل إلیه حاضرَین فی النص، لیس باعتبارهما قطبَی فعل التلفظ، بل منظورا ذلیهما علی أنّهما دوران فاعلیان من أدوار اللفظ؛ فإنّ سیاق خطاب مقامات الهمذانی یتشکّل من المتکلّم والمستمع والزمان والمکان والمقام؛ والمحاور هذه تؤدّی دورا فعالا فی تأویل الخطاب؛ فالمرسل هوالذی ینتج القول؛ والمتلقی هو المستمع أو القارئ الذی یتلقّی القول؛ والحضور هم مستمعون آخرون یساهم وجودهم فی تخصیص الحدث الکلامی؛ والمقام هو زمان ومکان الحدث التواصلی، وکذلک العلاقات الفیزیائیة بین المتفاعلین بالنظر إلى الإشارات والإیماءات وتعبیرات الوجه. و. الخطاب الأدبی فی مقامات الهمذانی القارئ (المتلقی) لایکاد یلامس العمل الأدبی (المقامة)، حتى ینبری له بکل أحاسیسه، وأفکاره، وأرصدته الثقافیة، وتجاربه الذاتیة؛ فیصیر هذا القارئ بالضرورة تمتزج فیه جمالیات تلقٍّ متراکمة، لانکاد نمیز فیها الإعجاب من المتعة، والرفض من الحذر، کما یصیر هذا القارئ مستعدّا لمواصلة هذا العمل الأدبی بإبداع ثانٍ جلیّ أو خفیّ، یتمکن من أن یستفرغ فیه بواطن ذاته.على سبیل المثال؛ قد ورد فی المقامة المطلبیة «حدّثنا عیسی بن هشام، قال: اجتمعت یوما بجماعة کأنّهم زهر الربیع،... بوجوه مضیة، وأخلاق رضیة، قدتناسبوا فی الزیّ والحال، وتشابهوا فی حسن الأحوال، فأخذْنا نتجاذب أذیال المذاکرة، ونفتح أبواب المحاضرة، وفی وسطنا شابّ قصیر من بین الرجال، محفوف السِّبال، لاینبس بحرف، ولایخوض معنا فی وصف.» (الهمذانی، 2002م: 246) إنّ الدلالة الضمنیة المستخرجة من هذه العبارات تفید بأن المتلقی یرتاب فی واقع البطل "أبی الفتح الإسکندری"، فی هذا العرض القصصی؛ وسبب الارتیاب أو بعبارة أخرى الاحتیار؛ هو صمت البطل؛ أوعدم التفوّه بکلمة واحدة؛ فی الحقیقة إن المتلقی فی شکّ من هذا: هل البطل خطیب متفوّه حاذق، یصمت فی موضعه، ویتکلم حیثما یفید؟ أو هل هذا الصمت من جهله وعدم التفهم عمّا یجری حوله؟ لاشکّ أن هذا الصمت خیر وسیلة تمسّک بها البطل لیلفت انتباه الآخرین إلیه؛ فیدلی بدلوه فی الوقت المناسب؛ ویقوم بالاحتیال والکدیة؛ فیمکن القول إنّ البطل "أبی الفتح الإسکندری"؛ قام بالصمت بالقدر المناسب، والوقت المناسب، وللهدف المناسب؛ لیحثّ متلقّیه التفکر ومزید النظر فی شأنه. ثمّ یقول بدیع الزمان: «حتی انتهى بنا الکلام إلى مدح الغنى وأهله؛ وذکر المال وفضله؛ وأنّه زینة الرجال وغایة الکمال؛ فکأنّما هبّ من رقدة، أو حضر بعد رقدة؛ أوحض بعد غیبة؛ وفتح دیوانه وأطلق لسانه؛ فقال: صه، لقد عجزتم عن شیء عدمتموه؛ وقصّرتم عن طلبه، فهجّنتموه؛ وخُدعتم عن الباقی بالفانی؛ وشُغِلتم عن النائی بالدانی.» (المصدر نفسه: 247) فتمرّ الأحداث من خلال عینی عیسی وإدراکه، بما یعنی أنّ اهتمامات عیسی ومیوله وخبراته فی الحیاة، إضافة إلى المواقع الجسمانیة التی یتخذها بالنسبة لما یری، هی المؤثِّرات التی تحدّد صور ودلالات ما یری بشکل مبدئی؛ إنّ رؤیة عیسی الإدراکیة والمفهومیة هی القناة التی یمرّ منها المشهد السردی إلى عینَی وإدراک المتلقی. یقول عیسی فی المقامة القریضیة: «فجلسنا یوما نتذاکر القریض وأهله وتلقاءنا شابّ قد جلس غیر بعید ینصت وکأنّه یفهم، ویسکتُ ولایعلم.» (الهمذانی: 2002م: 5) حدّد الراوی ملامح بصریة للمشهد السردی؛ إذ یمکن أن نری رفقة تجلس فی حانوت تتبادل النقاش وفی موازاتها یجلس شابّ لاینتمی لحلقتهم وتبدو علیه سمات تلفت النظر، الذی حیرته علامات معینة تدلّ علی الشیء ونقیضه. إنّ الشابّ یبدو فی جلسته وإنصاته کمن یتابع عن فهم ما یقولون، وهو فی الوقت نفسه صامت بما یعدّه الراوی علامة علی الجهل، وهکذا ینطرح من خلال رؤیة الراوی سؤال عن هویة الجالس أمامهم، ذلک التساؤل المنطلق من بعدی الرؤیة الفیزیقی والمفهومی للراوی، الذی یؤسّس الجزء الأوّل فی بنیة معظم المقامات. فعیسی یری أشیاء، وینفعل بها من موقعه المادّی، وأیضا من خلال مفاهیمه وخبراته واهتماماته، تلک الأشیاء ترسم أبعاد الوسط الفیزیقی الذی تدور فیه الأحداث. (بکر، 1988م: 66) ورد فی مقامة الأزاذیة: «حدّثنا عیسی بن هشام، قال: کنتُ ببغداد وقت الأزاذ[1]، فخرجتُ أعتام[2] من أنواعه لابتیاعه، فسرتُ غیر بعید إلى رجل قد أخذ أصناف الفواکه وصنّفها، وجمیع أنواع الرطب وصفّفها، فقبضتُ من کلّ شیء أحسنه وقرضتُ من کلّ نوع أجوده، فحین جمعتُ حواشی الإزار[3] علی تلک الأوزار، أخذتْ عینای رجلا قدلفّ رأسه ببرقع حیاء، ونصبَ جسدَه، وبسط یدَه، واحتضن عیاله، وتأبّط أطفاله.» (الهمذانی، 2002م: 10-11) ینتقی الراوی من کلّ الجزئیات، وهیئتها، وألوانها، وأحجامها، وأوزانها، وطبائعها ما یعبّر عن وقوع الحدث فی هذا المکان (بغداد)، وما یرسم صورة له، وهذا الانتقاء أوالاختیار هو الذی یبرز شخصیة الراوی ویحدّد معالمه؛ واختیار الراوی لهذا الجزء من الحدث دون ذاک أو لهذا المشهد دون المشهد الآخر له دوافع عدیدة منها: الرغبة فی التأثیر فی المخاطب، ومنها الرغبة فی إتقان الحبکة حتّی تکون أکثر جمالا، ومنها الرغبة فی إتقان الحبکة حتى تکون أکثر جمالا، ومنها الرغبة فی النقد وإبراز اللقطات المؤلمة أو التی یرغب الراوی فی نقدها، أو غیر ذلک، لکن کلّ ذلک یتمّ بطریقته الخاصة وحسب ذوقه الخاصّ. فیکمّل القول فی المقامة الأزاذیة: «واحتضن عیاله وتأبّط أطفاله، وهویقول بصوت یدفع الضعف فی صدره والحَرَض فی ظهره. ویلی علی کفّین من سویق[4] أو شحمة تُضرَب بالدقیق أو قصعة تُملَأَ من خِردیق[5] یفثأ عنّا سطوات الریق[6] یقیمنا علی منهج الطریق یا رازق الثروة بعد الضیق سهِّل علی کفّ فتى لبیق ذی نسب فی مجده عریق یهدی إلینا قدم التوفیق ینقذ عیشی من ید الترنیق[7] قال عیسی بن هشام: فأخذتُ من الکیس أخذة ونِلتُه إیاها، فقال: یا من عنانی بجمیل برّه أَفْضِ إلى الله بحسن سرّه واستحفظِ اللهَ جمیل ستره إن کان لا طاقة لی بشکره فالله ربّی من وراء أجره» (المصدر نفسه: 11-12) «قال عیسی بن هشام: فقلتُ له إنّ فی الکیس فضلا، فابرُزْ عن باطنک، أَخرجْ إلیک عن آخره؛ فأماط لثامه فإذا والله شیخنا أبوالفتح الإسکندری، فقلتُ: ویحک، أیُّ داهیة أنتَ، فقال: فقَضِّ العمر تشبیها علی الناس وتمویها أری الأیام لاتبقی علی حال فأحکیها فیوما شرُّها فیَّ ویوما شِرَّتی[8] فیها» (المصدر السابق: 12-13) تُعَدّ طبیعة العلاقة بین عیسی والإسکندری أهمّ العناصر الفاعلة فی رسم صورة الإسکندری، تلک العلاقة یمکن مع قلیل من الاختزال اعتبارها علاقة الباحث بالهدف؛ عیسی یحدِّد غایته فی المقامات بالأدب وفنونه، بینما یمثِّل الإسکندری ذروة المتاح له ویقوم من خلال استعراض قدرته البیانیة بالاحتیال علی الناس. فقدرته الأدبیة وتلوّنه شکلا وموضوعا یمثِّلان صورة الإسکندری فی فضاء المقامات. النتیجة من النتائج التی توصّلتْ إلیه المقالة: 1. إنّ الخطّة الرئیسة التی تبرّر دخول المقامات فی أنواع الخطابات هی اللقاءات المتکرّرة بین الراوی عیسی بن هشام والبطل أبی الفتح الإسکندری، الاستطرادات الخطابیة التی تلفت النظر إلى الخطاب. فالراوی هو الذی یبحث عن الأدب وهو العارف بمهمة حکایة الأحداث والمواقف المسرودة، فیواجه البطل وهو شحّاذ محتال یملک جوامع الکلم من شعر ونثر، والخطاب تعبیر عن قدرته البیانیة وشخصیته المتغیرة حسب الأحداث. 2. إنّ نوعیة خطاب الشخصیات الرئیسة فی المقامة هی نتیجة تفاعلهم مع الأحداث الموجودة التی یعیشونها، مما یؤدّی إلى ردود أفعال ملموسة من صورة الشخصیات من بدایة المقامة إلى نهایتها؛ فالفقر، والحرمان، وکثرة العیال، والأوضاع المعیشیة السائدة آنذاک قد صوّر فی شخصیة الأبطال نوعا من الحرکیة سعیا إلى تغییر الوضع الدنیء الذی وصلوا إلیها؛ وتبدو ملامح هذه الحرکیة فی خطاب الأبطال وعن طرق مختلفة، کالسعی والترحال الذی أکسب شخصیة الإسکندری ثروة من المعارف والمهارات والمال. 3. إنّ البحث فی الخطاب الأدبی وصلته بالنقد استحوذ علی اهتمامات دارسی اللغة والأدب منذ منتصف القرن العشرین، بفضل ما قدمته الحقول المعرفیة الجدیدة کاللسانیات والأسلوبیة والسیمیائیة من مصطلحات وأدوات إجرائیة، أسهمت فی مقاربة الأثر الأدبی بعیدا عن المقولات النقدیة التی کانت مستعارة من کل الحقول إلا حقل الأدب؛ یوجه البطل الإسکندری خطابه إلى المخاطبین لیدغدغ مشاعرهم وأحاسیسهم، إنّه هو المرسِل (المبدع) ویحاول إسماع المرسَل إلیه (المخاطب أو المتلقّی) بواسطة الرسالة (الخطابة أو النص)؛ فهو یحسن التصرف فی قوله. فتارة یرفع به صوته وتارة یخفضه، وتارة یثقلُه؛ أمّا المتلقّی فمن الواجب أن یستعطفَ ویستمال إلیه، لینصرف إلى تصدیق المبدِع، فإمّا یتأثّر ویمیل نحوه. فالخطاب کالسحر یمارسه على المتلقّین مستعینا بالسجع والتناغم الموسیقی للألفاظ والقدرة علی اللغة. ومن خلال هذا الخطاب الأدبی یکثّف الجناس وغریب اللغة وقرض الشعر بطرافة الحیل، مرتدیا حلّة من الظرف والفکاهة ومستخفّا بالقیم الأخلاقیة کی لایدرک المتلقّی الخدعة؛ بید أنّ الراوی عیسی بن هشام هو الذی یسعی إلى الکشف عن حیله وإشهاره للمتلقّین. | ||
مراجع | ||
إلیاس انطون، إلیاس. 1972م. قاموس إلیاس العصری. لاط. بیروت: دار الجلیل. بکر، أیمن. 1988م. السرد فی مقامات الهمذانی. القاهرة: الهیئة المصریة العامّة للکتاب. بندحدو، رشید. 1994م(یولیو/ سبتمبر – أکتوبر / سبتمبر). العلاقة بین القارئ والنص فی التفکیر الأدبی المعاصر. مجلة عالم الفکر. م 23. العددان الأول والثانی. دی بوجراند، روبرت. 1998م. النص والخطاب والإجراء. ترجمة تمام حسان، الطبعة الأولی. عالم الکتب. السعافین، إبراهیم. 1987م. أصول المقامات. ط1. بیروت: دار المناهل. ضیف، شوقی. لاتا. المقامة. ط5. مصر: دار المعارف. عیاشی، منذر. 1990م. مقالات فی الأسلوبیة. لاط. سوریا: اتحاد الکتاب العرب. عیاشی، منذر. 2002م. الأسلوبیة وتحلیل الخطاب. ط1. سوریا: مرکز الإنماء الحضاری. عبد المطلب، محمد. 1994م. البلاغة والأسلوبیة. ط1. مصر: الشرکة المصریة العالمیة للنشر. الغذامی، عبدالله. 1988م. الخطیئة والتکفیر. ط4. القاهرة: الهیئة المصریة العامّة للکتاب. فضل، صلاح. 1978م. بلاغة الخطاب وعلم النص. لاط. الکویت: عالم المعرفة. المجلس الوطنی للثقافة والفنون والآداب کریستیفا، جولیا. 1991م. علم النص. ترجمة فرید الزاهی. ط1. المغرب: الدار البیضاء. الکعبی، ضیاء. 2005م، السرد العربی القدیم. الأنساق الثقافیة وإشکالیات التأویل. ط1. بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر. کلیطو، عبد الفتاح. 1982م. الأدب والغرابة. لاط. بیروت: دار الطلیعة للطباعة والنشر. مالطی، فدوی. 1985م. بناء النص التراثی. ط1. القاهرة: الهیئة المصریة العامة للکتاب. المسدی، عبد السلام. 1982م. الأسلوبیة والأسلوب. ط2. تونس: الدار العربیة للکتّاب. مسعود جبران، محمد. 2004م. فنون النثر الأدبی فی آثار لسان الدین بن الخطیب. المجلدان. ط1. بیروت: دار المدار الإسلامی. المقدسی، أنیس. 1989م. تطور الأسالیب النثریة. لاط. بیروت: دار العلم للملایین. الهمذانی، بدیع الزمان. 2002م. مقامات. شرح محمد عبده. ط10. بیروت: دار المشرق. وهبة، مجدی؛ والمهندس کامل. 1984م: معجم المصطلحات فی اللغة والأدب. ط2. بیروت: مکتبة لبنان. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 2,014 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 8,363 |