تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,800,509 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,313 |
دراسة الأفکار الشکلانیة لمنظری التراث الإسلامی والفلاسفة الغربیین؛ مقدمة الباب الثالث من بوستان سعدی: فی العشق، والثمالة، والشغف نموذجاً | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 2، دوره 6، شماره 22، آذر 1437، صفحه 51-31 اصل مقاله (214.06 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
علی کنجیان خناری* 1؛ قاسم عزیزی مراد2 | ||
1أستاذ مشارک بجامعة العلامة الطباطبائی، طهران، إیران | ||
2طالب دکتوراه بجامعة العلامة الطباطبائی، طهران، إیران | ||
چکیده | ||
القراءة الشکلانیة، تیار ظهر بین النقاد المسلمین منذ وقت طویل، وحظی بانعکاس أبرز فی الفترة المعاصرة تحت عنوان "الشکلانیة". إن هذه النظرة إلى النص، تقوم بدارسته کتحدیث لغوی فقط. یرى الشکلانیون أن النص الأدبی یحتوی على عنصر أساسی یسمى أدبیة النص، حیث یمکن للأدیب أن یبلغ هذا العنصر باللجوء إلى آلیات مختلفة ومتنوعة، مما یجعل النص یتمتع بالعدید من سمات التمیز اللغوی والفنی الخاص. ومن هذا المنطلق، سوف نقوم فی هذه المقالة بدراسة الأفکار الشکلانیة لمنظری التراث والفلاسفة الغربیین ومن ثمّ التطرق إلی قراءة شکلانیة لمقدمة الباب الثالث من بوستان سعدی (دیوان سعدی)، لکی نثبت فی النهایة أن الأدیب عمد فی هذه المقدمة إلى مختلف الآلیات الشکلانیة لکی یکون لنصه التأثیر الأکبر على القارئ، بحیث یدفعه إلى التفکیر فی مختلف طیات النص. إن التباین والتوتر الموجودین فی هذه المقدمة، هو فی الحقیقة العنصر الأصلی للفن والذی قام الشاعر الأدیب باستعماله بشکل خفی. | ||
کلیدواژهها | ||
الشکلانیة؛ بوستان؛ الباب الثالث؛ الأدبیة | ||
اصل مقاله | ||
کل ما أقوله، سبقنی إلیه من جاؤوا قبلی/ والجمیع قطف ثمار حدائق العلم یعتبر هذا البیت من أهم أسس المدرسة الشکلانیة حیث یذعن بأن المعنى والمفهوم فی الأدب لا یتمتعان بمنزلة خاصة. إن ما تسعى إلیه المدرسة الشکلانیة فی النص هو أن یعتبر الشکل غایة التحدیث فی النص الأدبی. ولأجل الوصول إلى الشکل الخاص والممیز فی الأدب، فإن أنصار هذه المدرسة یهتمون بأدبیة النص ویبحثون عن الآلیات التی تتحقق بها هذه الأدبیة لکی یتمتع النص بمنتهى التحدیث من حیث الشکل، کما یعترفون فی المقابل بأن اهتمامهم بالشکل لا یعنی تجاهل المعنى، لأنهم یعتبرون المعنى نوعاً آخر من الأشکال. ویجزم هؤلاء بعدم وجود أی انفصال بین المعنى والشکل وهذا هو الأمر ذاته الذی اهتم به نقادنا القدماء غایة الاهتمام. سوف نتطرق فی هذه المقالة إلى تقدیم قراءة جدیدة لمقدمة الباب الثالث لبوستان سعدی (فی الحب والثمالة والشغف) ترتکز إلى وجهات نظر النقاد المعاصرین وتعتمد على آراء وأفکار نقاد مثل الجاحظ وعبد القاهر الجرجانی وقدامة بن جعفر وأبو هلال العسکری، آخذین بعین الاعتبار وجهات نظر فلاسفة مثل کانت وهیغل وتوماس آکویناس. یستعین الشاعر سعدی الشیرازی فی هذه المقدمة بآلیات فنیة خاصة وممیزة تضفی على النص قابلیة النقد الشکلی أو القراءة الشکلانیة. سوف نقوم فی هذه المقالة بالإشارة إلى الأسس النظریة لهذه المدرسة ضمن أطر محددة ومعینة ثم سنتطرق بعد ذلک إلى تحلیل هذه المقدمة بناءً على هذه الأطر، وفی النهایة سنثبت أن هذا النص یتمتع بمنتهى الانسجام والجوانب اللغویة والفنیة البارزة، وسوف نتحدث کذلک فی صلب هذه المقالة بالتفصیل عن هذا الانسجام وکذلک عن الجوانب اللغویة والفنیة البارزة. ألف العدید من الکتب فی الأدب وفلسفة الفن ضمن إطار الأسس النظریة فیما یتعلق بهذا المنهج والقراءة النصیة، ومن بین أهم هذه الکتب یمکننا الإشارة إلى: کتابی "الحقیقة والجمال" و"بنیة النص وتأویله" من تألیف بابک أحمدی، کتاب "من علم اللغة إلى الأدب" من تألیف کوروش صفوی، کتاب "قضایا شعریة" من تألیف رومان یاکوبسن، کتاب "الشعریة" من تألیف تزفیتان تودوروف، وکتاب "الشعریة" من تألیف أدونیس. ومن بین الکتب التی أشارت إلى الأسس النظریة وتطرق فیها کتابها إلى تحلیل هذه الأسس فی القصائد، یمکننا أن نشیر إلى کتاب "قیامة الکلمات" من تألیف محمدرضا شفیعی کدکنی، "خطاب النقد" من تألیف حسین باینده، "نظام الصورة" من تألیف سهراب طاووسی وغیرهم. وتکمن أهمیة هذا الموضوع فی أن نوع النظرة إلى النص یؤدی إلى عدم فرضنا لأی شیء على النص سوى المقصود منه وبذلک نتمکن من تقدیم قراءة لما بین سطوره تطابق النص بشکل أکبر ولیس ما یوجد فی ذهن المتلقی وذلک دون تقدیم تصور نفسی حول شخصیة المؤلف. لقد تمکنا فی نهایة البحث من الإجابة على الأسئلة التالیة: هل للأفکار الشلکیة المطروحة فی المدراس الأدبیة الحدیثة جذور فی أفکار منظری التراث الإسلامی؟ ما هی أهم العناصر والآلیات الفنیة التی تؤدی إلى إبراز جمالیة اللغة الأدبیة؟ هل یمکننا اعتبار هذه المقدمة بنیة شکلیة ممیزة للتمهید بشکل مناسب لأجل الدخول إلى النص بشکل کامل؟ ما هی الأسالیب التی استعان بها سعدی فی هذه المقدمة لأجل أدبیة نصه وهل تکمن أدبیة هذه المقدمة فی أسلوب التعبیر عنها أو فی معانیها الجمیلة وهل یکمن جمال المقدمة فی معانیها أم فی کیفیة تصویر هذه المعانی؟
التراث والنقد الشکلانی نحن نعتقد عادة بأن المحتوى بمثابة شیء بنیوی ومستقل وعلى العکس فإن الشکل شیء عرضی وتابع، أما الآن فعلینا أن نلاحظ فی الحقیقة أن کلاً من المحتوى والشکل بنیوی بنفس المقدار. وعلى کل حال، فإن المحتوى الذی یخلو من الصورة، عدیم کالمادة التی تخلو من الشکل. ویکمن وجه التمایز بین کل من المحتوى والمادة فی أن المادة ورغم أنها لا تخلو من الشکل، لکنها لا تهتم به، بینما یستمد المحتوى ماهیته من الشکل المتکامل الموجود فیه. ومع ذلک، فإن الشکل یظهر أمامنا کوجود لا یهتم بالمحتوى مستقل عنه. إن هذا التوجه إلى الفن، هو ذاته التوجه السائد بین نقادنا القدماء، حیث أکدوا علیه کثیراً ورغم أن مصطلح النقد الشکلی لم یکن موجوداً بینهم بشکل کامل لکنهم کانوا یستعملون مصطلحات فی علم البلاغة والنقد والمعنى تبین هذا التوجه فی الأدب. ویبین عبدالقاهر الجرجانی من علماء القرن الخامس نظریته المعروفة بنظریة النظم، فیعتبر بذلک من أبرز الذین تطرقوا إلى التنظیر فی هذا المجال، حیث تمکن بهذه النظریة من التعبیر عن قضایا یدور حولها الجهاز الأساسی للنقد الشکلی الآن؛ ولذلک یمکننا أن نعتبر هذه النظریة ذات منزلة رفیعة المستوى فی الأدب والنقد. ولقد توصل الجرجانی بشکل أکثر عمقاً قبل الشکلیین المعاصرین إلى النتیجة التی تقضی بأن ترتیب الألفاظ فی العبارات ومن ثم ترتیب الجمل فی الکلام یتبع نظماً هو ذاته ترتیب المعانی فی ذهن المؤلف، ویتمکن الأدیب عن طریق هذا النظم الظاهری أن یبین ترتیب المعانی بشکل واضح. لا یعتبر الجرجانی وجود أی انفصال بین الألفاظ والمعانی. ومن الجدیر بنا هنا أن نشیر إلى نظریته بشکل موجز. عبد القادر الجرجانی ونظریة النظم فی الأدب أنهت نظریة النظم مسیرة الکثیر من المفاهیم الخاطئة التی کانت قد ألقت بظلالها على الفکر النقدی والبلاغة قبل الجرجانی، وأضافت مفاهیم أساسیة إلى الفکر البلاغی. تعتبر هذه النظریة أهم النظریات فی باب نقد النصوص وخاصة فی التعبیر عن إعجاز النص القرآنی وآفاقه. لقد تطرق الجرجانی فی التعبیر عن هذا البحث إلى قضایا سنشیر هنا إلى البعض منها:
ویذعن عبد القاهر فی کتابه "دلائل الإعجاز" أن هناک اختلافاً واسعاً بین أن ننسب الجمال للألفاظ المفردة وأن نعتبر جمال الکلام تابعاً للنظم الحاصل عن الألفاظ. لقد أشار عبد القاهر الجرجانی إلى هذه القضیة مرات عدیدة فی کتابه وحاول أن یعبر عنها بوضوح، فأشار إلى نماذج من القصائد العربیة واستنتج أن الأدیب المبدع یصل إلى نظم محدد عبر توزیع الکلمات، مما یعبر فی الواقع عن المشاعر والحالات الباطنیة له تجاه کل شیء خارجی فی إطار الکلمات والمفردات. یعتقد عبد القاهر الجرجانی أن الأدیب المبدع لا یسعى إلى التزیین والزخرفة بل یهدف إلى التعبیر عن مشاعره الخاصة بالشکل الأدبی ضمن إطار مترابط یشبه النسیج البنیوی. ولذلک لا یهتم عبد القاهر بالبدیع فی نصوصه الأدبیة، بل إن ما یحظى بأهمیة کبیرة لدیه هو کیفیة معالجة البدیع فی النسیج النصی المطلوب. (الجرجانی، 1422ق: 77-85) ونظراً للمنهج الذی یلجأ إلیه عبد القاهر الجرجانی فی التمییز بین الصور البلاغیة وکیفیة معالجتها، نلاحظ أنه یمیز بین الجدید والظاهر الجدید والحداثة والموضة والإبداع والبدعة. ویأتی الجرجانی بنماذج وأمثلة عن التمییز بین اللغة العادیة والیومیة - أو کما یصطلح علیه الشکلیون المعاصرون، اللغة الأتوماتیکیة – واللغة الأدبیة ویشیر بشکل واضح وکامل إلى الحدود الموجودة بینها. ومن هذا المنطلق، فقد حاولنا أن نتبع هذا العالم الکبیر فی تقدیم بعض النماذج والأمثلة التی تساعدنا على فهم هذه النظریة أکثر: المثال الأول: اشتعل شیب الرأس المثال الثانی: اشتعل الرأس شیباً وکما نرى فی المثال الأول فإن الفعل مسند بشکل صریح إلى الشیب وتبین الجملة الأولى معنى أن فلاناً أصبح عجوزاً ولا یحتاج القارئ والمتلقی فی هذه الجملة إلا إلى معرفة اللغة الیومیة العادیة لأجل معالجة معنى النموذج الأول، أما فی النموذج الثانی فإن الفعل یعود إلى الرأس وبمجرد أن یواجه القارئ هذه الجملة فسوف یشعر بروعتها من قمة رأسه إلى أخمص قدمیه ویغوص فی أعماق التفکیر حول کیفیة حدوث هذا الأمر وکیفیة اشتعال الرأس شیباً. وبعد البحث والتمحیص یصل إلى الجزء الثانی من العبارة ویدرک أن سبب هذا الاشتعال هو الشیب الذی غزا شعر الرأس. ومن الجوانب الجمیلة للنموذج الثانی یمکننا أن نشیر إلى أن الفعل أسند إلى الرأس بأکمله مما یبین أن الشیب غزا أنحاء الرأس واستقر فیه بحیث یبدو أنه لم تعد هناک أیة آثار للسواد فیه. لکن فی النموذج الأول، نلاحظ بوضوح أن صاحب الکلام قد أسند الشیب إلى الفعل فحسب. هذان العنصران (التساؤل والتعجب) اللذان یواجههما القارئ فی قراءة النموذج الثانی هما عبارة عن هدف سعى الأدیب لتحقیقهما. یتحقق هذان العنصران عن طریق کیفیة التعبیر والشکل الأدبی المحدد، ویکون لهما منتهى التأثیر على القارئ وهذا التأثیر هو هدف الأدیب المبدع ولیس الصور البلاغیة. نستنتج من نظریة عبد القاهر الجرجانی أن هدف الأدب فی المرحلة الأخیرة هو منتهى التأثیر عن طریق أسلوب التعبیر وتقدیم أشکال جدیدة وخاصة. سنتطرق هنا إلى ناقد آخر قدیم فی مجال النقد الشعری: أبوهلال العسکری، من الشکل إلى المعنى أبوهلال العسکری من النقاد الکبار فی مجال الأدب والشعر فی اللغة العربیة. یعتقد أبوهلال العسکری أن جمال النص وحسنه یکمن فی نظم مفرداته ولیس فی معانیها. یعتقد هذا العالم والناقد الکبیر فی الواقع أن المدار الرئیسی للجمال فی کل نص یتمحور حول النظم والأسلوب التعبیری ولا یقیم أی اعتبار لترتیب أو عدم ترتیب المعنى. کما یرى العسکری فی کتابه المعروف "الصناعتین" أن العدید من الأشکال الأدبیة لا تبحث عن خلق علاقة وإدراک سطحی، لأن کیفیة عدم انتظام المفردات قد تجعل العامة یتلقون معان قیمة وثمینة ومرتبة. ویبین العسکری أن الهدف من الأشکال الأدبیة التی یمکننا اعتبار صاحبها أدیباً، هو تقدیم بنیة شکلیة رائعة. (العسکری، 1971م: 64) ولذلک فإن أبا هلال العسکری لا یقصد من استعماله واستعانته بالأشکال الأدبیة فهم المعنى فحسب، بل یهدف کذلک من هذه الأشکال الأدبیة إلى تأثیر المعنى على القارئ عن طریق کیفیة وضع کل کلمة فی المکان المناسب. ویجب علینا هنا أن نأخذ بعین الاعتبار أن کلام العسکری هذا لا یعنی إفساد المعنى، بل هو عبارة عن عنصر یحدد المعنى ویشیر إلیه. ومن البحوث الأخرى التی یشیر إلیها هذا الناقد المعروف أن المستوى الصعب وعدم وضوح المعنى عنصر آخر من عناصر الأنواع الأدبیة ویبین فی کتاب الصناعتین أن کل بنیة ذات مفردات سهلة ومعان واضحة هی من العبارات السخیفة والوضیعة. (العسکری، 1971م: 70) هذه هی القضیة ذاتها التی یشیر إلیها عبدالقاهر بصراحة کما لاحظنا فی النموذج الثانی من التحلیل الناجم عن نظریة عبدالقاهر الجرجانی، حیث وجد عنصرا التعجب والتأثیر عن طریق التساؤل والبحث. والتساؤل والبحث موجودان فی النص الذی لا یتوصل القارئ إلى معناه بسهولة. وفی هذه الحالة علینا أن نتجنب شبهة خطیرة یقع فیها عادة قراء الأدبیات، وهی الفرق بین الغموض والالتباس فی النص الأدبی. ونقصد بمستوى الصعوبة فی الأشکال الأدبیة ظاهرة الغموض ولیس الالتباس؛ فظاهرة الغموض فی الشعر مستحبة ومحمودة والغموض فضلاً عن ذلک مجموعة کاملة من الأوصاف المحمودة، لأن الغموض فی النص الأدبی خاصیة من خواص طبیعة الفکر الشعری ولیس خاصیة من خواص کیفیة التعبیر الشعری؛ ولهذا السبب یرتبط أکثر بجوهر الشعر والینابیع التی یتفجر منها. (اسماعیل، لاتا، ص 190) إن الغموض فی الواقع لا یعنی أن یکون النص الأدبی غیر مفهوم، بل یعنی أنه یتجاوز مستوى العلاقات الطبیعیة وغیر المألوفة. وهنا کذلک ینبغی علینا أن نتجنب الوقوع فی شبهة خطیرة وهی أن الوضوح فی الشعر الوصفی والقصصی والعاطفی أمر محمود لأن هذه الأشکال تهدف إلى التعبیر عن أفکار معینة ومحدودة، لکن هذا الهدف لیس ذات قیمة فی الشعر الحقیقی لأن الأدب الحدیث لا یبدأ بفکرة واضحة، بل یسیر فی حالة لا یعتبر فیها نفسه تابعاً للموضوع والفکر والأیدیولوجیا، وفی هذه الحالة یکون حدس الأدیب بمثابة الرؤیا والفعالیة والحرکیة التی ترشده وتهدیه. ویمثل الحدس فی تجربة الأدیب الحدیث اهتمامه بالبحث والاکتشاف ولیس بالزخرفة والبدیع وهو ما یقود الأدیب فی کافة الأنحاء وحتى یبلغ به الضفاف ویغیر علاقته باللغة التی لن تکون بعد ذلک وسیلة لإیجاد العلاقة المألوفة بینه وبین الآخرین، بل وسیلة لتوطید العلاقة بین أعماق الشاعر والآفاق التی یتطلع إلیها، وهذه الآفاق الخاصة بالأدیب معروفة بالنسبة للقارئ ومجهولة فی الوقت ذاته. (زیادی، 2001م: 275-276) إذن یمکننا القول فی هذه الحالة إن ما ینقله عزیز الله زیادی عن أدونیس، الأدیب الکبیر، یتفق مع آراء وأفکار أبی هلال العسکری وعبد القاهر الجرجانی؛ لأن جمیع هؤلاء النقاد یأخذون بعین الاعتبار مبدأً أساسیاً للنقد الأدبی ألا وهو التمییز بین هدف اللغة الدارجة واللغة الأدبیة أو ما یصطلح علیه الشکلیون المعاصرون: اللغة الأتوماتیکیة واللغة الأدبیة. وتحظى اللغة من وجهة هؤلاء فی الحقیقة بأهمیة بالغة، ویمکننا أن نقول باختصار إن لغة النص الأدبی لغة تعبر عن المفاهیم التی تعجز اللغة الدارجة عن التعبیر عنها أو لم تعتد على التعبیر عنها. وکما لاحظنا فی تحلیل النموذج الثانی، نستنتج أن هذا النموذج یساعدنا على فهم معان لا یمکننا فهمها والوصول إلیها أبداً فی النموذج الأول. ویمکننا أن ننسب هذه القدرة إلى النماذج اللغویة وکیفیة ترتیب ونظم المفردات فیها. أما فیما یتعلق بمعالجة وجهات نظر وأفکار النقاد القدماء، فیمکننا القول بأن جمیع وجهات نظرهم تندرج فی باب الشکل والنظام والبنیة الخاصة بالجملة وعدم الاهتمام بالمحتوى والمضمون؛ وإذا کان شخص مثل ابن طباطبا فی کتاب "عیار الشعر" یتحدث عن المضمون والمعنى والسیاق الطبیعی أو غیر الطبیعی له، لکنه لم یکن یعتمد علیه فی مواجهة أفکار الشکلیین. ولا یتسع مجال البحث هنا للتعبیر عن أفکار کل من الشکلیین بشکل کامل، ولأجل مزید من الآفاق لسائر الباحثین حول هذا الموضوع، سوف نشیر إلى أسماء الناقدین وکتبهم: کتاب المثل السائر من تألیف ابن الأثیر (555-630)، کتاب العمدة من تألیف ابن رشیق (456م)، الموازنة بین الطائیین من تألیف الآمدی (370م)، کتاب البدیع من تألیف ابن المعتز (296م)، کتاب نقد الشعر من تألیف قدامة بن جعفر (337م)، کتاب الشعر والشعراء من تألیف ابن قتیبة (276- 213)، کتاب البیان والتبیین من تألیف الجاحظ (160- 255). الفلاسفة الغربیون والأفکار الشکلانیة یعلق الفیثاغورثیون أهمیة کبیرة على الشکل والهیکل، لأنه وفقاً لما یزعمونه فإن طبیعة کل شیء هی النسبة المعینة لترکیب العناصر الخاصة بالشیء، وما یمیز الأشیاء عن بعضها البعض لیس نفس المادة التی تتکون منها، (الکلمات فی النص)، بل نسبة ترکیبها مع بعضها البعض، وهویة الشیء أمر هیکلی، ولیس مادیاً، واکتشاف القانون والهیکل یمکننا من أن نفهم طبیعة الظواهر بشکل کامل. (علایی، 2011م: 46) إذن فوفقاً لهذا الرأی الذی استمر فی المدرسة الشکلانیة، فلا یمکن اعتبار کلمات النص سر الإبداع فیه؛ لأن الکلمات تظهر ضمن إطار جدید فی کل زمن ومن الأفضل أن نتخلى عن هذه النظریة ونبحث عن سر الجمال فی الشکل وهیکل النص الأدبی. ویرجح أرسطو السبب الصوری والمادی على السبب الغائی والفاعلی، وبین المادة والصورة یرجح الصورة على المادة لأنه یعتبر المادة منفعلة. (نفس المصدر: 59) ولذلک فإن المادة (الکلمات) هی وجه الشبه بین النصوص الأدبیة، بینما تعتبر الصورة وجه التمایز بینها. وبتعبیر آخر، لأجل معرفة شیء ما یجب أن نغض النظر عن العنصر المکون له ونلتفت إلى الصورة التی یتجلى فیها هذا الشیء. ولذلک فإن نضج المحتوى مرهون بتجلی الصورة، وهذه هی ذاتها وجهة نظر الشکلیین. وهنا علینا أن ندرک أن الاهتمام بالصورة لا یضر بالمعنى ولا یفسده، لأن الصورة والهیکل شکل یضمن بقاء التأثیر والمحتوى. ومن هذا المنطلق، یطرح "کانت" الفیلسوف الغربی المعروف، مفاهیمه الجمالیة التی تتکون من عنصرین رئیسیین: 1- الأهمیة البالغة للشکل والهیکل فی النظام الفنی. 2- مستوى التفکیر فی الکشف عن هذا النوع من الجمال الفنی. فی الحقیقة، إن ما یجعل العمل الأدبی أو الفنی لدى کانت جمیلاً هو التصمیم والشکل. وهکذا، یطرح کانت نوعین من الجمال فی الأعمال الفنیة: أحدها الجمال الذوقی والآخر جمال التفکیر. ویبین فی نقد الجمال الذوقی أن الشعور یتعرض للخداع فی هذا النوع من الجمال، لکن القوى المختلفة فی جمال التفکیر تعمل سویة. (جیمنس، 2011م، 117-143) إذا تأملنا قلیلاً فی هذین العنصرین من المناهج الرئیسیة للجمال لدى کانت، فیمکننا القول إن مستوى الصعوبة - والذی أشرنا إلیه مسبقاً - هو ما یرکز کانت علیه ویستعمله بمصطلح ذوق التأمل. ومن هذا المنطلق، یعتقد هیغل أن أعلى درجات الفن تکمن فی الاقتراب من الفکر. (علایی، 2011م: 27) ومن جهة أخرى، یعتقد کانت فی الحکم على الوجه الجمالی للأعمال الفنیة أن قیمة المحتوى أو خروجه عن المألوف لا تقدم للمنتقد أی هیکل. ویذعن فی هذا الشأن: یجب أن نقبل جمیعنا بأن الحکم فی باب جمال شیء ما إذا کان یشوبه نفع أو مصلحة، فهو حکم متعصب وخال من النقاوة وممزوج بالتحامل. (علایی، 2011م: 18) ویعلق کانت على کلامه قائلاً بأن الغائیة الخالیة من المصلحة مبدأ رئیسی فی جهاز الجمالیة ویبین أن الفن والأدب یوحدان الأضداد التی لا تقبل الاجتماع إلا فی الفن. (نفس المصدر: 19-20) ولذلک یرى فلاسفة الغرب أن أسلوب التعبیر بشکل عام والذی یمنح العمل الفنی هیکله وشکله، عامل مهم فی بقاء العمل الفنی وتقییمه وخاصة إذا أخذنا بعین الاعتبار بأن المضامین أو مواضیع الفن معدودة ولا یمکنها أن تعثر لنفسها على مکان فی الذهن إلا عن طریق التحدیث المؤثر والفعال. ویبین صامویل تیلر کالریج (1772 – 1834م) فی هذا الشأن: فی نص أدبی متکامل، تقوم الأجزاء بحمایة بعضها البعض والتعبیر عن بعضها البعض، جمیعها تتناسق مع بعضها البعض ومع المقصود وتساعد على تقویة الهدف. (غرین، 1997م: 81) ویرى هیغل کذلک فی المجال ذاته أن الهدف من العمل موجود فیه ویبین بشکل واضح أن هدف الأثر لیس المنفعة. (علایی، 2011م: 28) نلاحظ من خلال نظریة هیغل تأثره بکانت حیث یعتقد أنه لا یمکن تفسیر العمل والنص الأدبی بالآلیات والأسالیب الخارجیة، لأن کلاً منهما یعتقد بأن للنص غایة فی نفسه ولا یتبع نظریة المصلحة. ویعتبر هیغل کذلک أن التوازن موجود بین الصورة والمحتوى (نفس المصدر: 30) وهی ذاتها نظریة عدم استقلال اللفظ والمعنى لدى عبد القاهر الجرجانی. ولذلک نستنتج من هذه الأفکار ووجهات النظر أن جاذبیة الأعمال الفنیة تنشأ عن هیکلها ونظریة الشکل والصورة طالما کانت ذات جاذبیة وتعقید بالنسبة لمفکرین وفلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو وأغوستین وتوماس أکویناس وهیغل وغیرهم. وأخیراً یمکننا أن نستنتج من أفکار هؤلاء الفلاسفة أن وجه التمایز بین الأعمال الأدبیة یکمن فیما یلی:
النقد الشکلی فی المرحلة المعاصرة
النقد الشکلی کما هو واضح من اسمه، یهدف بشکل رئیسی إلى الکشف عن الشکل فی العمل الأدبی. فی هذا الأسلوب، یفترض العمل الأدبی قائماً بذاته وبالتالی فإن الجوانب غیر الأدبیة مثل حیاة الأدیب والمرحلة التی عاش فیها والمفاهیم الاجتماعیة والسیاسیة لا تحظى بأیة أهمیة، بینما لا تتمثل الأهمیة للناقد الشکلی إلا فی ماهیة العمل الأدبی وشکله وتأثیره وکیفیة حصول هذا التأثیر والشکل وکافة الأجوبة المرتبطة بهذه الأسئلة یجب أن تخرج من النص ذاته. وتعتبر هذه المدرسة فی الحقیقة أن الکشف عن هدفها الذی یتمثل فی أدبیة النص مرهون باستقلال النص وتعتقد بأن الشکل والنظم فی الأدب ینجمان عن اختلاف البشر. فی هذا النوع من القراءة، تبدأ القراءة الدقیقة بالحساسیة تجاه الکلمات وکافة القیم والمفاهیم الحقیقیة المتعلقة بها. إن معرفة المعانی المتعددة للکلمات وحتى جذورها وتاریخها یساعدنا فی مجال القراءة وعندما یتعرف القارئ على الکلمات واحدة تلو الأخرى، فسوف یبدأ بالبحث عن البنى والمفاهیم والعلاقات المتبادلة والمظهر المتضاد ویقیم بینها علاقة داخلیة ومعنویة ومنطقیة تطابق النص أکثر. إذا افترضنا أن المضامین والمفاهیم والمعانی تخدم الشکل والأسلوب والصورة، فإن هذا الفرض خاطئ وغیر معقول.
یتبع النقد الشکلی أسساً ومبادئ تؤدی فی نهایة المطاف إلى إبراز النص وتمیزه ومنحه إطاراً غیر مألوف. سوف نشیر فی هذه المقالة إلى الآلیات التی تؤدی إلى التعجب فی النص، وأثناء تحلیل الشعر سوف نستعین بها بشکل مستمر: أ- التشکیلات المتناقضة: إن تنوع العناصر المتبادلة وکثرتها فی النص من وجهة نظر المدرسة الشکلانیة أمر هام لأن الأدیب یتمکن من خلالها من التعبیر عن المفاهیم التی لا یمکن التعبیر عنها بالاستعانة باللغة الیومیة، أو لا یمکن لها أن تقنع القارئ والمتلقی ضمن إطار اللغة الاتوماتیکیة. (شفیعی کدکنی، 2010م: 36-38) ب- یعتبر عنصر الالتفات من العناصر التی تدفع بالقارئ إلى التساؤل والتعجب أثناء قراءة النص وتحرضه بذلک على العثور على إجابة لهذه التساؤلات عن طریق البحث والتحقیق فی ذهنه ویعتبر هذا البحث والتحقیق والتأمل هو الهدف الأسمى للفن. وکان هذا العنصر یتمتع بمنزلة خاصة بین نقادنا القدماء حیث تحدثوا عنه بشکل مفصل فی کافة الکتب البلاغیة للمسلمین. فی مجال الأدب الفارسی، یعتبر الدکتور تقی بور نامداریان من الأدباء الذین نلاحظ انعکاس عنصر الالتفات فی أعماله بشکل کبیر. یعتبر الدکتور تقی بور نامداریان أن الالتفات من أهم الأسالیب فی مجال إبراز جمالیة النص. (بورنامداریان، 2003م: 205) ت- الانسجام: وهو عبارة عن الوحدة التی تجمع بین الأجزاء الموجودة فی مجموعة واحدة. إن الانسجام فی الحقیقة هو النظم أو الترکیب النحوی الذی یؤدی إلى توحید الأضداد والعناصر المتقابلة فی ظل وحدة النص ویعتبر من عوامل تعقید النص الأدبی ویعتبر هذا من أهم الأسس لدى النقاد الشکلیین والتی تؤدی إلى إبراز جمالیة النص. ث- الاستلزام (الاستتباع المنطقی أو التضمین): الاستلزام عبارة عن نظریة تحظى بمنزلة خاصة فی أدبیة النص. تعتبر هذه النظریة أکثر وسعاً وعمقاً من نظریة الانسجام وهی تبین الحقیقة فی النص، أی أن لکل جزء من الکلمات لزومیة حقیقیة وعدم وجود الاستلزام فی النص بمثابة عدم وجود حقیقة للعناصر المرتبطة فی النص[1]. ج- سیطرة الدور الأدبی للغة: یعتبر یاکوبسن من رواد المدرسة الشکلانیة ویعتقد أن هناک ستة أدوار للغة، کما یرى أن کلاً من هذه الأدوار یمکنه له أن یکون فعالاً، لکن الدور الذی یسیطر على کافة الأدوار هو الدور الأدبی للغة. (یاکوبسن، 1988م: 28) یعتقد یاکوبسن أن سیطرة الدور الأدبی للغة فی هذا النوع من النصوص یعنی أن اللغة فی الأدب لیست وسیلة بل هدفاً نهائیاً بحد ذاتها وهذا هو ما یتحدث عنه الدکتور شفیعی کدکنی فی کتاب موسیقا الشعر قائلاً: «الشعر حادثة تحدث فی اللغة، وفی الحقیقة، یقوم الشاعر بالقیام بعمل فی اللغة بالاستعانة بشعره.» (شفیعی کدکنی، 2010م: 3) وفی هذه الحالة یجب علینا أن نتجنب الوقوع فی شبهة خطیرة جداً ألا وهی أن الدکتور شفیعی کدکنی یقصد بالشعر النص الأدبی، لأن «کل کلام موزون لیس بالضرورة شعراً ولا یمکن لأی نثر أن یخلو من الشعر تماماً.» (أدونیس، 134) ح- زیادة الدلالات المحتملة فی ظل المفردات والتراکیب: المفردات والتراکیب فی النص الأدبی لا تقتصر على المعانی المحددة لها فی القاموس بل تخرج منها وتدخل إلى عالم الاحتمالات فی ظل المعنى الموجود لها فی القاموس. ویعتبر بابک أحمدی أن الهدف النهائی للشعر ورسالته تتمثل فی أعلى مستوى یمکن أن تبلغه معانی المفردات. ویعتقد کذلک بأن النص الأدبی یقوم بتخصیب دلالة الکلمات وقدرتها ضمن مجال التعبیر ولهذا السبب تعود إلیه قدرة اللغة بالکامل. (أحمدی، 2013م: 308 و307) وکما نلاحظ فإننا إذا توخینا القلیل من الدقة فسوف نکتشف أن نظریة زیادة الدلالات المحتملة تعتمد على الشکل لأن هذا الاحتمال وزیادة دائرة المعانی ناجمة عن کیفیة النظم والترتیب أو بتعبیر آخر أدبیة النص. وتعتبر الحالات المذکور أعلاه من الآلیات التی تؤدی إلى التعجیب فی النص الأدبی. هنالک العدید من الحالات التی تحظى بأهمیة کبیرة فی أدبیة النص، لکننا وحرصاً منا على أن لا یشعر القارئ بالملل من طول الإسهاب، فسوف نقوم بالإشارة إلیها إشارة عابرة وموجزة لندخل بعد ذلک إلى تحلیل النص: خ- الالتزام والتقید بمبدأ الاقتصاد اللغوی د- الإیجاز والحذف ذ- التقدیم والتأخیر ر- الاهتمام بالبنیة النحویة للغة القدیمة ز- التعبیر عن الوحدة بواسطة التضاد س- التعجیب على المستوى المعجمی والنحوی والصورة والمعنى ش- الصفة بدیلة الموصوف ص- تفکیک الترتیب والهیکل النحوی وفی الوقت ذاته الابتعاد عن الشذوذ فیها ض- الاهتمام بالآثار القدیمة للغة ط- الاهتمام بالإمکان الأدبی ولیس بالحقیقة الأدبیة ... إلخ التحلیل اللغوی لمقدمة الباب الثالث من بوستان سعدی تعتبر مقدمة الباب الثالث من بوستان سعدی نموذجاً جیداً للنقد بالمنهج الشکلی. فی هذه القطعة الشعریة، یستعین الشاعر سعدی بأسالیب تمنح مقدمته قابلیة النقد الشکلی، ومن هذه الأسالیب یمکننا الإشارة إلى التباین والتضاد، الغموض فی مرجع الضمائر وغیرها. نسعى فی هذه المقالة إلى التعبیر عن هذه الأسالیب التی استعان بها الشاعر فی شکل الشعر ودلالة هذه الأسالیب على المعانی التی لا یمکننا إدراکها فی اللغة الأتوماتیکیة: خوشا وقت شوریدگان غمش اگر زخم بینند وگر مرهمش - هنیئاً للعاشقین عندما یحزنون لفراقه، سواءً جرحهم أم کان مرهماً شافیاً لهم. گدایانی از پادشاهی نفور به امیدش اندر گدایی صبور - متسولون یبتعدون عن السلطنة ویصبرون علی الإملاق أملاً به. دمادم شراب الم در کشند وگر تلخ بینند دم در کشند - یرشفون من خمرة الألم تباعا وإذا تجرعوا المرّ کانوا راضین. بلای خمار است در عیش مل سلحدار خار است با شاه گل - کما أن الخمر لازم للطرب والسکر فإن الشوکة لازمة للوردة کسلاح. نه تلخ است صبری که بر یاد اوست که تلخی شکر باشد از دست دوست - لا مرارة للصبر فی سبیله کما أن المرارات من ید الحبیب کالسکّر فی الحلاوة. ملامت کشانند مستان یار سبک تر برد اشتر مست بار - إنهم یتحمّلون اللوم فهم سکاری فی حب الحبیب کما أن أحمال الجمل الثمل خفیفة. اسیرش نخواهد رهایی ز بند شکارش نجوید خلاص از کمند - إن أسیره لن یطلب الخلاص من الأسر کما لن تطلب طریدته النجاة من شِباکه. سلاطین عزلت گدایان حی منازل شناسان گم کرده پی - إنهم سلاطین العزلة متسولون یطلبون الخیر من عند الحی یدرکون أصلهم ویبحثون عن فطرتهم الضائعة. به سر وقتشان خلق کی ره برند که چون آب حیوان به ظلمت درند - أنی للخلق أن یدرکوا أسرارهم، وهم فی الظلمة مثل ماء الحیاة. چو بیت المقدس درون پرقباب رها کرده دیوار بیرون خراب - فمثلهم کمثل بیت المقدس متعدد القبب، ولکن حیطانه الخارجیة خربة. نه آتش به خود در زنند نه چون کرم پیله به خود برتنند - فهم لا یلقون بأنفسهم فی النار کما أنهم لیسوا کالدودة فی الشرانق. دلارام در بر دلارام جوی لب از تشنگی خشک بر طرف جوی - یبحثون عن المؤنس الحقیقی بینما المؤنس إلی جانبهم، فهم أصحاب شفاه عطشى إلی جانب الماء العذب فی الساقیة. نگویم که بر آب قادر نیند / که بر شاطی نیل مستسقیند - لا أقول أن الماء لیس فی متناول أیدیهم، لکنهم علی شاطئ النیل ولا تروی میاه النیل عطشهم. (سعدی، 2014م: 100) إذا أمعنا النظر قلیلاً فی هذه المقدمة فسوف نلاحظ بشکل جید أن بنیة هذا الشعر تعتمد على التباین والتوتر مما یذکرنا بکلام الفیلسوف کانت والذی أشرنا إلیه من قبل وهو أن الفن یعنی جمع الأضداد وتوحیدها. والعناصر الرئیسیة للتباین موجودة فی بنیة هذا الشعر حیث نلاحظ الحرکة الشغوفة للعاشقین للتمسک بأی شیء وفی الوقت ذاته سکونهم فی مقابل الذات الإلهیة. ویستمر هذا التباین حتى القطعة الأخیرة حیث یشیر الأدیب إلى التباین الموجود بالاستعانة بمختلف الأسالیب التی تتناقض فی ظاهر الأمر ویقنع القارئ فی النهایة بأن الأضداد فی هذا العالم (عالم العشق) متلازمة وتحفظ بعضها البعض. فی الحقیقة، إذا کان الخمر من مستلزمات الطرب والسکر فإن ألم الفراق لازم للنشاط والوصال. یستعین الأدیب فی هذه القطعة بأسالیب التوتر الموجودة بحیث تقوم بنى الشعر وأبیات القصیدة بحمایة بعضها البعض کما یستعین الشاعر بنظریة التمثیل المتکرر لأجل التعبیر عن مفهوم التباین المذکور والذی لا یمکن التعبیر عنه بأی شکل من الأشکال فی اللغة الأتوماتیکیة ولا یمکن له أن یقنع القارئ به ضمن إطار اللغة الیومیة، وإذا برزت من القارئ مخالفة فی قبول الأفکار المتباینة الموجودة فی البیت الأول أو الثانی، إلا أن التکرار بصور مختلفة فی الأبیات اللاحقة یدفعه إلى قبول هذه الأفکار. وکما یقول صامویل کالریج فإن الأجزاء المتضادة فی النص الأدبی المنتظم والمنسجم، تحمی بعضها البعض. ومن الأسالیب التی استعان بها الشاعر فی شکل النص الأدبی عنصر التعجیب حیث نلاحظه من عتبة العنوان وحتى نهایة القطعة الشعریة. إن عنوان "فی العشق والثمالة والشغف" یستعمل فی اللغة الیومیة على شکل "فی العشق والشغف والثمالة" لکن الشاعر یبتعد هنا عن اللغة الیومیة ویلجأ إلى الترتیب اللغوی رغم أن هذا اللجوء منه لیس نظریة الشذوذ ولا یجب أن یکون. إن هذا الشذوذ فی عتبة الدخول إلى النص الشعری یمثل حالة الاضطراب ذاتها للعاشقین والتی یحاول الشاعر التعبیر عنها فی مختلف أرجاء نصه الشعری. إن التعجیب فی أنحاء النص من أبرز سمات هذه القطعة، فعندما یواجه القارئ عبارات مثل «تلخی شکر باشد از دست دوست» و«لب از تشنگی خشک بر طرف جوی» وغیرها، یتساءل القارئ فی ذهنه کیف یمکن لهذه الأشیاء أن تکون موجودة؟ کیف یمکننی أن أصدق إمکانیة وجود الحلاوة المرة؟ والعشرات من الأسئلة من هذا النوع. لأجل الإجابة على هذا النوع من الأسئلة، یجب أن نهتم ببنیة الشکل وکیفیة حمایة الأبیات لبعضها البعض بحیث یعتمد الشاعر على آلیة التکرار لأجل إقناع القارئ. ومن الأشیاء التی تؤدی إلى التعجیب وأدبیة النص وغموض اللغة فی هذه القطعة الاستعانة بالضمائر دون الإشارة السابقة إلى مرجعها. نعرف جمیعاً أن الضمیر بدیل للاسم، ففی کلمات مثل "حزنه" و"مرهمه" و"أمله" وغیرها، لم یذکر الشاعر الاسم الذی ترتبط الضمائر به، وهذا ما یعتبر من الأسالیب التی تدفع المخاطب إلى البحث والتساؤل حیث یدرک فی البیت الثامن أن مرجع الضمائر هو الحی القیوم. یستعمل هذا النوع من الأسالیب فی التعجیب النصی حیث یقوم الأدیب فی البدایة باستعمال الضمیر بشکل غامض دون الإشارة إلى اسمه من قبل. ویکمن سبب هذا الشذوذ اللغوی فی قیام النص بإدخال عنصر الغموض بشکل عمدی فی ذهن القارئ لکی یتوصل فیما بعد إلى اکتشاف الاسم الذی یعود الضمیر إلیه بعد البحث والتساؤل. ولهذا النوع من التفسیر منتهى التأثیر فی أفکار المخاطب. ومن الأسالیب الأدبیة الأخرى فی النص یمکننا أن نذکر الاستعانة بأسلوب الاستفهام والتساؤل لأجل التعبیر عن القبول التلقائی للفکرة من قبل المخاطب. یستعین الأدیب فی البیت التاسع بالاستفهام بشکل لا یرحم المخاطب فیه ویضعه أمام تباینات ممکنة فی عالم النص متحدیاً إیاه کما یعلن عن عجزه وبمجرد قراءة القارئ للنص یعترف بأن هذا التباین ممکن وهذا هو الهدف السامی للفن حیث یمکننا الوصول إلیه عن طریق أسلوب التعبیر. وفی هذا الباب یعتقد الأدیب المعاصر أدونیس أن جوهر الخلق یکمن فی التباین والتضاد ولیس فی التماثل والتشابه، ومن هذا المنطلق یقاس غنى التراث الأدبی لکل شعب بنسبة هذا التباین الموجود فیه. (أدونیس، 2013م: 811) ویصدق أسلوب سعدی هذا علی صحة هذا الکلام حیث یعتبر الألم فی الحیاة الواقعیة والصبر على الصعاب واللوم أمراً بغیضاً لکن اللغة وأسلوب استعمالها فی النص الأدبی یؤثر على القارئ بحیث یتمنى کل منا بعد قراءة هذه القطعة الشعریة لسعدی أن یکون فرداً ینتمی إلى المجموعة التی یتحدث سعدی عنها. لقد تمکن هذا الشاعر الکبیر والأدیب المرموق من نقل تجربته إلینا فی هذه الحالة. ویستعین الشاعر فی هذه القطعة الشعریة بصور بیانیة تسد الدرب أمام القارئ وتمنعه من رفض التباین الموجود فی عالم العشق بحیث یعجز عن رفض هذه الفکرة لأن الأدیب یصور هذه التباینات على أنها جوهر الخلق ویبین أنه لیس فی عالم العشق فحسب بل فی العالم المادی یعتبر التباین جوهر الخلق. ومن الأسالیب الهامة الأخرى التی استعان بها صاحب الکلام فی البیت الخامس الفصل بین حرف النفی "نه" عن فعل الکون "است" واستعماله بشکل مستقل فی بدایة العبارة. ویعتبر هذا العنصر من الجوانب البارزة فی النص ویبین أن تعمیم النفی قد ألقى بظلاله على کامل البیت ومن جهة أخرى فقد قدم عبارة "لا مر" على الموصوف مما یبین عنایة الأدیب بهذا الأمر أی عدم اهتمامه بهذا العنصر. یحظى هذا الأسلوب السلبی بالأهمیة نظراً لأن الشاعر یسعى للإجابة على أسئلة القارئ وهذا یعنی أن العذاب الناتج عن فراق الحبیب لیس مراً على الإطلاق. کما أن الصور البیانیة التی لجأ إلیها الشاعر لمزید من التأثیر على القارئ جمیعها تحتوی على التباین والتوتر. ونلاحظ هذا الأمر فی أبیات مختلفة (تحمّل اللوم من خصال العارفین کما أن أحمال الجمل الثمل خفیفة)/ (کما أن الخمر لازم للطرب والسکر، فإن الشوکة لازمة للوردة کسلاح) وغیرها وقد لجأ الشاعر إلیها لکی یکون لکلامه تأثیر على القارئ وهذه الأبیات تحمی بعضها البعض ومهمتها هی التأکید على قبول الأفکار المتباینة. یتکون أغلب أشطر هذه القطعة من قسمین، أی أن القارئ یتوقف أثناء القراءة فی وسط الشطر: سلاطین عزلت، گدایان حی/ دلارام در بر، دلارام جوی/ لب از تشنگی خشک، بر طرف جوی/ و.... ) مما یؤدی إلى ارتفاع وانخفاض الصوت أثناء قراءة الشعر وهذا بدوره یمثل حالة من التباین تدفع القارئ للتفکیر بها. وبالتالی فإن هیکل هذه المقدمة یخلق فی القارئ من بدایة النص إلى نهایته نوعاً من التعجب والتساؤل لکن هذه الحالة تعتدل فی البیتین الأخیرین لأن الشاعر فی هذا الجزء یسعى إلى حل التناقض الموجود وهو أن أفراد هذه المجموعة فی منتهى الهدوء رغم وجود کل هذه الصعاب ویکمن سبب ذلک فی أنهم لیسوا قادرین فحسب على إزالة هذه الصعاب بل إنهم یلجؤون إلى التباین وهم فی منتهى القدرة على إزالة الصعاب التی هم فیها. أی أنهم یبحثون عن الماء وهم على ضفة النهر وهذا یعنی أن أفراد هذه المجموعة یکتشفون فی النهایة أنهم یبحثون عما کانوا یمتلکونه هم ذاتهم. وهکذا فإن الانسجام المحوری الموجود فی هذه المقدمة ینبع من قلب التباین والتوتر الموجود داخلها. ومن السمات الأخرى التی تبرز فی هذه المقدمة بشکل واضح وجلی العدد الکبیر من الکسرات وهذا یعنی نوعاً من انتقال المعنى المحوری أو بعبارة أکثر دقة إثارة الأفکار التی تتجلى بشکل بارز فی الشطر الأول من البیت الثامن (أنتم الفقراء إلى الله). ولذلک فإن زیادة هذه الکسرات تدل على الحاجة والتواضع أمام ذات الحق، لأن الکسرة من بین الحرکات الرئیسیة فی اللغة الفارسیة تدل على حالة من التواضع والخضوع، ویصور الشاعر عنصر التباین الظاهری أی العذاب والمعاناة فی خضم القدرة على قمعها منذ بدایة القطعة الشعریة وفی النهایة أن هذا التباین لیس ناجماً عن عجزهم بل هو نابع عن ماهیتهم ولأجل بیان هذه القدرة والتعبیر عنها یلجأ إلى مفردات مثل الملک والسلاطین والطرب والسلاح وغیرها مما یبین غناهم وعدم حاجتهم إلا له.
النتیجة تبحث المدرسة الشکلانیة عن إجابة لسؤال بنیوی وأساسی وهو "أین تتجلى أدبیة النص؟ کیف یمکننا الحصول على هذا العنصر؟". تسعى هذه المدرسة فی تحقیق هدفها الغائی إلى أسالیب وآلیات تؤدی إلى التعجیب فی النصوص الأدبیة مما ینجم عنه التمایز بین اللغة الأتوماتیکیة واللغة الأدبیة. ومن بین هذه الأسالیب یمکننا أن نشیر إلى الاهتمام والتباین والتوتر والتعجیب النحوی والمعجمی والصوری والمعنوی والانسجام والاستلزام والتعبیر عن وحدة العناصر عن طریق الأضداد وغیرها. وقد ظهر هذا التوجه الأدبی لدى نقادنا منذ القدیم ومن بینهم یمکننا الإشارة إلى الجاحظ وقدامة بن جعفر وأبوهلال العسکری وابن قتیبة وابن الأثیر والآمدی وغیرهم. ومن بین هؤلاء النقاد یتمتع عبد القاهر الجرجانی بمنزلة خاصة حیث قدم نظریة النظم الهامة جداً والتی أزالت الکثیر من المفاهیم والأفکار الخاطئة فی التراث البلاغی والنقدی ومن أهمها یمکننا الإشارة إلى مبدأ استقلال اللفظ عن المعنى. ویمکننا اعتبار عبد القاهر الجرجانی من رواد المدرسة الشکلانیة فی مجال الأدب والنقد الأدبی. ولکن بعد ما قمنا به فی هذه المقالة من قراءة للنصوص الأدبیة نستنتج من نظریته أن عبد القاهر الجرجانی لم یأخذ بعین الاعتبار أیة حدود لهذه النظریة. وقد أولى فلاسفة الغرب مثل أفلاطون وأرسطو وکانت وهیغل وتومای وآغوستین الکثیر من الاهتمام لنظریة الشکل والهیکل فی تقییم العمل الأدبی. ویشترک نقادنا القدماء وفلاسفة الغرب - وعددهم لیس بالقلیل – الذین یتبعون المدرسة الشکلانیة فی الحالات التالیة: 1- الاهتمام بالشکل والنظام الهیکلی للأشکال الأدبیة 2- الأدب، وحدة الأضداد 3- التعجیب 4- الفن یمتنع عن البیان الصریح وهذا ما یمیز الأدب عن سائر النصوص 5- الغموض وقابلیة التفسیر من الشروط اللازمة للنص الأدبی بعد التحلیل الشکلی لمقدمة الباب الثالث من بوستان سعدی، نستنتج أن الشاعر سعدی لجأ إلى أغلب هذه الأسالیب بالاستعانة بعناصر التعجیب النصی لیضفی نوعاً من التعجب على القارئ، خاصة وأن سعدی استعان بأفضل شکل بعنصر التباین والتوتر فی هذه القطعة الشعریة. [1]من المقولات الشفهیة للدکتور حمیدرضا میرحاجی، عضو الهیئة العلمیة فی قسم اللغة العربیة وآدابها فی جامعة العلامة الطباطبائی. | ||
مراجع | ||
أحمدی، بابک. 2013م. الحقیقة والجمال. طهران: دار مرکز للنشر. ــــــ. 2012م. هیکل وتأویل النص. طهران: دار مرکز للنشر. أدونیس. 1997م. إطلالة على الشعر العربی. ترجمة: کاظم برک نیسی. طهران: دار نی. ـــــــ. 1390ش. التقلید والتجدید. ترجمه حبیب الله عباسی. طهران: سخن. الآمدی، أبوالقاسم الحسن بن بشر. 1961م. الموازنة بین الطائیین. تحقیق: السید صقر. لبنان: دار الثقافة. ابن أثیر، ضیاء الدین. 1959م. المثل السائر. تحقیق: الحوفی و... . بیروت: دار إحیاء التراث العربی. ابن قتیبه، أبومحمد. 1969م. الشعر والشعراء. بیروت: دار الثقافه. ابن طباطبا العلوی. 1965م. عیار الشعر. تحقیق طه الحاجری و.... . القاهرة: المکتبة التجاریة. اسماعیل، عزالدین. لاتا. الشعر العربی المعاصر. القاهرة: دار الفکر العربی. باینده، حسین. 2003م. خطاب النقد. طهران: روزنکار. ـــــ . 2009م. النقد الأدبی والدیمقراطیة. طهران: نیلوفر. بورنامداریان، تقی. 2003م. تأمل معنى وصورة شعر حافظ. طهران: سخن. الجرجانی، عبدالقاهر. 1422ق. دلائل الإعجاز فی علم المعانی. لبنان: دار المعرفة. الجاحظ. 1968م. البیان والتبیین: تحقیق عبد السلام هارون. القاهرة: الخانجی. زیادی، عزیزالله. 2001م. ما هو الشعر. طهران: وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامی. جیمنس، مارک.2011م. ما هو علم الجمال: ترجمه محمد رضا أبوالقاسمی. طهران: دار ماهی. سعدی. 2014م. بوستان تحقیق: غلامحسین یوسفی. طهران: خوارزمی. شفیعی کدکنی، محمد رضا. 2012م. قیامة الکلمات. طهران: سخن. ـــــــــ . 2010م. موسیقا شعر. طهران: آکاه. صفوی، کورش. 2011م. من علم اللغة إلى الأدب. الجزء 2. طهران: دار سوره مهر. طوروروف، تزفیتان. 1990م. الشعریه: ترجمه شکری المبخوت. المغرب: المعرفة الأدبیة. طاوسی، سهراب. 2012م. نظام الصورة. طهران: ققنوس. العسکری، أبوهلال. 1971م. الصناعتین: تحقیق محمد علی البجاوی و.... القاهرة: دار الفکر العربی. علایی، مشیت.2011م. الجمال والنقد. طهران: کتاب آمه. قدامه بن جعفر. 1949م. نقد الشعر. القاهرة: لانا. القیروانی، ابن رشیق. 1907م. العمده فی صناعه الشعر ونقده. الطبعة الأولی. القاهرة: دار الثقافة للنشر. غرین، ویلفرد و.... . 1997م. أسس النقد الأدبی: ترجمه فرزانه طاهری. طهران: نیلوفر. یاکبسون، رومان. 1988م. قضایا الشعریه: ترجمه محمد الولی و... . المغرب: المعرفة الأدبیة.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,149 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 1,003 |