تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,329 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,943 |
دراسة القصة القرآنیة القصیرة جدا وعناصرها | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 5، دوره 6، شماره 22، آذر 1437، صفحه 115-93 اصل مقاله (266.48 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
جلال مرامی* 1؛ مینا عربی2 | ||
1أستاذ مساعد فی قسم اللغة العربیة وآدابها بجامعة العلامة الطباطبائی، طهران، إیران | ||
2طالبة مرحلة الدکتوراه فی قسم اللغة العربیة وآدابها بجامعة العلامة الطباطبائی، طهران، إیران | ||
چکیده | ||
إن القصة القصیرة جداً (ق.ق.ج) قصة فی حجم قصیر جداً، یحکی حدثاً محدوداً جداً وفی الوقت نفسه تتضمّن مضامین عظیمة. نجد من خلال دراسة آی القرآن الکریم قصصاً فی أحجام مختلفة، یتراوح طولها بین سطور وصفحات، کما نجد بینها ما لا یتعدی حجمها عن بضعة أسطر قلیلة حیث یتیح لدراستها علی ضوء معاییر القصة القصیرة جداً التی تتصف بقصر الحجم کمیزة أساسیة لها، وإذا أکدت الدراسات صحة اعتبار هذه النماذج القرآنیة القصیرة جداً فی إطار هذا الجنس الأدبی، فتُرفض الفکرة التی تری جنس القصة القصیرة جداً من إبداع الأدب الغربی المعاصر. تهتمّ هذه المقالة بدراسة هذا الجنس الأدبی فی القرآن الکریم من خلال تعریف "ق.ق.ج" وعناصرها، وطرح نماذج قصصیة قصیرة جداً من سور البقرة، والحجر، والنحل، ویس، علی النموذج الفنی لندرس مدی اتصال هذا الجنس الأدبی بجذور إسلامیة. تشیر الدراسة اتصاف هذه النماذج القصصیة القرآنیة بمیزات القصة الفنیة القصیرة جداً، ناهیک عن الصفات الثانویة التی تتمیز بها، وبذلک تؤکَّد فرضیة البحث، مما یؤید بدایات إسلامیة لجنس القصة القصیرة جداً. | ||
کلیدواژهها | ||
القصة القصیرة جداً؛ الأدب المعاصر؛ عناصر القصة القصیرة جداً؛ القصة القرآنیة | ||
اصل مقاله | ||
یقف القرآن الکریم فی أعلی مستویات الأدب استناداً لإقرار الأدباء المسلمین وغیرهم، فإنه نُزِّل بین قوم مهتمّین بالأدب ولاسیما الشعر، من عبدة الأصنام الذین کانوا یعرفون الأدب القیّم ویقدّرونه ویعتبرون ظهور شاعر خطیب بینهم من أسباب الفخر لدیهم (انظر: الجبوری، 1986م: 134) فجعلهم بإعجاز بیانه وجمال کلامه یعتنقون الإسلام ویترکون تقالید آبائهم التی تمسکوا بها لسنین طوال، ما یؤید رفعة مکانة هذا الکتاب السماوی فی شتی الوجوه ولاسیما الأدبیة منها. مع ذلک کله فإن جمال اللفظ والمعنی فی القرآن الکریم لیس الهدف الأساس فی نزوله بل یأتی خدمةً لتربیة البشر وإرشاده. فإن الله تبارک وتعالی حسب قول الرسول الأعظم أرسل نبیه إلی الناس لیتمّ مکارم الأخلاق حیث قال (ص): «إنَّما بُعِثتُ لِأُتَمِّمَ مَکارِمَ الأخلَاقِ» (الطبرسی، القلم، 4) ولایزال هذا الکتاب یُعتَبر بوجوهه العلمیة والتربویة والأدبیة معجزة القرون، فنجد فیه من الأسالیب الأدبیة فی أنواعها المتعددة ما یبهر العیون ویذهل العقول. عنایة بهذه المکانة المرموقة واختصاص أهم فوائد هذا الکتاب الإلهی بتربیة البشر، نجد فیه اختیار أحسن المناهج التربویة ما یأتی القصّ من ضمنها. کان القصّ و دوره البارز فی التربیة ولایزال موضع اهتمام البشر، ما تؤیده کتب القصص العدیدة التی نجدها فی التراث الأدبی العالمی. فإن الأمهات کن ولایزلن یعلّمن أولادهن آداب الحیاة السلیمة من خلال هذه القصص، وقد اهتم القرآن الکریم أیضاً بآلیة القصّ حیث قصّ علی متلقّیه مصائر الأقوام الماضیة لیتدبروا فیها ویأخذوها بعین الاعتبار فیهتدوا بها إلی سبیل الرشاد. هذا ولا ننسی اختلاف الأدباء فی اعتبار القصة القرآنیة من القصة الفنیة، فمنهم من یعتقد أنه لا تقع القصة القرآنیة فی إطار القصة الفنیة إلا ما اتصف منه بالعناصر الفنیة للقصة ومعالجته الملحوظة لها، بینما یعتبر آخرون أیّ خبر من الأقوام الماضیة فی القرآن الکریم قصة؛ما تأتی ضمنها قصة أصحاب الفیل وأصحاب الأخدود منها. (انظر: حسینى، 1379ش: النسخه الإلکترونیة) إشکالیة البحث وضرورته إن أکثر القصص التی اتخذت بعین الاعتبار لدی الأدباء الباحثین فی مجال الأدب القصصی القرآنی هی قصة یوسف وقصة آدم وقصة موسی (علیهم السلام)، ثم تأتی قصة الأقوام الماضیة فی المرتبة الثانیة. أما القصة القصیرة جداً فإنها جنس أدبی یُعتبر فی الرأی السائد إنتاجاً للأدب الغربی المعاصر، وذلک علی الرغم من النماذج القصصیة القرآنیة التی نجدها قصیرة جداً، والسؤال الذی یطرح نفسه فی هذا المجال أنه هل یصحّ اعتبار هذه النماذج القرآنیة فی إطار جنس القصة القصیرة جداً؟ وإذا صحّ الأمر فهل یجوز اعتبار هذا الجنس من إبداع الأدب الغربی المعاصر؟ یُعلمنا النظر إلی الکتب التی عالجت موضوع القصة القصیرة جداً أن موضوع القصة القصیرة جداً فی القرآن الکریم لم یُدرَس بعدُ، کما لا نجد فی کتب قصص القرآن محاولة فی هذا المجال، فجعلنا ذلک ندرس جنس القصة القصیرة جداً وعناصرها فی القرآن من خلال عرض النماذج القصصیة القرآنیة التی تتصف بالقصر الشدید فی ناحیة الحجم علی نموذج القصة الفنیة القصیرة جداً لنری إذا کانت من نماذج القصة القصیرة جداً أو لا؟ وقمنا فی هذا الصدد بتعریف "ق.ق.ج" ثم بدراسة النماذج القرآنیة. وعلی الرغم من الاختلافات، فإن دراسة أنواع القصة القرآنیة ومنها القصیرة جداً – إذا ما وجدت فیه - تعتبر مما یساعد علی معرفة هذا الکتاب السماوی أکثر، وذلک ما دفعنا للقیام بهذا البحث الأدبی.
الفرضیات والأسئلة نلاحظ فی هذا العصر أن تراثنا الأدبی یقدَّم لنا فی ثوب جدید بعد عرضه فی قوالب وأنظمة جدیدة، فیُعرَض کأنه إبداعات لم تکن لها سوابق فی التراث العالمی. نعم فإننا لا نغفل عن الأنظمة الجدیدة التی تمّ تصمیمها حدیثاً من قِبَل العلماء اللغویین الغربیین لدراسة النصوص الأدبیة واستخراج الأسالیب المعتمدة فیها ولکن وفی نفس الوقت لا نتخلّی عن الأخذ بتراثنا الأدبی. یأتی القصّ والقصة بأنواعها ولاسیما القصیرة جداً منها مما یُعتبر لدی البعض وافداً إلی الأدب العربی الذی لاینفصل عن الأدب الإسلامی، وتحدیداً بالنسبة لجنس القصة القصیرة جداً یعتقد بعض الأساتذة أن القصة القصیرة جداً خُلقت بدوافع لا نجدها إلا فی العصر الراهن، حیث أدّت سرعة الحیاة إلی أن لایطیق الإنسان المعاصر مطالعة قصص طویلة فبادر إلی کتابة نوع أدبی یمکن مطالعته فی جِلسة قصیرة جداً، فلا نجد نماذج من هذا الجنس الأدبی فی القرآن الکریم الذی نزل قبل أربعة عشر قرنا نظراً لغیاب هذه الدوافع فی العصور السالفة، مهما کانت هناک نماذج تتصف المیزات المنطویة تحت نموذج القصة القصیرة جداً، وإذا تواجدت فلیست أکثر من نماذج مشابهة للقصة القصیرة جداً. غیر أننا نعتقد بوجود نماذج قصصیة قصیرة جداً فی المصحف الشریف حیث تنطبق میزاتها علی المیزات الرئیسة المحدّدة للقصة القصیرة جداً أی «القصصیة –الجرأة– وحدة الفکرة والموضوع – التکثیف.» (أحمد جاسم حسین، 1997م: 33)کما نعتقد بصحة اعتبار هذه النماذج بدایات لهذا الجنس الأدبی، و إن کان هناک بعض الاختلاف بینهما فی المیزات والشروط الثانویة فلا یُخرج هذا الاختلاف النماذج القرآنیة من إطار القصة القصیرة جداً، بل یشیر إلی المراحل التی مرّت بها لخروجها فی ثوبها الجدید. بحثاً عن حقیقة الأمر فی مجال منشأ القصة القصیرة جداً ینبغی الإجابة عن الأسئلة التالیة:
سابقة البحث اهتمّ بعض الأدباء فی أقصی العالم بکتابة کتب ومقالات فی مجال "ق.ق.ج"، ومن الذین اعتنوا بذلک بین العرب والفرس من یأتی اسمه تالیاً:
منهج البحث اعتمدنا فی هذه الدراسة منهج البحث الوصفی التحلیلی، بهدف تحلیل ظاهرة القصة القصیرة جداً فی القرآن الکریم، وذلک من خلال تحدید خصائص هذا الجنس الأدبی وأبعادها، والبحث عن نماذج قرآنیة تنطبق میزاتها علی معاییر القصة القصیرة جداً، وتوصیف العلاقات بین النموذج الفنی لهذا الجنس والنماذج القرآنیة له. وقد استخرجنا بعد التتبّع والبحث فی جمیع السور القرآنیة وفی جمیع القصص القرآنیة ولاسیما التی تمیّزت منها بقصر الحجم الشدید، أربعة عشر نموذجا قرآنیاً یشبه نظامها نظام النموذج الفنی، واخترنا من بینها خمسة نماذج حیث تناسب حجم المقال واکتفینا من بعضها الآخر ببعض الإشارات العابرة، والمختارة منها عبارة عن: قصة محاجة نمرود والنبی إبراهیم (علیه السلام) فی سورة البقرة، وقصة إحیاء النبی عزیر (علیه السلام) فی السورة نفسها، وقصة ضیف إبراهیم (علیه السلام) فی سورة الحجر، وقصة ولادة الأنثی فی سورة النحل، وقصة العظام الرمیم فی سورة یس. والذی دفعنا لاختیار هذه النماذج انطباقها علی معاییر القصة الفنیة القصیرة جداً بینما کان الکثیر من القصص القرآنیة لاتشابه النموذج الفنی إلا فی قصر الحجم. القصة وأنواعها إن القصة مصطلح عام لحکایة الأحداث وشرحها؛ وهی بشکل عام تمثل فی إطار الأدب القصصی جهداً وصراعاً بین قطبین مضادین وتقتفی هدفاً معیناً. (انظر: میرصادقی، 1379ش: 32) وجاء فی کتاب "الفصاحة الحدیثة" أنّ الحکایة نوع من الکلام الذی له صلةٌ بالعمل وبالحیاة المتحرکة والنشیطة، إنها تجیب عن السؤال: «ماذا حصل؟»، إنها تحکی قصة والقصة لیست إلا أحد أنواع الحکایة(Brooks& Penn Warren, 1949: 262) ویعرّف Bبراهیم یونسی فی کتابه "فن القصّ" القصة حکایةً بسیطةً فارغةً من الحبکة، تعتمد فی غالبیة الأحیان علی الأحداث والوصف، ولایواجه فیها المتلقی أی غموض ولا مفاجأة ولا أی صعود وهبوط خلال قراءته لها أو استماعه إلیها. (انظر: یونسی، 1392ش: 10) القصة باعتبار الطول تتمّ تسمیة أنواع القصة اعتباراً لطولها حسب الترتیب التالی:
القصة القصیرة جداً یعبَّر عن هذا الجنس الأدبی الذی اعتبر الذرة المنفطرة للقصة القصیرة بأسماء متعددة، ومن بین هذه التسمیات: «القصة القصیرة جداً، ولوحات قصصیة، وومضات قصصیة، ومقطوعات قصیرة، وبورتریهات، وقصص، وقصص قصیرة، ومقاطع قصصیة، ومشاهد قصصیة، وفن الأقصوصة، وفقرات قصصیة، وملامح قصصیة، وخواطر قصصیة، وإیحاءات، والقصة القصیرة الخاطرة، والقصة القصیرة الشاعریة، والقصة القصیرة اللوحة. وأحسن مصطلح لإجرائیته التطبیقیة والنظریة هو مصطلح القصة القصیرة جداً لأنه یعبّر عن المقصود بدقة مادام یرکّز على ملمحین لهذا الفن الأدبی الجدید وهما: قصر الحجم والنزعة القصصیة.» (الحمداوی، 2006م) تعتبر القصة القصیرة جداً من أحسن صور الفلسفة المینیمالیة فی الأدب القصصی، التی تتمیز بقلة عدد مفرداتها، بحیث تتجلی فیها الکتابة بالتکثیف والإیجاز تجلیا بارزاً فتُحذف منها الزوائد لحدّ لا تبقی من النص القصصی إلا العناصر الضروریة، وذلک فی أقصر صورة ممکنة. (انظر: جزینی، 1394ش: 16) یبحث بعض الأدباء عن میزات القصة القصیرة جداً فی جنس الحکایة ومنهم "سرشار" الذی درس الموضوع من خلال مقالته التی تحمل عنوان «الحکایة وممیزاتها» ورأی فیها مشابهة نسبیة بین بعض الأعمال القصصیة المنشورة لفرانسیس کوفکا و بعض القصص المینیمالیة و القصص القصیرة وبین جنس الحکایة. (سرشار، 1377ش: 22) أما الفارق بین الحکایة القصة القصیرة جداً فیظهر فی أسلوب نقل الرسالة فهی صریحة فی الحکایة، حیث یمکن القول إنّ المضمون یتغلّب فیها علی الشکل (أنظر: المصدر نفسه: 24) والقصة القصیرة جداً فهی تحمل الرسالة بین ألفاظها وعباراتها، فلیست جلیة کما فی الحکایة، بل تستتر وراء الشکل. ثم إن هذین الجنسین یفترقان مبدئیا فی الموضوع أولاً ثم فی المیزة التعلیمیة التی تحملها الحکایة وفی الفکرة التی تتضمنها کعنصر لاغنی عنه فی هذا الجنس الأدبی. (انظر: المصدر نفسه: 23-26) یمکن تلخیص معاییر القصة القصیرة جداً فی النقاط التالیة: (انظر: جزینی، 1390ش: 11-21)
نشأة القصة القصة جداً علی أساس الرأی العام فإن القصة القصیرة جداً ظهرت علی ساحة الأدب القصصی «منذ التسعینیات من القرن الماضی استجابةً لمجموعة من الظروف الاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة والثقافیة المعقّدة والمتشابکة التی أقلقت الإنسان وما تزال تقلقه وتزعجه ولا تترکه یحس بنعیم التروی والاستقرار والتأمل، ناهیک عن عامل السرعة الذی یستوجب قراءة النصوص القصیرة جدا والابتعاد عن کل ما یتخذ حجماً کبیرا أو مسهبا فی الطول کالقصة القصیرة والروایة والمقالة والدراسة والأبحاث الأکادیمیة .... کما لم تجعل المرحلة المعاصرة المعروفة بزمن العولمة والاستثمارات والتنافس الإنسان الحالی ولاسیما المثقف منه مستقرا فی هدوئه وبطء وتیرة حیاته، بل دفعته إلى السباق المادی والحضاری والفکری والإبداعی قصد إثبات وجوده والحصول على رزقه؛ مما أثر کل هذا على مستوى التلقی والتقبل والإقبال على طلب المعرفة، فانتشرت لذلک ظاهرة العزوف عن القراءة ، وأصبح الکتاب یعانی من الکساد والرکود لعدم إقبال الناس علیه، کما بدأت المکتبات الخاصة والعامة تشکو من الفراغ لغیاب الراغبین فی التعلم وطلبة القراءة والمحبین للعلم والثقافة.» (الحمداوی، 2006م) واستنادا لهذا الرأی فإن إبداء أول الآراء حول القصة القصیرة جداً یعود إلی الغرب، حیث یُعتبر موطناً للحرکة الشکلیة. إن الشکلیین یرون للحرکات الفلسفیة والسیاسیة التی تلت الحرب العالمیة الثانیة أثراً فی ظهور جنس القصة القصیرة جداً، وتعرَّف الحرکة المینیمالیة حصیلة الجهود التی بذلها الشکلیون فی إنشاء قوالب جدیدة للقصّ. فکانت هذه الجهود متجهة نحو تحقیق أهمّ هدف لهذه الحرکة أی صیاغة أشکال جدیدة لکتابة القصص. (انظر: محمد علی، 1390ش: 12) هذا وتعتبر جماعة أخری القصة القصیرة جداً امتداداً للتراث الأدبی، حیث یختزن بأدب الفکاهة والحکایة، ومنهم أحمد جاسم الحسین الذی یری صلة بین القصة القصیرة جداً و بین الأخبار والأکاذیب العربیة، بینما یعتقد غلبة مستوی القصة الفنیة القصیرة جداً علی الأشکال القدیمة. (انظر: الحسین، 1997م:40) ویقول الحمداوی: «نجد فی تراثنا العربی القدیم مجموعة من الأشکال السردیة النثریة، تقترب بشکل من الأشکال من القصة القصیرة جداً ... ومن ثم یمکن اعتبار الفن الجدید امتداداً تراثیا للنادرة والخبر، والنکتة، والقصة، والحکایة، واللغز، والشعر، والأرجوزة، والخطبة، والخرافة، وقصة الحیوان، والمثل، والشذرة، والقبسة الصوفیة.» (یوب، 2015م: 42)
عناصر القصة القصیرة جداً اختلف الأدباء فی العناصر التی تمیّز جنس القصة القصیرة جداً عن نظائرها، فذکروا لها عناصر مشترکة بین الآراء، کما هناک من فوارق بینها، و هذا أحمد جاسم الحسین الذی یعدّ عناصر القصصیة والجرأة والوحدة والتکثیف أرکان هذا الجنس. (انظر: الحسین، 1997م: 33) ونبیل مجلی الباحث السوری، فقد جمع خصائص القصة القصیرة جداً فی أرجوزة، فحصر أهم ممیزاتها فی خمسة عناصر أساسیة ألا وهی: الحکائیة، والتکثیف، والوحدة، والمفارقة، وفعلیة الجملة. (انظر: الحمداوی، 2013م) وتختزل لبانة الموشح خواصّ القصة القصیرة جداً فی ثلاثٍ فقط، هی: الحکائیة، والتکثیف، والإدهاش. (أمعضشو، 2013م) أمّا الحمداوی فیعدّ للقصة القصیرة جداً عناصر کثیرة فیعرّفها بأنها «جنس أدبی حدیث یمتاز بقصر الحجم والإیحاء المکثّف والنزعة القصصیة الموجزة والمقصدیة الرمزیة المباشرة وغیر المباشرة، فضلاً عن خاصیة التلمیح والاقتضاب والتجریب والنفس الجملی القصیر الموسوم بالحرکیة والتوتر وتأزم المواقف والأحداث، بالإضافة إلى سمات الحذف والاختزال والإضمار. کما یتمیّز هذا الخطاب الفنی الجدید بالتصویر البلاغی الذی یتجاوز السرد المباشر إلى ما هو بیانی ومجازی ضمن بلاغة الانزیاح والخرق الجمالی.» (الحمداوی، 2006م) القصة القصیرة جداً فی القرآن إن مفردة "القصة" أو "القصص" فی القرآن الکریم مشتقة من «قَصَّ یقُصُّ» بمعنی «اتّبع أثره» (الزمخشری، لاتا: 368) فالقصة شریحة زمنیة تحکی حدثاً من الواقع أو الخیال و تتّبع الحادث حتی نهایة الحدث. إن القصة القرآنیة عبارة عن بیان الأحداث الماضیة بهدف الاعتبار وتقصّی الأحداث التاریخیة ودراستها من مختلف الوجوه بهدف ازدهار المواهب البشریة واهتداء الإنسان. فلیس القرآن بصدد حکایة حادث تاریخی بشکل کامل بل ینتقی من الأحداث ما فیه فائدة فی تحقیق هدف الهدایة ... فالقصّ عبارة عن تقصی أخبار الماضین. (انظر: اشرفی، 1390ش: 138) حیث قال تعالی: ﴿لَقَد کَانَ فی قَصَصِهِم عِبرَةٌ لأولی الألبابِ ما کان حَدیثاً یُفترَی ولَکِن تَصدِیقَ الذی بین یَدَیهِ وَ تَفصِیلَ کُلِّ شَیءٍ و هُدًی وَ رَحمةً لِقَومٍ یُؤمِنُونَ﴾ (یوسف: 111) لم تلتزم القصة القرآنیة طریقاً واحداً من حیث الطول والقصر والإجمال والتفصیل، فهناک القصة المفصلة: کما فی قصة موسى (ع) فی سورة الأعراف، وقصة نوح (ع) فی سورة هود. وهناک القصة المجملة: کما فی قصة نوح فی سورة الأعراف، وقصة موسى فی سورة هود، فلقد أجملت کل من السورتین ما فصلته الأخرى.کذلک سورة یونس فصلت بعض التفصیل فی قصة موسى (ع) وأجملت فی قصة نوح (ع). ویمکن تقسیمها من حیث الحجم علی الشکل التالی: قصص قصیرة جداً (کقصة النبی زکریا والنبی أیوب (ع))، و قصص قصیرة (قصص الأنبیاء هود و صالح واسماعیل)، و قصص متوسطة الحجم (قصص النبی داود والسیدة مریم) و قصص طویلة (النبی إبراهیم والنبی سلیمان). (انظر: قطب، 2004م: 165-168) تمت الإشارة إلی مواصفات القصة القصیرة جداً سابقاً وإذا کنا بصدد إثبات وجود نماذج لجنس القصة القصیرة جداً فی القرآن فلا بدّ من البحث عن نماذج تتصف بتلک المواصفات، فقمنا بعرض النماذج علی هذه المعاییر ومقارنتها بنموذج القصة الفنیة القصیرة جداً. أ. قصر الحجم والحدث نجد بین آی القرآن کثیراً من الآیات التی یمکن إطلاق عنوان القصة القصیرة جداً علیها بسبب قصرها وقلة الکلمات الموظّفة فیها، بحیث لایبلغ عدد أسطر أیّ من هذه النماذج صفحة واحدة. عنایةً بالتعریف المقدَّم من "القصة القصیرة جدا" وعلی الرغم من اختلاف هذه النماذج فی میزاتها الأدبیة، فإنها کلّها تشترک فی میزة واحدة هی قصرها وقلة عدد مفرداتها والمدة القصیرة التی نحتاج لمطالعتها. فمن هذا المنظور یمکن إدراج کل هذه النماذج ضمن القصة القصیرة جداً،غیر أنّقصر الطول فی القصة القصیرة جداً وعلی الرغم من ضرورته فإنه لایکفی بل یلزم اجتماعه بقصر الحدث فی العمل القصصی، وبذلک نُخرج ملخّصات القصص القرآنیة التی تتمیز بقصر الحجم ولکن یفتقد فیها قصر الحدث. مع ذلک نری فی القرآن الکریم نماذج قصصیة قصیرة جداً حیث تتصف بقصر الحجم والحدث، فنعتبره من نماذج هذا الجنس الأدبی مهما کانت لم تُکتب بدوافع عصر السرعة المعاصرة ولم تتصف ببعض الشروط الثانویة لهذا الجنس، فلکلّ شیء بدایة وبدایات الأمور یتجلی فیها الأسس ثم یأتی دور التطویر، والأصل فی القصة القصیرة جداً اتصافها بالقصصیة وقصر الحجم والحدث، والحدث لابدّ أن یُدهش المتلقی ویدفعه إلی التأمل، وهذا متوفّر فی النماذج القرآنیة لهذا الجنس القصصی، والآیات التالیة منها:
تقصّ علینا هذه الآیات ما جری بین أحد ملوک بابل الذی أوتی من القدرة، ما جعله یتألّه، فحاجّ النبی إبراهیم الذی دعاه إلی طاعة الله ففشل فی المحاجة؛ إذ طُلِب إتیان الشمس من المغرب فبُهِت. حدثت هذه المحاجة التی تمّ قصّها فی 38 کلمة، فی فترة زمنیة قصیرة ومکان محدود ولاتستغرق الأقوال إلا دقائق قلیلة جداً، وبالأحری فإننا فی هذه الآیة إزاء قصة قرآنیة قصیرة جداً.
هذه قصة عزیر النبی حیث مرّ بمدینة مدمّرة خالیة من أهلها، فتعجّب من أمر الله کیف یحیی الأموات، فمات بإذن الله لمائة عام ثم أحیِیَ وشاهد إحیاء مرکبه لیکون للناس شهیداً ویحصل له العلم بقدرة الله تعالی. تمّ قصّ الحادث فی 68 کلمة وعلی الرغم من عرقلة قضیة الزمن فیه حیث طال من جانب لمئة عام وبدا لحظات من جانب آخر، فإننا نظنها قصة قرآنیة قصیرة جداً، إذ الزمان قضیة نسبیة وبدت الفترة الزمنیة علی شخصیة القصة لحظات وحادث الإحیاء قد حصل بعد مضی الأعوام المائة وکان فی طرفة عین.
بدأ هذا النموذج القصصی بأسلوب یشجّع المتلقی علی المتابعة، حیث بدأ بفعل الأمر؛ ثم أخبر عن ضیف[2] دخلوا علی إبراهیم (علیه السلام) وبشّروه بولد فی کبره، فاستغرب کیف یُرزق بولد وهو شیخ وامرأته عاقرة؟! ثم علم أن الله شاء ذلک فکان، کی لا یقنط من رحمة الله ولا یکون من الضالّین. تقصّ علینا هذه القصة التی جاءت فی 49 کلمة لحظات مضت علی إبراهیم فی لقائه بملائکة الله فالقصة هذه قصیرة جداً تقصّ حادثا قصیراً ومدهشا فی حجم قصیر.
تقصّ هذه القصة فی 30 کلمة غضب الأعرابی بعد تلقیه خبر ولادة بنت له برسم الموقف وشرح حیرة الأعرابی بین الحبّ والشرف. إن هذه القصة قصیرة جداً إذ جمعت بین القصصیة وقصر الحجم الحادث.
تشیر هذه الآیة إلی قصة الکافر الذی استدلّ ببلی العظام علی رفض البعث والحشر، فی 12 کلمة واعتبرناها قصة قصیرة جداً استنادا إلی قصرها الشدید وتعبیرها عن حادث حصل خلال دقائق فضلا عن حضور عناصر القصة فیها. ب. القصصیة ب.1. الشخصیة یُعتبر عنصر الشخصیة من أهم عناصر القصة وهی «محور القصص القرآنی، أو بمعنی آخر هی محور الأحداث، تتأثر بها وتؤثر فیها، لأن الإنسان هو مناط التکلیف ومعتمد التغییر وأساس التوجیه. غیر أن الشخصیة فی القصة القرآنیة بسیطة واضحة، بعیدة عن الغموض والتعقید، وهی صفة إسلامیة فی بناء الإنسان المسلم علی وجه العموم.» (علیان، 1413ق: 310) أما الشخصیة فی القصة القصیرة جداً فلا یتعدی عددها الواحد أو اثنین، و هذه المیزة بارزة فی القصص التی اعتبرناها نماذج قرآنیة للقصة القصیرة جداً. هناک شخصیة رئیسة فی أکثر هذه القصص وهی شخصیة أحد أنبیاء الله الشاملة الثابتة، وبطبیعة الحال فإن المتلقی لا یتوقع أن یصدر عن هؤلاء الشخصیات غیر الفعل الحسن وهذه النقطة هی الفارق بین هذه القصص والقصص الفنیة القصیرة جدا التی یتم اختیار الشخصیة فیها من الأنواع الرمادیة العادیة التی یتوقع منها صدور الفعل الحسن والقبیح علی السواء. غیر أننا نجد بین النماذج المذکورة حالتین اختیرت شخصیتها من عامة الناس الذین یمثلون الشخصیات الرمادیة فی القصص عادة، وذلک فی سورتی النحل ویس. ب.2. الصراع والعقدة تبدأ القصة عندما یؤدی الصراع داخل إطار القصة إلی خلق عقدة فیسوق الأجواء نحو التأزم والخروج عن الاعتدال. «الصراع الذی یحتدم فی أحداث القصة القرآنیة إنما یأخذ وجهاً واحداً فهو الصراع بین الخیر والشر باعتبارهما ظاهرتین متحکمتین فی الحیاة.» (انظر: خطیب، 1975م: 193) وهذا الصراع ملحوظ فی النماذج المعنیة بالبحث. فیظهر ذلک فی الصراع بین إبراهیم (ع) والکافر المتألّه حیث یحاجان فی قضیة الربوبیة، فیتحول هذا الصراع إلی خلق العقدة: من هو الرب الحقیقی؟ فیتأزم الموقف بادّعاء الکافر أنه قادر علی الإحیاء والإماتة، و أخیرا ینتهی الأمر إلی حلّ العقدة بفشل المدعی فی ادعائه. إنّ هذا الصراع خرج فی القصة فی صورة الحوار، ونظراً لسرعة الأحداث فی القصة القصیرة جداً، فتتابعت الأحداث حتی وصلت إلی الذروة ثم استقرّت إلی حالة الاعتدال. إن الصراع فی النموذج الثانی أی فی آیة 259 من سورة البقرة داخلی، فلا نجد شخصیة سلبیة حتی یدور الصراع بین القطبین، بل الصراع یظهر فی حدیث النفس حیث یحتار عزیر النبی فی قدرة الله علی إحیاء الأموات، ثم تبدأ القصة لتتکوّن العقدة و تجری الأحداث بسرعة، کما نتوقّعها فی القصة القصیرة جداً وتصل إلی حالة الاعتدال، و ذلک مشابه لما نجده فی نموذج سورة النحل. ب.2. المشهد إن المشهد عبارة عن الحدود الزمکنی التی یحدث فیها العمل القصصی. (انظر: میرصادقی، 1386ش: 449) والزمان فی القصة لیس التحدید الزمنی فحسب، بل یتعدی إلی أفعال معبّرة عن زمن وسرعة سرد القصة أو بطئه، وتلخیص القصة أو بسط الأحداث، والقفز من حدث غیر ذی أهمیة. إنّ القصة القرآنیة توظّف تقنیات متعددة لتحدید زمن القصة، و من هذه التقنیات: التسریع أو الإبطاء فی سرد الحادث، وتوظیف کلمات تحمل دلالات زمنیة، ومزج الزمان بالمکان بغیة رسم البیئة القصصیة. تشیر دراسة القصص القرآنیة أنّ جمیع أنواع الأزمنة من الماضی إلی الحال والاستقبال قائمة فیها. فالعودة إلی زمن ماض بغیة استرجاع حدث واقع فی الزمن الماضی تتم عبر ربط الحاضر بهذا الحدث من خلال روابط مختلفة مما یجعل التنقل بین الزمنین انسیابیاً سلساً. (انظر: الحطینی، 2009م: 164-165) أما الزمان فی القصة القصیرة جداً فیجب أن یتمیّز بالقصر الشدید وهذا القصر ما یمکن التعبیر عنه بحدوث حدث القصة فی حدود زمنیة قصیرة جداً، ومن میزاته أیضاً أنّه زمن ماضٍ مبهم، والمکان فی هذا الجنس القصصی ینبغی أن یکون محدوداً مبهماً أیضاً. یتبیّن من خلال النظر فی الآیات المذکورة أعلاه، أنّ الزمان والمکان أو ما یعبَّر عنه بالمشهد، محدودان مبهمان، حیث لم یُحَدَّد الحدود الزمنیة والجغرافیة التی حدثت فیها أحداث القصص. فإذا أردنا معرفة الصلات الزمنیة التی تمتّ بها قصة المحاجة فلن تحصل إلا بمراجعة الکتب التاریخیة ولاسیما کتب العهد العتیق. کذلک الحال فی قصة الإحیاء، فلا نعرف عن مشهد القصة إلا أنّه قرب قریة مدمَّرة فی الزمن الماضی، ولایتبیّن حدودها الزمکنیة إلا بمراجعة کتب التاریخ. ج.البدایة سبق الذکر أن القصة القصیرة جداً تبدأ فجائیا، فلا تمهدّ ولا تدخل فی رسم الشخصیات، وذلک ما نجده فی النماذج القصصیة المعنیة بالبحث. فتبدأ بعضها بسؤال فنسمیه بالبدایة الاستفهامیة، حیث نری ذلک فی قصة المحاجّة حیث بدأت بعبارة: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِی حَاجَّ إِبْرَاهِیمَ فِی رَبِّهِ...﴾ (البقره: 258) فدخلت فی سرد الحادث فجأة. نجد هذا النوع من البدایة فی قصة صاحب الجنة، حیث أبی ذریته من الأخذ بید الفقراء فاحترقت جنتهم بإذن الله، فنقرأ فیها: ﴿أَیَوَدُّ أَحَدُکُمْ أَنْ تَکُونَ لَهُ جَنَّةٌ...﴾ (البقره: 266) الفارق بین هذا النموذج و سابقتیها فی تمهیدها القصیر جداً للدخول فی سرد الحادث و ذلک قائم فی رسم الجنة بثمارها وأنهارها، وفی الوقت نفسه لا نغفل عن ضرورة هذه المقدمة لسرد الحادث. ومن بدایات القصة القرآنیة القصیرة جداً تلک التی تکون بظرفی "إذ" و"لمّا" المشیرین إلی شریحة زمنیة حصل فیها الحادث، و مثال ذلک ما نجد فی قصة إبراهیم وأبیه آزر: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِیمُ لِأَبِیهِ...﴾ (الأنعام: 74) وفی قصة إحیاء الطیور: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِیمُ رَبِّ أَرِنِی کَیْفَ تُحْیِی الْمَوْتَى ...﴾ (البقرة: 260) وقصة الأعرابی المرزوق بأنثی: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى...﴾ (النحل: 58) وقصة ضیف لوط: ﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِیءَ بِهِمْ ...﴾ (العنکبوت: 33) إن بعض القصص القصیرة جداً تجعل المتلقی وسط الحادث وتکون البدایة فیها فجائیاً ومثالها قصة النبی عزیر فی مروره علی القریة المدمّرة: ﴿أَوْ کَالَّذِی مَرَّ عَلَى قَرْیَةٍ وَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا...﴾ (البقرة: 259) وهناک قصص قرآنیة قصیرة جداً تبدأ بالترغیب فی الاستماع إلی أخبار الماضین وذلک مثل قصة ضیف إبراهیم: ﴿وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَیْفِ إِبْرَاهِیمَ...﴾ (الحجر: 51) وقصة داود النبی الذی استعجل فی الحکم: ﴿وَهَل أتَاکَ نَبَأ الخَصمِ إذ تَسَوَّرُوا المِحرَابَ ...﴾ (ص: 21) والملفت للنظر فی هذا النموذج اجتماع نوعین من البدایة فیه حیث نجد فیه البدایة الاستفهامیة والبدایة الترغیبیة.
ه. المضمون والحبکة القویة إن الحبکة عنصر من عناصر القصة وهی عبارة عن: ترتیب الأحداث وتوالیها، بل مجموعة منسقة من الأحداث التی اتصل بعضها ببعض حسب نموذج ذهنی. (انظر: میرصادقی، 1379ش: 64) تتم معالجة الحبکة وتقدیمها فی مراحلها المختلفة بدایة من مقدمة القصة إلی نقطة الصراع والأزمة، وصولاً إلی الذروة، وانتهاء إلی الفقرة الختامیة بأسالیب متعددة. (انظر: حبیبی، 1390ش: 39) تنقسم الحبکة فی القصة القرآنیة من حیث القوة والضعف إلی قسمین:
نظراً لقصر الحجم فی القصة القصیرة جداً فإن العنصر الذی یلعب الدور الأساس فی لفت انتباه المتلقی هو الحادث المدهش والموقف الحاسم فی القصة، وینبغی أن یحظی المضمون بفاعلیة ممتازة حیث یجعل القارئ یتأمل الموقف فیُشعره مشاعر الرضا والإعجاب. إن المتلقین للقصص القرآنیة عادةً معجبون بها؛ إذ تتخذ من مواقف تاریخیة حاسمة مادة لها أو تضع السلوک الثقافیة والاجتماعیة السلبیة تحت بؤرة النقد، ومن أمثلة ذلک قصة الأعرابی فی سورة النحل، التی تعالج قضیة اجتماعیة وتندّد سنة وأد البنات بین قبائل من العرب الجاهلی وفضلاً عن قوة الحبکة فإن أسلوب معالجة القضیة مما یزید فی جمال العمل الأدبی، حیث یأخذ فی الطریقة غیرالمباشرة فیضع النقد فی أسلوب استفهامی بغیة إدخال المتلقی فی عملیة القراءة. وفی قصة عزیر النبی نجد الموقف حاسماً أیضا؛ حیث نلاحظ فیها اجتماع الحال والمستقبل، والحیاة والموت، ونظراً لأن الإنسان کان ولایزال یولی اهتماما بالغا لقضیة البعث فالحبکة التی ترسم هذا الموقف یبعث فیه مشاعر الإعجاب وحبّ الاستطلاع، وهذه الحبکة القویة ما نجدها فی قصة إحیاء الطیور فی سورة البقرة أیضا حیث تعالج قضیة مشابهة. تشیر الدراسات فی القصة القرآنیة القصیرة جداً أن کلاًّ منها تتضمّن نقطة جدیرة بالتأمل والالتفات، ولا عجب، فإن هذا القرآن هدیً لأولی الأبصار، وسوق المتلقی إلی التأمل والبصیرة ما یستقصیه جنس القصة القصیرة جداً. و. الاعتماد علی الحوار یُعنَی بالحوار ما یدور بین شخصیات القصة من حدیث خارجی وما یدور فی ذهن شخصیة واحدة من حدیث داخلی، فیحدث نفسه عن هواجسه فی سیاق یسمّی بحدیث النفس. یعتبر عنصر الحوار فی القصة القرآنیة من أهمّ العناصر الفنیة المساعدة فی تصویر الشخصیات، و تسییر الأحداث، وبیان الأفکار والآراء، وتحقیق الأهداف ورسالة النص المعنیة. ونظراً لقصر الحجم فی جنس القصة القصیرة جداً فإن الأحداث والأعمال فیها قلیلة، وهذا ملحوظ فی النماذج القرآنیة من هذا الجنس. أما الحوار فقد اعتُمد فی هذه النماذج بشکل ملحوظ حیث نجده قائما فی قصة المحاجة: ﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِیمُ رَبِّیَ الَّذِی یُحْیِی وَیُمِیتُ قَالَ أَنَا أُحْیِی وَأُمِیتُ قَالَ إِبْرَاهِیمُ...﴾ (البقرة: 258) وقصة عزیر النبی: ﴿...قَالَ أَنَّى یُحْیِی هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا .... قَالَ کَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ یَوْمًا أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ .... قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ﴾ (البقرة: 259) وقصة إحیاء الطیور: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِیمُ رَبِّ أَرِنِی کَیْفَ تُحْیِی الْمَوْتَى قالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَکِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّیْرِ...﴾ (البقرة: 260)، وقصة ضیف إبراهیم: ﴿...فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْکُمْ وَجِلُونَ قَالُوا لَاتَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُکَ بِغُلَامٍ عَلِیمٍ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِی .... قَالُوا بَشَّرْنَاکَ بِالْحَقِّ .... قَالَ وَمَنْ یَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ (الحجر: 51-56) حیث اعتمد الحوار فیها بالنقل المباشر. ز. التکثیف یقول الأدیب جاسم خلف إلیاس فی التکثیف ودوره فی القصة القصیرة جداً: «التکثیف مصطلح منقول من میدان علم النفس إلی میدان علم الأدب، وظیفته إذابة مختلف العناصر والمکونات المتناقضة والمتبایة والمتشابهة، وجعلها فی کل واحد أو بؤرة واحدة تلمع کالبرق الخاطف، وهو یحدد بنیة القصة القصیرة جدا ومتانتها لا بمعنی الاقتصاد اللغوی فحسب.. وإنما فی فاعلیته المؤثرة فی اختزال الموضوع وطریقة تناوله، وإیجاز الحدث والقبض علی وحدته، إذ یرفض الشرح والسببیة.» (خلف إلیاس، 2010م: 117) ویؤید الحمداوی رأیه قائلا: «ولا یکون التکثیف فقط على مستوى تجمیع الجمل والکلمات، بل یکون أیضا على المستوى الدلالی، فتحمل القصة تأویلات عدة، وقراءات ممکنة ومفتوحة.» (انظر: حمداوی، 2013م) یرى یوسف حطینی أن التکثیف من: «أهم عناصر القصة القصیرة جداً، ویشترط فیه ألا یکون مخلّاً بالرؤى أو الشخصیات، وهو الذی یحدّد مهارة القاصّ.» (حمداوی، 2011م) نظراً لما سبق فیمکن التعبیر عن عنصر التکثیف بتضمین مفاهیم عمیقة وراقیة فی مساحة نصیة محدودة باستعانة تقنیة الحذف والاقتضاب، بحیث لا یخلّ ذلک بقصصیة النص. ویمکن الإشارة إلی المضامین العالیة التی تتضمّنها آی القرآن ولاسیما ما یسرد قصة قصیرة جداً، ومنها قصة سورة النحل حیث جعلت المتلقی یُنهیها بنفسه وبقراءته الشخصیة، فیختار مصیر الأنثی فی المجتمع الجاهلی بین الموت والذلّ. إنّ هذه القصة جاءت لترفض ظلم المرأة، وخبت الفطرة السلیمة التی تدعو إلی المحبة والحبّ، وتبیّن إحدی أمارات المجتمع الراقی المتجلیة فی إکرام المرأة. لم یوسّع القرآن الحدیث عن رسم البیئة الجاهلیة والتقالید السائدة علیها کما لم یطل الکلام فی نقد عقیدة الوأد الباطلة، بل لخّص القول فی رسم الحالة التی اعتراها الجاهلی بتلقی خبر ولادة بنت له، فقامت الصورة بدل الکلمات تتحدث بکل ما حذف من المفردات لتکون دالة علی المقصود فی أجلی صورها.
النتیجة إن القصة القصیرة جداً جنس أدبی تتمیز بقصر الحجم والحدث و التکثیف والإیجاز الشدید ورغم اعتبار أکثر الأدباء هذا الجنس الأدبی من ثمار الأدب الغربی والرافد إلی الأدب العربی أو بالأحری الأدب الشرقی فإننا نجد فی القرآن الکریم نماذج تنطبق مواصفاتها الفنیة علی نموذج القصة الفنیة القصیرة جداً. تتصف هذه النماذج القرآنیة بالقصصیة، وقصر الحجم، والحادث، والحبکة القویة، والتکثیف، والبدایة السریعة، وقلة عدد الشخصیات، واعتماد الحوار کعنصر فاعل فی سردها، ولکنها وفی نفس الوقت تختلف عن القصة الفنیة القصیرة جداً فی اتخاذ الشخصیات الثابتة البیضاء والسوداء عنصراً فی سرد الحادث، فی حین نجد الشخصیة فی القصة الفنیة رمادیة مختارة من بین الأناس العادیین، والصراع فی القصة القرآنیة بین المؤمنین کممثلین لقوی الخیر وبین الکفار کممثلین لقوی الشرّ. من هذا المنطلق ونظراً لاتصاف النماذج القرآنیة بالمیزات الأساسیة للقصة القصیرة جداً فنعتبر القصص القرآنیة القصیرة جداً بدایات لهذا الجنس الأبی ونرفض الإبداع الغربی منشأ لها، فلا نوافق من یری سرعة الحیاة فی العصر الراهن وضیق صدر الناس عن قراءة القصص الطوال ورغبتهم فی صیاغة طریقة لتلقی الأکثر فی الأقلّ، دوافع لظهور جنس القصة القصیرة جداً، بل نراها الأسباب المساعدة للاهتمام بها أکثر والإقبال علیها لإثراءها والرفع بمستواها الفنی حیث تناسب العصر الجدید بمواصفاتها السائدة علیها وعلی أهلها. فإن القرآن الکریم من أسالیبه أن یوسّع فی الذکر حیناً ویلخّص حیناً آخر، فیقصّ الأحداث بالتفصیل لمن یرید المعرفة بالتفاصیل والتدبّر فیها ویعیش حالة شرح الصدر، کما یقصّها موجزاً لمن یریدأن یأخذ من هذا البحر غرفة بیده، ویرکّز علی موقف ویمرّ بمواقف مرّ السحاب، ویکرّر أو یهمل، وبالأحری فإن القرآن الکریم یوظّف أسالیب متعددة لإبلاغ الرسالة إلی أهلها والقصة القصیرة جداً من هذه الأسالیب. [1]. لیس هناک اجماع حول الحد الأقصی لعدد المفردات فی القصة القصیرة جداً فإن أخذنا برأی هلمن وهارمن (2000مفردة) وإن أخذنا رأی میر صادقی (1500) المعیار، فإن ما یهمّ فی الأمر أن هذا النص یجب أن یتصف بالتکثیف والإیجاز الشدید. )انظر: باینده، 1385ش: 38) [2]. اختلف المفسرون فی عدد ضیف إبراهیم ولکنهم یتفون فی زیادة هذا العدد عن الاثنین، إذ کانت کلمة (الرسل) جمعا ولا ُیطلق الجمع علی ما یقلّ عن الاثنین، وورد فی بعض الأحادیث أنهم کانوا الأربعة. (انظر: الطباطبایی، هود: 69-76) | ||
مراجع | ||
أ. الکتب القرآن الکریم. اشرفی،عباس. (1390ش). مقایسه قصص در قرآن و عهدین. ط2. طهران: شرکة بین الملل للطبع والنشر. خلف إلیاس، جاسم. (2010م). شعریة القصة القصیرة جدا. لاط. لامک: دار نینوی للدراسات والنشر والتوزیع. الحسین، أحمد جاسم. (1997م). القصة القصیرة جداً. لاط. دمشق: منشورات دارعکرمة للطباعة والنشر والتوزیع. الجبوری، یحیی. (1986م). الشعر الجاهلی خصائصه وفنونه. ط5. بیروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزیع. جزینی، محمد جواد. (1390ش). داستانک (فلش فیکشن). ط1. طهران: دار هزاره ققنوس للنشر. جزینی، محمدجواد. (1394ش). ریخت شناسی داستانهای مینیمالیستی. ط1. طهران: دار ثالث للنشر. حسینی(ژرفا)، ابوالقاسم. (1379ش). مبانی هنری قصه های قرآن. قم: مرکز الدراسات الإسلامیة المنتمیة لمنظمة الإذاعة والتلفزیون للنشر. http://pajuhesh.irc.ir/product/book/show/id/85
الخطیب، عبدالکریم. (1975م). القصص القرآنی فی منطوقه ومفهومه مع دراسة تطبیقیة لقصتی آدم ویوسف. ط2. بیروت: دارالمعرفة. الزمخشری، ابوالقاسم محمود بن عمر. (1995م). أساس البلاغة. لاط. تحقیق عبدالرحیم محمود. بیروت: دارالمعرفة. شاکر، عبدالحمید. (2007م). الأسس النفسیة للإبداع الأدبی: فی القصة القصیرة خاصة. لاط. مصر: الهیئة المصریة العامة للکتاب. الطباطبایی، محمد حسین. (لاتا). تفسیر المیزان. المجلد العاشر. الموقع الشامل للقرآن الکریم. http://quran.anhar.ir/tafsirfull-13671.htm
طبرسی، فضل بن الحسین. (لا تا). مجمع البیان فی تفسیر القرآن. نت. http://hodaalquran.com/rbook.php?id=1562&mn=1
میرصادقی، جمال. (1386ش). جهان داستان. ط1. طهران: دار اشاره للنشر. میرصادقی، جمال. (1379ش). عناصر داستان. ط4. طهران: دار سخن للنشر. یوب، محمد. (2015م). القصة القصیرة جداً الخروج عن الإطار. لاط. شارقة: دائرة الثقافة والإعلام. یونسی، ابراهیم. (1392ش). هنر داستان نویسی. ط11. طهران: دار نگاه للنشر. ب. المقالات آل بویه لنگرودی، عبدالعلی؛ جانسیز، زهیر؛ رومیة، وسام. (1394م). «القصة القصیرة جدّاً بین الأدبین العربی والفارسی، نظرة إلی نماذج من الکاتب المغربی "عبدالسمیع بنصابر" والکاتب الإیرانی "جواد سعیدی پور"». فصلیة إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی والفارسی. العدد 18. صص 9-30. أمعضشو، فرید. (2013م). «القصة القصیرة جداً: الخصائص والجمالیات». http://www.alarab.co.uk/?p=32160
پاینده، حسین. (1385ش). «ژانر ادبی داستانک وتوانمندی آن بر نقد فرهنگ». فصلیة پژوهشهای ادبی. العدد 12 و 13. صص 37-48. حبیبی، علی اصغر؛ بهروزی، مجتبی؛ خلیفة، ابراهیم. (1390ش). «واکاوی مؤلفه های روایی داستان های قرآن کریم». نصف سنویة پژوهشهای میان رشته ای قرآن کریم. العدد 2. صص 37-49. الحمداوی، جمیل. (دیسمبر 2006م). «القصة القصیرة جداً جنس أدبی جدید ». www.diwanalarab.com
الحمداوی، جمیل. (2011م). «مقومات القصة القصیرة جدا عند د.یوسف الحطینی». http://www.freearabi.com
الحمداوی، جمیل. (أبریل 2013م). «أرکان القصة القصیرة جداً ومکوناتها الداخلیة». مجلة المتحرر الالکترونیة. http://smouafki.3abber.com/post/148559
دولتیان، سمیه. (1388ش). «بررسی شروع داستان در داستانک». شهریة الأدب. العدد 32. صص 68-71. سرشار، محمدرضا. (1377ش). « حکایت ومختصات آن». ادبیات داستانی. العدد 46. صص 21-26. علیان، مصطفی. (1413ق). «بناء الشخصیة فی القصة القرآنیة». مجلة اللغة العربیة الأردنی. العدد 44. صص265-314 گلچین راد، غلامرضا؛ افضلی، فرشته؛ شمس آبادی، حسین. (1390ش). «نشأة القصة القصیرة ومیزاتها فی مصر». مجلة دراسات الادب المعاصر المحکمة. العدد 11. صص 67-80. محمد علی، محمد. (1390ش). «مقدمه ای بر داستان های مینیمالیستی». آشتی. العدد 8.
English source Webster’s Encyclopedic Unabridged Dictionary of the English Language, (1989), GRAMERCY Books, New York: AVENEL
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 3,107 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 3,146 |