تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,284 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,917 |
تقابل الحضارات بین الأنا والآخر فی روایة "واحة الغروب" لبهاء طاهر | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 2، دوره 6، شماره 23، اسفند 1437، صفحه 49-29 اصل مقاله (216.57 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
کبری روشنفکر1؛ هادی نظری منظم2؛ نوح اسلامی* 3 | ||
1دانشیار زبان و ادبیات عربی دانشگاه تربیت مدرس، تهران، ایران | ||
2استادیار زبان و ادبیات عربی دانشگاه تربیت مدرس، تهران، ایران | ||
3دانشجوی کارشناسی ارشد زبان و ادبیات عربی دانشگاه تربیت مدرس، تهران، ایران | ||
چکیده | ||
الحضارة تعنی التقدم الشامل بما فیه العدل والعلاقات والمعاملات والثقافة بین الاثنین، وکل حضارة تعرض ما تمتلکه علی حضارات أخری عن وعی أو غیر وعی، وما یفتح الحوار بین الحضارات هو علاقة بعضها ببعض، أو تلاقیها عبر الفتوحات والحروب کما وقعت فی التاریخ وصورتها النصوص الأدبیة حینا بعد حین. صورولوجیا علم یقوم بعرض صورة بلد ما، أو أمة ما، أو شعب ما، حیث یعین الباحث علی أن یکتشف الصور التی عرضتها، ومن مکونات هذا العلم، هی: صورة الآخر التی تقابل الأنا التی تتکلم عن الآخر ویصوره. یعتبر بهاء طاهر روائیا مصریا معاصرا خصص قسما من روایته "واحة الغروب" بعرض جدلیة ثلاثیة بین الأنا (الحضارة المصریة)، والآخر (کل من الحضارات الیونانیة المتمثلة فی الإسکندر المقدونی والفارسیة المتمثلة فی دارا)، ویتکلم علی لسان الآخر حول المصریین (الأنا الجمعیة) ثم الفرس ودارا ملک الفرس وجیشه (الآخر السلبی). یتناول هذا البحث بالکشف عن الصور المعروضة لکل من الإسکندر المقدونی والمصریین والفرس فی روایة "واحة الغروب" لبهاء طاهر؛ وذلک عبر الحوار بین الشخصیات الروائیة، معتمدا علی المنهج الوصفی- التحلیلی، والتاریخی، والنتائج تقول بأن الآخر الغربی الإیجابی یتجلی فی شخصیة الإسکندر، والروائی قد عرض منه صورة ذات فضائل إنسانیة یحبه المصریون وهو فی أنانیته یوحد العالم بعد محاربة الفرس. | ||
کلیدواژهها | ||
صورولوجیا؛ الأنا والآخر؛ بهاء طاهر؛ روایة واحة الغروب | ||
اصل مقاله | ||
إن للثقافات دورا کبیرا فی تشکیل حیاة الناس وفی وصولهم إلی مناطقها العمیقة، حیث تمنح الناس هویة محددة یتعرفون علیها، وهی نفسها کیانات غیر متجانسة تقدم أنماط التعبیر الثابتة فی تاریخ شعب علی أنها تشکل - عادة- المرجع لوحدة جماعیة. والصراع بین الثقافات والحضارات ینشأ من العلاقات الثنائیة بینها، عندما تتکون علاقة بین شعب وآخر أو ثقافة وأخری یسعی الناس إلی التعرف علی الثقافة الواردة فی بلادهم، وهذا ینتج خیطا افتراقیا فیهما، ویسبب الشعور بالتفوق أو التقهقر من جانب الحضارة المستضیفة، فأصحاب هذه الحضارات یسعون إلی تفضیل حضارتهم علی الأخری وتؤدی هذه الصدامات أحیانا إلی حذف ثقافة أو تحقیر شأنها وجعلها خاضعة لأخری. فکرة الصراع الإنسانی قدیمة فی حد ذاتها وتنشأ من الثقافة أو الهویة التی تحکم کل حضارة، فالنصوص الأدبیة تعکس هذه الصدامات أحیانا، فتستعمل لثقافة الذات مصطلح "الأنا" ولثقافة الغیر مصطلح "الآخر"، و«العلاقة بین "الأنا" و"الآخر" هو الخیط الناسج للنص الإبداعی، فالأحاسیس والعواطف التی تحفل بها الأعمال الأدبیة الخالدة تبقی معلقة فی العمق بجدلیة الذات والغیر.» (ماجدولین، 2012م: 25) الصراع بین الدول والقوی یولد دائما نتیجة للرغبة فی السیطرة علی شیء ما، کالناس، أو الأرض، أو الثروة أو القوة، أو هی القدرة علی فرض الرأی؛ فهذه الظاهرة یتناولها الباحثون العصریون تحت عناوین جدلیة الأنا والآخر، کما أن هذا النوع من الصدام یمثل صورة من الحضارات، الأمر الذی یمکن الفحص عنه فی أی فن أو کتاب، کأدب الرحلات أو الروایات والمسرحیات. الشیء الذی یهم الباحث فی هذا الحقل من الدراسات هو علاقتها بالأدب، والذی یهمنا هو أن نقول بأن الأدب هو مرآة العصر ومن صفته أن یعکس القضایا التی ترتبط بالمجتمع والعصر بشکل جمیل مؤثر علی النفوس، الأمر الذی یدفعنا أن نقرأ النصوص الخالدة مرات ومرات. ها هو المصری بهاء طاهر (1935م) له أعمال عدیدة منها روایة واحة الغروب، یتکلم الروائی فی هذه الروایة عن واقع الثقافة والخلافات الموجودة الراهنة فی واحات مصر ولاسیما واحة سیوة، ویتطرق من خلاله إلی علاقة شرق الأرض وغربه؛ ویتکلم فی قسم من روایته عن الحضارة المصریة الراقیة التی أثارت إعجاب الإسکندر المقدونی، حیث یری بأن الیونان مع ما یمتلک من الحکمة فیتأثر عمالقه جدا بحکمة آلهة مصر، وهو یصور الإسکندر المقدونی منجیا للمصریین من ظلم الفرس فی العهد الإخمینی، وآلهة مصر اختارته کإله. یعتمد هذا البحث فی دراسته النص الروائی علی المنهج الوصفی- التحلیلی ویستخدم علم الصورة کأداة للبحث. هذا وتتم دراسة الحوارات والصور التی یعرضها الروائی فی نصه من رؤیة الأنا والآخر الفنیة النقدیة. قد شاع حوار الحضارات فی هذا القرن والعالم الیوم بأمس حاجة إلی الحوار منه إلی التقابل. أسئلة البحث یحاول هذا البحث الإجابة عن السؤالین الرئیسین: 1- کیف یصور الکاتب بهاء طاهر الأنا الجمعیة المصریة تجاه الآخر المقدونی وتجاه الآخر الفارسی فی روایته "واحة الغروب"؟ 2- کیف یصور بهاء طاهر الآخر المقدونی والآخر الفارسی فی روایته المذکورة؟ خلفیة البحث هناک دراسات تقوم بتصویر الثقافات وصورة الآخر، منها: 1- ماجدة حمود (2010م): فی کتابها "صورة الآخر فی التراث العربی" حیث تتطرق إلی عرض تعریفات لصورة الآخر وأهمیتها، ثم تأتی بنماذج تطبیقیة لهذا الموضوع من صورة الفرس فی کتاب "البخلاء" للجاحظ، وتقوم بدراسة الصراعات القائمة بین العرب والفرس وفی العراق. 2- الفیومی (2011م)، مقالة تحمل عنوان "جدلیة الأنا والآخر فی روایة المتشائل أنموذجا"، کتب هذا البحث الدکتور سعید محمد الفیومی، وقام الباحث فی هذه الدراسة بتحلیل روایة المتشائل للکاتب إمیل حبیبی، ویناقش قضیة الأنا الفلسطینیة والآخر المحتل ومحاولة التعایش بینهما فی الأرض الفلسطینیة، ویری أن الاحتلال یحاول طمس هویة الأنا الفلسطینیة. 3- فاطمة کاظم زاده وآخرون (2013م): "صورة الآخر فی روایة قبل الرحیل"، عرضت المقالة صورا من الغربیین، بما فیها الآخر الإنجلیزی والیهودی والألمانی والفرنسی والأمریکی والبولندی، والملفت للنظر أنه قد اعتبرت الکاتبة وزملاؤها الآخر الیهودی جزءا من الآخر الغربی. 4- بروینی، خلیل وهادی نظری منظم وکاوه خضری (1391ش)، مقالة تحمل عنوان "صورة مایاکوفسکی فی شعر عبد الوهاب البیاتی وشیرکو بیکه س، دراسة صورولوجیة فی الأدب المقارن"، درست المقالة بعد التعریف عن دراسة صورولوجیا صورة الشاعر الروسی عند الشاعرین الکوردی والعراقی فی مقاطع مختلفة ثم بینت نقاط التلاقی عند الشاعرین فی تصویرهما للشاعر الکوردی شیرکو بیکه س. أما بالنسبة إلی اعمال الروائی الکبیر بهاء طاهر، فهناک دراسة تحمل عنوان "ویژگیهای فنی وموضوعی داستان در آثار بهاء طاهر" للدکتور جواد اصغری الذی تناول الخصائص القصصیة والفنیة فی آثار بهاء طاهر بالدرس ولیس هناک دراسات قد تناولت صورة الأنا والآخر فی آثاره. التعاریف والمفاهیم صورولوجیا (الصورة الأدبیة) یقدم صورولوجیا صورا من مجتمع ما، أو بلاد ما، أو شعب ما، فهذه الدراسة تبین لنا مدی قبول الأمم بعضها بعضا وأنهم کیف ینظرون إلی أمة غیرهم. تعتقد الصورولوجیة بأن صفة الصورة الرئیسة هی أنها منبعثة من الافتراقات القائمة بین "الأنا" و"الآخر" وبین "هنا" و"هناک". (دقیقی، 1390ش: 106) «کلمة صورولوجیا لها شمولیة وعمومیة، مع أن لهذا النوع من الاتجاه النقدی تعاریف تخص به، وتشمل قسما خاصا من دراسات الصورة فی معناها العام، فهذه الکلمة جدیدة کل الجدة بحیث أنها لم تسجل فی کثیر من المعاجم اللغویة.» (نامور مطلق، 1388ش: 3) وهذا النوع من الدراسة یعد من صمیم الأدب المقارن والفن المقارن کما یمکن أن نعده من الاتجاهات النقدیة الحدیثة، فقد اعتنق الیوم أکثر الباحثین بأن الصورالمعروضة فی آثار أدیب ما أو صاحب فن ما، لا تنتزع من العالم الخارجی الحقیقی البحت، بل هناک تدخل أنواع من التحکیمات. وفی رأی دانیل هنری باجو: «کل صورة ینبثق عن إحساس، مهما کان ضئیلا بـ"الأنا" بالمقارنة مع "الآخر"، وبـ"هنا" بالمقارنة مع مکان آخر، الصورة هی إذن تعبیر أدبی أو غیر أدبی، عن انزیاح ذی مغزی بین منظومتین من الواقع الثقافی.» (السید، 1998م: 91) إذن یهدف علم الصورة إلی دراسة صورة ثقافة الذات فی أدب الآخر، أو ثقافة الآخر فی أدب الذات (الأنا)، ومن هذا المنطلق نستطیع القول بأن علم الصورة یدخل فی مجال بیان الصورة الثقافیة لبلد، أو أمة، أو ثقافة ما. (م.ن: 4) الثقافة والبلاد والشعب هی النقطة المرکزیة لدراسة صورولوجیا، وهذا هو الهدف الرئیس من هذه الدراسة، کما أن القیام بالمقارنة بین الشعوب وتفضیل ثقافة علی أخری هو الهدف الذی لانستطیع الغفلة منها خلال ولوجنا فی هذا المجال. یعد صورولوجیا من الاتجاهات الفکریة لشخص ما، أو قوم، أو أمة ما، ویمیز الدارسون بین أنواع الصور، فهناک صورة الذات وهناک صورة الآخر. تستعمل صورة الذات فی بلدان ما یصدرون صورا من ذاتهم وتواجه هذه الصورة فی العالم الخارجی بالقبول. وحیث إن صورولوجیا یعد من فروع الأدب المقارن، «فتحتاج هی مثله إلی أدوات الناقد فی معرفة العلوم الإنسانیة (التاریخ وعلم الاجتماع وعلم النفس...)، والمناهج النقدیة الحدیثة، کما تحتاج إلی مؤهلات ذاتیة کالذوق، والحساسیة وغیر ذلک من أدوات تساعد علی تلمس الجمال.» (حمود، 2010م: 9) للصورة الأدبیة عنصران لاتنفک عنهما، وهما "الأنا" و"الآخر"، فتقدم لنا صورة الآخر أثر العلاقات التاریخیة بین الأنا والآخر فی رسم ملامح مشوهة للذات والآخر أی یبرز أثر العلاقات العدائیة فی تشکیل صورة غیر إنسانیة تنزه الذات وتحقر الآخر.» (م.ن: 9) "الأنا" أو الذات یقول سلیمانی: «الأنا فی المعجم العربی هو ضمیر متکلم قائم بذاته ولذاته، لاینازعه أو یشارکه فی ذاتیته وبصفته، فهو مستقل من غیره وإن کان منتجا له وناتجا من علاقته به، والأنا فی هذه الحالة متقلص فی مساحته، مسکون بنزعته الفردیة.» (السلیمانی، 2009م: 104) ما یقابل الذات هو الآخر الذی إن لم یکن هو لانستطیع أن نحکم علی الأنا بالوجود، لأنها قد تأخذ حیاتها وکینونتها من الآخر، کما أن الآخر یأخذ کینونته من کینونة الأنا، إذن الأنا والآخر هما متلازمان لاینفک بعضهما من بعض. تعد الذات أو الأنا هی مرکز الشخصیات أو نقطة مرکزیة لیست ثابتة بصورة مطلقة، وإنها لا تنمو ولا تفصح عن قدراتها إلا من خلال البیئة الاجتماعیة، وأن الشعور بالأنا لا یبرز دون أن یکون مصحوبا بذوات الآخرین (فتحی، 1999م : 812)، وبعبارة أخری إن الذات وهی تحدد آخرها وتری نفسها هی الأساس الذی تصدر عنه المعاییر التی یمکن من خلالها تحدید من هو الآخر. (الخباز، 2009م: 26) إذن "الأنا" هی ثقافة الذات أو هی حضارة ترید أن تنظر إلی الآخرین کثقافات أو حضارات أدنی من حضارتها أو أعلی، بعبارة أخری ترید "الأنا" عادة أن تثبت تفوقه علی حضارة أخری. لاشک فی أن الصور التی تعرض الأنا من الآخر لاتکون أحیانا متلائمة مع حقیقة تلک الحضارات (حضارة الآخر)، لأن الأنا هی الثقافة التی تدعی بالعلو والفضل علی ثقافات أخری، أو هو الداخلی أو الوطنی الذی ینظر إلی العالم الخارجی أی العالم الأجنبی أو غیر الذاتی الذی یختلف مع عالمه، فالأنا هی القیم المعیارة المتعالیة علی الزمان والمکان. "الآخر" الآخر هو «الکائن المختلف عن الذات، وهو مفهوم نسبی ومتحرک، ذلک أن الآخر لایتحدد إلا بالقیاس إلی نقطة مرکزیة وهی الذات، وهذه النقطة المرکزیة لیست ثابتة بصورة مطلقة، فقد یتحدد الآخر بالقیاس إلی الذات کفرد، أو إلی جماعة معینة قد تکون داخلیة، کالنساء بالقیاس إلی الرجال، والفقراء بالقیاس إلی الأغنیاء، أو خارجیة بالقیاس إلی مجتمع بصورة أعم.» (نادر، 2004م: 20) التکلم عن الآخر هو التکلم عن کل ما یقع خارج الذات الفردیة (الأنا)، والذات الجمعیة (نحن)، فی إطار الشخصیة الوطنیة الجماعیة أو الدولة، أو الأمة، فالکاتب أو الفنان الذی یتکلم عن الآخر یتکلم عن الشخصیات أو الجماعة أو الأمة التی لیست فی إطار وطنه وکینونته فی الواقع. والتغییر هو الصفة الرئیسة فی الآخر، کما أنه یقف موقفا مقابلا بالنسبة إلی الأنا، فتتحدث عنه الأنا وتصوره بما شاء من الصور التی تتعرف إلی الآخر من خلالها مواطنو الذات أو الآخرون. «من الصعب فصل الآخر کمفهوم فی تعریفه من مفهوم الذات، ذلک أنهما دائرتان متداخلتان جدا، وهذا التداخل راجع فی أساسه إلی أن المفهومین یساهمان فی تکوین بعضهما البعض، أی أن التداخل ناتج من طبیعة التعلق بکل منهما؛ إنهما یلدان بعضهما البعض، وینمیان بعضهما البعض، فبقدر ما یتضح مفهوم الذات وترتسم حدوده فإن مفهوم الآخر فی الجهة المقابلة تتضح بنفس المقدار وترسم حدوده.» (الخباز، 2009م: 20 – 22) التلازم السائد علی مفهوم الآخر والذات لایمکن التغفل عنه، فاستخدام أی منهما یستدعی تلقائیا حضور الآخر، ویبدو أن هذا التلازم علی المستوی المفهومی هو تعبیر عن طبیعة الآلیة التی یتم وفقا لما تشکل کل منهما، فصورتنا عن ذاتنا لاتکون بمعزل عن صورة الآخر لدینا، کما أن کل صورة للآخر تعکس بمعنی ما صورة الذات. (فتحی، 1999م: 812)
حالات قراءة "الأنا" و"الآخر" تتعدد حالات الفهم والقراءة فی صورة الآخر وأهم هذه الحالات هی: 1- التشویه السلبی: فی هذه الحالة تسیطر علی "الأنا" مشاعر التفوق علی الآخر وغالبا تعززها العلاقات العدائیة مع "الآخر". 2- التشویه الإیجابی: فی هذه الحالة تسیطر علی "الأنا" مشاعر الدونیة، فتتم من خلالها رؤیة الواقع الثقافی الأجنبی فی حالة من التفوق علی الثقافة الوطنیة الأصلیة. 3- التسامح: فی هذه الحالة تسیطر علی الأنا الرؤیة المتوازنة للذات والآخر، فترسم الآخر بروح موضوعیة یسودها التسامح، فیتم تقدیم الصورة برؤیة واعیة تعتمد العلم. (حمود، 2010م: 28)
بهاء طاهر، حیاته، وروایته "واحة الغروب" حیاته ولد الروائی الکبیر "بهاء طاهر" فی محافظة الجیزة فی 13 ینایر 1935م، حصل علی لیسانس الآداب فی 1956م من جامعة القاهرة ودبلوم الدراسات العلیا فی الإعلام شعبة إذاعة والتلفیزیون سنة 1973م. عمل مترجما فی الهیئة العامة للاستعلامات بین عامی 1956م و1957م، ثم عمل مخرجا للدراما حتی عام 1975م، حیث منع من الکتابة. بعد مدة ترک مصر وسافر إلی کل من إفریقیا وآسیا حیث عمل مترجما، وعاش فی جنیف بین عامی 1981م و1995م، حیث عمل مترجما فی الأمم المتحدة، وبعد هذه الغربة عاد إلی مصر حیث یعیش إلی الآن. (أصغری، 1390ش : 26) روایته "واحة الغروب" کتبت هذه الروایة سنة 2008م، والأحداث تدور فیها حول واقع مجتمع الواحات فی مصر فی عهد الاحتلال البریطانی، فالأحداث الرئیسة تدور حول واحة فی صحراء مصر وهی واحة سیوة. لهذه الروایة شخصیتان رئیستان هما: "محمود" و"کاثرین"، فینشغل محمود فی الشرطة المصریة ویتعرف إلی کاثرین أثناء ذلک ویتزوج بها، وکاثرین هی عالمة أثریة إیرلندیة. اتهم محمود بتأثره بأفکار سید جمال الدین الأسدآبادی وأحمد عرابی باشا، ولهذا ینتقل إلی واحة سیوة فی مهمته. (م.ن: 29) واجه محمود فی تلک الواحة مشاکل، مع أن زوجته کاثرین ترید أن تکشف عن أسرار خرائب "أم عبیدة" وعن أسرار مقبرة الإسکندر المقدونی، ومن هنا تبدأ الوجهة الخیالیة للروایة وتنتقل أحداثها إلی الماضی وتدخل فی فضاء من الواقعیة السحریة، حیث تقوم "کاثرین" بإحضار الأرواح وتحضر روح الإسکندر المقدونی. تبدأ القصة حینئذ علی لسان الإسکندر المقدونی، فیتحدث الکاتب عن أنانیة المقدونی وعن ردود أفعال المصریین تجاه الإسکندر وکیفیة تعامله مع الفرس وملکهم دارا وأسرته، وکیفیة هزیمة جیشه علی ید الإسکندر وجیشه. فالروایة فی کلیتها تدور حول الأحداث فی واحة سیوة والخلافات السائدة بین شقی الواحة أی الغرب والشرق وکیفیة نظرة أهل هذه الواحة بالنسبة إلی الآخر المستعمر أو الغربی. تقابل الحضارات بین الأنا والآخر صورة الإسکندر المقدونی اختص الکاتب الشهیر بهاء طاهر قسما من روایته "واحة الغروب" بالتکلم علی لسان الإسکندر المقدونی وما نال من الفتوحات، کفتح إیران وهزیمة "دارا" ملک الفرس وإنقاذ مصر من أیدیهم وملکهم "دارا"، ویعدد له (الإسکندر) صفات إنسانیة تبرر حروبه وفتوحاته ویجعله الکاتب منجیا للمصریین والمحبب إلیهم، فیصوره ذا صفات کالعدل والسخاء والعفو والحکمة والشجاعة، إذن لا یری الإسکندر نفسه إلا شخصیة إنسانیة یبرر نفسه وهو الذی ساعد المصریین حین خلصهم من سیطرة الفرس فی العهد الإخمینی. أ- العدل یصور الکاتب الإسکندر علی لسانه عادلا یأبی الظلم ویهدف إلی بسط العدل فی الکون من خلال حروبه وفتوحاته لاسیما حربه مع الفرس، ویقول علی لسان شخصیة کاثرین أنه أنقذ مصر من أیدی الفرس الظالمین. یقول الکاتب فی معرض من الروایة علی لسان الإسکندر: «لکن بعد لقاء آمون لم أواصل الحرب مع الفرس باعتبارهم أعداء أنافسهم علی احتلال البلدان، لا، بل هی الآن حربی باعتباری إلها للعدل أبسطه فی الکون.» (طاهر، 2008م: 114) یصور الکاتب الإسکندر المقدونی باسطا للعدل فی العالم بحروبه التی تشن علی الفرس وتلک الحروب تصطبغ بصبغة العدل بعد تعرف الملک الیونانی إلی إله مصر وهو آمون. وفی معرض آخر من الروایة یقول الکاتب: «وکان عدلا بعد ذلک أن أدمر تلک العاصمة وأن أحرقها، ألم یحرق الفرس آثینا الجمیلة درة الیونان قبل قرنین من الزمان؟» (م.ن: 115) فإقامة العدل من جانب الاسکندر تقتضی أن یواجه بمثل ما واجه به الأعداء وهم الفرس، فبما أن الفرس قد دمروا مدینة أثینا التی تعد درة الیونان فله أن یدمر عاصمة الفرس لیقام العدل کما هو یرید وعلی أساس ما یهدف إلیه. الإیجابیات التی یصور الکاتب بها الآخر هی علی لسان الآخر وذلک یوهم القارئ بأن الکاتب یصور الآخر علی لسان الآخر نفسه، ولیس هذا من عقائد الأنا المصریة أو الشرقیة. من النماذج النصیة الأخری التی تتکلم عن صفة العدل للآخر هو الموضع الذی یقول الکاتب فیه علی لسان الآخر: «فکیف تغرینی ثرواته التی ستکون فی کل الأحوال غنیمة لی، أوزعها علی جنودی.» (طاهر، 2008م: 115) عندما فتح الإسکندر بلاد الفرس ودمر العاصمة قد حصل علی غنائم من هذه الحرب والدمار، فوزع هذه الغنائم والثروات بین جنوده، قد صور الکاتب بهاء طاهر هذه القضیة لیبین عدل الملک الیونانی ویشرح ذلک علی لسان الاسکندر الخیالی الذی أحضرت کاثرین روحه. ومن هذه الأوصاف للآخر هذه الفقرة التی یقول الاسکندر الخیالی «ألحقت الفرس الذین هزمتهم بجیشی وحاولت المؤاخاة بینهم وبین جندی، غیر أن المقدونیین والیونانیین اشمأزوا من اعتبار أعداء الأمس أندادا لهم فی رفقة السلاح، فلم یثننی ذلک من خطتی.» (م.ن: 116) تلوح إیجابیة الآخر فی هذه الفقرات النموذجیة المختارة من النص الروائی أکثر، فالملک الاسکندر یسعی إلی أن یقیم المساواة بین أعدائه وأنداده، ورغم ما یعتقده أنداده لایستطیع أی شیء أن یثنیه عما یهدف إلیه، فالصفة الإنسانیة أی العدل تصور الآخر الإیجابی عادلا، فیقول الکاتب علی لسان الآخر: «حلمت أن أملأ الأرض بنسل جدید من سلالة الأروبیین والآسیویات، فلا تکون بینهم بعد ذلک ضغینة ولا حروب، أراد الإسکندر أن یخلق عالما لایکون فیه أشقر وأسمر ولافرق فیه بین من یعبد زیوس أو نار الفرس أو آلهة الهند.» (م.ن: 117) «کان من المؤکد أن السبب فی إسراع الإسکندر بالعبور إلی آسیا کان طلبا لأموال یملأ بها خزینته الفارغة، ولم تکن دعوته الإغریقیین لمحاربة الفرس بدافع قومی أو وطنی کما زعموا، وإنما کانت حجة وذریعة لمغامر یسعی وراء الشهرة والثروة ولذة المغامرة.» (صفا، 1985م: 45)، وهذه الصفات الإنسانیة لاتطبق علی الواقع التاریخی. والأمل بمجیء المنجی والذی یطهر العالم من العنصریة والظلم قدیم لحد ذاته، وجمیع الأدیان علی أنه یأتی من ینقذ العالم من الظلم والجور والمعتقدات الباطلة. قد صور الکاتب الکبیر بهاء طاهر الاسکندر المقدونی منقذا للعالم من العنصریة ومقیما للعدل بین الإنسان وأنه یسوق العالم نحو عالم واحد لافرق فیه بین المعتقدات المختلفة وبین الأجناس والعناصر المتنوعة فی العالم. ب- العفو العفو عند المقدرة صفة حسنة تجدر بالثناء، فها هو الروائی الکبیر حینما یتکلم عن الإسکندر المقدونی علی لسانه یحصی له صفات حسنة بما هو العفو عند المقدرة، فیقول: «أضحکنی عرضه أن یزوجنی ابنته التی کانت أسیرة فی معسکری، مع أمه ونساء أسرته عند أول معارکی معه، رددت علی عرضه بأن أطلقت سراح السبایا بمن فیهن أمه وأنزلتهن مکرمات فی واحد من قصوره التی استولیت علیها فی زحفی.» (طاهر، 2008م: 115) یحکی الروائی علی لسان الآخر بأنه حینما هزم جیش الفرس ودارا، قد أخذ أسرة دارا سبایا وأسراء، ولکنه لم یعاملهم معاملة أسیر، بل أکرمهم وفی النهایة أطلق سراحهم مکرما وعفوا وسخیا. وصف الآخر بهذه الصفات یجعله إیجابیا ویشیر إلی أن الأنا تقبله إلی حد ما، لکنه لا تصور نفسها أمامه منهزمة ولا تشعر بالتفوق لیکون التشویه إیجابیا، بل الأمر هو التسامح بین الأنا والآخر. یشیر التاریخ إلی أن العظماء الیونانیین لم یکونوا یشعرون بالأمن من قهر الإسکندر وکانوا یلجأون إلی ملک الفرس آنذاک فرارا من الإسکندر وظلمه (آرام، 1343ش : 105)، وهذا یبعد صفة العفو عنده. قد ذهب الباحثون فی هذه القضیة التاریخیة مذاهب مختلفة، ونحن فی هذا المجال أمام ثلاثة من النصوص أو اتجاهات ثلاثة کما یبدو، النص الأول هی الکتب التاریخیة الأروبیة والیونانیة، والنص الثانی أو الاتجاه الثانی هی الکتب التی تمت کتابتها علی أیدی المؤرخین المصریین، والنصوص الثالثة هی الکتب التاریخیة الإیرانیة. فلا شک أن النصوص الیونانیة لاتذکر شخصیة الإسکندر المقدونی إلا ذات صفات إنسانیة، أما النصوص الإیرانیة تعکس موقفها تجاه الإسکندر المقدونی ومعاملته أسرة «دارا»، ویتهم عند الإیرانیین والنصوص الإیرانیة بقتل "دارا" (دارا الثالث) والهمجیة بالنسبة إلی الحضارة الإیرانیة العریقة؛ لأنه قد هدم الکتب والمکتبات والثقافة الدینیة آنذاک فی إیران. (فیروزمندی شیره جینی، 1392ش: 68) أما فی النصوص المصریة فیذکر الإسکندر بخیر، و«لما هم بالکر علی شخص "دارا" وآنس دارا الخطر المحدق به ألقی سلاحه ودرعه وملابسه وولی الأدبار، فلما رأی الفرس أن ملکهم فر من المیدان ألقوا سلاحهم ولاذوا هم أیضا بالفرار خاسئین، وقد غنم الإسکندر کل ما کان فی میدان الفرس من ذخائر ومهمات وأسلحة، وأسر أفراد عائلة دارا - أمه وزوجته وثلاثة من أولاده – وقد مثلوا أمامه أذلاء داخرین، وظنوا فی بدایة الأمر أن دارا قتل، وأرادوا أن یقیموا له مأتما، إلا أن الإسکندر هدأ روعهم وأکد لهم أنه لم یقتل، کان الإسکندر علی مسائتهم مقیتا، إلا أنه عاملهم معاملة الملوک حتی إنه لم یتطلع إلی ستاتیرا زوجة دارا.» (خانکی، 1360ش: 7) کما یبدو کان الإسکندر یعامل معاملة حسنة مع زوجة دارا، وحینما توفت الملکة حزن الإسکندر حزنا شدیدا علی وفاتها وبکی علیها کأنه قد ماتت أمه نفسه، ویدفنها بعد مراسیم عظیمة علی أساس سنن الفرس والإیرانیین فی تدفین الموتی. (إقبالی، 1386ش: 75) ت- الآخر الداعی إلی الوحدة «ألفت بین قلوبهم ورمت معابد آلهتهم، غیر أنی أقمت معابد لإله جدید یجب أن یعرفوه جیدا» (طاهر، 2008م: 116) والوحدة فی العالم وبین شرقه وغربه وبین جنوبه وشماله قلیلا ما نجده عند الفاتحین إلا وإن یکن هناک صالحات للفاتحین، فمرة أخری یتکلم الکاتب الکبیر الفاضل علی لسان الإسکندر المقدونی بوصفه آخر قد اتفق علیه من جانب الأنا بالتسامح معه، فیصور الإسکندر بأنه یرید أن یوحد العالم، لیکون للجمیع إله واحد یعبد ویعرف من جدید، ولابد أن تحطم آلهات قدیمة لیکون الجمیع خاضعا لإله جدید ولکی یتمسک الجمیع بالوحدة العالمیة. ث- الإسکندر العامر (الآخر العامر) یصور الروائی الکبیر بهاء طاهر الإسکندر المقدونی عامرا یقوم بتجدید المدن فهو یسلب منه صفة التدمیر عندما یقوم للوصول إلی القدرة بل الحرب التی قد قام بها الإسکندر لم تکن إلا تهدف إلی إقامة مدن جدیدة، وذلک یبرز فی کلام بهاء طاهر هذا علی لسان الإسکندر المقدونی الخیالی: «غیر أنی لم أدمر مدنا أخری بعد برسبولیس، بل شیدت مدنا جدیدة، إسکندریات أخری، عفوت عن القادة المهزومین فی الأرض التی حررتها وجعلتها حکاما علی الولایات.» (م.ن: 115) هذا وإن قصة الإسکندر المقدونی أکثر خیالا من قصة القدیسین والقدیسات فی المسیحیة، وجعلت هذه القصص أکثر المؤرخین یخطئون، إلی أن اعتادوا أن یعرفوه ویقدموه کبطل، وفی هذا الإطار یرون أنه لم یقم بحرب الفرس وبتدمیر برسبولیس إلا منتقما من الفرس وجزاء لتدمیر مدینة "آثینا" الیونانیة التی کانت مقدسة عند الیونانیین علی أیدی غیر الیونانیین، لکن الأمر هو أنه قد هاجم إیران وآسیا بسطا لسلطته وکبریائه. (آرام، 1343ش: 103-105) ومن جانب آخر قد دمر الإسکندر مدنا کثیرة فی أسفاره الحربیة، وقتل وأسر کثیرا ممن کانوا علی طریقه، کما حرق مدنا لم یخضع أهلها له، فهذه التدمیرات قد ذاعت أخبارها وقد جعلت رعبا وخوفا فی القلوب. (إقبالی، 1386ش: 135- 140) إذن الإسکندر المقدونی الذی یتصف بصفات وأعمال کهذه لایمکن أن یکون عامرا إلا إن تکن هناک منافع له أو لتخدع الجمهور للسیطرة علی البلدان. صورة الأنا الجمعیة المصریة تجاه الآخر المقدونی الأنا فی روایة "واحة الغروب" هم المصریون فی عهد حکم الاسکندر المقدونی، فی قسم من الروایة یتکلم فیه الکاتب علی لسان الإسکندر المقدونی ویصور الأنا من وجهة نظر الآخر الإیجابی. یصور الروائی الشهیر بهاء طاهر الأنا الجمعیة المصریة الفرعونیة مؤثرة علی الآخر المقدونی ومتقبلة تواجده فی بلادها، فالآخر فرحان بحضوره فی بلاد الأنا والأنا فرحانة بتواجد الآخر فی بلادها، فهناک شیء من التسامح بین الأنا والآخر المقدونی فی هذه الروایة. أ- الأنا المتحضرة خیر صفة للأنا هو أن یصفها الآخر ویمجدها، فها هو بهاء طاهر یصور الأنا متحضرة ومهدا للعلم والثقافة علی لسان الآخر المقدونی ومن وجهة نظره، فیقول فی فقرة من مکتوباته عن المصریین وبلاد مصر علی لسان الإسکندر المقدونی: «سمعت منذ شبابی أن علی من یطلب العلم أن یقصد مصر وأن أفلاطون معلم أستاذی أرسطو قال إن الیونانیین علی کل ما یزهون به من علم وفلسفة هم مجرد أطفال، إذا ما قورنوا بالمصریین.» (طاهر، 2008م: 109) فإعجاب الآخر العالم بالأنا المتحضرة یوجد شیئا من الفخر للأنا تجاه الآخر وتشعر الأنا بالتفوق علی الآخر الإیجابی، الأمر الذی یقرب الأذهان إلی التشویه الإیجابی فی صورة الآخر الذی یعد شکلا من قراءة صورة الآخر. فأفلاطون وأرسطو هما من کبار الفلاسفة الیونانیین وهما یمجدان العلم والحضارة عند الأنا، کأن الیونانیین بما لدیهم من العلم والفلسفة هم صغار فی هذا المجال مقارنة بالأنا و الحضارة المصریة العریقة. ب- الأنا الملهمة سلام النفس للآخر عندما یدخل الإسکندر المقدونی مصر یدخل معبد الإله "آمون" ویزور المعبد، یقول الکاتب بهاء طاهر إن من معطیات هذه الزیارة هو سلام النفس للآخر: «منحتنی زیارة آمون فترة من سلام النفس الذی قضیت عمری کله أبحث عنه.» (طاهر، 2008م: 114) الأمر الذی یهمنا هو السیاق التاریخی لهذه القضیة وهو أن الاسکندر المقدونی لم یکن یتمتع بسلام النفس فی حیاته، لأنه کانفی تشاغل عنه بالحروب، من الحرب مع الفرس حتی الحرب مع الهنود، لکنه قد فتح مصر بسلام، لأن المصریین قد تقبلوا حضوره فی بلادهم علی حد القول فی الروایة. نجد فی موضع آخر، الأنا هو المؤثر فی فکر الإسکندر، لأنه حینما تعرف إلی آمون قد أوقف الحروب أو قل أن حروبه کانت تهدف إلی العدل علی حد قول الکاتب الکبیر بهاء طاهر: «... بعد لقائی آمون لم أواصل الحرب مع الفرس باعتبارهم أعداء أنافسهم علی احتلال البلدان، لا، بل هی الآن حربی باعتباری إلها للعدل أبسطه فی الکون.» (م.ن) والمهم هو أن الآخر الإیجابی قد وصل إلی السکون النفسی بعد لقائه بالأنا الإلهیة، فقد صور الکاتب الأنا مبعثا للسکون والسلام، فمصر عنده أرض السلام، إذن علاقة الآخر المقدونی بالأنا المتألهة المصریة توجد السلام والسکون النفسی. ت- الأنا الموافقة علی تواجد الآخر المقدونی یصور الکاتب الإسکندر حینما طرد الفرس من بلاد مصر أقبل علیه الجموع المصریة وفرحوا بخروج جیش دارا من مصر، قائلا علی لسان الإسکندر المقدونی بوصفه الآخر المتوافق علیه أوالآخر الإیجابی أو الآخر المتسامح: «خرجت من المعبد بصحبة الکاهن من جدید، فرفع یدیه لیصمت الجمیع، خشیت أن یعلن شیئا من وحی الإله أمام الجموع، لکنه اکتفی بأن قال إن الآلهة اختارتنی فرعون مصر وإن إلههم "هوراس" قد حل فی بدنی منذ اللحظة حلولا، وما إن أعلنها حتی راحت جموع الکهنة والکاهنات والحجیج من المصریین تهلل وتلوح فی حماس وتشنج وهی تهتف باسم الفرعون الجدید تمزجت أصوات نساء ورجال ببکاء الفرح.» (طاهر، 2008م: 112) لو أمعنا النظر فی النص لنجد الکاتب عندما یصور الأنا تجاه الآخر الإیجابی لیبین مدی شعبیة الأنا إزاء الآخر یستعمل للأنا هذه العبارات: «راحت جموع تهلل»، «تلوح فی حماس وتشنج»، «تهتف باسم الفرعون»، و«تمزجت أصوات نساء ورجال ببکاء الفرح». إذن یصور الکاتب الأنا عاشقة ومحبة للآخر، وهذا یدل علی أن الأنا تجعل الآخر متفوقا علی نفسها. إذن الصورة التی یعرض الکاتب عن الأنا حین تواجه الآخر هی صورة العاشقة والمعجبة بالآخر المعتدی الذی أنقذهم من سلطة الفرس الإخمینیین. «لما دخل الإسکندر مصر خرجت مصر بحضوره؛ لأن الفرس کانوا طردوا فرعون مصر، وأسرفوا فی الظلم والنهب والعبث والتخریب والتعذیب، وسلبوا ماکان فی المعابد من کنوز وتحف وآثار، وقتلوا العجل "أبیس" الذی کان یجله المصریون ویقدسونه، ولما بلغ الإسکندر "منفیس" تقدم حاکم مصر وسلمه القلعة کما سلمه الحامیة والمال الذی کان فی الخزانة وأمر باحترام المعابد واحترام دیانة المصریین واحترام عقائدهم، وأمر بترکهم وما یدینون، وقدم القرابین والذبائح لمعبود المصریین، کما قدم القربان للعجل أبیس، وأمر بتجدید وتعمیر المعابد، فأجلسه الکهنة علی العرش فی معبد فتاح منفیس، وعملوا له المراسیم الدینیة المعتادة وبایعوه فرعونا علی مصر ولقبوه بابن معبودهم "رع" ومحبوب معبودهم آمون.» (خانکی، 1360ش: 8) إن کان هذا صحیحا فالسبب فی تقدیس الآخر المقدونی من جانب الأنا المصریة هو التعامل التسامحی والتعاونی الذی قد قام به الإسکندر فی مصر آنذاک، وقد أسفر هذا إلی أن یکتسب الآخر الیونانی صورة إیجابیة لدی الأنا فی عصرنا الراهن حتی نری الروائی الکبیر بهاء طاهر لایستطیع أن یخفی حسن ظنه بالنسبة إلی المقدونی فی روایته هذه، وما یؤید ذلک کلامه هذا فی هامش روایة واحة الغروب، فیقول: «وما زالت سیوة أیضا هی أرض الإسکندر الأکبر التی تلقی الوحی فی معبدها الشهیر الشامخ حتی الیوم، وقد استعنت فی الصورة التی رسمتها الروایة للملک المقدونی الأشهر بعدد من کتب التاریخ أبرزها کتاب المؤرخ الرومانی "کورتیوس" "حیاة الإسکندر" الذی عنی فیه بالجانب الإنسانی أکثر من الترکیز علی الغزوات والبطولات الحربیة التی اهتم بها غیره.» (طاهر، 2008م: 289) والحقیقة أن الخلافات کثیرة حول شخصیة الإسکندر وتتعدد هذه الخلافات علی حسب تعدد المصادر الشرقیة والغربیة والإسلامیة التی قامت بدراسة شخصیة الإسکندر، کما تعرفه المصادر المصریة والیونانیة سید آسیا ومنجی "الشرق" وتعده بطلا مصریا وتحسبه باسلا شعبیا ووارث العرش الفرعونی الذی قد اختاره القدر لینجی الشعب من قیود العبودیة، وتعرفه المصادر الإسلامیة "ذوالقرنین" الذی یتکلم القرآن عنه، فی حین تعرفه المصادر الشرقیة الإیرانیة شخصیة سلبیة (إبراهیمی، 1387ش: 4-5)، فهذا کله لیس له مجال فی هذا البحث. بل کل ما یعنینا هو أن نقول بأن الکاتب الروائی بهاء طاهر قد تمیل أفکاره إلی "الهلنستیة" من خلال تصویره الإسکندر المقدونی. ث- التشویهات الصوریة للأنا من نافذة الآخر والتشویه الذی نجده عند الأنا لا یشمل الأنا بأجمعها، بل یشمل الأنا المتألهة؛ فعندما یتکلم بهاء طاهر عن آلهة المصریین علی لسان الإسکندر المقدونی یقول: «غمرت کهنتهم بالهدایا، وقدمت للآلهة القرابین، فأحبونی، لم أکن أعبد هذه الآلهة أو أعرفها، ونفرت فی البدء من صورها المخیفة، أی شبه بین صور أرباب الیونان بوجوههم البشریة الجمیلة وبین الوجوه الحیوانیة المتجهمة لهذه الآلهة المصریة التی تبعث علی الرعب.» (طاهر، 2008م: 108) إذن یصور بهاء طاهر الأنا المتألهة مشوهة تبتعد عن الإنسانیة والأخلاق، وهی رمز للرعب والتهجم والخوف لدی الآخر، فیقارن الإسکندر المقدونی بین آلهة یونان وآلهة مصر ویرجح آلهة یونان بوجوههم الجمیلة ویرفض آلهة مصر لوجوههم المشوهة المخوفة. وفی موضع آخر یقدم بهاء طاهر هذه النظرة التشویهیة إلی الأنا من جانب الآخر المقدونی: «... لا مقارنة بأرباب الیونان تصحب العابد إلی ذری الاولیمب فأری الأرباب لیشارک الإنسان الآلهة السمو والفرح، أما آلهة المصریین فأخافتنی وأوقب لی بأن الإنسان غریب عنها وأنه ضئیل فی الدنیا تحکمه هذه الآلهة المخوفة.» (م.ن: 109) فصورة الأنا المشوهة واضحة فی هذه الفقرة من الروایة، الآلهة رمز للثقافة، وتشوه صورة الثقافات بتشویه صورة آلهتها دون شک، إذن النقطة السلبیة فی هذه الصورة هی أن من یحکم الأنا لا یلیق فی الواقع بالحکم، فالحاکم لابد أن یعلو بالإنسان إلی درجات عالیة ولکن هذه الآلهة التی تکلم عنها الإسکندر تبعد الإنسان عن عالم الرقی والسلام والسکون. الآخر الفارسی من رؤیة الآخر المقدونی النماذج تشیر إلی أن صورة الفرس فی عهد الإسکندر مشوهة عند الأنا المصریة وأیضا عند الآخر المقدونی، لکننا نجد أحیانا أن الآخر الفارسی قد عشق الآخر المقدونی آنذاک فی هذه الروایة وأعجبت به، وها هی النماذج التی تصور الآخر الفارسی فی عهد الإسکندر المقدونی: أ- الآخر الفارسی المشوه یقول الکاتب علی لسان الإسکندر المقدونی: «طردت الفرس من الأناضول وسوریا وفلسطین ومصر، وهزمت ملکهم "دارا" فی کل المعارک التی خاضها ضدی.» (طاهر، 2008م: 114) یصور الکاتب الآخر الفارسی آنذاک محتلا ومنهزما بقوله علی لسان الإسکندر المقدونی «هزمت ملکهم دارا فی کل المعارک التی خاضها ضدی»، فالآخر الفارسی هو الذی یبدو بالحرب کما یصور بهاء طاهر علی لسان الإسکندر والهزیمة قد کتبت له أمام الآخر المتوافق علیه أی الاسکندر المقدونی، فالآخر الفارسی فی العهد الإخمینی هو المحتل فی رؤیة الإسکندر وفی رؤیة المصریین أو رؤیة الکاتب، لأنه قد احتل مصر وفلسطین والأناضول. هذا و"هرودوت" ینسب هزیمة الفرس من جیش الإسکندر إلی جبن دارا الثالث ویقول: «لا یمکن اتهام الإیرانیین بالضعف وأن هذا الشعب کانوا علی خوف من جیش الإسکندر، الشعب الفارسی هم الذین قد أخضع سلاطینهم الیونان مع قدرتها وعظمتها قبل دارا الثالث، لکن دارا الثالث ما کان مدبرا ناجحا، یشهد المؤرخون الیونانیون أنفسهم بأن الإسکندر ما کان قادرا علی فتح إیران إن لم یکن سوء التدبر من جانب دارا الثالث، إنه لم یعتبر من الخیانتین التین قد واجههما فی الحروب السابقة وإلا کان قادرا أن یدافع أن الشعب الإیرانی العظیم بإثارة وطنیتهم مرة أخری لتبتلع قدرتهم الإسکندر وجیشه.» (منصوری، 1386ش: 74) ب- الآخر الفارسی المحتل یتکلم الکاتب عن تحریر مصر علی أیدی الإسکندر المقدونی، وعلی لسان الآخربقوله: «لکن الأنغام تقترن فی ذهنی أیضا بلقائی آمون فی واحته، دخلت مصر فاتحا واستقبلنی المصریون کمحرر ومنقذ، لأنی خلصتهم من احتلال الفرس الذین أذلوهم وخربوا معابد آلهتهم.» (طاهر، 2008م: 108)، فالصورة التی قد عرض الکاتب عن الآخر صورة سلبیة توصف بالاحتلال والإغارة والتهدیم وتذلیل الأمم ولاسیما الأمةالمصریة فی عهد دارا الإخمینی. والحقیقیة أن بلاد مصر کانت طائعة لإیران منذ بدایات سلطنة الإخمینیین، وما جعل المصریین منزجرین من الفرس هو القسوة والعنف من جانب أحد الولاة الإخمینیة فی مصر بالنسبة إلی المصریین، ولما سمع المصریون بفتوحات الإسکندر المقدونی وبدخوله مصر فرحوا واستقبلوه شیقین. (إقبالی، 1386ش: 72) نتائج البحث قد صور الکاتب بهاء طاهر الأنا المصریة معجبة بالآخر المقدونی وتحسبه محررا ومنقذا للأنا من احتلال الفرس فی العهد الإخمینی، کما یصورها بأنها تقبلت حضور الآخر المقدونی فی بلاده وتحسبه إلها للعدل وفرعونا آلها لمصر. نستطیع القول فی إیجاز بأن علاقة الأنا المصریة بالآخر المقدونی أی الإسکندر هی علاقة تسامح. الصورة التی یعرضها الکاتب للآخر الفارسی الإخمینی هی صورة من یمارس الاحتلال والتهدیم وتذلیل الأمم، فالآخر الفارسی یرفضه الآخر المقدونی کما ترفضه الأنا المصریة. هذه هی الصورة التی عرضها الکاتب من الآخر الفارسی علی لسان الآخر المقدونی. صور الکاتب الآخر المقدونی أی الإسکندر إیجابیا، فهو منقذ الأمم من الدمار والحروب ویوصف بصفات کالعدل والمساواة والعفو عند المقدرة، فالآخر المقدونی هو الذی یرید أن یجعل العالم تحت لواء الوحدة ویبید العنصریة ویسعی دائما أن یجعل العالم کعالم واحد ذی إله واحد، ویوصف کأنه هو الذی یأمل العالم حضوره ویملأ الأرض عدلا ومؤاخاة. یبدو أن الصفات التی ینسب الکاتب إلی شخصیة الإسکندر المقدونی تنشأ عن الفکرة الهلنیستیة التی قد ظهرت بشکل غیر واع فی نص الکاتب، إلی جانب هذا قد عرضت من الإسکندر المقدونی فی مصر حسب ما فعله فی مصر بالنسبة للمصریین، ولکن شخصیة الإسکندر الحقیقیة تختلف عما صوره الکاتب بهاء طاهر، فالإسکندر هو الذی حرق برسبولیس وهو الذی هجم آسیا لبسط سیطرته، ولیس لبسط العدل وتوحید العالم. | ||
مراجع | ||
اصغری، جواد. (1390ش). «ویژگیهای فنی وموضوعی داستان درآثار بهاء طاهر». مجلة زبان وادبیات عربی، العدد4، صص 25-46. اقبالی، علی. (1386ش). ذوالقرنین: اسکندر-کورش. تهران: نازلی. باجو، دانیل هنری. (1997 م). الأدب العام والمقارن. ترجمه: غسان السید. دمشق: منشورات اتحاد کتاب العرب. بدیع، امیر مهدی. (1343ش). یونانیان و بربرها. ترجمه: أحمد آرام. تهران: شرکت سهامی للنشر. بروینی، خلیل وهادی نظری منظم وکاوه خضری .(1391ش). «صورة مایاکوفسکی فی شعر عبدالوهاب البیاتی وشیرکوبیکس؛ دراسة صورولوجیة فی الأدب المقارن». فصلیة إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی والفارسی. العدد 8. صص 55-75 حمود، ماجدة. (2010م). صورة الآخر فی التراث العربی. الطبعة الأولی. الجزائر: منشورات الاختلاف. خانکی، عزیز. (1360ش). «حیاة اسکندر الأکبر و غزو مصر». مجلة الثقافة. العدد 157. صص 9-225. الخباز، محمد. (2009م). صورة الآخر فی شعر المتنبی. الطبعة الأولی. بیروت: مؤسسة العربیة للدراسات والنشر. السلیمانی، أحمد یاسین. (2009 م). التجلیات الفنیة لعلاقة الأنا بالآخر فی الشعر العربی المعاصر». الطبعة الأولی. دمشق: دار الزمان. شدود، ماجد. ( 2002م). حوار الحضارات. دمشق: هیئة المعلومات للطباعة والنشر. طاهر، بهاء. (2008 م). واحة الغروب. الطبعة الأولی. القاهرة: دار الشروق. فتحی، أبوالعینین. (1999 م). صورة الذات وصورة الآخر فی الخطاب الروائی العربی. بیروت: دراسات الوحدة العربیة. فیروزمندی شیره جینی، بهمن ودیگران. (1392ش). «از اسکندر گجستک تا اسکندر ذوالقرنین». مجلة پژوهشهای ایرانشناسی. السنة الثالثة. الرقم1.صص 65-84. الفیومی، سعید محمد. (2011م). «جدلیة الأنا والآخر فی روایة المتشائل أنموذجا». مجلة الجامعة الإسلامیة (سلسلة الدراسات الإنسانیة). العدد الأول. صص865-882. کاظمزاده، فاطمه وعبده عبود وسعید بزرگ بیگدلی. ( 2013م). «صورة الآخر فی روایة قبل الرحیل لیوسف جاد الحق». مجلة العلوم الإنسانیة الدولیة. العدد 20. صص 73-88. کاظم، نادر. (2002م). تمثیلات الآخر، صورة السود فی المتخیل العربی الوسیط. الطبعة الأولی. بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر. لمپ، هارولد وهرودوت. ( 1386ش). قدم به قدم با إسکندر در ایران. ترجمه ذبیح الله منصوری. الطبعة الثامنة. تهران: گلریز. ماجدولین، شرف الدین. ( 2012 م). الفتنة والآخر. الطبعة الأولی. الجزائر: منشورات الاختلاف. محمودآبادی، سید أصغر. (1382ش). «نقدی بر اندیشه تاریخنگاری عهد اسکندر مقدونی در ایران». مجلة ایرانشناسی. الرقم 5. صص 296-319. نامور مطلق، بهمن. (1388ش). «درآمدی بر تصویرشناسی». فصلیة مطالعات ادبیات تطبیقی. العدد12. صص 119-138. نانکت، لاتیشیا. (1390ش). «تصویرشناسی به منزله خوانش متون نثر معاصر فرانسه وفارسی». ترجمه مژده دقیقی. مجلة أدبیات تطبیقی 1و2. پیاپی 3. صص 100-115.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,732 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 963 |