تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,180 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,840 |
أسلوبیة الانزیاح فی سورة الحدید المبارکة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 2، دوره 6، شماره 24، خرداد 2016، صفحه 73-39 اصل مقاله (343.98 K) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مرتضی قائمی* 1؛ اسماعیل یوسفی2؛ جواد محمدزاده2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1أستاذ مشارک فی قسم اللغة العربیة وآدابها بجامعة بوعلی سینا، همذان، إیران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2طالب مرحلة الدکتوراه فی اللغة العربیة وآدابها، جامعة بوعلی سینا، همذان، إیران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
یتناول هذا البحث ظاهرة الانزیاح علی المستوی الإیقاعی، والدلالی، والترکیبی فی سورة الحدید المبارکة، والتی تعد من أبرز سمات الأسلوبیة. إن الانزیاح مصطلح یبرز فی قدرة المبدع على اختراق المتناول المألوف، أو کما یقال إنه مضاد لما هو معتاد. الغرض الرئیسی من هذه التقنیة هو مفاجئة المتلقی وإثارة دهشته؛ لأنها تخالف القواعد المألوفة فی المعیار اللغوی والقرآن الکریم هو المثل الأعلی للنص الأدبی الذی بإمکاننا أن نری فیه التراکیب المنزاحة والعبارات المعدولة عن القانون النحوی والصرفی. رصدنا فی هذا المقال الظواهر المنزاحة فی المعیار اللغوی فی المستویات الثلاثة الإیقاعی، والدلالی، والترکیبی، بحیث تشیر النتائج إلی أنّ أکثر الأنماط المنزاحة انتشاراً فی السورة حدثت فی المستوی النحوی (الترکیبی) بما فیه من التناوب والحذف والالتفات. أمّا فی المستوی الإیقاعی فتبیّن لنا أنّ التکرار –تکرار اللفظ، والتکرار الصوتی، وتکرار الفواصل- کثر تواتره فی السورة وجاء أکثره لتأکید المعنی وتقریره فی ذهن القارئ کما أنه یخلق موسیقی جمیلة أنیقة. تطرقنا فی المستوی الدلالی إلی الاستعارة التمثیلیة بوصفها انتقالاً من اللغة ذات اللغة المطابقة إلی اللغة الإیحائیة والتی ساعدت إلی تشکیل لوحة فنیة قائمة علی التصویر. أمّا فی المستوی النحوی فعالجنا التناوب والالتفات والحذف کالظواهر الأسلوبیة التی جاءت کثیراً ما لغرض الإیجاز والتوسّع فی المعنی. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
سورة "الحدید" المبارکة؛ الأسلوبیة؛ الانزیاح الصوتی؛ الانزیاح الدلالی؛ دلالة التراکیب؛ الالتفات؛ التحلیل اللغوی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
امتاز القرآن الکریم بأسلوبه الذی یختص به ولا یدانیه أسلوب آخر؛ لأنه یتضمن لغة عربیة متطورة استثارت العقل البشری ویحتوی علی البناء اللغوی المتین والنظم البلاغی الوافی، وهذا یعنی أنَّ القرآن الکریم قد جاء فی مفرداته وتراکیبه وعباراته بأسلوب عربی یخرج کثیراً ما عن المألوف والمعهود فی لغة العرب، الأمر الذی قد أدّی إلی إفحام العرب بحجّته وسحرهم ببلاغته. هذا النص المنزاح یجعل النقاد أن یغوصوا فی أعماق بحر القرآن؛ لیکشفوا أسراره ویستنبطوا أصوله ویستبینوا قیمته وجماله ومن الاتجاهات النقدیة الجدیدة التی تتیح للباحث أن ینظر فی النص القرآنی ویهتم بلسانه هی الأسلوبیة والباحث الأسلوبی ینظر إلی النص لیحقّق من خلال ذلک وظائف أسلوبیة وجمالیة تُحدث تأثیرا خاصّاً فی المتلقی وهی فرع من فروع الدرس اللغوی الحدیث یهتم ببیان الخصائص التی تمیز کتابات أدیب ما، أو تمیز نوعاً من الأنواع الأدبیة بما یشیع فی هذه أو تلک من صیغ صرفیة مخصوصة أو أنواع معینة من الجمل والتراکیب، أو مفردات یؤثرها صاحب النص الأدبی. إنّ علم الأسلوب هو الإطار النقدی الذی یحتضن قضیة الانزیاح فالانزیاح یعنی: الخروج والانحراف عن لغة المعیار لصنع الکلام الأدبی الجمیل، بعبارة أخری هو «استعمال المبدع للغة مفردات وتراکیب وصور استعمالا یخرج بها عمّا هو معتاد ومألوف بحیث أن یؤدی ما ینبغی له أن یتّصف به من تفرّد وإبداع وقوّة جذب وأسر.» (ویس، 2005م: 7) والأسلوبیة اتصلت اتصالا وطیدا بالانزیاح وإنّ النقاد ومنظّری الأسلوبیة یتخذون فی هذا المجال مسلکین؛ أحدهما یذهب إلی أن بالأسلوبیة یتعین جانب من سمات الانزیاح والآخر تتفق فیه طائفة من النقاد ومن بینها جون کوهن علی أن الأسلوب نوع من الانزیاح والأسلوبیة تدرس الانزیاحات؛ حیث یقول: «فالأسلوب هو کل ما لیس شائعاً ولا عادیاً ولا مطابقاً للمعیار العام المألوف وبهذا أنه انزیاح بالنسبة إلی معیار، أی أنه خطأ، ولکنه خطأ مقصود.» (کوهن، 1986م: 15) أما فی المقالة هذه فقد اعتبر الانزیاح أساسا للبحث والنقد وتهدف إلى استجلاء الظواهر الانزیاحیة فی سورة "الحدید" وقدجاءت فی هیکلها العام على مقدمة وثلاثة مستویات، حیث دخلنا إلى المستوی الأول وسمّیناه "الانزیاح الصوتی"؛ حاولنا دراسة مستویات الإیقاع فی سورة الحدید من خلال المحسنات الصوتیة حیث خصصنا له مبحثا مهمّاً وهو دراسة صفات الحروف وتلاؤمها مع المعنی. أما المستوی الثانی فعنوانه "الانزیاح الدلالی" وقسمناه إلى المبحثین؛ فالمبحث الأول دار حول الاستعارة التی هی أساس کل انزیاح؛ فبیّنّا أنواعها وخصائصها الجمالیة، أماالمبحث الثانی فقد خصصناه لجمالیة المفارقة والتقابل الدلالی، وحاولنا أن نبرز بعض خصائصهما الفنیة. أما المستوی الثالث فقد عنوناه بـ "الانزیاح الترکیبی"، وقدخصصنا له ثلاثة مباحث؛ الأول: التقدیم والتأخیر، والثانی: الحذف، والثالث: الالتفات، حیث تلمسنا مواضع الجمال فی خروج کل منها عن الأسالیب النمطیة. أسئلة البحث یسـعى هـذا البحث إلى الإجابة عـن عـدة أسئلة رئیسـیة وهـی: 1- أی نمط من أنماط الانزیاح یعد أکثر انتشاراً فی السورة؟ 2- ما هی جمالیة أنماط الانزیاح والغرض الرئیسی من العدول؟ 3- ما هو معیار التنزیل للخروج عن المتداول والمألوف؟ فرضیات البحث أمّا فرضیات البحث فهی: - إنّ الانزیاح الترکیبی (النحوی) بما فیه من التناوب، والحذف، والالتفات والتقدیم؛ یعدّ أکثر انتشاراً فی السورة. - إنَّ معیار الانزیاح فی هذه السورة هو النحو والبلاغة وکثیرا ما نری أن القرآن الکریم یعدل عن القوانین المسلّمة والمألوفة فی هذه العلوم. - یختلف الغرض الجمالی للانزیاح باختلاف السیاق الذی ورد فیه؛ لکن غرضه الأساس هو حث المتلقی علی المتابعة والتفکیر وتشکیل لوحة فنیة قائمة علی التصویر. خلفیة البحث القرآن الکریم -کما هو المعلوم- بحر شاسع وفیه کثیر من المعارف والعلوم فکان من القدیم ولایزال محط أنظار المحققین؛ فالفقیه یستنبط منه الأحکام الشرعیة والنحوی یبنی علیه قواعد الترکیب والصیغ، والبیانی یبحث فیه عن طرق الفصاحة والبلاغة وهکذا کل باحث فی أی علم یجد فیه ضالته المنشودة؛ أمّا بالنسبة للدراسات التی دارت حول القرآن الکریم فی العصر الحدیث نجد أنها کثرت تلک الدراسات التی تمحورت حول الأسلوبا لقرآنی، منها دراسة الظواهر الأسلوبیة فی کثیر من السور القرآنیة منها: 1. رسالة ماجستیر "سورة الواقعة دراسة أسلوبیة" کتبها بلال سامی قسم اللغة العربیة، جامعة دمشق. تناولت هذه الدراسة فی ثنایاها سورة "الواقعة" وفق المنهج الأسلوبی الذی یتخد بمستویاته المختلفة فی الدرس اللسانی الحدیث (الصوتی، والصرفی، والنحوی، والبیانی) إضافة إلی الجوانب النفسیة. 2. رسالة "مستویات أسلوبیة فی سورة مریم" کتبها فیصل حسین، جامعة القدس المفتوحة. یتحدث الکاتب فی هذه الرسالة عن ثلاثة مستویات (الصوتی، واللفظی، والترکیبی) فی سورة مریم، کنموذج للإعجاز القرآنی الأسلوبی. 3. مقالة "الإعجاز البیانی للقرآن الکریم من خلال أسلوبیة الانزیاح دراسة وصفیة – تطبیقیة" کتبتها آفرین زارع، مجله دراسات فی اللغة العربیة وآدابها، السنة الثانیة، العدد الخامس. استهدفت هذه المقاله بدراستها الموجزة بوضع اصبعها علی إعجاز القرآن معالجة مدی استیعابیته من خلال دراسه نماذج من النص الشریف دراسة وصفیة - تطبیقیة علی أسلوبیة الانزیاح بأنواعه الثلاثه: الاستبدالیة والترکیبیة والصوتیة. 4. مقالة "سبک شناسی سوره مریم (ع)" کتبها محمد خاقانی ومحمد جعفر خاقانی، فصلیة لسان مبین، السنة الثانیة، العدد الأول. تحاول هذه الدراسة أن تعالج ما فی سورة مریم (ع) من علاقات ترابطیة والترادف والمشترک اللفظی والتکرار والإفراد والدلالة الصوتیة مستعینة باللسانیات والأسلوبیة. أما بالنسبة لهذه السورة، تجدر الإشارة إلی مقالة "التقابل الدلالی فی سورة الحدید" لرعد حسین الهدیل، المطبوعة فی مجلة جامعة الأنبار للعلوم الإسلامیة، حیث یعتبرها من السمات الأسلوبیة وعرّف الباحث فیها مفهوم التقابل وقسمها إلی التقابل الدلالی والظرفی و.. لکن من الوجهة الأسلوبیة ما رأینا مقالة حولها وأنها لم تدرس من قبل علی أساس أسلوبیة الانزیاح وهذه الدراسة ستختص بها وستحللها تحلیلا علی أساس الانزیاح کشفاً لبعض جوانب بیانیة- جمالیة للسورة. تحدید المصطلح یعد الانزیاح من الظواهر المهمّة وبخاصّة فی الدراسات الأسلوبیة التی تدرس النص الأدبی علی أنه لغة مخالفة للمألوف والعادی وهی ظهرت من بطن الدراسات الأسلوبیة التی تکمن مهمتها الأساسیة فی الترکیز علی العناصر الجوهریة والداخلیة للعمل الفنی. فقد تنبه الدارسون المسلمون القدماء إلى سمة بارزة من سمات الأسلوب العربی هی سمة المراوحة بین الأسالیبب والانتقال المفاجئ من أسلوب إلى آخر ومن صیغة إلى أخرى، وقد أطلقوا على هذه الظاهرة مصطلحات عدة منها: المجاز والنقل والانتقال والتحریف والانحراف والرجوع والالتفات والعدول والصرف والانصراف ومخالفة مقتضى الظاهر وشجاعة العربیة والحمل على المعنى والترک ونقض العادة وغیر ذلک. (هنداوی، 2002م: 141) وهذه المصطلحات جمیعها دوال لمدلول واحد. وعند تأملنا لها نلاحظ منها مجموعة تفتقر إلى اللّیاقة کـ : "الاختلال-الانتهاک-الإطاحة – المخالفة –الشناعة –العصیان" فضلا عن استغناء الکثیر من الباحثین العرب عن استعمالها إذ سنجد أن المتبقی منها ثلاثة، على حد رأی أحمد ویس- هذا الرأی الذی کان میلنا إلیه- وهی: (الانزیاح، الانحراف، العدول) وإذا کان للمرء أن یختار من بینها، فسنختار الانزیاح؛ لأنه الترجمة الأدق لمصطلح "écart" وأن العدول والانحراف قد یحملان معان أخرى بلاغیة، غیر التی نجدها فی الانزیاح عند الدراسة الأسلوبیة للنصوص. (ویس، 2005م: 7) مفهوم الانزیاح فی اللغة والأدب وعلم الأسلوب إنّ الانزیاح، مادته "زیح" من باب الانفعال أی ذهب وتباعد. زاح الشیء یزیح زَیحاً وزُیوحاً زِیوحاً وزَیَحاناً وأزحتُهُ وأزاحَه غیره. (ابن منظور، 1979م: مادة زیح) وینبغی الإشارة إلى أن هذا اللفظ إنما هو ترجمة للمصطلح الفرنسی "écart" واصطلاحاً یعنی: خروج التعبیر عن السائد أو المتعارف علیه قیاساً فی الاستعمال، رؤیة ولغة وصیاغة وترکیباً. (ألیافی، 1995م: 92) أما نور الدین السد فیقول: «الانزیاح هو انحرافالکلام عن نسقه المألوف، وهو حدث لغوی، یظهر فی تشکیل الکلام وصیاغته، ویمکن بواسطته التعرف على طبیعة الأسلوب الأدبی، بل یمکن اعتبار الانزیاح هو الأسلوب الأدبیذاته.» (نور الدین، 1997م: 179) أمّا الغرض من الانزیاح فی العمل الأدبی فهو جلب انتباه المخاطب إلی الموضوع لیترسخ فی ذهنه فذلک لا یتحقق إلا باجتهاد وتعمیق فکری فی فهمه لیحتاج إلی کد الذهن واجتهاده فی إدراک الموضوع. کلما یکثر کدنا الذهنی لفهم الموضوع الغریب، بالطبع ستکثر اللذة التی تنتج عن فهمه. کما یقول شکلوفسکی فی مقالته: «من تقنیة الفن هو تغریب الموضوعات وتعقید الصور. یخلق التعقید لیزید اللذة؛ لأن عملیة الفهم الحسی، لها نهایة جمالیة وإذا کان الأکثر طولاً فهو أجمل.» (شیری، 1380ش: 9) فالانزیاح فی المفهوم الأسلوبی هو قدرة المبدع على انتهاک واختراق المتناول المألوف، سواء أکان هذا الاختراق صوتیاً أم صرفیاً أم نحویاً أم معجمیاً أم دلالیاً؛ ومن ثم یحقق النص انزیاحاً بالنسبة إلى معیار متواضَعٍ علیه، لذا تبقى اللغة الإبداعیة هی التی تسمح بهذه الخلخلات اللغویة ضمن النصوص بحملها من النفعیة البلاغیة إلى الفنیة الجمالیة؛ وهذا کله وفقاً لأفکار وتداعیات خاصة، فی إطار أمنی ومواقف محددة تملیها طبیعة المواضیع المتناولة فی ضمن النصوص، حیث «إنه من غیرالمجدی حصر الکلام فی تکرار جمل جاهزة، کل واحد یستعمل اللغة لأجل التعبیر عن فکرةخاصة فی لحظة معینة، یستلزم ذلک حریة الکلام واستقلالیة الخوض فیه وبه بارتیاح، فی رحاب لغة فنیة أدبیة تجعل الجمالیة و التأثیر غایتَیها.» (کوهن، 1986م: 101) ومن الجدیر أن نشیر إلی العلاقة التی توجد بین الانزیاح والتغریب وهذا ما أشیر إلیه فی کتاب "النص والأسلوبیة"، حیث یقول: إن التغریب هو مفهوم یقصد منه کما یقول (شکلوفسکی): نزاع الألفة مع الأشیاء التی أصبحت معتادة، أی هو مضاد لما هو معتاد. (ابن ذریل، 2000م: 27) مفهوم الانزیاح فی التراث الإسلامی فی التراث الإسلامی نجد إشارات ولمحات لمفهوم العدول مع اختلاف المصطلح، وعدم دراسته وتحلیل مکوناته، فقد أجمع الدارسون المسلمون قدیما علىأن أسلوب القرآن العظیم خارج عن المألوف من کلام البشر، وهذا یبین تنبهالعرب إلى هذه الظاهرة الأسلوبیة بمفهوم مغایر. إن ادّعاء ورود "ظاهرة الانزیاح" من الثقافة الغربیة إلی الثقافة العربیة لیس بصحیح وهذا هو ظاهر الأمر؛ لأنّ هذا الفن فی التراث النقدی الإسلامی القدیم کان موجودا وکذلک بالشکل الشائع والبارز، بحیث قد أدرک النقاد المسلمون القدامی والبلاغیون فنیّة الإبداع، وحددوا بذلک مستویین فی اللغة: الأول مستواها المثالی فی الأداء العادی وهو کلام النحاة واللغویین، والثانی: مستواها الإبداعی الذی یعتمد علی اختراق هذه المثالیة وانتهاکها وهو کلام البلاغیین. (عبد المطلب، 1994م: 248) نجد أن هؤلاء الدارسین،وبخاصة المفسرین قد تجاوزوا التعامل العاطفی مع النص إلى التعامل الفعلی الذی یقوم على معالجة النص من زاویة الترکیب والوقوف عند المستویات الدلالیة للألفاظ فی سیاقها الجدید، وعلاقة کل ذلک بالکلام العربی، کما خاضوا فی مباحث بلاغیة وأسلوبیة. (تحریشی، 2000م: 65) وکان هذا العدول له مسمیات عدیدة تدعم مقولة عدولهم کـ"التوسع" و"الالتفات" و"الضرورة الشعریة". (بولحواش، 2012م: 34) فشعراء العرب اهتموا بظاهرة الانزیاح فی أشعارهم منذ قدیم العهد بمصطلحات أخری؛ ومن أقوی المصطلحات القدیمة تعبر عن مفهومها هو "العدول"، وهذا قد ورد فی أکثر کتب النقد واللغة والبلاغة، مثل کتاب الخصائص لابن جنی (ت322هـ)، ومفتاح العلوم للسکاکی (ت395هـ) ودلائل الإعجاز للجرجانی (ت417هـ) وغیرها من المؤلفات. (ویس، 2002م: 37) وقد کثر ورود کلمة "الخروج" فی دراسات الإعجاز القرآنی مثل قول الأصمعی: «إن الشیء إذا فاق فی حسنه قیل له خارجی.» (ابن جنی، لاتا: 48) أما الخروج عند ابن جنی فهو خرق للأصول، قال: «لقد حذفت العرب الجملة والمفرد والحرف ولیس الشیء من ذلک إلا عن دلیل علیه وإلا کان فیه ضرب من تکلیف علم الغیب من معرفته.» (المصدر نفسه: 362)أما الرمانی فقد استعمل مبدأ "نقض العادة" لیبین الأسلوبیة النوعیة للقرآن، فقال: «إن العادة کانت جاریة بضروب من أنواع الکلام معروفة منها: الشعر، ومنها السجع، ومنها الخطب، ومنها الرسائل، ومنها المنثور الذی یدور بین الناس فی الحدیث، فأتى القرآن بطریقة مفردة خارجة عن العادة، لها منزلة فی الحسن تفوق به کل طریقة.» (الرمّانی، لاتا: 102) فی حین استعمل عبد القاهر الجرجانی مصطلح العدول فی وصف الکلام الأدبی إلى جانب القول الشعری العادی واللحن فقال: «اعلم أن الکلام الفصیح ینقسم إلى قسمین: قسم تعزى المزیة والحسن فیه إلى اللفظ، وقسم یعزى ذلک فیه إلى النظم، فالقسم الأول للکنایة والاستعارة والتمثیل الکائن على حد الاستعارة، وکل ما فیه على الجملة مجاز واتساع وعدول باللفظ عن الظاهر، فما من ضرب إلا وهو إذا وقع على الصواب و على ما ینبغی، أوجب الفضل والمزیة.» (الجرجانی، 1978م: 429 و430) معیار الانزیاح من أهم الأسئلة التی تطرح عن الانزیاح هو هل هناک حد بین لغة المعیار ولغة العدول؟ یعرّف المعیار علی أنه النظام اللغوی الذی ینبغی علی المتکلم إتباعه لیحقق أداءً لغویاً فصیحاً، واعتماداً علی هذا المعیار تحدّد درجة الفصاحة عند کل فرد، ویطلق علی هذا المعیار الذی یخرج عنه العدول بمسمیات کثیرة منها: «الاستعمال الدارج والمألوف والشائع والوضع الجاری ودرجة الصفر والسنن اللغویة.» (سامح ربابعة، 2003م: 35) إن مصطلح "درجة الصفر للکتابة" الذی أطلق علیه رولان بارت هو مفهوم حدیث یلتقی مع حدیث القدماء عن "الأصل" و"أصل الوضع" وإن درجة الصفر صفة تطلق علی الخطاب الذی تدل فیه کل کلمة علی ما وضعت له فی أصل اللغة. (المصدر نفسه: 55) أما لغة العدول فلیس لها حدّ إلا أن یؤدّی إلی تحطیم العلاقات بین المکوّنات اللغویة لتصل إلی الإبهام وذلک بمخالفة قوانین اللغة مخالفة صریحة، یعتقد لیج أن اللغة الأدبیة لها الأکثر تعقیداً بالنسبة إلی اللغات الأخری. (صفوی، 1373ش: 38) إنَّ الموضوع الآخر فی الانزیاح الذی تجدر الإشارة إلیه هو أنه لا یعدّ کل انحراف أسلوباً، إذ لا بد أن یصاحبه وظیفة جمالیة و تعبیریة وکما قال شفیعی کدکنی یجب علی الانزیاح أن یتّصف بمیزتین: الأول: مراعاة الأصل الجمالی: إن الغرض من الأصل الجمالی هو أن هذا التجاوز یسبب شعوراً جمالیاً لدی القارئ والثانی: الاتصال "Communication": إنه یتیح للمخاطب فرصة لیفهم احساس الکاتب فی حدود الشعر. (شفیعی کدکنی، 1386ش: 13) اتخذت ظاهرة الانزیاح أنماطا مختلفة من ناحیة تنوعاته أو تحققاته العینیة فی النصوص الأدبیة ولها الأشکال المختلفة؛ لذا، إن المقالة هذه تستفید من رؤیة جون کوهن وتصنیفه وتعتمد علی أهم أنماطها وهو المستوی الاستبدالی "الدلالی" والمستوی الترکیبی فسنجد أنّ الانزیاح فی کل محور من المحورین "الترکیب والاستبدال" سیخالف قاعدة محدّدة، وهذا مخطّط یوضح عتبات البحث. 1. الانزیاح الإیقاعی الدراسة الصوتیة تعد المحور الأول للدخول إلی النص الأدبی وبدایة الولوج إلی عالمه و فهمه وإحساس بوعی لما فیه من قیم جمالیة، فالصوت هو الوحدة الأساسیة للغة التی یتشکل منها النص الأدبی، لأنَّ الألفاظ أصوات ذات جرس نتخذها کوسیلة للتعبیر عن الدلالات أو الخواطر التی تجول بأذهاننا. (الخولی، 1961م: 267) إن منـابع الموسیقى الظاهرة فی الکـلام الأدبی معروفة تماما، فهناک أولا: الموسیقى النـابعة من تآلف أصوات الحـروف فی اللفظة الواحدة، والحروف أصوات متفاوتة الجرس، یقـرع بعضها بعضا حین تجتمع فی اللفظ، وینتج عن تناغم قرعها سلم موسیقی جمیل. (عاصی، لاتا: 122) ثانیا: الموسیقى النابعة من تآلف مجموعات الموسیقى اللفظیة حین ینتظمها الترکیب فی الفقرات والجمل، فالألفاظ المفردة تقـرع الألفاظ المفردة المجاورة لها سابقا ولاحقا، وینجم عن تناسق تقارعها سلالم موسیقیة جمیلة. (المصدر نفسه: 122) وتستند موسیقى الترکیب النثری فی سورة الحدید المبارکة على مرتکزین: أولاً: انسجام الألفاظ وتآلف أصواتها، وقد بحثه القدماء تحت عنوان فصاحة الألفاظ مفردة ومجتمعة. ثانیاً: الإیقـاع الموسیقی الذی ینشـأ من وجـود بعض المحسنات البدیعیة فی الترکیب. أ. تلاؤم اللفظ مع المعنی یتناول المستوی الصوتی تلاؤم اللفظ مع المعنی من حیث موسیقی الحروف کما قال تعالى ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِینَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَیْنَکُمْ وَتَکَاثُرٌ فِی الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ (الحدید: 20)جاء فی هذه الآیة فی وصف الدنیا کلمات "لعب، لهو، زینة، تفاخر، تکاثر" والآن نتطرق إلى بیان الصفات التی توجد فی أی حرف من حروف هذه الکلمات کی نصل إلى التناسب الموجود فی لفظ الکلمات مع معناها. قبل أن نتطرق إلی صفات الحروف وتأثیرها علی المعنی، علینا بتقدیم موجز عن صفات الحروف وتقسیماتها من حیث القوة والضعف. أقسام الصفات من حیث القوّة والضّعف تنقسم قسمین: صفات قویّة وصفات ضعیفة.فالصفات القویة اثنتا عشرة صفة وهی:الجهر، والشدّة، والاستعلاء، والإطباق، والإصمات، والصفیر، والقلقلة، والانحراف، والتکریر، والتفشی، والاستطالة، والغنة. وأقواها: القلقلة، فالشدّة، فالجهر، فالإطباق، فالاستفال، فالباقی والصفات الضعیفة ست وهی: الهمس، والرخاوة، والاستفال، والانفتاح، والذلاقة، واللّین. أمّا صفات التوسط فلا توصف بقوة، ولا ضعف.(محیسن، 1997م: 97)والأحرف الشدیدة ثمانیة هی: الألف والقاف والکاف والجیم والطاء والدال والتاء والباء. وأمّا الحروف الرخاوة فهی خمسة عشر حرفاً هی: الهاء والغاء والعین والخاء والسین والشین والصاد والضاد والظاء والثاء والذال والزای والیاء والواو والفاء. والحروف المتوسطة بین الشدّة والرخاوة هی خمسة اللام والنون والعین والمیم والراء. (زرقة، 1993م: 91) توزع صفات حروف کلمات"لعب، لهو، زینة، تفاخر، تکاثر" فی هذه الآیة الکریمة حسب الجدول کما یلی: أولاً. کلمة "لعب"
فهذه الکلمة تحتوی على سبع عشرة صفة، سعبة منها قویة وعشرة منها ضعیفة فهی من حیث اشتمالها على الصفات الضعیفة تعد کلمة ضعیفة. ثانیاً. کلمة "لهو"
فتوجد فی هذه الکلمة سبع عشرة صفة خمسة منها قویة واثنتا عشرة منها ضعیفة فهی کلمة ضعیفة جدا من حیث اشتمال حروفها على الصفات الضعیفة. ثالثاً. کلمة "زینة"
فمجموع الصفات الواردة فی کلمة "زینة" ثلاث وعشرون، تسعة منها قویة وأربع عشرة منها ضعیفة فهی کلمة ضعیفة أیضا. رابعاً. کلمة "تفاخر"
فکلمة "تفاخر" تحتوی ثمانی وعشرین صفة، تسعة منها قویة وتسع عشرة منها ضعیفة فهی بالجملة کلمة ضعیفة جدا. خامساً. کلمة "تکاثر"
فکلمة التکاثر تحتوی على ثمانی وعشرین صفة، عشرة منها قویة وثمانی عشرة منها ضعیفة. فمن خلال هذا البحث نرى أن الکلمات التی استعملت صفات للحیاة الدنیا کلها ضعیفة من حیث التلفظ به لأنها تحتوی على صفات ضعیفة أکثر من الصفات القویة وکما نعلم أن الله تعالى یخبر فی هذه الآیة عن حقیقة الدنیا وما هی علیه، ویبین غایتها وغایة أهلها، بأنها لعب و لهو، تلعب بها الأبدان، وتلهو بها القلوب، وهذا مصداقه ما هو موجود وواقع من أبناء الدنیا، فإنا نجدهم قد قطعوا أوقات أعمارهم بلهو القلوب، والغفلة عن ذکر الله وعما أمامهم من الوعد والوعید، ونراهم قد اتخذوا دینهم لعبا ولهوا، بخلاف أهل الیقظة وعمال الآخرة، فإن قلوبهم معمورة بذکر الله، ومعرفته ومحبته، وقد أشغلوا أوقاتهم بالأعمال التی تقربهم إلى الله، من النفع القاصر والمتعدی فناسب أن یستعمل الله تعالى هذه الکلمات ذات الصفات الضعیفة لوصف الدنیا کی یشیر إلى حقیقته الکامنة على کثیر من عباده. وقال الطباطبائی ذیل هذه الآیة: بعد ما بین حال الفریقین فی الآخرة شرح حال الحیاة التی اطمأن بها الفریق الثانی، وأشیر إلى من محقرات الأمور التی لا یرکن إلیها العقلاء فضلا عن الاطمئنان بها بأن الحیاة الدنیا عرض زائل وسراب باطل لا یخلو من هذه الخصال الخمس المذکورة: اللعب واللهو والزینة والتفاخر والتکاثر وهی التی یتعلق بها هوی النفس الإنسانیة ببعضها أو بجمیعها. (الطباطبائی، 1997م: 170) ب. ظاهرة التکرار التکرار لغة واصطلاحا التکرار لغة: الکرّ: الرجـوع . والکرُّ مصدر کرّ علیه یکرّ کـرّاً وکـروراً وتکراراً. وکرّر الشیء: أعاد مرة أخری. وکرّرت علیه الحدیث: إذا رددته علیه. والکر: الرجوع علی الشیء، ومنه التکرار. (ابن منظور، 1979م: مادة کرر) واصطلاحاً: التکرار هو «تناوب الألفاظ وإعادتها فی سیاق التعبیر بحیث تشکِّل نغماً موسیقیاً یتقصّده الناظم فی شعره أو نثره لإفادة تقویة النغم فی الکلام، وإفادة تقویم المعانی الصوریة أو تقویة المعانی التفصیلیة.» (هلال، 1980م: 239) یهدف البحث فی هذا الفصل إلی محاولة التعرف علی محاور التکرار وأنماطه فی هذه السورة الکریمة التی تمثلت فی التکرار اللفظی وتکرار الفاصلة وتکرار العبارة ودور هذه المحاور فی بناء الآیات فهذه الأنواع من التکرار تجذب الانتباه، وتعزز دلالة النغم، وتؤلف نوعا من الانسجام الصوتی المحبب. أولاً. التکرار اللفظی التکرار اللفظی هو نمط من أنماط التکرار الشائعة ویشکل المصدر الأول من مصادر القرآن التکراریة وهذا النوع من التکرار یعد أبسط أنواع التکرار وأکثرها انتشاراً فالتکرار اللفظی هو تکرار أصوات بعینها، ویمکن لهذا التکرار أن یولد إیقاعاً داخلیاً فی النص القرآنی، ومن أمثلة التکرار اللفظی تکرار لفظ "الله" لجلالته فی هذه السورة الکریمة والذی تکرر ثلاثین (30) مرة. مثل قوله تعالی: ﴿لِئَلَّا یَعْلَمَ أَهْلُ الْکِتَابِ أَلَّا یَقْدِرُونَ عَلَى شَیْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِیَدِ اللَّهِ یُؤْتِیهِ مَن یَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ﴾ (الحدید: 29) کما نری أن لفظتی "الفضل والله" تکررا وجملة "والله ذو الفضل العظیم" تذییل یعم الفضل الذی آتاه الله أهل الکتاب المؤمنین بمحمد (ص) وغیره من الفضل. ثانیاً. تکرار الفاصلة القرآنیة قبل البدء بهذا الموضوع یجب أن نحدد موقع الفاصلة فی الآیة القرآنیة فمنهم من عدّها آخر کلمة فی الجملة أی فی الآیة قد یکون فیها عدة جمل وهنا سوف تتعدد الفاصلة فی الآیة الواحدة، ومنهم من عد الفاصلة آخر الکلمة فی الآیة وهذا هو القول المشهور والفاصلة هی الکلمة الأخیرة من کل فقرة وجمعها فواصل سمیت بذلک، لأن الکلامین ینفصلان عندهما. (وهبة وکامل، 1984م: 197) قال الباقلانی: «الفواصل فهی حروف متشاکلة فی المقاطع یقع بها إفهام المعانی وفیها بلاغة والأسجاع عیب لأن السجع یتبعه المعنى والفواصل تابعة للمعانی.» (باقلانی، 1954م: 270) إذا تتبعنا فواصل سورة الحدید ومدی تأثیرها بالنغمة الموسیقیة فسوف نجد فواصل ذات إیقاع منظم وجمیل فنجد أیضاً تنوعاً فی فواصلها وإن بدت متشابهة لانتهائها بحرف المیم والراء، أما صوت الراءله تمیزه فی الفواصل القرآنیة لهذه السورة، فقد بلغ تکراره "11" مرة، (قَدِیر، بَصِیر، کَبِیر، خَبِیر، الْمَصِیر، یَسِیر، الأمُور، الصُّدُور، الْغُرُور، الْغُرُور وفَخُور) منها ما جاء مسبوقاً بصوت الیاء المدّیة بتکرار یبلغ ست "6" مرات، أو مسبوقاً بصوت الواو المدّیة ولکن بشکل یبلغ خمس "5" مرات فقط. ومن المعروف أن صوت الراء هو صوت فموی لثوی مکرر أو لمسی مجهور، وهی من الأصوات المتوسطة بین الشدة والرخاوة. (أنیس، لاتا: 58) وفی المرتبة التالیة لحرف الراء یظهر لنا حرف المیم، مسبوقاً بصوت الیاء المدیة، فقد بلغ تکراره "10" مرات (الْحَکِیم وعَلِیم ورَّحِیم وکَرِیم والْعَظِیم وکَرِیم والْجَحِیم والْعَظِیم والرَّحِیم والْعَظِیم) وصوت المیم هو صوت یتمیز بالجهر والوضوح السمعی، وهو صوت مجهور لا هو بالشدید ولا الرخو بل مما یسمی بالأصوات المتوسطة وأنه أنفی مرقق. (المصدر نفسه: 48) ویتشابه مع الواو والیاء المدیتین إذا سبق بأحدهما من حیث الجهر والترقیق الذَین من صفات الحروف المرکبة وهذه الصفة الصوتیة تجعل من فاصلة المیم للآیات القرآنیة التی التزمت بها، فاصلة تلائم الموقع والموقف والمناسبة التی وضعت فیها. ثالثاً. تکرار الجملة فی الفاصلة القرآنیة هذا النوع من التکرار موجود بکثرة فی النص القرآنی لاسیما فی هذه السورة الکریمة وهذا بتکرار جملة بأکملها فی نهایة الآیة. أراد القرآن الکریم أن یجسّد المعانی من خلال تکرار العبارات والألفاظ التی تلائم مقتضی الحال حتی تؤثر فی السامعین وتجعلهم یعیشون الموقف بأوضح صورة وأجمل بیان. من أمثلة تکرار العبارة فی هذه السورة قوله تعالی: ﴿وَلَا یَکُونُوا کَالَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَیْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَکَثِیرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (الحدید: 16) ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِیمَ وَجَعَلْنَا فِی ذُرِّیَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْکِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَکَثِیرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (الحدید: 26) ﴿مَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَایَتِهَا فَآتَیْنَا الَّذِینَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَکَثِیرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (الحدید: 27) اللافت للنظر أنَّ فواصل الآیات فی هذه الأمثلة تحتوی علی تکرار جملة "وَکَثِیرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ" حیث نجد الجرس الموسیقی من خلال هذا التکرار مع تصور المعانی ومثل قوله أیضا: ﴿لِئَلَّا یَعْلَمَ أَهْلُ الْکِتَابِ أَلَّا یَقْدِرُونَ عَلَى شَیْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِیَدِ اللَّهِ یُؤْتِیهِ مَن یَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ﴾ (الحدید: 29) ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّکُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا کَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِکَ فَضْلُ اللَّهِ یُؤْتِیهِ مَن یَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ﴾ (الحدید: 21) ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِینَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا یُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ کَرِیمٌ﴾ (الحدید: 18) ﴿مَن ذَا الَّذِی یُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَیُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ کَرِیمٌ ﴾ (الحدید: 11) یقصد من هذا التکرار تأکید المعنی وتقریره فی ذهن القارئ کما أنه یخلق موسیقی جمیلة أنیقة ترتاح لها الأذن ویطرب لها القلب. ج. الجناس یعد الجناس نوعاً من البدیع وثیق الصلة بموسیقى الألفـاظ، وهو «تشابه اللفظین فی النطق، واختلافهما فی المعنى.» (لاشین، 1979م: 166) وهو من الحلی اللفظیة والألوان البدیعیة التی لها تأثیر بلیغ ، تجذب السامع وتحدث فی نفسـه میلا إلى الإصغاء والتلذذ بنغمته العـذبة، وتجعل العبارة على الأذن سهلة مستساغة، فتجد من النفس القبول، وتتأثر به أی تأثـیر، وتقع فی القلب أحسن موقع (أنیس، 1965م: 44) ویأتی الجناس على أنواع مختلفة، وقد جاءت أغلبها فی القرآن الکریم، أمّا من بین أنماط مختلفة من الجناس فهناک نوع ملحق بالجناس وهو جناس الاشتقاق الذی نراه کثیرا فی هذه السورة حیث أصبح عینة أسلوبیة فی هذه السورة الکریمة وهو أن یجمع اللفظین المتجانسین اشتقاقٌ واحد (وهبة وکامل، 1984م: 139) کقوله تعالی: ﴿مَن ذَا الَّذِی یُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ (الحدید: 11) فــ"یقرض" و"قرضاً" مشتقان من القرض. ﴿...وَغَرَّکُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ (الحدید: 14) کلمتان "غرّ" و"الغرور" مشتقتان من الغرر. ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِیبَةٍ﴾ (الحدید: 22) فـ "أصاب" و"المصیبة" مشتقان من مصدر واحد وهو صوب. ﴿الَّذِینَ یَبْخَلُونَ وَیَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ (الحدید: 24) فإن کلمتین "یبخلون" و"البخل" مشتقتان من البخل. ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَیِّنَاتِ﴾ (الحدید: 25) فی هذه الآیة توجد کلمتان "أرسل" و"رُسُل" من مصدر واحد وهو رسل. ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَایَتِهَا﴾ (الحدید: 27) نری فی هذه الآیة کلمتین "رعوها" و"رعایة" من أصل واحد وهو رعی. ﴿ویَغْفِرْ لَکُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِیمٌ﴾(الحدید: 28) کذلک فی هذه الآیة، ف "یغفر" و"غفور" من أصل واحد وهو غفر. إن سرّ الجمال فی جناس الاشتقاق هو أنّه یشیع فی الکلام نغمة موسیقیّة نابعة من التشابه فی اللفظ، کما یؤدی إلى حرکة ذهنیّة تثیر الانتباه عن طریق الاختلاف فی صیغة الکلمات، ویزداد الجناس جمالاً فی هذه السورة؛ لأنه لیس متکلفاً بل نابع من طبیعة المعانی التی یعبر عنها الله تبارک وتعالی. 2. الانزیاح الاستبدالی "الدلالی" إنّ لغة الشعر أو النثر تزخر بالألفاظ والمترادفات فی شکلها العادی، ولکن عندما تخرج هذه المترادفات عن نمطها العادی فإنّه یدخل علیها ما یعرف بالانزیاح، فتخرج وتعرض عن معناها الرئیسی و تلبس معانی أخری، وهذا النوع من الانزیاح یسمی الانزیاح الدلالی (لحلوحی، 2011م: 6) وبتعبیر آخر، إن الانزیاح الدلالی هو التجاوز من المؤشرات المعنویة التی تسیطر علی استعمال اللغات فی لغة المعیار. والمحسنات التی تطرح فی إطار البدیع والبیان "التشبیه، الاستعارة والمجاز والمفارقة" تعد فی مقال الانزیاح الدلالی. (صفوی، 1373ش: 52) فی هذا اللون من الانزیاح لا یکسر الحدود المتعارف فی بناء اللغة أو الجملة بل بواسطة أسالیب المتعارف علیها یعبر عن مفهوم لیس متوقعاً فی العرف اللسانی. أ. الاستعارة الاستعارة تعد أسلوبا یخرج اللفظة من دلالتها المباشرة إلی دلالات أعمق وأوسع وهیمن أبرز الانزیاحات الدلالیة واهتم أهل الأدب والنقد بها اهتماما شدیدا؛ فحظیت بالعنایة والدراسة منذ أرسطو إذ یقول: «أعظم هذه الأسالیب حقا هو أسلوب الاستعارة، فإنّ هذا الأسلوب وحده هو الذی لا یمکن أن یستفید المرء من غیره وهو آیة الموهبة، فإن أحکام الاستعارة معناه البصر بوجوه التشابه.» (طالیس، 1967م: 116-128) وردت الاستعارةفی سورة "الحدید" بمواطن من آیاتها فجاءت بأجمل أسالیب البیان تصویراً وأکثرها استخداماً فی هذه السورة الاستعارة التمثیلیة منها قوله تبارک وتعالی:﴿یَوْمَ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِینَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِکُمْ قِیلَ ارْجِعُوا وَراءَکُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَیْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِیهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ﴾ (الحدید: 13) وفی قوله ﴿ضُرِبَ بَیْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِیهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ﴾ فنّان رفیعان أولهما الاستعارة التمثیلیة، شبّه بقاء المنافقین فی حندس نفاقهم وظلامه بمن ضرب بینهم وبین النور الهادی سور یحجب کل نور، والفن الثانی المقابلة فقد طابق بین باطنه وظاهره وبین الرحمة والعذاب. إن الغرض بضرب السور بین المؤمنین والمنافقین، الخیبة بعد الطمع الذی یؤدی إلی الحسرة وضرب السور بینهم وجعل العذاب بظاهره والنعیم بباطنه قصد منه التمثیل لهم بأن الفاصل بین النعیم والعذاب هو الأعمال فی الدنیا وأن الأعمال التی یعملها الناس فی الدنیا منها ما یفضی بعامله إلی النعیم ومنها ما یفضی بصاحبه إلی العذاب فأحد طرفی السور مثال لأحد العملین وطرفه الآخر مثال لضده. (ابن عاشور، 1984م: 383) ووردت الاستعارة التمثیلیة کذلک فی هذه السورة، فی قوله تعالی: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یُحْیِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَیَّنَّا لَکُمُ الْآیاتِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (الحدید: 17) فی قوله :﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یُحْیِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها﴾ استعارة تمثیلیة، شبّه تلیین القلوب بالذکر والتلاوة بعد قساوتها ونبوّها عن استماع الحق والعمل بأوامره بإحیاء الأرض المیتة بالغیث من حیث اشتمال کل واحد منهما على بلوغ الشیء إلى کماله المتوقع بعد خلوّه عنه أو یکون استعارة تمثیلیة لإحیاء الأموات بأنه شبّه إحیاءها بإحیاء الأرض المیتة، وأن من قدر على الثانی قادر على الأول فحقّه أن تخشع القلوب لذکره. وکذلک نری نمطاً آخر من الاستعارة التمثیلیة فی هذه الآیة: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَیاةُ الدُّنْیا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِینَةٌ وَتَفاخُرٌ بَیْنَکُمْ وَتَکاثُرٌ فِی الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ کَمَثَلِ غَیْثٍ أَعْجَبَ الْکُفَّارَ نَباتُهُ﴾ (الحدید: 20) وفی قوله ﴿کَمَثَلِ غَیْثٍ أَعْجَبَ الْکُفَّارَ نَباتُهُ﴾ استعارة تمثیلیة أیضا، فهو تمثیل للحیاة الدنیا فی سرعة انقضائها وقلّة جدواها بحال نبات أنبته الغیث فاستوى وأعجب به الکافرون لأنهم أشدّ إعجابا بزینة الحیاة الدنیا. وفی موضع آخر تلوح لنا الاستعارة التصریحیة التبعیة فی قوله تعالی: ﴿مَنْ ذَا الَّذِی یُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَیُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ کَرِیمٌ﴾ (الحدید: 11) وفی قوله ﴿مَنْ ذَا الَّذِی یُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ استعارة تصریحیة تبعیة، فقد شبّه الإنفاق فی سبیل الله بإقراضه ثم حذف المشبّه وأبقى المشبه به، والجامع بینهما إعطاء شیء بعوض ومعنى کونه حسنا أی خالصا من شوائب الریاء. ب. التقابل الدلالی التقابل لغةً:المُواجهة بین شیئین، یقال: قَبلَ نقیض بَعدَ، والقُبلُ والقُبُلُنقیضُ الدُبرُ والدُبُرُ… والمُقابَلَة: المُواجهة والتَقابُل مِثلُه (الرازی، 1982م: مادة قبل) فهو یعنی وجود علاقة ضدیة وقد عرَّف حدیثاً أحمد الجانبی التقابل الدلالی اصطلاحیاً بأنّه «کل کلمتین تحمل إحداهما عکس المعنى الذی تحمله الأخرى.» (منال، ١٩٩٤م: 50)إن هذه السورة مشحونة ومملوءة بهذه الظاهرة حیث نری ذلک عینة أسلوبیة فیها وجاءت هذه الظاهرة بأنماطها المختلفة منها: أولاً. التقابل الظرفیّ هو أن یقابل ظرفٌ بظرف سواء کان ظرف زمان أم مکان فقد یکون مطلقاً غیر محدد -وهو الأغلب- سواء تعلق بالجهات "فوق + تحت +أسفل+بین+ خلف" أم بغیرها ففی سورة الحدید قال تعالى: ﴿وَمَا لَکُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِیرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا یسْتَوِی مِنْکُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِکَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِینَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَکُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ﴾ (الحدید: 10) التقابل بین ظرفی "من قبل ومن بعد" أی المنفقون قبل الفتح والمجاهدون قبله أعظم درجة فی إنفاقهم وجهادهم لأن الزمان الذی قبل فتح مکة کان زمان ضعف المسلمین، لأن أهل الکفر کانوا أکثر العرب وکان الإنفاق والجهاد فیما قبل الفتح أشق على نفوس المسلمین لقلة ذات أیدیهم وقلة جمعهم فالتقابل هنا لتفاوت درجات المنفقین بحسب تفاوت أحوالهم. (الهدیل، لاتا: 363) ثانیاً. التقابل الوصفی هو تقابل الصفات ورد فی قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا واِبْرَاهِیمَ وَجَعَلْنَا فِی ذُرِّیتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْکِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَکَثِیرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (الحدید: 26) فثم التقابل بین "مهتدٍ + فاسقون" والمهتدی الذی یؤمن ویصلی ویزکی على هدى والفاسقون: المشرکون من عاد وثمود وقوم لوط والیمن والأوس فالمقابلة بین المهتد والفاسق لکن الغلبة للفاسق وهنا مقابلة بالضد فکان المراد أن فیهم من قبل الدین واهتدى ومنهم من لم یقبل ولم یهتد. (الهدیل، لاتا: 363) ومن التقابل أیضاً قوله تعالی: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِکلِ شَیء ٍعَلِیمٌ﴾ اللافت فی هذه الآیة یری أن الله تعالی جاء فیها بأسلوب یغلب علیه طابعا عدولیا: الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ، التقابل هنا بین أسمائه الحسنى "الأول +الأخر" و"الظاهر +الباطن" الأول قبل کل شیء بغیر، والأخر بعد بغیر نهایة والظاهر ضد الباطن وفائدة التقابل هنا الإحاطة والعلم بکل شیء من الوجود فی الأرض والسماء وهو عالم السرائرِ والخفیاتِ وهو من عناصرالانزیاح فی النثر وهی صورة بلاغیة تقوم على الجمع بین شیئین متنافرین لاعلاقة مکشوفة وصریحة تجمع بینهما. ثالثاً. تقابلالجملة وهو تقابل فی سیاق النصوص وهو تقابل الجملتین ففی سورة الحدید ورد قوله تعالى: ﴿هُوَالَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ یعْلَمُ مَا یلِجُ فِی الْأَرْضِ وَمَا یخْرُجُ مِنْهَا وَمَا ینْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا یعْرُجُ فِیهَا وَهُوَ مَعَکُمْ أَینَ مَا کُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ﴾ (الحدید: 4) التقابل بین "یعلم ما یلج فی الأرض وما یخرج منها + وما ینزل من السماء وما یعرج فیها" التقابل بین فعلین ومتعلقیهما من الجار والمجرور والمعنی أی: یعلم ما ینفذ فی الأرض کماء المطر وما یخرج من الأرض کأنواع النبات وما ینزل من السّماء کالأمطار والملائکة وما یصعد کالأبخرة والملائکة أیضا والغرض من هذا التقابل توسّع الإحاطة فلا یغیب الناس عن الله أینما کانوا وفی أی زمان وأی حال عاشوا والتقابل أیضاً هنا قائم بین "السّماء والأرض" وغالباً ما یقدم السماء على الأرض فی أکثر المواضع تقابلها، إلا إن فی هذه الآیة قدم الأرض على السماء تبعا للتسلسل المنطقی إذ الأرض ملتصقة بحیاة الإنسان المادیة أکثر من لصوق السماء.(الطباطبائی، 1997م: 152) 3. الانزیاح الترکیبی یحدث الانزیاح الترکیبی من خلال طریقة فی الربط بین الدوال فی العبارةأو الترکیب أو الفقرة، وتختلف تراکیب العبارة الأدبیة عن ترکیب الکلام العادی أوالنثر العلمی، فالکلام العادی یخلو إفرادا أو ترکیبا من کل میزة أو قیمة جمالیة، على عکس العبارة الأدبیة فإنها قابلة بأن تحمل فی کل علاقة من علاقاتها قیمةجمالیة (قصبجی، 2003 م: 120) وإذا کان الانزیاح الدلالی یخضع للمفردات والتعابیر علی مستوی المعنی والدلالة، فإنّ الکلام فی الانزیاح الترکیبی، یخضع للتألیف والترتیب الذی یقوم بمقتضاه تحدید مکونات الجمل، أی یتعلق بالعدول عن ترتیب ترکیب المادة اللغویة مع جاراتها فی السّیاق الذی ترد فیه؛ فکل ترکیب خرج عن القواعد النحویة المعتادة وأصولها هو الانزیاح الترکیبی ومن أنماط الانزیاح الترکیبی التی سنتناولها فی هذا الباب: التقدیم والتأخیر، الحذف والالتفات. أ. التقدیم والتاخیر: Permutation تتعلق ظاهرة التقدیم والتأخیر فی الجملة بالمسند والمسند إلیه، فالأصل فیالمبتدأ أن یسبق الخبر والفعل یسبق الفاعل، ولکن فی اللغة الشعریة یخرج الکلامعن أصله من خلال التقدیم والتأخیر، فیتأخر المبتدأ عن الخبر ویتقدم الفاعل علىالفعل ویکمن وراء عملیة الترتیب من تقدیم وتأخیر لطائف بلاغیة قد لا تلمس أثرها وفق الترتیب المعیاری لتراکیب اللغة. ومن النماذج المنزاحة عن المعیار النحوی فی سورة الحدید المبارکة تقدیم جواب الشرط علی جملة الشرط وأداته کقوله تعالی: ﴿وَهُوَ مَعَکُم أَینَ ما کُنتُم﴾ (الحدید: 4) کما نری إنّ جملة الجواب قد قدّمت علی جملة الشرط بهدف الإثارة الذهنیة واستسفار ذهن المتلقّی، انتظاراً لبقیة الترکیب. وقد تکون تقدمت، لأنّ المعنی فیه أکثر أهمیة من المعنی الذی تظهره جملة الشرط، وتکون العبارة بهذا قد انحرفت عن المألوف اللغوی. نمط مألوف "عادی": أداة الشرط جملة الشرط جملة الجواب : أینما کنتم فهو معکم (1) (2) (3) نمط غیر مألوف "منحرف": جملة الجواب أداة الشرط جملة الشرط: وهو معکم أینما کنتم إذا قصد التنزیل العزیز نقل الخبر بترکیز علی جزء من أجزائه ولإظهار عنایته واهتمامه به، فإنّه یقدم ذلک الجزء فیدرک السّامع المعنی الجدید ومثال ذلک أیضاً تقدیم جملة الجواب علی جملة الشرط وأداته: ﴿وَقَد أخَذَ مِیثَاقَکُم إِن کُنتُم مؤمِنِینَ﴾ (الحدید: 8) إنّ الجملة الأساس فهی جملة تولیدیة فعلیة جاءت طبقاً لنمط من أنماط الجملة الشرطیة فی اللغة العربیة هی: إن کُنتُم مؤمِنِینَ فقد أَخَذَ میثَاقَکُم أمّا الجملة التی نراها فی التنزیل فهی جملة تحویلیة کان التحویل فیها باستخدام عنصر التقدیم. ومن النماذج الدالة على هذا النمط من الانزیاح، تقدیم شبه الجملة فی قوله تبارک و تعالی: ﴿إنَّ ذَلِکَ عَلَى اللهِ یَسِیرٌ﴾ (الحدید: 22) فکان على الأصل لابد أن یقال: إن ذلک یسیر على الله؛ لأن الجار والمجرور"على الله" متعلق بـ"یسیر" والأصل فی الکلام أن نأتی بالفعل أو شبهه ثم نأتی بمتعلقه ونراعی ترتیب الکلام والغرض من تقدیم المجرور الذی کان من حقه أن یؤخر عن متعلَقه "یسیر" هو إفادة الاختصاص أی ذلک الأمر المهم والخطیر یسیر على الله تعالى فقط لا غیر إذ لو لم تقدم "على الله" على "یسیر" لزعم البعض أن معناه هو أن ذلک الامر یسیر على الله وعلى غیره على السواء قال الرازی: «وَفی قوله تعالى إن ذلک على الله یسیر قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: إِنَّ حِفْظَ ذَلِکَ عَلَى اللَّه هَیِّنٌ، وَالثَّانِی: إِنَّ إِثْبَاتَ ذَلِکَ عَلَى کَثْرَتِهِ فِی الْکِتَابِ یَسِیرٌ عَلَى اللَّه وَإِنْ کَانَ عَسِیرًا عَلَى الْعِبَادِ.» (الرازی، 1420ق: 467) وختم الله الآیة بهذا القول للدلالة علی أن تقدیر الحوادث قبل وقوعها والقضاء علیها بقضاء لایتغیر لا صعوبة فیه علیه تعالی. (الطباطبائی، 1997م: 174) وإفادة الاختصاص قوله تعالى: ﴿وَما لَکُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِیراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ (الحدید: 10) فیجوز تقدیم الخبر علی المبتدا، فتقدیم الخبر خلافا للأصل لابد أن یکون لغایة معنویة أوجمالیة فنیة یحققها الجانب الأدبی للنص القرآنی، ولذا تقدم اللفظ المتعلق بجلال الله لإفادة الاختصاص. ب. التناوب: Alternation ویقصد به إحلال لفظ محل لفظ آخر، أو أداة محل غیرها، أو حرف محل ما یناظره وینقسم إلی تناوب فی الأفعال وتناوب فی الأسماء وآخر فی الحروف وفی بنیة أکبر، التناوب فی الجمل أو الترکیب. (سلیمان، 2008م: 9) قیمة التناوب أنه لا یثبت المعنی الکامن فی الکلمة الواردة فی السیاق فحسب، بل تتم فی ذات الوقت عملیة استحضار للکلمة المنوب عنها، وما ینجرّ عنها من معان، فتحدث عملیة مزاوجة بین الکلمتین المنوب عنها والنائبة ومن ثمَّ تزاوج المعنیین، مما یؤدّی فی النهایة إلی إثراء المعنی. (المصدر نفسه: 91) من الظواهر اللغویة المشهورة التی یلعب فیها المعنى دورا بارزا هو ظاهرة التناوب فی الأفعال والتی یسمی أیضا بـ"التضمین النحوی" وهو یعنی إشراب فعل معنی فعل آخر لیعامل معاملته، ویجری مجراه کما أشار إلیه ابن هشام:«قد یشربون لفظاً معنی لفظٍ فیُعطونه حکمه، وذلک یسمّی تضمینا وفائدته: أن تؤدی کلمةٌ مؤدّی کلمتین.» (ابن هشام، لاتا: 305) نحو قوله تعالى: ﴿فَضُرِبَ بَینَهُم بِسُورٍ﴾ (الحدید: 13) إن البنیة العمیقة فی الآیة الکریمة هی: "فضُرِبَ سورٌ بَینَهم" دون حرف جر "باء" لکننا فی المستوی السطحی نری أنّ فعل "ضرب" الذی یأخذ مفعولاً به مباشرة، جاء مصاحباً مع حرف جر "باء" وهذا مغایر مع الفصائل النحویة لهذه الکلمة کما جاء فی لسان العرب: «والضّربُ مصدر ضَرَبتُه؛ وضَرَبَهُ یَضرِبُهُ ضَرباً.» (ابن منظور، لاتا: مادة ض ر ب) وضرب السور بمعنی: وضعه، یقال: ضرب خیمةً أی: وضعها لکننا نری فی هذه الآیة الکریمة أنّ هذا الفعل تعدّی بحرف "الباء" الجارّة بحیث یدلّ هذا الحرف علی أنّ فعل "ضرب" لم یأت فی معنی "الوضع" بل هو یضمن فعلا یتعدّی بهذا الحرف فهو "حجز"، أی: ضرب بینهم سور للحجز به بین المنافقین والمؤمنین فغرض هذا الضرب من العدول هو الإیجاز؛ لأنّ الفعل یکمن فیه معنی فعل آخر دون أن یدل علیه بشکل مباشر. أمّا التناوب فی الأسماء فهو الشکل الثانی من أشکال التناوب فنعنی بهذه الظاهرة ورود اسم فی السیاق الأدبی بدیلاً عن نظیر له أو إقامة صیغة مقام أخری وهو أن یذکر اللفظ ویراد ما اشتق منه ولا یعنی ذلک أن أی اسم من الأسماء یصلح لأن ینوب عن غیره، إذ لابد أن تکون هناک مشابهة أو علاقة بین الإسم النائب الوارد والآخر المنوب عنه. (سلیمان، 2008م: 113) تجدر الإشارة إلی أنّ علاقة من علاقات مجاز المرسل هی التعلق الاشتقاقی وهو یعنی: إقامة صیغة مقام أخری وهو أن یذکر اللفظ ویراد ما اشتق منه من اسم الفاعل أو المفعول (الهاشمی، 2007م: 269) کقوله تعالى: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾ (لقمان: 11) والتقدیر: مخلوق الله، وقوله کذلک: ﴿وَلَا یُحِیطُونَ بِشَیْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾ (البقرة: 255) أی: بمعلومه حیث أطلق المصدر فی الآیتین وأرید اسم الفاعل. ومثال ذلک فی سورة الحدید المبارکة: ﴿بُشرَاکُم الیَومَ جَنّاتٌ تَجرِی مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ﴾ (لقمان: 11) المراد بالبُشرَی "ما یُبَشَّرُ به"، وأصل الکلام - فی غیر کلام الله- أی البنیة العمیقة للجملة "الّذی تُبشّرون به جنّاتٌ" ثم أصبحت بعد قانون التناوب إلی "بُشرَاکُم" وهی البنیة السطحیة للجملة کما قال ابن عاشور: «اسم مصدر بشّر وهی الإخبار بخبرٍ یسرّ المخبَر، وأطلق المصدر علی المفعول وهو إطلاق کثیرٌ مثل الخلق بمعنی المخلوق، أی: الّذی تُبشّرون به جنّاتٌ.» (ابن عاشور، 1984م، ج27: 380) إن من أهم أغراض النیابة التوسّع فی المعنی، فالإتیان بنائب المصدر قد یوسّع المعنی توسیعا لایؤدّیه ذکر المصدر وذلک کالمجیء بصفة المصدر بدلا منه فإنک إذا حذفت المصدر وجئتَ بصفته فربّما احتمل معنی جدیدا لم یکن ذکر المصدر یفیده ولایحتمله وقد یکون التوسع علی نحو آخر، وذلک أن یؤتی بملاقی الفعل فی الاشتقاق فنکتسب معنیین (السامرائی،2003: 138) وذلک نحو قوله تعالی:﴿مَن ذَا الّذِی یُقرِضُ اللهَ قَرضَاً حَسَنَاً فَیُضَاعِفُهُ لَهُ﴾ (الحدید: 11) کما نلاحظ فی هذه الآیة الکریمة، فقد جاء تعالی بالفعل (یُقرِضُ) لکن لم یجئ بمصدره، والقیاس أن یقول: یُقرِضُ إقراضاً حَسَناً؛ لأن مصدر فعل (یُقرِضُ) هو الإقراض کأحسن إحسان؛ أما "قرض" فهو اسم مصدر مثل "عطاء" فهو اسم مصدر "إعطاء"، فجاء بالفعل (یُقرِضُ) ولکن لم یجیء بمصدره فجمع معنیین (الإقراض والقرض) فی آن واحد. والنموذج الآخر للتناوب هو ورود الفعل بدل الإسم کقوله تعالی: ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِینَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا یُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ کَرِیمٌ﴾ (الحدید: 18) یظهر دور السیاق هنا فی تفسیر الآیة الکریمة من خلال العطف الذی یعتبر نوعاً من أنواع السیاق اللغوی الذی یربط الجمل بعضها ببعض. علی أساس هذا القانون -وفی غیر کلام الله- کان من المستحسن عطف الفعل علی الفعل وبالعکس أی: البنیة العمیقة لهذه الجملة "إنّ المصدّقینَ والمقرضینَ" أو"إنّ الذین اصّدّقوا واللائی تصدّقنَ وأقضوا" لکن التنزیل عدل عن الإسم فی المعطوف إلی الفعل الماضی فمن هنا نجد أن المعنى الدلالی اختلف باختلاف الجملتین. قیل بأنّ «وجه العدول عن تماثل الصلتین فلم یقل: إنّ المصدّقین والمقرضین، هو تصویر معنی کون التصدّق إقراضاً لله.» (ابن عاشور،1984م، ج27: 396) أمّا الشکل الثالث من التناوب فهو یقع بین الحروف بمعنیً آخر یوضع حرف مکان آخر؛ قصداً لمعنى معین أو دلالة خاصة ومثال ذلک قوله تعالی: ﴿لَهُ بَابٌ ظَاهِرُهُ فِیهِ الرّحمَةُ وَبَاطِنُه مِن قِبَلِه العَذَابُ﴾ (الحدید: 13) کما نلاحظ، أنّ "مِن" هنا نابت مناب "فی"؛ لأنّ کلمة "قِبَله" بمعنی "الجهة" وأنّک إذا قلتَ: الجهة توقعتَ مباشرةً حرف "فی" وربّما کان المسوّغ لهذا التناوب هو المعنی الذی یکتنف السیاق وهنا یأتی الفرق بین ظرفیة "من" وظرفیة "فی". إنّ ظرفیة "فی" ظرفیة تضمن واحتواء، وظرفیة "من" ظرفیة غایة ابتدایة ونقول "هو ینفق المال من اللیل" و"هو ینفق المال فی الیل" فإنّ معنی الأولی أنّ وقت الإنفاق هو بدایة اللیل، أی یقترن الحدث بهذا الوقت وبابتدائه لا خصوص وقت هو أدخل فیه، وأمّا الثانیة فعلی معنی أنّه یذهبه فی الفسوق، فجعل اللیالی وعاء یرمی فیه المال، بمعنیً آخر إن الإنفاق حصل فی خصوص أعماق اللیل. (السامرّائی، 2003م، ج3: 81-80) کما قال الطبابائی: «یظهر من کون باطن السورة فیه رحمة وظاهره من قبله العذاب أنّ السور محیط بالمؤمنین وهم فی داخله والمنافقون فی الخارج منه.» (الطباطبائی، 1997م، ج17: 163) أما المثال الآخر للتناوب بین الحروف فهو الآیة الکریمة: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِینَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَیْنَکُمْ وَتَکَاثُرٌ فِی الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ (الحدید: 20) و"فی" من قوله "فی الأموال والأولاد" مستعمل فی التعلیل، وکما هو المعلوم، أنّ "فی" تفید الظرفیة، معناه أنّه جعل التکاثر والتفاخر فی الأموال والأولاد کأنّ هذه الأموال ظرف فیه التفاخر والتکاثر. أمّا التناوب بین الجمل فهو نوع أخیر من التناوب الذی ستنوب فیه الجمل فی المستوی السطحی عن الجمل فی المستوی العمقی من قبیل التضمین، بمعنی أنها تضمنت جملا محذوفة سدت مسدها فی السیاق. من الأمور الأخری التی تدل علی التناوب فی الجمل، ترتبط بأسلوب الشرط أو شبهه. کلمة الشرط تطلب جملتین، یلزم من وجود مضمون أولاهما فرضاً حصول مضمون الثانیة، وأدوات الشرط کلمات وضعت لتدل علی التعلق بین الجملتین، والحکم بسببیة أولاهما ومسببیة الثانیة (ابن هشام، لاتا: 271 و272) وهذا یعنی أن الشرط سبب والجواب مسبب عنه. کثیرا ما نری أن القرآن الکریم یحذف جواب الشرط فیجعل الدلیل نفس الجواب وهذا الأمر جائز إن کان فی الکلام ما یدل علیه کقوله تعالی: ﴿وَمَن یَّتَوَلَّ فَإنَّ اللهَ الغَنِیُّ الحَمِیدُ﴾ (الحدید: 24) وجملة "فإنّ اللهَ الغنی الحمید" قائمة مقام جواب الشرط؛ لأنّ مضمونها علة للجواب. إن البنیة العمیقة لهذا الترکیب هی "ومن یتولّ فلا یضر الله شیئاً ولا یضرّ الفقیر" لکن نری فی البنیة السطحیة "فإنّ اللهَ الغنی الحمید" فما هو الغرض فی هذا العدول؟ إن جواب الشرط یجب أن یکون مسببا عنه وهذا الأمر هو الدلیل الرئیسی لوجود التناوب فی الآیة الکریمة لأن جملة (فإنّ اللهَ الغنی الحمید) لا یمکن أن یکون مسببا عن الشرط ففی حذف الجواب الف- اتساع صفة الغنی والحمد. ب- إنما ذکر صفة الغنی والحمد لیبقوا فی حالة طاعة وخشیة من معصیة أخری ولا یخفی فی الجملة من الإشعار بالتهدید لمن تولّی. ج. الحذف: Deletion وهو من الظواهر الأسلوبیة اللغویة التی توسع الدلالة. یقول عبد القاهر الجرجانی فی هذا الباب، إن الحذف «باب دقیق المسلک لطیف المأخذ، عجیب الأمر شبیه بالسحر، فإنک ترى به ترک الذکر أفصح من الذکر والصمت عن الإفادة أزیدُ للإفادة، وتجدک أنطق ما تکون إذا لم تنطق، وأتمّ ما یکون بیانا إذا لم تبن.» (الجرجانی، 1978م: 170) ویکون الحذف لعلل کثیرة منها وضوح الدلالة، الحث علی أمر مطلوب ومن أسباب الحذف فی هذه السورة الحث علی الإنفاق فی قوله تعالی: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَکُمْ مُسْتَخْلَفِینَ فِیهِ﴾ (الحدید: 7) حذف مفعول أنفقوا للمبالغة فی الحثّ على الإنفاق وعدم البخل بالمال. کما حذف مفعول فی هذه الآیة حیث یقول: ﴿وَما لَکُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ﴾ (الحدید: 10) حذف مفعول "تنفقوا فی سبیل الله" لما تقدم والاستفهام فیها للإنکار التوبیخی لتشدید التوبیخ أی: ماذا حدث لکم لا تنفقوا زلفی إلی الله تعالى «وفی الآیة توبیخ شدید لهم علی عدم إنفاقهم فی سبیل الله من المال الذی لایرثه بالحقیقة إلا هو تعالی ولا یبقی لهم ولا لغیرهم، والإظهار فی موضع الإضمار فی قوله: "ولله" لتشدید التوبیخ.» (الطباطبائی، 1997م: 160) کذلک حذف ثانی الاستوائین لأن الاستواء لا یتم إلا بعد شیئین فلا بدّ من حذف مضاف تقدیره: لا یستوی منکم من أنفق من قبل فتح مکة وقوة الإسلام ومن أنفق من بعد الفتح، فحذف لوضوح الدلالة علیه. زد علی ذلک، فمن مواطن الحذف، حذف المسند إلیه (المبتدأ) ومفعول به معاً قوله تعالی: ﴿لَهُ مُلکُ السّمَاواتِ والأَرضَ یُحیی وَیُمِیتُ﴾ (الحدید: 2) حذف المسند إلیه (هو) فی هذه الآیة الکریمة لدلالة کونه معیّناً عند المتلقی کما یمکن أن یکون هذا الحذف بغرض التعظیم وإضافة المهابة علیه فالمبتدأ معتمد الفائدة، والخبر محل الفائدة، فلابدّ منهما، إلا أنه قد توجد قرینة –لفظیة أو حالیة- تغنی عن النطق بأحدهما فکانت الجملة التولیدیة أو درجة الصفر للکتابة -فی غیر کلام الله- "هو یحیی ما یشاء ویمیت ما یشاء" لکن الجملة التی نراها فی الآیة الشریفة تحویلیة اسمیة کان التحویل بالحذف وکان الحذف فی رکن رئیس من أرکان الجملة، فلا بدّ من تقدیره. أمّا النمط الآخر للحذف فی الآیة الکریمة فهو حذف المفعول به والقرینة التی تسوقنا بهذا الحذف کون الفعل متعدّیاً والغرض الرئیس لهذا الحذف الإطلاق فی الحدث الذی یشیر إلیه الفعل وربطه بالفاعل «فاعلم أنّ أغراض الناس تختلف فی ذکر الأفعال المتعدیة، فهم یذکرونها تارة ومرادهم أن یقتصروا علی إثبات المعانی التی اشتقت منها للفاعلین من غیر أن یتعرّضوا لذکر المفعولین، فإذا کان الأمر کذلک، کان الفعل المتعدی کغیر المتعدی مثلاً فی أنّک لا تری له مفعولاً لا لفظاً ولا تقدیراً، ومثال ذلک قول الناس: فلان یحل ویعقد.. المعنی فی جمیع ذلک علی إثبات المعنی فی نفسه للشیء علی الإطلاق وعلی الجملة حتی کأنّک قلت صار إلیه الحل والعقد.» (الجرجانی،1978م: ص118، 119) وقوله سبحانه "یحیی ویمیت" أی یفعل الإحیاء والإماتة فالفعل فی مثل هذه الحالة لازم ولیس متعدّیاً؛ لأنّ الجملة اکتملت معنی ومبنی والفعل لا یعدّی هناک؛ لأنّ تعدیته تنقض الغرض وتغیر المعنی. د. الالتفات: Apostrophe إن الالتفات أسلوب من الأسالیب البلاغیة التی ترتبط ارتباطا وثیقا بظاهرة الانزیاح اللغوی؛ لأنه ظاهرة أسلوبیة تمثل خروجاً عن اللغة المعیاریة، أو انتهاکاً للصیاغة المألوفة فی الاستعمال العادی للغة؛ لهذا سنلاحظه من خلال تتبع المعنىاللغوی والاصطلاحی لهذه الظاهرة. إن الالتفات، مادته "لفت" من باب الافتعال أی صَرَف. قال ابن منظور: لَفَتَ وجهه عن القوم: صرفه والتفت التفاتاً والتلفُّت أکثر منه وتلفَّت إلى الشیء والتفت إلیه: صرف وجهه إلیه. (ابن منظور، 1979م: مادة لفت) أمّا اصطلاحاً، فهو تحویل أسلوب الکلام من وجه إلى آخر أو الانتقال بالأسلوب من صیغة التکلم أو الخطاب أو الغیبة إلى صیغة أخرى من هذه الصیغ، على أن یعود الضمیر الثانی على نفس الشیء الذی عاد إلیه الضمیر الأول، وبعبارة أخرى أن یکون الضمیر فی المنتقل إلیه عائداً فی نفس الأمر إلى الملتفت عنه. (حسین، 1984م: 280) قال السکاکی: «وهذا النوع قد یختص مواقعه بلطائف معان قلما تتضح إلا لأفراد بلغائهم أو للحذاق والمهرة فی هذا الفن والعلماء، ومتى اختص موقعه بشیء من دلک کساه فضل بهاء ورونق وأورث السامع زیادة هزة ونشاط ووجد عنده القبول أرفع منزلة.» (السکاکی،١٩٩٠م: 96) والالتفات یؤثر فی السامع فیحثه على المتابعة والتفکیر؛ لأن الکلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب کان ذلک أحسن لنشاط السامع للإصغاء إلیه کما فیه عنصر جذب وتشویق للسامع. ولقد تنوع أسلوب الالتفات فی سورة الحدید لیضفی إلى البناء الفنی عناصر جمالیة ومن هذا التنوع: أولاً. الالتفاتبالضمائر ورد الالتفات بالضمائر بأنماط مختلفة فی هذه السورة منها الالتفات من الغیبة إلی التکلم. ورد هذا النوع من الالتفات فی ثلاثة مواضع من السورة ویتمثل فی قوله سبحانه تعالی: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یُحْیِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَیَّنَّا لَکُمُ الْآیَات﴾ (الحدید: 17) ترتبط عملیة العدول عن ضمیر الغائب فی " یُحْیِ"، إلى ضمیر المتکلم فی "بَیَّنَّا". ومثله فی الانتقال من مستوى لآخر فی قوله تعالى: ﴿أُولَئِکَ هُمُ الصِّدِّیقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا أُولَئِکَ أَصْحَابُ الْجَحِیمِ﴾ (الحدید: 19) تناسب فی غایة الدقة، بین حالتین یمر بهما الذین کفروا، فی الدنیا کانوا یظنون أن الله بعید عنهم، فکان الأسلوب غیاب "کَذَّبُوا "، فانتقل الأسلوب بعد ضمائر الغائب إلى الحضور "بِآیَاتِنَا"، فی موقف مهیب ومفاجئ ینتقل من حال الدنیا إلى مشهد یوم القیامة. ومن المستویات الأخری التی یظهرها الالتفات ما یمثل فی الغیاب والحضور، ومثل ذلک فی قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَیِّنَاتِ﴾ (الحدید: 25) کما نری أنه انتقل الأسلوب من الغائب "هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ" إلى المتکلم "لَقَدْ أَرْسَلْنَا" فی إحساس من العظمة. أمّا الالتفات من التکلم إلی الغیبة وهو من مباحث الالتفات البدیعة، شأنه شأن غیره من المباحث تتکاثر لطائفه وتتوافر محاسنه فی آیات من القرآن وأول ما یطالعنا فی السورة مثالاً على هذا القسم قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِیدَ فِیهِ بَأْسٌ شَدِیدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ﴾ (الحدید: 25) موضع الالتفات هو "وَلِیَعْلَمَ" بلفظ الغیبة بعد أنْ کان بلفظ التکلم فی قوله "وأنزلنا". ومن الأمثلة التی جمعت أکثر من الالتفات ما فی قوله تعالى: ﴿مَا کَتَبْنَاهَا عَلَیْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَایَتِهَا فَآتَیْنَا الَّذِینَ آمَنُوا﴾ (الحدید: 27) إذ تبدأ الآیة بأسلوب المتکلم "مَا کَتَبْنَاهَا" إلى الغائب "فَمَا رَعَوْهَا" إلى المتکلم "فَآتَیْنَا". یظهر نوع آخر من الالتفات فی الضمائر وهو الالتفات من الخطاب إلى الغیبة ومنه قوله سبحانه وتعالى: ﴿یَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ یَسْعى نُورُهُمْ بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَبِأَیْمانِهِمْ بُشْراکُمُ الیوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ﴾ (الحدید: 12) وفی قوله "خالدین فیها" بعد قوله "بشراکم الیوم" التفات من الخطاب إلى الغیبة. ثانیاً. الالتفاتمنصیغةالماضیإلىالمضارع ورد هذا النوع من الالتفات فی موضع واحد من السورة هو فی قوله تعالى: ﴿کَمَثَلِ غَیْثٍ أَعْجَبَ الْکُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ یَهِیجُ﴾ (الحدید: 20) موضع الالتفات هو فی قوله تعالى "یَهِیجُ" بعد أن کان بصیغة الماضی فی قوله تعالی: "أَعْجَبَ" فالفعل الماضی یدل على حتمیة وقوعه، یتبعه الفعل المضارع المتمیز بقدرته على التصویر ومن طبیعته التجدد والتغیر، فانسجم کل ذلک مع المیاه والنباتات. ثالثاً. الالتفات بالعدد غالبا ما لا نجد فرقا فی الدلالة والمعنى بین اللفظ فی حالتی الإفراد والجمع، ولکن فی ألفاظ القرآن الکریم المعجزة هناک تحول کبیر فی دلالة اللفظ وتباین فی معناها فی الإفراد وفی الجمع، فقد تأتی اللفظة القرآنیة فی موضع بصیغة الإفراد، ویعدل عنها فی موضع آخر إلى صیغة الجمع ولکل حالة معناها المستقل تبعا للسیاق الذی وردت فیه من المستویات التی یظهرها الالتفات ما یمثل فی المفرد والجمع ومثل ذلک فی قوله: ﴿هُوَ الَّذِی یُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آیَاتٍ بَیِّنَاتٍ لِیُخْرِجَکُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور﴾ (الحدید: 9) بدایة کان الحدیث عن العبد، وهو بالطبع مفرد فینتقل إلى الجمع وهو ضمیر "کم". مثال آخر لهذا النوع من الالتفات قوله تعالی: ﴿لا یَسْتَوِی مِنکُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِکَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِینَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا﴾ (الحدید: 10) ورد فعل ""أنفق" فی الآیة الشریفة صلة للفظ "مَن" مفرداً ولکن أشیر فی نفس الآیة إلی الموصول الذی أتت صلته مفردة باسم الإشارة علی صیغة المجموع فمن هنا نستطیع القول إنّ الالتفات العددی وقع من الإفراد فی "أنفق" إلی الجمع فی "أولئک" للإشارة إلی عظمة شأن المُنفقین والمُقاتلین قبل الفتح وأشیر إلیهم باسم الإشارة لما تؤذن به الإشارة من التنویه والتعظیم وللتنبیه إلی أن المشار إلیهم جدیرون بما یذکر بعد اسم الإشارة "أعظم درجة"، فلما بیّن تعالی فی الآیة السابقة أن الإنفاق فضیلةٌ، وضَّح فی هذه الآیة أنّ المسابقة فی الإنفاق تمامُ الفضیلة. رابعاً. الالتفات المعجمی «یتمثل الالتفات فی هذا المجال بین الألفاظ التی تتداخل دوائرها الدلالیة بحیث تتلاقی فی مساحة أو قدر مشترک من المعنی، ثم ینفرد کل منها ببعض الخصوصیات أو الطاقات الإیحائیة التی لا یشارکه فیها سواه، فطرفا العدول فی هذا المجال هما لفظان یشترکان فیما یطلق علیه العلماء المعاصرون الدلالة المرکزیة.» (طبل، 1998م: 159) نود فی هذه السورة أن نتأمّل بعض المواطن القرآنیة التی تتمثل فیها صورة العدول فی هذا المجال ومن ذلک مثلا قوله تبارک وتعالی: ﴿وَمَا لَکُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ یَدْعُوکُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّکُمْ﴾ (الحدید: 8) فالربّ معجمیاً یطلق علی الله وغیره من الذین یملکون اختیارات لکن الآیة الکریمة کما نری قد آثرت لفظة الله وهو المعبود الحقیقی ثم عدل عنها إلی الرب. وأیضاً قوله تبارک وتعالی: ﴿وَالرَّسُولُ یَدْعُوکُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّکُمْ* هُوَ الَّذِی یُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آیَاتٍ بَیِّنَاتٍ﴾ (الحدید: 8-9) معلوم من أن المراد بالرسول فی الآیة الأولی هو بعینه المراد بالعبد فی الآیة الثانیة أی أن الله تبارک وتعالی عدل من الرسول إلی إیثار لفظ العبد. النتیجة فی نهایة دراستنا سورة "الحدید" وهی سورة مکیة عدد آیاتها "٢٩" آیة، رصدنا بعض ملامح أسلوبیة الانزیاح فیها ووصلنا إلی هذه النتائج: - تثبت الدراسة بأن الانزیاح فی محور الترکیب (النحو) أکثر انتشاراً فی السورة بالنسبة لأنماط أخری من الانزیاح والذی جاء هو نفسه بأربعة أشکال منها: التقدیم والتأخیر، والتناوب، والحذف ولو کان بعض من متعلّقات هذا المحور تعلّق بالسیاق کما کان ذلک فی مبحث الالتفات. أمّا معیار الانزیاح فیختلف باختلاف الأنماط المتعددة له فهو فی المستوی الصوتی یستند على مرتکزین هما: الأول: انسجام الألفاظ وتآلف أصواتها فی السیاق، من خلال الاستعمال المناسب للفظة، واختیار الموقع المناسب لها. الثانی: الإیقاع الناشئ من وجود بعض المحسنات البدیعیة فی الآیات الکریمة، کالتکرار والجناس والمراعاة. أمّا فی المستوی الدلالی فمعیار الانزیاح هو البلاغة أی: أن الانزیاح یکون فی مخالفة استعمال اللّفظ فی غیر ما وضع له، وهو متعلّق بالاستعارة بأوسع معانیها، تحت مظّلة علم "البلاغة". لکن معیار الانزیاح فی المستوی النحوی هو تطبیقه مع القوانین اللغویة الحاسمة والمرجّحة کقانون العطف وقانون الجوار/ الاتباع وقانون التقابل أو المعادلة فی علم النحو وهذا القسم من القوانین یجعل دعوى تحقق الظاهرة العدولیة - على مستوى بنیة السطح - حکماً یقینیاً قطعیاً لا یتطرق إلیه شک. أمّا الأغراض الجمالیة للظواهر المنزاحة تختلف باختلاف أنواعها فی السورة: - المراد من الانزیاح الصوتی هو اللجوء إلی التجنیس الصوتی (تکثیف الأصوات) وهو تکریر بعض الحروف أو الکلمات دون غیرها، وکذلک، مدی تلاؤم أصوات الحروف مع المعنی المراد منه فی الآیة، مما یعزز النسیج الصوتی للسورة ویجذب مشاعر المتلقی ومن الأصوات التی تکررت فی السورة هی صوت "الراء" -وهو صوت فموی لثوی مکرر أو لمسی مجهور- فی الکلمات المسجوعة (قَدِیر، وبَصِیر، وکَبِیر، وخَبِیر) وقد جاء مسبوقاً بصوت الیاء المدّیة، یهیئ موسیقى هادئـة وسریعة. إنّ تقویة المعانی وإبرازها ولفت النظر إلیها یقصد إلیها القرآن الکریم فی المستوی الصوتی لهذه السورة الکریمة. - فی المستوی الاستبدالی "الدلالی" ظهر لنا أن هذه السورة بما فیها من الاستعارة التمثیلیة تحولت لغتها من التعبیر إلی التصویر ومن المفردة اللغویة إلی الصورة فهی لا تکاد تقدم معنی من المعانی إلا عن طریق الصورة، لذلک شکلت الصورة فی هذه السورة جزءاً مهماً من شعریتها و جمالیتها. - تقدیم ما حقه التأخیر من الظواهر التی درس فی هذا المستوی وبدا لنا أن أکثرها یفید الاختصاص کما تلجأ السورة إلی الحذف بشتی أنواعه لیعطی معنی أکثر لألفاظ قلیلة. ومن أسباب الحذف فی السورة الکریمة: الحث علی الإنفاق وعدم البخل للمال، الإطلاق فی الحدث الذی یشیر إلیه الفعل وربطه بالفاعل وکون المحذوف معیناً لدی المتلقی فالغرض منه هو التعظیم وإضافة المهابة علیه. - أمّا التناوب فی الجمل فالغرض منه إقامة الجملة مقام الجملة الأخری وهو النمط الذی بدیع فی نوعه ولایأتی إلا للتوسع فی المعانی التی لانراها فی البنیة العمیقة؛ المعانی الدقیقة التی یرینا السیاق والبنیة السطحیة والمستوی الفنی من الکلام. کان الإیجاز والتوسع فی المعانی، نقطة مشترکة من جمالیة التناوب فی الآیات الکریمة بأسرها. - لقد تنوع أسلوب الالتفات فی سورة الحدید وجاء نمط الالتفات بالضمائر أکثر استعمالا فی السورة الکریمة لیضفی إلى البناء الفنی عناصر جمالیة ویؤثر فی السامع فیحثه على المتابعة والتفکیر. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القرآن الکریم ابن جنی. (لاتا). الخصائص. تحقیق: علی النجار وآخرون. بیروت: دار الهدى. ابن ذریل، عدنان. (2000م). النقد والأسلوبیة بین النظریة والتطبیق. دمشق: اتحاد کتّاب العرب. ابن عاشور، محـمد الطاهر. (1984م). تفسیر التحریر والتنویر. ج27. تونس: الدار التونسیة للنشر. ابن منظور، محـمد. (1979م). لسان العرب. مصر: مکتبة دار المعارف. ابن هشام، عبدالله. (لاتا). مغنی اللبیب عن کتب الأعاریب. علّق علیه: أبو عبدالله الجنوبی. (ج2). بیروت: دار إحیاء التراث العربی. الیافی، نعیم. (1995م). أطیاف الوجه الواحد. دمشق: منشورات اتحاد الکتاب العربی. أنیس، إبراهیم. (1965م). موسیقى الشعر. ط3. لامک: مطبعة لجنة البیان العربی. أنیس، إبراهیم. (لاتا). الأصوات اللغویة. مصر: مکتبة نهضة. باقلانی أبوبکر، محمد بن الطیب. (1954م). إعجاز القرآن. تحقیق: سید أحمد صقر. القاهرة: دار المعار. تحریشی، محـمد. (2000م). أدوات النص. دمشق: منشورات اتحاد الکتاب. الجرجانی، عبد القاهر. (1978م). دلائل الإعجاز. صححه ضبطه وعلق علیه: محـمد رشید رضا. بیروت. لبنان: دار المعرفة. حسین، عبد القادر. (1984م). فن البلاغة. ط2. بیروت: عالم الکتب. الخولی، أمین. (1961م). مناهج تجدید فی النحو البلاغة والتفسیر والأدب. ط1. لامک: دار المعرفة الرازی، فخر الدین. (1420ق). تفسیر مفاتیح الغیب. بیروت: دار إحیاء التراث العربی. الرمانی. (لاتا). النکت فی إعجاز القرآن، ضمن ثلاث رسائل فی إعجاز القرآن. تحقیق: محمدخلف الله ومحـمد زغلول. مصر: دار المعارف. زرقة، أحمد. (1993م). أسرار الحروف، دمشق: دار الحصاد للنشر والتوزیع. سامح ربابعة، موسی. (2003م). الأسلوبیة مفاهیمها وتجلیاتها. کویت: جامعة الکویت. السامرائی، فاضل صالح. (2003م). معانی النحو. (الجزء الثالث). القاهرة: شرکة العاتک لصناعة الکتاب. السکاکی، یوسف بن أبی بکر. (١٩٩٠م). مفتاح العلوم. ط2. القاهرة: مصطفى البابی الحلبی. سلیمان، فتح الله أحمد. (2008م). الأسلوبیة: مدخل نظری ودراسة تطبیقیة. القاهرة: دار الآفاق العربیة. طالیس، أرسطو. (1967م). فن الشعر. تحقیق: شکری عیاد. القاهرة: دار الکاتب العربی. الطباطبائی، محـمد حسین. (1997م). المیزان فی تفسیر القرآن. ط1. ج19. بیروت. لبنان: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات. طبل، حسن. (1998م). أسلوب الالتفات فی البلاغة القرآنیة. القاهرة: دار الفکر العربی. عبد المطلب، محـمد. (1994م). البلاغة والأسلوبیة. القاهرة: دار نوبار. قصبجی، عصام وویس، أحمد محـمد. (2003م). الانزیاح من منظور الدراسات الأسلوبیة. ط1. الریاض. السعودیة: مؤسسة إلیمامة الصحفیة. کوهن، جان. (1986م). بنیة اللغة الشعریة. ترجمة: محـمد الوإلی ومحـمد العمری. ط1. لامک: دار توبقال للنشر. الدار البیضاء. لاشین، عبد الفتاح. (1979م). البدیع فی ضوء أسالیب القران. ط1. القاهرة: دار المعارف. محیسن، محـمد سالم. (1997م). الهادی شرح طیبة النشر فی القراءات العشر. بیروت: دار الجیل. میشال، عاصی. (لاتا). الفن والأدب بحث فی الجمالیات والأنواع الأدبیة. بیروت: دار الأندلس للطباعة والنشر. نور الدین، السد. (1997م). الأسلوبیة وتحلیل الخطاب. ج 1. الجزائر: دار هومة. الهدیل، رعد حسین. (لاتا). التقابل الدلالی فی سورة الحدید. لامک: مجلة جامعة الأنبار. هلال، ماهر مهدی. (1980م). حرص الألفاظ فی البحث البلاغی والنقدی. بغداد: دار الرشید للنشر. هنداوی، عبد الحمید أحمد یوسف. (2002م). الإعجاز الصرفی فی القرآن الکریم – دراسة نظریة تطبیقیة- التوظیف البلاغی لصیغة الکلمة. بیروت: المکتبة العصریة. وهبة، مجدی والمهندس، کامل. (1984م). معجم المصطلحات العربیة فی اللغة والأدب. ط2. لبنان: مکتبة بیروت. ویس، أحمد محمد. (2002م). الانزیاح فی التراث النقدی والبلاغی. ط1. دمشق: اتحاد الکتاب العرب. الرسائل الجامعیة بولحواش، سعاد. (2012م). شعریة الانزیاح بین عبدالقاهر الجرجانی وجان کوهن. رسالة المأجیستر. إشراف: محمد زرمان. الجزائر: جامعة الحاج لخضر باتنة، کلیة الآداب واللغات الأجنبیة. صالح، لحلوحی. (2011م). «الظواهر الأسلوبیة فی شعر نزار قبانی». مجلة کلیة الأداب واللغات. العدد الثامن، صص36-1 منال، صلاح الدین عزیز الصفار. (1994م). ظاهرة التقابل الدلالی فی القرآن. رسالة ماجستیر. موصل: کلیة الآداب. المصادر الفارسیة شفیعی کدکنی، محـمدرضا. (1386ش). موسیقی شعر. چ10. تهران: موسسه انتشارات آگاه. شیری، علیأکبر. (1380ش). «نقش آشناییزدایی در آفرینش زبان ادبی». آموزش زبان وادب فارسی، السنة السادسة عشرة. العدد 59. صص 17-8 صفوی، کورش. (1373ش). از زبان شناسی به ادبیات. چ1. تهران: نشر چشمه. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 2,017 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 5,333 |