تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,004 |
تعداد مقالات | 83,629 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,548,038 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,628,958 |
الانزیاح فی البنیة النصیّة عند بشری البستانی؛ تراسل الحواس أنموذجاً | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 3، دوره 8، شماره 29، تیر 2018، صفحه 104-73 اصل مقاله (289.77 K) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
علی باقر طاهری نیا* 1؛ حسین الیاسی2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1استاد اللغة العربیة وآدابها بجامعة طهران، طهران، ایران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2طالب الدکتوراه فی اللغة العربیة وآدابها بجامعة طهران، طهران، ایران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لیس التراسل بین الحواس خروجاً عن العادة والمعیاریَّة ولعباً لغویاً مجرداً من الفاعلیّة والتأثیر بل یتوخّی المبدع بکسر العلاقات بین الحواس قدراً کبیراً من التأثیر والإیحاء فی منطقة التلقی وهو سرّ فاعلیَّة الاستعارة ومصدر حرکیِّة الصورة الشعریِّة ومن أهم مقومات حرفنة التشکیل الشعری الحداثی، والحرفنة هی الشکل الفنی الجمالی للشعر وبیئاته التشکیلیِّة وارتفاعه جمالیاً وهی تتحقق فی الشعر المعاصر نتیجة وجود المؤثرات الجمالیِّة فی الشعر والتراسل من أهم هذه المؤثرات التی تزید من جمالیِّة الشعر والشعر یقدر بهذه الجملیِّة المتأتیة من خرق العلاقات بین الحواس أن یشع فی وجدان المتلقی. من شأن هذا البحث أن یأخذ خطاب البستانی الشعری بالفحص والتحلیل للکشف عن الدور الذی یضطلع به تراسل الحواس فی هذا الخطاب الشعری الحداثی جمالیاً وتعبیریاً والقبض علی تأثیراته علی الفاعلیِّة فی التعبیر الشعری وبیان ما یشعُّ عنه من الدلالات والإیحاءات. فقد اعتمد البحث للتوصل إلی أهدافه المتوخاة علی المنهج الوصفی – التحلیلی وأخذ السیمیائیِّةَ مساراً له فی التحلیل وجاء البحث فی المحورین: الحسی والدلالی. خطاب البستانی لا یستکین فی بنیته للمهادنة وما یتوقعه المتلقی من تراتبیة السیاق بل یعمل علی کسر أفق التلقی بالانحراف عن المعیاریّة وخرق العلاقات المألوفة بین الحواس فی النص الشعری للتوصل إلی القدر الأکبر من الإثارة الجمالیة والدهشة عند المتلقی وزیادة فی المعانی حیث یأتی حضور تراسل الحواس لخلق المعادل الموضوعی لما یجری فی الواقع العراقی عند الاحتلال والحکم الدکتاتوری ولتجسید المجتمع الذکوری ومن أهم ما توصل إلیه البحث بعد مقاربة شعر البستانی هو أن التراسل بین المرئی والشمی فی التراسل الحسی وبین الشمّی والانتزاعی فی التراسل الدلالی أکثر حضوراً فی خطاباتها کما ظهر أنها ما وظَّفت التراسل ما بین الشمّی واللمسی والذائقی ـ اللمسی فی التراسل الحسّی والتراسل حدث بکسر العلاقة وتجاوز المألوف بین الموصوف والصفة وبین الفعل والفاعل وبین المبتدا والخبر والمضاف والمضاف إلیه فی مستوی الحواس وهذا الکسر والانتهاک فی المضاف والمضاف إلیه أکثر حضوراً فی خطاب بشری الشعری. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بشری البستانی؛ الخطاب الشعری؛ الانزیاح؛ تراسل الحواس | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الشعر الحقیقی هو الشعر الذی یلامس فکر المتلقی ویدعوه إلی التأمل، والتمعن، والتساؤل ویضرم الحرکیة فی فکر المتلقی ویشع فی وجدانه والشاعر لایقدر علی التوصل إلی مرامیه من دون انجذاب القاریء نحو النص الشعری وإثارة احساسیه، ومشاعره، وفضوله ما یتحقق بوجود الدهشة عند الصدام مع النص والدهشة الشعریِّة فی جزء کبیر منها أی الشعریِّة تکمن فی تغریب النص وفی کسر العلاقات المألوفة بین الأشیاء أو الإنزیاح وتجاوز عن کلِّ ما هو عادی واجتراری فی التشکیل الشعری وهذا هو الذی یبعث علی التأمل وإعادة الفکر عند المتلقی ویثیر الدهشة عنده ویزید من حرکیة الفکر وحرکیِّة القراءة معاً. إنَّ الإنزیاح وخرق العلاقات المألوفة المعتادة وإقامة العلاقات الجدیدة بین الأشیاء والمفردات بعید عن عقلانیة اللغة هو ما اتّسم به الشعر العربی المعاصر. إنَّ الانزیاح یقترن بالوعی من قبل الشاعر المعاصر وینبثق منه حیث یعتمد علیها لشاعر فی تشکیلاته والترکیز علیه یتمّ فی النص الشعری لما یکمن فیه من التأثیر علی المتلقی وعلی النص معاً وبسبب دوره فی ارتفاع النص جمالیاً وإبداعیاً وخلق الفضاءات الغیابیِّة دلالیاً فی تشکیلات النص الشعری وهو یعبّر فی الوهلة الأولی عن سلطة المرسل علی اللغة الشعریِّة حیث یری أنَّ فاعلیة اللغة متأتیة من تجاوز المألوف وخلخلة العلاقات المعتادة فی البیئات التشکیلیة للشعر وهذا التجاوز هو السبب فی دفع المتلقی إلی المکوث فی منطقة التلقی.من اشکال الإنزیاح وخرق العلاقات المألوفة فی الشعر المعاصر هو تراسل الحواس أی خلق الفوضی بین الحواس المختلفة ومدرکاتها ومعطیاتها حیث إن بعض الحواس ینفتح علی بعضها الأخر ویکتسب منه بعض لوازمه ومعطیاته فی إطار ما یسمّی تراسل الحواس[1]وهو واحد من وسائل التشکیل الشعری عند الشاعر المعاصر ومن أهم مرتکزاته ومقوماته التعبیریة التی تعتمد علیه للتجنب عن الخطابیة والمباشرة فی التعبیر ووسیلته لحرفنة التشکیل الشعری لخلق صورة استعاریة فی غایة الفاعلیة والتأثیریة فالاستعارة تکسب فاعلیته فی هذا الاقتران بین الحواس بحیث یستحضر عالم شعری بأکمله؛ هذا العالم الذی ترتکز علی قدرة الحواس فی خلق الجو الشعری المتمیز من خلال استعارة الألفاظ المعبرة عن إحدی الحواس لمجال حاسّة أخری«ما یؤدی إلی خلق العلاقات الجدیدة بین مفردات اللغة وبذلک تتعزز الاستعارة الأساس التی من شأنها إثراء اللغة بالعلاقات التجددة بین الألفاظ.» (الصایغ، 2003م: 152) إذن التراسل فی الصورة الشعریة یثری اللغة وینمّیها وینمّی الدفقة الشعوریة ویُفعّل طاقة النص الشعری لتزداد الصورة جمالاً وتعبیراً وإیحاءً وهذا هو سرّ الحضور المکثف للاشتباکات بین الحواس المختلفة ومعطیاتها فی نسیج الشعر العربی المعاصر فالشاعر العربی المعاصر خلاف الشعراء القدامی الذین کان حضور التراسل فی شعرهم علی اساس المصادفة والتلقائیة، یتجه صوب تراسل الحواس فی شعره ویستثمره لما یکمن فیه من التأثیر علی النص جمالیاً وتعبیریاً ومن هنا لیس تراسل الحواس لعباً باللغة ومحاولةً لخلق الخلخلة بین النص والمتلقی بل «تراسل الحواس مصدر إثراء الصورة الاستعاریّة وهو یعنی فیما یعنی تسلیط أکثر من ضوء علی الصورة الاستعاریة وخلق أکثر من علاقة بین الأشیاء فضلاً عن أن الانتقال من حاسّة إلی أخری أو المزج بین الحواس یشی بأن یُستثار أکثر من إحساس ویمس أکثر من ذکری وبذلک یتعمق الوعی بالتجربة الشعریة واستجابة المتلقی لها بحیث تبدو هذه الاستجابة مرکّبة فیکون تأثیرها أبلغ وأمتع.» (نفس المصدر: 154) وإن مثل هذه التقنیة التعبیریة التی تسهم فی خلق الصیاغات الشعریّة الجدیدة، تدخل المتلقی فی أفق القراءة السیمیائیة وتدفعه إلی البحث عن البواعث الکامنة وراء الانتهاک بین الحواس. خطاب بشری البستانی واحد من الخطابات المنتهکة التی لا تستکین فی بنیتها إلی المهادنة وما یتوقَّعه المتلقی من تراتبیة السیاق. یرفض الخطاب الشعری لدی البستانی أن یحیلک إلی دلالات ثابتة ومستقرة وإنما تسعی إلی التعددیة الدلالیة فی خطاباتها الشعریة بالانتهاک فی البنی السیاقیة التی تتوخی به الشاعرة القدر الأکبر من الإثارة والدهشة لدی المتلقی وینبنی خطابها فی الکثیر من سیاقاته علی لعبة الانتهاک بین الحواس لخلق المشهد الحسی للتعبیر الدلالی عن دقائق النفس وأسرارها الکامنة ولتنمیة الصورة الشعریة وإضفاء الحرکیة إلی النص وإلی القراءة معاً.لتراسل الحواس حضوره المکثَّف فی شعر البستانی حیث ترتکز الشاعرة دوماً فی خطاباتها الشعریِّة علی خلع الحواس من معطیاتها وإضفاء معطیات الحواس الأخری علیها لخلق البیئات التشکیلیة المنتهکة التی تجرُّ المتلقی إلی التمعن وإعادة الفکر والتساؤل وتثیر الدهشة عند المتلقی وتفعِّل الطاقات الدلالیِّة للنص الشعری وتفتح نافذة الإیحاء الشعری من خلال المزج بین الحواس ومعطیاتها التی تربط بین قطبیها علاقة الخلاف وهذه العلاقة هی التی تکمن فیها الشعریِّة الحقیقیة. والحقیقة التی لاغبار فیها هی أنّ حضور تراسل الحواس فی الشعر المعاصر لیس لعباً باللغة ومحاولةً لخلق الإشکالیِّة فی منطقة التلقی بل حضور تراسل الحواس یزید من شعرنة النص الشعری وارتفاعه جمالیِّاً وتعبیریاً ومن هنا أخذ البحث علی عاتقه أن یکشف عن دور تراسل الحواس فی شعر بشری البستانی وهو یجری فی المحورین الأساسین: الحسی والدلالی الذی یرتبط بالدمج بین المفهوم العقلی وحاسة من الحواس. أهمیة البحث وأهدافه تکمن أهمیة البحث فی مایقوم به الانزیاح بین الحواس فی تفعیل طاقات النص الشعری وشحنه بالطاقات السیمیائیة التی تزداد بها الصورة الشعریِّة فاعلیةً وفنیةً وجمالیةً وتتغذی بها التشکیلات الشعریِّة وما یدعونا إلی هذه الدراسة هو أنّ حضور تراسل الحواس لم یدرس دراسة بنائیةً فی شعر البستانی وقد جاء البحث انطلاقاً من أهمیِّة الانزیاح بین الحواس ومعطیاتها فی النص الشعری فی معالجة نقدیّة للإضاءة عن دور تراسل الحواس بوصفه واحداً من أهم مکونات بناء الصورة فی شعر البستانی للتعرف علی ما یترکه الإنزیاح بین الحواس من الأثر علی المتلقی وعلی النص معاً. والبحث للتوصل علی ما یتوخاه من الأهداف یعتمد علی بعض المصادر النقدیة الجدیدة وخاصة علی مقالة علی نجفی یوکی بالمعنونة بـ «أشکال تراسل الحواس ووظائفها فی شعر عبدالمعطی حجازی» وهو عمل بتبصر نقدی علی إضاءة دور الصورة التبادلیة فی شعر عبدالمعطی حجازی ووصل مبتغاه من الدرس والتحلیل وفی بحثنا نعتمد علیه وهو یعدّ من أهم روافدنا فی هذا البحث ونسیر علی نهجه ونتفیأ به فی مقدماته التنظیریة. منهج البحث إعتمد البحث علی المنهج الوصفیّ ـ التحلیلیّ لمعالجة شعر بشری البستانی فی ضوء السیمیائیة البیرسیة التی تری أنَّ النظام اللغوی یحتوی علی مجموعة من الشیفرات التی تحیل إلی الدلالات المختلفة والتی من مهامها استنطاق وتأویل التشکیلات الشعریِّة وبما أنَّ الإنزیاح وانتهاک المألوف علی طریقة تراسل الحواس یشکِّل نظاماً علامیاً فی الشعر فالبحث اعتمد علی المنهج السیمیائی للکشف عن الدور الذی یضطلع به الانزیاح فی الحواس أی خرق العلاقة بین الحواس فی البناء الفنی والجمالی للشعر وفی لإمساک بالمعانی التی تتولد عبر انزیاحیِّة العلاقة بین الحواس فی خطابات بشری البستانی التی لها ولعها الخاص بالتعقید الشعری وکسر أفق التوقع لدی المتلقی وانجذابه نحو النص الشعری بانتهاک المألوف فی البنیة النصیة الذی یتحقق فی جزء کبیرٍ منه بکسر العلاقات المألوفة بین الحواس معطیاتها. أسئلة البحث 1ـ ما هو دورالتراسل بین الحواس فی تولیدالمعانی فی خطابات بشری البستانی الشعریِّة؟ 2ـ ما هو تأثیر هذه الظاهرة الفنیة علی خطاباتها الشعریِّة؟ 3ـ أی شکل من أشکال التراسل أکثر حضوراً فی خطاباتها الشعریِّة؟ خلفیِّة البحث کتبت مقالات کثیرة عن تراسل الحواس نخصُّ بعضها بالذکر، منها: مقالة «ظاهرة تراسل الحواس فی شعر الشیخ أحمد الوائلی» لکاظم عبدالله النبی عنوز (2007م) مطبوعة فی مجلة الدراسات والأوثقة بجامعة تکریت، والبحث هذا تطرق لدراسة أشکال التراسل فی أشعار الشیخ وهو یخلو من التحلیل وغلب علیه الطابع الاستقرائی الوصفی. وکتبت مقالة «ظاهرة تراسل الحواس فی شعر أبی القاسم الشابی وسهراب سبهری» بقلم زینب عرفت بور وامینة سلیمانی (2014م) فی مجلة إضاءات نقدیة، والبحث هذا یخلو من الدراسة المنهجیة وعندنا لا یؤدی البحث مبتغاه من الدرس والتحلیل وطغت علیه دراسة الجمالیة علی الوظیفة التعبیریّة. ومقالة «تراسل الحواس فی ضوء القرآن الکریم، وظائف وجمالیات» لحمید عباس زاده ومحمد خاقانی اصفهانی (2015م) مطبوعة فی مجلة دراسات فی اللغة العربیة وآدابها، والکاتبان درسا بعد تأصیل ظاهرة تراسل الحواس أهم بواعث حضور الصورة التراسلیة فی النص القرآنی فی 260 آیة من القرآن،ولکن المقالة کانت مضغوطة واعتمد فیها الکاتبان علی الکتب التفسیریة من دون أن یقدِّما التحلیلات الجادة فی البحث واکتفا فی الکثیر من الشواهد القرآنیِّة بالإشارة إلی وجود التضافر بین الحواس المختلفة من دون التحلیل..ونری أنَّ أهم دراسة کتبت عن تراسل الحواس هی مقالة لعلی نجفی إیوکی معنونة بـ «تراسل الحواس وأشکاله فی شعر عبدالمعطی حجازی» (2016) مطبوعة فی مجلة اللغة العربیة وآدابها. والکاتب درس أشکال حضور تراسل الحواس وبواعثه فی شعر حجازی ومن أهم ما یوجه إلیه من النقد هو أنّه یخلو فی بعض الأحیان من التحلیل الجاد واکتفی الباحث فی الکثیر من الأحیان فی تحلیل الشاهد التراسلی بمقولته أنه یثیر الدهشة لدی المتلقی ویزید من أدبیة النص الشعری وفی الواقع دراسة الوظیفة الجمالیة تطغی علی هذا البحث ولایؤدی حق التراسل من ناحیّة الوظیفة التعبیریِّة. کما کتبت رسالة باسم: «الصورة الفنیة فی التجربة الرومانسیة؛ دیوان أغانی الحیاة لأبی قاسم الشابی وهی رسالة ماجستیر لزکیة یحیاوی کتبت بجامعة تیزی وزرو الجزائریة سنة (2007م) والکاتبة تطرقت فی جزءٍ من بحثها إلی دراسة تراسل الحواس فی شعر الشابی أمّا بشأن الدراسات السابقة لشعر بشری البستانی فلا بدَّ من الذکر أن شعرها بسبب محتواه الایدئولوجی وقیمته الفنیّة استأثر باهتمام الکثیر من الدارسین وکتبت عنه مقالات کثیرة نذکر بعضها: «سلطة الإبداع الأنثوی» لمحمود خلیف الحیانی (2012م)؛ «المواجهة الحضاریة فی شعر بشری البستانی» لرائد فؤاد الردینی (2014م)؛ ورسالة«الصورة فی شعر بشری البستانی» لمحمود القیسی (2014م) وهی رسالة ماجستیر بجامعة دیالی وتطرق الکاتب فی رسالته لدراسة التشبیه والإستعارة والکنایة فی شعر الشاعرة غیر أنّنا لم نعثر علی دراسة مستقلة وغیر مستقلة لتراسل الحواس فی شعر البستانی وفی هذه الدراسات جمیعها لم نجد ولو لمرة واحدة من أشار إلی حضور تراسل الحواس فی شعرها وهذا ما تتمایز به هذه الدراسة وما یدعوا إلی هذا البحث هو أنّه لم یدرس تراسل الحواس فی شعر الشاعرة دراسة بنائیِّة تکشف عن دوره المهم فی تشکیل الصورة الاستعاریة. تراسل الحواس فی المدرسة الرمزیة یمکن القول بأن نظریة تراسل الحواس کما قررها بودلیر هی جوهر الفلسفة الرمزیة. فی المدرسة الرمزیة أن اللغة قاصرة عن نقل حقائق الأشیاء أو لنقل عن الإنفعالات الشخصیة کما یقول ییتس واللغة لا تکتفی بذاتها للتعبیر عن نفسیة المبدع ولهذا اتجه الرمزیون إلی استغلال امکانیاتها الإیحائیة فی الأصوات والکلمات وفی نظرتهم تغیّرت وظیفة اللغة الشعریة وطبیعتها فلم تعد لغة تعبیریة بسیطة بل أصبحت لغة إیحائیة معقدة ویتطلب الشعر کما یقول بودلیر مقدار من التنسیق والتألیف ومقدار من الروح الإیحائی والغموض (فتوح أحمد، 1977م: 122) والغموض هو ما یتحقق به الإبداع عند الرمزیین وهو ما یبعد النص الشعری من الغرق فی مزالق الخطابیة والتقریریة. أی فقد أحسَّ الرمزیون بهمٍّ مبالغ ناجم عن ضیق الثروة اللغویة وقصور الدلالة الوضعیة عن تجسید حقائق الأشیاء وتمثیلها فی نفس الشاعر وصور علائقها غیر متناهیة ورأوا فی نظریة تراسل الحواس منفذاً لهم من هذا واستفادوا منها فلم یبق أمام الشاعر إلا أن یلجأء إلی إثارة حالات شبیهة بها فی نفس المتلقی عن طریق الصورة القائمة علی تراسل الحواس (موسی صالح، 1994م: 81) وهو مبنی علی أن اللغة فی أصلها رموز أصطلح علیها لتثیر فی النفس معانی وعواطف خاصة والألوان والأصوات والعطور تنبعث من مجال وجدانی واحد، فنقل صفاتها بعضها إلی بعض یساعد علی نقل الأثر النفسی وبذا تکتمل أداة التعبیر بوصولها إلی نقل الأحاسیس الدقیقة والهدف الأساس من توظیف تراسل الحواس هو تغریب النص الشعری الشاعر الرمزی یحقق الغرابة والغموض وعدم التحدد إذ فی الصورة التراسلیة ینأی الشاعر فیها عن السیاق المألوف للمفردة، ذلک لأنها لا تقوم علی العلاقة التعادلیة المنطقیة بین الحاسة ومدرکاتها وبین الدال ومدلولیته وإنما یقوم علی الإنثیال التلقائی للإدراک الداخلی المنبثق من اللاوعی لتتحول الصورة إلی عالم الإدراکات الحسیة وهدف الشاعر من نسج تلک الصورة الغرائبیة هو استخدام وسیلة تمکِّنه من النفاذ إلی محتویات اللاشعور المکبوتة (عبدالحمید،1992م: 85) وهی التی توفر للمتلقی وعیاً شاملاً عمیقاً بفضل تتابع الصور ونقلها من أغوار الحس إلی سمو العقل ومن إعادة التعبیر فی صورة فنیة مما یدفع المتلقی إلی النفاعل مع النص وتسلیط أضوائه الکاشفة علیها للقبض علی مکنونات النص الشعری المعاصر والإستعارة هذه ما یعین علی الإیحاء بما یستعصی علی التعبیر الدلالی عن دقائق النفس؛ إذن لیس التراسل بین الحواس کما قال الدکتور موسی ربابعه وتبادل المواقع والرتب لعباً لغویاً مجرداً من الفاعلیة والکشف عن الرؤیة التی یسعی المبدع إلی نسجها وتشکیلها (ربابعه، 2011م: 129) ولم یکن دخوله فی نسیج النص الشعری المعاصر اعتباطیاً بل له دوره فی تحقق الفاعلیة النصیة والحرکیة والشعر فی المدرسة الرمزیة وخاصة عند ألن بو ورمب لا بد أن یکون حرکیةً وغامضاً وهو یتحقق بخلق الفوضی بین الحواس ومعطیاتها «مما یعمل علی تخصیب الرؤیا وتمکین الشاعر من مخاطبة القاریء بشفرة خاصة لا تحد حدود.» (النابلسی، 1987م: 11) ویبعد النص الشعری عن الخطابیة والمباشرة ومن هنا جاء الترکیز علی التبادل بین معطیات الحواس عند الرمزیین إذ إنه یسهم فی تحقق الشعریة فالنص الشعری کلما نأی عن المباشرة والشفافیة ارتقی فی مدارج الشعریة أکثر والشعر العربی المعاصر یوظّف أقصی طاقات تراسل الحواس بوصفه ظاهرة فنیة ینضج به البعد الإیحائی للنص الشعری وبوصفه تقنیة جمالیة. بشری البستانی من أکثر الشعراء والشاعرات توظیفاً لهذه الظاهرة الفنیة کما نلاحظ فی قصیدة أندلسیات لجروح العراق وإنما هذا الانحراف والانتهاک هو ما تتأتی به حرکیة الصورة فی خطابات بشری البستانی وتری بشری البستانی أن فاعلیة الصورة تتأتی من الإندماج الحرکی الذی یشکّل عناصرها غیر المؤتلفة فی البنیة السطحیة المنحرفة عن معیاریتها وتجریدها عما هو علیه وإضفاء معطیات غیرها وهو عملیة تعتمد علی الخیال المطلق ویکون لها شأن فی توسیع المدی القرائی وفتح أفق النص علی التعددیة الدلالیة وذلک بالدمج بین معطیات الحواس فی النص الشعری. تراسل الحواس شکل من أشکال الانحراف Devation وهو«من نوع الإنحراف النوعی طبق ما جاء به تودوروفTodorov فی ما کتب عن الإنحراف واللغة الشعریة من خلال هذا النوع من الإنحراف عن المعیاریة تتوخّی تحقیق أکبر قدر من الإثارة الجمالیة عند المتلقی والدیمومة فی النص» (حمیدکاظم، 2017م: 41) بکسر المألوف والمعتاد فی البنیة النصیة وکسر المألوف علی أساس تراسل الحواس وما یشفّ عنه من الدلالات یحقق الإستجابة من المتلقی والحواریة بین النص والمتلقی إذ إن النص بهذا الإنحراف فی بنیته یدعوا المتلقی إلی الوقوف عند النص للکشف عن المرامی الکامنة وراء التغریب فی الصیاغة النصیة. انتهاک العلاقات بین الحواس ومعطیاتها 1ـ التراسل الحسی التراسل الحسی هو أن یجتمع حاسة بحاسة أخری ویشتمل علی عشرة أقسام کما یلی: 1ـ المرئی ـ السمعی 2ـ المرئی ـ الشمیّ 3ـ المرئی ـ الذائقی 4ـ المرئی ـ اللمسی 5ـ السمعی ـ الذائقی 6ـ السمعی ـ اللمسی 7ـ السمعی ـ الشمیّ 8ـ الشمیّ ـ اللمسی 9ـ الشمیّ ـ الذائقی 10ـ الذائقی اللمسی. (نجفی إیوکی، 2016م: 56) وفی ما یلی نقوم بمقاربة عملیة التبادل فی المحورین للتبیین فاعلیة التراسل والتبادل فی الخطاب الشعری لبشری البستانی ومن هنا یتم الترکیز علی بعض النماذج الشعریة المنتقاة من مجامیع الشاعرة الشعریة ونأخذها بالفحص والتحلیل. -التراسل بین المرئی والسمعی واضح أن الأشیاء تلاحظ بالعین وتسمع الأصوات والأنغام بالأذن وما یرتبط بالعین مرئی وما یرتبط بالأذن سمعی والأصوات مادتها الألفاظ وخاماتها وکثیراً ما نری هذه الحاسة تقترن فی الخطابات مع حاسة البصر والاندغام بین هذه الحاسة وحاسة البصر یأتی ضمن الاهتمام بالمجرد الحسی والاندماج فیه تأکید علی المعانی الشعریّة وتقویة الجانب التعبیری حین یرید والدمج والاندغام بین ما هو مرئیٌ وسمعی یسبب التکثیف الدلالی للنص الشعری. قد أکثرت البستانی من هذه التبادلیة فی خطاباتها ونراها تعمل علی خلع مدرکات ما هو سمعی وإضفاء مدرکات ما هو مرئی علیه والعکس وتتوخی الشاعرة بهذه التبادلیة القدر الأکبر من الجمالیة والتأثیریة والتعبیریة؛اسمعها تقول:
العراق: تُسائلنی الأسلحة العزلاء عن السرّ/و أسألها عن نبض الفجرِ/و أجثو عند خزائن بغداد وآشور/أمسک قلبی من وجع التفاحِ/و أبحث عن سیارة أهلی/عن سرّ الجبل الصامت فی قلب الصحراء/أرقی درجات الوجدِ وأمسکُ برق البلورْ (البستانی، 2012م: 103) فنلاحظ هنا أن الشاعرة خرجت فی وصف الجبل وهو رمز للعراق وشموخه حضاریاً بالصامت عن إطار المألوف ونری هنا العلاقة المؤسسة علی اللااندغام بین الموصوف والصفة فالجبل من المرئیات ووصفه بالصامت وهو یضاد الصوت وهو مدرک سمعی ومن هنا جمع الشاعر بین المرئی والسمعی وقامت بتراسل بین ما هو مرئی وهو الجبل وأسقطت علیها مدرکات ما هو سمعی وهدفها من هذه العملیة التبادلیة هو أن تجسّد بهذه الصورة التراسلیة ضعف الإرادة العربیة أمام الإمبریالیة الأمریکیة کما تکشف الفقرة الشعریة عن الإنزیاح بین الفعل وهو ـ تسألنی ـ والفاعل ـ الأسلحة ـ والأسلحة من المدرکات المرئیة وإسناد المساءلة إلیها وهی تتعلق بالمدرکات السمعیة، تشکیل إنزیاحی أنسنی جاء لیشیر إلی توق الأرض العربیة إلی مواصلة الفعل الحضاری ومن وراء ذلک تدعو إلی المقاومة والصمود وعدم الرکون إلی الضعف والإستسلام ما عبرت عنه بشری البستانی بالخطیئة من خلال مفردة التفاح التی تشیر إلی خطیئة آدم وحواء. صندوق الدنیا/خبأ عاصفة ینشرها الموتُ علی حبل غسیلٍ یرمیه الشهداء/نحو الودیانِ/حنین البوح.. خلف سدیم الکلمات (السابق:105) و"السدیم" وهو الضباب من المدرکات المرئیة وإضافته إلی "الکلمات" وهی مدرک سمعی یحمل دلالات الحریة، تشکیل انزیاحی خرج به النص عن إطار المألوف والمزج بین الحاستین المختلفتین هنا جاء لیشیع الحیویة داخل التشکیل الصوری ویفعّل الطاقات السیمیائیة للنص الشعری وقد جعلت الشاعرة بهذه التراسلیة من اللوحة فضاءً علاماتی یشیر إلی ظروف الکبت والخناق ووأد الفکر والإبداع فی العراق فی ظلِّ السلطة الأمریکیة حیث إنعدمت فیها حریة التعبیر بفعل السلطة الأمریکیة التی جاءت إلی العراق بذریعة استقرار الدیمقراطیة فیها بینما لم یحصل جراء حضورها فی العراق إلی کبت الحریات وقتل الکلمة الناصعة وذلک باضافة السدیم الذی جعلته الشاعرة معادلاً للحصار الی الکلمات التی ترتبط بمعانی الحریة فی التعبیر ومن الناحیِّة التعبیریّة جاءت التراسلیة بین الحاستین لتشیر إلی شمولیة فضاءات الکبت والخناق المحدقة بالعراق زمن الإحتلال من خلال الدلالة التی اتسم بها السدیم وفی الإطار نفسه نری قولها فی قصیدة "مکابدات لیلی فی العراق" التی أنشدتها رفضاً لسلطة صدام الدکتاتوریة: البردُ فی العیونْ/فی السواعد/لؤلؤة خرساءْ/تطفو علی بحیرة المساءْ/ وترسم القدرسَ علی نافورة صمّاءْ (البستانی، 2016م: 276) والؤلؤة مدرکة مرئیة، وهی رمز لکل ما هو جمیل علی وجه الأرض العربیِّة والنافورة مدرکة بصریة ووصفها بالصماء ووصف الؤلؤة بالخرساء یعدُّ خروجاً عن العادة والمألوف وخرق العلاقة بین الموصوف والصفة فی هذا التشکیل الفنی المنزاح إلی جانب تحقق الجمالیة النصیة جاء لیشیر إلی خمول فاعلیة المکان وانعدام الحیاة فیه وضیاع القیم فی ظلِّ الدکتاتوریة وما یعزز هذا المعنی هو سکون الرؤی فی النظام التقفوی کما جاء المزج بین المدرک المرئی والسمعی لیکرّس حجم الضیاع ویعمِّق حجم الشعور بالمأساة.قالت: أقفل نافذة بیتی/وأصغی لنهر الحقیقة أخرس /کبّله الغرباء/و القوه فی سجن بغداد (السابق: 265) والخروج عن المألوف واضح هنا باجتماع النهر وهو رمز فاعلیة المکان/العراق ومفردة أخرس وهدف الشاعرة من هذه الصورة التراسلیة الأنسنیِّة والخروج من النمط المألوف إلی جانب إثارة الدهشة عند المتلقی، هو التعبیر عن خفوت فاعلیة المکان بسبب اشتباک عوامل السلب والانفصال فیه وما یقودنا إلی هذا المعنی هو مفردة الأخرس التی تحمل دلالات الجمود والسکونیِّة وما یلفت الانتباه هنا هو العلاقة المؤسسة علی اللاانسجام بین فعل _ أصغی وبین الأخرس حالاً وأری أن الاجتماع بین الفعل/العامل وبین الحال وهو الأخرس یعمل هنا علی کسر أفق التوقع لدی المتلقی ویبعث نوعاً من الخخلة ویدغدغ مشاعر المتلقی ومن الناحیِّة التعبیریِّة إن الاجتماع بین العامل والحال وبینهما العلاقة المؤسسة علی اللاندغام، جاء لیعمِّق المأساة کما جاء فعل – أقفل – للتعبیر عن الإغتراب الذاتی للشاعرة نتیجة خفوت فاعلیِّة المکان وما لابد من ذکره هو أنَّ مصطلحات مثل نهر الحقیقة من المصطلحات الأثیریِّة فی معجم بشری البستانی فالعراق عندها نهرالحقیقة وقلب الأرض شجرالصفصاف و.... وفی الإطار نفسه نری قولها فی قصیدة مکابدات لیلی فی العراق التی أنشدتها رفضاً لسلطة صدام الدکتاتوریة ومن مثل قولها: هم حرقوا أصابع هذه الأرضِ/بین غبار أغنیتی/وبین خلیة العسل المهین/حفّروا علیّ اللیلَ (السابق: 275) والملاحظ فی النص یری أنها الشاعرة جمعت بین الحاستین المختلفتین فی غبار أغنیتی والغبار ینتمی إلی البصر والأغنیة تتعلق بالأذن والضمیر فی الصورة التراسلیة لا یعود إلی الشاعرة بل الضمیر للأرض/العراق المتألق حضاریاً إذ إنَّ الأغنیة تولدت فی العراق أصلاً وإضافة الغبار وهو مدرک بصری یرتبط بالظلام فی مخزون الوعی الجمعی إلی الأغنیة وهی مدرک سمعیّ وفیه إشارة حضاریة معرفیة؛ تعبیر عن حالة المکان/العراق مخیماً علیه السکون والرتابة والجمود المتمثل فی الغبار وسط الزیف والعذاب حیث تفاقمت حالته السلبیة نتیجة اشتباک عوامل السلب والانفصال بواقعه بدلالة الظلام وتحفیر اللیل حیث تعبیر إیحائی عن حصار المکان ومن هنا یغدو التراسل قادراً علی انتهاک المألوف للتأسیس الدلالی للنص الشعری یجعل من النص داعیاً للحزن والأسی علی حالة التحول العراق من الزهو والتفتح إلی الجمود والسکونیة التی تتجسد فی الغبار وقالت فی قصیدة "أحزان امرأة لیست عصریّة": وحینما یجیءُ موکب المطر/ویغسلُ النوافذ الحزینة/أشعر بالغربةِ مرتین/لأن حلمی دونما عینین/وکل ما حولی من جُدر/موصدةٌ حزینة/فلتقتولونی قبلما یجفّ فی حنجرتی الغناء (السابق: 602) ومن المعلوم أن فعل "یجفُّ" یتعلق بالمدرکات المرئیة والفاعلُ "الغناء" ینتمی الی حاسة السمع والشاعرة قامت هنا بخرق العلاقة بین الفاعل والفعل لتعبِّر بهذه الصورة التراسلیة إلی جانب تحقق الشعریة عن حالة الشعور بالغیاب المسیطر علی المرأة المعاصرة ومعاناة الجسد الأنثوی بسبب الهیمنة الذکوریة علی المجتمعات العربیة فالغناء یرتبط بالمعانی الدالة علی الفرح والسرور والبهجة وفعل "یجفُّ" یتعلق بالمدرکات المرئیة وإسناده إلی الغناء نمط تراسلی جاء لیعبِّر عن الخمول الأنثوی والظروف السکونیة التی تعیش المرأة المعاصرة فی أجوأها بسبب الهیمنة الذکوریة وتهمیش المرأة المعاصرةما هو یلحق بها الإعیاء والإرهاق.إن جفاف الغناء فی التشکیل التناسلی معادل موضوعی لإنطفاء فاعلیة حیاة المرأة المعاصرة نتیجة النظام الاجتماعی الذکوری الذی یعمل علی تهمیش المرأة المعاصرة من الممارسة الاجتماعیة وقد جعلت الشاعرة التراسل هنا وسیلة فنیة لتجسید عذابات المرأة المعاصرة وقد جعلته مطیته الفنیة التعبیریة تجسّد بها الحالة السلبیة للمرأة المعاصرة التی تفرزها المجتمعات البطریرکیة وتابوهاته وما لابدّ من الالتفات الیه هو أنّ الغناء وهو متّسم بسرعة التوغل فی الآذان جاء هنا مفعولاً للمدرک المرئی إشارة إلی سرعة إنطفاء الحیاة الأنثویة نتیجة سیاسات التهمیش والإقصاء ومن صور التراسل بین المدرک المرئی والمدرک السمعی قولها فی قصیدة "مخاطبات حواء": وقلتَ /ازرعی همسکِ فی رمل روحی/ کی تطیر العصافیر/فی الشرفات (البستانی، 2012م: 33) إن التراسل تحقق فی هذه المقطوعة من خلال التواشج بین الفعل الالتماسی الذی ینتمی إلی حاسة البصر وهو "ازرعی" وبین الهمس الذی یعنی الصوت الضئیل وهو مدرک سمعی والصورة المتراسلة تؤکِّدُعلی دور الأنوثة فی الحیاة الانسانیة من خلال طلب الإندماج فی الفعل الإلتماسی المتمثل "فی ازرعی همسکِ" من قبل الآخر/الرجل باعترافه. و«ما یمنح خطاب بشری البستانی جمالها وسحرها هو صوت الأنوثة الفیاض والحس المرهف الَّذی تتسم به بشری البستانی وأضیف عاملاً ثالثاً مهماً یُعدُّ المحرک الأساسی فی القضیة وهو الوعی العمیق بجوهر الأنوثة ومهمتها الشمولیة فی احتواء العالم بحرص وحنو.» والشاعرة بهذه الصورة المتراسلة وقد أردفتها بتراسل دلالی فی إضافة الرمل إلی الروح، تشیر إلی السمو الروحی للآخر/الرجل عند حضور المرأة وعدم النظرة الشهوانیة إلی الجسد الأنثوی وبذلک ترفض النظرة الرغبویة إلی الجسد الأنثوی. فـ"رمل الروح" تعبیر یرسم سکونیة الروح وانتفاء السمو الروحی نتیجة اقتصار الجسد الأنثوی فی دائرة الرغبة والشهوة والتراسلیة «تعبیر سیمیائی بارع یمنح الجسد الأنثوی بعداً روحیاً ویرتقی بمنطقه إلی سموّ مؤسطر یحاکی صورته فی المرجعیات الأسطوریة فی التغنی بالجسد الأنثوی.» (شرتح، 2012م: 11) وفی المرجعیة الصوفیة التی للجسد فیها دوره فی السموّ الروحی للإنسان فالنظرة الرغبویة إلی المرأة والجسد هی ما تسبب ضیاع الجسد والروح وعدمها فی ظلّ التواصل العقلانی یؤدی إلی السمو الروحی للآخر ما تجسّده وتؤکده الصورة التراسلیة. -التراسل بین المرئی والشمیّ یقوم الشاعر فی هذا النوع من الصورة باستعارة ما هو شمیٌ إلی ما هو مرئیٌ والعکس علی طریق تراسل الحواس حیث یستعمل الشمّ لما هو بصری والعملیة الاستعاریة تسهم هنا فی تحقق الشعریة من خلال إثارة الدهشة عند المتلقی ویدفعه إلی الممارسة الذهنیة للکشف عن الأسباب الدلالیة وراء الاندغام بین المدرک البصری والشمیّ فی التشکیل الصوری. واستفادت الشاعرة من هذا النوع من تراسل الحواس مرتین فی مجامیعها الشعریة فنراها فی قصیدة "الأرض ثانیة" تقول: مختنق صوتک سیدتی/لکننی أسمع همسک فی القیدِ/وسط شظایا النار/و أبصر عطرَ الشبو اللیلیِّ/بهیاً (البستانی، 2012م: 287) مزّجت الشاعرة هنا بین الحاستین المختلفتین وقامت بانتهاک العلاقة بین الفعل والمفعول لتجعل من النص وسیلة تدعو للتفاؤل والبهجة وحبّ الحیاة والتحفّز للانطلاق فالإبصار یتعلق بالعین والعطر من المدرکات الشمیَّة وتبدو العلاقة بین الإبصار و"عطر الشبو اللیلی" مؤسسة علی اللانسجام واللااندغام من الناحیة الترکیبیة والدلالیة ولکنّ الشاعرة جمعت بین الحاستین المختلفین فی هذا التشکیل الشعری لا لأجل تحقق الغرابة فی الشعر وتغریب فضاء النص الشعری لتدخل المتلقی فی إشکالیة الإمساک بالمعنی عن طریق المفارقة اللفظیة بل جاءت بهذه الامتزاج بین الحاستین لیشع النص بدلالات الأمل والتفاؤل وهو ما یدعو إلی المقاومة والمصابرة فی ظروف المحنة والمکابدة. فهدف الشاعرة من هذا النوع من النمط التراسلی هو أن تکرّس الشعور بحتمیة الانتصار علی قوی البغی والعدوان وحتمیة التوصل إلی الحریة ما یشع عن فعل الإبصار ومفعوله "عطر الشبو اللیلی" ومن مثل قولها فی قصیدة "أندلسیات لجروح العراق": مِرداة الحزنِ طحونٌ/یثقبُ عطرَ اللیلِ هدیر الطیاراتِ/وهمهمةُ الجندِ/الموصلُ تُجعها ثرثرة العرباتِ (السابق: 129) تجسّد الشاعرة فی هذه اللوحة فاعلیة المکان من خلال الصورة التراسلیة وهی "عطر اللیل" واللیل بظلامه الذی یرتبط بحاسة البصر، رمزالمکان/العراق والعطر یتعلق بحاسة الشمّ والامتزاج بین الحاستین المختلفتین فی هذه الصورة إلی جانب دوره فی إثراء شعریة النص بالدهشة والمفاجأة معاً، یمکّن النص الشعری بهذا الدمج بین الحاستین المختلفین من الطاقة التفاؤلیة التی تحول عند البستانی دون الرکون إلی الضعف والاستسلام أمام جبروت الطغاة والاندغام بین الحاستین هنا ینمّ عن الرؤیة المستشرفیة للشاعرة وهو ما یسمّی بالاستباق فی الدرس النقدی الحدیث[2] وما یزید من إیحاء هذا التراسل الشعری المدهش هو التشاکل الدلالی بین المضاف والمضاف إلیه فی الصورة التراسلیة وهو "العطر" و"اللیل" وهو لا یحمل هنا الدلالة السلبیة بل یحمل الدلالات الإیجابیة کما فی مفردة "العطر" التی تحمل دلالات والفاعلیة والتفتح والحیاة وهذا ما قالته البستانی فی حوار أجریناه معها[3] حول الصورة التراسلیة وعندی أن الدمج بین الحاستین المختلفتین هنا یتلاءم مع حالة تحول فاعلیة العراق وزهوه إلی الخمود والإنطفاء واللیل بهذا المعنی لا یحمل فی الصورة التراسلیة دلالة العطر الإیجابیة وهو یؤطر معانی الزهو والخصب بل یتعلق بالجمود والسکونیة وانطفاء الفاعلیة والضیاع. والخطاب الشعری لبشری البستانی سعی من خلال التواشج بین الحاستین المختلفتین فی عطر اللیل لتحقیق المفارقة بین حالة العراق فی الماضی حیث کانت مفعمة بعبق الحضارة وحاله الراهنة التی اتَّسم بالسکونیة والجمود والمفارقة المتحققة بکسر العلاقة بین المضاف والمضاف إلیه جاءت لتأسیس الشعور المأساوی عند المتلقی. -المرئی ـ الذائقی الذوق آلته اللسان وهو تالٍ للمس والذوق یرتبط بالأطعمة التی تتراوح ما بین الحلاوة والملوحة.قد یشترک حاسة الذوق وحاسة البصر للتعبیر عن المعنی الشعری والتجاوبیة والازدواجیة بین حاسة الذوق والبصر هو ما یعین الشاعر فی نقل الأثر النفسی ووجود حاسة الذوق فی بنیة الصورة الاستعاریة ما یزیده عمقاً وثراءً وهذا الدمج مفاعلة تشکیلیة دینامیة بوسعها إنتاج أکبر قدر ممکن من الجمال والفنیة فی باطن التشکیل والغرابة وهی ما تتحقق بوجود حاسة الذوق فی الصورة التی تنمّ عن الخیال الرحب والحس الشعری المرهف والشاعریة الفذة فقد وجدنا بعض نماذج من هذا الاندغام بین حاسة الذوق والبصر فی خطابات البستانی ومن ذلک قولها فی قصیدة "الفتیات": یطلع اللیل الرمادی/و ینشق الدجی نصفین/سماء الحب ترتدُّ/یطلع العلقم من قلب الندی وقد استطاعت الشاعرة أن تجعل من الصورة التراسلیة بخرق المألوف بین الفعل والفاعل فی"یطلع العلقم" دالاً سیمیائیاً یعبّر بشکل واضح عن التشاؤم والمرارة النفسیة التی تعیش الشاعرة فی أجوائها نتیجة الحرب البیولوجیة الأمریکیة علی العراق والظروف التدمریة التی تعیش فیها. وما یزید من إیحاء الصورة التراسلیة هنا هو کسر العلاقة بین الصفة والموصوف فی قولها "اللیل الرمادی" وعلاقة اللاانسجام بین الصفة والموصوف جاءت هنا لتشی بعذابات الذات واحباطاتها فی ظروف المحنة والمکابدة فی الواقع المأزوم بتسلط القهر والسلب والاقتلاع الإنسانی. فالتبادل اللونی فی هذا التشکیل الاستعاری هو مطیة الشاعرة الجمالیة ومرتکزها السیمیائی الذی یجعل المتلقی أن یقبض به علی الواقع المأساوی الذی منی بالکثیر من العذابات والاحباطات وتعمّق به الشاعرة من قسوة المشهد لأن اللیل یمثّل حالة من التشاؤم وحضوره هنا مع هذه الدلالة بإضافة اللون الرماد إلیه وهو اللون الذی یرتبط فی وعی المتلقی بدلالات الضیاع والتشتت ویکثّف الإشارة اللونیة للیل یجعل من النص أیقونة علاماتیة تجسّد الواقع المأساوی والمشهد السلبی للعراق.ومن صور ذلک قولها فی قصیدة "مواجع الباء": ینهض اللحن جدیداً/الریاح تشربُ الغصونَ/ساعدایَ یشربان مدّها وجزرها/الغیوم تشربنی/فتهطل المیاه (البستانی، 2012م:250) وواضح أنَّ المفعول وهو "الغصون" لا یتلائم مع الفعل وهو "یشربُ" فالمفعول من المدرکات البصریة وینتمی إلیها والفعل یرتبط بالذوق وهکذا فی جعل المدّ والجذر مفعولا "لیشرب" والاجتماع بینهما یعدُّ خروجا عن العادة والمألوف فی التشکیلیة الشعرِّیة حیث یشیر إلی إمکانیة النهوض والثورة علی عوامل السلب والانفصال والتوصل إلی الخصب والنماء والسبیل إلیه أی الخصب والنماء واستمراریة دورة الحیاة فی المکان المتمثلة فی الأنهار هو الشهادة والفداء فی سبیل المکان «ما یشیر إلیه النص عبر غرائبیة التشکیل مکنه من تحقیقیها الإنزیاح عن المألوفیة والمباشرة الذی حدث بالاندغام بین المفاعیل والأفعال من الحواس التی تربط بینها علاقة الخلاف.» (فتحی، 2015م:131) إنَّ الریاح فی التشکیل المنزاح رمز السلطة وشربها للغصون التی رمّزت بها الشاعرة عن المکان وفاعلیته تعبیر عن مداهمة السلطة الأمریکیِّة لتحطیم فاعلیات المکان/العراق والفکرة المضمرة للشهادة تظهر فی مواجهة الشاعرة للسلطة فی التشکیل الحواسی المنزاح الثانی وهو شرب الشاعرة لمدِّ الریاح وجزرها التی رمزت عنها الشاعرة بالسلطة الأمریکیِّة وتدعو الشاعرة عبر هذا الصدام بین السلطة وبین الشاعرة إلی مواجهة السلطة ما یتحقق به الانتصار علی عوامل السلب والانفصال ویتحقق استمراریة دورالحیاة فی المکان المتمثلة فی هطول المیاه. وقالت الشاعرة فی النموذج الآخر من قصیدة "الاختیار": قلتُ تعال فی تشرینَ/یا شجرَالغدِّ المزهوِّ سُثمرُ../یا وجع السنابل فی القطاف المرِّ (البستانی، 2012م: 576) جمعت الشاعرة بین الحضور ولاحضور الآخر/الرجل فی تشکیلیة فنیة استعاریة القائمة علی الامتزاج بین الحاستین المختلفتین والتشکیل تتجسّد به مفارقة الموقفین من الآخر/الرجل. واقترن فی هذا التشکیل الاستعاری حضور الآخر مع فصل "تشرین" بوصفه شهر خیر وخصب ونماء لانبعاث الأمطار فیه «وطلب الحضور من الآخر فی الفعل الالتماسی من قبل الذات الأنثوی هو التطلع الأنثوی إلی تحقیق التواصل مع الآخر والوصول به ومعه إلی تجربة انفعالیة وفکریة تتیح أمامها القدرة علی المشارکة فی صنع القرار والتواصل بین المرأة والآخر هو ما یمنح الحیاة الفاعلیة والدیمومة والانبعاث والحیویة ما تتحقق بتواصل مع الآخر المتمثل فی الشجر والنذور والموقف الثانی هو لا حضور الآخر والانفصال بین الجنسین بفعل المجتمعات الذکوری البطریرکی، ما هو مصدر حیرة وریب وقلق المرأة المعاصرة ومعاناتها وتعبِّر عنهالشاعرةبالتشکیل التراسلی الدلالی وهو "وجع السنابل" و"القطاف المرّ" والسنابل هنا رمز للمرأة التی فی المیثولوجیا العراقیة تحمل دلالات الخصب والنماء والحیاة ووجعها فی التشکیل الشعری هو معاناتها نتیجه منطق الإقصاء والتهمیش والخضوع ما یعبر عنه الصورة التراسلیة فی"القطاف المرّ" والقطاف یتعلق بالمرئیات والمر یتعلق بحاسة الذوق والقطاف هو الخضوع لمنطق الإقصاء والرفض الذی مورس ضد المرأة المعاصرة ما یسبب معاناتها واغترابها النفسی الذی یعبّر عنه المرّ فی الصور التراسلیة التی إلی جانب الدور الوظیفی التعبیری إذ تعمّق الفکرة النصیة، لها دورها فی تحقق الجمالیة النصیة وتزید من فاعلیة الاستعارة فی التشکیل الشعری. - التراسل بین المرئیّ واللمسیّ وقد تشترک حاسة اللمس مع حاسة البصر فی التشکیل الشعری وهذا الإشتراک یزید من إیحاء الجانب الحسی من الصورة الشعریة لأن الاجتماع بین الإدراک البصری والإدراک اللمسیّ یزید من حسیة الصورة الشعریة والشاعر یضع اللمس إلی جانب البصر لیجعل من الصورة أیقونة[4] حسیة تساعد المتلقی فی القبض علی المعانی النصیة. نجد نماذج من ذلک فی شعر البستانی ومنها قولها فی قصیدة "مواجع الماء": الغیوم تشربنی فتهطل المیاه/تغسل الحروب من أدرانها/شوقی الذی یلوب فی أعتابها/أوراد فجر ناعمٍ/ینثرنی طلعا علی ضفافها (السابق:250) خرجت الشاعرة هنا عن الإطار المألوف فی البنیة النصیة من خلال خرق العلاقة بین الموصوف والصفة فی قولها "فجر ناعم" والفجر ینتمی إلی البصر والنعومة ترتبط بحاسة اللمس وواضح أن الفجر من غیر أن یوصف بالناعم یمثل دالاً واحداً لکن أن یرتبط بالناعم فإن ذلک یعنی الخروج عن الشیءالعادی والمألوف ونشدان أبعاد جدیدة مع خلخلة وعی المتلقی. الفجر فی هذا السیاق المنتهک هو رمز الأمل والتطلع الإنسانی الذی باد بفعل العدوان/یغسلُ ووصفه بحاسة اللمس إلی جانب ما یثیر من إثارة الدهشة والمباغتة لدی المتلقی یزیده أی القمرَ إیحاءً ودلالةً والمزج هنا یؤدی إلی التنامی الدلالی للقمر وهو اقترن هنا مع الحضور غیر الإیروتیکی الأنثوی[5] الذی یحمل دلالات الخصب والنماء وما یسوّغ الاقتران بین الفجر والحضور الأنثوی هو تعمیق مأساة الواقع المعیش بفعل الحرب والاحتلال تُری أولیس انتثار الأنوثة علی علی الضفاف وغسل أوراد الفجر الناعم بالحرب هو التعبیر عن انطفاء الفاعلیة والخمود للمکان نتیجة ما اشتبک بواقع المکان من عوامل السلب والانفصال. ومن صور هذا النوع من التراسل قولها فی قصیدة "أندلسیات لجروح العراق" حیث تقول: تسائلنی الأسلحة العزلاء عن السر/وأسألها عن نبض الفجرِ/أجثوعندخزائن بغدادوآشور/أمسک قلبی من وجع التفاح/ أبحث فی قاع الجبِّ/وأبحث عن سیارة أهلی/ أرقی درجات الوجد/وأمسک برق البلور (السابق: 107) مزجت الشاعرة هنا بین حاسة اللمس (أمسک) وبین حاسة البصر(البرق) فی هذه اللوحة من قصیدة "أندلسیات لجروح العراق" والصورة المتراسلة جاءت هنا لتکشف عن اندفاع الشاعرة صوب جمالیة الحیاة والسمو الإنسانی والتوصل إلی الانعتاق فی ظروف الحرب والمکابدة ما یتحقق عندها بالرفض الذی توحی به الدائرة الدلالیِّة التی تشکلها الأفعال المضارعة. تؤکد الشاعرة حتمیة التحرر والتوصل إلی التحرر والاستمراریة بالتشبث بالحیاة والتمرد والرفض والمثابرة فی الصراع مع عوامل السلب والانفصال ما تکرّسه التواشج بین الحاستین وحاسة اللمس هنا معطی سیمیائی یؤکّد هذا المعنی والمفهوم لأن حاسة اللمس(أمسک) أکثر دلالةً علی الإدراک والتوصل. ومن هنا جعلت الشاعرة البرقَ وهو یحمل دلالات التفتح والتوهج والتجدد مفعولاً لأمسک بما فی الصورة التراسلیة من الحضِّ للمثول بوجه کل الاحباطات والاستلابات والعذابات والمقاومة والصمود أمام الذین همّوا بقتل المشروع الإنسانی النبیل، ولا یمکن التوصل إلی الانعتاق والخلاص الذی تؤکّده الصورة التراسلیة إلا بالمقاومة وعدم الرکون للیأس والضعف ما تعبّر عنه البستانی بالخطیئة فی قولها "وجع التفاح" الذی یحیل إلی خطیئة آدم وحواء وهبوطهما إلی الأرض وخطیئة الإنسان العراقی المعاصر عند الشاعرة هو الرکون للیأس والاستسلام وضعف الإرادة أمام الإمبریالیة الأمریکیة ما یؤدی به إلی الضیاع کما أدت الخطیئة إلی الهبوط فی قصة آدم وحواء. وما یجب الالتفات إلیه ونحن نتحدث عن تراسل الحواس فی شعر البستانی هو أنَّ تشکیل وجع التفاح یضمن انحرافاً عن المألوف فالوجع یرتبط بحاسة اللمس والتفاحة تربتط بحاسة البصر والشمِّ معاً واضافة الوجع الی التفاحة رمزاً للخطیئة علی طریقة تراسل الحواس جاءت لتعبِّر به الشاعرة عن عذابات الإنسان العربی المعاصر نتیجة خطیئته المتمثلة فی الرکون للضعف والاستسلام کما أن خطیئة آدم وحواء کانت السبب فی عذابهما ومعاناتهما. ومن صور التراسل ما بین المدرک البصری واللمسیّ نجدها فی قصیدة "أندلسیات لجروح العراق": زفیرالثُعبان/یریق النار علی أعمدةِ الکون/سریرالعنقاء/محمولٌ بیدِ الزوبعة الصفراءِ/وقلب اللیل/ینزفُ أندلساً أخری (السابق: 110) إنَّ الشاعرة خرجت عن إطار المألوف والعادة فی هذا التشکیل الشعری بوصف الزوبعة رمزاً للسلطة الأمریکیِّة بالصفراء.إنّ العلاقة بین الصفة والموصوف تنافریِّة إذ لا یمکن للزوبعة أن یوصف بالصفرة ووصفها بالصفرة فی هذا التشکیل الشعری یعدُّ خروجاً عن المعیاریة فی مستوی الموصوف والصفة؛ إذ إننا ندرک الزوبعة بجلودنا ومن هنا تعدّ من المدرکات اللمسیِّة واللون الأصفر ینتمی إلی حاسّة البصر والنص بوصف الزوبعة بالصفرة خرج عن إطار المألوف لیؤدی الوظیفة التعبیریة.إن التشکیل الشعری المتراسل هنا یبعث علی الأمل والتفاؤل بخروج المحتل وإزالته والخلاص من سطوته وذلک بوصف الزوبعة رمزاً للسلطة الأمریکیة باللون الأصفر علی أساس الوعی الممکن والصفرة هی اللون الذی یغطّی الموتی قبل موتهم وهذا هو سرُّ المزج بین الحاستین المختلفتین فی هذا التشکیل الشعری حیث تبشّر الشاعرة بهذا المزج بین الحاستین المختلفتین بإزالة السلطة الأمریکیة، ما یبعث علی الأمل والتفاؤل ومن ثمّ یدعو إلی المقاومة والتصدیّ. -التراسل بین اللمسیّ والسمعیّ اللمس ملامسة الحاسة للمحسوس واللمس أکثر الحواس إدراکاً وله القدرة علی الإدراک والتواصل والمعرفة التی تحصل عن طریق اللمس هی معرفة مباشرة وعمیقة و«قد تندغم حاسة اللمس مع حاسة السمع وفی هذا المزیج تتولد علاقات جدید والمزیج هو ما یملأ الهوة بین المجرّد والحسیّ.» (کشاش، 2001م: 19) والاقتران بین حاسة اللمس والسمع أقل حضوراً فی خطاب البستانی ومن ذلک قولها: بغیر هذا الجوع/بغیر هذا الظما المشفوع/ ترید ٔان تصرخ/ وأن تهزّ صمت العالم المنهار/فالصوت صامت هنا (البستانی، 2012م: 599) مزّجت الشاعرة هنا فی قولها "تهزّ صمت العالم المنهار" بین حاسة اللمس وحاسة السمع والهزّ یتعلق باللمس والصمت یضاد الکلام ومن هنا هو من المدرکات السمعیة والمزج بین الحسی والمجرد فی هذا التشکیل الاستعاری جاء لیؤکّد انتفاء إحداث التغیرات الجذریة فی نسیج المجتمعات العالمیة عند غیاب الحریّة والقیم الإنسانیة السامیة. الجوع والظماء یتعلق بحاجات الإنسان الأساسیة للحریّة والقیم السامیة التی أرهق فقدانها الإنسان المعاصر فی حضارة مادیة فصلت العلم عن القیم فأتاح عنف العلم ومتفجراته بحیاة الإنسان المعاصر وسیطرة المادیة وعنف العلم هو ما یبعد حقیقة تجاوز السکون والجمود المتمثل فی الصمت عن المجتمعات الإنسانیة ومادامت الحضارة تمیل إلی الوجه المادی وسیطر عنف العلم فی المجتمعات الإنسانیة لا یمکن للإنسان المعاصر أن یتخلص من التقوقع والانسحاق ما تؤکده الشاعرة بالصورة التراسلیة. - التراسل بین السمعیّ والشمیّ نجد فی شعر البستانی ثلاثة نماذج من التراسل والاندغام بین حاسة الشمّ والسمع ومن ذلک قولها: إننی أستریحُ علی شاطیءٍ من لظی/وأقاومُ وخزَ الرّیاح التی خبّأت لی/سبعین أغنیةً من عبیر(السابق: 142) وقد مزجت الشاعرة بین حاسة السمع والشمّ فی هذا التشکیل الاستعاری وهوما یتجلّی فیه مقدرة الشاعرة الإبداعیة. والأغنیة ترتبط بحاسة السمع والعبیر یرتبط بحاسة الشمّ والاندغام بین حاسة السمع والشمّ هنا یشکِّل نوعاً من العدول أو الانحراف فی بنیة النص بکسر العلاقة بین الصفة والموصوف (الجار والمجرور بعد النکرة، صفة) ما یسهم فی تحقق الشعریة ویدخل المتلقی فی الملاعبة الذهنیة ویزید من إیحاء الصورة الاستعاریة. وما یسوّغ الدمج بین الحاستین هنا هو التوصل إلی التنامی الدلالی بالتشاکل لدلالی بین الأغنیة والعبیر فهما یحملان دلالات الحب والحریة والتواصل؛ التواصل بین المکان/الأرض والإنسان العربی والشاعرة بالدمج بین الحاستین بینهما التعالق الدلالی تؤکد علی فکرة النص ومفاده التحرر والخلاص بالمقاومةوالمثول فی وجه عوامل السلب والشاعرة بالاندغام بین الحاستین تؤکد علی حتمیة الخلاص والتحریر بالمقاومة أمام عوامل السلب المتمثلة فی الریح فالمقاومة هی عنوان الحضور عند بشری البستانی وهی التی تمکّن الإنسان العربی من التطلع إلی الغد الناصع وسط رکام التخاذل وتلافی الموت المحیط به ما تؤکّده الشاعرة من خلال الدمج بین الأغنیة والعبیر وسرعة توغل الأغنیة إلی السمع هو ما یزید هنا الصورة المتراسلة إیحاءً ودلالةً. - التراسل بین السمعی والذائقی وقد تجتمع حاسّة السمع مع حاسة الذوق فی الصورة الشعریة فیصبح المسموع کأنه مشموم والمشموم کأنه المسموع وحدث الاقتران بین الحاستین من هذا النمط فی موضعین من شعر الشاعرة فی صفحتی (255ـ 563). قالت فی قصیدة "الأبواب": هذا المدی یشربُ اللحنَ بینی وبینک/والسرّ یبقی یفتِّح وجه الزهور المحالةِ/یومض برقاً محال (السابق: 563) ونلاحظ هنا خرق العلاقة بین الفعل والمفعول فی قولها "یشرب اللحن" والشرب یتعلق بحاسة الذوق وینتمی إلیها واللحن یرتبط بالسمع وانتهاک المألوف فی هذا السیاق ،لا یقوم علی المصادفة والتلقائیة بل انتهاک العلاقة والعدول عما هو الأصل إلی جانب دوره فی کسر أفق المتلقی له الدور الوظیفی التعبیری تعبِّر به الشاعرة فی ظلِّ الاستعارة المکنیة المتراسلة عن الاغتراب النفسی للمرأة المعاصرة بسبب الفصل بین الجنسین فی المجتمعات الذکوریة البطریرکیة الذی تعبّر عنه لفظة المدی.فالشاعرة تعمق هذا المعنی وتعمق الإحساس بانطفاء الذات الأنثویة نتیجة الفصل بین الجنسین فی المجتمعات الذکوریة بجعل اللحن مفعولا للفعل الاستعاری "یشرب" وهو حاسة ذوقیة والذوق کما قیل سابقاً «هو اختبار الشیء من جهة التطعم والمعرفة الحاصلة عن الذوق معرفة مباشرة وعمیقة.» (عباس زاده وخاقانی اصفهانی، 2015م: 62) وهذا هو سرّ تسویغ اللحن مفعولاً للفعل الاستعاری حیث جاءت بها الشاعرة لتعمّق إحساس الذات بالانطفاء نتیجة منطق التهمیش والإقصاء البطریرکی الذکوری. -التراسل بین الذائقی والشمیّ ومن صور التراسل فی الصورة الشعریة هو التبادل بین حاسة الذوق وحاسة الشمّ أو الدمج بینهما فالشمّ حقیقة إدراک معنی المشموم والعملیة تتمّ بعد استنشاق الإنسان بالأنف لکنّ الشاعر قد یعکس هذه العملیة ویجعل الروائح والعطور التی تتعلق بحاسة الشمّ تدرک بالذوق أی یمزج بین الذوق والشمّ لیزید من فاعلیة الاستعارة. لم نعثر علی صورة تراسلیة من هذا النوع فی شعر البستانی إلا واحداً وذاک فی قولها: خذی یدی/حقلاً من الرمان سیدتی/خذینی/مقفرٌ نیسانٌ/تشرب عطره الأرض الجریحةُ (البستانی، 2012م: 399) ونلاحظ هنا مزجت الشاعرة بین الحاستین المختلفتین فی "تشرب عطره" والشرب کما قیل یرتبط بحاسة الذوق ووسیلة إدراک الطعوم وجعل العطر وهو یرتبط بحاسة الشمّ مفعولاً له هو انزیاح وعدول فنی أخرج النص عن إطار الوضوح والتقریر لأن العطر یرتبط بالشمّ ویحصل إدراکه بالشمّ وإدراکه هنا بالشرب وهو یرتبط بالذوق انحراف عن المعیاریة فی النص الشعری بعلاقة اللانسجام فی النص الشعری مما یعمل علی کسر أفق التوقع لدی المتلقی لأن العلاقة بین الفعل والمفعول فی الاستعارة المکنیة قائمة علی التوتر والنص بهذا التوتر فی العلاقة فی الصورة التراسلیة خرج عن المجال الحسی الملحوظ إلی مجال إیحائی شعری من أجل أن یشیر فی تشکیل شعری محقق بآلیة الانحراف إلی توق الأرض إلی مواصلة الفعل الحضاری الخلاق رغم کل ما آل إلیه الواقع من الإحباطات والانحطاط نتیجة حضور عوامل السلب والانفصال فیه ما یحمل فی طیاته نوعاً من الأمل وانفتاح الأزمة. إن العطر یکنی به هنا عن فاعلیة المکان الحضاریة ما یقودنا إلیه هو لفظة نیسان التی تحمل بعداً حضاریاً ویعیدنا إلی الاحتفالات التی کانت تقام رأس السنة فی الحضارة الآشوریِّة[6] لانبعاث الطبیعة فی أول نیسان وشرب الأرض للعطر بهذا الدلالة فی هذا التشکیل الشعری یوجه شطر ذاکرة المتلقی إلی تعطُّش الأرض إلی الفاعلیة والحیویة وتوقها الیهما والجدول التالی یبیّن مدی تواتر التراسل بأشکاله المختلفة فی شعر بشری البستانی: الجدول والمنحنی الأول: التراسل اللحسّی
2- التراسل الدلالی وقد یخرج المبدع عن إطار التراسل بین الحواس والتواشج بینها ویقوم بالدمج بین حاسة من الحواس مع مفهوم عقلی انتزاعی وهذا النوع من التراسل هو ما یسمّی التراسل الدلالی «وهو من الناحیة التنظیریة الدقیقة یخرج عن نطاق تبادل مدرکات الحواس أو الدمج بینهما، لکنه فی الوقت نفسه یعطی دلالات التراسل وربما فاقها.» (نجفی ایوکی، 2016م: 62) ولهذا النوع من التراسل أشکال مختلفة مثل التراسل بین الانتزاعی المرئی، والانتزاعی السمعی، والانتزاعی الشمیّ، والانتزاعی الذوقی، والانتزاعی اللمسیّ. ویتطرق البحث إلی دراسة بعض النماذج من هذا النوع من التراسل مبیناً الدور الذی یضطلع به هذا النوع من التراسل فی التشکیل الشعری لشعر البستانی جمالیةً وتعبیریةً. -الانتزاعی المرئی یندمج فی هذا النوع من التراسل ما هو یدرک بحاسة البصر مع المفهوم العقلی الإنتزاعی ما یجعل من المفهوم الانتزاعی أمراً حسیاً فالأساس الحسی یعنی انعکاس المشاعر علی الأشیاء من خلال المدرکات الحسیة المرئیة علی طریقة التجسیم الذی هو إضفاء الطابع الحسی علی المفاهیم الذهنیة والمعنویات والارتفاع بالمجرد الذهنی إلی المحسوس المادی (الرباعی، 1948م: 177)توسعاً فی مدلولاتها. اتجهت الشاعرة إلی توظیف هذا الضرب من التراسل فی خطاباتها الشعریِّة: حبیبی/الیمامات تزرع قمحاً بشاطیء دجلة/تعزف ورداً علی جرفها/شجرالشیحِ یسألُ عن عطرها/أن اللون الأحمرَ لا یعطی شارته فی اللیل/و أن الحلم الأخضر یقطینٌ /و الظلمة حوت/رجلُ وإمرأة فی التابوت/والبحر یجرّحه السمک الوحشیّ (البستانی، 2012م: 143) وقد خرجت الشاعرة فی وصف الحلم وهو مفهوم عقلی إنتزاعی بالأخضر وهو من صفات المدرکات المرئیة عن نطاق المألوف والعادة ما یزید النص الشعری إیحاءً وثراءً ویکسبه الجمالیة التعبیریة. إن الحلم هنا هو حلم حواریِّة التواصل بین المرأة والرجل ووصف هذا الحلم بالمدرک البصری الذی هو دالُ سیمیائی یقود إلی عالم الأمل والتفاؤل والخیر والحیاة فی ظلِّ التواصل بین الجنسین وممارسة المرأة لدورها الاجتماعی ومن هنا أنّ انتهاک المألوف فی العلاقة بین الموصوف والصفة لیس لکسر أفق التوقع عند المتلقی ولا الجمالیِّة فی التشکیل فحسب بل اختراق المألوف له الدور الوظیفی فی هذه الصیاغة الشعریِّة_ وقد وضعت الشاعرة فی هذا المشهد الشعری عالم الحلم وهو عالم التواصل فی ثنائیة مفارقیِّة مع عالم الواقع الّذی لا یقیم للمرأة وزناً ویعمل علی تهمیشها وإقصائها عن ممارسة دورها الإجتماعی ویفصل بین الجنسین ما یؤدّی إلی إخفاق الواقع وإحباطه تجسّده الشاعرة بظلمة الحوت وعدم منح اللون الأحمر شارته فی اللیل « واللون الأحمر هو اللون الذی یرفض السکونیة والضیاع وهو یرمز به القتال ضد التشتت والتشظی.» (البستانی، لاتا: 88) _ وتوخَّت الشاعرة بالتواشج بین المدرک البصری وهو الأخضر وهو لون ارتبط فی المرجعیة الثقافیة بدلالات الخصب والنماء والمفهوم الانتزاعی حیث فیه إشارة إلی فاعلیة حیاة المرأة المعاصرة أن تخلق نوعاً من الرغبة لمواجهة المؤسسات السوسیو الثقافیة التی تعطّل الهویة الأنثویة وتمنعها من إمکانیة التواصل بارادتها وتسلبها انتمائها الاجتماعی بالاشارة السیمیائیة الی الوعی الممکن عند حواریِّة التواصل والحضور الاجتماعی للجنسین فی المجتمع وهذا هو سرُّ تسویغ التواشج بین المفهوم الانتزاعی والمدرک البصری فی هذا التشکیل الشعری.
- الانتزاعی السمعیّ یندمج فی هذا النوع من التراسل الدلالی المفهوم الانتزاعی مع حاسة السمع لنقل الأثر النفسی إلی المتلقی. قلما اتجهت البستانی إلی توظیف هذا النوع من التراسل وما وظّفته إلا مرة واحدة وذاک فی قصیدة "أندلسیات لجروح العراق": فی أرکان المتحف والمنعطفات/کانت قیثارات/سومرَ تعزف لحن الحزن(البستانی، 2016م: 122). والتراسل حدث فی قولها "لحن الحزن" واللحن من مدرکات حاسة السمع والحزن لا یختص بالحواس ومن هنا الاندغام بین اللحن وهو مدرک سمعیّ والحزن وهو مفهوم انتزاعیّ عقلیّ یعدُّ انحرافاً أو عدولاً عن المألوف والعادة ما یؤدی إلی الجمالیة النصیة ویسهم فی تحقق شعرنة النص. ومن الناحیِّة التعبیریِّة تعبر به الشاعرة عن معاناة المکان نتیجة ممارسات السلطة الأمریکیِّة. -الانتزاعی الذائقی إن هذا النوع من التراسل أکثر حضوراً فی خطابات البستانی الشعریة ما ینمّ عن نضج شعری ووعی شعری مرهف فنراها تمزّج فی سبیکة شعریة واحدة بین حاسة الذوق ومفهوم انتزاعی ما یبعد خطابها عن التقریریة الدلالیة ویزید من إیحاء الصور والمفردات وبلغ عدده فی خطاب البستانی أربع مرات ومن صور ذلک قولها فی قصیدة "مائدة الخمر تدور": مائدة الحربِ تدورُ/یبعثرنی النومُ علی أشلاء الفجرِ/أشرب ذعر الأطفال وأمنحهم عطری/یسترخی الطفلُ المذعورُ/بفوح العطر الفادح بین ذراعیَّ (السابق: 163) وقد جاءت اللوحة مفعمة بعنصر المفاجأة والدهشة والاغتراب النصی. واضح أن الشاعرة قد خرجت عن إطار المألوف والعادة بکسر العلاقة بین الفعل والمفعول فی قولها "أشرب ذعر الأطفال" و"أمنحهم عطری" ما جعل النص الشعری متدفقاً بالانثیالات الفنیة والدلالیة ولیس هذا العدول والانحراف فی بنیة النص خروجاً تلقائیاً اعتباطیاً. إن فعل "أشرب" یرتبط بحاسة الذوق وینتمی إلیها وجعل الذعر وهو مفهوم عقلی انتزاعی مفعولاً له یُعدُّ انحرافاً عن المعیاریة یجلب إلی الأمل والتفاؤل فشرب الذعر فی هذا التشکیل الاستعاری المؤسس علی علاقة الاانسجام من الناحیة الترکیبیة عن الأطفال بوصفهم بذور الثورة والفاعل هو الأرض ولیس الأنوثة، لیس علی سبیل الغرابة النصیة بل جاء لیؤکد من خلال إزالة الذعر عن الأطفال وهم بذور الثورة، حتمیة الخلاص والتحرر ویقینیة به ما یزرع الأمل والتفاؤل ویدفع إلی الصمود والمقاومة ومن صور هذا النوع من التراسل الدلالی قولها: عیناکَ/منذ بانتا تغیّر الزمن/تغیرت معالمُ الدنیا/وصارت الظلم/تحتل هذا العالم الفسیح../وصار کل الحزنِ/کل الفرح القدیم والجدید لاطعم لهُ/فی جرحِ هذا العالم الکسیح! (السابق: 599) وواضح أن العلاقة بین المبتدا وهو "کل الفرح" وخبره "لاطعم له" مؤسسة علی اللانسجام واللااندغام وأرادت الشاعرة بهذا العدول الأدبی والانزیاح إلی جانب تحقق أدبیة النص الشعری أن تجسِّد الحالة النفسیة التی تعیش فیه المرأة المعاصرة نتیجة عدم التواصل بینها وبین الآخر بمنطق الهیمنة الذکوریة وتؤکد علیها من خلال جعل المفهوم الذهنی مبتدأ للمدرک الذوقی والتراسل هنا أخرج الفرح من حیّز الذهن إلی المجال الحسی ما فیه تأکید علی حقیقة انطفاء الحیاة الأنثویة وعلی إحساس المرأة المأساویة نتیجة النظرة الدونیة والازدراء فالمرأة المعاصرة تعانی من القوانین الجائرة والتابوات التی تفرضها علیها المجتمعات البطریرکی الذکوری وتعانی من النظرة الدونیة والازدراء وهی مصدر قلق وحیرة وعذاب المرأة المعاصرة وجسّدته الشاعرة بنفی الطعم وهو مدرک ذوقی عن الفرح وهو مفهوم انتزاعی. - الانتزاعی الشمّی إن العطر ولوازمه من أهم موتیفات خطاب البستانی الشعری.فقد یقترن العطر والعبق والشذی بالمفاهیم الانتزاعیة فی شعرهافی الصورة الاستعاریة وبه تکتسب المفاهیم الانتزاعیة أبعاداً حسیةً جدیدةً. وظّفت الشاعرة هذا النوع من التراسل أربع مرات (صص286، 289، 197، 472) من دیوانها ومن صور هذا النوع من التراسل الدلالی قولها فی قصیدة "البصرة": لا أعطی العراق بجنة الخُلدِ/وحقِّ اللیل/لیلک شامخاً بعوابق المجدِ/وحقِّ الرباک (البستانی، 2012م: 472) ووجه التراسل یکمن هنا فی إضافة العوابق وهی من المدرکات الشمّیة إلی المجد وهو مفهوم انتزاعی والتمازج بین المدرک الشمّی والمفهوم الانتزاعی جاء تعبیراً عن خلود ذکر المکان ودیمومته فی المخیال الجماعی ولیس عندی هدف الشاعرة من تجاوز المألوف والمعتاد هو إثارة الدهشة عند المتلقی وتحقق الجمالیة النصیة بقدر ما أتت بهذا الإنزیاح فی نسیج الاستعارة المکنیة لزرع الأمل والتفاؤل فی نفوس الشعب. فالشاعرة جمعت بین المعنی العقلی وبین المدرک الحسی وبهذا الدمج أخرجت المعنی العقلی إلی دائرة المحسوس لتؤکّد خلود المکان وإمکانیة استعادة الفاعلیة والتفتح والإشارة إلی طموح المکان لمواصلة الفعل الحضاری لأن الفاعلیة الحضاریة کما یعبر عنه التراسل شأن هذا المکان ودیدنه فرغم کلّ الإحباطات ورغم وجود الاحتلال وشدةوطأته علی أبناء الشعب إلا أن العراق یواصل الفعل الحضاری الخلاق ویشاهد استمراریة دورة العراق فیه. - الانتزاعی اللمسی لم توظّف بشری البستانی هذا الضرب من التراسل الدلالی فی دیوانها إلا مرتین، ومنها: وعلی طول اللقاء/لا أذکر رجع الصوت الآن/لا دفء ذا الحزن الأخضر/لا عرقاً یتصبّب فی نبض الجرح (البستانی، 2012م: 418) والشاهد التراسلی هنا هو إضافة الدفء وهو من مدرکات حاسة اللمس - مثلما قلنا فی الشاهد التراسلی المحقق باضافة الزوبعة الی الصفراء - إلی الحزن وهو من المفاهیم العقلیة الانتزاعیة وما من شکٍّ إن الاقتران بین المفهوم الذهنی وحاسة اللمس وهو خروج عن المألوف والمعروف یجعل النص قادراً علی تولید الدهشة لدی المتلقی ویدخله فی مداعبة ذهنیّة وسرّ تسویغه هو تجسید الرؤیة القاتمة للمرأة المعاصرة نتیجة هامشیتها فی المجتمعات الذکوریّة ما سلبت قدرتها علی مواصلة الحیاة بدلالة انتفاء ذکر دفء الحزن والحزن هو الاغتراب الإیجابی الذی یدفع الإنسان إلی التمرد والرفض ویحقق له الاستمرار والمواصلةوالدیمومة ومصدر هذا الحزن هو المعرفة ما لم تتمکن المرأة من التوصل إلیها نتیجة منطق التهمیش والإقصاء الذی تفرضه الهیمنة الذکوریّة والترسیمة التالیِّة تبین مدی تواتر التراسل ما بین الحسی والانتزاعی فی شعر بشری البستانی:
الجدول والمنحنی الثانی: التراسل الدلالی
النتائج یعدّ خطاب بشری البستانی واحداً من الخطابات الشعریة الحداثیة التی تتوخی لعبة الانتهاک فی أقصی حدودها الممکنة.لا یستکین خطابها الشعری فی بنیتها إلی المهادنة وما یتوقعه القاریء من تراتبیة السیاق وإنما یؤسس نفسه علی بنی منتهکة ما تتحقق فی جزء کبیر منه بتراسل الحواس أو المزج بینها. فحضور تراسل الحواس فی خطابها الشعری ینمُّ عن وعی الشاعرة العمیق بالشعریّة. ظهر بعد هذا التبصر النقدی الذی أجری علی خطاباتها الشعریِّة أن التراسل بین المرئی والسمعی ثم یلیه التراسل بین المرئی والشمی أکثر حضوراً کما ظهر بالتمعّن فی ضروب التراسل الدلالی أن التراسل ما بین الانتزاعی الذائقی أکثر حضوراً فی خطاباته الشاعرة الشعریة وظهر أن الشاعرة ما وظَّفت التراسل ما بین الذائقی واللمسیّ واللمسیّ والشمیّ وفی التراسل الدلالی ما أفادت التراسل الإنتزاعی واللمسی أصلا ووظّفت التراسل الدلالی بین الإنتزاعی والشمّی مرة واحدة ومن الناحیِّة التعبیریة أنَّ التراسل بین الحواس المختلفة یعمل کمؤشر منهجی علی زیادة المعنی فی الکثیر من أشکاله حیث تطغی الوظیفة التعبیریة علی الوظیفة الجمالیِّة وتأتی لبناء المفارقة بین الموقفین أو الحالین أو لتعمیق الفکرة النصیة أو لبناء المعادل الموضوعی لمعاناة الإنسان العراقی المعاصر فی ظروف المحنة والمکابدة وللتعبیر عن إشکالیات المرأة المعاصرة کما أخذت منه وسیلةً للدعوة إلی المقاومة وشحذ الإرادة عند الإنسان المنکوب بفعل الحرب والحصار وللتعبیر عن معاناة المرأة وعذاباتها فی المجتمعات الذکوریة التی تعطل الهویة الأنثویة وتسلب المرأة انتمائها الاجتماعی. [2]ـ إنَّ الاستباق تقنیة سردیة ترتبط بتوقع الأحداث المستقبلیة أو استشراف مستقبل الأحداث(هیاس،2016م: 307) وحتمیة تجاوز المرحلة الزمنیة الراهنة.الرؤیة المستقبلیة هی ما یعرف بالوعی الممکن وحضورها فی النص الشعری یعدُّ من أهم أساسیات التزامیة الأدب وإذ إن الالتزام الحقیقی کما قال عزالدین المناصرة هو أن یحلِّل الشاعر الواقع المعیش من منظور جدلی ویؤسس الوعی به عند المتلقی ثمَّ یتجاوزه إلی الرؤیة المستقبلیِّة (المناصرة، 2007م: 48) وهذا هو السبیل إلی الصدقیة فی التعبیر وفی المشاعر وفی التجربة. [3]ـ وقد أجریت هذا الحوار مع الشاعرة عبر الواتس یوم الثالث من شهر آذار سنة 2017م. [4]. icon [5]ـ الحضور الإیروتیکی أو الإیروسی یرتبط بفضاء الجنس الحسی فی القصیدة المعاصرة (صابرعبید، التشکیل الشعری: الصنعة والرؤیا، 145) والحضور الإیروسی للمرأة فی التشکیل الشعری لبشری البستانی محاولة لإثبات الذات الأنثویِّة أوالتأکید علی الهویة الأنثویِّة التی تعمل المؤسسات الذکوریة علی تعطیلها والحضور غیرالإیروسی لم یکن الحضور الجنسی الحسی بل هو حضور یشیر به الشاعرة إلی إمکانیة الخصب والنماء ما ارتبطت به المرأة فی المیثولوجیا العراقیة. [6]ـ کان نیسان رأس السنة الآشوریِّة وکما جاء فی المیثولوجیاالعراقیة إن نیسان شهر الخصب والنماء وهو کان الشهرالمبارک عند الآشوریین وقد کان الاعتقاد السائد هو أنَّ «سبب انبعاث الطبیعة فی شهر نیسان هو نزول سیّد الآلهة إلی الأرض وتعالکه مع الآلهة الشریرة ثم الانتصار علیها وزواجه مع عشتار(آلهة الخصب).» (کیواراکیس، جریدة النهار، 41/4/2012) وسید الآلهة کان مردوخ فی الحضارة آشوریِّة وسبب إشاعة الخیر وإزالة الفساد عن الأرض وبسبب هذا الاعتقاد کان الآشوریین یقیمون الاحتفالات رأس کل سنة فی نیسان احتراماً لسید الآلهة المبید للفساد من وجه الأرض الآشوریِّة ولسرورهم لإعادة الخصب والنماء والحیاة إلی الأرض. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
البستانی، بشری. 2012م. الأعمال الشعریة الکاملة. بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر. حمید کاظم،سعید. 2017م. وعی التجربة والتجدید فی شعر نوفل ابورغیف. دمشق: دارالتموز. ربابعة، موسی. 2011م. آلیات التأویل السیمیائی. الکویت: دارالآفاق. الرباعی،عبدالقادر. 1948م. الصورة الفنیة فی شعر زهیربن أبی سلمی. الریاض: دارالعلوم للطباعة والنشر. شرتح، عصام. 2012م. الشعر والنقد والسیرة مقاربة لتجربة بشری البستانی الشعری. دمشق: لانا. صابرعبید، محمد. 2011م. التشکیل الشعری: الصنعة والرؤیا. دمشق: دارنینوی. الصایغ، وجدان. 2003م. الصور الاستعاریة فی الشعر العربی الحدیث رؤیة بلاغیّة لشعریة الأخطل الصغیر. بیروت: دارالفارس. عبدالله، محمدحسن. 2005م. مداخل النقد الأدبی الحدیث. القاهرة: الدار المصریة السعودیة للطباعة والنشر. عبدالحمید، شاکر. 1992م. الأسس النفسیة للإبداع الأدبی فی القصة القصیرة. القاهرة: الهیئة المصریة للکتاب. فتحی، غانم. 2015م. تداخل الفنون فی شعر بشری البستانی. عمان: دار فضاءات. فتوح أحمد، محمد. 1977م. الرمز والرمزیة فی الشر العربی المعاصر. القاهرة: دارالمعارف. کشاش، محمد. 2001م. اللغة والحواس، رؤیة فی التواصل والتعبیر بالعلامات اللسانیة. بیروت: المکتبة العصریة. محمدالوصیفی، عبدالرحمن. 2008م. تراسل الحواس فی الشعر العربی القدیم. دمشق: وزارة الثقافة. المناصرة، عزالدین. 2007م. جمرة النص الشعریمقاربات فی الشعر والشعراء والحداثة والفاعلیة. عمان: دارمجدلاوی. موسی صالح، بشری. 1994م. الصورة الشعریّة فی النقد العربی الحدیث. بیروت: المرکز الثقافی العربی. النابلسی، شاکر. 1987م. مجنون التراب. بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر. هیاس،خلیل. 2016م. القصیدة السیرذاتیة:بنیة النص وتشکیل الخطاب. عمان: دارغیداء. هیاس،خلیل. 2012م. ینابیع النص وجمالیات التشکیل. بغداد: دار دجلة. المقالات عباس زاده، حمید ومحمد خاقانی. 2015م. «تراسل الحواس فی ضوء القرآن الکریم: وظائف وجمالیات». مجلة دراسات فی اللغة العربیة وآدابها.جامعة سمنان. العدد21. ص62 نجفی إیوکی، علی. 2016م. «تراسل الحواس وأشکاله فی شعر عبدالمعطی حجازی». مجلة اللغة العربیة وآدابها. جامعة فردیس فارابی(قم). العدد1. السنة 12. صص56- 62.
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 652 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 537 |