تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,800,534 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,355 |
حبسیات ابن زیدون بین الإبداع والتقلید | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 4، دوره 8، شماره 32، خرداد 2019، صفحه 70-60 اصل مقاله (271.39 K) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسنده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
طیبه سیفی* | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أستاذة مساعدة فی اللغة العربیة وآدابها بجامعة الشهید بهشتی، طهران، إیران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شعر الحبسیات أو شعر السجون قدیم فی الأدب العربی قدم الشعر والأدب؛ لأن بعض الشعراء نزلوا السجن لعلّة ما وذاقوا طعم السجن المرّ وانعکست هذه التجربه المرة منذ القدم فی شعرهم وأدت إلی غلیان عاطفة الشاعر وخیاله بشکل خاص بحیث نجد صداها فی أشعارهم. وهذا النوع الأدبی فی الحقیقه یدل علی إحساس الشاعر الصادق وشعوره الرقیق کما هو مملو بالحزن والألم ویصور حیاة الشاعر فی السجن. إذن قام بعض الشعراء العرب بتصویر تجربتهم الذاتیة مستعینین من هذا النوع الأدبی فی العصور المختلفة، من بین هؤلاء ابن زیدون الشاعر الأندلسی المرموق الذی أُّتُّهم بالتدبیر لقلب نظام الحکم، والمیل إلی عودة الخلافة الأمویة، فسعایة الوشاة والأعداء أدی إلی سجنه، حیث نجد صدی حیاته المرة التی قضاها فی السجن وبالتحدید فی خمس قصائد رائعة والتی وردت متناثرة فی دیوانه. وهذه القصائد لم تدرس بعد دراسة مستقلة رغم جمالها وفصاحتها؛ لذلک یسعی البحث دراسة الموضوعات والمضامین لهذه القصائد وتحلیلها اعتماداً علی المنهج الوصفی- التحلیلی حتی نقدّم للقارئ والمتلقّی إبداع الشاعر من حیث الموضوع فی نظم هذه القصائد وتقلیده کما نکشف نظرة الشاعر إلی هذا النوع من الشعر الغنائی. ومن أبرز النتایج التی وصل البحث هو أن تعدد الأغراض فی القصیدة الواحدة یعد من أهمّ معالم التقلید عند ابن زیدون فی حبسیاته ولقد مزج الشاعر هذه القصائد بمشاهد الطبیعة ومناظرها بالتأثر من بئیة الأندلس وطبیعتها النضرة وهذه هی من معالم الإبداع عنده حیث یمکن أن نقول بأنه لم یلقد شعراء الشرق فی نظم حبسیاته فحسب بل نجد أحیانا عنده شیئا من الإبداع. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الحبسیات؛ أندلس؛ إبن زیدون؛ السجن؛ ابداع؛ تقلید | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من التجارب المرة التی جرّبها بعض الشعراء العرب فی حیاتهم من العصر الجاهلی حتی یومنا هذا، تجربة السجن إذا قضی بعضهم مدة من حیاتهم فی السجن وذاقوا طعم هذه التجربه المرة والتی أدت بدوره إلی ظهور نوع من الشعر فی داوینهم والذی سمی بالحبسیات أو شعر السجن. کان الأدب العربی فی الأندلس عامة والشعر خاصة مرآة صافیة للأدب العربی فی الشرق وکما یقول أحمد غراب «إن الأدیب والشاعر الأندلسی کان محدود الإطار الفکری إذا ما أراد أن ینظم قصیدة أو یتناول أحد الأغراض حیث تجده یبدأ محاکیاً مقلداً وسائراً بحذر علی نمط الشعر الشرقی.» (أحمد غراب، 2011م: 51) أو علی حد قول شوقی ضیف: «إن الشاعر الأندلسی لم یحاول أن یُخضع الشعر العربی لشخصیته، بل رأیناه یخضع له، ویخضع لموضوعاته المعروفة فی الشرق کما یخضع لأفکاره ومعانیه وأخیلته وأسالیبه.» (ضیف، لاتا: 439) کذلک حذا الشعراء فی هذه الدیار حذو شعراء الشرق وظهر شعراء مرموقون نظموا أشعاراً فی الأغراض المختلفة ومنها الإستعطاف و«هی قصیدة تدور أکثر معانیها عادة علی ترفق الشاعر فی الاحتجاج علی برائة ما نسب إلیه واستمالة قلب المستعطَف أو المتعذّر إلیه والتذکیر بسالف ولائه أو خدماته، ووصف ما یعانیه فی سجنه من ضروب الإعنات والحرمان إن کان سجیناً.» (عتیق، لاتا:230) و«قد نبغ فی الأندلس شعراء استطاعوا أحیاناً أن یجاروا الفحول من شعراء المشرق فی بعض الأغراض.» (الرکابی، 2008م: 87) منهم ابن زیدون والذی لُقب ببحتری الغرب ونظم فی الأغراض المختلفه بالتقلید عن شعراء المشرق. ومن جانب آخر نزل الشاعر السجن فذاق طعم السجن مدة من حیاته وهذه التجربه المرة أدت إلی ظهور خمس قصائد بدیعة فی الشکوی والاستعطاف والتی وردت فی دیوانه متناثرة ولکن جمعها جودت الرکابی فی کتابه فی الأدب الأندلسی تحت الغرض الشکوی والاستعطاف وتعتبر هذه القصائد من الأشعار الغنایة للشاعر کما تعد من أشعار الحبسیات ولکن هذه الأبیات الغنائیه الرائعة لم تدرس بعد دراسة مستقلة رغم أهمیتها وجمالها ورقتها ومن جانب آخر کان الشاعر یحاکی شعراء الشرق وکان مقلداً منهم کغیره من شعراء الأندلس ونظم الشعر فی الأغراض المختلفه تقلیداً منهم. من أجل ذلک قامت الباحثة بالتحلیل المضمونی ودراسة الموضوعات فی أشعار الحبسیات فی دیوانه حتی تکشف وجوه إبداع الشاعر فی نظم الحبسیات ومدی تأثره من شعراء المشرق فی هذه الأشعار ضمن تحلیلها ودراستها اذن یسعی البحث الإجابة عن هذه الأسئله: 1- ما هی الأفکار والموضوعات والمضامین التی اعتنی بها الشاعر فی نظم الحبسیات؟ 2- ما هی إبداعات الشاعر بالنسبة إلی الأقدمین من حیث الموضوع؟ 3- ما هی معالم التقلید والإبداع عند الشاعر؟ خلفیة البحث لقد درس الباحثون أشعار الحبسیات للشعراء العرب المرموقین وظهر هذه البحوث إما بشکل کتاب منه: «حبسیه سرایی در ادب عربی از آغاز تا عصر حاضر» (1380ش) مرضیه آباد، تطرقت الکاتبة إلی دراسة أشعار الحبسیات من بدایة نظمها حتی عصرنا الحاضر مع ذکر شواهد شعریة من هذه الأشعار موجزاً. «الشعر السجون فی الأدب العربی الحدیث والمعاصر» للأدیب والباحث سالم المعوش (2003م)، لقد اختص هذا البحث بدراسة أشعار الشعراء المعاصرین فی موضوع الحبسیات فحسب مع ذکر شواهد شعریه من هولاء الشعراء دون العصور الماضیه. أما الرسائل الجامعیة الکثیرة فی هذا المجال فمنها «الحبسیات فی الشعر العربی» للطالبة سکینه قدور والتی نُوقشت فی جامعة منتوری – قسنطینة، کلیة الآداب واللغات، الجمهوریة الجزائریة، (2007م)، درست الباحثة هذه الظاهرة اعتماداً علی أشعار الشعراء المعاصرین مشیرةً إلی هذه الظاهرة فی أشعار الشعراء فی العصور المختلفة بإیجاز. وهناک مقالات عدیدة کتبت وأغلبها دراسة مقارنة بین الحبسیات فی الأدبین العربی والفارسی ونشیر إلی بعضها: «مسعود سعد وأبوفراس وسابقة غزل مستقل» للباحث یحی طالبیان ومنصور نیکپناه، مجلة ادبیات تطبیقی،کلیة الآداب والعلوم الإنسانیة، جامعة الشهید باهنر، رقم12، (1381ش). «مقایسه عناصر بلاغی - استعاره -در حبسیات خاقانی و ابوفراس» للباحث سید رضی مصطفوی نیا مهدی جباری نشرت فی مجلة ادبیات تطبیقی جامعة آزاد الإسلامیة، جیرفت، رقم 10، (1386ش) اهتم الباحث فی هذه المقاله بدراسة الاستعارة کوجه من وجوه البلاغه عند الشاعرین المرموقین فی نظم الحبسیات وهما خاقاتی وأبوفراس. «رومیات أبی فراس الحمدانی وحبسیات مسعود سلمان» للباحث محمدهادی مرادی، وصحبت الله حسنوند، فصلیة التراث الأدبی، السنة الأولی، العدد الثانى، (1388ش) تطرق الباحثان إلی دراسة أشعار الحبسیات لهذین الشاعرین دراسة مقارنة واهتم بالجانبین الفنی والأدبی لهذه الأشعار. «وصف زندان واحوال دورنی در زندان سرودههای فارسی وعربی» لعلی دادمان کوشکی وعیسی داراب پور نشرت فی مجله پژوهشنامه ادب غنایی رقم 16، (1390ش) لقد قام الباحثان بدراسة الأوصاف والمظاهر الظاهریة للسجن وکیفیة ظهورها فی أشعار الحبسیات فی الأدبین الفارسی والعربی دراسة مقارنة . «حبسیه سرایی در شعر عربی وفارسی (پژوهش تطبیقی: شعر أبوفراس وبهار)» للباحث تورج زینی وند ویمان صالحی نشرت فی مجلة فصلنامه علمی پژوهشی ادبیات فارسی بجامعة آزاد، رقم 11 (1391ش) ولقد درس الباحثان شعر الحبسیات لهذین الشاعرین دراسة مقارنة من حیث الأسلوب والمضمون معاً. «مکارم الأخلاق فی سجنیات أحمد سحنون (دراسة وتحلیل)» لجهانگیر أمیری وإلهام کاظمی نشرت فی مجلة دراسات فی مجلة اللّغة العربیة وآدابها، العدد الثالث والعشرون، (1395ش) تطرق الباحثان فی هذا البحث إلی دراسة نصائح أخلاقیة ذات طابع دینی واجتماعی وأخلاقی فی أشعار الشاعر الجزائری أحمد سحنون دراسة دلالیة ومضمونیة. وهناک مقالة عنوانها «شعر السجن عند ابن زیدون الأندلسی دراسة وصفیة تحلیلیة» للباحث محمد جاسر أسعد طالب الدکتوراه فی قسم اللغة العربیة وآدابها، الجامعة الإسلامیة العالمیة بمالیزیا، والتی نشرت فی مجلة الدراسات اللغویة والأدبیة. لقد درس الباحث فی المقالة الموضوعات التالیة: سبب سجنه، مدة سجنه، شعره فی السجن، القصیدة المیمیة، لماذا أخفق ابن زیدون فی استعطاف أبی حزم بن جهور. واعتمد فی بحثه أیضاً علی تحلیل القصیدة المیمیة ومن النتایج الرئیسة لهذه المقاله هی أن هذه القصیدة لیست جزءاً من الرسالة الجدیة؛ بل نظمها الشاعر بعد ما فر من السجن. وهناک اختلاف جذری بین هذا البحث والمقالة المشار إلیها؛ لأن هذا البحث ارتکز علی تحلیل موضوعات ومضامین الحبسیات لهذا الشاعر من وجهة نظر التقلید أو الإبداع؛ بینما اعتمدت تلک المقاله علی القصیدة المیمیة وتحلیل موضوع الحبسیات لابن زیدون موجزاً. لذلک استفاد الباحث من کل هذه البحوث ولکن رغم کل هذه الجهود والمساعی لم تدرس موضوع هذه المقالة بعد ولم یقم باحث بعد بدراسة أشعار الحبسیات لابن زیدون بشکل مستقل وخاص للکشف عن إبداعات الشاعر بالنسبة إلی الآخرین من حیث الموضوع ووجوه الإبداع والتقلید فی هذه الأشعار کما تطرق إلیه هذا البحث. ابن زیدون حیاته وأدبه[1] هو أحمد بن عبدالله بن أحمد بن غالب بن زیدون المخزومی، ولد بالرصافة من أرباض قرطبة أوائل سنة 394 للهجرة، ونشأ فی أسرة کریمة مرموقة المکانة، فقد أباه فی الحادیة عشرة من عمره فکفله جدّه لأمه. کانت له ثقافة واسعة عمیقة نتیجة لتلمُّذه علی أساتذة عدیدین وعلی رأسهم أبیه الذی کان أستاذه الأول. اتصل بکثیر من عظماء عصره وأعلامه ونری تأثیر ذلک جلیّاً وواضحاً فی آثاره الشعریة وفنونه النثریة. کان له دور بارز فی الأحداث السیاسیة فی عصره منها فی إلغاء الخلافة الأمویة بقرطبة وتأسیس حکومة جهوریة بزعامة ابن جهور؛ لذلک أکرم الحاکم الشاعر ورفعه إلی منصب الوزارة وجعله سفیراً لدی بعض ملوک الطوائف. وأعظم الأحداث أثراً فی حیاة ابن زیدون وفی أدبه کان اتصاله بولّادة بنت المستکفی الخلیفة الأموی المخلوع وأحبها کثیراً، ولکن لم یدم هذا الحب حتی حصلت جفوة بینه وبین ولادة، وکان لخصومه دور بارز فی هذه الجفوة والفراق وفی النهایة أودع السجن بدلیل اختلف فیه الباحثون والمؤرخون وکان علی رأسها عامل سیاسی لأن ابن زیدون کان شاعراً «سیاسی الطموح وهذا ما ستجلوه لنا علاقاته مع الجهوریین وما ناله من السجن.» (الرکابی، 2008م: 166) أتُّهم الشاعر للعودة بزمام الأمور إلی بنی أمیة وتهم أخری فأودع السجن مدة تزید قلیلاً عن خمسمائة یوم کما أشار الشاعر نفسه فی القصیدة التی أرسلها من السجن الی ابن جهور ویستعطف ابن جهور ویناشده العفو دون فائدة:
(ابن زیدون، 2004م: 281) لابن زیدون مدائح کثیرة وکان مقلداً فی مدائحه شعراء المشرق ویحذو حذوهم کما له غزلیات صادقه لولّادة وقصائدة التی نظمها مدة سجنه وهی متصفة بالشکوی والاستعطاف وله أیضا رسالة مشهورة بالرسالة الجدیة کتبها فی السجن تدور حول حیاته السیاسیة وما رافقها من سجن واستعطاف. ولُقب ببحتری الغرب بسبب الموسیقی الخلابة والنغمات الموزونة لأشعاره. الأغراض والموضوعات فی حبسیات ابن زیدون إن الوحدة والعزلة والوحشة التی عاشها الشاعر فی السجن وفّرت له الفرصة حتی یفکر فی الأمور التی تؤلمه فی هذه الوحشة فهناک وحشة نفسیة ووحشة جسدیة ساعدته أیضاً فی التعبیر عن واقعه فی السجن من خلال قصائد رائعة؛ لذلک تشتمل حبسیات ابن زیدون کغیره من الشعراء الذین ذاقوا طعم السجن المرّ، الموضوعات والأغراض التی کانت تهمه وتبیّن أمنیاته وآماله. ومن أهم هذه الموضوعات والأغراض هی: 1- عتاب الأمیر فی السجن لقد عاش الشاعر مدة من حیاته فی بلاط الأمیر ابن جهور وعاش حیاة سعیدة ومدح هذا الأمیر «وله مدائح کثیرة فی أبی الحزم بن جهور.» (ابن زیدون، 2004م: 16) وکان من خواصه وسفیره لدی بعض ملوک الطوائف ولکن أُتُّهم بالتدبیر لقلب نظام الحکم ونزل السجن بأمر هذا الملک وذاق طعم السجن بسبب سعایة العدو؛ لذلک عتاب هذا الأمیر یعد من الموضوعات الهامة فی حبسیاته. یخاطب الشاعر هذا الأمیر بینما یستعطفه ویناشده العفو ولکن بدون جدوی. إضافة إلی ذلک کتب الشاعر أثناء سجنه رسالة شهیرة تُعرف بالرّسالة الجدیَّة وأرسلها إلی ابن جهور ویستعطفه فیها، وأرسل معها قصیدة یمدحه مطلعها:
(ابن زیدون، 2004م: 280) مزَّج الشاعر هذه القصیدة بوصف الطبیعة کما یبدو من مطلعها وکان هذا من میزات حبسیاته؛ بل جمیع أغراضه الشعریة کما یری الباحث أحمد غراب بقوله: «مزج الطبیعة بقوله وقرنها بلون فنی آخر من ألوان المتعة الحسیة فی نطاق غزله.» (أحمد غراب، 2011م: 70) بعد ذلک یمدح الأمیر بقوله:
(ابن زیدون، 2004م: 281) ثم یبدی شکواه عنه ویعتبر شکواه تنبیهاً للحلیم کی یستدرک ما فاته، ویرسم نفسه کالسیف الذی بقی فی الغمد ولیس له القدرة علی القطع وثم یتذکر الأمیر مدةً قضاه فی السجن ویستعطفه واصفاً عذابه فی السجن ویصور نفسه مریضاً لا زائر له حتی یساعد علی شفائه:
(نفس المصدر) یستمر الشاعر فی عتابه حتی یستعطف الأمیر ویطلب الخلاص من السجن فی نهایة القصیدة. نظم قصیدة أخری فی أوائل سجنه و«یعاتب فیه أبا الحزم بن جهور ویدفع عن نفسه التهمة متضرعاً فی إباء، مستعطفاً فی حرقة» (الرکابی، 2008م: 226) یبدأ الشاعر قصیدته هذه بذکر حالاته النفسیة ثم یشکو من الدهر یتضمنها بذکر محاسنه ومفاخره ثم یستعین بالأمیر أبی جهور ویتمنّی أن یرحمه هذا الأمیر الفاضل الذی هو قادر علی مساعدته لذلک یستمد منه العون، مخاطباً إیاه:
(ابن زیدون، 2004م: 240) هو کذلک لا ینسی مدح الأمیر؛ بل یمدحه خلال القصیدة بأبیات استخدم فیها صوراً بیانیةً فی طلب ما یرید، وقد وصف عدله أمام جور الدهر کما وصفه بالهمام العریق فی الجود والکرم وصاحب المرؤءة والتقی والفضل والسیادة وذو آراء واضحة. عتاب الأمیر أیضا یتجلی فی هذه القصیدة بحیث یتذکر الشاعر رسائله العدیدة والمتواترة التی یرسلها إلی الأمیر فی السجن ولکن الأمیر لا یهتم برسائلة، کما یتذکر بأنه أعد نفسه لوصول هدیة من الأمیر إلیه ویأمل أن یوسمه نعمه لأنه لیس برجل مجهول:
(نفس المصدر: 241) یسعی الشاعر فی هذه القصیدة براءة نفسه عمّا أُتُّهم به کما یسأل الشفاعة من الأمیر الموصوف بالعدل والجود والکرم، ویشیر إلی ادعاء الوشاة الباطل ویجعله سبباً لتقصیر الأمیر فی مساعدته مستمداً أسلوب الاستفهام الإنکاری حتی یرفض ادعاء الوشاة الباطل ضمن جملة استفهامیة ثم یدَّعی لو أنه ارتکب الخطیئة عمداً لما کان غریباً علی حسن طباع الأمیر أن تمهله:
(نفس المصدر: 242) یستعطف الشاعر فی الأبیات الآتیة من الأمیر معترفاً بأن خلاصه من السجن أصبح أمنیة له ویری إذا تحققت هذه الأمنیة بید من یسأل الشاعر منه رضاه یتیسر له حل کل صعب فیها:
(نفس المصدر: 243) کما یسعی إلی وصف الأمیر الذی کان قبل ذلک من ممدوحیه ویخاطبه ویتذکر خصاله الحسنة وأخلاقه السمحة ویعتبر تحقق أمنیته بید هذا الأمیر:
(نفس المصدر) وکذلک لاینسی الشاعر وصف منزلته العالیة ومکانته المرموقة وقیمته الغالیة والتی جعلها الأمیر رخیصاً، بینما یجده غیر الأمیر ثمیناً غالیاً ثم تأخذه الحیرة والتعجب؛ ویظهر تعجبه وحیرته حینما یخاطب الأمیر سائلاً إیاه أین الجواب الذی یرضی الکرامة والرفعة، إذا ما سألتنی عنه ألسنة الناس؟:
إن الشعراء یعاتبون فی حبسیاتهم عادةً مَن حکم لهم بالسجن وهذا النوع من العتاب یکون من الموضوعات السائدة عند الشعراء الآخرین الذین نزلوا السجن وکان موجوداً عندهم[2] ولیس شیئاً جدیداً أضافه ابن زیدون؛ ولکن المهم والشیء الجدید عند هذا الشاعر هو مزج هذا العتاب بالمدح، کما تؤیده الأمثلة السابقة؛ لأن ابن جهور هو الذی یقوم الشاعر بعتابه فی السجن والذی کان یمدحه فی نفس الوقت وحتی فی القصیدة الواحدة. تدل أبیات هذه القصیده وغیرها بأن تعدد الأغراض موجودة فی القصیدة الواحدة إضافة إلی ذلک أن بعض أبیات قصائده التی نظمها الشاعر فی السجن لها اسلوب خاص زاد فی جمالها وإناقتها مثل هذا البیت الذی یخاطب الشاعر ابن جهور یستعطفه ویسأله العفو عن خطیئته، بینما لایستخدم فی البیت إلا أفعال الأمر، وفعل الأمر کما نعلم «قد یخرج عن معناه الحقیقی وهو طلب الفعل من الأعلی للأدنی علی وجه الوجوب والإلزام، وللدلالة علی معان أخری یحتملها لفظ الأمر وتستفاد من السیاق وقرائن الأحوال.» (عتیق، لاتا: 73) فی هذا البیت یکون الخطاب من السجین والعبد إلی المولی والأمیر والأفعال الأمر هنا یفید معنی الدعاء:
(ابن زیدون، 2004م: 243) وفی القصیدة الأخری التی کتبها الشاعر من السجن وأرسلها إلی أبی حزم أیضاً یقوم بعتاب الأمیر بعد مقدمة غزلیة وبیان حالاته النَّفسیة ویظهر إعجابه من طریقة عمل الأمیر وفعله ویقول ماذا حدث لمعینی وسندی بحیث یُحملّنی أعباء الذنوب التی اقترفها وارتکبها غیری بقوله:
(نفس المصدر: 108) ومما یلفت النظر فی هذه القصیده أن الشاعر مزج مدح الأمیر بعتابه بحیث أعطی القصیدة لوعة وحلاوة، حتی یشتبه الأمر علی المتلقی وهو لایدری هل أراد الشاعر عتاب الأمیر أو مدحه وبعبارة أدق هل الشاعر نظم هذه القصیدة فی السجن أم فی بلاط الأمیر؟ کما یبدو من الأبیات التّالیة التی یتحدث فیها الشاعر عن ثقة نفسه من رفق الأمیر وعدم حذره من تجنبه حیناً وحیناً آخر یمدح الأمیر بأخلاقه السهلة عندما هیج غضبه، وانقیاده السهلة وحلو معشره کما یصف جمال ظاهره أمام عین الناظر الخبیر والشرف التلید وعزة نفسه مع أهله ورهطه:
(نفس المصدر) 2- وصف حالاته النَّفسیة فی السجن من القلق والآلام إن وصف الحالات النفسیة من الصبر والتجلد ووصف الغربة والهم والحزن وتذکر الأیام الماضیة الحلوة والسعیدة وغیر ذلک، کانت من الموضوعات الشائعة فی حبسیات الشعراء العرب؛ کما نجد ذلک عند أبی فراس الحمدانی عندما وصف حزنه وهمّه فی السجن بقوله:
(الحمدانی، لاتا: 153-154) أو کما وصف ضعف جسده فی أبیات أخری ویشبه جسمه الضعیف والعلیل بالرمح المحطَّم والسیف الهندی والمفلل بقوله:
(المصدر نفسه: 83) أو عندما وصف أبوالعتاهیة صبره وتجلده:
(ابوالعتاهیة، 1964: 340) أو إظهار البراءة عند المتنبی عندما یبّرء نفسه ویری أن عداوة الأعداء هو سبب نزوله فی السجن:
(المتنبی، 1998م: ج2/68) یُعَدُّ وصف الحالات النفسیة أیضاً من أغراض الحبسیات عند ابن زیدون، کما إهتم بها الشعراء قبله ولم نجد أی شیء جدید عنده فی هذا المجال. إذا یهتم الشاعر بالتعبیر عن ألمه وقلقه وعذابه فی السجن فی القصیدة التی کتبها إلی أبی الحزم بن جهور فی السجن بعد مقدمة غرلیة، وفی هذه القصیدة کما یقول جودت الرکابی: «یشید الشاعر بشعره ویحاول أن یتأسی بصروف الأیام.» (الرکابی، 2008م: 229)
(ابن زیدون، 2004م: 107) کما یبدو من الأبیات التی یصف الشاعر فیها حالاته النفسیة فی السجن ویرینا بأنه یعیش فی حالة سیئة وحیاة سوء بحیث رؤیة حاله فی السجن یغنی الناس عن السؤال عن أحواله وهم بعد ذل ذلک لایحتاجون إلی السؤال. ملأ الحزن قلب الشاعر السجین عندما رأی البیاض ظاهراً فوق شعر خده وقبل وصوله إلی سن الشیخوخة وبرز الشیب عنده قبل بلوغه ثلاثین من عمره. یبدأ الشاعر قصیدته الأخری التی أرسلها إلی أبی حزم بن جهور فی أوائل سجنه أیضاً بذکر حالاته النفسیة من قلق وعذاب، ویستخدم أسلوب الإستفهام الإنکاری فی بیان شدة حزنه وألمه متعرضاً إلی منصبه ووجاهته الماضیه ویری حان الوقت لیبکی الغمام علی شخص مثله ویطالب نصل البرق بثأره، کما ینبغی أن یقیم اللیل مأتماً لیندب فی الآفاق منصبه ووجاهتهه:
(المصدر نفسه: 239) 3- الشکوی من الدهر ومن الأغراض الموجودة عند الشعراء القدامی فی حبسیاتهم هی الشکوی من الدهر من وجهة نظرهم، أما بالنسبة إلی شاعرنا ابن زیدون فیکاد الشاعر یشکو من الدهر فی جمیع القصائد التی کتبها فی السجن منها القصیدة التی یشکو ویعاتب فیه أبا الحزم بن جهور ویقول فیه إن تکن اللیالی قد طال رَمیُها إیای بالمصائب فلقد أصابت نبالها موضع النبل منی وتحلَّت اللیالی بآدابی، بینما مآربی مهیَّأة لبلوغ أمنیة جدیدة ویخصّنی الدهر بالهجر والجفاء دون غیری، وکأن الزمان یبیت ثأراً من ذوی الفهم:
(نفس المصدر: 239) یشکو الشاعر من الدهر أیضاً بمصائبه العظیمة فی القصیدة التی أرسلها إلی ابن جهور من السجن بعد مقدمة طویلة فی وصف الطبیعة ویقول:
(نفس المصدر: 280) یمزج الشاعر هنا شکواه من الدهر بتبیین مکانته العالیه بین الناس ویعتبر نفسه کالشمس والقمر بین الناس الذین یعتبرهم سایر النجوم ویقول یا من یسمح بظلم اللیالی، لم یکن لی یوم واحد یتصف بالظلم، إن تأمّلتَ تجد أن القمر والشمسَ یُکسفان، ولاتُکسف سائر النجوم. والدهر لاینفک یمیل بالمصیبة العظیمة نحو العظیم من الناس. 4- السجن وذکر الولّادة کان ابن زیدون من شعراء الطبقة الأولی بین الأندلسیین وکانت شهرته فی الغزل أکثر من الأغراض الأخری وکما ذکرت قبل ذلک کان مقلداً للمشارقه وأعجب بهم فی أغلب أغراضه الشعریه ولکن هذا «لایعنی التقلید التام ولایعنی أنه ضیّع شخصیته، فله الکثیر من المعانی الجدیدة التی تجعله فی طلیعة الأندلسیین ومن کبار شعراء العربیة.» (ابن زیدون، 2004م: 17) لقد مزج الشاعر بعض قصائده التی نظمها فی السجن بذکر الطبیعة ومشاهدها الجمیلة ربما یعد هذا من جملة هذه المعانی الجدیدة أو من إبداع الشاعر، إضافة إلی ذلک مزج إحدی تلک القصائد بذکر الولاده والتغزل بها وهذا الأسلوب کان موجوداً عند أبی فراس الحمدانی؛ إذ نجد صلة وثیقة بین حبسیاته والغزل ولکن بنوع خاص[3]؛ «لأن أبی فراس الحمدانی بدأ کثیراً من حبسیاته الشهیرة بالرومیات بنوع من الغزل الرمزی ویدور غزله هذا حول سیف الدولة الحمدانی.» (زینی وند، صالحی،1391ش: 45)، بینما یدور الغزل عند ابن زیدون حول حبیته ولادة من هذا المنطلق یتحدث الشاعر فی هذه القصیدة عن أرقه وسهاده وهجر حبیبته فی الأبیات العدیدة منها:
(نفس المصدر: 106) یتذکر الشاعر فی هذه الأبیات، الأیام الخالیة واللیالی الماضیة التی قضت مع حبیبته ویتحدث عن شوقه إلی تلک الأیام واللیالی کما یتذکر سهره ولقاءه اللیلی الذی یلتقی فیه بحبیبته ویتشوق الآن وهو فی السجن إلی ذلک اللقاء اللیلی ولذلک عندما یتأمل الشاعر العاشق ضوء القمر بعدها یتذکرها کما تتذکر العین الأشیاء بعد أن تمسی أطلالها، ولایجد القلیل الباقی من اللیل طویلاً إلا لتشوقه إلی لیلة تفرحه مع قصرها وأخیراً یتمنی أنّ ذاک السواد الخالص استعار سواد القلب والبصر حتی یبقی مستمراً. لم یکتف الشاعر بهذا؛ بل یصف فی الأبیات الأخری جمال الحبیب ویعترف بأنه فهم معنی الحب مما أوحته له نظراتها حتی یفهم الجوار من الحَوَر، ویری أن جمالها متنوع لم تصل أعیننا إلی غایاته منه، رغم تنویع النظر:
(نفس المصدر: 106-107) 5- استعطافه وطلبه الخلاص من السجن عندما نتصفح أشعار الحبسیات فی دواوین الشعراء الذین نزلوا السجن نجد أنهم یعدون أنفسهم أبریاء من الذنب ویسعون للخلاص من السجن وکثیرما یستطعفون سُجانهم حتی یرضی عنهم ویخلّصهم من السجن أو یأتوا بفدیة لإطلاق سراحهم،کما نجد ذل ذلک عند أبی فراس الحمدانی[4] أو الاعتذار عند المتنبی[5]. أو إظهار البراءة عنده[6] عندما یبرّء نفسه ویری أن عداوة الأعداء هو سبب نزوله فی السجن، من هذا المنطلق کان الإستعطاف وطلب الخلاص من السجن، الغرض الرئیس فی جمیع الأشعار التی نظمها ابن زیدون فی السجن؛ لذلک یخاطب الشاعر فی هذه الأشعار ساجنه أبا حزم بن جهور بینما یحاول المحافظة علی عزة نفسه وکبریائه فی بدایة سجنه وهذا یعود إلی مکانته العالیة عند هذا الأمیر فی الماضی ومنصبه الرفیع الأول عنده باعتباره وزیراً لبلاطه، وإظهار عجزه ویأسه من عفو الإمیر وصفحه وأخیراً عتابه عندما لم یستجب ساجنه أبوالحزم إستعطافه. إن الأبیات التی یطلب الشاعر فیها الخلاص من السجن ویستعطف الأمیر، تأتی عادة بعد الأبیات التی یمدح فیها أمیر أبی جهور أو صدیقه کما ورد فی الأبیات التالیة:
(نفس المصدر: 110) نظم الشاعر هذه الأبیات بعد أبیات طویلة والتی مدح فیها ابن جهور، بعد ذلک یشیر إلی لوم الواشین ویستعطف الأمیر ویلفت نظره الی نفسه، ویستمد من الصور البیانیة فی تصویر ما یرید لیسهل له الوصول إلیه،لم یجد أقرب إلی نفسه إلا الطبیعة الخلابة حوله هذا الوجه أیضاً إختص به ابن زیدن دون غیره، لذلک یتغیر ماء اللوم ویتعکر عند الشاعر، ولایجد سبیلاً إلی العذوبة والبرودة إلا رضا الأمیر، کما یشیر إلی وفائه إلی هذا الأمیر والشکر له، بقوله: إن أسفرت لی عن رضاک أوجه بشائرها فإنی لا أنسی الشکر الذی نذرته وسأبقی وفیاً لک. إن الذی یسأل الشاعر عن الأمیر خلاصه من السجن وهذا أمر یستطیع الأمیر فعله، ولیس سؤاله عن شیء مستحیل کردّه إلیه شبابه بعد کبره لذلک یقول: لاتله عنیّ فلم أسألک مستحیلاً، لم أسألک أن ترد لی شبابی بعد مشیبی کما یطلب عن الأمیر أن یستکثر حظه من نصائحه وتوجیهاته إلیه لأنها نفیسة وثمینة لاتعار ولاتوهب. وفی الأبیات الأخیرة من هذه القصیدة یسعی الشاعر أن یُبرء نفسه وصرّح أنه إن إرتکب الذنب وجعل الثمین بخساً والحسنة سیئة بسبب جهله للأمور، ولا عذر له فی ذلک سوی أنه من البشر، ثم أدلی بأن السیادة تبدو لابسةً ثیاب البهاء بالإغضاء وکف النظر عن السیئات، وسحر الجمال هو فی الإغضاء. وفی النهایة یسأل عن الأمیر الشفاعة ویعتقد أنه لاتُمال أعنتة الشفاعة فی غیر إتجاه قبول العذر، کما یسأل عنه أن یلبس من النعمة الخضراء أغصانها حتی تبقی ظلاً محرّماً علی المصائب والأحداث ویدعو له أن یعیش فی جنة الدنیا نعیماً وإن هی زالت وینعم بالخلود فی جنان الآخرة وأنهارها الجاریة:
(نفس المصدر: 110-11) 6- السجن و الفخر إن التفاخر بالماضی المجید والمکانة العالیة السابقة أو الفخر بالقوم والحسب والنسب کان من الموضوعات التی تطرّق إلیها الشعراء فی حبسیاتهم منذ القدیم؛ کما نجد عند المتنبی عندما یفتخر بماضیه وشرفه وفضله السابق[7] وأبی فراس الحمدانی حینما یفتخر بشجاعته أو وجاهته الماضیه عند سیف الدولة وعزة نفسه[8]. فقد أکثر ابن زیدون من الفخر بنفسه والإعتداد بها فی حبسیاته کأسلافه من الشعراء وقد یظهر هذا الغرض بالتفاخر بقومه وأمجادهم وربما یفتخر بمکانته الماضیه عند ابن جهور ومحاسنه، ولانجد شیئاً جدیداً عنده فی هذا المضمار ولا إبداع إلا استحضار عناصر الطبیعة فی تبیین غرضه کما تدلنا الأبیات الآتیة. ربما یذکر ابن زیدون محاسنه ومفاخره وحسن آدابه فی مواجهة أعدائه ومبغضیه الذین أدّوا سعایتهم وعداوتهم إلی وقوعه فی السجن:
(نفس المصدر: 239-240) کما یبدو من الأبیات مزج الشاعر ذکر مفاخره بالشکوی من الدهر الذی أقبل إلی الجهال وأعرض عن العقلاء وذوی الفهم وصرح بأن اللیالی تحلّت بآدابه، ومآربه وهی مهیأة لبلوغ أمنیة جدیدة، ورغم أنه یُخَصِّص غیره بالجفاء والهجر ولکن الزمان کأنه أراد بالثأر من ذوی الفهم، ولو کان بإستطاعته لیرضی أعداءه عندئذٍ یقوم ببیع ما عنده من الحلم حتی یشتری قلیلاً من الجهل. یفتخر الشاعر أیضاً بمکانته العالیة وارتفاع شأنه فی قصیدة أخری والتی بعث بها إلی أبی حزم بن جهور من السجن بعد أن یلوم الشامت المرتاح البال والذی یبدی بسروره وفرحه عندما یری منزلة الشاعر الضائعة وأمانیه المتعبة، ویستفید من عناصر الطبیعة لتبیین مکانته العالیة لذلک یصورها کالشمش والقمر اللذین یکسفان کما یکسف شأنه إذاً لایتعجب عن طول وجوده فی السجن لإن ذلک لا یحط من شانه کما لایفقد السیف القاطع شیئاً من حسناته إن یُودَع غمده:
(نفس المصدر: 107-108) یشیر الشاعر فی هذه القصیدة مرة أخری إلی محاسنه ومکانته الأدبیة العالیة ورجاءه فی الوصول إلی الأمیر والتمتع منه ولکن الدهر خیب آماله، لأنه ظن أن النجم یقرنه بالوصول الیه ولکن یتعجب الشاعر وتأخذه الدهشة عندما یری نفسه أصبح منحطاً إلی التراب، بینما له أدب یعده وسیلة وسبباً إن لم یکن نسباً وهو الوداد الصافی الذی لا کدر فیه، ثم یشیر إلی تفوق أدبه ویشبه جماله بالثوب الموشیّ ویقول ربَّ أدب بارز المدح والثناء وحسنه وتفوقه مَثَل یُحتذی وجمالُ وشی بارز فی الأطراف المطرزة:
(نفس المصدر: 109) وفی قصیدة أخری أیضاً یشیر إلی مجد قومه ویفتخر بهم عندما یعاتب صدیقه ویذکر أیامه الماضیه مع صدیقه بقوله:
(نفس المصدر: 116-117) عندما یتذکر الشاعر الأیام التی قضاها مع صدیقه یصف مجالس خمره مع ندمائه ویمزجها بعناصر الطبیعه ومشاهدها مرة أخری وخلال ذلک یشیر إلی مجد قومه ومفاخرهم ومعالیهم. یستمد الشاعر من ألوان الطبیعة فی تبیین مجالس الخمر ویصف الخمرة ملونةً بلون الذهب فی صفائها ونقائها بینما الجو رمادی مغبر کأنه لابسُ ثوبٍ بهذا اللون، کما یستخدم الصور البیانیة بأجمل شکل ویصّور ندماءه فتیاناً جعلوا المعالی وشیاً وارتدوا ثیاب المجد والفخر بینما هم واضحون وأصحاب وجوه مشرقة کالمصابیح ومعها تنجلی الغیاهب. یفتخر فی هذه القصیدة أیضاً بنظمه ونثره فی صفحات الأوراق التی تبهر الفکر وهی بدائع مشرقة لایشک الدهر فی أنها قلائد من الدرر، تتوالی علی النفوس متواصلة من فتیً طبعه غنی بها، أفرط الشاعر فی علو مکانته فی النثر وبلاغة الکتابة وفصاحته حتی یری أنه فاق سهل ابن هارون والجاحظ وهما من الشخصیات التراثیة، أراد الشاعر باستدعاء هذه الشخصیات التراثیة إثبات تفوقه فی البلاغة و الفصاحة للقارئ و المتلقی بأسلوب بدیع وجمیل:
(نفس المصدر: 117-118) 7- السجن وذکر الأصدقاء و الأقرباء یُعد فراق الأهل والأصدقاء وبعدهم، من مصائب الشعراء فی السجن وحزنهم فقد انعکس هذا الحزن والمحنة فی أَشعارهم بشکل ما؛ إذن یشکل تذکر الأصدقاء والأقرباء وذکر معاناة الشاعر فی فراقهم من الموضوعات التی اهتم بها الشعراء فی حبسیاتهم. کما نجد مثلاً عند المتنبی عندما یشبه الفراق بالنار التی أضرمت نیرانها کبد الشاعر[9]. وقد أشار ابن زیدون فی حبسیاته أیضاً إلی الأیام التی قضاها مع أصدقائه ویتذکر تلک الأیام الحلوة ویتحسر علیها، کما یشکو من فراقهم وبعده عنهم، ویمزجها بمدحهم؛ کما یمزجها بوصف الطبیعة ویعطیها حلاوة وجمالاً کعادته فی الأغراض الأخری، ربما هذا هو الشیء الجدید عند شاعرنا والذی لم نجد مثله عند أقرانه فی حبسیاتهم. لقد کتب الشاعر قصیدة شهیرة فیاضة بالحزن والألم وبعث بها إلی صدیقه الوزیر الکاتب أبی حفص بن برد ومطلعها:
(نفس المصدر: 138) کما یبدو من المطلع یبدأ الشاعر قصیدته بالشکوی من الدهر الذی یجرح ویداوی نفسه الجرح ویشیر إلی یأسه رغم ما عنده من آمال. بعد عدّة أبیات یخاطب صدیقه الوزیر ویمدحه بفهمه وذکائه تعریضاً بإیاس بن معاویه المزنی و«هو من قضاة العراق فی عصر بنی أمیه وکان یضرب به المثل فی الذکاء والفهم.» (الرکابی، 2008م، هامش: 224) وربما یرجع ذلک إلی سبب نزوله فی السجن کما یری بعض الباحثین بأنه نزل فی السجن بسب حکم قاض اسمه ابن مکوی (نفس المصدر: 176) لعل أراد الشاعر التعریض برأی القاضی ابن مکوی الذی أدی إلی وقوعه فی السجن عندما صرح باسم القاضی أیاس بن معاویة، بقوله:
(نفس المصدر: 139) صحیح بأن الشاعر أراد هنا التعریض بقاض فی العراق عُرف بالذکاء والفهم؛ ولکنه یصف صدیقه أکثر فهماً وذکاءاً من هذا القاضی عندما یقول له: لیس إیاس نظیرک ومثلک فی الفهم بحیث یقتبس الشاعر من رأی هذا الصدیق النیّر ما یضیء ظلمة الأحداث وهذا یدل علی ثقة الشاعر بصدیقه الوزیر ورجائه به حتی ینقذه من ظلمة السجن. وفی نهایة القصیدة ینصح صدیقه ویسأل منه أن یغتنم صفاء اللیالی والتمتع بها؛ لأن صروف الدهر تتربص بالإنسان حتی لایبقی مجال لاغتنام لذة الحیاة إلا فی خوف وحذر وتنتهی القصیدة کغیرها من الحبسیات بالرجاء فی عفوه لأن الانتظار واحتمال الآلام والشقاء لقد طال علی الشاعر:
(نفس المصدر:140) کتب الشاعر قصیدة أخری وبعث به إلی صدیقه أبی القاسم بن رفق ویعاتبه ویذکر فیه أیامه الماضیه هکذا یبدأ الشاعر القصیدة مخاطباً صدیقه:
(نفس المصدر: 114) یبدو من الأبیات أن الشاعر یعتذر من صدیقه بسبب ترکه الحیاء ویرجو منه المعذرة إن لامه صدیقه فی ترک الحیاء بسبب غصن أثمرت أعالیه بدراً، ثم یصف خلالها بعض مشاهد الطبیعة ویشبه قامته بالغصن ویصف تمایل قامته وتخایلها فی المشی بقوله: إن هذا الغصن هزَّ الشباب فتقوّم قسم منه وابتعد قسم آخر عن الوشاح. بعد الابیات العدیدة فی وصف مشاهد الطبیعة یتذکر أیامه الماضیه مع صدیقه الوفی الفاضل وأوحد زمانه ویتأسف علی الأیام واللیالی التی قضاها مع صدیقه ویتأوه علی لیلة برز وظهر فی ظلمتها ضوء الفجر من ضیاء وجهه، ثم یری أن الوصال واللقاء قصَّر عمر تلک اللیالی ویحب أن تطیل اللیالی القصیرة عمره وأخیراً یبحث عن معین ینصره من مخاوف دهر خائن یخاف الشاعر من غدره کل یوم :
(نفس المصدر: 115) یشکو الشاعر من فراق صدیقه وابتعاده عنه مستعیناً من مشاهد الطبیعة، هذا الصدیق الذی کان للشاعر کجنة لعینه فی الماضی أما الآن فغدا روضة فی فکره وهو ذومعشر حلو بحیث یسُّر الشاعر ویفرحه بوجهه وترتوی عیناه من ینبوع بشائره إذاً یریح الشاعر برؤیة صدیقه هذا سواءً کان یراه بعینه قبل ذلک أم یصوره فی فکره الآن وهو فی السجن:
(نفس المصدر: 115- 116) کما تدلنا الأبیات التی ذکر الشاعر فیها الأوصاف الظاهریة لصدیقه وعقله وفهمه وذکائه وأیضاً أخلاقه الحسنة ومزجها بمشاهد الطبیعة وهذا یعد میزة خاصة لهذا الغرض فی حبسیات الشاعر کما یذکر إخلاصه وشکره له ثم یرسم لنا العالم الذی یعیش فیه الشاعر فی فراق هذا الصدیق عالماً مظلِماً ودامساً مع أحداث مُرة مظلِمة ثم یتمنی أن یُعید الدهر الزمان الماضی السعید الذی قضاه الشاعر مع صدیقه:
(نفس المصدر: 116) ومما یلفت النظر هنا إستخدام مشاهد الطبیعة بکثرة فی وصف أیامه الماضیه التی قضاها مع صدیقه وهذا مما زاد فی جمال هذه القصیدة الحبسیة منها هذه التشبیهات والإستعارات الجمیله فی البیت الثالث فی وصف زمن الذی عاش الصدیقان سعیدین جنباً إلی جنب:
(نفس المصدر) دبّج الشاعر هذه الأبیات بألوان متنوعة ومستعارة من ألوان الطبیعة حوله، جداول زرق، حدائق خضر، هضاب محمرة اللون، ودیان معفرة بالتراب بارزة النبت، بینما یتعاطی الصدیقان الخمرة مذهبة اللون والجو لابس ثوباً رمادیاً مغبراً. وفی نهایة القصیدة یأمل أن یجیبه صدیقه وإذا لم یعجل صدیقه فی الجواب، کان کتابه هذا آخر ما یرسله إلیه من السجن، ویدعو لصدیقه أن یعیش فی السلامة طالما یلوح فی الأفق برق یلمع ویرسل سلامه إلیه مادامت الحمائم تغنی فوق أغصان السدر المائلة. إذا أمعنا النظر فی هذه الأبیات التی تدلنا علی رجاء الشاعر من صدیقه من جهة ووعیده من جهة أخری لأنه یهدده بانقطاع الرسائل إلیه إذا لم یجبه صدیقه رغم ذلک أنه شاعر متحلی بخلق یلفت النظر وهو دعاؤه لصدیقه ولم یتفوه بالدعاء علیه:
(نفس المصدر، ص118) 8- استلهام التراث لقد استلهم الشعراء فی العصور المختلفة من تراثهم لاسیما تراثهم الدینی لتخلید آثارهم طوال الدهر. کما استمد الشعراء من هذا التراث فی حبسیاتهم لیتصف أدبهم بالخلود والبقاء وهذا ما نجده فی رومیات أبی فراس الحمدانی إذ نری صدی القرآن وأحداث تاریخ الإسلام فیها[10]. کان لاستلهام التراث وعلی راسه القرآن دور بارز فی آثار ابن زیدون من الشعر والنثر فیعد من المیزات الشعریة لابن زیدون. إستمد الشاعر من التراث وعلی رأسه من القرآن فی أغراضه المختلفة کما یتجلی فی قصائده الحبسیة. منها فی القصیدة التی أرسلها الی ابن جهور یستعطفه بعد مدحه وذکر آلامه وعذابه فی السجن:
(نفس المصدر: 282) یرسم لنا الشاعر فی هذه الأبیات آلامه وعذابه فی السجن الذی أٌسر فیه ویصور ظلم الحساد والواشین وسعایة الأعداء کنار الظلم الذی سری لَهَبُها إلی جنته الآمنة فأصبحت کالصریم، ثم یخاطب ابن جهور ویقول له: إنّ هذه النار تصبح سکینة وبرداً لی کنار إبراهیم إذا أنت تعفو عنی وتصفح عن ذنوبی مستمداً من قصة ابراهیم(ع) فی القرآن وهذه الآیة: ﴿قُلنا کُونی برداً و سلاما علی إبراهیم﴾» (الأنبیاء: 69) خیانة الأصدقاء وعدم وفائهم بالعهد من الأغراض الأساسیة فی القصیدة الأخریالتی نظمها الشاعر فی السجن مخاطباً صدیقه الوزیر أباحفص بن برد،یستمد الشاعر فی تبیین غرضه هذا من القصة المشهورة فی القرآن وهی قصة قوم موسی ومسألة السامری وینظم مخاطباً صدیقه:
(ابن زیدون، 2004م: 139) أراد الشاعر من المعشر، أبا الحزم بن جهور وحاشیته ومن تابعه من أصدقاء الشاعر الذین انقلبوا ضده وتنکروا له.« والسامری هو موسی السامری صاحب الفتنة الذی جمع ذهب بنی إسرائیل وحلیهم وصنع منها عجلاً جسداً له خوار ودعاهم إلی عبادته من دون الله. فی غیاب موسی الکلیم علیه السلام، فلما رجع النبی وأعاد القوم إلی رشدهم حکم علی السامری بألا یکلمه أحد من بنی إسرائیل ولایعاملوه ولایماشوه.» (أحمد غراب، 2011م: 155) کما ورد قصته فی القرآن فی سورة طه:آیه 85 – 89. یشبه الشاعر نفسه بذلک السامری الذی عوقب فی حیاته بأن لایخالط الناس ویشبه موقف آل جهور وحاشیته منه بموقف بنی اسرائیل من السامری. یستلهم الشاعر أیضاً من قصة موسی (ع) وأمه فی القرآن (سوره القصص: 7-13) عندما رمت بابنها فی البحر خوفاً من عدوه لیتعزی نفسه ویعتبر فی تحمل أعباء السجن وآلامه وعدم وفاء الأصدقاء وجور الدهر؛ لذلک یدعوا نفسه ألا تکون حزینة؛ بل تخفف بکاءً لأنها لیست أول حرة أعرضت حزینة عندئذٍ یستحضر قصة موسی فی القرآن ویری أن فی قصة أم موسی عبرة له عندما رمت بابنها فی الماء فعلیه أن یعتبر ویعزی:
(ابن زیدون، 2004م: 240) یبدأ الشاعر قصیدته التی کتبها إلی صدیقه الوزیر الکاتب أبی حفص بن برد بالشکوی من الدهر ویتذکر آلامه ویأسه وبؤسه وغدر الدهر الذی یعزّ بعض الناس کما یذلّ الآخرین، فی هذه القصیدة عندما یتحدث عن اختلاف أبناء الدنیا، منهم الأشراف ومنهم الأذلاء ویستلهم من القرآن أیضاً حتی یشیر إلی تعلق الناس بالدنیا ومتعها بینما ما الحیاة الدنیا إلا متاع الغرور:
(نفس المصدر: 138) متعة ذلک اللباس إشارة إلی الأیة: ﴿وماالحیاة الدنیا إلا متاع الغرور﴾ (الحدید: 20) عندما یسعی الشاعر براءة نفسه عن تهم الواشین فی خطابه إلی الأمیر ابن جهور واستعطافه عنه، یستحضر واقعة تاریخیة هامة من تراثه کما ورد فی هذا البیت:
(نفس المصدر: 242) هنا یستحضر الشاعر واقعة تاریخیة لیتذکر بأن تهم الواشین لا قیمة لها؛ لأنه لم یدخل حرب الفجار ولم یطع مسیلمة الکذاب الذی إدعی النبوة. النتیجة أهم النتایج التی توصلت إلیها هذه المقالة: 1- ذاق ابن زیدون طعم السجن المرّ بدلائل اختلف فیها الباحثون وعلی رأسها عامل سیاسی وسعایة الوشاة والأعداء وکانت نتیجة هذه التجربة المرّة ظهور خمس قصائد رائعة والتی تعد من قصائد الحبسیات وانعکست فیها الظروف المرة التی قضاها الشاعر فی السجن. 2- تتضمن حبسیات الشاعر علی هذه الأفکار والموضوعات الرئیسة: عتاب الأمیر الذی کان قبل ذلک ممدوحه، لقد مزج الشاعر عتاب الأمیر ولومه بمدحه وهذا شیء جدید فی حبسیاته بعبارة أخری کان ابن جهور - ممن حکم بسجن للشاعر - هو من یلومه الشاعر فی حبسیاته کما یمدحه فی نفس الوقت وهذا نوع من الإبداع والجدید عنده، توصیف الحالات النفسیة من القلق والآلام والحزن والتی تصور الأیام المرة التی قضاها الشاعر فی السجن، کما کان عند القدماء، الشکوی من الدهر الذی جفا علی الشاعر و رمته بالمصائب العظیمة، کغیره من الشعراء فی العصور الماضیة فی حبسیاتهم، التغزل بذکر حبیبته ولّادة فی مقدمة القصیدة تقلیداً عن شعراء الشرق، استعطاف وطلب الخلاص من السجن والتی تأتی عادةً بعد مدح الأمیر أو صدیق الشاعر، ذکر مفاخره ومحاسنه حتی یتذکر الأمیر بمکانته العالیة وهذه المفاخر تشتمل علی وجهین: الفخر بأدبه من النظم والنثر ومکانته الأدبیة العالیة، والفخر بالقبیلة والقوم، وهذا الغرض أیضا کان مما اهتم به القدماء بالوجهین الذین وردا عند ابن زیدون، ذکر الأصدقاء والأقرباء فی السجن الذین قضی الشاعر معهم أیاماً سعیدة ویمزج هذا الغرض بالنصیحة والإخوانیات، کما یمزج هذا الغرض بمدحهم ووصف الطبیعة وهذا أیضاً من إبداع الشاعر. وأخیراً استلهام الشاعر من التراث وعلی رأسه من القرآن وقصصه ومن أحداث تاریخیة کغیره من الشعراء فی حبسیاتهم، حتی یزید علی حبسیاته تأثیراً وجمالاً. 3- لایهتم الشاعر بوصف الجزئیات فی حبسیاته مثل توصیف اللیل فی السجن أو السّجان أو تمنی الموت والتبرأ والاشمئزاز من الدنیا وزخارفها والآلام الجسمیة والوحشة ومرارة القیود والسلاسل وأمثال ذلک، هذه الأوصاف التی کانت مشهودةً فی حبسیات شعراء الشرق، وهذا ما یبین الخلاف فی نظرة شاعر الأندلس فی نظم الحبسیات بالنسبة لشعراء المشرق[12]. 4- إن تعدد الأغراض موجودة فی القصیدة الواحدة وتختلف من قصیدة إلی أخری من مقدمة غزلیة، ووصف الطبیعة إلی مدح الأمیر وعتابه والشکوی من الدهر والفخر والإخوانیات والغزل وذلک أمر متوقع من شاعر کابن زیدون والذی حذا حذو شعراء الشرق ولکن رغم تعدد أغراضه فهی متناسقه و متقاربة یکمل بعضها بعضاً بحیث یجعلها تتمتع بالوحدة الفنیة. 5- لقد مزج الشاعر أشعار الحبسیات بوصف مناظر الطبیعة ومشاهدها وهذا یدل علی تأثر الشاعر من بیئة الأندلس الجمیلة والخلابة وطبیعتها النضرة. وهذا هو من إبداع الشاعر فی حبسیاته بحیث لم نجد مثیلها فی حبسیات غیره من الشعراء. 6- إن الموضوعات والمضامین التی یعتنی بها الشاعر فی حبسیاته یزیل الستار عن الأحداث السیاسیة والاجتماعیة فی عصره عادةً؛ لذلک إن حبسیات الشاعر تدلّ علی الأوضاع السیاسیة والاجتماعیة والثقافیة فی عصره ومجتمعه وخاصة بلاط الجهوریین کما تعبّر صورة واضحة من أحوال الشاعر فی السجن ویرسم بعض أبیاتها فن الشاعر الرئیسی یعنی التغزل والذی اشتهر به. 7- وأخیراً ما کان الشاعر مقلداً بحتاً من شعراء الشرق فی نظم الحبسیات؛ بل حاکاهم فی بعض الأغراض وترک البعض الآخر کما بینّا، وتعدد الأغراض فی القصیدة الواحدة تعد من معالم التقلید عند الشاعر فی حبسیاته؛ أما امتزاجها بوصف الطبیعة وعناصرها فکان من معالم التجدید والإبداع عنده. [1] . حول حیاة ابن زیدون وأدبه راجع: ابن بسام، على، (1981م). الذخیرة. ج1/379؛ فروخ، عمر، (2006م). تاریخ الأدب العربی. ج4/589 الی 594 ؛ ضیف، شوقی، (لاتا). الفن ومذاهبه فی الشعر العربی. ص439 الی443؛ الرکابی، جودت، (2008م). فی الأدب الأندلسی. ص 161 الی281؛ أحمد غراب، سعید، (2011م). أطیاف من تاریخ الإدب العربی و نصوصه فی الأندلس. ص125 الی164؛ عبدالرزاق سلیمان، سالم، (2011م). ترسل الشعراء فی الأندلس. ص 68 الی 106؛ ابن زیدون، (2004م). دیوان. شرح وتعلیق یوسف فرحات. مقدمة الشارح. ص 7 الی 17؛ ابن زیدون، (لاتا). دیوانه ورسائله. شرح وتحقیق علی عبدالعظیم. مقدمة الشارح. ص 11 الی 113؛ أمین مقدسی، ابوالحسن وعبدالوحید نویدی، (1392ش). ترجمه، شرح وتحقیق جلد پنجم المجانی الحدیثة. ص175 الی177؛ توکلی محمدی، محمود رضا وبتول ملکی، (1391ش). مقتطفات من الأدب الأندلسی الشعرو النثر. صص80 و 81. [2] - کما نجد ذلک عند أبی فراس عندما یعاتب سیف الدولة لتأخیره بافتدائه فی قصیدة مستقلة اسمها «أبی الدمع إلا تسرعا.» (الحمدانی، لاتا: 183- 185) [3] - للمزید من الاطلاع راجع: الحمدانی، لاتا. دیوان. 205، قصیدة عنوانها: «یاویح خالک». [4] . إلی کم ذا العقابُ ولیس جُرمٌ وکم ذا الإعتذارُ ولیس ذنبُ فلاتحمِل علی قلبٍ جریحٍ به لحوادثِ الأیام نَدبُ (الحمدانی، لاتا: 31). [5] . دَعَوتُک عندَ انِقطاعِ الرَّجا ءِ والموتُ منی کَحبَلِ الوَریدِ دَعوتُکَ لَمَّا بَرانی البلاءُ وأوهَنَ رِجلَیَّ ثقلُ الحدیدِ (المتنبی، 1998م: ج2/67) [6] . فلاتَسمَعَنَّ من الکاشِحینَ ولا تَعبَأَنَّ بمحک الیَهُودِ (المصدر نفسه: ج2/68) [7] - وَکُنتُ مِنَ الناسِ فی محفلٍ فَها أنا فی محفلٍ من قُرُودِ ( المتنبی، 1998م: ج2/67) [8] - مَتی تُخلفُ الأیامُ مثلی لکُم فتیً طویلَ نِجاد السیفِ رَحبَ المقَلَّدِ (الحمدانی، لاتا: 84) ونحن أناسٌ لاتَوَسُّطَ عندنا لنا الصدرُ دونَ العالمین أو القبرُ تهونُ علینا فی المعالی نفوسُنا ومَن خَطَبَ الحَسناءَ لم یُغلِها المهرُ (الحمدانی، لاتا: 161) [9] - فَواحَسرَتا ما أمَرَّ الفِراقَ وأغلَقَ نِیرانَهُ بالکُبُودِ ( المتنبی، 1998م: ج2/64)
- کذلک الله کلَّ وقتٍ یزید فی الخلق مایشاء (الحمدانی، لاتا: 10) [10] وفارَقَ عَمروُ بنُ الزُّبیرِ شقیقَهُ وخَلیّ أمیرَ المؤمنین عقیلُ (المصدر نفسه: 233) [11]- سمیت حرب الفجار لأن العرب فجروا فیها إذ قاتلوا فی الأشهر الحرم، مسیلمة رجل من بنی جفنه إدعی النبوة وعرف بمسیلمة الکذاب (للمزید من الاطلاع راجع: ابن زیدون. (لاتا). دیوان. شرح و تعلیق یوسف فرحات. تعلیق الشارح فی الهامش: 242). [12] . لقد قرأت الباحثة الکتب و المقالات التی بحثت أشعار الحبسیات لشعراء المشرق و وصلت إلی هذه النتیجة بعد قراءة هذه الکتب و المقالات. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القرآن الکریم آباد، مرضیه. (1380ش). حبسیه سرایی در ادب عربی از آغاز تا عصر حاضر. چاپ اول. مشهد: انتشارات دانشگاه فردوسی مشهد. ابن بسام، على. (1981م). الذخیرة. به کوشش احسان عباس. تونس: لانا. ابن زیدون. (2004م). دیوان. شرح وتعلیق یوسف فرحات. بیروت: دارالکتاب العربی. ـــــ (لاتا). دیوانه ورسائله. شرح وتحقیق علی عبدالعظیم. مصر: نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزیع. أبوالعتاهیة، ابو إسحاق إسماعیل بن قاسم. (1964م). دیوان. بیروت: دار صادر. أحمد غراب، سعید. (2011م).أطیاف من تاریخ الأدب العربی ونصوصه فی الأندلس. مصر: دار العلم والإیمان للنشر والتوزیع. آذرشب، محمد علی. (1387ش). الأدب العربی فی الأندلس تاریخ و نصوص. تهران: انتشارات سمت. أمین مقدسی، ابوالحسن وعبدالوحید نویدی. (1392ش)ترجمة، شرح و تحقیق المجلد الخامس للمجانی الحدیثة. تهران: انتشارات دانشگاه تهران. توکلی محمدی، محمود رضا و بتول ملکی. (1391ش). مقتطفات من الأدب الأندلسی الشعر والنثر. قم: انتشارات دانشگاه قم. الحمدانی، ابوفراس. (لاتا). دیوان. بیروت: دارصادر. الرکابی، جودت. (2008م).فی الأدب الأندلسی. ط6، القاهرة: دارالمعارف. ضیف، شوقی. (لاتا).الفن و مذاهبه فی الشعر العربی. ط12، القاهرة: دارالمعارف. عبدالرزاق سلیمان، سالم. (2011م). ترسل الشعراء فی الأندلس. القاهرة: دارالمعرفة الجامعیة. عتیق، عبدالعزیز. (لاتا).الأدب العربی فی الأندلس. بیروت: دارالنهضة العربیة. ـــــــ (لاتا). فی البلاغة العربیة، علم المعانی-البیان- البدیع. بیروت: دارالنهضة العربیة. فروخ، عمر. (2006م).تاریخ الأدب العربی. ط5، بیروت: دار العلم للملایین. قدور، سکینة. (2007م). الحبسیات فی الشعر العربی. أطروحة دکتوراه، الجمهوریة الجزائریة دولة فی الأدب العربی الحدیث، جامعة منتوری قسنطینة. المتنبی، أبوالطیب. (1998م). دیوان. شرحه ووضعه عبدالرحمن البرقوقی. بیروت: دار الکتاب العربی. المعوش، سالم. (2003م). الشعر السجون فی الأدب العربی الحدیث والمعاصر. بیروت: درالنهضة العربیة. المقالات والدوریات امیری، جهانگیر وإلهام کاظمی. (1395ش). «مکارم الأخلاق فی سجنیات أحمد سحنون (دراسة وتحلیل)». مجلة دراسات فی اللّغة العربیة وآدابها. العدد الثالث والعشرون. صص1-18. دادمان کوشکی، علیوعیسی داراب پور. (1390ش). «وصف زندان و احوال دورنی در زندان سروده های فارسی و عربی». پژوهشنامه ادب غنایی. دانشگاه سیستان و بلوچستان، سال نهم. شماره شانزدهم. صص73- 97. زینیوند، تورج و پیمان صالحی. (1391ش). «حبسیه سرایی در شعر عربی و فارسی (پژوهش تطبیقی: شعر ابوفراس و بهار)» فصلنامه علمی پژوهشی ادبیات فارسی دانشگاه آزاد. شماره11. صص 29- 54. طالبیان، یحی ومنصور نیکپناه. (1381ش). «مسعود سعد و أبوفراس و سابقه غزل مستقل». مجلة ادبیات تطبیقی دانشکده ادبیات و علوم انسانی دانشگاه شهید باهنر. شماره12. صص93-109. مرادی، محمدهادی وصحبت الله حسنوند. (1388ش). «رومیات أبی فراس الحمدانی وحبسیات مسعود سلمان». فصلیة التراث الأدبی. السنة الأولی. العدد الثانى. صص87-110. مصطفوی نیا، سید رضی ومهدی جباری. (1387ش). «مقایسه عناصر بلاغی - استعاره -در حبسیات خاقانی و ابوفراس» نشریه ادبیات تطبیقی دانشگاه آزاد اسلامی. واحد جیرفت. شماره 10. صص219-242. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,062 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 2,407 |