تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,624 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,435,442 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,456,014 |
العطار النیسابوری والرؤى السریالیة فی تذکرة الأولیاء | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 4، دوره 9، شماره 33، شهریور 2019، صفحه 69-85 اصل مقاله (200.12 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسنده | ||
فاطمه امامی* | ||
أستاذة مساعدة فی اللغة الفارسیة وآدابها، فرع رودهن، جامعة آزاد الإسلامیة، رودهن، إیران | ||
چکیده | ||
السریالیة (الفوق واقعیة)، هی مدرسة فنیة وأدبیة نشأت فی العقد الثالث من القرن العشرین فی فرنسا. تحمل الرؤى والأفکار اللاشعوریة (اللاوعی) والذاتیة والتجرید والخیال فأصبحت عناصر واقعیة فی ساحة الفن والأدب، کما أنها أمور لها مکانة خاصة وممیزة فی ساحة التصوف. وعلى الرغم من معرفتنا بأن المبادئ والنماذج التی تتمیز بها الأعمال الأدبیة والصوفیة لدى أدبائنا لا تنطبق تماماً مع السریالیة کمکتب ومذهب، ولکنّ هناک دلالات متقاربة ورموزاً متشابهة لمکوّنات المدرسة السریالیة مثل السخریة، والسحر، والحالات الغریبة، والرؤیا (الحلم)، والکتابة التلقائیة، والجنون والتهور والمصادفة، تُمکّننا من دراسة الرؤیا فی تذکرة الأولیاء للشاعر العطار النیسابوری. ومن هذا المنطلق یقوم البحث على أساس المنهج التحلیلی المقارن. ومن خلال هذه الدراسة، توصّل البحث إلى أن الرؤیا فی تذکرة الأولیاء برزت کأحد الأدوات والوسائل التی استعان بها الشاعر لعرض أفکارٍ استقاها من عالمٍ یتفوق الواقع إلى أبعد الحدود انفتح إلیه من خلال مراتب الشهود الحاصلة لدیه ضمن تجربته الصوفیة. | ||
کلیدواژهها | ||
العطار؛ تذکرة الأولیاء؛ الرؤیا والرؤى؛ السریالیة | ||
اصل مقاله | ||
یتکوّن لفظ السریالیة من جزأین؛ (Sor) بمعنى "فوق" و(Real) بمعنى "الواقع". (أنوشه، 1376ش: 836) وهی مدرسة فنیة أدبیة نشأت خلال الحربین العالمتین الأولى والثانیة فی أوروبا وبالتحدید فرنسا. کما یعدّ هذا التیار الفکری امتداداً للمدرسة الدادئیة وهی حرکة عبثیة رفضیة ناتجة عن العدمیة والإنکاریة، نشأت بعد الحرب العالمیة الأولى فی أوروبا. فی الواقع ظهرت السریالیة کردّ فعل ثوری فی أعقاب الحرب العالمیة حوالی عام 1920م حیث انفصلت مجموعة من الدادئیین بقیادة أندریه بریتون وأسست مدرسة تدعى السریالیة. والسریالیة هی فی الواقع تمرّد ضد الحضارة الغربیة، لأن أعضاء هذه المدرسة، هم من تزامنت فترة مراهقتهم الحرب العالمیة الأولى. یعتقد هؤلاء أن الحضارة التی تسببت فی الحرب والدمار لا یمکن أن تکون موثوقة بأی حال من الأحوال. لهذا السبب تقدم هؤلاء الشباب فی الاهتمام الفکری بالقوى الفکریة للعقل الإنسانی من خلال ثورة فکریة وفنیة. فحاولوا تغییر الظروف غیر المستقرة لحیاتهم بمساعدة هذه القوى. وتوقعوا أنه إذا تم إطلاق القوى الخفیة للروح البشریة، فإنه من المتوقع تحقیق حیاة أفضل. ولقد أدرکوا أن الحیاة على أساس العقل لا تصلح. وللهروب من الواقع، لجأوا إلى حقیقة تتجاوز الواقع الظاهر. لم ترفض هذه الحرکة جمیع القیم الإنسانیة، بل سعت إلى إیجاد قیم جدیدة یمکن أن تحقق لهم حیاة أفضل، فوجدوا هذه الحیاة فی إطلاق کل القیود عن العقل. (ثروت، 1385ش: 280) یرى أندریه بریتون فی بیان عام 1929م أن هدف السریالیة هو اکتشاف نقطة فی ذهن الإنسان تتحد فیها جمیع التناقضات. یقول بیرتون:«کل شیء یقودنا إلى الاعتقاد بأن العقل البشری لدیه نقطة حیث الموت والحیاة، الخیال والواقع، الماضی والمستقبل، القابل للتحویل وغیر القابل للتحویل، الصعود والهبوط، لا یبدو أنها متناقضة. والآن أیاً کانت کمیة البحوث والدراسات فی هذا المجال، فإن کل ما یهمّ هذه المجموعة هو البحث عن هذه النقطة والحافز الوحید لنشاطات السریالیین هو تحدید هذه النقطة بالذات، فمن هذا المنطلق یتضح أن مجرد وصف محاولات هذه المجموعة بأنها مدمّرة أو بنّاءة، فهو وصف باطل وعمل عابث لا فائدة منه. لأن النقطة التی نتحدّث عنها لا یمکن اعتبار التدمیر والبناء فیها أمرین نقیضین.» (بیگزبی، 1375ش: 54) وهی نقطة تتلاقى فیها الروح والمادة ویزول فیها النقیض حیث لا خلاف ولا تباین بین الشیئین. وهو اللامکان حیث لا یتسع فی الزمان ولا فی المکان. لا یمکن تصوره فی الحالة العادیة، وهی نقطة البدایة والنهایة والظاهر والباطن. تکمن هذه النقطة فی جغرافیا الخیال. لا یمکن إدراکها إلا بواسطة اللاشعور والخیال، حیث الوصول إلى الحقیقة والخوض فی الاتحاد الخالص بین الوجود والکائن الموجود أو الوصول إلى هذه النقطة المعنیة، یتطلب التحوّل الأساسی فی القوى العقلانیة والحسیة. والخیال أو اللاشعور هو الطریق الوحید لخوض هذا العالم. فی هذه الحالة یصبح الجسم مرنِاً وله قوة غیر عادیة. والاغتراب الحقیقی للإنسان إنما یکمن فی الابتعاد عن هذه النقطة ونتیجة نقله إلى العالم المحسوس المحدد. توفر الکتابة السریالیة أساساً للتخلص من هذا الاغتراب. فاستخدم السریالیون سبلاً بعیدة کل البعد عن أی تحکّم خارجی دون رقابة العقل لکشف عالم اللاشعور والخیال وهی: 1- السخریة والاستهزاء 2- السحر والشعوذة 3- الرؤیا والحلم 4- الکتابة التلقائیة / الشطح بالقول 5- الجنون 6- المصادفة.
أهداف البحث یسعى البحث معتمداً النهج التحلیلی المقارن إلى أن یحلل ویقارن بین مبادئ السریالیة وأسالیبها المختلفة لدراسة بنیة الرؤیا وإشکالیتها بشتى أنواعها فی تذکرة الأولیاء لیعرض وظائف مماثلة للسریالیة فیها. کما أن البحث یوضح فی جانب من الدراسة أن العطار استعان بالرؤیا کأداة لکی یعبّر من خلالها عن عالم یفوق الواقع المرئی والذی توصل إلیه من خلال مراتب الشهود الحاصلة لدیه.
خلفیة البحث یعدّ کتاب "الشروح الأربعة لتذکرة الأولیاء" الکتاب الوحید الذی خصّص جزء منه لموضوع الرؤیا فی تذکرة الأولیاء. وقد أشار مؤلفه بابک أحمدی فی أحد الشروح إلى موضوع الرؤیا فی تذکرة الأولیاء فحسب، من غیر بحث ودراسة. وهناک مقالة أخرى تحمل عنوان "التطابق الشکلی للأدب السریالی فی تذکرة الأولیاء للعطار النیسابوری"، قامت بدراستها کل من مریم جهان تیغ وفاطمة تیموری فتحی. وهناک أعمال حول المضمون وبنیة النص أو الحبکة فی تذکرة الأولیاء ولا یمت لموضوع هذا المقال بصلة. وما هو ملاحظ أنه لم یخصص أی مقال أو کتاب للرؤیا أو الحلم السریالی فی تذکرة الأولیاء للعطار النیسابوری. ولکنّ هناک مقالاً حول مثنویات جلال الدین محمد البلخی تحت عنوان "الرؤى فی مثنویات جلال الدین الرومی" لسید أحمد پارسا وکما یبدو من العنوان، فقد تطرق المقال إلى أنواع الرؤى دون الإشارة إلى الرؤى السریالیة. وبناء على هذا، فإن هذا البحث یعدّ أول بحث علمی یسلط الضوء على أنواع الرؤى والرؤیا السریالیة فی تذکرة الأولیاء وفیه نقاش حول أنواع الرؤیا ودورها فی تذکرة الأولیاء للعطار النیسابوری.
الرؤیا لا تقل الرؤیا مرتبة من الصحو لتصل فی تلک الحالة إلى حکمة متعالیة. یعتبر أراغون أن «الرؤیا شکل من أشکال الوحی، یتحدث فیه الآلهة إلى ضحایاها وکل ما یحدث فی عالم الرؤیا یحفظه صاحبه بکل أمانة وموضوعیة.» (أحمد سعید، 1380ش: 289) ویمکن اعتبار الرؤیا شکلاً آخر من أشکال التفکیر ووسیلة للطمأنینة النفسیة یحتاج إلیها کل أفراد البشر. و«الرؤیا کأحلام الیقظة وسیلة للخلاص من التنازع النفسی والعودة إلى الظلمات الثلاث مع الفارق بینهما فی حصول الخیال عند الصحو وحصول الرؤیا عند المنام.» (أنوشه، 1376ش: 220) یقسّم الصوفیة الرؤیا على أنها نفسانیة وروحانیة (إلهیة). الرؤیا الإلهیة هی تلک الرؤى الصادقة لأنها تحصل بکل وضوح من جانب الخالق والأنبیاء والملائکة. وتحصل الرؤیا الصادقة لمن بادر بریاضة النفس ومجاهدتها حسب رأی الصوفیة. فی هذه الحالة تنکشف الأسرار للعارف الصوفی عند المنام. ویتحول المنام له إلى ملجأ لحل المشاکل ویکون بمثابة مفتاح لفتح الأقفال. «وکثیراً ما نقرأ فی قصص الصوفیین أنهم عندما یواجهون صعوبات فی أمر الدین یجدون الحل وطریق النجاة فی المنام والرؤیا تحدیداً أو فی الواقع أحیاناً أو أنهم یتوسّلون بالدعاء ثم یرون فی المنام طریق الحل، ذلک لأن النوم عند الصوفیین هو أحد طرق الکشف والشهود تحصل لدیهم عندما تتصل الروح بعالم الغیب.» (فروزان فر، 1374ش: 258) تعطی الرؤیا لأوهامنا شکلاً وحالة وتجسّدها خیر تجسید. وباستعانة هذه التصاویر نتحدث مع مخلوقات وهمیة أو نتحدّث مع شخص میّت لا وجود له فی الحیاة أو "أن نعطی مقطوع الرأس کأساً!". ونتیجة لشدة المحبة، یسمح الصوفی لنوع خاص من الرؤیا أن تتحکم فیه وفی سلوکیاته وأقواله حتى تصدر منه سلوک کامل وأقوال غریبة وهی تصرفات لاإرادیة ولا هی مکتسبة ولا تمارس، بل هی کالحرکات والخطابات والسلوکیات التی تصدر دون إرادة من الشخص یمکن عدّها عملاً إبداعیاً وتذوقاً فنیاً یصدر عن محبة متزایدة. والفرق بین الخیال الأدبی والفکری الإبداعی لدى الصوفی الحقیقی والآخرین من الشعراء والأدباء والفنانین، هو أن هؤلاء یبتکرون الفن والإبداع حسب متطلبات العصر، ولکن العارف الصوفی فهو بعید کل البعد عن المجتمع وقضایاه. لهذا ترى أن کل إبداعاته الفنیة متغیّرة من لحظة لأخرى وتتنوع من حین لآخر. فهذه اللحظات هی ولیدة رؤیا عاطفیة لاإرادیة ناتجة عن الحالات النفسیة لا یدرکها أی أحد. والسریالیة هی مدرسة تتبع حقیقة تفوق واقع الرأسمالیة العالمیة. فالسریالیة هی التعبیر وتحدید التفکیر بعیدا عن تحکم العقل فیه، ولیس له علاقة بقوانین الجمالیات والأخلاق. من أجل استخلاص حقیقة یعتبرونها خافیة فی أعماق الضمیر والعقل الباطن، یسیر الکاتب أو الشاعر بعیداً عن الواقع فیعیش حالة حلم، ثم یدوّن تلک الحالات والتصورات العقلیة التی تحصل تلقائیاً دون إرادة منه یدوّنها کتابةً ولا صلة لهذه النصوص بالعقل الباطن واللاوعی بتاتاً، وإنما هی حالات کشف وشهود. لهذا نرى الرؤیا السریالیة وهی لا إرادیة ونابعة عن العقل الباطن، ترتبط بالسریالیة. منذ ألف سنة قبل آندریه بیرتون، ألّف الصوفیة المسلمون کتاباتهم المثیرة والمنتشیة بأسالیب وضع أسسها السریالیون الفرنسیون فی بدایة القرن العشرین. وقد شهد تاریخ التصوف الإسلامی کثیراً مما یعرف بشطحات الصوفیة والمشاهدات والکشوفات. ومن النماذج الرائعة یمکن الإشارة إلى رؤى روزبهان بقلی الشیرازی فی کتاب کشف الأسرار. (میبدی، 1382ش: 47) وفیه تألیفات مثیرة تشاکل تألیفات سریالیة تشمل جمیع القواعد التی شرحها السریالیون فی بیانهم المعروف. وکثیراً ما تحدّث محی الدین بن عربی فی کتابه الفتوحات المکیة (خواجوی، 1393ش) وسائر أعماله عن الرؤى التی رآها فی المنام واستناداً للأحادیث النبویة الشریفة، اعتبر ابن عربی أن الرؤیا مبدأ الوحی وجزء من ستة وأربعین جزءاً من النبوة (غراب، 1993م: 4) وتعدّ لحظات الشغف والإثارة والجنون عند مولانا جلال الدین محمد البلخی فی غزلیاته (فروزان فر، 1395ش) وسکره عند الکتابة، هی من التجارب السریالیة.
الرؤیا فی تذکرة الأولیاء إن للرؤیا مکانة خاصة تفوق الزمان فی أعمال العطار النیسابوری. فالرؤیا عند العطار لیس بمعنى غیاب الحواس أو راحة البال. من منظور آخر، یعتبر العطار الرؤیا نوعا من الموت بالمعنى الموصوف أعلاه وغیاب الحواس واجتیاز عالم المادة. وتعدّ الرؤیا فی تذکرة الأولیاء مرحلة اجتیاز هذا العالم إلى عالمٍ یفوق الزمان وهو مرحلة اللازمان أو مرحلة الغیب حیث تخلص الروح من الجسم والعودة إلى التجربة الأزلیة. الرؤیا فی قصص العطار هی عنصر أساس، ظرفٌ یجتاز أبطال القصص من خلاله الزمان. واللافت للانتباه هو أن الرؤیا توفّر مجالا من خلال الاتصال مع عالم الغیب الذی یهیمن على عالم العطار العابر، ما یمکّننا من اجتیاز الزمان والحضور فی المستقبل بتجلیه بصورة مجازیة. کما جاء فی سورة یوسف عند حل رموز الرؤیا والتعبیر عنه بالتأویل. فی هذا الأثر الأدبی یتعلق الزمان بعالم المادة والشهادة وله مسافة معینة. بعد اجتیاز المسافة المعینة من الزمان، بإمکاننا إدراک حقیقة تحدث فی النوم. یمکن مقارنة هذه الحقیقة مع یوم الساعة والعالم الآخر الذی یظهر بعد اجتیاز المرحلة الأخیرة من الحیاة وهی نقطة الموت النهائیة. وبناء على هذا، فإن السلوک الصوفی فی وجهة نظر العطار، هو اجتیاز حدود الزمان. ثم قارنوا الرؤیا بالموت. وفی روایة عن النبی (ص) أن النوم هو أخو الموت وفی کلتا التجربتین، یتجلى ما هو خارج الزمان کتجربةٍ خارج تجربة الحیاة وعالم المادة. وفی تذکرة الأولیاء یرى الکاتب أن الوصول إلى الاتصال الغیبی والتواصل الإلهی یتطلبان خلفیة یتحقق الاتصال من خلالها، کالمنام والرؤیا. النوم کالبرزخ یربط بین عالمین فی فترة وجیزة. فتعرف من خلال الشروح وسیرة المشایخ الذاتیة أن الموت لیس نقطة النهایة وأن الشیخ یزور مریدیه ویتواصل معه حتى بعد وفاته وذلک فی المنام من خلال الرؤیا الصادقة. کما وردت أحادیث حول رؤیة الخالق فی منام الصوفیة العارفین ذلک اللقاء الذی حصل فی الأزل ووُعد به فؤجل إلى یوم القیامة. کما یمکن دراسة الرؤیا فی تذکرة الأولیاء من عدة زوایا مختلفة، ولما فی الرؤیا والمنام من أهمیة فی هذا الکتاب، سنقوم بدراسة أنواع الرؤیا فی تذکرة الأولیاء دراسة وافیة.
أنواع الرؤیا فی تذکرة الأولیاء بإلقاء نظرة دقیقة فی تذکرة الأولیاء، نرى أن کل الرؤى هی من نوع الرؤیا الصادقة، فیمکن تقسیم هذه الرؤى من حیث الفکرة والمضمون إلى أنواع مختلفة وهی کالآتی: 1- الرؤى المنبّئة: من أفضل أنواع الرؤى هی تلک التی ستحصل أحداثها فی عالم الواقع، وإحدى سماتها الرئیسة أن صاحبها یطلع من خلال النوم على أحداث وقضایا ستحصل له فی المستقبل وباستعانة هذه المعطیات الغیبیة یتمکّن من تحسین حیاته لیقوم بمکافحة الشر ومحاربة الخبائث والفشل. ومن طبیعة هذه الرؤى أن یتم شرح الأحداث المستقبلیة عبر مشاهد تحصل بالصورة الدقیقة وبجمیع تفاصیلها أو أن هناک إشارات وإیماءات تدل بها. «رأوا داوود الطاعی فی المنام وهو یقفز فی الهواء قائلا: "تخلصت من السجن" والتعبیر هو أنه کان قد مات.» (العطار، 1386ش: 157) «قال ربیع: قبل أیام من وفاة الشافعی، رأیت فی المنام أن آدم علیه السلام قد توفی وأراد الناس إخراج جسده. عندما استیقظت تساءلت عن التعبیر: قال المفسّر من هو أکثر علماً فی زمانه یموت. لأن العلم هو مزیة آدم. وحقاً کان قد توفی الإمام الشافعی.» (م.ن: 200)
2- الرؤى المنبّهة وفک رموز الرؤیا: أساس هذه الرؤى قائمة على تحیّر الشخص فی أمرٍ ولا یجد له حلاً، فإذا بالحل یتجلى له فی الرؤیا ویدرک الرائی کیف یفعله. على سبیل المثال یمکن الإشارة إلى الرؤیا التی رآها یحیى (ع). «تورط یحیى فی المدینة بمائة الف درهم وفی اللیل رأى یحیى، النبی (ص) قال له: لا تحزن یا یحیى قم وسِر إلى خراسان، فإن هناک امرأة وضعت لک ثلاثمائة الف درهم مقابل مائة الف درهم.» (م.ن: 327) ومثل هذه الرؤى المنبّهة قد ینبّئ بها الأموات، فالتنبیه والهدایة فی الرؤیا تحصل باستعانة شخص متوفّى. واللافت للنظر فی تذکرة الأولیاء أن هناک نوعا من الرؤى المنبّهة یحضر فیها المیت فی رؤیا شخصین. أی تحصل الرؤیا بصورة مشترکة لشخصین. ونشاهد هذه الرؤى المشترکة فی تذکرة الأولیاء حیث إن النبی (ص) یحضر فی منام شخصین فی رؤیا واحدة.
3- تجسیم الفکرة: یقول کزازی فی هذا النوع من الرؤیا: «یرى أصحاب مذهب القوى الخفیة (الحروفیون) أن القوة والکفاءة الفکریة کلّما ازدادت کلما تجلت کهیئة، أو بعبارة أخرى إذا ما وصل الفکر إلى درجة من التقارب والتناسق وأصبح ذات محوریة یتجلى بصورة واضحة ویتجسد هیئة.» (کزازی، 1385ش: 114) حسب التعریف المذکور أعلاه، فإن مثل هذه الکفاءة الفکریة فی الرؤیا قد تحدث بالفعل لدى الأشخاص. وهناک نماذج کثیرة منها فی تذکرة الأولیاء جاءت بالصورة التی یتأقلم الرائی معها فی رؤیاه ویعتبرها حقیقة حتى أنه حین یستیقظ فی عالم الواقع یشعر أن تلک الفکرة قد تحدث بالفعل بعبارة أخرى کأنها تتحوّل إلى "شکل" أو "هیئة". کما نرى فی القصة التی تروی عن رجل جائع رأى النبی (ص) فی منامه وهو یعطیه رغیف خبز، فبعد أن یستیقظ الرجل من النوم یرى الرغیف فی یده. (العطار: 120) «تجسیم أو تجسید الفکرة بمعنى أن الفکرة وباستعانة تقنیة معینة تتجلى شیئاً أو شکلاً ملموساً. ویطلق تجسید الفکرة فی علم ماوراء النفس على نوع من السلوک وآلیة فی نفس الإنسان تتجسد الفکرة باستعانتها شکلاً وهیئة ملموسة، بعبارة أخرى، فبإمکان الفکرة أن تتحول إلى شکل أو شیء تجسیداً إذا ما وصل إلى أقصى درجة من العمق والکثافة والسماکة.» (کزازی، 1385ش: 111) وهناک نماذج أخرى لهذا النوع من الرؤى نشیر إلیها فی السطور التالیة: «یقول جنید: سِرت یوما إلى شخص کان یبکی فقلت: ما بک؟ قال: خطر على بالی أن أعلق هذا الإبریق حتى یبرد ماؤه، ثم خلدت إلى النوم فرأیت حور عین، فسألتها لمن تکون؟ فأجابت: لمن لا یعلق الإبریق حتى یبرد ماؤه! ثم ألقت بالإبرق على الأرض. أنظر ماذا حصل؟! یقول جنید: رأیت الإبریق مکسوراً بعد إفاقتی من النوم وبقی الإبریق على حاله لفترة طویلة.» (العطار، 288) (والصفحة 506، رؤیة جریری للنبی (ص) فی المنام. والصفحة 568، رؤیة أبی على الدقاق وداء العین)
4- الرؤى بین الصحو والنوم: أغلب القصص الواردة فی تذکرة الأولیاء تحصل فی حدود ما بین الصحو والنوم وهو عبارة عن سلوک معنوی یحدث فی عالم الکشف والشهود أو الرؤیا تحدیداً، وتعرض جمیع المناقشات والبحوث الکلامیة فی باب الحب والوصل والفناء على المنتقدین فی العالم کلوحة سریالیة، کتلک القصة التی یرویها العطار: «رأى أحد المشایخ الکبار حلاج فی عالم المنام و هو یمسک کأساً بیده دون رأس. قال : ما هذا؟ أجاب: أنه یقدم الکأس إلى من رؤوسهم مقطوعة.» (م.ن: 594)وفی مکان آخر، تقول أم علی زوجة أحمد خضرویه: «فی إحدى اللیالی وأنا أطوف الکعبة غلب علیّ النوم. فرأیت فی المنام أنی أحلّق فی السماء حتى بلغت العرش وتحت العرش صحراء تنتشر فیه الورود والریاحین، مکتوب على کل ورقة منها أن أبا زید ولی الله.» (م.ن: 210) وقد رأوا أبا سفیان الثوری فی الرؤیا. «قالوا له کیف صبرت على وحشتک فی القبر؟ قال إن قبری روض من ریاض الجنة.» و«قد رآه آخر فی الرؤیا وهو یقفز فی الجنة من أحد طرفی ظل شجرة إلى الطرف الآخر.» «سألوا عن تفسیر هذه الرؤیا؟ ففسروه بالورع.» (العطار: 230) تستمد اللغة الصوفیة مفاهیمها من الرموز الاستدلالیة والمجازیة للتعبیر عن المقصود. وفی جمیع النماذج والشواهد المذکورة فی تذکرة الأولیاء ظهرت اللغة الرمزیة واللغة غیر المباشرة بصورة مبدعة.
5- الرؤى التمثیلیة المجازیة: هناک سبع وعشرون رؤیة تمثیلیة فی تذکرة الأولیاء. ولهذا النوع من الرؤى الرمزیة والمجازیة أهداف معینة منها: (معرفة الآخرة ص: 60)؛ (الوعی بالموت، صص: 690، 181، 220)؛ (التعلیمیة ومعرفة الأسرار، صص: 571، 495)؛ (فی منزلة الصوفی العارف، 106، 576، 577، 598)؛ (لون من ألوان المعراج، 623، 668)؛ (الوعی بالمستقبل، 216)؛ (التعلیم، 48، 269) عن حسن البصری: جاء أن أحد المشایخ الکبار رأى فی المنام أن أبوب السماء فتحت وقد نادى منادٍ أن حسن البصری قد وصل إلى الله وأن الله راضٍ عنه. (العطار، 1386ش: 41) فی الواقع إن العطار إنما یروی رؤى الصوفیة وحالاتهم لیعرض کرامة أولیاء الله فی حضوره عز وجلّ، کما یبیّن للقارئ من جهة أخرى تجربة الحیاة الصوفیة. - یرى أحد الصوفیة أنه یُلمْلم رفات النبی (ص). والتفسیر: بعد أن استفسر عن الرؤیا من أحد أصحاب ابن سیرین. قال له: «إنک تبلغ فی علم النبی والحرص على اتباع سنته مکانة رفیعة حتى أنک تتصرّف فیه وتمیّز بین صحته وسقمه.» (م.ن: 220) «إن جمع رفات النبی فی المنام رؤیة تمثیلیة مجازیة والحصول على مفاهیمها الأساسیة لا یتحقق إلا بعد إمعان فی تفاصیل الرؤیا، ولا یمکن لکل أحد أن یحصل علیها أو أن یفسّرها.» - قال أبو الحسن الخرقانی: «رأیت فی المنام أننی مع بایزید وأویس القرنی فی کفن واحد.» (م.ن: 511) هذه الرؤیا وهی تمثیلیة أیضا تحتاج إلى تفسیر. لماذا ثلاثة أشخاص فی کفن واحد؟ وینبغی أن تعرف أسباب رؤیة هذه الرؤیا وماذا تحمل من رسالة إلى الرائی؟
- قال أبو بکر الصیرفی: «رأیت فی المنام أن التراب انفتح وخرج منه الشیخ ثم أراد أن یقفز فی الهواء.» (ص: 575) - رأى أحد کبار المشایخ الحلاج بدون رأس، بیده کأس وهو واقف. (ص: 511)
ما هو سر رؤیة مثل هذه الرؤى؟ لماذا هو واقف؟ ولماذا بدون رأس؟ وکثیر من الأسئلة، وکیف أن الرؤیا تتراءى للرائی بمشاهد تمثیلیة. ویتطلب فهم رسالتها إلماما تاماً وقلّة قلیلة تستوعب تفسیر مثل هذه الرؤى الغامضة بصورتها الصحیحة. واللافت للنظر أن الرؤى إما قد رآها المتصوفة أو الرؤى التی رآها الآخرون عن الصوفیة العارفین، فی تقسیم آخر یتناول البحث الرؤى على أساس مَن یرى الرؤیا أو بعبارة أخرى من هو الرائی؟ ومَن هو یأتی فی المنام أو بعبارة أخرى من هی الشخصیة فی الرؤیا؟
1- مَن رأى الرؤى (الرائی) إن الرؤى التی جاء ذکرها فی تذکرة الأولیاء، قد أُفصِح عن رائیها أحیاناً: کأم علی زوجة أحمد خضرویه؛ بنت أمیر هروی، الخلیفة، إبراهیم النبی، وسلطان محمود. ومنها لم یفصح عن رائیها. کما جاء ذکره بالعبارات التالیة: رأى صوفی فی المنام، رأى أحد المشایخ فی منامه، رأى رجل زاهد مرتاض أو شاب فی المنام .. فی کلتا الحالتین، تعود الأهمیة إلى موضوع الرؤیا. حین یکون الرائی معروفا، یؤکد العطار على أهمیة الرؤیا. ذلک لأن شخصیة الرائی، أی من رأى تلک الرؤیا هی ذات أهمیة. وحینما لم یکن الرائی معروفا یبدو موضوع المنام أکثر أهمیة. وأحیانا یشیر العطار إلى عدد المرات التی حصلت فیها الرؤیا ما یزید من أهمیة تلک الرؤیا. وأحیاناً تتکرر الرؤیا الواحدة لدى عدة أشخاص ما یدل دلالة واضحة على أن تلک الرؤیا تحمل رسالة معینة وهامّة فی نفس الوقت. یرى أبو بکر الصرفی فی المنام «أن القبر انفتح وخرج منه الأستاذ وأراد أن یقفز فی الهواء» (ص: 575) یرى أحد الأشخاص أبا علی الدقاق فی المنام: «رأى أحدهم أبا علی الدقاق أنه یمر عبر الصراط» (ص: 575) الملاحظ هنا أن الرائی غیر معلوم ولا فائدة من ذکر اسمه.
2- الشخصیة التی یراها الرائی فی المنام فی هذه المجموعة من الرؤى، یلاحظ نوعان من الأشخاص فی الرؤیا: 1- من هو معروف مع ذکر اسمه، 2- من هو غیر معروف ودون ذکر اسمه. فی الرؤى التی تناولها العطار فی تذکرة الأولیاء، هناک ثمانیة أشخاص جاء ذکر اسمائهم فی الرؤیا، وعلى رأس تلک الرؤى وهی الأکثر أهمیة تلک التی یرون فیها الله عزوجلّ. ورؤیة الخالق فی المنام هی من الأمور الفوق واقعیة والسریالیة، قد تکرر مثل هذه الرؤى 26 مرة فی تذکرة الأولیاء. قال أحمد خضرویه: «رأیت الحق عزوجلّ فی الرؤیا یقول: یطلب الرجال منی ما یریدونه إلا بایزید فإنه یطلبنی أنا لا غیری.» (ص: 155) الطائفة الأولى ترى الخالق فی المنام. وسبب ذلک إنما یعود إلى عدّة حالات وهی: کرامة الصوفی العارف (54)، الرعایة الربّانیة وصفاء قلب الصوفی (107)، نقل رسالة من الخالق إلى مخلوقه، التوبة (111،110)، فتح باب العلم (119)، قیمة الدعاء (238)، قیمة الإحیاء والتهجّد فی سبیل الله (328) وما إلى ذلک. الطائفة الثانیة ترى النبی (ص) فی منامها. ورؤیة النبی الذی رحل منذ سنوات عدیدة عن هذه الدنیا، فهی من الأمور الماورائیة الفوق واقعیة والسریالیة. وقد شوهدت تلک الرؤیا ما یقارب ثلاثین مرة فی تذکرة الأولیاء. ویذکر أن العطار یشیر إلى النبی بأسماء مختلفة، فینادیه مرة المصطفى ومرات أخرى الزعیم والرسول والسید. وسبب رؤیة النبی أیضا تعود لحالات متعددة منها؛ کرامة الصوفی العارف (صص: 115، 186، 460، 506 و704)، لمصالحة الصوفی مع نفسه (123)، لنقل رسالة من الخالق، أو لاداء حق الأم (58)، الوعی بالموت (137)، ذکر فضائل ذریة النبی وتقرّبهم إلیه (187)، فی حفظ السنة النبویة (209). وممن حضر فی رؤیا الصوفی العارف، فی تذکرة الأولیاء، علی بن أبی طالب (ع). ورؤیة من ضمّه التراب سنین عدید وأزمنة مدیدة، هی من الأمور السریالیة. وقد شوهد ثلاث حالات من الرؤیا لأمیر المؤمنین علی (ع) فی تذکرة الأولیاء. وذکر باسم أمیر المؤمنین والمرتضى (ع). وکما یبدو أن الصوفی العارف عندما یرى علی (ع) فی رؤیاه یکون ذلک إما للاتعاظ والنصح (115) التحلی بعلم النبی (ص) والإمام علی (ع) (298، 297) والأخذ بوصیة ما (216). والطائفة الأخرى التی تأتی فی المنام هی الصوفیة. هناک 32 حالة رؤیا حصلت لعدة من الصوفیة العرفاء حیث رأوا الصوفی العارف الراحل عن هذه الدنیا فی منامهم وقد سألوه ما صنع الله بک؟ فالکشف عن أسرار ذلک العالم، هی من الأمور الفوق واقعیة. فتتبیّن أهمیة مصیر العارف فی عالم ما بعد الموت للرائی وهو أمر لا یصدّق. وفی مثل هذه الرؤى، یتلقى الصوفی جواباً کله مغفرة ورحمة من رب العالمین: «عاتبنی وقال لی: لِمَ کنت خائفاً منی غایةَ الخوف؟ أما علمت أن الکرم صفتی؟» (116) ورآه آخر فی المنام فقال له: «لم یکن أحبّ منک عندی على وجه الأرض فی الساعة التی قبضت فیها.» (116،117) ومن الحالات الأخرى، سکان أهل السماوات وسکان العرش الإلهی، الملائکة، الحور، ملک الموت، وإبلیس. یأتون فی المنام، ألم تکن رؤیتهم فی المنام لحل المشاکل وإزالة العقبات، أمراً فوق الواقع؟ ومن الدواعی التی جعلت العطار یذکر مثل هذه الرؤى یمکن حصرها إلى حالات تخص العارف، منها: کرامة العارف (106)، اطلاع العارف على الغیب (214، 186)، الخیار الصحیح (28)، التعلیم (288). فالزمان والمکان والجنة والصراط هی الأخرى من جملة الرؤى التی جاءت تسع مرات فی تذکرة الأولیاء. مما لا شک فیه أن تصویر هذه الأمکنة ما فوق الواقعیة ورؤیتها فی المنام تعدّ من الأمور السریالیة. والعرفاء إنما یرون هذه الرؤى لدواع وأسباب منها تعلیمیة (48)، ومنها کرامة للعارف (576)، أو خشیة إفشاء سرٍ من الأسرار الإلهیة: «رأیت القیامة فی المنام فجاء خطاب فی سمعی: إنّا ابتلیناه لإفشاء سری إلى الغیر.» (519). والملاحظ فی تذکرة الأولیاء أن العرفاء لن یروا النار فی المنام، ما یدل على أن تذکرة الأولیاء کتاب تبشیر للتعبیر عن الرحمة والمغفرة الإلهیة. والطائفة الأخرى هی منکر ونکیر وفی تذکرة الأولیاء یأتیان أربع مرات فی منام العارف. ولم یذکر أی إشارة فی الکتاب إلى الشخصیة التی رأت منکر ونکیر ولا إلى صفاتها، ما یجعلنا نصنّف رؤیة منکر ونکیر ضمن الرؤى السریالیة. واللافت للنظر أن العرفاء یتحدّثون إلى منکر ونکیر بتبختر وجبروت: کیف أجبتم على أسئلة منکر ونکیر؟ «یجیبون بلهجة متغطرسة: فی ذلک الیوم الذی قالوا لنا: ألست بربکم». (393) ویأتی فی مکان آخر: «یجیب بلهجة متغطرسة، ما یثیر استغراب الملائکة فیقول بعضهم لبعض: إنه لا یجیب عن نفسه فحسب وإنما عن جمیع الخلق من ولد آدم.» النوع الآخر من الرؤى هی المعراج. جاء فی تذکرة الأولیاء نوعان من الرؤیا المعراجیة: إحداها معراج أبی الحسن الخرقانی فی المنام (623) والأخرى معراج الخلق من المسجد إلى السماء (668). ورؤیة المعراج هی من جملة الرؤیا التی تصنّف ضمن الرؤى السریالیة. إذا ما أردنا إحصاء الرؤى السریالیة فی نظرة عابرة فهی کالآتی: أ-الرؤى الأولى: 1-الرؤى المنبئة؛ 2-الرؤى المنبّهة وفک رموز الرؤیا؛ 3-تجسیم الفکرة أو تجسید الفکرة؛ 4-الرؤى بین الصحو والنوم؛ 5- الرؤى التمثیلیة. ب-الرؤى الثانیة: 1-رؤیة الخالق فی المنام؛ 2-رؤیة النبی (ص) فی المنام؛ 3-رؤیة الإمام علی (ع) فی المنام؛ 4-رؤیة العارف المیّت فی المنام؛ 5-رؤیة الجنة والنار فی المنام. بعد دراسة مضمون الرؤیا فی تذکرة الأولیاء لفرید الدین العطار النیسابوری یتبیّن أن هذه الظاهرة تحمل فی طیّاتها وظائف مختلفة ولها دور هامّ وفعال فی تحقیق ما کان یرمی إلیه النیسابوری، لهذا یمکن القول: إن وجود الرؤیا فی أکثر القصص والحکایات تجعلها أکثر إیقاعاً وتأثیراً فی نفوس الجمهور. وظائف الرؤیا فی تذکرة الاولیاء کالآتی: 1-حل المشاکل، 2-الاستلهام والبشارة، 3-أداة للتعبیر عن المفاهیم العرفانیة، 4-التوصیة، 5-التمنی والرجاء فی المنام، 6-الاستفسار فی المنام، 7-أداة للتعبیر عن الرحمة والمغفرة الإلهیة، 8-وسیلة لإرشاد وتوجیه العرفاء، 9-ذریعة لنقل رسالة من جانب الخالق إلى العارف. کانت الرؤیا محط اهتمام الصوفیة والعرفاء من زوایا عدّة. وفی أحوال الصوفیة بالتحدید، حظی تفسیر رؤیا العارف بمکانة بارزة. وبدراسة مضامین الرؤى التی تناولها کتاب تذکرة الأولیاء بین الحین والآخر، نرى أن هذه الرؤى جاءت متناسقة مع غایة الصوفیة من طریقة السیر والسلوک العرفانی. وأحد هذه الأهداف هو شرح الکشوف والشهادات العرفانیة. ولم تشاهد الرؤى المشتتة والأضغاث من الأحلام فی تذکرة الأولیاء، ویدل هذا على أن العطار یختار الرؤى المؤهلة والمفضلة لیوظفها فی تحقیق المفاهیم العرفانیة والدینیة. ویشمل ذلک أیضا الرؤیا الصادقة التی تکشف عن وقائع حدثت فی الماضی أو ستحدث فی المستقبل. قد خضعت رؤى العرفاء للبحث والدراسة بموضوع الکشف بشقیه؛ حل المسألة، ورفع الستار عن الصراعات العقلیة واکتشاف الأحداث المستقبلیة. توضح هذه الدراسة أن أحد أهم وظائف الرؤیا التی قدّمها العرفاء فی تذکرة الأولیاء، تتمثل فی حل العدید من اللنزاعات والقضایا العقلیة خاصة فی مجال القضایا الدینیة والصوفیة العرفانیة. إضافة إلى ما قدمه العرفاء من التعبیر عن القضایا من خلال الرؤیا، فقد کان لهم دور بارز فی قوة تأثیره على الجماهیر. إن حل مثل هذه المسائل فی رؤیا العارف، یُنظر إلیه باعتباره مکاشفة ملهمة، تنبئ عن أحداث لم تحدث بعدُ فی الواقع. قد أشار العطار فی تذکرة الأولیاء إلى دور الطموح الإنسانی وانعکاسه فی الرؤیا بشکل واضح. ورؤیة تلک الرؤى الصادقة للعرفاء والصوفیة إنما هی لامتلاکهم قلوباً صافیة وضمائر نیّرة. کثیراً ما یستمد العطار بأسلوب التمثیل لشرح الأفکار والمفاهیم العرفانیة والدینیة والفلسفیة، ذلک لأن اللغة التی تنبع عن الإحساس والأفکار العادیة، لا یمکن أن تکون بأی حال من الأحوال أداةً مناسبة لنقل المفاهیم العرفانیة. وبناء على ذلک، فإن الرؤیا التی تتحدد کبناء لدرک الأسرار الغیبیة، لابد أن یعبَّر عنها بلغة تمثیلیة رمزیة یلفها بعض الغموض أحیاناً. لا شک فی أن الرؤیا عادة ما تستخدم للتنبؤ عن الأحداث المستقبلیة، ولکن العرفاء والصوفیة فی تذکرة الأولیاء، إنما یوظفون الرؤیا لإیضاح طریق السیر والسلوک العرفانی. وقد استعملوا الرؤیا فی مجالین أساسیین؛ التنبّؤ عن أحداث المستقبل، والتواصل مع الأموات. وکثیراً ما تردد وتکرر فی هذا الکتاب، رؤیة العارف للعارف المیّت الراحل عن هذه الدنیا فیراه فی المنام ویسأله: ما صنع الله بک؟ وفی أغلب الحالات، یکون الردّ؛ الصفح عن الذنوب ویحصل العفو لأدنى عذر. والغایة الرئیسة لهذا الکتاب والرسالة التی أراد العطار إیصالها من خلال الرؤیا فی تذکرة الأولیاء، إنما هی انعکاس الرحمة والمغفرة الإلهیة الواسعة، على خلاف کثیر من الکتب التی تبعث الرعب والفزع والعذاب الإلهی فی القلوب. ولکن تذکرة الأولیاء کتاب یبعث على التفاؤل والأمل والرجاء فی المغفرة والرحمة الإلهیة. النتیجة من أهم النتائج التی توصل إلیها البحث، هو تبیین هدف السریالیة فی توعیة الإنسان بنظرة ورؤیة جدیدة بالنسبة للأشیاء والعالم. وقد عمدوا فی ذلک إلى أنه قد یحصل من خلال تشتیت العقول وإثارة الاستغراب ما یثیر الدهشة والحیرة. ولم یکن آندریه بیرتون أول من دعا إلى تدوین الرؤى وتعبیر الرؤیا وتفسیر المتاهات کتابةً من خلال لغة تتناول القضایا الفوق واقعیة، وإنما أسلوب هذه الکتابة بدأ منذ أن میّز البشر بین الرؤیا والواقع. ومنذ آلاف السنین قبل آندریه بیرتون وأتباعه، قد کتب الصوفیة من خلال مؤلفاتهم المثیرة وغیر الواعیة بنفس الأسلوب الذی کتب بها السریالیون الفرنسیون فی القرن العشرین. نحن فی تذکرة الأولیاء نواجه أنواعاً مختلفة من الرؤى، ولکن یصب اکتراثنا إلى تلک الرؤى التی تحتوی على سمات سریالیة. رؤى تعبّر بلغة ما فوق الواقعیة، لا تُصدَّق ولا تنطبق مع العقل أی أن المنطق لا یمکن أن یقبله ویأخذ به. ففی عالم الواقع لا یمکن التحدّث إلى الخالق او إلى النبی أو إلى الإمام علی أو سائر العرفاء الذین رحلوا عن عالمنا، تلک الرؤى التی تعرض حلولا للمشاکل والمسائل المتعلقة لعالمنا الواقع. وجمیع الأحداث التی تقع فی الرؤیا من خلال المنام، تنعکس آثاره فی الواقع. وهی الرؤى التی یمکن اعتبارها نوعا من المعراج. یمکن تقسیم الرؤى السریالیة فی تذکرة الأولیاء إلى قسمین: الطائفة الأولى: الرؤى المنبئة؛ الرؤى المنبّهة وفک رموز الأسرار؛ تجسیم الفکرة؛ الرؤیا بین الصحو والنوم؛ الرؤى التمثیلیة. والطائفة الأخرى: رؤیة الخالق؛ رؤیة النبی (ص)؛ رؤیة الإمام علی (ع)؛ رؤیة العارف المیّت؛ رؤیة القیامة والجنة. وفی بعض الأحیان یندمج النوعان من الرؤى مع یعضهما ما لا یمکن تفکیکها وتصنیفها فی طائفة واحدة دون أخرى. | ||
مراجع | ||
ابن عربی، محی الدین. (1393ش). الفتوحات المکیة. محمد خواجوی. ط2. طهران: دار مولی للنشر. أنوشه، حسن.(1376ش). القاموس الأدبی الفارسی. طهران: دار نشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامی. أحمدسعید، علی. (1380ش). التصوف والسریالیة. حبیب الله عباسی. طهران: دار سخن للنشر. أحمدی، بابک. (1376ش). أربعة شروح لتذکرة الأولیاء للعطار. طهران: دار مرکز للنشر. بیگزبی، سی. و (1375ش). الدادئیة و السریالیة. حسن أفشاری. طهران: دار مرکز للنشر. پارسا، سیدأحمد. (1388ش). «أنواع الأحلام والرؤى فی المثنوی». مجلة الأدب العرفانی. الدورة 1. الربیع والصیف. صص 33-58 ثروت، منصور. (ش1385). «الرؤیا ودورهات فی النصوص العرفانیة». اللغة والأدب الفارسی. دوریة کلیة الآداب والعلوم الانسانیة. جامعة تبریز. سنة 52. خریف وشتاء. صص 47-24 جهان تیغ، مریم. (1391ش). «التشابه الصوری فی الأدب السریالی فی تذکره الأولیاء للعطار». دراسة الشعر (بوستان الأدب- العلوم الاجتماعیة والإنسانیة) الخریف. الدوره 4. العدد 3 (الرقم التسلسلی 13). صص 18-1 فروزان فر، بدیع الزمان. (1361ش). شرح مثنوی شریف. طهران: دار ومکتبة زوار للنشر. کزازی، میرجلال الدین. (1385ش). الرؤیا ملحمة الأسطورة. طهران: دار مرکز للنشر. میبدی، أبوالفضل رشیدالدین. (1382ش). باهتمام علی أصغر حکمت. طهران: أمیر کبیر للنشر.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 301 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 130 |