تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,313 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,931 |
صورة أطفال الحجارة فی الانتفاضة الفلسطینیة الأولی عند نزار قبانی؛ ثلاثیة أطفال الحجارة أنموذجاً | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 5، دوره 9، شماره 33، شهریور 2019، صفحه 87-106 اصل مقاله (217.02 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
موسی عربی1؛ زهرا سهرابی کیا* 2 | ||
1أستاذ مساعد فی اللغة العربیة وآدابها بجامعة شیراز، شیراز، إیران | ||
2ماجستیر فی اللغة العربیة وآدابها بجامعة کاشان، کاشان، إیران | ||
چکیده | ||
بعد هزیمة العالم العربی النکراء التی تجرعها أمام الکیان الصهیونی، خاض نزار قبانی بقلمه فی ساحة حرب ضدّ الصهاینة واللوم على ساسة العالم العربی، حیث التحق بالانتفاضة وصنع من الحجارة بید الأطفال شعراً ثوریاً، لیجعلهم روّاد انتفاضة الحجر. فحاولنا فی بحثنا هذا وفی ضوء منهج وصفی تحلیلی أن نلقی الضوء على أهمّ ما أنشده نزار قبانی تحت عنوان "ثلاثیة أطفال الحجارة" ونرى کیف استطاع أطفال الحجارة أن یلعبوا دورهم فی ساحة المقاومة وکیف تجلّت صورتهم فی شعر نزار قبانی. ودراسة الأشعار تبیّن أنّ صورة الأطفال فی شعر الشاعر تأتی ردّا على نکسة الرجال الکبار أمام الصهاینة وتغافل المجتمع العربی إزاء قضیة "فلسطین" حیث تتجلى صورة أطفال الحجارة فی شخصیات یقاومون وینفجرون ویستشهدون عن الرجال الخونة المشغولین بتجارتهم ومقاهیهم وقصورهم ،کما یعید إلیهم هویتهم ولغتهم وأسماءهم العربیة، ضدّ حرکة الصهاینة لتهوید "فلسطین" وتاریخها وثقافتها ویبثّون الأمل والنور فی الظلمة وفی تصویر آخر یکسر هؤلاء الأطفال المقاومون بأحجارهم المتحوّلة إلى ماس ثمین، الأشعار التافهة للشعراء. | ||
کلیدواژهها | ||
الانتفاضة الفلسطینیة الأولی؛ ثورة الحجارة؛ أطفال الحجارة؛ نزار قبانی | ||
اصل مقاله | ||
أدب المقاومة یعتبر من الآداب الإنسانیة الرفیعة عند کلّ الشعوب والجماهیر، لرفض أنواع الظلم والاضطهاد والأفعال والأعمال القمعیّة والثورة علی مبانی الاستکانة ومفاهیمها والتعامل معها بأحسن وجه ممکن. ومن المواضیع التی ترتبط بهذا الأدب هی الانتفاضة. والانتفاضة «عمل مقاوم یندرج فی باب الاحتجاج، وهی عبارة عن ردّ فعل شعبی تلقائی ناجم عن الإحباط الشدید ووجود فراغ کبیر فی مواجهة الاحتلال، خصوصاً فی وقت تنحصر فیه المقاومة وتحاصر ویخلوا من آفاق التخلّص من الاحتلال، عندها تخرج الجماهیر لتعبر بطرق متعددة عما یعمل داخلها من ضیق.» (أبوعرفة، 2016م: 70و71)، وأنّها حرکة وثورة شعبیة وجماهیریة واسعة یشارک فیها جمیع أقشار الشعب والجماهیر، من کلّ الأعمار والشرائح فی آن واحد، کما أنّ الأطفال والصغار فی "فلسطین" یحملون مسؤولیة الأعمال والأفعال القتالیة والجهادیة علی أعتاقهم وأکتافهم ویساهمون فی الحرب، بدلاً من القیام بالأعمال الطفولیة التی تناسب أعمارهم ویقومون بالتغییر والإصلاح السیاسی والاقتصادی والاجتماعی للنیل إلی الحرّیة والاستقلال، کأنّهم کبار وشیوخ وحتی أشدّ وأغلظ منهم بکثیر فی المعارک المختلفة. وفی تعبیر آخر هی «مقاومة مستمرّة من مجتمع أو شعب لظلم وقع من قوة داخلیة ذات نفوذ وسلطان، أو من جماعة خارجیة أکثر قوّة، تهدف إلى سلب هویته وأرضه ومقدساته وإبادته وهی ظاهرة حضاریة، تسعى إلى تحقیق الدیمقراطیة والعدالة الاجتماعیة والحرّیة فی النظام السیاسی، وإلى بناء المجتمع وحلّ مشاکله المستعصیّة» (أبوالقرایا، 2008م: 27)، کما أنّها لصنع مجتمع إنسانی مثالی فی کافّة مظاهره الاجتماعیّة والسیاسیّة والاقتصادیّة وجمیع مقوّمات الحیاة بشؤونها المتعددة، تدعو إلی تحقیق بناء صارم ومقاوم فی مواجهة الأعداء والطغاة. منهج البحث یقوم هذا البحث بدراسة صورة أطفال الحجارة عند الشاعر نزار قبانی فی "ثلاثیة أطفال الحجارة" مستعیناً بالمنهج الوصفی_ التحلیلی الذی یعتبر أحد المناهج الهامّة التی تستخدم فی البحوث والدراسات والمقالات العلمیّة ویقوم بدراسة الظواهر العلمیّة خلال وصفها وصفاً علمیّاً دقیقاً ودراستها کما فی الواقع؛ لذلک یعدّ من أکثر المناهج العلمیّة شیوعاً واستخداماً فی البحوث العلمیّة. ومن أهمّ میزات هذا المنهج، أنّه یتعامل مع موضوع الدراسة تعاملاً واقعیاً ویوصفها وصفاً دقیقاً ویساعد الباحث لیتّخذ قرارات صائبة صحیحة، خلال الترکیز علی الشروح والتحالیل المتعلقة بالموضوع؛ لذلک یکون مناسباً لجمیع أنواع الدراسات الاجتماعیّة والمیدانیّة المتعددة والموضوعات الاجتماعیّة والإنسانیّة المختلفة. ومن مساوئ هذا المنهج تلاقی بعض الصعوبات لتعمیم النتائج الحاصلة. ومواد بحثنا فی هذه الدراسة، کانت الکتب والمقالات والأطروحات والرسائل الجامعیة ودیوان الشاعر. وقمنا بتحلیل مواد البحث تحلیلاً وشرحاً منطقیّاً علی حسب المستندات والأشعار والاستقراء فی دیوان الشاعر، بعیدین عن المشاعر والأحاسیس. خلفیة البحث هناک بعض الدراسات والبحوث لها صلة بالبحث الحالی، مثل: مظاهر المقاومة فی شعر مظفر النواب (1388ش) لحسن دادخواه، وناصر جابری، إذ یحاول البحث دراسة مظاهر أدب المقاومة فی شعر الشاعر وتبیین نزعته السیاسیّة المعارضة ضدّ الظلم والاستعمار. مظاهر أدب المقاومة فی شعر نزار قبانی (1389ش) لجواد سعدون زاده، حیث قام البحث بدراسة التطور النضالی والثوری الذی ظهر فی إبداعه الشعری والأحداث الرهیبة التی حلّت بواقع المواطن العربی، إذ هزّ الشاعر من الأعماق وفجّر فی کیانه شلالاً تدفّق منه أدب المقاومة. الوطنیة الصادقة فی شعر أحمد محرّم (1391ش) لحامد صدقی، وأحمد صاعدی، ویهدف البحث إلی دراسة رؤیة الشاعر وتوجّهه الوطنی وموقفه فی مواجهة المحتلّین والمتسلّطین علی الشعب. الوطنیة والمقاومة عند نزار قبانی (1392ش) لحسن سیدی، وسکینه صارمی گروی، حیث یدرس البحث جوانب الحیاة السیاسیّة ومواضیع المقاومة، بالصور الشعریة فی شعر الشاعر ویلقیء الضوء علی ملامح ومظاهر الوطنیة فی شعره. صورة الطفل فی شعر عبدالناصر صالح (2007م) لمحمد دوابشة، وقد سعی الباحث إلی استنطاق صورة الطفل فی شعر عبدالناصر صالح والوقوف علی محتواها الدلالی. جمالیات صورة الطفل فی شعر فدوی طوقان (2013م) لأسامة أبی سلطان، وتهدف الدراسة إلی کشف مواطن جمالیات صورة الطفل من خلال الموضوعات التی طرحتها الشاعرة والتشکیلات الفنیّة التی قدّمتها والوقوف علی القیمة الفنیّة التی مثّلتها صورة الطفل فی شعرها. صورة الطفل وأثرها فی شعر أحمد دحبور (2015م) لمیسون أحمد الشنباری، وقام الباحث بدراسة معالم الطفل والصورة التی تراوحت بین صور النضال والکفاح والتحدّی وبین الظلم والجور والفقر. والحقیقة أنها لا توجد أیة مقالة وبحث أو أطروحة ورسالة جامعیّة فی هذا الموضوع، لذلک نقصد وننوی أن نقوم بدراسة هذا الموضوع کبحث مستقل، لنکشف السّتار عن کیفیة حضور أطفال الحجارة فی میادین القتال والمعارک الاستشهادیّة الدامیّة ومدی مقاومتهم وصمودهم وجهودهم أمام عدوان بلدهم، عبر استخدام الحجارة تجاه أعدائهم المسلّحین بل المدجّجین بأکمل السلاح وأنواع الأدوات القتالیة والهجومیة والدّبّابات والمسدّسات والسلاح الناری والصواریخ وأسلحة الدمار الشامل و... ومن خلال دراستنا هذه نمهّد الطریق للباحثین الآخرین للکتابة والبحث والدراسة والنقد والتحلیل فی هذا الموضوع والمواضیع التی تندرج فی إطار الموضوع وتتعلّق وترتبط به ارتباطاً وثیقاً. وخلال دراستنا علی أساس المنهج المذکور ومواد البحث وصلنا إلی أنّ أطفال الحجارة فئة من فئات المقاومة الفلسطینیة للواقع الذی فرضته قوات الاحتلال الصهیونی، الذین یقاومون آلیة الحرب الإسرائیلیة وقواتها المدجّجة بأنواع السلاح، دون أی سلاح إلّا الحجارة، وخلال ما یعتلج فی صدرورهم من الثورة والصمود والکفاح والتحدّی وما یمتلکون من الأمل والبعث والحیاة والحیویة وما یتمیّزون به من الإقدام والبطولة والجسارة والصّبر والتحمل والتضحیة والإیثار ورفض العجز والهوان والضعف والتغلب علی الواقع الألیم ورصد مدی آلام الشعب الفسطینی ومحنهم تحت وطأة الاحتلال، وما یهدفونه من إزالة الظلم الحاکم علی أهالی هذه البلدة وإعادة الوطن إلی مساره الصحیح، حیث لم یظفر الاحتلال والصهاینة والأعداء لیزرع الخوف فی قلوبهم، ولم یمنعنهم من تحقیق مآربهم، هکذا یبدون للصهاینة وکلّ العالم مدی مقاومتهم للاحتلال الإسرائیلی وما لهم من تأثیر إنسانی عمیق فی النفوس البشریة.
أسئلة البحث 1_ ما هو دور أطفال الحجارة فی الانتفاضة الفلسطینیة الأولی؟ 2_ لماذا وکیف تتجلى صورة أطفال الحجارة فی شعر نزار قبانی؟ الانتفاضة الانتفاضة هی حرکة ثوریة جماهیریة واسعة من کلّ فئات العمریة وجمیع شرائح المجتمع الإنسانی، بالانتماءات البشریة المشترکة خلال الفترات الزمانیة والمکانیة المتعددة التی تتجسّد حسب القدرات والطاقات الکامنة والبارزة لکلّ من یقع تحت وطأة هذه الظاهرة الکبیرة وقطاعها الشمولی، حیث تعتمد علی الحرکة والجهاد والإجماع الجماهیری والاستفادة من جمیع الخبرات والتجارب الشعبیة المؤدّیة إلی النجاح والظفر واستخدام کافّة أدوات المحاربة والمقاومة فی مواجهة الأعداء والمستکبرین والطغاة الذین تسلّحوا وتزوّدوا بأنواع الأدوات القتالیة والسلاح والصواریخ والدبابات ولو کانت أداتهم الوحیدة الحجر فحسب. الانتفاضة الفلسطینیة إنّ الانتفاضة الفلسطینیة تمثّل مدی رفض الفلسطینیین لأنواع الاحتلال وسیاساته وتشیر إلی کیفیة دفاعهم عن حقوقهم وتقریر مصیرهم ومناضلة الانتهاکات والمذابح البشعة بحقوقهم، حین استخدموا طرق عدیدة للمقاومة الشعبیة مثل المشارکة فی المسیرات والمظاهرات الشعبیة الحاشدة وإقامة الصلاة فی المساجد وإحیاء المناسبات الوطنیة والدینیة الهامّة المؤثّرة على الصعد الوطنیة والدولیة. ولم تتوقف الأعمال النضالیة والجهادیة للشعب الفلسطینی ومقاومتهم بل ازدادت یوماً بعد یوم، حیث کانوا یحملون فی طیّاتها شدّة ونقمة وشراسة وکرها ومعاداة للإسرائیلیین وعناصرهم وأیادیهم ومکائدهم ودسائسهم ومؤامراتهم اللابشریة فی المجازر والإبادة الجماعیة، حین مارسوا الکفاح والجهاد بصمودهم ومقاومتهم فی بلادهم واستقاموا أمام تحدیات وممارسات الاحتلال بأنواعها البشعة وعبرّوا عن رفضهم وصمودهم تجاه الاشتباکات الدامیّة والدمارات الشاملة الوسیعة باستخدام الأحجار واتخاذ أنواع المواقع المتعارضة والإضرابیة ضدّ کیان العدو وعدم التخلّی عن مواقفهم وکتابة الشعارات العدیدة علی الجدران، داعین إلی ممارسة المکافحة والمحاربة لتحسّن الظروف وزرع الرّعب والخوف فی نفوس المستکبرین الطّغاة والاستخفاف بهم واحتقارهم فی أنحاء العالم. الانتفاضة الفلسطینیة الأولی أو انتفاضة الحجارة حدثت الانتفاضة الفلسطینیة الأولی أو ثورة الحجارة سنة (1987م) فی الأراضی الفلسطینیة المحتلّة للمعارضة ضدّ الظلم والاستعمار والتمرّد والتشرید والمحافظة علی الوطن ومظاهر الوطنیة وما یرتبط بها. «ولقد انطلقت الشرارة الأولی لهذه الانتفاضة من داخل مخیم "جبالیا" لللاجئین الفلسطینیین، الواقع فی شمال مدینة "غزة" الساحلیة، عقب أن أقدم سائق شاحنة إسرائیلی علی صدم أربعة عمّال، من عمّال هذا المخیم بشاحنة، الأمر الذی أدّی إلی استشهادهم فی الحال، ومن هذا المخیم لللاجئین الفلسطینیین، امتدّت فاعلیات الانتفاضة الفلسطینیة الأولی ضدّ قوات الاحتلال الصهیونی إلی جمیع الأراضی الفلسطینیة، احتجاجاً علی استشهاد العمّال الفلسطینیین، بما فیها الأراضی الفلسطینیة المحتلّة منذ عام 1948م، وسارت المظاهرات الحاشدة والغاضبة فی معظم المدن والقری فی الأراضی الفلسطینیة الواقعة تحت الاحتلال الصهیونی وقد أدّی ذلک إلی صدامات دامیّة مع القوات الإسرائیلیة.» (قنیبی، لاتا: 196) وقد عُرفت الانتفاضة الفلسطینیة الأولی باسم "ثورة الحجارة" لأنّ الحجر کان من أهمّ الأدوات التی تسخدم مباشرة ضدّ الأعداء وکان سلاحاً فعّالاً ضد المستوطنین الأجنبیین والإسرائیلیین وقواتهم وجیوشهم، کما کان الحجر یعدّ من أشهر أسلحة الانتفاضة عند الکتلة المعارضة فی مواجهة العدوان، حین کان یهاجم العدو بأرقی أدوات العنف والارهاب والسلاح متعاوناً مع الغطرسة العالمیة. مظاهر الانتفاضة وأثرها علی المجتمع الفلسطینی استمرّت الانتفاضة الفلسطینیة الأولی سبع سنوات وهذا الاستمرار وعدم الاستسلام والتخاذل والخنوع، أثار قلق وخوف وحیرة الإسرائیلیین وأثّر تأثیراً سلبیاً علی سمعتهم فی العالم. وکانت تسعى الانتفاضة إلى التذکیر بأنّ «ما تعرّض له المجتمع الفلسطینی طوال أکثر من قرن من الزمان، إنّما هو امتداد لما حلّ بالإنسانیة من عسف وظلم واستعباد من الحکام المستبدین أو من المحتلّین وأنّ ما یقوم به الفلسطینیون جزء من إتمام تخلّص البشریة من مثل هذه الأمراض، لذلک فهی تسعى إلى التأثیر فی الرأی العالم العالمی، وتدعو الشعوب للتعاطف معها والضغط على حکومتها، لتفعل شیئاً لمصلحة الإنسانیة. ورغم المساعی الصهیونیة فی منع وصول صوت الانتفاضة إلى العالم ومحاولة تمزیق الرسائل قبل وصولها، إلّا أنّ تطور وسائل الاتصال فی العالم أفقدها السیطرة الکاملة.» (أبوالقرایا، 2008م: 97) لذلک انتفاضة الشعب الفلسطینی المقاوم أثارت إعجاب العالم بأسره؛ لأنّها واصلت مسیرها لسنوات عدیدة وتابعته اتباعاً حیّاً متنامیاً مع المشارکة الفعّالة المستمرة لجمیع فئات الشّعب الفلسطینی والشریحة الکبری من الوطن، لاسیّما الأطفال الأبریاء الذین قاوموا دبابات العدو وسلطاتهم وأعمالهم العدوانیة بالحجارة فحسب. و«أثّرت الانتفاضة أوّل الأمر علی طلبة المدارس والجامعات الذین أخذوا یطلقون الحجارة تجاه جنود الاحتلال ومرکباته ومجنزاته، فیقذفون الحجارة إمّا بواسطة مقلاع أو المنجنیق الحجری وکانت المسافة بین المتظاهرین وقوات الاحتلال فی الأیام الأولی کبیرة، ثم صار الخوف یزول من صدر الشبان شیئاً شیئاً، فصاروا یخترعون أسالیب متعددة فی إلقاء الحجارة لتصیب الجنود بشکل دقیق ومباشر، حتی غدت الانتفاضة تسمّی ثورة الحجارة، الأمر الذی أفقد الجنود صوابهم، فصاروا بدورهم یطلقون قنابل الغاز المسیل للدموع والرصاص الحیّ والمطاطی، مستهدفین المتظاهرین مباشرة.» (أبوعرفة، 2016م: 79)، وهذا یعنی أنّ دور الأطفال الفلسطینیین تغیّر فی الحیاة. والحرب والقتال وتراشق الحجارة، أصبح من وظائفهم وأدوارهم الرئیسیة بدلاً عن الذهاب إلی المدرسة واللعب. وفی الحقیقة تبدّلت مدارسهم إلی معارک ومیادین القتال التی یتعلّمون فیها مظاهر متعددة من المقاومة. والحجارة احتلّت مکان أقلامهم ودفاترهم وکتبهم الدراسیة، لیقاوموا بها الاحتلال والذّلّ والاستکانة وهم یتربّون علی المقاومة والمکافحة وعدم الخوف والذّلّ، لذلک لابدّ أن یعترف العالم بأنهم أطفال کبار، أجسامهم صغیرة، لکنّ أعمالهم وأفعالهم کبیرة. أطفال الحجارة والانتفاضة تجلّت الانتفاضة الفلسطینیة الأولی بمظاهرها الرئیسیّة تجلیاً بارزاً وأساسیاً فی الأطفال الفلسطینیین، الذین کانوا یواجهون الأعداء واعتداداتهم احتجاجاً جماعیاً باستخدام آلیة دفاعیة واحدة وهی الحجارة. وخلال مقاومتهم هذه، کانوا یرسمون أروع صورة من صور البطولة والشجاعة والشموخ والمقاومة والإیثار ولهم من فاعلیة وأثر فی حثّ الناس وتأجیج الحماس فیهم،کما یحرصون علی حمایة وطنهم وهویتهم الوطنیة والاستقلال والحرّیة من جمیع مظاهر الاستعباد والاسترقاق والاستبداد وتحریر بلدتهم من قبضة العدو الغاشم. وهکذا أحدثوا صدمة صارمة فی الضمیر العالمی. وقد استخدم الجیش الإسرائیلی کلّ ما لدیه من أدوات القمع والتنکیل والقتل وکافّة أنواع الأسلحة والذخائر لقمع انتفاضة الشعب الفلسطینی، فقتل أعدادا کبیرة من أبناء هذا الشعب وجرح الآلاف منهم، وقد أدّت إصابات العدید منهم إلی إعاقات دائمة لدیهم، وإلی عاهات مستدیمة مختلفة وزجّ الصهاینة فی سجونهم، الآلاف من أبناء الشعب الفلسطینی ونفی أعداد کبیرة منهم إلی خارج أرضهم.» (قنیبی، لاتا: 197) وهم جیل المعاناة، لأنّ الممارسات الإسرائیلیة حوّلت منازلهم ومدارسهم إلی ساحات للصراع، ونقلت المعاناة إلی تفاصیل حیاتهم الیومیة ولم یتحقق ما هدفت إلیه من إبعاد للأطفال عن الصراع وإرهابهم بل زادتهم وعیاً بطبیعة الصراع وجعلتهم أکثر إصراراً علی الصمود والمقاومة ولم یجدوا أمامهم إلّا الحجارة، سلاحاً صغیراً رمزیاً یحاولون فیه ردّ الاعتبار لأنفسهم ولطفولتهم التی حرموا منها.» (الحیلة، 2008م: 16) وعلی إثر هذه الأحداث والوقائع، عبّر هؤلاء الأطفال عن امتعاضهم وغضبهم عن احتلال أراضیهم والاعتقال والتنکیل والتعذیب والمجازر التی حلّت بهم من قبل السلطات الصهیونیة وندّدوا سیاساتهم واجراءاتهم القمعیّة والهجومیّة التی تمارس ضدّهم وخرجوا ضدّ الجرائم المختطة المنظّمة، بالحضور فی المظاهرات والمسیرات العارمة، هاتفین شعارات ثوریة معارضة للکیان الصهیونی والسلطات الطاغیة ومقابلتهم وإقامة المتاریس فی شوارعهم، حیث حالوا دون تسلّل قوات الاحتلال ورشقوهم بالحجارة والمعلاق لتحقیق الأمن الوطنی. وهم أحرار یرفعون أصواتهم، لإدانة الصهیونة ویرفضون الذّلّ والهوان وعدم الصمت تجاه الجرائم المرتکبة بحقّهم، حیث أشعلوا نیراناً للجهاد والحماس والمقاومة، لیحثّوا أبناء بلدتهم وشعبهم علی الصمود والمقاومة والتشبّث بالأرض ویعلّمونهم کیفیة التحدّی والإصرار علی المحاربة والنضال، وتغییر الواقع المرّ الذی یعیشون، حتی لایتنازلون عن شبر واحد من وطنهم ویرسخون روح التحدّی والصمود والمقاومة فی نفوسهم وعدم الخنوع والمساومة مع العدو، وعدم الاستسلام للظلم والقیود، وعدم الفرقة والشتات، لاسترجاع الحقوق المغتصبة، لکی یستطیعوا الحفاظ علی کیانهم وأخذ وطنهم وأرضهم من المغتصبین، والعیش بسلام وأمان فیها، ویعلّمون العالم کیفة النضال والمقاومة والصمود، کما یرسمون طریق الأمل والنصر والظفر،کلّ هذا یرجع إلی حبّهم وتعلّقهم بالوطن والأرض. أطفال الحجارة عند نزار قبانی لاغرو بأنّ أدب المقاومة والصمود والمواجهة مع الاحتلال والاستکبار والظلم والطغیان أصبح لوناً بارزاً من الأدب الفلسطینی شعراً ونثراً، حیث یسجّل حیاة الشعوب والجماهیر الفلسطینیة ومدی آلامهم ومأساتهم وتشردهم والفجائع التی استولت علی الرجل والمرأة والطفل وأخذت أحلامهم وآمالهم الوردیّة وجعلتها منسیّة دامیّة. والشاعر نزار قبانی من ضمن الشعراء الذین رکّزوا علی صورة أطفال الحجارة فی الانتفاضة الفلسطینیة الأولی فی قصائدهم ومن أهمّ دیوانه حول هذا الموضوع "ثلاثیة أطفال الحجارة" حیث یشید بأطفال الحجارة وما فعلوه فی هذه الانتفاضة فی مواجهة الاحتلال الصهیونی والغاصبین المعتدین والمحتلّ الغاشم، وکیفیة هجماتهم ضدّ العدو الصهیونی ورفضهم الصّمت والخذلان والسعی إلی التحریر والخلاص، وتمکین الفلسطینیین من تقریر مصیرهم، والدفاع عن وطنهم وکیانهم وشرفهم وآمالهم المتهدّمة، محققین النّصر والظّفر، کما یقول الشاعر: بَهَرُوا الدُّنیَا وما فی یَدِهِم إلّا الحِجَاره وأضَاؤوا کالقنادیلِ، وجاؤوا کالبِشَارَه قاوَمُوا.. وانفَجَرُوا.. وَاستُشهِدُوا وبقینا دُبَباً قُطبیّةً صُفِّحَت أجسادُها ضِدّ الحَرَارَه قاتلُوا عنّا إلى أن قُتِلُوا (قبانی، 1988م:16و17) یصف قبانی الأطفال الفلسطینیین ویشید بذکرهم بأنّهم یقاومون أمام أعداء الوطن ویواجهون العدو الصهیونی الغاشم بالحجارة فحسب وهذا قد أثار إعجاب العالم، وهم صاروا کالقنادیل، حیث یضیئون طریق النصر والنجاح والنجدة والخلاص للآخرین، کما صاروا کالبشارة والهدی فی إرشاد أبناء بلدتهم وشعوبهم وجماهیر العالم إلی سبل المقاومة والمجاهدة والنّضال والتحدّی تجاه أعداء الوطن وقاوموا الأعداء وقوی الاستبداد والاستعمار مقاومة صارمة حتی استشهدوا فی هذا الطریق، بینما یشیر الشاعر إلی الکبار والأناس والأشخاص الذین کانوا بعیدین عن میادین القتال والحرب والمقاومة وبقوا صامتین، جامدین کالدبب القطبیّة دون أیة مشارکة قتالیّة وفعالیّة جهادیّة فی مواجهة أعداء الوطن، والأطفال الصغار قاتلوا وکافحوا الصهاینة بدلاً منهم وقاتلوا وحاربوا من أجلهم حتی استشهدوا.
ثنائیة أطفال الحجارة والخونة ومن الواضح بأنّ أطفال الحجارة لم یستعملوا السلاح فی الانتفاضة تجاه الطغیان الصهیونی، بل کانت مقاومتهم من خلال رمی الحجارة على قوات الاحتلال، رغم القیود والظلم والقهر والقسوة، حیث أصبح الحجر ملاذاً لهم ورمزاً لصمودهم وزادت الانتفاضة فی انتمائهم الوطنی، حیث خلقوا هویّة فلسطینیّة مناضلة ضد الاحتلال بالشجاعة والإقدام والقوة والهیمنة والهیبة والثبات والصمود، وعدم الاستسلام للظلم والقید، کما ینشد الشاعر: وجَلسنا فی مَقاهینا، کبَصّاقِ المَحارَة واحدٌ یبحثُ منّا عن تجارَة واحدٌ یطلبُ ملیاراً جدیداً وزواجاً رابعاً ونُهُوداً صَقَلتهُنّ الحَضَارَة واحدٌ یبحثُ فی لندنَ عن قصرٍ مُنیفٍ واحدٌ یعملُ سِمسَارَ سلاحٍ واحدٌ یطلبُ فی الباراتِ ثارَة واحدٌ بیحثُ عن عَرشٍ وجیشٍ وإمَارَة آه یا جیلَ الخیاناتِ ویا جیلَ العُمُولاتِ ویا جیلَ النِفَایاتِ ویا جیلَ الدَعَارَة سوفَ یجتاحُکَ –مهما أبطَأ التاریخُ- أطفالُ الحِجَارَه (المصدر السابق: 17_20) فی هذا المقطع یوبّخ قبانی الشعب العربی والجماهیر والشعوب الذین کانوا مشغولین بأعمالهم الاقتصادیّة والتجاریّة والاجتماعیّة والمَهَنیّة وکانوا مهتمّین بآمالهم وتطلّعاتهم الدنیویة والمادیة ویسعون لتحقیق أهدافهم المنشودة وحوافزهم المطلوبة ومتطلّباتهم المختلفة، دون أی اهتمام بالأطفال الفلسطینیین الذین یعیشون الواقع المأساوی والظروف الصّعبة التی غیّرت حیاتهم الطبیعیة، وهذا العالم القاسی الظالم بدلاً من الذهاب إلی المدرسة واللعب، یجبرهم علی القیام بأعمال تتجاوز أعمارهم وهم محرومون عن حقوقهم فی الحیاة ویجادلون الموت والحیاة. کما ندّد غفلة هؤلاء الناس عما یحدث حول هؤلاء الأطفال من الظلم والاستبداد والقهر والعذاب والدمار وما یتعرّضون له جسدیاً وروحیاً من الأحداث والوقائع الجسام واغتصاب حقوقهم المادیّة والمعنویّة وفقدان مظاهر الحیاة والعیش الکریم وطفولتهم، علی ید المستکبرین والمستعبدین، ویرسم صورة مؤلمة وحزینة ومفجعة وفظیعة من حیاة المجتمع الفلسطینی الملیئة بالآلام والمحن والشدائد وصعوبات العیش ویبیّن المسائل والقضایا السیاسیّة والاجتماعیّة والإنسانیّة التی یعانی منها هؤلاء الأطفال فی أوطانهم خاصة والعالم العربی عامّة ومدی غفلة العرب وشعوب العالم بالنسبة إلی هذه الأفعال والأعمال والأحداث والوقائع.
إعادة الهویة یقوم الشاعر بتوصیف المجتمع الفلسطینی قبل ظهور أطفال الحجارة ویصف بأنّ قبلهم الشعوب والجماهیر ومن ضمنهم الکتّاب والشعراء والأدباء، کانوا فی حالة من النوم والغیبوبة والجهل والغفلة،کما کانوا منفعلین بالنسبة إلی مصیر بلدتهم وما یحدث فیها من القتل والدمار والهلاک وأیقظهم هؤلاء الأطفال بأعمالهم النضالیّة وأفعالهم القتالیّة ونشاطاتهم الجهادیّة وأخرجوهم من الغفلة والنوم وأعادوا إلیهم الدفء والحرارة، حین کانوا یعیشون فی البرد والظلام ورسموا لهم طریق النصر والنجاح والمثابرة والصمود والحریة وأعطوهم هویة وانتماء عربیّة أصیلة وأحدثوا تغییراً جوهریاً فی مؤلفات الشعراء والأدباء والکتّاب وغیّروا فحوی قصائدهم وأشعارهم ونصوصهم من خلال حدوث انقلاب رئیسی وأساسی فی لغتهم ومفرداتهم وتعابیرهم وکلامهم وثقافتهم: مَن هُم أطفالُ الحجارة؟ ماذا فَعَلوا بلغتنا، بکلامنا، بتعابیرنا، بمفرداتنا، بشعرنا بنثرنا، بذاکرتنا البلاغیة، بخطابنا الشعری الیومیّ والمألوف؟ أهمُّ ما فی أطفال الحجارة أنّهم قاموا بانقلاب فی ذاکرتنا الشعریة واللغویة والقومیة والثقافیة ، وأحدثوا (خَضَّة) فی دورتنا الدمویّة قَبلَهُم کَنّا فی حالة غیبوبة، فرشُّونا بخراطیم المیاه، وأخرجونا من غرفة العنایة الفائقة قَبلَهُم، کان الشارعُ العربیّ بارداً کالأسماک المجلّدة فأعادوا إلى أطرافنا الدفء والحرارة قَبلَهُم کنّا یتامى وجاءوا هُم، فأعطونا هویةَ الانتماء، وأعادوا إلینا أسماءَنا العربیّة (نفسه: 10) هم الشریحة الأهمّ فی "فلسطین" والانتفاضة عندهم طور من أطوار الجهاد والمقاومة والمسیرة النضالیّة وصور المآسی الإنسانیّة، حیث شارکوا أنواع الجهاد والمظاهرات والاضطرابات والمسیرات الشعبیّة والأعمال الاحتجاجیّة. والحجارة بیدهم مفتاح للوصول إلی الحرّیة والنصر والنجاح والظفر. وفیهم میزات أساسیّة أمام عدو غاصب محتلّ من القداسة والبراءة وروح التمرّد والثورة والتضحیة وعدم قبول الخزی والعار والذّلّ والمهانة والخروج علی القیم الإنسانیّة والاعتزاز بالعروبة والقومیّة العربیّة ولهم الأثر الواضح فی تغیر المصیر، وجهد للوصول إلی غایة سامیّة رفیعة لإنارة الدرب للآخرین، مهما هم یعیشون بمعزل عن البیئة الدولیّة ویجرّبون حیاة قاسیّة ومؤلمة، تذهب بأحلامهم وأمنیاتهم وهم عالقون فی سجن کبیر، یعانون من کافّة أنواع الأحداث والوقائع الجسام والویلات والعذاب وسیطرة الأسی والحزن والیأس علی حیاتهم وصنوف من الحرمان والجوع والمعاناة والقهر والحصار والآلام والجراح التی تؤثر علیهم وعلى مستقبلهم وحیاتهم ومواجهة العدو الذی یستخدم أنواع وسائل التدمیر. وکلّ هذه لاتزیدهم إلّا حبّاً للأرض والوطن وقدرة علی محاربة الأعداء والطّغاة والتحلّی بالعزة والکرامة والحرّیة والاستقلال والانبعاث والنصر المحتوم وإشراق الحیاة من جدید.
نداء الأمل إنّ الشعب الفلسطینی فی الأیام الانتفاضة کان یعیش فی حالة من الإحباط والانکسار والقنوط والفشل وکانوا یجرّبون أنواع الحروب والمفاوضات والثورات والفتن السیاسیّة والاقتصادیّة والاجتماعیّة والثقافیّة وقد استولت علیهم الظلمة والخیبة وخیّم علیهم الفقر والفاقة والحرمان والجهل والیأس، حتّی جاء أطفال الحجارة وغیّروا کیفیة عیشهم وطرق حیاتهم وأعطوهم الضیاء والنور والأمل وحاولوا صیانة أمّتهم وعروبتها وأصالتها وعدم خضوعها أمام الأعادی والطغاة والأشرار المستبدین المغتصبین وسعوا أیضاً لاستنهاض إرادة الشعب والجماهیر، للدفاع عن الوطن وأرضه وکیانه، أمام الأعداء والصهاینة والهجوم علی کلّ ما یهدّد نظامهم وکیانهم وممتلکاتهم والحصول علی الکرامة الانسانیّة وإزالة الاستبداد والاستعمار والطغیان والظلم والجور بألوانه المختلفة والسعی إلی بثّ الأمل والتفاؤل فیهم: وأهمُّ ما فی أطفال الحجارة: أنّهم حملوا إلینا المطرَ .. بعد عصورٍ من العطش وحملوا إلینا الشمسَ .. بعد عصورٍ من الظلام وحملوا إلینا الأملَ .. بعد عصورٍ من الإحباط والانکسار أهمُّ ما فی أطفال الحجارة: أنّهم قلبوا الشاحنةَ التی کانت تسیر بسرعة عشرة أمتار کلّ أربعین سنة .. والتی کانت تسیر على حطب الصبر، واستبدلوها بطائرة کونکورد تطیر على نار الغضب... (نفسه: 11و12) وهؤلاء الأطفال هم المقاتلون والمناضلون والمحاربون فی الساحات النضالیّة والقتالیّة وما آلت إلیه أوضاعهم فی ظلّ الاحتلال الصهیونی وهم المدافعون عن الوطن المسلوب ولایعرفون الخوف والقلق والفزع والجزع، حیث یقهرون العدو الغاصب وقسوة الاحتلال بصرخاتهم وأصواتهم المدویّة، لما شعروا به من الاستهانة والاستهتار وأنواع الکوارث والأحداث والظروف القاسیة التی یتعرّضون لها جسدیاً ونفسیاً وتشرید من أرضهم ووطنهم، لذا یرفضون الذّلّ والصّمت والخنوع والمهادنة والمساومة إزاء الصهاینة، بما یحملون فی طیّاتهم روح النضال والتحدّی والمقاومة والصمود ضد المحتلّین، والنفوس الأبیّة والهمّة العلیا التی ترفض الضیم والهوان من أجل الدفاع عن الأرض واستعادة الوطن وتحقیق العزة والعیش الکریم.
زجاج القصیدة العربیة فی رأی الشاعر مقاومة أطفال الحجارة ونضالهم أثناء الانتفاضة کانت فی البدایه تشبه الشاحنه التی تسیر علی حطب الصبر وهذا یدلّ علی البطیء والهدوء، لکنّ بعد فترات کانت تشتدّ علی مرّ الزمان وکانت تتقدّم رویداً رویداً وکانت تزداد یوماً بعد یوم کطائرة الکنکورد التی تطیر على غضب النار وهذا ینمّ عن السرعة والخفة ومن خلالها أصبح هولاء الأطفال، الثائرین المناضلین، رغم صغر سنهم وصمودهم الکبیر، وکان لهم دور بارز وفعّال فی مقاومة الظلم والقهر والضیاع والتهجیر والتشرید والدعوة إلی الوحدة والحثّ علی الجهاد والقتال والموت فی سبیل الوطن واستنهاض الهمم علی الثورة والمقاتلة والشهادة وتعلیم کیفیة الاستراتیجیة والحرب والنضال والابتعاد من الضعف والازدراء والهوان والبقاء علی قید الحیاة الکریمة والسلیمة والهادئة والوقوف فی وجه العدو الغاشم المحتلّ ومن یرید طمس الوطن ومحو معالمه: إنّ الحجر الفلسطینیّ نسفَ إمارة الشعر من جذورها، وصار هو أمیرَ الشعراء بلا منازع. فالحجر الفلسطینی لم یکسر زجاجَ البیت الإسرائیلی فقط وإنّما کسر أیضا زجاجَ القصیدة العربیّة، ووضعها أمام الأمرالواقع، وغیّر هویّتها، وخصائصها، وملامحها الخارجیة والداخلیة. إننی أعتقد أنّ أطفال الحجارة، نقلوا الشعر العربی من حالٍ إلى حال، ومن مرحلةٍ على مرحلة. کما أعتقد أنّهم أدخلوا الشعر العربی إلى حداثةٍ من نوعٍ جدید، هی حداثة المعاناة الواقعیة التوریة، لا حداثة الغموض، والتغریب، والدهالیز الباطنیّة. وهکذا أسقط أطفال الحجارة ـ من جملة ما أسقطوا الخطاب الشعری القدیم، إلى جانب الخطاب السیاسی القدیم، وفتحوا أمامنا أبواب الثورة .. والحرّیة .. والحداثة زجاج القصیدة العربیّة على مصراعیها (نفسه: 13) قد أصبح الحجر الفلسطینی کائناً حیّاً یحسّ وینفعل ویقاوم وصار من الوسائل الفعّالة فی إذکاء روح النضال والتشبّث بالأرض وإثارة الحماس والسلاح الرئیسی إزاء عدوّ شرس وإدانة التخاذل والعجز العربی والرّفض والتمرّد للواقع الألیم، کما یعتبر بمثابة صرخة، یصف الطفل الفلسطینی الجسور والمقدام والفارس والبطل والثائر فی المقاومة ویخرجهم من حالة الضعف والاستکانة إلی حالة القوة والإرادة الصلبة. ولاشکّ أنّ الحجارة کسرت زجاج القصیدة العربیّة وغیّرته فی الأدب العربی ووضعت تأثیره وفعالیته علی ما ینشده الشعراء فی الأرض المحتلّة وأطفال الحجارة باستخدام الحجر، قاموا باستذکار تاریخهم المجید لیبعثوا فی نفوس الآخرین حبّ الوطن والاعتزاز به والتفانی والتضحیة من أجله، بکلّ ممتلکاتهم المادیّة والمعنویّة ویکشفون السّتار عن مدی أهمیة حفظ البلاد من ید الطغاة وصیانة أرض الوطن وکیانه ویجهدون لإحیاء روح المقاومة والجهاد والحماس فی أبناء بلدتهم والمشارکة فی الکفاح المسلّح فی مواجهة الاحتلال والقضاء علیه وتحطیم قیود الاستعمار والاستبداد والعبودیّة والأنظمة الفاسدة والسیاسة الظالمة وصارت المقاومة مقوماً أساسیّاً ورئیسیّاً من مقومات حیاتهم، حیث یبذلون قصاری جهدهم لحفظ وطنهم وصیانة کیانه ویسیرون علی دروب الشهادة للوصول إلی الحریة والکرامة والعزة وتحقق النصر المنشود والظفر المطلوب. صیرورة لوازم أطفال الحجارة أطفال فلسطین هم الناطقون بأحوال مجتمعهم ولهم دور هامّ وجوهری فی أعمال نضالیة علی أرض الواقع والدفاع عن الوطن، بأیدیهم الناعمة وقلوبهم الطاهرة والتحلّی بروح المقاومة والصمود والتضحیة والرّفض أمام الاحتلال الصهیونی الغاشم وهم الأبطال الصغار الشجعان والمناضلون والمجاهدون والثوّار واستخدام الحجر عندهم معادل موضوعی للجهاد والمحاربة ولباسهم الشجاعة والإقدام وهدفهم غرس الرعب فی نفوس الطغاة والأعداء وبزوغ فجر الحریّة والاستقلال من جدید وإعطاء الحیاة والعزة والمجد والعظمة للآخرین وهم الذین یلقّنون الأعداء والطغاة دروس الشجاعة والمقاومة من أجل صیانة الوطن والدفاع عن مقدساتهم واستعادة المجد والعظمة بنفوسهم الأبیّة ودمائهم المقدسة التی ترسم طریق الظفر والتخلّص من الأحداث والوقائع التی یسببها الأعداء، کما یستنهضون همم الآخرین ویوقظونهم من الغفلة ویبثّون فیهم روح الحماس ویغرسون حبّ الجهاد والدفاع عن البلد فی نفوسهم بما یحملونه من عظمة وعزیمة وإباء ویعلّمون العالم کیفیة النضال والصّمود فی وجه الطغاة،کما یعلّمونهم معنی القتال والحرب: یا تلامیذَ غَزَّةٍ ... عَلِّمُونا .. بعضَ ما عندکم فنحنُ نسینا عَلِّمُونا بأن نکونَ رجالاً فلدینا الرجالُ .. صارُوا عجینا.. عَلِّمُونا کیفَ الحجارةُ تغدُو بین أیدی الأطفال،ِ ماساً ثمینَاً کیفَ تغدُو دَرّاجةُ الطفلِ لُغماَ وشریطُ الحریرِ .. یغدو کمیناً کیف مَصّاصةُ الحلیبِ إذا ما اعتقلُوها تحوَّلَت سِکّینا ............ واطرُدُوا من رؤوسِنَا الافیُونا عَلِّمُونا فَنَّ التشبُّثِ بالأرضِ (نفسه: 23و 24و30) إنّ درّاجتهم تحوّلت إلى لغم ومصاصة الحلیب إلى سکّین وألعابهم الطفولیة إلى الحجارة، لیصوروا مدی بشاعة الاحتلال والعدو الغاصب وحاولوا محاولة فعّالة لرفض الواقع الألیم عن طریق الارتکاز علی تشبّثهم بجذورهم الفلسطینیة والإیمان بالقدرة علی تغییر الظروف من أجل خلاص الإنسان والبشریة من القتل والدمار والبغی والعدوان، مهما کان الطریق طویلاً وصعباً وعسیراً. کما أنّ حبّ الوطن والتفانی من أجله متشرّب فی عروقهم بکلّ ما تحمل الکلمة من معنی، لذلک یقاومون تکالب المصائب والنکبات وتشدّد الأزمات والأعمال الاستعماریّة ویحاربون تزاید الظلم والقمع والتشرید ویکافحون أنواع الظلم والجور والاستعمار والاستبداد ویقاتلون الإرهاب الإسرائیلی بلغة الأحجار ودلالاتها المختلفة ویقدّمون الغالی والنفیس من أجل وطنهم وأرضهم ویجاهدون بکلّ ما أوتوا من قوة وسلاح، مهما أراد الصهاینة قتل روح المقاومة فیهم، هکذا یدعون أبناء بلدتهم وشعوب العالم إلی الکفاح من أجل الحصول علی الکرامة الإنسانیّة وإزالة الاستبداد والظلم بألوانه المختلفة، بتوعیة الشعب واستیقاظ هممهم، کما یتمرّدون علی الخنوع والعبودیة والظلم وارتکاب أنواع الجرائم والمجازر وسفک الدماء ویقفون أمام الطغاة المحتلّین وقسوتهم عن طریق تحمل المشاق وبذل النفوس فی سبیل الوطن والوقوف أمام عدو متمرّد وهدفهم المنشود هو التحرر والاستقلال والخلاص والانتصار من أیدی المغتصبین وصنع مستقبل باهر ملیء بالسعادة والفرح والطمأنینة والهدوء والهناء. وهؤلاء الأطفال من خلال صیحاتهم ومعاناتهم وعذاباتهم تحوّلوا إلی دروس وألحان الإرادة والإقدام والصمود والتحدّی والنضال لجمیع شعوب العالم، ویعلّمونهم بأنّهم قادرون علی الثورة وتغییر واقعهم وصنع مستقبل زاه وأفضل.
النتیجة یمکن القول إنّ لغة نزار قبانی فی أشعاره عن أطفال الحجارة لغة احتجاجیّة، أمام الحرکات الدولیّة وأسیاد البلدان العربیّة التی فشلت أمام احتلال الکیان الصهیونی فی الدفاع عن الرّبع العربی والهویة العربیّة وحقوق الشعب الفلسطینی الضائعة. وأعلن یأسه عنهم وجعل أطفال الحجارة الذین حضروا وشارکوا فی ساحة القتال ضدّ الظلم والقمع، قادة بهروا الدنیا، الذین یجرّبون أبشع الأحداث العظیمة والوقائع الجسام من القتل والدمار وارتکاب الجرائم وتدمیر کلّ مظاهر الحیاة والحیویّة، بما جعلتهم یشارکون فی أنواع المظاهرات والاضرابات العامة ویخوضون میادین الثورة والجهاد والشهادة لمواجهة الذین یحاولون طمس وطنهم وکیانهم وشرفهم وقاتلوا بدلاً عن الذین فضلّوا تجارتهم ومتعتهم وقصورهم على المقاومة. لایجعل قبانی صدق الأطفال فی مقاومتهم ونزالهم لساناً یحتجّ به على تغافل وغیبوبة الساسة فحسب، بل یأخذ على الشعراء والأدباء وأشعارهم الزجاجیّة ویرسم صورة أطفال یثورون على الأشعار التافهة ویکسرون زجاجیة الأشعار والأقوال، ویفتحون أبواب الحریّة والثورة أمام الناس. وتوظیف الحجارة عند الشاعر معادل موضوعی، حیث أخرجها من استعمالها المألوف وجعلها أداة فعّالة مؤثّرة للهجوم والقتال ووسیلة حیّة لحفظ الوطن والدفاع عنه، هکذا تحوّلت الحجارة عنده إلی رمز لقوّة الشعب فی مواجهة العدوّ عن طریق توظیف فنیّ، حیث وظّفها من منظور جدید واستخدمها کقوة هائلة حیاتیّة. والحجارة فی شعر الشاعر لا تبقى على شکل واحد، بل تجد صورة متحوّلة وصیرورة من إطارها الجامد إلى ماسٍ ثمین، کما تتحوّل لوازم هوایتهم ولعبتهم مثل الدرّاجة إلى لغم ومصاصة الحلیب إلى سکین، لقطع رؤوس الاضطهاد والقمع. وهو یخاف على مستقبل الهویة الفلسطینیة والعربیّة ومحاولات الکیان الصهیونی، لتهوید أسماء المعالم الفلسطینة، فعندئذ فی صورة أخرى یشید بحضور الأطفال وإعطاء هویّة أصیلة وإعادة الأسماء العربیّة. | ||
مراجع | ||
أبوعرفة، خالد إبراهیم. (2016م). المقاومة الفلسطینیة لاحتلال الإسرائیلی فی بیت المقدس1987_ 2015. بیروت: مرکز الزیتونة للدراسات والاستشارات. أبوالقرایا، بشیر سعید. (2008م). الظاهرة الانتفاضیة (دراسة فی الحرکة الوطنیة والظاهرة الإسلامیة). بیروت: الدار العربیة للعلوم ناشرون. الحیلة، أحمد ومریم، عیتانی. (2008م). معاناة الطفل الفلسطینی تحت الاحتلال الإسرائیلی. بیروت: مرکز الزیتونة. قبانی، نزار. (1988م). ثلاثیة أطفال الحجارة. بیروت: منشورات نزار قبانی. قنیبی، اعصام موسی.(لاتا). الصراع علی الدیار المقدسة. دمشق: دار الطلیعة الجدیدة.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 618 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 1,016 |