تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,629 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,551,791 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,722,973 |
البنیة السّردیّة فی قصیدة "الأطفال یحملون الرّأیة" لسلیمان العیسى | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 6، دوره 9، شماره 33، شهریور 2019، صفحه 107-124 اصل مقاله (262.29 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
مهتاب دهقان1؛ رسول بلاوی* 2 | ||
1خریجة ماجستیر فی اللغة العربیة و آدابها، جامعة الخلیج الفارسی، بوشهر، إیران | ||
2أستاذ مشارک فی اللغة العربیة وآدابها بجامعة الخلیج الفارسی، بوشهر، إیران | ||
چکیده | ||
دراسة هیکلیّة النّصوص، خاصّة النّصوص الشّعریّة، من وجهة نظر النّقد السّردی لها أهمیّة ملفتة؛ لأنّها تعطینا رؤیة جدیدة بالنّسبة إلى ما نقرأ من القصائد فی العصر الحدیث. فهذا الفرع من فروع النّقد الأدبی یُستعمل فی دراسة کثیر من النّصوص الشّعریّة والنّثریّة لمعرفة بناء تلک النّصوص بشکل أفضل. فی هذا البحث استخدمنا هذا المنهج النّقدی لدراسة قصیدة "الأطفال یحملون الرّأیة" لسلیمان العیسى، شاعر الأطفال السّوری من مجموعته الشّعریّة "أنا والقدس". واعتمدنا فی بحثنا هذا على المنهج الوصفیّ ـ التحلیلی وأوردنا عدّة مباحث حول السّرد والبنیّة السّردیّة ورؤیة قصیرة من حیاة الشّاعر فی القسم التمهیدی. ثمّ قمنا بعد ذلک بدراسة أهمّ التّقنیّات السّردیّة فی القصیدة المذکورة کالشّخصیّات والحبکة والفکرة والمغزى والحوار والرّاوی وغیر ذلک. وخلال دراستنا هذه توصلنا إلى عدة نتائج، منها: أنّ للشّاعر براعة وافیة خاصّة فی معالجة الشّخصیّات من بین عناصر السّرد وقد اعتمد علی تقنیّات السّرد فی النّص القصصی خاصّة فیما یتعلّق بعقلیّة الأطفال. | ||
کلیدواژهها | ||
السّرد؛ الشّعر الطّفولی؛ سلیمان العیسى؛ قصیدة "الأطفال یحملون الرّأیة" | ||
اصل مقاله | ||
شاهدت القصیدة العربیّة خلال القرنین الماضیین عدة تغییرات أساسیّة من حیث الشّکل والمضمون. أمّا القصیدة الحدیثة فقد تخلّت عن قید الأوزان العروضیّة الشائعة فی العصور الماضیة ورتابة القافیة والمضامین المعهودة المتکرّرة وظهرت بزیّ طریف واعتمدت على شکل شعری جدید. من خلال هذه التعدیلات الجوهریّة بدت عدة نزعات نقدیّة لدراسة القصیدة الحدیثة. فظهر النّقد السّردی بتقنیاته الجدیدة خلال القرن العشرین، کعلم حدیث فی إطار البحوث النّقدیّة الحداثویة فی مجال الأدب أو کرؤیة نقدیّة متحرّرة «تهدف إلى توفیر الوصف المنهجی للخصائص التّفاضلیّة للنّصوص السّردیّة.» (مانفرید، 2011م: 7) وتبحث فی عناصر القصّة من الفکرة والمغزى والحدث والمکان والزمان والحبکة والشّخصیّات والحوار والرّاوی ووجهة النّظر والمشهد وما إلى ذلک. فاهتمّ الأدباء والنّقاد إلى دراسة هذا العلم اهتماماً خاصّاً لما له من دور هامّ فی معرفة الأنواع الأدبیة من الشّعر والنّثر. من بین المهتمّین بدراسة هذا العلم یمکن لنا أن نشیر إلى الشّکلانیین الرّوس کفلادیمیر بروب الذی بدأ لأوّل مرّة بدراسة السّرد فی کتابه "مورفولوجیا القصّة"، ثم تزفتان تودوروف الّذی صاغ مصطلح "علم السّرد" لأوّل مرّة فی کتابه "قواعد الدیکامیرون"سنة 1969م (السّابق: 51) وجیرار جنیت ورولان بارت وکلود لیفی شتراوس وآخرین. والیوم کثیراً ما نرى الشعراء والکتّاب یستخدمون تقنیّات السّرد الحدیث فی کتابة نتاجاتهم الأدبیة. ومن بین الشّعراء الذین اهتمّوا بهذه التقنیّات فی شعرهم نرى الشّاعر السّوری الجلیل سلیمان العیسى الذی استخدم التقنیّات السّردیّة فی شعره الطّفولی بشکل جیّد. فمجموعته الشعریّة " أنا والقدس" هی خیر مثال لرصد التقنیّات السردیّة التی یستعملها الشاعر ویحاول خلال أقواله أن یخلق نوعاً من الانسجام والتّرابط بین عقلیة المتلقّی الصّغیر وطریقة القصّ التی یعتمدها. فنحن من بین قصائد العیسى فی المجموعة المذکورة اخترنا قصیدة "الأطفال یحملون الرأیة" التی تعدّ من مسرحیاته الغنائیّة للأطفال والمثال الجیّد لتصویر التقنیّات السّردیّة. فی هذا المقال نبحث فی بنیة هذه القصیدة التی تحمل عدة ملامح بارزة لطرق السّرد القصصی. وخلال دراستنا هذه نحاول الوصول إلى رؤیة جدیدة فی دراسة قصائد سلیمان الطّفولیّة. فمحاولتنا تعنی الطّلاب والباحثین فی مجال السّرد والسّردیّة وکلّ من یرغب فی أدب الأطفال. وفی هذه الدّراسة نتطرّق بدایة إلى التّعاریف المختلفة ذات الصلة بمحور الدراسة، ونتتبّع المعانی المتعدّدة فی القوامیس والمعاجم العربیّة للسّرد ثم نأتی بترجمة الشّاعر وتقریرٍ موجزٍ عن أعماله الأدبیة ثمّ ندخل فی صلب البحث حول دراسة عناصر السّرد البارزة فی القصیدة المذکورة کالشّخصیات، والفکرة والمغزى، والحَبْکة، والحوار، والرّاوی وزاویة النّظر أو المنظور ومعالجة الظّروف الزّمکانیّة. ووفقاً للمنهج الوصفیّ ـ التّحلیلی نأتی بنماذج من القصیدة ونقوم بالتّحلیل والدراسة. وإضافة إلى البحث فی بنیة القصیدة، نهدف إلى التّعرّف على منهج الشّاعر السّردیّ وتوجّهه إلى قوّة اللّغة التی یستخدمها فی کتابة قصائده الطّفولیّة؛ لأنّ دراسة الشّعر الطّفولی فی الأدب الحدیث موجّه إلى الوضع الاجتماعیّ والسّیاسی الموجود فی الوطن العربی وهو موضوع یتطلّب اهتماماً جمّاً. أسئلة البحث أما الأسئلة التی نحاول الإجابة عنها فی هذا المجال، فهی: - أوّلاً: کیف استخدم سلیمان العیسی العناصر السردیة فی قصیدة "الأطفال یحملون الرّأیة"؟ - ثانیاً: ما مدى تأثیر هذه العناصر السردیة علی عقلیة المتلقّی الصغیر فی فهم الفکرة الأصلیّة؟ خلفیّة البحث من أبرز الدراسات التی عالجت شعر سلیمان العیسى فیمکن لنا أن نشیر إلى رسالة فی جامعة الحاج لخضر فی جمهوریّة الجزائر، عنوانها "التّشکیل الموسیقی فی شعر سلیمان العیسى دیوان الجزائر نموذجا" إعداد بوعیسى مسعود (2011م) الذی یتطرّق فی رسالته إلى البنیة الموسیقیّة فی شعر العیسى فی "دیوان الجزائر" الذی لا یُعدّ من نتاجات الشاعر الطّفولیّة. وأیضاً مقال طبع فی مجلّة جیل الدّراسات الأدبیّة والفکریّة للکاتب ناصر بوصوری(2014م) عنوانه "الثّورة الجزائریة فی دیوان الجزائر لـسلیمان العیسى" الّذی تطرّق الکاتب فیه إلى عدة أمور بسیطة بعیدة عن الدّراسة والتّحلیل مثل حیاة الشّاعر وتقدیم دیوانه الجزائر وذکر علاقته بالکاتب والشاعر الجزائری مالک حدّاد. فبالنّسبة إلى شعر العیسى عامّة وشعره الطّفولی خاصّة لم نعثر علی دراسة شاملة حتّى الآن تعالج البناء السردی. وهذا البحث یکون أوّل دراسة مخصّصة ستتطرّق إلى هذا الجانب من شعره الطّفولی. السّرد (Narrative) جاء فی "معجم المصطلحات العربیّة فی اللّغة والأدب" عن تعریف السّرد: «هو المصطلح العامّ الذی یشتمل على قصّ حدث أو أحداث أو خبر أو أخبار سواء أکان ذلک من صمیم الحقیقة أم من ابتکار الخیال.» (وهبة والمهندس، 1984م: 198) وجیرالد برنس یقول فی تعریف السّرد فی کتابه "معجم المصطلح السّردی": «الحدیث أو الإخبار (کمنتج وعملیة وهدف وفعل وبنیة وعملیّة بنائیّة) لواحد أو أکثر من واقعة حقیقیّة أو خیالیّة (روائیّة) من قبل واحد أو اثنین أو أکثر (غالباً ما یکون ظاهراً) من السّاردین وذلک لواحد أو اثنین أو أکثر (ظاهرین غالباً) من المسرود لهم.» (برینس، 2003م: 145) ویعرّف السّرد بأنه «تمثیل حدثین أو موقفین على الأقل فی نطاق زمنی محدّد على ألّا یکون واحد یستلزم أو یستنتج واحداً آخر.» (برینس، 2012م: 10) وأیضاً مانفرید فی کتابه "علم السّرد: مدخل إلى نظریّة السّرد"یعتقد أنّ السّرد عبارة عن أیّ شیء یحکی أو یعرض قصّة، أکان نصّاً أو صورة أو أداء أو خلیطاً من ذلک. فإنّ الرّوایات والأشعار والأفلام والرّسوم الهزلیّة إلى آخر ... هی السّردیّات. (مانفرید، 2011م: 51) فالسّرد بلغة بسیطة یکون قصّة أو قضیّة تحدث فی مکان وزمان معیّن والسّارد أو الرّاوی ینقله إلى القارئ والسامع. سلیمان العیسى الشّاعر السّوری الکبیر سلیمان العیسى ولد فی قریة النعیّریّة من توابع أنطاکیّة سنة 1921م وعُرف بشاعر الأطفال. تلقّى ثقافته الأولى على ید أبیه الشیخ أحمد العیسى فی القریة. حفظ القرآن، والمعلّقات، ودیوان المتنبّی، وآلاف الأبیات من الشّعر العربی. بدأ کتابة الشّعر فی التّاسعة أو العاشرة من عمره. کتب أوّل دیوان من شعره فی القریة وتحدّث فی دیوانه عن هموم الفلاحین وبؤسهم. فی بدایة أمره شارک بقصائده القومیّة فی المظاهرات والنّضال القومی الذی خاضه الشّعب ضد الاستعمار الفرنسیّ. واصل دراسته فی المرحلة الثّانویّة فی حماة واللاذقیّة ودمشق. وسُجن عدة مرّات بسبب قصائده القومیّة. أنهى دراسته العالیة فی دار المعلمّین العالیة ببغداد. ثم رجع إلى سوریا وبقى عشرین سنة من 1947م حتى سنة 1967م فی حلب. بدأ بکتابة الشّعر للأطفال بعد نکسة حزیران 1967م. (العیسى، 1995م: 479) ومنذ ذلک العام اهتمّ بالشّعر الطّفولی اهتماماً جمّاً. وکتب عدة مجموعات شعریّة للأطفال منها: "دیوان الأطفال"، "النّعیریّة قریتی"، "أراجیح تغنّی للأطفال" وبعض قصائده الطّفولیّة المتناثرة فی أعماله الأخیرة ومجموعته "أنا والقدس" التی انتخبنا منها قصیدة "الأطفال یحملون الرّأیة" للدّراسة والبحث. یقول فی مقدّمة هذه المجموعة: «أن تکتب للقدس... وهذا یعنی بکلّ بساطة أن تکتب لفلسطین کلّها، أن تکتب لکلّ بقعة اقتطعت من هذا الجسد العربی الکبیر وأصبحت محتلّة.. وحین أمسک بالقلم وأجرّب أن أکتب شعراً أو نثراً عن هذا الوطن الممزّق الرائع الکبیر...فإنّنی لا أستطیع أن أمیز بین بقعة وبقعة أو مدینة ومدینة: کلّه فی شهقة الجرح وطن.» (العیسى، 2009م: 5) ترجم عددا من الآثار الأدبیّة، منها آثار الکتّاب الجزائریین وعدة مجموعات قصصیّة ومسرحیّة. فی تشرین الأوّل من عام 1982م حصل على جائزة "لوتس" للشّعر من اتّحاد کتّاب آسیا وأفریقیا؛ وفی عام 1990م انتخب عضواً فی مجمع اللّغة العربیّة بدمشق. (العیسى، 1995م: 480) وأخیراً فی سنة 2013م شاعر الأطفال السّوریّ، بعد تحمّل فترة من المرض، وبعد مضی اثنتین وتسعین سنة من عمره ترک دنیا الأطفال ومات بدمشق. یقول سلیمان العیسى فی مقدّمة مجموعته "غنّوا یا أطفال": «بالشّمس والهواء والماء .. تتفتّح أزهار الرّبیع وبالموسیقى والحرکة والغناء ینفتح الأطفال على کلّ جمیل ورائع.. دعوا الطّفل یغنّی.. بل غنّوا معه أیّها الکبار.. إنّ الکلمة الحلوة الجمیلة التی نضعها على شفتیه هی أثمن هدیّة نقدّمها له. لکی یحبّ الأطفال لغتهم.. لکی یحبّوا وطنهم.. لکی یحبّوا النّاس، الزّهر والربیع، والحیاة.. علّموهم الأناشید الحلوة.. اکتبوا لهم شعراً جمیلاً.. شعراً حقیقیّاً.» (یوسف بقاعی، 1994م: 69و70 نقلاً عن مقدّمة مجموعة غنّوا یا أطفال، 1979م: صص14-17) تقول عنه زوجته الدکتورة ملکة أبیض، تحوَّل شعره بعد نکسة حزیران 1967م تحوّلاً ملحوظاً ونزع إلى الشّعر الطفولیّ بصفته وسیلة لربط الأطفال إلى مستقبل مشرق وأیّام زاهیة. (العیسى، 2012م: 5) الشّخصیّات (Characters) تلعبُ الشّخصیّة من بین عناصر السّرد دوراً محوریّاً ولانرى أیّ قصّة أو حکایة خالیة من هذا النّوع. جاء فی تعریف الشّخصیة: «أحد الأفراد الخیالیین أو الواقعیین الذین تدور حولهم أحداث القصّة أو المسرحیّة.» (وهبة والمهندس، 1984: 208) ففی کلّ نص تُوجد عدة شخصیّات أو شخصیّة واحدة على الأقل والسّارد أو الرّاوی یتحدّث حولها فی مسار تقدّم القصّة. «تتعدّد الشّخصیّة الرّوائیّة بتعدّد الأهواء والمذاهب والأیدیولوجیات والثّقافات والحضارات والهواجس والطّبائع البشریّة التی لیس لتنوّعها ولا لاختلافها من حدود.» (مرتاض، 1998م: 73) تُعرَف الشّخصیّات عموما بواسطة الرّاوی أو تُعرَف من خلال الأحداث والوقائع التی تحدث فی النّص. والشّخصیّة فی الحقیقة هی العنصر الأصلیّ الّذی یساعد فی حرکة القصّة إلى الأمام بجانب من سائر العناصر الموجودة. نرى فی قصیدة موضع البحث ثلاثة شخصیّات أصلیّة یذکرها العیسى فی بدایة مسرحیّته الشّعریّة؛ وهی الرّأیة والأطفال والتّأریخ. ویحدّد لکلّ منها عمل أو وظیفة تتعلّق بها. وبما أنّ الرّأیة فی کلّ ثقافةٍ وفی کلّ بلدٍ لها تکریم وتعظیم خاصّ وتدلّ على نوعٍ من حبّ الوطن، فالشّاعر یستعملها فی القصیدة ویحاول من خلالها بثّ روح المقاومة والدّفاع عن الوطن وکیان العربی الفلسطینی. فیجعل الرّأیةَ الشّخصیّة الرّئیسة التی یتشکّل حقل عمل التّاریخ والأطفال فی العلاقة معها. إنه فی معالجة الشّخصیّات یحاول أن یحافظ على جانب البساطة لأنّه یرى أنّ الطّفل بالطّبع بحاجة إلى لغة بسیطة وفصیحة لإدراک المعنى المقصود. فیستخدم "الأطفال" کبعض أشخاص القصّة أو الرّأیة التی یُوجد لها مصداق خارجیّ ویستطیع المتلقّی الصّغیر أن یصوّرها کشخصیّة متکلّمة فی إطار القصّة ویستمع إلی کلامها: «یا صغاری أنا شمسُ الخالدینْ/... /ارفَعونی فی الأعالی العربیّة/ یا صغاری أنا لون القادسیّة..» (العیسى، 2009: 106و107) إن الرّأیة کما رأینا تخاطب الأطفال وتتکلّم معهم وتطلب منهم أن یرفعوها فی الأعالی. ولکن الشّخصیّة التی یمکن أن یکون إدراکها صعباً بالنّسبة إلى الأطفال هو التّاریخ؛ ومرّة واحدة یظهر فجأةً فی المسرح، حینما یخاطب الأطفال ویقول: «ارْفَعُوها فی الأَعالی/ فوقَ هاماتِ اللَّیالی/ فوق أَحزانِ الجِراح الیابِسـاتْ/ فوق أسوار الحدودِ الزّائفاتْ» (السابق: 107) والتّاریخ هو الّذی یعرف أن الحدّودَ زائفة وکاذبة ومصطنعة فی الوطن العربی الفلسطینی. فیأخذه العیسى کشاهد لهذه القضیّة؛ ویجعله کشخصیّة یعلن أنّ جروح هذه المواطنین وهذا الشّعب المستضام قدیمةٌ وأصبحت یابسة على مرّ السّنین. فیؤکّد قول الرّأیة ویطلب من الأطفال أن یرفعوها فی الأعالی لیذکّرهم المجد السّابق. فلایکتفی الشّاعر بمعالجة الشّخصیات البسیطة والواقعیّة فقط بل یحاول خلال نتاجه الشّعری أن یعرّف الطّفل علی الأشخاص والأفراد الخیالیین الّذین یمکن أن تدور حولهم القصّة. وبهذه الطّریقة یعطیهم معرفة جدیدة. الفکرة (Idea) والمغزى (Moral) الفکرة والمغزى تعدّان من العناصر الأساسیّة الهامّة للقصّة أو الشّعر القصصی. ولهما دور محوریّ بین عناصر السّرد. الفکرة هی عبارة عن الغایة التی یحاول الکاتب عرضها فی القصّة. وهی جواب لسّؤال: عمّ أو عمّا یتحدّث النص؟ فالجواب یکون الفکرة المرکزیّة. أمّا المغزى فهی نتیجة الکلام. جاء فی "معجم المصطلحات العربیّة فی اللّغة والأدب"فی تعریف المغزى: «العبرة أو الدّرس الأخلاقیّ الّذی یمکن استخلاصه من أثر أدبیّ سواء أراده مؤلّفه صراحةً أو جاء بطریق الاستنباط. والمغزى یوجد فی أغلب القصص الأخلاقیّة وحکایات الحیوان والأساطیر والخرافات التی تعتمد على تجسید المعانی فی نسخ حبکة القصص الرّمزی.» (وهبة والمهندس، 1984م: 376) والشّعر الطّفولی عادة له مضامین مختلفة؛ علمیّة، أخلاقیّة، تعلیمیّة أو تربویّة ومثل ذلک. وتختلف تلک المضامین من مجتمع إلى مجتمع ومن شاعر إلى آخر. فالشّاعر سلیمان العیسى کما یبدو من شعره یستخدم المعانی التی یحاول خلالها إحیاء روح التحرّر بین الأطفال فی الوطن العربی عامّة وفی أرض فلسطین والقدس عاصمة النضال العربیّ خاصّة. أمّا الموضوع الرّئیسی الّذی یتطرّق إلیه الشّاعر فی قصیدته "الأطفال یحملون الرّأیة" فهو المقاومة والمثابرة وإیقاظ روح الحماسة فالشاعر یری هذا الموضوع مهمّاً وضروریاً لتعرّف الطّفل العربی علی أبجدیة الحریّة والنضال، ومشارکته فی التخلّص والتحرّر من قید الظلم والإستبداد والإحتلال. فیجعل الأطفال مجتمعة على مسرحیّة غنائیّة وهم یرفعون أمامهم رأیة الإتّحاد یتوسّطها صقر قریش وینشد بلغتهم: الأطفال: «بالحبِّ صبَغناها/ بالمجدِ رفعناها/ ببطولاتٍ کأساطیر التّاریخ نسجناها/ یا رأیَتَنا الشّمّاء/ یا أغنیة الشّهداء/ سیَظلُّ جناحکِ خفّاقاً/ بالعزّة تیّاها/ بیدیکِ کتاب المجدْ/ إروی بعض الصّفحات/ یا من خفقتْ فی السّند/ وعلى بحر الظّلمات/ فی أعیننا أشواقْ/ بخیوطک شدّتْنا/ عودی ملء الآفاقْ/ الغربةُ هدّتْنا» (العیسى، 2009م: 105و106) ویذکر أیّام المجد العربی لإحیاء روح الحماسة فی کیان المتلقی الصغیر: الرّأیة: «یا صغاری أنا شمس الخالدینْ/ لا تموت الشّمسْ» الجمیع: «لا تموت القدسْ» الرّأیة: «أبداً فوق زنود الصّامدین/ سوف تبقى الشّمسْ» الجمیع: «سوف تبقى القدسْ» الرّأیة: «إرفعونی فی الأعالی عربیّة/ یا صغاری.. أنا لون القادسیّة/ ودم الیرموکْ/ کوکبٌ متروکْ/ فی جبینی، فی جبین الصّامدین» (العیسى، 2009م: 106و107) تشیر الرّأیة إلى أعظم المعارک البطولیّة فی التّاریخ العربی وتدعو الأطفال إلى المحاولة لبقاء القدس خالداً حیّاً وإعادة أیّام العرب الزّاهیة. فهذه الإشارة إلى تأریخ الأمّة تدلّ على نوع من الفخر الذی یحاول العیسى أن یصوّره بأفضل طریق للمتلقّی؛ ثمّ یطلب الأطفال منها أن تخبرهم وتحدّثهم قصّة الأمجاد؛ فتنشد الرّأیة: «سافرت طویلاً فی الحقبِ/ ألوانی تاریخ العربِ/ .../ یا صقرَ قریشٍ.. یا خالدْ/ رافقتُک فی المدِّ الصّاعدْ/ رافقتُکَ فوق الأندلسِ/ وهضاب الصّین/ وعلى شفتَیَّ سنا قبسِ..» (السابق: 108) تواصل الرّأیة النّشید فی نبرة قویّة: «جئتُ من أعماقِ أعماقِ السّنینْ/ أنا بنتُ الفتحِ والوحیِ المبینْ/ جئتُ من حطّینْ/ من صلاح الدّینْ/ ما الّذی أبصرتُ؟/ أرضی وسمائی/ مِزَقٌ حُمرٌ بأیدی الدُّخَلاءِ/ ما الّذی أبْصَرتْ؟/ مثلَکم قد صرتْ/ مثلَکُم فی وطنی صرتُ غریبة..» (السابق: 109و110) فنشیدها الحماسیّ یمتزج بالألم والشّکوى من الحالة السّائدة على الوطن الّذی أصبحت غریبة فیه. کما رأینا فی الشّواهد تدور الفکرة الأصلیّة فی القصیدة حول الحماسة التی یتطرّق إلیها العیسى فی معظم الأحیان وللوصول إلى غایته أحیاناً یستخدم الرّموز والأبطال التّاریخیّة التی یمیل الطفل نحوها ویتفاعل معها بسرعة. وعلاوة على الحماسة والمقاومة نرى نزعة تحرّریّة ومحاولة لبعث الأمّة العربیّة من جدید فی القصیدة: «لابدَّ منَ الفَجرِ الأَنْضَرْ /لابدَّ منَ الوَطَن الأکْبَر /اللّیلُ الأسودُ یلتَهَبُ /والقادمُ بالشَّمسِ العَرَبُ» (السابق: 111) الحبْکَة (Plot) العقدة أو الحبکة هی من أهمّ عناصر السّرد التی تبیّن العلاقات السّببیّة بین أجزاء القصّة. وهی «سرد للوقائع مع التّرکیز على السّببیّة کنقیضٍ للقصّة التی تُعتبر سرداً للوقائع مع التّرکیز على التّتابع الزّمنی "مات الملک وبعد ذلک ماتت الملکة" فهذه قصّة، أمّا "مات الملک وبعد ذلک ماتت الملکة من الحزن" فهذه تُعتبر عقدة.» (برنس، 2003م: 175) والحبکة هی الهیکل القصصی للقصیدة أو المسرحیّة؛ فکما ینص أرسطو فی کتابه بأن القصّة (الحبکة) هی نواة التّراجیدیا. فالحبکة تسلسل الحوادث فهذا التسلسل یؤدّی إلى نتیجة فی القصّة، ویکون إمّا مرتِّباً على الصِّراع الوجدانیّ بین الشّخصیّات أو تأثیر الأحداث الخارجة عن إرادتها. (وهبة والمهندس، 1984: 144) أمّا سلسلة الأحداث التی تحدث فی المسرحیّة الشّعریّة لسلیمان العیسى فتبدأ فی المرحلة الأولى بحرکة الأطفال الذین یجتمعون على المسرح ویرفعون أمامهم الرّأیة ویطلبون منها ذکر الأمجاد وقصص بطولات العرب بنشیدهم: «حدّثینا حدّثینا.. أخْبری الأولادْ.. قصّة الأمجاد؛» فتظهر الرّأیة وتذکر لهم بعض أمجاد القوم وبطولاتهم وتردّد نشیدها الجمیل ثم یظهر التّأریخ فجأة على المسرح: «ارْفَعُوها فی الأَعالی/ فوقَ هاماتِ اللَّیالی/ فوق أَحزانِ الجِراح الیابِساتْ/ فوق أسوار الحدودِ الزّائفاتْ» (العیسى، 2009م: 107) فترافقهم الرّأیة وتلخّص لهم قصّة الماضی المجید: «سافرتُ طویلاً فی الحِقَبِ.. ألوانی تأریخُ العَرَبِ...» والأطفال یرافقونها فی حماسة وتصمیم وفی المرحلة الثّانیة تصل سلسة الأحداث إلى ذروتها وتواصل الرّأیةُ النّشید بفخر وحماسة فتزداد نبرتها عنفاً: «جئتُ باسم الشّمسْ/ جئتُ باسم القدسْ/ جدّدینی یا دماءَ الخالِدینْ/ إرْفَعینی یا زُنُودَ الصّامدینْ» (السابق: 110) ویواصلون الأطفال نشیدها بتلک النّبرة القویّة: «یا رائعةَ الأنوارْ/ یا أغنیةَ الثُوّارْ/ یا من نُسِجَتْ خَیطاً خَیطاً من أعیُنِنا/ یا خافِقَةً أبداً فی الشّمسِ وفی دَمِنا/ هاجَرنا مثلَکِ فی الأَلَمِ/ ونسیناهُ: طعمَ القِمَمِ/ طعمَ الحرّیّةِ تَنسکِبُ/ والعالمُ لیلٌ یُضطَربُ..» (السابق: 110 و111) وأخیراً تلقى الرّأیة نفسَها على الرّیح وتلتفت مع هبوبه شمالاً وجنوباً وتدعو الأمّة العربیّة إلى البعث والشّروق الّذی ذکرتْه سابقاً: «من أرى فی القُدسْ؟/ ماذا فی الشّمالْ؟/ بُقَعٌ سودٌ ورأیاتُ احتلالْ/ یا ملایینی التی تنبُتُ فی کلّ مکانْ/ إصبغینی مرّةً بالأرجوان/ إصبغینی بالکرامةْ/ أُنْفُضی هذی الغمامةْ/ عن جبین القُدسْ/ عن أرض الرّجالْ/ من جراحی کان میلاد الرّجالْ..» (السابق: 111) فالحبکة فی قصیدة العیسى کما رأینا تتشکّل من ثلاثة مراحل، البدایة، والذّروة والنّهایة. وهذه المراحل یشیر إلیها أرسطو فی کتابه فنّ الشّعر أیضاً. الحوار (Dialogue) جاء فی تعریف مصطلح الحوار: «تعنی الکلمة محادثة أو تجاذبا لأطراف الحدیث وهی تستتبع تبادلاً للآراء والأفکار، وتستعمل فی الشّعر والقصّة القصیرة والرّوایات والتّمثیلیات لتصویر الشّخصیّات ودفع الفعل إلى الأمام.» (فتحی، 1988م: 148) وأیضا جاء فی المعجم الوسیط «حدیثٌ یجری بینَ شخصین أو أکثر فی العمل القصصی أو بین ممثّلین أو أکثر على المسرح.» (المعجم الوسیط، 2004م: 205) وهو «عرض (دراماتیکیّ فی طبیعته) لتبادل شفاهی بین شخصیّتین أو أکثر، وفی الحوار فإنّ کلام الشّخصیّات یقدّم کما هو مفترض أن یکون بدون لاحقات استفهامیّة.» (برنس، 2003م: 59) فالحوار هو أحد تقنیّات السّرد الّذی یمکن أن یحدث بین الشّخصیّات فی مسار القصّة أو فی عقلیّة شخصیّة واحدة. «الحوار فی القصّة، هو أحد العناصر الهامّة أو بعبارةٍ ما یعادل قیمة الوصف، لأنّه یسبّبُ فی بسط الفکرة وظهور المغزى وتعریف الشّخصیّات وتقدّم عملیّة القصّة.» (داد، 2012م: 206). ویُقسّم الحوار فی البحوث النقدیة إلی قسمین: 1. الدیالوج (الحوار الخارجی) وهو حوار یدور بین شخصین أو أکثر 2. والمونولوج (الحوار الداخلی) وهو حدیث النفس. الحوارات الموجودة فی قصیدة "الأطفال یحملون الرّأیة" هی من النّوع الأوّل؛ یعنی المحاورة والمحادثة التی تدور بین شخصین أو أکثر، کالحوار الّذی یجری بین الرّأیة والأطفال: الرّأیة: «یا صغاری یا حقولَ القمحِ/ یا صوتَ الرّبیعْ/ آنَ أن أحملَ فی صدری الجمیعْ/ آنَ أن تستیقظَ الصَّحراءْ/ أن تَعودَ الجنّةُ الخضراءْ/ یا صغاری یا ملایین البراعمْ/ تتحدَّى کلَّ ألوان الهزائِمْ/ الجماهیرُ نسیجی/ فی محیطی وخلیجی/ الملایینُ العطاش الزّاحفونْ/ من لیالی نکساتی قادِمونْ/ بأغارید انتصاری قادمونْ/ آنَ أن تستیقظَ الصَّحراءْ/ أن تَعودَ الجنّةُ الخضراءْ..» الأطفال: «یا رائعةَ الأنوارْ/ یا أغنیةَ الثُوّارْ/ یا من نُسِجَتْ خَیطاً خَیطاً من أعیُنِنا/ یا خافِقَةً أبداً فی الشّمسِ وفی دَمِنا/ لابدّ من الفجر الأنضَرْ/ لابدّ من الوطن الأکبرْ/ یا رأیَتَنا الشّمّاءْ/ یا أغنیةَ الشُّهَداء..» (العیسى، 2009م: 112و113) فالقصیدة کلّها قائمة علی عنصر الحوار، وجمالیّة النصّ تتمثّل فی هذا الحوار المتبادل بین الرایة والأطفال والتأریخ، فالشاعر یعبّر عن فکرته النضالیّة عبر هذه الشخصیات مستخدماً تقنیّة الحوار لشدّ الطفل نحو الفکرة التی یرید الإفضاء إلیها. الرّاوی (Narrator) ووجهة النّظر (Point of view) فی کلّ قصّة أو حکایة أو روایة نجد شخصیّة تجری المغامرات على لسانها وتقوم ببیان الوقائع. «وهو الشّخص الّذی یروی الحکایة أو یخبر عنها، سواء کانت حقیقة أم متخیّلة. ولا یُشترط فیه أن یکونَ اسماً متعیّناً فقد یتقنّع بضمیر ما، أو یرمز له بحرف.» (عزّام، 2005م: 85) وقد یکون من المستحیل غیابه فی أیّ عمل سردیّ. (مرتاض، 1998م: 204) وهو یختلف عن المؤلّف، لأنّ المؤلّف أو الرّوائی هو الکاتب خالق العالم التخییلی، وهو الّذی یختار الرّاوی ولایظهر ظهوراً مباشراً فی النّص الرّوائی (عزّام، 2005م: 85) وفی الحقیقة یختفی المؤلّف خلفه. فالرّاوی یمکن أن یکون شخصیّة من شخصیّات القصّة أو شخصیّة خارجة من إطارها «إلّا أنّه قد ینتمی إلى عالم آخر غیر العالم الّذی تتحرّک فیه شخصیّاتها، ویقوم بوظائف تختلف عن وظیفتها ویسمح له بالحرکة فی زمان ومکان أکثر اتّساعاً من زمانها ومکانها.» (الکردی، 2006م: 17) ویوجد فی کلّ قصّة موضع یقف فیه الرّاوی لکی ینظر إلى الحوادث وهذا هو وجهة النّظر أو المنظور. حینما نسأل من هو راوی القصّة؟ فالجواب لهذا السّؤال فی الحقیقة یحدّد المنظور؛ لأنّه توجد علاقة مباشرة بین الرّاوی ووجهة النّظر. وقد صُنّفت الرّؤیة فی ثلاثة أنواع وهی: «الرّؤیة الخارجیّة، وتتمثّل فی الرّوایات المکتوبة بصیغة الغائب والرّؤیة الدّاخلیّة وتتمثّل فی الرّوایات المکتوبة بضمیر المتکلّم والسّیرة الذّاتیّة، والرّؤیة المتعدّدة، وتتمثّل فی الرّوایات التی تصوّر الصّراع الفکری والحیاتی.» (عزّام، 2005م: 94) فبشکل عام رؤیة الرّاوی إمّا داخلیّة بضمیر الأنا أو بضمیر المخاطب (أنت/أنتم) ویظهر الرّاوی فیها محدود العلم أو تتساوى معرفته بمعرفة الشّخصیّات الرّوائیّة وهو فی أغلب الأحیان شخصیّة من شخصیّات القصّة؛ وإمّا خارجیّة بضمیر الهو (الرّاوی العلیم بکلّ شیء أو کلّی العلم یهیمن على عالم روایته ویمکنه أن یتداخل بالتّعلیق أو الوصف الخارجی) والرّاوی الشّاهد الّذی یظهر فی أسلوب السّرد الموضوعی والرّؤیة الخارجیّة التی ینطلق منها الرّاوی العلیم بکلّ شیء فی بنیة الرّوایة التقلیدیّة. (یوسف، 2015م: 47-51) أما بالنّسبة إلى قصیدة موضع البحث فیجب أن نعرف من هو الرّاوی فی هذه القصیدة القصصیّة على العموم أو بأی صوت یروی الرّاوی القصّة، وما هو النّوع المستخدم لدى الشّاعر فی روایة قصیدته الطّفولیّة. وبالنظر إلى الحوارات الموجودة بین شخصیّات القصیدة وروایة أحداث القصّة تبیّن لنا أنّ الرّاوی فی قصیدة العیسى هو الرّاوی بضمیر الأنا ورؤیته رؤیة داخلیّة. فتُروى القصّة تارة على لسان الرّأیة وتارة على لسان الأطفال: «- الأطفال: بالحبّ صبغناها/ بالمجد رفعناها/ ببطولاتٍ کأساطیر التّاریخ نسجناها... - الرّأیة: یا صغاری أنا شمس الخالدین/ لاتموت الشّمس... - الجمیع: لاتموت القدس... - الرّأیة: أبداً فوق زنود الصّامدین/ سوف تبقى الشّمس... - الجمیع: سوف تبقى القدس» (العیسى، 2009م: 105-107) ولکن أحیاناً نرى فی القصیدة نوعا من الرّؤیة الخارجیّة وتجری القصّة على لسان الرّاوی بضمیر الهو والرّاوی العلیم بکلّ شیء. فیذکر العیسى عدة تعلیقات على کلّ فقرة شعریّة کمخرج سینمائیّ یقوم بإدارة المسرح ویعرضه على المشاهدین. وهذا الرّاوی العلیم هو نفس الشّاعر إذ یقول قبل دخول الرّأیة فی المشهد: «تظهر على المسرح فتاة تمثل الرّأیة العربیّة تخرج مع الموسیقى، مرتدیة ثوباً یمثّل علم الوحدة. إلى جانبها ترتفع رأیة حقیقیّة عالیة یحملها ولد قویّ. الرّأیة: یا صغاری...» (السابق: 106) أو نلمح حضوره بدایة القصیدة فیعرّفنا الأشخاص ویصف ویمهّد الطریق لنا بقوله: «یتجمّعون على المسرح. بنین وبنات، یرفعون أمامهم رأیة الإتّحاد یتوسطها صقر قریش. ینشدون کأنّهم کتیبة من الجنود» (السابق: 105) فهکذا تُروى قصّة " الأطفال یحملون الرّأیة" على لسان الرّاوی المتکلّم الدّاخلی ـ الشّخص الأوّل أنا أو نحن ـ أکثر من سائر أنواع الرّواة؛ لأنّه کما یعتقد النّقّاد یقوم ضمیر المتکلّم بدورٍ فاعلٍ فی کسر الفروق الزّمنیّة والسّردیّة بین السّارد والشّخصیّة والزّمن، خصوصاً فی الخطاب الشّعری تنتفی الحواجز والفروق ویصبح التّماهی سمة بین الرّاوی والشّخصیّة والزّمن کما أنّ هذا النّوع من الرّاوی/الضّمیر یجعل القاریء أکثر حضوراً وانجذاباً إلى النّص؛ (هلال، 2006م: 171) وسلیمان العیسى یوظّف الرّاوی العلیم ـ الشّخص الثّالث هو أو هی ـحینما تحتاج القصّة إلى معلومات خارجیة غیر ما تعرّفها شّخصیّات النّص، وأیضاً لتقدیم القصّة بشکل أفضل. فضاء المشهد وزمانه (Setting) یُعدّ المشهد من عناصر السّرد التی لها أهمیّة خاصّة فی النّصوص السّردیّة الحدیثة. والشّاعر أو الکاتب بالنّظر إلى الفضاء المطلوب یعتمد علیه فی عمله السّردی. وفی المصطلح القصصی هو «عبارة عن موقف تتحقّق فیه عملیّة السرد.» (داد، 2013م: 329) فلابدّ لکلّ قصّة أو حکایة أن تحدث فی مکان وزمان معیّن؛ لأنّ الزمکان یعطی المتلقّی رؤیة واسعة وعمیقة بالنّسبة إلى الوقائع الموجودة فی مسار القصّة. بعبارة أخرى مکان المشهد وزمانه هو «الظّروف الزّمکانیّة التی تحدث فیها وقائع سردٍ ما». (برنس، 2003م: 210) إذن المکان یمثّل الخلفیّة التی تقع فیها أحداث القصّة أو الرّوایة، أمّا الزّمن یتمثّل فی هذه الأحداث نفسها. وإذا کان الزّمان یرتبط بالإدراک النّفسی فإنّ المکان یرتبط بالإدراک الحسّی، وإذا کان الزّمان هو السّرد المرتبط بالأفعال والأحداث، وأسلوب عرضها، فإنّ أسلوب تقدیم المکان هو الوصف. (عزّام، 2005م: 68) أحیانا یذکر الرّاوی أو السّارد المکان والزّمان مباشرة ویشیر إلیهما إشارة واضحة ویبدأ بوصف الظّروف الزّمکانیّة کعنصر هامّ لفهم المغامرات والأحداث المتتالیة. فنرى فی بدایة الأشعار أو القصص المختلفة کلمات أو جملات یُحدَّد بها الزّمان: کان یا ما کان فی قدیم الزّمان.. ویوصف المکان: فی بلد بعید أو فی مدینة بعیدة.. وهکذا. لکنّنا أحیاناً لا نرى أیّة إشارة واضحة إلى تلک الظّروف ولا وصف لها، فمن خلال الحوارات التی تجری بین الشّخصیّات أو من خلال الأسماء التی ینتخبها الشّاعر للنّص نحصل على معلومات عدة ونستدلّ المکان و الزمان من خلال الأحداث. والعنوان الّذی اختاره العیسى لمجموعته الشّعریّة "أنا والقدس" هو دلالة واضحة للمکان الذی یقصده الشّاعر فی عملیّة السّرد الشعری. فالنصّ یتحدّث عن أرض القدس وأرض فلسطین المحتلّة؛ کما جاء فی مقدّمة المجموعة: «فتحتْ جرحنا العظیمَ فلسطینُ/ وقالت: بدءُ البدایات.. ثاری/ تلمعُ القدسُ شهقةً فی حریقی/ وتظلّ انتفاضةٌ فی انتظاری.» (العیسى، 2009م: 8) فقصیدة "الأطفال یحملون الرّأیة" هی مسرحیّة غنائیّة تقوم الشّخصیّات بإجرائها على مشهد الأرض المحتلّة: الأطفال: «یا صقرَ قریشٍ یا خالدْ/ عانقْها فی الزّحف الصّامدْ/ عانقْنا یا جبّار/ أرضی أرضُ الأحرارْ...» (السابق: 109) وقد نرى بعض الأحداث تحدث فی مکان مجازی[1] أو غیر حقیقی بنوعٍ ما بالنّسبة إلى الأماکن التی یصفها الشّاعر من خلال حوار الشّخصیّات. فعلى سبیل المثال حین یظهر التّاریخ على المشهد ینشد: «ارْفَعوها فی الأعالی/ فوق هامات الّلیالی/ فوقَ أحزانِ الجِراحِ الیابساتْ/ فوق أسوار الحدُود الزّائفات...» (السابق: 107) فهامات الّلیل أو أحزان الجروح الیابسة هی مجرّد إشارة إلى الصّعوبات الموجودة فی حیاة الإنسان بشکل عام والمواطن الفلسطینی بشکل خاصّ، والحدود الزّائفة هی المکان حیث تکتمل فیه الأحداث التی یستدعیها الشّاعر لتقدّم القصّة. أمّا الزّمن فهو «عنصرٌ مهمٌّ فی الدّراسات النّقدیّة الحدیثة ومنه تنطلق أبرز التقنیّات السّردیّة المتعدّدة.» (یوسف، 2015م: 30) فکلّ حرکة فی القصّة تدّل على وجود عنصر الزّمن ومن المستحیل أن تحدث أیّة حرکة أو أیّ تحریک خارج إطار زمنیّ معیّن؛ فالزّمن هو خیط وهمیٌ مسیطر على کلّ التّصوّرات والأنشطة والأفکار ولاینبغی له أن یجاوز ثلاثة امتدادات کبرى: الامتداد الأوّل ینصرف إلى الماضی والثّانی یتمحض للحاضر والثّالث یتّصل بالمستقبل. وربّما کان الحاضر أضیق الامتدادات وأشدّها إنحصاراً بحکم قوّة الأشیاء؛ إذ کان هذا الحاضر مجرّد فترة إنتقالیّة تربط بین مرحلتین إثنتین لا حدود لهما: هما الماضی والمستقبل. (مرتاض، 1998م: 174) هذا العنصر المهمّ یجری فی قصیدة سلیمان بأشکال مختلفة، من الماضی والحاضر والمستقبل؛ إلّا أنّه فی الأغلب بمعنى الحال، لجری الأحداث فی الزمن الحاضر؛ مع أنّنا نرى فی بعض المقاطع استخدام الأفعال بصیغ الماضی والمستقبل معاً: «بالحبِّ صبغناها/ بالمجدِ رفعناها/ ببطولاتٍ کأساطیرِ التّاریخِ نسجناها/ یا رأیَتَنا الشّمّاءْ/ یا أغنیةَ الشُّهداءْ/ سَیَظلُّ جناحُکِ خفّاقا..» (العیسى، 2009م: 105) فهکذا یقوم العیسى بمعالجة الفضاءات الزّمکانیّة (الزمان-مکان أو الفضاء بأبعادها الأربعة) وتقدیمها للمتلقّی الصغیر؛ إنّه یدرک أنّ الطّفل فی المجتمع الرّاهن یجب أن یعرفَ دوره الفاعل فی تقدّم الوطن العربی والحفاظ علیه ولهذا یحتاج إلى حوافز کثیرة ونوع من القوّة التی تدفعه وتحرّکه إلى الأمام لصنع المستقبل الزّاهی. النتیجة عالجت هذه الدراسة البناء السردیّ فی قصیدة "الأطفال یحملون الرّأیة" من مجموعة "أنا والقدس" للشاعر السوری سلیمان العیسى وقد توصّلت إلى أنّ العناصر السّردیّة التی یستفید منها الشاعر فی بناء هذه القصیدة کجمیع النصوص القصصیة، شعریة کانت أو نثریة هی: الشخصیّات والحبکة والحوار والفکرة والراوی والزمکان. وانعکس کلّ منها فی هیکلیّة القصیدة على قدر الحاجة وقد بُنیت القصیدة على نمط شعریّ بسیط یناسب عقلیّة الأطفال. وهذا الاستخدام المتقن للعناصر السردیة یدلّ علی بناء النص القصصی الذی یتناسب مع فهم المتلقی/الطفل. ومن حیث الفکرة والمغزى فالفکرة الأصلیّة فی القصیدة تدور حول الحماسة والمقاومة والشّاعر یستخدم الرّموز والأبطال التّاریخیّة التی یحسن الطّفل العلاقة معها ویحذو حذوها. والحبکة فی بناء القصیدة تتشکّل من ثلاثة مراحل رئیسة؛ بدایةً أقوال الأطفال والرّأیة والتّاریخ حول أمجاد العرب والمقاومة وحریّة القدس ثمّ الوصول إلى الذّروة والغناء فی حماسة وتصمیم وفی النّهایة الإستعداد لشروق الفجر الأنضر وبناء الوطن الأکبر. وبالنّسبة إلى المحاورات والمحادثات فتجری بین ثلاث شخصیّات رئیسیة: الرّأیة والأطفال والتّاریخ ولکلّ منها وظیفة معیّنة فی حرکة القصّة. فقصیدة العیسى أو بعبارة أخرى مسرحیته الشّعریّة حصلت التّوفیق فی نقل الفکرة الأصلیّة إلى المتلقّی الصّغیر إمّا فی الأراضی المحتلّة وإمّا فی الوطن العربی کلّه باستخدام التّقنیّات السّردیّة. وهذه التقنیات المستخدمة رفدت النص بطاقات دلالیة وانفعالات شعوریة تتناسب مع المتلقی الصغیر فالأطفال اعتادوا علی القص والحکایات. [1] . لقد صُنّف المکان فی أربعة أنواع: المکان المجازی وهو المکان الّذی نجده فی روایة الأحداث المتتالیة، حیث نجد المکان ساحة للأحداث ومکمّلاً لها، ولیس عنصراً مهمّاً فی العمل الرّوائی، إنّه مکان سلبی، مستسلم، یخضع لأفعال الشّخصیّات؛ والمکان الهندسی، والمکان کتجربة معاشة داخل العمل الرّوائی، والمکان المعادی کالسجن والمنفى ومکان الغربة و... . (عزّام، 2005م: 67) | ||
مراجع | ||
برنس، جیرالد. (2003م). المصطلح السّردی. ترجمة عابد خزندار. الطّبعة الأولى. القاهرة: المجلس الأعلى للثّقافة. پرینس، جرالد. (1391ش). روایتشناسی: شکل وکارکرد روایت. ترجمه محمد شهبا. الطبعة الأولی، طهران: مینوی خرد. داد، سیما. (1392ش). فرهنگ اصطلاحات ادبی. الطبعة السادسة. طهران: مروارید. عزّام، محمّد. (2005م). شعریّة الخطاب السّردی. لاطبعة. دمشق: اتّحاد الکتّاب العرب. العیسى، سلیمان. (1995م). الأعمال الشّعریّة1. الطّبعة الأولى. بیروت: المؤسّسة العربیّة للدّراسات والنّشر. _________. (2009م). أنا والقدس. لاطبعة. دمشق: الهیئة العامّة السّوریّة للکتّاب. _________. (2012م). النّعیریّة قریتی. الطّبعة الأولى. دمشق: اتّحاد الکتّاب العرب. فتحی، إبراهیم. (1988م). معجم المصطلحات الأدبیة. الطّبعة الأولى. تونس: المؤسسة العربیة للنّاشرین المتّحدین. الکردی، عبدالرّحیم. (2006م). الرّاوی والنّص القصصی. الطّبعة الأولى. القاهرة: مکتبة الآداب. مانفرید، یان. (2011م). علم السّرد (مدخل إلى نظریة السّرد). ترجمة أمانی أبورحمة. الطّبعة الأولى. سوریة: دار نینوى. مجمع اللّغة العربیّة. (2004م). معجم الوسیط. الطّبعة الرّابعة. دمشق: مکتبة الشّروق الدّولیّة. مرتاض، عبدالملک. (1998م). فی نظریّة الروایة (بحث فی تقنیات السّرد). لاطبعة. الکویت: عالم المعرفة. هلال، عبدالنّاصر. (2006م). آلیات السّرد فی الشّعر العربی المعاصر. الطّبعة الأولى. القاهرة: مرکز الحضارة العربیّة. وهبة، مجدی وکامل المهندس. (1984م). معجم المصطلحات العربیّة فی اللّغة والأدب. الطّبعة الثّانیة. بیروت: مکتبة لبنان. یوسف، آمنة. (2015م). تقنیّات السّرد فی النّظریّة والتّطبیق. الطّبعة الثّانیة. بیروت: المؤسّسة العربیّة للدّراسات والنّشر. یوسف بقاعی، ایمان. (1994م). سلیمان العیسى منشد العروبة والأطفال. الطّبعة الأولى. بیروت: دار الکتب العلمیّة.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 537 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 356 |