تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,197 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,855 |
رستم بین بطل فی المذهب البرغماتی ونقیض البطل فی الفلسفة المثالیة؛ دراسة فی اتجاه الفلسفة البرغماتیة | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 6، دوره 9، شماره 36، فروردین 2020، صفحه 137-163 اصل مقاله (247.56 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
سیده مریم میرحسینی1؛ فاطمه حیدری* 2 | ||
1طالبة دکتوراه فی اللغة الفارسیة وآدابها، فرع کرج، جامعة آزاد الإسلامیة، کرج، إیران | ||
2أستاذة مشارکة فی اللغة الفارسیة وآدابها، فرع کرج، جامعة آزاد الإسلامیة، کرج، إیران | ||
چکیده | ||
البرغماتیة هی أحدث الاتجاهات الفلسفیة فی العالم. وهی تلقی نظرة خاصة على مکوّنات الیوتوبیا البشریة وتقترح مبدأ العمل على أساس الاستنتاجات، وبعبارة أخرى، محاولة العمل للوصول إلى منفعة حقیقیة. تنظر هذه الفلسفة إلى قضایا مثل العدالة والقانون والأخلاق بنظرة مغایرة للفلسفة القدیمة. تعدّ رائعة فردوسی "الشاهنامه"، باعتبارها کتاباً ملحمیاً، انعکاساً متعالیاً لثقافة أمة ونموذجاً رائعا لطقوسها، وبالتالی یمکن أن تکون ذا أهمیة کبیرة لمنظّری الفلسفة البراغماتیة. وبنظرة موازیة على المجتمع الأسطوری للشاهنامه وتحلیل سلوک الشخصیات فیها؛ مثل رستم وأبطال الشاهنامه الآخرین على أساس هذه المؤشرات، تظهر العلاقة بین یوتوبیا فردوسی والفلسفة البراغماتیة. قامت الباحثتان بعد تقدیم الفلسفة البراغماتیة والنظریات المختلفة حولها، بالمقارنة بین المجتمع المثالی للشاهنامه والیوتوبیا البراغماتیة، وقد اعتمد البحث المنهج الوصفی التحلیلی، مستنداً إلى أبحاث المکتبات وتجمیع المصادر المترجمة المکتوبة المتعلقة بالفلسفة البراغماتیة. وفی هذا المقطع، مع إلقاء نظرة خاصة على شخصیة رستم کرمز أسطوری وممثل إیرانی فی الشاهنامه، نجد أن أفعال رستم وأبطال الشاهامنه الآخرین أخذ الجانب العملی البرغماتی، وقد أثرت هذه الأفعال فی ترسیخ أهدافهم وتنمیة مجتمعهم. | ||
کلیدواژهها | ||
البرغماتیة؛ الأخلاق الواجبة؛ الشاهنامه؛ رستم؛ الاحتیال؛ النفعیة؛ الأخلاق | ||
اصل مقاله | ||
تعدّ الشاهنامه أعظم ملحمة شعریة وتاریخیة فارسیة تحتوی إضافة إلى الروایات التاریخیة على قصص وحکایات مستقلة عن التاریخ والسیر التاریخیة، کحکایة زال ورستم، رستم وسهراب، بیژن ومنیژه، رستم واسفندیار، بیژن وگرازان، کرم هفتواد وغیرها من الحکایات. والعامل المشترک بین هذه القصص والحکایات، هو سلوک البطل الوطنی باعتباره المنقذ المثالی والخیالی العظیم والذی یؤدی إلى حد کبیر إلى انتصار الفرس. وما یستنتج من بطولات الشاهنامه، هو أن أفعال تلک الشخصیات فی بعض الأحیان تنتهک المبادئ الأخلاقیة التی تظهر فی الفلسفة والثقافة الشرقیة والذی تجعلها شخصیات رئیسیة تفتقر إلى المواصفات البطولیة التقلیدیة وما یعرف بنقیض البطل. الفعل البطولی الإیرانی، وعلى رأسهم رستم، هو مجموعة من تضارب الأخلاق ومناقض للأخلاقیات التی تجاهلها الإیرانیون الوطنیون إلى حد کبیر بسبب الهدف الکبیر المتمثل فی إنقاذ إیران وانتشار العقیدة الزردشتیة، ولکنها لم تکن خافیة عن الأخلاقیین، کما أنها تشکل أحد الخلافات المثیرة للجدل بین النقاد فی هذا المجال. للأخلاقیات والفضائل الأخلاقیة تعریفات ثابتة فی الفلسفة الشرقیة والفلسفة الإسلامیة. یتحدث خواجة ناصر الدین الطوسی فی کتابه الأخلاق الناصری عن الفضائل الأخلاقیة باعتبارها (الحکمة) إذا کان هناک اعتدالاً فی الحواس الإنسانیة و(الشجاعة) فی حال کظم الغیض و(العفة) فی حال ضبط النفس والتحکم فی القوة الشهوانیة وعندما تتحقق هذه الفضائل الثلاث وتمتزج مع بعضها بعضاً، یتم تحقیق فضائل العدالة. وتدعى فی النصوص الدینیة الصفات الحسنة (الفضائل) وفی حال تجاوزها أو تهاون فیها تدعى السمات السیئة (رذائل). (طوسی، 1364ش: (112-11 تتوافق هذه التعریفات مع أفکار أرسطو، والتی ذکرت فی کتاب علم الأخلاق إلى نیقوماخوس. إن مسألة أخلاقیاتنا بین فلاسفة العصور الوسطى لها جذورها فی أخلاقیات أرسطو إلى أن ظهر شکل جدید فی عصر التنویر مع ظهور فلسفات تجریبیة مثل دیفید هیوم وجون لوک. تعتبر نظریة هیوم الأخلاقیة العمل بأنه معیار الأخلاق، وهو الذی یحدد سلوکنا ما إذا کان على الصواب أم لا. تعتبر الفلسفة البراغماتیة، التی یرکز علیها هذا البحث ولادة جدیدة لفلسفة هیوم التجریبیة فی حلّتها الجدیدة کمدرسة فلسفیة أمریکیة، تتمسک بما هو متوقع ومفید باعتباره حقیقة، ووفقا لمبدأ العمل هذا، یعتبر عمل أو سلوک صواباً ومفیداً أحیاناً وفی حالة أخرى وحین آخر یفقد فعالیته. فی بعض الأحیان، ومن أجل تحقیق الهدف المنشود، یجب علینا مراعاة المصلحة العامة فی المجتمع والمهم هو تحقیق الهدف ولیس الوسیلة لتحقیقه. من وجهة النظر هذه، فإن قضیة الأخلاق والفعالیات الاجتماعیة فی الفلسفة البراغماتیة لها دلالة تتعارض مع الفلسفة الشرقیة والفلسفة الإسلامیة، وکذلک الفلسفة العقلانیة الغربیة، وموضوع السعادة الإنسانیة.
أسئلة البحث یسعى هذا البحث إلى الإجابة عن الأسئلة التالیة: 1. من وجهة نظر فلسفة البراغماتیة، هل رستم بطل عملی أو نقیض للبطل ینتهک الأطر الأخلاقیة؟ 2. هل برر فردوسی انحیازه فی توصیف بطله، أم بطولاته الملحمیة تعبیر خالص لا ینقصه شیء؟ 3. هل معاییر الأخلاق والنفعیة والعدالة والتسامح التی تم التعامل معها فی الفلسفة البراغماتیة تتفق مع تلک الموجودة فی الشاهنامه؟ 4. هل تأتی الیوتوبیا البشریة (المدینة الفاضلة) من خلال الأفعال العملیة للجهات الفاعلة؟
فرضیة البحث یبدو أن تصرفات أبطال الشاهنامه وأبرزهم رستم، تتماشى مع ما یسمى الفعل العملی البراغماتی فی الفلسفة البراغماتیة، وفردوسی فی تعامله مع أبطال الشاهنامه جعل جمیعهم براغماتیین، معتقداً أن انتصار الأبطال، هو نتیجة أفعال تلک الشخصیات البرغماتیة.
خلفیة البحث هناک العدید من الأطروحات والمقالات حول البراغماتیة التی حللت هذه الفلسفة من وجهة نظر المنظرین المختلفة التی یمکن العثور علیها فی "براغماتیة تشارلز ساوندرز بیرس" للکاتب: أکبر غضنفری والمشرف: عبدالکریم رشیدیان. کما یمکن الإشارة إلى "أصول البراغماتیة الحدیثة لریتشارد رورتی" للکاتب محمد أصغری. یوجد مقال أیضا بعنوان "تفاعل البراغماتیة مع ما بعد الحداثة فی فلسفة ریتشارد رورتی" للکاتب محمد أصغری، والذی کان موضوع اهتمام کبیر للکاتب. وفی مجال النقد الأدبی وتطبیق البراغماتیة فی النصوص الأدبیة، یمکن الإشارة إلى مقال بعنوان "البراغماتیة (العملانیة) فی کلیلة ودمنة لفاطمة مهربانی ممدوح (المؤلف) والمؤلف المسؤول (محمد آهی) فإنه على الرغم من نجاحه فی إدخال مکوّنات البراغماتیة، إلا أنه فی نقده لکلیلة ودمنة لا یشکل انتقاداً سلیماً على أساس معاییر البراغماتیة. وفیما یخص الشاهنامه لفردوسی وشخصیته المحوریة "رستم"، أنجزت دراسات وأبحاث على نطاق واسع من مختلف الجوانب الأدبیة والنفسیة والفلسفیة والمقارنة. نشیر إلى بعضها؛ مقالة بعنوان "میزة رستم فی الشاهنامه، الطابع الإنسانی المثالی" للکاتب أصغر نهچیری و"تحلیل شخصیة رستم فی معرکته مع سهراب" لمریم صادقی، "قصة رستم دراسة مقاربة لعلم الأخلاق إلى نیقوماخوس تألیف أرسطو" لـ ذوالفقار علامی ولیلا چاوشی آقایاتی. ولکن کما جاء مسبقا، لم یکن هناک بحث ناجح فی مجال التحلیل النصی الأدبی من حیث السمات العملیة للبراغماتیة، ولم یتم إجراء دراسة عملیة لشخصیات الشاهنامه -خاصة رستم- تظهر کرسالة أو مقالة علمیة. فنظراً إلى التواتر المنخفض للبحوث التأویلیة الفلسفیة فی الأدب الذی یدرس النصوص الأدبیة من منظور النظریات الفلسفیة ویوفر مؤشرات لها، تظهر الحاجة إلى مزید من البحث فی هذا المجال أکثر من ذی قبل.
أهمیة البحث هذا البحث الذی یستند إلى الفلسفة البراغماتیة ویسعى إلى توفیر إطار مناسب لتوفیر مجتمع دیمقراطی یعتمد على العملانیة، یفترض دائما نوعین من العمل الاجتماعی والأخلاقیات؛ العمل الغائی أو النفعی المناسب مقابل العمل المثالی والوظیفی الموجه إلى العمل. وهذا التناقض بین الأفعال المثالیة والبراغماتیة یبرز بشکل ملموس فی الشاهنامه وشخصیاته. ورستم بصفته محوراً لکثیر من قصص الشاهنامه والذی تؤثر أفعاله وأعماله فی تحدید مصیر بلده وشعبه، تظهر منه أحیاناً سلوکیات متناقضة. ومن هنا تقع الشاهنامه وخاصة رستم موضع شک وتردید من قبل الأخلاقیین الذین إما أنهم متأثرون بالأخلاق الشرقیة أو متمسکون بالأخلاق الکانتیة کمبدأ توجیهی للسعادة الإنسانیة. ولکن الحقیقة أن هذه الأخلاقیة على الطرق السابقة لا تؤمّن الاستجابة لأهداف ومصالح المجتمعات المرسومة. والغرض من هذا البحث هو توفیر رؤیة حدیثة أکثر اتساقًا وأخلاقیة للمبادئ التوجیهیة الأخلاقیة والاجتماعیة التی وضعها الفلاسفة السابقون نظراً لواقع المجتمعات الحالیة حتى یمکن منحها جانباً عملیاً وإعطاؤها رؤیة واقعیة لقضیة الإنسان ومجتمعه.
البراغماتیة (الذرائعیة)[1] المصطلح مشتق من الکلمة الیونانیة pragma، معناه العمل. «إنها نظریة یتم بموجبها معیار صحة المعتقد بالعمل". (حلبی، 1393ش: 964) وقد ترجم المصطلح بفکرة مبدأ العمل أو مبدأ النفعیة العملیة، وأحیانا العملانیة. ظهرت هذه الفلسفة فی أمریکا فی القرن التاسع عشر. إن الأفکار التی جاءت من العالم القدیم، وکذلک الکمیات الهائلة من العلوم والمعرفة الجدیدة المتاحة للأمیرکیین فی النصف الثانی من القرن التاسع عشر، بطبیعة الحال لم تنسجم مع الأطر والمدارس الموجودة فی السابق، فهی تحتاج إلى إطار جدید یکون أکثر اتساعاً وشمولاً. لکن العقل الأمریکی لم یکن قادرًا على بنائه أو قبول الأطر الجدیدة المقدمة. وقد اکتفى بتصنیف عناصر تلک المجموعة الکثیفة لاستخدامها عند الحاجة. «واعتبر أن المنفعة والغایة هی معیار لصحتها، وتخلص من کل الحجج القدیمة حول معاییر الحق والحقیقة.» (اسکفلر، 1366ش: 110) یُعتبر الفیلسوف الأمریکی تشارلز ساندرس بیرس أوّلَ من ابتکر کلمة البراغماتیة فی الفلسفة المعاصرة وأوّل من استخدم هذا اللفظ عام 1878م فی وصفه لنظریة المعنى. باعتبار أن التطبیق العملی للفظة أو الفکرة فی الحیاة الحقیقیة تمنحها المعنى. من وجهة نظر بیرس إن تصورنا لموضوعٍ، ما هو إلا تصورنا لما قد ینتج عن هذا الموضوع من آثار عملیة لا أکثر.
نشأة البراغماتیة التاریخیة تمتد فترة البراغماتیة الأمریکیة من نهایة الحرب الأهلیة إلى اندلاع الحرب العالمیة الثانیة. وهی الفترة التی تحوّلت فیها أمریکا من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضوج. کانت المجتمعات الریفیة الصغیرة تتحول إلى بلد حضری وصناعی کبیر، ولم تکن هذه التغییرات علمیة بل کانت اجتماعیة وروحیة.
نشأة البراغماتیة الفلسفیة تمثل فلسفة کانت وهی الفلسفة الأهم والأکثر تحدیدا فی القرن الثامن عشر، نقطة انطلاق للبراغماتیة ومواجهة التیارین الرئیسیین للعقلانیة[2] والتجریبیة[3]. (فروغی،1393ش:676) یمکن للمرء أن یطلق على البراغماتیة ولادة جدیدة لفلسفة "هیوم" التجربیة فی حلتها الجدیدة أو فلسفة "جون لوک" الوضعیة المنطقیة للمادة التجریبیة. کان أحد الأهداف الرئیسیة للبراغماتیة هو جعل العلم الحدیث یتماشى مع الفلسفة وانتقاد المواقف الفلسفیة التقلیدیة فی ضوء التطورات العلمیة الحدیثة. ثم تخلّى البراغماتیون بحزم وفی آن واحد، عن العدید من المبادئ الثابتة والمطلقة والقواعد الأساسیة، لافتین إلى الواقع والعمل والقوة. وهذا یعنی سیطرة الطبیعة التجریبیة مقابل الطبیعة العقلانیة. «اتبعت البراغماتیة أولاً أفکار الوضعیة المنطقیة (فلاسفة حلقة فیینا) وفلسفة برتراند راسل فی التحلیل المنطقی واتخذت الفلسفة التجریبیة المطلقة منهجاً لها.» (المصدر نفسه: 491) لکنها ابتعدت فیما بعد عن مبادئ الفلسفات السابقة. «یرى البراغماتیون فلسفتهم على عکس کل من العقلانیة والتجریبیة.» (دریدا، 1385ش: 41)
نشأة البراغماتیة الاجتماعیة إن التیار الفلسفی للبراغماتیة هو أیضاً عبارة عن حرکة وتیار اجتماعی، وشأنه شأن التیارات الفلسفیة الأخرى، یعکس الظروف التاریخیة فی فترة نشأته والمجتمع الذی نشأ فیه. «بالعودة من کانت إلى هیوم، وخاصة إلى بیرکلی، ینبغی النظر إلى تلک الفترة فی ضوء التطورات الاجتماعیة والفکریة العظیمة، أی فی النصف الأخیر من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرین. خاصة فی ظل تکثیف الصراع الطبقی ونشوء المارکسیة، وکذلک الظروف الخاصة وسمات المجتمع الأمریکی وطریقة تفکیر الأمریکیین ورؤیتهم للعالم. هذه التطورات لا یمکن أن تغیر من وجهات النظر الفلسفیة والفکریة للطبقات الرجعیة. کانت مهمة البراغماتیة وغیرها من التیارات الفکریة المشابهة توفیر أساسیات النظریة لهذا التحول والتراجع على حد سواء. (شیفلر، 1381ش: 11)
الأصول العلمیة للبراغماتیة کان الصراع بین قانون نیوتن ومعادلات ماکسویل أحد أخطر الأزمات فی تاریخ العلم فی القرن العشرین. کانت هناک قضایا فی مجال الفیزیاء الذریة أوضحت أن قوانین المیکانیکا الکلاسیکیة لا یمکن تطبیقها فی هذا المجال. وفی الواقع ذکر بعض العلماء أنه لا یمکن تفسیر هذه الظواهر على الإطلاق. قام سبنسر بتبریر التطور وفقا لمبادئ المیکانیکا، ولکن على خلافه اعتقد بیرس أنه لا یمکن لأی من القوانین ولا مبادئ المیکانیکا تفسیر التباین الواضح فی الطبیعة. کانت هذه هی القضایا التی استولت على منظری البراغماتیة ولا یمکن الإجابة علیها فی الفلسفات السابقة والعلوم السابقة. (المصدر نفسه: 53)
الخصائص العامة للبراغماتیة 1- الترکیز على العالم الحقیقی (الواقعیة): لیس على ما یجب القیام به فی عالم مثالی. 2- الترکیز على الخبرة: بناءً على نظریات عملانیة عن الحقیقة، فإن الحقائق هی المعتقدات التی تتشکل من خلال التجربة. (Audi ,1995: p 638) 3- النسبیة: یتحدث دیوی عن البحث بدلاً من الحقیقة، والغایة من ذلک استیعاب مقتضى الحال ومراعاته لاتخاذ الإجراءات المناسبة. (سکوفلر، 1366ش: 19) 4- التوجه نحو الکفاءة وأهمیتها، بالنظر إلى النتائج العملیة للأفکار. (Putnam, 2001: p1361) 5- الذرائعیة (النظریة النفعیة)؛ یقول جیمس: الحقیقة هی النفع الذی تحققه من خلال التجربة العملیة. (جیمس، 1370ش: 10) 6- الوسیلة: أی أن الأفکار والعقائد ما هی إلى وسیلة لتحقیق الأهداف. (Tiles, 2000: p705)
رواد النظریة البراغماتیة یقول تشارلز ساندرز بیرس[4]، أستاذ الریاضیات وعلم الفلک فی جامعة هارفارد وعالم الریاضیات الأمریکی البارز، إنه وصل إلى الفلسفة من خلال کانت، بینما یعتبر نوع تفکیره إنجلیزیاً. إن مبدأ بیرس العملی یرتکز على العلاقة بین الخیال والعمل. اعتقد بیرس أن مجرد عنصر عشوائی سیخلق انحرافات مبعثرة عن القانون. وفقاً لبیرس، لا یمکن أن تکون طریقة الإدراک الحسی للطبیعة مبدأ موثوقاً للبحث. وقد هاجم بیرس أیضاً الجبریة، أی أنه ینتهک الاعتقاد السائد بأن کل حقیقة واحدة تتمتع بشرعیة وقانونیة. بقی المبدأ الذی طرحه بیرس بعیداً عن الأنظار لمدة عشرین عاماً حتى أعاد ویلیام جیمس ذلک المبدأ. لم تشتهر البراغماتیة على ید بیرس بل بلغت الشهرة على ید ویلیام جیمس، ولیس فی عام 1878م ولکن فی عام 1898م. «صاغ جیمس مصطلح البراغماتیة لشرح نظریة الحقیقة. وفی نظریة الحقیقة، یضع جیمس الحقیقة النسبیة مقابل الحقیقة المطلقة فی الفلسفة العقلانیة». (شیفلر، 1381ش: 10) وقال جیمس «الحقیقة هی شیءٌ مرن والاعتقاد به أمرٌ صحیح. وبما أن تحقیق ذلک یعدّ من الشروط الأساسیة، فإن ما یتم تحقیقه أو ما أنجز هو أمر صحیح یمکن تصدیقه. کما یعتقد أن الحقیقة هی أفضل حالة یمکن تصورها للبشریة وأفضل أمر یمتلکه وأنه یختلف عن المبادئ التی طرحها العقلانیون والمثالیون سابقاً حول الحقیقة.» (جیمس، 1386ش: 48) یتمتع برتراند راسل[5] أیضاً بأصل فلسفی مماثل لویلیام جیمس، لکنه لا یقبل تجاوزاته فی البراغماتیة. حتى قبل ظهور البراغماتیة، کانت الحقیقة تعتبر منفصلة ومستقلة عن الوجود الإنسانی، ولکن مع ظهور البراغماتیة ساد الاعتقاد بأن الحقیقة لیست منفصلة عن الإنسان. (ساهاکیان، 1380ش: 182) والسبب الوحید لصحة الفرضیة، هو فعالیتها وفائدتها فی الممارسة العملیة. فی النهایة، الحقیقة فی عبارة ویل دورانت «حدث یحدث للأفکار والمعتقدات. الحقیقة هی التحقیق العملی.» (دیورانت، 1370ش: 446) «وفقاً لذلک، لا مکان للمثالیة والنموذجیة فی شیء، کما یمکن اعتبار البراغماتیة ردّ فعل مقابل المثالیة.» (سیزیان موسى آبادی، 1389ش: 109) ریتشارد رورتی[6] هو أحد أکثر الفلاسفة المعاصرین الأکثر جدلا والأشد صخباً واضطراباً والذی کان دائما موضع انتقادات شدیدة وحادّة. إنه فیلسوف تحدّث صراحة عن نهایة الفلسفة. من وجهة نظره، وطأ الغرب فی ما وراء الفلسفة من المرجح أن تتجاهل الفلاسفة بالمعنى التقلیدی للفیلسوف ویعامل الفلاسفة على أنهم علماء میتافیزیقیون. «سر أفکار رورتی تنحصر فی کلمة واحدة هی؛ أنه یجب أن یؤدی کل بحث إلى هدف یتجاوز المصالح الشخصیة والاجتماعیة، ویسعى فقط وراء تحسین تضامن المجتمع. تأثر رورتی بوجهات نظر نیتشه وهایدجر، وخاصةً وینجنشتاین، بالإضافة إلى فلاسفة مدرسة أصالة العمل الأمریکیین؛ جیمس وخاصة دیوی[7].» (دریدا، 1385ش:20) لقد نشأ منذ الطفولة على الجناح الیساری، وکان یکنّ احتراماً للمفکر المارسی تروتسکی[8] وللأدیب ت.س إلیوت، وهو یعدّ أول فیلسوف براغماتی قام بربط الأفکار البراغماتیة بالقضایا الاجتماعیة ویعید تعریف المفاهیم الإنسانیة. توسعت أفکار رورتی البراغماتیة إلى قضایا اجتماعیة، وبالتالی تأخذ البراغماتیة بجدیة المطالب المشروعة للجوانب الإنسانیة الأخرى مثل الأخلاق والفعالیات الاجتماعیة والفن والشعر والتاریخ والدین. وهکذا تم تعمیم الواقعیة البراغماتیة إلى المجال الاجتماعی، بعد أن سعت فی البدایة لاکتشاف الحقیقة والمعنى، وقدمت المواضیع السامیة کالأخلاق والعدالة والتسامح والنفعیة.
قضیة النفعیة البراغماتیة هی نهج فی الفلسفة تقبل بعض القضایا التی تتعلق بالممارسة العملیة فی حیاة الإنسان. یطلق مؤیدو هذا النهج على أنفسهم العملانیین المتسامحین، ویصفون المجموعة بأنها معتدلة (أو محافظة). ومن وجهة نظر البراغمات فإن الحقیقة وأفکارنا ومفاهیمنا وأحکامنا وآرائنا هی فی المنفعىة العملیة لحیاتنا. «وفقا للنظریة، فإن معیار الحقیقة، هو النفع والفائدة والنتیجة، وتثبت حقیقة کل شیء فی النتیجة النهائیة.» (دریدا ، 1385ش: 30) یطلق على من یعطون الأولویة للممارسات العملیة والمصالح الیومیة على معتقداتهم، رجال الدولة والسیاسیین البراغماتیین بمعنى آخر، هم من یتعاملون بالمرونة لتحقیق أهدافهم أو البقاء فی السلطة. فی مدرسة البراغماتیة، الأفکار والمعتقدات هی أدوات لحل القضایا والمشاکل الإنسانیة؛ طالما کانت لها آثار مفیدة، فهی صحیحة وحقیقیة وقد تصبح خطأ فی الغد. بناء على هذا، قد تکون الفکرة حیناً فعالة ومفیدة، فهی تکون حقیقیة بالفعل؛ ولکنها قد لا تکون لها نتائج مرضیة حیناً آخر فحینها تصبح نظریة خاطئة. فـ«الحقیقة لیست ثابتة وقابلة للتغییر، وجمیع الأمور تخضع للنتائج، فالحق أمر نسبی تابع للزمان والمکان وفترة محددة من العلم والتاریخ.» (آدورنو، 1395ش: 43) من وجهة نظر جیمس، الفکرة تحمل فی طیّاتها الصواب والخطأ معاً. لأن فکراً واحداً وسلوکا محدداً قد یکون مفیداً لبعض الأفراد وقد لا یکون مفیداً للآخرین. وفقا للمبدأ العملی: «بما أن الطبیعة تستمد مصداقیتها من تصوراتنا، فالحقیقة هی مجرد منهج للتفکیر ینبغی الأخذ به، وهذا هو جوهر المبدأ البراغماتی.» (نحن نمنح الطبیعة مصداقیتها) (شیفلر، 1381ش: 11) قضیة العدالة یعتقد جاک دریدا أنه إذا کان هناک شیء یسمى العدالة، فلا یمکن ترسیمه آو تفکیکه خارج القانون. (Lucy, 2004 : 63) فی رأی دریدا، لا یمکن أو لا ینبغی لأی نموذج سیاسی أن یحاول فرض نفسه باعتباره یجسد العدالة. وأکبر خطر فی السیاسة هو الشمولیة التی نراها بجمیع أشکالها الأخیرة: الفاشیة الحدیثة والقومیة والطائفیة والثیوقراطیة. «تستند الشمولیة إلى افتراض السیاسة والاجتماع أمراً واحداً، وترى أن شکلاً سیاسیاً معیناً أو دولة معینة أو مجتمعا أو مجالاً إقلیمیاً محدداً، یجسد العدالة.» (دریدا، 1385ش: 12) من المنظور البراغماتی، الشأن السیاسی والشأن الاجتماعی متمیزان. وفی الوقت نفسه، لا یمکن الحصول علیهما فی آن واحد. فی بعض الأحیان یتم تجاهل العدید من القضایا الاجتماعیة فی الشؤون الاجتماعیة ولا یمکن تحسین المجتمع وإصلاحه فی ظل هذه المواجهات. والسیاسیون البراغماتیون هم من ینظرون إلى القانون باعتباره عنصرا قابلاً للتفکیک، وعند الضرورة یقومون بتفکیک قانون تتجسد فیه العدالة. قضیة الأخلاق یعتقد سقراط أن العمل إذا کان مفیداً للإنسان حقاً یکون بالفعل صحیحاً وصائباً. لذلک یمکننا أن نعزو فلسفة الأخلاق المعیاریة على أسس نفعیة، إلى سقراط أو بمعنى آخر نستطیع أن نعتبر سقراط مؤسساً لفکرة الأخلاق وفق النتائج والآثار المترتبة علیه. (غمبرتس، 1375ش: 612) تُنسب نظریة الاعتدال أیضاً إلى أرسطو، مما یعنی أنه یقبل النسبیة فی الأخلاق. «فی رأیه، الشخص الحکیم هو من یهتم بما هو خیر یسعى لتحقیق المصالح العملیة، بدلاً من التفکیر حول الفرضیة.» (کابلستون، 1370ش:348) مدرسة المنفعة هی نموذج تقلیدی لهذه الفرضیة مع الفارق فی اعتقادها بأن «أفضل سلوک أو تصرف هو السلوک الذی یحقق الزیادة القصوى فی المنفعة.» (فرانکنا، 1383ش: 48) وبالتالی یعطی الأولویة للمصلحة العامة للمجتمع ویقدّمها على الإنسان کفرد منعزل. فیما یتعلق بمسألة الأخلاق، یعتقد رورتی أیضا أن القیم الأخلاقیة تتکوّن من خلال العملیات الاجتماعیة والخطابیة، ولا یمکن أن تکون للقیم الأخلاقیة دور ثابت ومؤسس. الأخلاقیة المعیاریة؛ هی فعل یتعلق بنتائجه وآثاره التی یمکن أن تکون جیدة أو سیئة، صحیحة أو خاطئة. وهناک آراء مختلفة «یعتقد البراغماتیون أن السلوک أو العمل یعدّ صحیحاً عندما یقع مفیداً لفاعله فقط. ویعتقد آخرون أن العمل یعدّ صواباً ومقبولاً عندما یکون مفیداً للآخرین بالإضافة إلى عامله. یعدّ کل من دیفید هیوم[9] وجیریمی بنتام[10] وستوارت میل[11] من مؤیدی هذه الفکرة.
الأخلاق الواجبة؛ هی ممارسة لا تستند فقط إلى النتائج ، ولکن أیضا إلى خصائص الإجراء نفسه أو الدافع وراءه الذی یحدد الخیر والعمل. أیا کانت نتیجة العمل، فإنه لا یؤثر علیه سلباً أو إیجاباً. ویعدّ إیمانویل کانت من أبرز مؤیدی هذه الفکرة.» (بالمر ، 1385ش: 11) بطبیعة الحال، فإن نظریة کانت فی الأخلاق کانت بعیدة عن البراغماتیین وهی قریبة من المثالیین. یتبع البراغماتیون الأخلاقیة المعیاریة التی تدخل حیز التنفیذ وتقدم النتائج المتوقعة للمجتمع. یتصرف البراغماتی دائما بطریقة مثمرة ومفیدة، وقد تُفقد القیم الأخلاقیة فی بعض الأحیان وظیفتها.
فرضیة بحث التسامح یبدأ التسامح عندما لا یؤید الإنسان تصرفاً وفقا للمعاییر الأخلاقیة وهذا لا یمنعه بأن یقبله. الشرط الأساسی لمعالجة مشکلة التسامح هو أولاً علینا أن ندرک بأن التسامح لیس قضیة أخلاقیة على الإطلاق. والتسامح غیر المحدود یقوض نسیج المجتمع بقدر ما یعیق الاندماج الأخلاقی الشمولی للمجتمع. ابتکر رورتی مصطلح اللیبرالیة النخبویة. « یعتقد رورتی أن المجتمع اللیبرالی ینبغی أن یستخدم التسامح کوسیلة لتقلیل المعاناة والتمییز بین القضایا العامة والخاصة والتفریق بین القطاعین العام والخاص بشکل ملائم. من خلال هذا التفسیر، یعتقد رورتی على الرغم من أن اللامبالاة والتسامح غیر مسموح به لمن هو معرض لأوشفیتز (معسکر الموت) ولکنه له ما یبرره فی ضوء تحسین المجتمع والمنفعة الاجتماعیة.» (دیریدا، 1385م: 68)
البراغماتیة فی الشاهنامه بعد شرح وجیز للبراغماتیة، سیقوم هذا البحث بتحلیل وتجسید هذه الفکرة فی الشاهنامه للشاعر فردوسی من أجل تقدیم براغماتیة موضوعیة، وتحدید مدى تطابقها على أفکار فردوسی، والإجابة على الأسئلة المثارة. ومن هنا تتم دراسة الشواهد والأمثلة الموجودة فی الشاهنامه من منظور أربع سمات مهمة من الواقعیة: 1 - النفعیة 2 - العدالة 3 - الأخلاق 4 - التسامح وأخیرا (البراغماتیة النتائجیة) فی ظل هذه المؤشرات الأربعة.
ملامح النفعیة فی الشاهنامه کما أشرنا آنفاً، فإن البراغماتیة تبرر بعض السلوکیات والقضایا نظراً لتطبیقها وفعالیتها فی حیاة الإنسان. إنه یوفر بالتالی تعریفا مختلفاً للأخلاق، وتأتی بعض المفاهیم کالتواری (التخفی)، والاحتیال والتمویه، أو العقلانیة البراغماتیة لتحقیق تطلعات المجتمع فی ضوء النفعیة. فیما یلی بعض الشواهد تتخذ فیها الشخصیات مثل هذه التصرفات والسلوکیات لتعزیز أهدافها. • العقلانیة البراغماتیة (النفعیة) یرى فردوسی أن الشخص الحکیم مقیاسه فی العمل الذی ینجزه ولا یفعل شیئاً دون حساب وفکر. تدور الأفکار فی الشاهنامه حول تحقیق المصالح السیاسیة والاجتماعیة، والعمل العقلانی للشخصیات یکون ناجحاً عندما یکون الهدف المنشود هو حمایة إیران وتعزیز دین الزردشت. «فهذه العقلانیة محدودة ونسبیة وهی غیر متناسقة مع عقلانیة المثالیین المطلقة. من خلال هذا التفسیر، فإن الرجال العقلانیین فی الشاهنامه یتقیدون بالأخلاق (المرکّزة على النتائج) ویخرجون عادة بنتائج مرضیة منتصرین.» (محمودزاده، 1383ش: 107) رستم ینتصر فی الشاهنامه بأسرها، لیس بشجاعته وإنما بقوة الفکر والحکمة. لیس للحکمة فی الشاهنامه أی محتوى فکری یمکن البحث عنه عند العلماء فقط. یرى فردوسی أن الحکمة هی أداة واسعة یمکن من خلالها تشجیع جمیع السلوکیات الاجتماعیة من أبسطها إلى أکثرها تعقیداً لصالح الترقیة والتقدم. بناء على هذا یعتبر رستم شخصاً حکیماً وشعبیاً یستخدم الحکمة للوصول إلى مصالحه ومصلحة الإیرانیین عامة. • التخفی والاحتیال على الرغم من أن الأبطال الإیرانیین صادقون فی الغالب، ولکنهم یلجأون أحیاناً إلى شکل من أشکال التواری والاحتیال. جسّد فردوسی نموذجاً من هذا الاحتیال فی قصة جردآفرید وسهراب. إن جردآفرید على عکس تهمتینة ورودابة وسودابة، لا تعیش خلف الکوالیس. بعد إخفاقها فی هزیمة سهراب فی المعرکة، تلجأ إلى الحیلة وتطلب من سهراب أن یرافقها إلى القلعة والاستیلاء علیها حیث تقول: من غیر المستحسن أن یرى العسکر ما یجری بیننا من المبارزة والقتال وسیعیبون علیک کونک تفرغ وسعک وتبذل جهدک فی مقاتلة امرأة. وسهراب الذی أصابه الذهول بعد أن رأى حسنها وجمالها شغف بها واغترّ بکلامها، فقد إحساسه بالمنطق للحظة وسقط فی فخ جردآفرید. فعطفت عنانها وسهراب معها، فلما حصلت وراء الباب أغلقوه فی وجه سهراب ... و جردآفرید مقاتلة رشیقة وذکیة فهی لا تقاتل سهراب فحسب وإنما تحتال علیه أیضاً.
«التفت جردآفرید إلى سهراب قائلة: أین آساد الرجال وأبناء القتال، سألقی البیضة عن رأسی ووجهی والعسکر یعیبون علیک فعلک قاتل سهراب فتاة فی ساحة المعرکة وقاتلت معه بشدّة وقسوة الأولى بنا إخفاء الأمر فالحکمة خیر سلوک منا فکشفت عن وجهها لسهراب بادرت بالحدیث ظهرت أسنانها کالعناب»
من حزن جردآفرید وهجیر تألم الصغیر والکبیر قالوا أیها المرأة الشجاعة قلب المجتمع حزین من أجلک فإنک قاتلت وفتنت وتلونت وعملک لیس بوصمة عار (فردوسی،1387ش، ج2: 187) فی قصة رستم وسهراب، تقوم تهمینة بإخفاء الحقیقة عن رستم خوفاً من أن یطلب الأخیر ابنه عنده، فقد أخفت تهمینة أن سهراب قد بلغ رشده فی السن الثانیة عشرة، لهذا عندما قدِم سهراب إلى إیران بحثاً عن والده، فکان متیّفناً أن ابنه من تهمینة مازال طفلاً فسعى فی إفشال محاولات سهراب فی البحث عن والده وکشف هویته، معتبراً تلک التساؤلات والتحقیقات ما هی إلا محاولات مخادعة لانهزامه فی المعرکة. حین سمع تهمتن بالکلام وقرأ الرسالة، ضحک مذهولاً من ذلک الفعل لدی من ابنة ملک سمنجان، طفل ذکر وهو مازال صبیاً أرسلت له الکثیر من المجوهرات، سلّمها أحدٌ لوالدته جاء کردّ أن ذلک المبجل، سیصبح کبیراً عن قریب نشأ على المروءة وهو صغیر، فلابد أن یصبح شرساً مبکرا (فردوسی، 1387ش، ج2: 196) یقوم رستم أحیانًا بالغش والکشف عن الحقائق بطریقة مختلفة، وینهی اللحظات المصیریة للقصة لصالحه. یتخذ هذا السلوک مرة مع سهراب ومرة أخرى مع اسفندیار. نعلم أن سهراب هزم رستم فی المعرکة الثانیة. ویجلس للدعاء منهکاً. یبحث عن النجاة والخلاص خارج ساحة المعرکة وقوته البطولیة. لأنه یؤمن بأنه لا یستطیع أن یصمد أمام سهراب الشاب. یطلب من الربّ استعادة قوته المفقودة التی خسرها منذ سنوات بناء على طلبه، فی مثل هذه المواجهة المصیریة، تتحقق بالفعل رغبته. إن رغبته المتمثلة فی النصر وهدفه الوطنی الکبیر، تتسبب فی نصب فخ کبیر له یغریه إلى لعبة التخفی والاحتیال. عندما أمسک سهراب بحزام رستم وبطحه وجلس على صدره واستلّ خنجراً أراد أن یحتز رأسه، احتال علیه رستم وقال: لیس هذا من شأن المصارعة عندنا، بل کان من ساجل شجاعاً بالمصارعة فلیس یبسط یده إلى قتله فی الصرعة الأولى بل حتى یصرعه ثانیاً فحینئذ له ذلک. فاغترّ سهراب بکلامه وقام عنه وخلّى سبیله... ولما تخلّص رستم من یده قصد ماء جاریاً هناک فشرب منه واغتسل وسجد یسأل الله تعالى أن ینصره على عدوّه .. ثم تشمّرا ثانیاً للمصارعة لکن هذه المرة ألقى رستم بسهراب على الأرض وجلس علیه وسلّ خنجره مسرعاً وشقّ به حنجره.. ورستم أظلم نهاره. قال رستم لسهراب أیها الشجاع، الفارس المقدام بالضراب والطعان قواعد الحرب لدینا شیء آخر، ولیس هذا من شأن المصارعة إذا قام مصارع شاب، بضرب مصارع قدیم، فلیس یبسط یده إلى قتله، حتى لو کان ذلک فی ساحة القتال. بالاحتیال أراد رستم أن یتخلص، من قبضته سهراب ولا یصرع عندما تخلص وأطلق سراحه، استعاد قوته کما لو کان سلاحا فتاکا فقصد ماء جاریاً یشرب منه، فبدا یتعافى بشربه الماء شرب الماء أولا واغتسل به، فأصبح المنتصر بإذن الخالق المنان طلب من الله أن یفوز فی معرکة أخرى ضد سهراب، لکنه لم یکن مطلعاً من صروف الدهر. (فردوسی،1387ش، ج 2 : 235) أو فی قصة رستم اسفندیار، أخبر رستم اسفندیار کذباً فی نهایة معرکة الیوم الأول فکرة الهروب. استغلّ رستم الفرصة للتحدث مع اسفندیار بمرونة ولطافة ویضع کبریاءه جانباً لما اقتضته المصلحة. ومنذ لقائه الأول مع اسفندیار، یحاول مراراً فتح حوار ومصادقة ویتحدّث إلیه بکل مرونة وهداوة إلا أن سفندیار یرفض. قال له رستم: أیها الأمیرالنبیل، لقد سألت الله أن یجعل قلبک سعیدًا، والآن أرى منک الأذى فأخشى أن یحدث مکروه وتُسلب الراحة منی وهذا الطلب یمثل وصمة عار لی، ولا یمحى هذا الخزی عنی إلى الأبد (فردوسی، 1387ش ،ج 6 : 248 )
وهکذا تبدأ المعرکة. ویعود رستم مهزوماً مجروحاً مغلوباً على أمره بعد المعرکة الأولى، وعندما شاور أقرباءه فی الأمر رأى أن الطریقة الوحیدة فی الخلاص هو الهروب، ولکن "زال" یعارض ویطلب حلاً من العنقاء. رستم یقضی على اسفندیار بعد معرفته بسرّ موته الذی تعلّمه من العنقاء وذلک من خلال استهداف عضو فی جسمه القوی المنیع. البطل الذی رسمه فردوسی فی الشاهنامه وهو رستم تلطخ یده بدم اسفندیار دون خوف من عین لم تنم. رستم فی کلتا المعرکتین، قبل الخوض بحرب عرف أنه سیهزم فیها رغم رغبته الشخصیة، خاصة فی المعرکة ضد اسفندیار. لکن مهمته تغلبت على رغبته. ذکرت العنقاء حلاً لاسفندیار وقالت لرستم: الحل فی القوس وخشب الأثل یوضع فی ماء العنب، ثم یصب على عین اسفندیار الیمنى، عندما یکون الناس على استعداد لذلک، ولکن اعلم أن من یسفک دم اسفندیار فلا مکسب له وسیعاقبه الدهر. (فردوسی، 1387ش، ج 6 : 299 ) • التمویه[12] التمویه أو المخادعة والمراوغة والاستحالة؛ هی أفعال براغماتیة تظهر فی بعض شخصیات الشاهنامه. فتلک الشخصیات تسعى من خلال تغییر مظهرها أو سلوکها لإخفاء هویتها الحقیقیة، بغیة الوصول إلى أهدافها. فی قصة بیژن ومنیژه، عندما یحاول رستم إنقاذ بیژن، یجد أن حشد العسکر والمعرکة لا یفی بالغرض، لذلک یرى الحل فی أن یذهب شخصه مع مجموعة من الأبطال فی زی التجار إلى توران لإنقاذ بیژن. عند وصوله إلى توران، کان یرتدی رداءاً صوفیاً، وأنشأ مع رفاقه سوقاً خارج الحی یعرضون فیها البضائع والقماش. مثال آخر على ذلک نجده فی قصة سهراب وجردآفرید، حیث نرى الأخیرة تختبئ وراء بیضة فی محاولة تمویه منها تتنکّر من خلالها لسهراب حتى تظهر کرجل محارب تهاجم سهراب فی المبارزة والقتال. لبست المرأة السلاح، ولم یکن فی ذلک الأمر تأجیل، ووارت قرونها تحت الزرد ولبست درع الرجال الأبطال. (فردوسی، 1387ش، ج2: 184) ملامح الإطار الأخلاقی فی الشاهنامه یعرف عن أبطال الشاهنامة أنهم متکلّمون بارعون إلى جانب السمات البارزة کالوطنیة والحمیة والشجاعة والتسامی الروحی والفکری وکونهم أهل مرح وکبریاء وبراءة وتبجح. «یعتقدون أنه لا قیمة للنفس والمال والبنین والزوجات فی سبیل حمایة العرش.» (صفا، 1390ش: 242) تبدو ملامح هذه الشخصیات فی الوهلة الأولى غامضة مغبرّة بغبار اللامبالاة والأنانیّة وحبّ الذات بعض الشیء. إنهم یتخلّون عن زوجاتهم وأولادهم، ویلجأون إلى الخدعة والمکیدة ویکتمون الحقیقة، وأیدیهم ملطّخة بدماء أبنائهم وإخوانهم والنبلاء من الرجال تحقیقاً لأهدافهم السامیة وما هی شخصیة وفردیة أبداً. فالجدل بین المصلحة الشخصیة والمصلحة الوطنیة- العامة، هو الصراع الأمثل یتخذه الأبطال فی تقریر المصیر واتخاذ القرار، حیث إن الحبّ أیضاً لا یبعدهم عن مهامّهم فی صرف النظر عن رغباتهم وطموحاتهم تجاه المجتمع. یتجنّب الأبطال الإیرانیون السحر والأکاذیب وهم معادون للسحرة المشعوذین کعدائهم لخصومهم وهم یلتزمون دائما بمبادئ البطولة والشجاعة فی ساحة المعرکة. لکن التورانیین طالما یلجأون إلى السحر والشعوذة لاحتماء أنفسهم، ویجدون فی الدنائة والهروب خلاصاً. والهروب من ساحة الحرب یساوی الموت لدة الإیرانیین على عکس التورانیین، فإنهم یعتبرون الغارة والاقتحام وأمثال هذه الأفعال خزیاً وازدراء. لکن فی بعض الأحیان نرى الأبطال الإیرانیین یکسرون قواعد القتال لإنقاذ إیران والشاه وحفاظا على السمعة، وبلجأون إلى الکذب والاحتیال والمکر والخدعة والتراجع. وذهذا ما نراه فی معرکة پیران و گیو غیو حیث یلجأ الإیرانیون إلى هذه الأفعال والتصرفات. ونجد فی الشاهنامه أن الإیرانیین الذین لم یلجأوا أبداً إلى المکیدة والاحتیال فی ساحات الحرب، یتوسلون الآن بالحیلة لفتح القلاع الکبار کما توسّل "قارن" بالحیلة فی فتح قلعة دژالان: سلم العسکر لشیروی وقال: أرید الآن الاختباء، أسیر إلى حاکم القلعة رسولاً، أریه بصمة الخاتم، إذا دخلت القلعة لأرفعنّ الرایة، والسلاح الرمادی، أقبلوا على الحصن مباشرة، وإذا دخلتم الحصن أضربوا واقتلوا دون هوادة. (فردوسی، ش1387، ج1 : 127) کذلک لفتح قلعة جبل "سپند"، انضم رستم إلى سلک تجار الملح تنکراً: استمع رستم لأبیه وعدّ العدّة لما کانت تستحق المعرکة. وفی حمولة الملح أخفى العصا والصولجان، تحملها الأعناق والأعضاد. أخذ معه بعض الأقارب الأبطال الذین کانوا فی حالة تأهب واستعداد. وأخفى ذلک الفارس البارز سلاح البطل بین حمولة الإبل. واسفندیار الذی یعدّ أیضاً رمزاً للصدق والاستقامة، عندما یجد نفسه غیر قادر على دخول قلعة الملک أرجاسب المنیعة، یتنکّر بزیّ التجار لیتمکّن من الدخول فی القعة واجتیاحها وتدمیرها: فی مکان مخادعة وفی مکان آخر خوف ورهبة، وتکون أحیاناً مهرباً جمیلاً وأحیاناً لا تکون فی مکانها. إذا دخلت القلعة تاجراً، أتخفى ولا أقول بأنی أنا بطل العالم المقدام. سأجد طرق الخلاص من کل باب، و أقرأ کتاباً من العلم أکسبه من کل تجربة وامتحان. (فردوسی، 1387ش، ج6 : 192) واسفندیار شأنه شأن رستم یلجأ إلى الکذب والاحتیال فی الأراجیز. یمتدح والده لشجاعته وکونه ملکاً عادلاً، فی حین أنه لم یعتبر أباه شجاعاً وعادلاً من قبل. کما ینصح رستم بعدم الإحساس بالذل والعار عند الوقوع فی سلاسل وأغلال الملک، على الرغم من أنه هو نفسه کان یشکو بمرارة تحمل مثل هذا العار من قبل، وعندما ألقى رستم علیه اللوم لعدم دعوته للعشاء، قال اسفندیار الذی أخبر أخاه سابقاً أنه یرید إذلال رستم، قال بنبرة هادئة، أنا لم أشأ إزعاجک. یعدّ الثأر والحقد الدافع الرئیس لجمیع المعارک وأعمال العنف فی الشاهنامه، وتشکل غالباً العوامل الداعیة للحرب لدى أبطال الشاهنامه أیضاً. على الرغم من أن الثأر سمة مذؤومة، إلا أنه یعتبر أمراً بطولیاً فی الشاهنامه، وکان الحقد طریقاً یسلکه الأبطال. وفی جمیع أنحاء الشاهنامه، یمثّل الحقد عاملاً رئیساً لأغلب المعارک على حدّ تعبیر فردوسی. وتصل حالة الثأر والانتقام أحیاناً إلى أقصى حدّها، فمثلاً عندما قتل جودرز بیران غرف غرفة من دمه وتشرّبها تشفیاً لسیاوخش وأولاده السبعین. وثأر رستم لنفسه عندما وقع فی حفیرة فتمزّق بطنه وخاصرته وکان ذلک من فعل أخیه شغاذ، فتناول رستم قوسه ووترها ففزع منه شغاذ فتترّس بشجرة فرمى رستم الشجرة بإحدى نشابتین فنفذت فیها وخلصت إلى شغاذ وخاطته مع الشجرة فتأوّه آهة خرجت معها روحه. ففرح رستم وحمد الله على ما یسّر له من إدراک ثأره بیده وقبل موته. خاط رستم أخاه بالشجرة، وعندما خرجت روحه هدأت روعته شکر رستم ربّه على ذلک وهو دائماً یشکر الربّ بعد کل فوز ونصر. عندما قصدتنی بالقتل ورأیت الموت بأم عینی، لم یهدأ لی بال حتى أتشفى بقتلک. دفعتنی إلى الموت بقوة وإکراه من قبل، ولهذا الجفاء أردت أتشفى لنفسی ثأراً وانتقاماً. (فردوسی، 1387ش، ج6: 333) کما طلب رستم أیضاً ثأر سیاوخش بعد مقتله. وفقصد بلاد توران، وسار إلى حضرة کیکاووس وقال له: «أیها الملک! قد حصدت ما زرعه سوء تدبیرک واجتنیت ما أثمرته شراسة خلقک .. فقام رستم واقتحم على سوذابة وألقاها من تختها وجرّها بقرونها حتى أخرجها من خدرها فوسطها فی الطریق بنصفین.» دبیر ساقی، 1392ش: 113) اقتحم "تهمتن" على التخت، وأقبل على سوذابة لأمر، أخرجها من خدرها وجرّها بقرونها، حتى تشحّط التخت بدمها، فوسطها بنصفین بخنجره، وکیکاوس لم یُحر جواباً عمّا فعل. (فردوسی، 1387 ش ، ج3: 172)
ملامح العدالة فی الشاهنامه تعدّ الشاهنامه مظهراً لثقافة وتاریخ إیران القدیم وأسلوب إدارة البلاد وفن السیاسة فی إیران، وطالما حاول فردوسی تصویر حکومة عادلةٍ یجسدها فی کتابه الشاهنامة من خلال القصص وحکایات الملوک. وجاء فی الشاهنامه، أنه یجب على الإنسان أولاً أن یکون عادلاً فی ذاته وکیانه. کما نرى فی الوجود الإنسانی، جدلاً وصراعاً قویاً یجری دائما بین قوى الخیر والشر. یرى فردوسی «أن الاعتقاد بالعدالة والالتزام ببسط العدل أمر لابدّ منه وهو أساس لفکرة صفوة الملوک فی إدارة البلاد.» (محمود زاده، 1383ش: 66). ولکن الموضوع الهامّ، هو أن فردوسی والشاهنامه لم ینجحا بالکامل فی إقامة العدل. على الرغم من أن أساس عمل فردوسی یتمحور حول العدال، إلا أن هذه العدالة هی فی بعض الأحیان سلاح ذو حدّین یمکن أن ینتهک العدالة بنفسه ویخرج عنها بقدر ما یدعو إلیها. کما ذکرنا آنفاً، عندما ینتهى خبر مقتل سیاوخش إلى رستم، یسیر رستم إلى توران طالباً بثأر سیاوخش ثم یوسط سوذابة بنصفین دون تردید ولا محاکمة. و عمل رستم هذا لا یعدّ مذؤوماً فی رأی فردوسی ولا حتى یعاقب علیها. ونرى فی مکان آخر، أن سهراب یطلب من هجیر الذی وقع فی أسره أن یرشده إلى مخیم رستم، ولکن هجیر تفوّه بالکذب خوفاً من یصیب هذا البطل الشاب رستمَ بسوء، فغضب سهراب من فعلته وهدّده وعاقبه بشدة. اختطفه بسرعة بالغة من سرجه وأوثقه فی أسره هجیر لم یعمل شیئاً ترجل علیه سهراب من الفرس لیحتز رأسه. فردوسی، 1387ش، ج2: 184) فطعنه برمحه من الخلف وألقاه من ظهر الفرس ثم أمکث مکانه. (المصدر نفسه: 219) ملامح التسامح فی الشاهنامه یعنی التسامح فی الثقافة الإیرانیة الإسلامیة، أن المرء یعامل الآخرین بالتساهل والملاطفة ویتجنّب القسوة والفظاظة، لأن المرء إذا کان یحمل صفات سیئة مثل عدم التسامح والعنف والقسوة فهو لا یتمتع بمکانة اجتماعیة مطلوبة. على الملک أن یعامل رعایاه بلطف، ولا یعامل الخاطئ والمذنب بعنف، وأن یرفع من شأن الناس حفاظاً على کرامتهم الإنسانیة. ولکن کما لاحظنا، فإن البراغماتیین یقدّمون الأخلاق العملانیة ذا النتائج المثمرة والنافعة على الأخلاق الواجبة. تتسم شخصیة رستم فی الشاهنامه بأنها مزدوجة، تکون شخصیة مثالیة حیناً، وتظهر عملانیة ذا نتائج مثمرة وما یعرف بالبراغماتیة حیناً آخر. وهذا لا یحدث عادة مع شخصیات مثل زال وسام، لأنهما متحفظان متمسّکان بالتقالید، فی حین أن اتجاه رستم فی الساحة السیاسیة فی عصره یفتقر إلى روح المحافظة والتسامح. عندما مات منوچهر ذلک الملک الصالح، تربع ابنه نوذر على العرش. فتوجّه سام نحو دار الملک، تلقاه الأمراء والأکابر مبادرین ومشایعین، شکوا إلیه سیرة الملک وسوء صنیعه بالرعیة، وقال سام هذا لا یستحسن الربّ سوف أردّه إلى الطریقة المرضیة والسیرة الحمیدة، موجّهاً نصحه إلى نوذر. «یظهر موقف زال تجاه کیکاوس عند مهاجمة مازندران إلى مستوى من التحفظ، ما یشوّه سمعته من حیث الإنسانیة.» (گرجیان، 1383ش: 22). فیعتبر زال مهاجمة مازندران أمراً لا جدوى له، ومهاجمة مازندران یؤدی إلى استئصال العسکر وإهدار الثروة المادیة الإیرانیة. ولکن إجابة کیکاوس تتعارض تماماً مع تحلیل زال. والردّ النهائی لزال یذهل المرء حقاً: قلت له أنت الملک ونحن الرعیة، نتحدّث إلیک بشفقة وحنان فإن سلکت العدل أو أطلت ید الظلم، فرأیک هو أمر مطاع إن لم تندم على فعلک، فاعلم أنک من یهدی الفکر وینیر الدین. (فردوسی، 1387ش، ج 2: 83) ولکن فی المقابل، نرى رستم یأتی برفقة جیو إلى حضرة کیکاوس. یغضب کیکاوس لتأخر رستم لدرجة أنه یأمر بقتل کلیهما. یأتی ردّ رستم على خلاف التقالید السیاسیة التی دفع زال إلى التحفظ بها، فردّه کان کسراً للتقالید بامتیاز. فکل واحد من أمورک أنحس من الآخر، ولا تلیق بک الشهریاریة والملک، لماذا یحرد علیّ کیکاوس؟ ومَن کیکاوس؟ ومَن طوس حتى یمدّ یده إلیّ، إنی طلیق حرّ ولست عبداً لأحد، إنی عبد للإله فقط، دعانی فرسان العسکر للملک، فزیّنوا لی التاج.. ولکنی لم ألتفت للملک حتى، فاحتفظت بالعادات والعرف فلو قبلتُ بالتاج والتخت ملکاً، لم تکن تتنعّم أنت بالکرامة قطّ. (المصدر نفسه: 201) وفی ردّه على جودرز عندما توسّط بینهما قال رستم: وما فزعی من کیکاوس؟ لست أفزع منه أبدا سواءٌ عندی کیکاوس والتراب. (المصدر نفسه: 204) نرى سلوکا مشابها لهذا فی قصة برزو. عندما یرى أفراسیاب برزو فی شنجان ویجده شابا مقتدراً، یطلب من أحد قادته رویین اصطحابه. یمتنع برزو طلب رویین. وعندما یسمع برزو باسم أفراسیاب، یردّ برزو: إذا کان یطلبنی لأمر فالیأتی بنفسه. فیحدث صراع بینهما. عندما یشهد أفراسیاب العراک من بعید ینهض غضباً، إلا أن بیران ینصحه فی المصالحة مع هذا الشاب، لأنه الحصول على مثل هذا الشاب فی عسکرنا سیکون بصالحنا ویوافقه أفراسیاب الرأی. وهناک مثال آخر على السلوک المتناقض لرستم فی قصة رستم وسهراب. فعادة کلما کان یحدث مکروه لإیران وملکه، ینهض رستم على الفور إلى ساحة المعرکة لإنقاذ الإیرانیین. فتوجهه نحو مازندران مسرعاً، وتنظیم معرکة لإنقاذ الإیرانیین من الملک هاماوران، وأخیراً حضوره التاریخی فی معرکته ضد أفراسیاب، جمیعها تدلّ على مثل هذا السلوک. «ولکن فی قصة رستم وسهراب، فإن تردید رستم فی ذهابه إلى کیکاوس یدعو إلى التأمل نوعاً ما. فلم یطلب کیکاوس مساعدة من رستم أبداً حتى فی أصعب الظروف التی مرّ بها، حتى أثناء أسره فی مازندران. یرسل جیو لاستدعاء رستم. ورستم یتأخر خلافاً لما کان یصدر منه فی السابق من الاستعجال والمبادرة، فهو یدعو جیو إلى الشرب ویتوانى فی النهوض إلى حضرة الملک. فی النهایة یحذر جیو رستم أن الملک سیغضب من هذا التأخیر.» (محمود زاده،1383ش: 110) عندما سمع رستم ضحک وقال إن النصر لنا. أنت یا شارب الخمر، إشرب الشراب البابلی ولا یهمّنک الأمر. جاء الساقی وقدّم الشراب بسرعة، وابتهج رستم سروراً لهذا العمل. قال جیو لرستم الفارس: یا من یلاطفه الملک والأبطال، سأسیر إلى أفراسیاب، ولا أبقى حتى أستعید کرامتی. (فردوسی، 1387ش، ج2: 162) نحن نعلم أن رستم لیس من أهل الطرب ولا هو شخص غیر مسؤول یفکّر فی مصلحته الشخصیة فی أزمة اجتماعیة سیاسیة، واتجاهه نحو الشراب ومکوثه أیاماً فی الطریق الذی یظهر بأنه شخصیة تتسم بعدم المسؤولیة وعدم امتثاله لأوامر الملک، ما هو إلا قوة فی داخله تمنعه من حدوث کارثة. وهو من جهة أخرى لا یرید معارضة کیکاوس یبحث عن طریقة متساهلة تتمثل فی تأخیر الامتثال لأوامر الملک. رستم بین بطل مثالی أو براغماتی؟ تتجسد مشاعر فردوسی فی الأبطال بصورة عامة وفی شخص رستم على وجه الخصوص. تتشابک حیاة رستم مع الحیاة الاجتماعیة لبلاده لدرجة أن أغلب إنجازاته تتعلق بتقلّبات تاریخ مجتمعه وبلاده. فقد کان لرستم دوراً بارزاً فی النیل من الجنی الأبیض (سپید دیو)، وفی هزیمة الإیرانیین فی مازندران وفکّهم من الأسر. کما لأفراسیاب دورٌ بارز أیضاً فی معارک جرت بین إیران وحبشة ومصر وهاماوران وسائر المعارک، ولکن رستم ارتکب أخطاء وزلاّت فادحة وجسیمة، حیث تلوّثت یده بدم ابنه. یقتل سوذابة دون محاکمة تشفیاً منه وانتقاماً. ویقضی على اسفندیار النبیل. ویلجأ أحیاناً إلى الحیلة والسیاسة والتدبیر فی القضاء على الأعداء ولیس ببأسه وصلابة جسمه یحاربهم. إن سلوک رستم المتناقض فی الشاهنامه یجعل أصابع الاتهام موجهة نحوه. ولکن السؤال هو؛ ألا یقوّضُ صمتُه تجاه مقتل سیاوخش وهزیمتُه فی المعرکة مع سهراب واسفندیار، مکانتَه البطولیة ووجاهةَ بسالته؟ من الواضح أن فردوسی کانت له نظرة شاملة وواقعیة بالنسبة لشخصیات قصته فی الشاهنامه وخاصة شخصیة رستم البارزة. فقد قام فردوسی بتصویر رستم کإنسان بکل خصائصه الإنسانیة قبل أن یجسّده بطلا فی قصصه. فرستم بطل بأعمال رمادیة. یتصرف فی بعض الأحیان کمثالی یتجاهل أی مصلحة أو منفعة حتى یبعث القلق فی نفس القارئ إزاء الاحداث. وفی بعض الأحیان یدوس على کرامته لتحقیق هدف نبیل. لأنه یحمل عبئاً ثقیلاً من المسؤولیة وهی انتصار إیران على غیر الإیرانیین. ولا یعرف للفشل معنى. یقتل ابنه بیده حتى ینجز المهمّة التی کلّف بها. وفی الصراع بین الطموحات العامة وإحساسه الفردی، یقدّم المثالیة الوطنیة ویدفه ثمن بطولاته باهظاً. یعمل رستم کمثالی عندما یتعلق الأمر بالمصلحة الذاتیة، وعندما یسعى إلى تحقیق مصالح وطنیة وإیدیولوجیة واسعة النطاق، فإنه یعمل کبرغماتی عملانی. وهذه الملامح الواضحة لشخصیة رستم، على الرغم من أنها لا تجعله شخصیة ثابتة نوعاً ما فی الوهلة الأولى، ولکن بنظرة أکثر تمعّناً نجد أنه لا یعتمد على الأعضاد القویة غیر العادیة فحسب ولکن أیضاً یمتاز ببراعة الأبطال البراغماتیین وتفکیرهم. وهذا ما یلزم أن یتصف به البطل المثالی. النتیجة صوّر فردوسی نوعاً من الیوتوبیا فی الشاهنامه یکون فیها الانتصار حلیفاً للأبطال الإیرانیین فی الغالب. لکن شخصیاته البطولیة تقوم أحیاناً حسب الظروف بقتل أقاربهم، ونصب العداء والکراهیة لهم، تغضب حیناً وتلجأ إلى الخداع والأکاذیب حیناً آخر. ویجعل سلوک الأبطال فردوسی والشاهنامه معرّضاً للاتهام منم قبل الأخلاقیین، ما یطرح هذا السؤال نفسه؛ هل أبطاله أبطال حقیقیون أم أنهم یمتازون بسمات نقیضة للبطولة؟ یمکن العثور على الإجابة فی الفلسفة البراغماتیة. هذه الفلسفة لها رؤیة خاصة للسمات الأخلاقیة، وبناء على هذه النظریة، فإن البطولة، عمل یتجاهل المنافع الشخصیة فی سبیل تحقیق المنفعة العامة. وجمیع أعماله البطولیة هی براغماتیة تعتمد على النتائج المثمرة. من خلال هذا التعریف، فإن أبطال الشاهنامه الذین لم یهتمّوا إلا بانتصار إیران على الأغیار ومن وراء اتباعهم الصفات الرذیلة (فی الفلسفة الإسلامیة) هدف وطنی وسام، هم الأبطال الحقیقیون. وبالتالی، یمکن أن نستنتج أن تصرفات الشخصیات البارزة فی الشاهنامه وخاصة رستم، تتسق إلى حد کبیر مع أفکار البراغماتیة فی مجال الأخلاق الغائیة والعدالة والتسامح والتعامل مع مصالح المجتمع وتجاوز المعاییر الأخلاقیة. والشاهنامه تتماشى مع هذا الفکر الفلسفی أکثر من أی فلسفة أخرى. لا تتناقض تصرفات رستم العملانیة البراغماتیة ونفعیته مع شخصیته البطولیة والبطولة أبداً، مما یدل على مسؤولیته وحکمته. إن شخصیته وسلوکه الواضح کتب الانتصارات له ولمجتمعه. لطالما کان الأبطال الملحمیون إما أشخاصاً مثالیین مثل أشیل، وسیغفرید، وجلجامش الذین تضرروا من ناحیة أخلاقهم الوظیفی (الواجبی) أو لکونهم براغماتیین کأودیسة حیث إن انتصارهم تحقق من ناحیة أفکارهم العقلانیة. رستم هو الوحید الذی یعکس المظهر الکامل لهذا التناقض فی شخصیة معینة تجعله إنسانا ًکاملاً. بما أن النظرة التقلیدیة تجاه أفکار الفلاسفة النظریین لا تفتح مجالاً فی العالم المعاصر، فإن أداء البراغماتیة یعتبر سلوکاً مفضلاً، وقد اکتسب البشر التجربة العملیة هذه فی ظل التغیرات والتقلبات على مدى التاریخ، والهدف، تحسین المجتمع. والعمل، وسیلة لتحقیق الأهداف، ویمکن ترسیم جمیع المعاییر الأخلاقیة والاجتماعیة أو تفکیکها من حیث الظروف الاجتماعیة والسیاسیة. تمتد فلسفة البراغماتیة إلى فکرةٍ مفادها أن المجتمع المثالی لا یمکن تحقیقه إلا من خلال الإجراءات العملیة التی یقوم بها الناس وأبطالهم، ویمثل فردوسی هذه الفکرة بوضوح فی الشاهنامة. | ||
مراجع | ||
آدورنو، تئودور. (1395ش). علیه ایده آلیسم. ترجمة مراد فرهاد پور. طهران: هرمس للنشر. پالمر، مایکل. (1385ش). مسائل اخلاقی. متن آموزشی فلسفه اخلاق. ترجمة علیرضا آل بویه. طهران: پژوهشگاه علوم وفرهنگ اسلامی. جیمز، ویلیام. (1386ش). پراگماتیسم. ترجمة عبدالکریم رشیدیان. طهران: انتشارات علمی وفرهنگی. حلبی، علی اصغر. (1393ش). سیر فلسفه در اروپا. طهران: زوار للنشر. دبیرسیاقی، سید محمد. (1392ش). برگردان روایت گونه ی شاهنامه ی فردوسی به نثر، طهران: قطره. دریدا، ژاک. (1385ش). دیکانستراکشن و پراگماتیسم، ترجمة شیوا رویگریان، طهران: گام نو. دورانت، ویل. (1342ش). تاریخ تمدن. ترجمة مهرداد مهرین. ج 1. طهران: مؤسسة فرانکلین للنشر. ساهاکیان، ویلیام ومیبل لتوساهاکیان. (۱۳۸۰ش). افکار فلاسفه بزرگ. ترجمة گل بابا سعیدی. طهران: بحر دانش سیزیان موسی آبادی، علیرضا وشعیب بهمن. (۱۳۸۹ش). «پراگماتیسم و سیاست بررسی و نقد پراگماتیسم در قلمروسیاست وحکومت». فصلنامه تحقیقات سیاسی وبین المللی، ش ۵. زمستان ۱۳۸۹. صص ۱۲۳- ۸۹. شفلر، اسرائیل. (1381ش). چهار پراگماتیست، درآمدی انتقادی بر فلسفه ی پیرس، جیمز، مید ودیوئی، ترجمة محسن حکیمی. طهران: نشر مرکز صفا، ذبیح الله. (1390ش). حماسه سرایی در ایران. طهران: فردوس للنشر. طوسی، خواجه نصیرالدین. (1364)، اخلاق ناصری، طهران: خوارزمی. فردوسی، ابوالقاسم. (1376ش). شاهنامه فردوسی، مسکو: طبعة مسکو. فروغی، محمد علی. (1393ش). سیر حکمت در اروپا، طهران: زوار للنشر. فرانکنا، ویلیام کی. (1383ش). فلسفه اخلاق. ترجمة هادی صادقی. ط2. قم: کتاب طه کاپلستون، فردیک. (1370ش). تاریخ فلسفه. ترجمه بهاءالدین خرمشاهی. ج 1. طهران: علمی وفرهنگی وسروش. گرجیان، رحیمه. (1388ش). کلیات شاهنامه به نثر. طهران: پویان للنشر. غمبرتس، تیودور. (1375ش). متفکران یونانی. ترجمة محمد حسن لطفی. ط1. ج 2. طهران: خوارزمی. محمودزاده، محمدرضا. (1383ش). افراسیاب در اسطوره وحماسه زخم عمیق رستم. طهران: قطره للنشر. Audi, R. (1995.) "Pragmatism in R Audi(ed)". The Cambridge Dictionary of Philosophy 2th ed. Cambridg: Cambridge univ. Press. P. 638
Lucy, Niall. (2004). A Derrida Dictionary, Malden and Oxford: Blackwell Publishing Ltd.
Putnam, R.A. (2001.) "Pragmatism In L.C.Becker & Ch.B. Becker(eds)". Encyclopedia of Ethics. 2 th ed. Vol.3. London and New York: Routledge. PP. 1361-64.
Tiles, J.E. (2000.) Pragmatism in EthicsIn Concise Routledge Encyclopedia of Philosophy London and New York: Routledge. P.705.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 322 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 354 |