تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,204 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,877 |
ملامح النرجسية في أشعار أبي العلاء المعري (في ضوء نظرية "أوتو کيرنبرغ" النفسية) | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 3، دوره 11، شماره 41، تیر 2021، صفحه 65-83 اصل مقاله (229.18 K) | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسنده | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
محمدحسن امرایی* | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أستاذ مساعد في اللّغة العربية وآدابها بجامعة ولايت، إيرانشهر، إيران | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
تعرّف الدراسات السيکولوجية الحديثة ظاهرة النرجسية بأنّها الشعور المفرط بتعاظم النفس والاعتداد بالذات وتضخيم النفس وقد عرّفها المحلل النفسي النمساوي الشهير"أوتو کیرنبرغ" ووضع أساساً لتشخيص الشخصية النرجسية، حيث قدّم تعريفا واضحا للشخصية النرجسية المضطربة والمعتدلة في ضوء إحدى عشرة سمة واضحة، ومنها الميل إلى الافتخار بالذات واستعراض القوّة والشهرة وتفضيل الآباء والأسرة على الآخرين والشکوى من الحساد. إذن فهذا المقال يرمي إلى إزاحة السّتار عن ظاهرة النرجسية وتداعياتها المختلفة لدى الشاعر العباسي أبي العلاء المعري وفقا لآراء "أوتو کيرنبرغ" النفسية والمنهج الّذي اعتمدناه في هذا المقال هو المنهج النفسي القائم على دراسة أشعار الشاعر الذي يهدف إلى الکشف عن عالمه الفکري والنفسي المتمثل في النرجسية والفخر. بإمکاننا أن نرصد مظاهر هذه النرجسية في معظم أشعار الشاعر ولکن تکاد تکون فخرياته المنشودة في ديوانه الشهير المعنون بـ"سقط الزند" مرآة صافية وصادقة تعکس نرجسية الشاعر وأصداءها بشکل لا غبار عليه. هذا وقد حاولنا إلقاء الضوء على أهمّ أسباب وعوامل نشوء هذه الظاهرة النفسية بداخل الشاعر؛ حيث يمکن اعتباره من الشخصيات النرجسية المعتدلة وفقا لما يراه المحلل النفسي "أوتو کيرنبرغ". ومن أبرز التداعيات الّتي ترکتها ظاهرة النرجسية عند الشّاعر أنّه أولع بنفسه وبشعره وبالغ في إعلاء شأنه وفضّل نفسه وقومه على أبناء جنسه کلّهم کما أبدى شکايته مريرة من حسد الحسّاد، مظهرا غضبه واستياءه في وجه کلّ من يأتي بما لا يرضيه. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
العصر العباسي؛ الشعر؛ أبوالعلاء المعري؛ النرجسية؛ السيکوباتية؛ السيکولوجية الحديثة | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إنّ الدراسات الأدبية ذات طابع سيکولوجيّ تحظى بأهمية بالغة لدى الدارسين في مجال الأدب المعاصر وقد راجت وانتشرت في العقود الأخيرة مباحث تتعلّق بالجانب النفسيّ للأدب وتهتمّ بشخصية الشعراء وآثارهم الشّعرية بأسلوب نفسيّ مصحوباً بالدراسات السيکولوجية المتطورّة. ومن أهم مکتسبات هذا الاتّجاه النفسي هو الکشف عن ظاهرة النرجسية لدى عدد من الشعراء القدامى والمعاصرين. و«الصّفة الأساسيّة في الشّخصية النّرجسية هي الأنانية؛ فالنّرجسيّ عاشق لنفسه ويرى نفسه هو الأفضل والأجمل ويرى الآخرين أقلّ شأناً منه. فالشّخصية المصابة بالنّرجسية تشعر شعوراً غير عادي بالعظمة وترى نفسه نادر الوجود وتعطي أفعاله قيمة عالية.» (ابن منظور، 1426ق: 29) يمکن القول إنّ «المصابين بالنرجسية يتمتعون غالباً بالجمال أو الذکاء أو النجاح في الحياة وهذه هي النّواة الأولي لظاهرة النّرجسية فيهم.» (غرانبرغر، 2000م: 49) والأهم من التعريف العام لهذا المصطلح هو موقعه في الطب النفسي وفي مجال العلوم النفسية قاطبة .ويقول البعض إنّ «فرويد، هو أول من استخدم هذا المصطلح للتعبير عن مفهوم الحبّ المرضي للذّات ويقول الآخرون، أول من أدخل مصطلح النّرجسيّة في الطب النفّسي هو الدکتور هافلوک إليس (1859-1939)» [1](البحيري، 1987م :13)؛ ولکن رغم هذه الأقوال کلها فإنّ کل الدراسات تنتهي إلى معنى واحد يکمن في الکلمة وهو حبّ الذات والإعجاب بالنّفس. من هذا المنطلق، يدخل مقالنا في هذا السياق؛ إذ إنّه محاولة متواضعة للکشف عن نرجسية الشاعر العباسيّ العملاق وبواعثه النفسية من خلال دراستنا لشعره وفقا للمنهج النفسي في النقد الأدبي حتى نلقي أضواء ساطعة على شخصية الشاعر بغية الکشف عن عالمها الفکري والنفسي. اذن فرکزنا على آراء المحلل النفسي أوتو کیرنبرغ[2] في مجال علم النفس. ولقد عثرنا أثناء دراستنا في شعر أبي العلاء وخاصّة في ديوانه سقط الزند واللزوميات على لقطات شعرية تنجلي عنها مظاهر النرجسية وأصداؤها بشکل يتناغم مع الدراسات الحديثة لعلم النفس وهذا الکشف ما دفعنا إلى دراسة أعمق وأشمل لأشعاره بناءً على ما حصلنا عليه عبر إمعاننا في الدراسات النفسية المتعلّقة بالنرجسية آملين أن تکون هذه الورقة البحثية بمثابة إضافة إلى التراث السيکولوجي الذي ربّما يسهم في إثراء المکتبة النفسية الإيرانية والعربية. أسئلة البحث نرمي عبر هذا المقال إلى الإجابة عن الأسئلة التالية: 1. ما هي أبرز أسباب إثبات الذات، والنّرجسية في شخصية أبي العلاء المعري وفقا لنظرية أوتو کیرنبرغ النفسية ؟ 2. ما هي أصداء وتداعيات النرجسية البارزة في أشعار أبي العلاء بالاعتماد على معطيات علم النفس في هذا المجال؟ فرضيات البحث والفرضيات الّتي يدور حولها هذا المقال هي: 1. إنّ أهمّ الأسباب لنشوء النرجسية بداخل الشاعر وفقا لنظرية أوتو کیرنبرغ هي العوامل التي تکمن جذورها في نفس الشاعر والبيئة والوراثة. 2. الاعتداد بالنفس والاعتزاز بالآباء والفخر بالانتصارات والازدراء بالآخرين والتشاؤم منهم هي من أبرز تداعيات حالة النرجسية في نفس الشاعر.
الدراسات السابقة هناک دراسات کثيرة تناولت لمحات من جوانب حياة أبي العلاء وأدبه ولاسيما فلسفته التشاؤمية، فيما يلي نشير إلى بعض الکتب والمقالات المنجزة في هذا المضمار: «زيبايي شناسي مؤلفههاي برجستهساز در قصيدة )اللامية الفخرية) ابوالعلا معرّي با رويکرد سبکشناسي (1397ش)» للباحثين بهروز قربانزاده وجواد محمدزاده ورسول فتحي مظفري. تناولت هذه المقالة، باستخدام المنهج الوصفي التحليلي القائم على الأسلوبية، الجوانب الجمالية للمتغيرات البارزة في قصيدة "اللامية الفخرية" في مجالات مختلفة (صوتية، معجمية، نحوية، دلالية). «الخيام والمعري بين التشاؤم والتفاؤل» للباحثة انسيه خزعلي (1385ش). اهتم البحث بنوعین من التشاؤم المطلق والنسبي فی حیاة الشاعرین وفی النهایه وَضّح البحث وجوه الاشتراک والاختلاف فی مفهومي التشاؤم والتفاؤل عند کل من ا لمعري والخيام وختاما وصل إلى أن إطلاق مصطلح المتشائم على الشاعرين قد تجاوز دائرة الإنصاف والحري أن نسمّى بعض الأشعار، أشعار الشکوى والنقمة على الوجود. «بررسي آراء و انديشههاي ابوالعلاء معري، شاعر عرب» لعلي رضا ذکاوتي قراگزلو (1388ش). هذا المقال نقاش محايد حول بعض أفکار أبي العلاء المعري وآرائه إلی حيث يُعتبر في هذا المقال أبوالعلاء شخصًا متوحدًا وقد تمت دراسة بعض ملامح فکره معتمدة علی آراء طه حسین في المجال نفسه. «بررسي تطبيقي افکار و عقايد ابوالعلاء و خيام» للباحثة ليلا أميني لاري وسيد فضل الله ميرقادري (1388ش). في هذا المقال، بعد إشارة مقارنة إلى حياة کلا الشاعرين، تطرّق الباحثان إلی لمحات من أفکار الشاعرين وتوجهاتهما الإيديولوجية والاجتماعية. وغيرها من الدراسات المتناثرة في ثنايا الکتب والمجلات المنشورة في المواقع الإلکترونية الّتي ربّما جاءت بأشياء مهمّة عن شخصية الشاعر وفاتتها أشياء أخرى لا تقلّ أهمية عنها، ورغم ذلک لم نعثر على دراسة شاملة وافية لموضوع المقال: ملامح النّرجسية في شعر أبي العلاء المعري في ضوء نظرية أتو کيرنبيرغ النفسية. لقد کتبت العديد من الدراسات القيمة عن المعري وأدبه، وقد درس کل منها الشاعر وحياته الأدبية والعلمية من زوايا مختلفة وأبدت نقاطًا رائعة ومفيدة في المجال نفسه؛ على الرغم من عدم وجود حاجة أو فرصة لذکر هذه الأعمال في هذا المقال، لکن المؤلف يدرک جيدًا أن هذه الأعمال تشبه الأضواء، کل منها ينير رکنًا من الظلام للباحثين ويساعدهم کثيرًا في تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم. ومنها ما نراه في الجوجل بعنوان «الفصل الرابع: ظهرت النرجسية في شعر الفخر لأبي العلاء المعري»؛ حيث درس فيه أبياتا تفوح منها رائحة النرجسية والفخر في ديوان سقط الزند فقط ولم يدرس نرجسية الشاعر في دواوينه الأخرى. یمکن البحث عن هذه العبارة بعنوان «عفاف وإقدام وحزم ونائل» في الجوجل؛ حيث کان الشاعر یحبّ الظهور والالتفات إلیه؛ وظهرت آثار هذا الحبّ فی تعظیم أفعاله ولعله فصل من کتاب أو رسالة والموقع: http://digilib.uinsby.ac.id/10532/7/Bab4.pdf يؤکد المؤلف کذلک على أنه انتفع بهذه الأعمال القيمة المدروسة في هذا المجال وملأ أمتعته بهذا المصدر العظيم، وفي نفس الوقت يحترم جهود هؤلاء العظماء. لکنه يقول بتواضع إنّه لا يزال هناک مجال للنقاش؛ إذ - على حد علم صاحب هذا القلم - إنّ المصادر الّتي تناولت نتاجات الشعراء العرب القدامى، لم تلتفت إلى نرجسية المعري على حد الکفاية. إذاً فنحن حاولنا تفسير وتطبيق ظاهرة النرجسية والفخر لدى أبي العلاء المعري في کلا ديوانيه المسمّيين بـ"لزوم ما لا يلزم" و"سقط الزند" وذلک بالاعتماد على المکتسبات الجديدة في علم النفس معتمدا على نظرية أوتو کیرنبرغ النفسية في مجال النرجسية، وأشرنا إلى لمحات من فخر المعري بنفسه ونرجسيته إشارة سريعة عابرة منحصرة في إيراد شواهد شعريّة مع تحليل وتنقيب.
منهج الدراسة ونطاقها الموضوعي ليست علاقة الدراسات الأدبية بعلم النفس مسألة جديدة؛ بل هي قديمة قدم المادة الأدبية نفسها (عبدالرحمن محمد، 2000م: 126) ولکن بدأ المنهج النفسي بمعناه المصطلح والعلمي مع بدايـة علم النفس ذاته منـذ مائـة عـام وعلـى وجـه التحديد في نهاية القرن التاسع عشر بصدور مؤلّفات "سيغموند فرويـد" )فضل، 1417ق: 67(؛ ثمّ أخـذ التحليـل النفسـي يتطـوّر وتتسع آفاقه وتتنوّع وسائلُه فی دراسة النصوص الشعرية واسـتخلاص رموزهـا ويتحـوّل إلى وثائق نفسـية للشـعراء والکتاب؛ ففي منهج النقد النفسي يدرس النص الأدبى علـى المعـايير النفسـيّة ويُحـاول أن يکشف العلاقات النفسيّة بين العمل الأدبى وصاحبه (إقبالي ونقوي، 1440ق: 426)؛ بحيث يمکـن التعـرّف علـى شخصـية الشـاعر ودراسة تخلجاته النفسية المسيطرة عليه من خلال قراءة مقولاته الأدبية. لقد راجت وانتشرت المباحث المتعلّقة بالجانب النفسيّ للأدب في العقود الأخيرة إلى حيث ألقت أضواء ساطعة على شخصية الشعراء وآثارهم الشّعرية بأسلوب نفسيّ مصحوباً بالدراسات السيکولوجية المتطورّة. ومن أهم مکتسبات هذا الاتّجاه النفسي هو الکشف عن ظاهرة النرجسية لدى عدد من الشعراء القدامى والمعاصرين منهم المتنبّي وأبوفراس الحمداني وابن الرومي وغیرهم. فمن هذا المنطلق، لقد اتبعنا في دراستنا هذه المنهج النفسي التحليلي القائم على نظرية المحلل النفسي النمساوي الشهير أوتو کيرنبيرغ؛ إذ إنّ الدراسـة النفسـيّة في أشعار أبي العلاء في دواوينه سقط الزند ولزوم ما لا يَلزم (اللزوميات)، تـدلّنا علـى بعـض مصـاديق مـا قاله أوتو کيرنبيرغ في نظريته النفسيّة حول النرجسية والسیکوباتیة. ففي هذا المقال تدرس شخصـيّة أبي العلاء المعري ونرجسيته، دراسـة نفسية وتحلل نفسـيّات الشـاعر مسـتندا إلى أشـعاره الموجودة في دواوينه المشهورة الموسومة بـ"سقط الزند واللزوميات".
نظرية "أوتو کيرنبرغ" النفسية في ظاهرة النرجسية کان هناک اهتمام متزايد في السنوات الأخيرة بالنرجسية المعاصرة کظاهرة مثيرة للجدل على مستويات النظرية. (البحيري، 1987م: 37) في هذه الدراسة النظرية نقدّم نبذة مختصرة عن آراء "أوتو کيرنبرغ" من أبرز العلماء المعاصرين في مجال علم النفس الحديث. يمکن القول إنّ هذا العالم النفسي النمساوي قام بإحياء الاهتمام بالنرجسية و وضع أساساً لتشخيص الشخصية النرجسية، حيث قدّم تعريفا واضحا للشخصية النرجسية المضطربة في ضوء إحدی عشرة سمة واضحة: 1- تفضيل النفس على الآخرين. 2- مبالغة في الإنجازات والزهو بها. 3- تضخيم ومبالغة في المصائب. 4- البحث عن المناقب في آبائهم والفخر بهم. 5- الطموح إلى نجاح يفوق الخيال. 6- حبّ الظهور وإثبات الذات. 7- الازدراء بالآخرين واحتقارهم. 8- التّوقع بأن يکون هو الشخص المثالي مع التخلّي عن تحمّل المسؤوليات. 9- إظهار الغضب والاستياء في وجه کلّ من يأتي بما لا يرضيه. 10- افتقار الشّخص إلى التعاطف وعدم القدرة على إدراک ما يشعر به الآخرون. 11- الاهتمام الزائد والترکيز المفرط على الذات واستعراض القوة والطموح الزائد والشعور بالخيلاء متزامناً مع الشعور بالنقص والملل والضيق والفراغ والرغبة المستمرّة في البحث عن القوة والجمال من أجل إشباع الذات والانبهار والاعتداد بالنفس واحتقار الآخرين والازدراء بهم. (86kernberg, 1974: ) ثمّ حدّد معالم الشخصية النرجسيّة قائلاً: «النرجسي يميل نحو إعطاء قيمة عالية لأفعاله ويطمح إلى المبالغة في مدح الذات بصفات العظمة وتضخيم المشاکل والبحث عن المثالية لذاته وآبائه.» (البحيري، 1987م: 162) وقد ذکر أوتو کیرنبرغ تفاصيل آخر عن مفهوم النرجسية المرضية معتبرا هذا المرض نتيجة لعلاقة باردة غير متعاطفة مع الأبوين في مرحلة الطفولة وأنها تعويض مرضي عن تلک المرحلة (جودة، 2012م: 53) وبيّن أن الشخصية المريضة بالنرجسية، والتي تتصف علاقاتها الاجتماعية بالمبالغة في الاعتماد على الذات والشعور بالعظمة والکبرياء، تظلّ مرتبطة في رأيه وإلى حد کبير بإعجاب الآخرين بها، وهي تکون شخصية "سطحية وهشّة عاطفيًّا" ويملأ الحسد کيانها. (المصدر نفسه: 53) فمن هذا المنطلق، يمکن تصنيف الکثير من الشعراء أو الشخصيات الأدبية التي أولعت بالاعتزاز بالنفس أو الآباء والازدراء بالأعداء أو الوشاة ضمن الشخصيات النرجسية وربّما يأتي في عداد هؤلاء: المتنبي وابن الرومي وأبي فراس الحمداني وشاعرنا أبي العلاء المعري وغيرهم کثيرون. بناءً على ذلک نرى أنّ أبا العلاء قد اتّخذ مسار المبالغة في استعراض القوّة في حياته الأدبية أو العاطفية والنفسية. ونحن في هذا المقال، ووفقا لنظرية "أوتو کيرنبرغ" الجديدة في مجال علم النفس، التي سبق ذکرها، نحرص على تصوير هذه النرجسية من خلال لمحات من أشعار أبي العلاء المعري.
ملامح النرجسية في أشعار أبي العلاء المعري يجدر هنا أن نقوم فيما يلي بالبحث والتنقيب في شعر أبي العلاء المعري لنستقصي فيه ما ينطبق مع المعايير المذکورة أعلاه وفقا لنظرية أوتو کیرنبرغ النفسية بادئين بـ: تضخيم الذات والمبالغة في تفضيلها على الآخرين لقد ذکر العالم النفسي النمساوي، "أوتو کیرنبرغ" الأفراد ذوي الشخصية النرجسية المضطربة بأنّهم «يظهرون طموحاً عالياً وأهدافاً نبيلة ولا يتحمّلون مواقف الفشل ولا يعترفون بعيوب ذواتهم ولديهم رغبات حادّة لا تشبع في أن يکونوا موضعاً للإعجاب.» (kernberg, 1974:83) «فالنرجسيّ ينقصه احترام الآخرين، لأنّه يحاول تعظيم نفسه.» (غرانبرغر، 2000م: 50) وهذا ما نراه في قاموس "أوتو کيرنبيرغ" لعلم النفس حيث تعرف النرجسية على أنّها: «تقييم الفرد المتعاظم للذات والانشغال بخيالات النجاح والقوّة والإحساس بالصدارة والميل إلى استغلال الآخرين.» (جودة، 2012م: 555) تبلورت هذه المؤشرات ذات نزعة الفخرية في قصائد أبي العلاء؛ حيث يعظم نفسه ويفضّلها على الآخرين، ومنها ما تفوح منه رائحة تضخيم الذات والنرجسية، قائلا:
(المعري، 1957م: 189) يدعي المعري بأنه هو الذي يعلم کل شيء وليس من هو أعلى منه، وهو يذکرنا أن مکرماته ملأت کل الأماکن وهوغني بفضائله وکرامته لدرجة أن الريح تمدحه على صدق کلامه وکل ما يأتي منه مثل الأعمال، الأفکار والآراء هي للإصلاح من حوله فقط. اذن فکيف يذلون المعري حيث تمدحه الرياح بهبوبها کذلک. فهو لا يحتاج إلى کل أنواع الخيرات والزخارف الدنيوية في حياة الإنسان. هذا الموضوع، من وجهة نظر «العلم النفسيّ التحليليّ يعدُّ إحدى سمات الشخصية التي ترتبط بالشعور بالعظمة والتطلّع الدائم للسلطة والتعالي على الآخرين.» (يراجع: جودة، 2012م: 556) فالشخص النرجسي يميل لأن يضع نفسه محطّ أنظار جميع عيون الناس، وذلک باعتباره الشخص الأکثر استحقاقًا للاهتمام لأنه هو الأفضل في کل شيء. في قصيدة أخرى نراه يمجّد نفسه ويشير إلى علوّ جاهه ومکانته العظيمة، حيث إنّه بلغ ذروة قمم المجد والعلى؛ فلا يدرک شأوه أحدٌ، ولا يداني مکانته في حلبة المعالي والشّرف، قائلا:
(المعري، 1957م: 193) یرى المعري أن سبيل المجد ینتهي إلیه حيث یعتدّ بنفسه کثيرا ويعتقد أنه کم من رجل جاهل یعتبره مسیئاً في حالة أنّه لا ذنب له في الحیاة الدنيا إلا اکتساب المعالي والعظمة والفضائل. وقد فشا اسمه الحسن في البلاد وملأ أرجاءها وﻧﻮاحیها کلها، حتی لا يتمکن من أحد أن يطفئ نور وجوده علما وأدبا. من الملاحظ أن الشاعر افتخر بنفسه متحلية بالفضائل والعلا ويمدح ثباته ﻓﻲ الشدائد والمصاعب الجمة التي تهدم جبل رضوى مشيرا إلى شهرته الأسطورية التي تفشت في أرجاء العالم إلى أن يقدم نفسه وفقا لصنعة التجريد شمسا منيرة لا يمکن إخفاء ضوئه المتکامل والمتزايد في کل حين ولا يتمکن الآخرون من أن يضاهوه. في مکان آخر، يؤکد الشاعر على مکانته المرموقة الّتي يشتاق إليها کل سيد کريم، وممّا يدلّ على النرجسية في جوهر الشاعر هو الإشارة الصريحة إلى مکانته العليا بين السماکين لرفعة مقامه وإعلاء شأنه الذي يرتفع به مرّ الأيام إلى السماوات العالية ومکان الخلود:
(المصدر نفسه: 194) ولا يخفى على القارئ المتتبع جنوح الشاعر إلى الشعور بالعظمة الأدبية والبيانية والتعالي على الآخرين ممّا يعدّ من وجهة نظر «العلم النفسيّ التحليليّ من معطيات الشخصية المصابة بالنرجسيّة» (جودة، 2012م: 556)؛ حيث يظن الشاعر أنّ مکانته عالية جدا وهو لا يزال يحصل على الرتب الشامخه يوما تلو آخر، بالمقارنة مع أقرانه، إلى حدّ يحسد عليها الدهر مع مضي الأيام لارتفاع شأنه ومقامه المتزايد في کل يوم. في قصيدة أخرى يخاطب المعري أعداءه والمعارضين الذين ادعوا أنهم متفوقون عليه، بألفاظ قبيحة تعتبر من نوع النرجسية المخرّبة معتبراً إياهم من المضلين والحساد والمناوئين الذين لا يمکنهم الوصول إلى مکانته الأدبية وبالتالي لا يتمکنون من إدراک أبعاد شخصيته السامية، قائلا:
(المعري، 1957: 202) في مجال آخر، يتطرق الشاعر إلى مکانته الضخمة بعيدة المنال لأقرانه، حيث ظهرت العزة له مکانة مرموقة في العلى صوّرها الشاعر بالسبع الشداد أي السماوات السبع العليا، قائلا:
(المصدر نفسه: 198) من الملاحظ أنه دفع حبّ الذات بشاعرنا إلى أن يسعى جاهداً وراء إثبات الذات قولاً وفعلاً ومن أبرز المجالات الّتي جعلها عرضة ومجالاً لحبّ الاستعراض هو مجال الشّعر فإنه فضلاً عمّا قاله في تعظيم نفسه وإعلاء شأنه بذل ما في وسعه لاحتقار الأعداء والحسّاد بمختلف الآليات الفنية والتعبيرية کالاستفهام والمغالاة والتأکيد وما شابه ذلک ممّا يفضي إلى الإثراء الدلاليّ.
البحث عن المناقب في الآباء والفخر بهم إنّ الاعتداد بالآباء والأجداد من أهم الميزات الرئيسية التي يعدّها بعض علماء النّفس من ملامح الشخصيات المصابة بالنّرجسية، حيث نلاحظ المحلّل النفسيّ المعاصر "أوتو کيرنبيرغ" حدد في تصنيفه للشخصيات النرجسية، أربعة أنواع مختلفة ومنها الشخصيات المعتمدة[1] التي تتمثّل في الکثير من الناس الذين تشملهم مجموعة النرجسيين. إنّ أفراد هذه المجموعة دائمو البحث عن الآباء المثاليين الکرماء وعند عدم وجود هؤلاء الآباء الذين يعتمدون عليه فإنهم ينهارون ويتحطمون؛ إذ لا يمکن أن تکون طريقتهم للبقاء وحفظ السلوک المتوازن إلاّ اعتماداً على هذا الأب المثالي.» (183kernberg, 1974:) وللشاعر أسرة عريقة تسمو مکانتها حيث ينتمي لعائلة بني سليمان، والتي بدورها تنتمي لقبيلة تنوخ، جده الأعظم کان أول قاضٍ في المدينة. وقد نشأ شاعرنا في بيت من بيوت العلم والفضل والأدب؛ فکان أبوه وأمه من ذوي الوجاهة والصلاح. وقد کان جده قاضي المعرة، وکان شاعرًا، أما أبوه فقد جمع بين الشعر والقضاء، وقد تتلمذ أبو العلاء في بداية عمره على يد أبيه الذي علمه القرآن. فمن هذا المنطلق، إنّه يمجّد أسرته وقومه بالنبل وکرم المحتد وعراقة المنبت والعزة، حيث يقول:
(المعري، 1957م: 190-189) إنّ إعلاء شأن الآباء والأقوام والأقرباء من الموضوعات التي أشارَ إليها المعري في أشعاره مرارا؛ حيث نراه يفتخر بقبيلته مقابل القبيلة الأخرى الموجودة في بلاده، بل يؤکد أنه لا عظمة من قبيلة غلبت عن التانوخ في بلاده التي تستطيع أن تربي أهل بلاده وتغير أحواله الأحسن مما قبله إلا عظمة قبيلة التانوخ لمجرده. ومما يدل على نرجسية الشاعر ما يقوله عن افتخاره بقبيلته العزيزة مع عزتها العليا التي غلبت على القبيلة الأخرى. ولا يخفى أنّ الشّاعر کلّما يشيد بأصله ونسبه يمدح في الحقيقة نفسه إذ أنّه هو الّذي يمثّل ويجسّد آباءه الماضيين الّذين صاروا عظاما نخرة بالية. فضّل المعري الأسرة التنوخية الّتي ينتمي إليها على غيرها من القبائل وهذا لو دلّ على شيء ليدلّ على معالم النرجسية في نفس الشاعر وافتخاره بقومه وبقبيلته:
(المصدر نفسه: 81-80) إنّ أبا العلاء يرى أن الأصول والأجداد الکريمة والمکانة العالية کلّها حکر على الشاعر وأجداده إذن فالحمد والجود کلّهما يسيران إلى حيث يسير أبو العلاء وأسرته التنوخية. وهذا إن دل على شيء إنما يدل على نرجسية الشاعر واعتداده بقومه الذين أشاد بفضلهم وعزّتهم ومجدهم وأشار إلى عجز الأعداء من الوصول إلى قمتهم الشامخة منوّهاً إلى أنّه من أصل کريم، وأسرة نزيهة کابراً عن کابر، معتبرا إياهم ملوکا وأمراءا:
(المصدر نفسه: 82-81)
ولو أردنا أن نستقصي الأشعار الممجّدة للشاعر وأجداده لطال بنا المقام ولکن النماذج الشعرية التي أوردناها في هذا المجال تکفي في أثبات ما لدى أبي العلاء من ميل لتفضيل أسرته التنوخية وقومه الذين يعتبرهم ملوکا وأمراء على غيرها وربّما في ذلک مؤشر واضح على نرجسيته. وممّا يؤيد رأينا في هذا المجال هو أنّ المحلّل النفسيّ «أوتو کیرنبرغ ذکر خاصيتين هامتين جداً للنرجسية، الأولي: ميل النرجسيين؛ لأن يکون لهم خط ثابت من الشعور بالعظمة وإعطاء قيمة عالية لأفضالهم الشخصية. والثانية: ميلهم إلى البحث عن المثالية في آبائهم القدامى وقد أکد ريتش هذه الخاصية، معتبراً إياها من معالم المرضى النرجسيين» (Reich, 1960: 215) بصورة واضحة.
إظهار الغضب والاستياء في وجه کلّ من يأتي بما لا يرضيه يرى أوتو کيرنبرغ: «أن الشخص النرجسي، عندما يتعرض للهجوم العاطفي الشامل، يتجاوب على الفور بالحزن والإحباط والاکتئاب، بدلا من الدفاع عن نفسه، الذي هو أول رد فعل للنرجسي متضخم الذات.» (193kernberg, 1974:) في السياق ذاته، تتصاعد أزمة شخصية أبي العلاء النرجسية في تفاعلاته الإنسانية وإقامة علاقاته الاجتماعية وخاصة العاطفية منها؛ حيث يفتقد الارتباط العاطفي واحترام الآخرين وبناء العلاقات الاجتماعية السلمية على کافة مستوياتها؛ فبالتالي يشعر بالوحدة والعزلة رغم أنه کان محاطا بمجموعة من الناس، وجراء ذلک يُصابُ بالإحباط والفشل العاطفي عندما لا يُلقى له بال أو إعجاب خاص وهو يرى أنه يستحقه، ولا سيّما في سفره إلی بغداد، قائلا:
(المصدر نفسه: 2/37) وهذا النوع من اللامبالاة أو نقص الاهتمام وکذلک إحساس شاعرنا بالعجز والضآلة أمام المعاناة والظلم التي نراها من حوله هو الرکيزة الأساسية التي غرست في دفينة شاعرنا الحقارة النفسية الضخمة المتجلية في حالة من التشاؤم الممزوجة بالعزلة والاکتئاب والمزاجية؛ إذ إنه کان يتوقع أن يشبع رغباته العلمية والأدبية ويستوفي الکمال في الحياة الدنيا المادية ولکنه قد وقع في مآذق حرجة خلال عيشه المليء بالفقر والبؤس والإملاق ﺗﺤﺖ ﻇﻞ اﻟﻤﺤﻦ في الدولة العباسية. لقد واجه الشاعر الصّعوبات الجمة التي ساقته إلى استعراض مصائبه وتضخيمها، حيث يسلي نفسه الأبيّة الفخورة بذکر الموت والتشاؤم من الحياة الدنيا وأهلها في غالب الأحيان. لا يمکن إغفال دور الدولة العباسية بما فيها من انعدام العدالة الاجتماعية أحيانا (جابري نصر وبلاوي، 2020م: 1115)؛ حيث أثار عدم التوازن والتساوي في الحقوق حفيظة الشاعر وضغينته. وظهرت في أشعاره شیئا فشیئا آثار الاستیاء في وجه کل من یأتي بما لا يرضيه، واصطبغ شعره بلون من التشــاؤم بسبب الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية السيئة المحيطة بحیاته المشحونة بالتوتر والمفعمة بالإملاق؛ إذن فنراه يتشاءم مرارا من الحياة الدنيا وقاطنيها في الکثير من قصائده. وفي السياق ذاته، إنّ الشخص النرجسي قد يظهر سلوکا دفاعيا أو غاضبا في مثل هذه اللحظات المليئة بالضغوط النفسية والتأقلم أو عدم التکيّف مع الناس في الحياة. يرى أوتو کیرنبرغ أنّ الشخص النرجسي عندما لا يحصل على التقدير المطلوب الذي يعتقد بأنه يستحقه، يشعر بالخزي والإحساس بالدونية ويتجاوب بعدوانية تجاه الآخرين.» (البحيري، 1987م: 42) وهذا ما نراه لدی المعري ونفسيته ولا سيما في قصيدته المعنونة بِـ«يَحسُنُ مَرأى لِبَني آدَمٍ» أنموذجا؛ حيث تبلور فيها معان تشاؤمية تدلّنا إلى أنّه انغمس في حالة من التشاؤم الممزوج بلمحات من النرجسية المؤذية التي تعذّب روحه المتلاطمة کل حين، قائلا:
(المعري، 1981م: 1/155) يمکن قوله إن المعري لقد تصرّف بعدوانية مع جميع الناس إذ إنّه شعر بأنه مهمل في المجتمع لا أحد يکترث لوجوده مع شأنه العظيم هذا في الساحة العلمية والأدبية والثقافية والفلسفية. کأنه يخشى على نفسه من الناس، ويضع لنفسه الکثير من الخطوط الدفاعية في علاقاتها معهم. وهذا يتّضح جلياً في قصيدته المسماة بــ«إِذا حَضَرَت عِندي الجَماعَةُ أَوحَشَت»؛ حيث يواجه مشاکل کبيرة في التعامل مع الضغوط والتکيف مع التغيير فيخاف من الاجتماع والمرافقة، فمن هذا المنطلق، يضمر شعورًا بعدم الأمان، والخزي، والضعف والمذلة. ومهما يبحث عن قرين أو أنيس يليق به لا يجد شيئا إلا التباعد عن الناس ومن أجل ذلک يفضّل العيش وحيداً منفرداً على العيش مع الأناس الوضعاء الّذين لا يستحقّون مجالسته ومصاحبته:
(المصدر نفسه: 1/186) ومن أهم مظاهر تشاؤمه الذي يمزج بظواهر من السيکوباتية أو النرجسية المرضية، انتقاده وکرهه من سلوک الجنس البشري ونفوره من الناس وغباوتهم ونفاقهم وعدم عدالتهم، قائلا:
(المصدر نفسه: 1/299) إذن فينفد الشاعر صبره أو ينتابه الغضب عندما لا يتلقى معاملة خاصة من قبل الآخرين؛ بحيث يواجه مشاکل کبيرة في علاقاته الشخصية ويشعر بسهولة بالإهانة. فمن هذا المنطلق، يجد الوحش أحق بالعشرة من الناس قاطبة استخفافا بهم واحتقارا لهم، من خلال قوله:
(المصدر نفسه: 1/148) يمکن القول إنّ اعتداد الشاعر بنفسه وبأمجاده الماضين وبمؤهلاته العلمية والأدبية الخاصة التى صقلتها الموهبة والإرادة والمطالعة بالمقارنة إلى نظرائه في مجال حياتهم المعيشية والاجتماعية والسياسية إبان الدولة العباسية لقد وصله إلى الحد الأعلى من النرجسية فبالتالي جعله أکثر عرضة للإصابة بالأمراض الجسمية والروحية ولا سيما مرض الاکتئاب واليأس والاستياء إثر عدم إشباع رغباته الروحية والعاطفية رغم کفاءاته الکثيرة؛ إلى حيث نراه في الکثير من أشعاره يتبرم من الناس قاطبة جراء هذا المرض الذي جلبته الآمال الغير محققة التي لم يجد طريقا لإرضائها.
الشکوي من الشدائد والحساد يذکر "کيرنبيرغ" النرجسية «أنّها حالة مرضية وحقيقة تطورية، ويقدم لنا أوصافاً صريحة لتشخيص الشخصية النّرجسية، ومنها: طموح زائد واستغلال الآخرين والحسد الشديد والمزمن والشکوي من الحسّاد و... .» (201kernberg, 1974:) ثمّة ملمح من ملامح النرجسية يستجليه هذا النموذج الشعري وهو أنّ الشّاعر يميل إلى تفخيم ما يعانيه من المشاکل جراء أسره في الحياة الدنيا وآل مصيره آنا إلى آن يعاني من الشدائد والأعداء، حيث يفتخر بنفسه شاکيا الحساد والمناوئين:
(المعري، 1957م: 193) يبدو جلياً من الأبيات السابقة أنّ الشّاعر ينکر أن يکون على وجه الأرض من هو أفضل منه کما يتّضح من استخدامه لأسلوب خبري يدخله التأکيد إشارة صريحة إلى أنّ المعري يعتبر نفسه أغلي وأسمي شأناً ومکانةً مِن کلّ مَن يعيش على مسرح الحياة طوال الدهر ويرينا فضائله على السابقين. لقد رکّز المعري على أنه شخص قوي لا ينصرف عن غايته ولا يتأثر بالأحوال الواقعية. ولو کان الصباح سيوفا تطعن جلده والليل الظليم جيوشا متوحشة يستطيع المعري مقابلتهما نفسه وحيدا. ولکن أکثر الناس قد أهملوه أو تغافلوا عنه. في مجال آخر، نرى الشّاعر يشکو من کثرة الحاسدين الذين يتوخون الوصول إلى مرتبته العلمية والأدبية، حيث أصبح النّاس کلّهم يحسدونه بقلوب مليئة بالأحقاد والضغينة والنفاق، قائلا:
(المصدر نفسه: 199-198) وفي السياق ذاته، نلاحظ شاعرنا يئنّ ويتضجّر من مصائب الدّهر الّتي ألمت به، حيث يقول: وفي السياق ذاته، نلاحظ شاعرنا يئنّ ويتضجّر من مصائب الدّهر الّتي ألمت به، حيث يقول:
(المصدر نفسه: 198) بإمکاننا أن نقول إنّ المصائب وبليات الدهر کشّرت لشاعرنا أنيابها بوجه عابس متجهّم مکفهّر في ساحة الحياة. إذن فکره المعري الدهر الخؤون کلّ الکراهيه، فنراه يلقي اللوم على الدّهر عبر الأبيات التي نشأت من أعماق نفسه المشحونة بالحقد للواقع المزري معبراً عن الحالة النفسية المرهقة الّتي يعانيها، فهو يؤنّب الدّهر الغدار في قصيدته المعنونة بـ«اللُّبُّ قُطبٌ، والأمورُ له رَحًى»، قائلا:
(المصدر نفسه: 93) يمکننا القول إنّ المعري لقد صوّر واقعه المرّ والحياة القاسية أصدق تصويراً، فإنّه أزاح الستار في ديوانه الموسوم بـ"سقط الزند" عمّا مرّ به من تجارب سيئة وأحاسيس مؤلمة في الحياة. في لقطة شعرية أخرى، نرى الشاعر يهجو المعارضين والحساد والمناوئين الذين يدّعون أنهم متفقون عليه بلهجة لا تخلو من الاعتزاز بالنفس وهم الذين يخاطبهم الشاعر بألفاظ قبيحة ويسميهم المضلين والمحتقرين الشبيهين بالکلب والنياق العشراء ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺄﺧﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻻﺩﺓ ﻋﻦ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻹﺑﻞ، قائلا:
(المصدر نفسه: 189) لقد ذمّ الشاعر وبلهجة يشوبها الاعتزاز بالنفس الحساد الذين عبّر عنهم بـ"الکلب والنياق العشراء" ممّا يدّل على تفخيم الذات واستعراض القوّة والازدراء بالأعداء وهذا أکبر سمة تتّسم بها شخصية الشاعر النرجسيّة وفقاً لما بينه أوتو کیرنبرغ في آرائه السيکولوجية المذکورة أعلاه. فيتّضح جليّا أنّ من يلقي نظرة عابرة على أشعار أبي العلاء المعري وفخرياته ليرى في مواضع کثيرة من أشعاره أنّه يشتکي من أنّ النّاس يحسدون عليه وعلى مکانته الفذّة الفريدة.
النتيجة لقد درسنا في هذا المقال ملامح النرجسیة الشعرية لأبي العلاء المعري وفقا للآراء النفسية التي أدلى بها "أوتو کیرنبرغ" من علماء النفس المعاصرين ووصلنا إلى أن أسباب نرجسية الشاعر تعود إلى عوامل نفسية وبيئية ووراثية. فمن هذا المنطلق، لقد تمثلت نرجسية أبي العلاء المعري في الاعتداد بالنفس وبالآباء والاستخفاف بالآخرين وإظهار الغضب والاستياء في وجه کل من يأتي بما لايرضيه وکذلک الشکوى من الحساد والمناوئين. کما يمکننا تقسيم نرجسية الشاعر من حيث الکيفية إلى ثلاثة أنواع رئيسية، وهي: نرجسية ليبيدينال أو العاطفة النفسية. النرجسية المخرّبة التي تتعلق بحفظ على الشرف بطريقة التهديد والتهکّم والنرجسية السليمة التي تتعلق بالقدرة والشجاعة والثقة بالنفس. إن حالة النرجسية لدى المعري خلافا لما يراه النقاد والباحثون عن جذور انزوائه وأسباب تشاؤمه، لقد تعتبر ردّة فعل نفسية إزاء الحقارة التي مُني بها إثر عدم احتفاء السلاطين فالمجتمع العباسي به، حيث فجّر هذه الحالة من اللامبالاة مشاعر الشاعر وبعث روح النرجسية والفخر في نفسه وخلق أنغاماً حزينة وشجية بقيثارة شعره المزيجة بحالة من التشاؤم والاکتئاب والميل إلى الموت. يتّضح أنّ اعتداد الشاعر بنفسه وبأمجاده الماضين وبمؤهلاته العلمية والأدبية لقد وصله للحد الأعلى من النرجسية فبالتالي جعله أکثر رضة للإصابة بالأمراض الجسمية والروحية ولا سيما مرض الاکتئاب واليأس والاستياء إثر عدم إشباع رغباته الروحية والعاطفية والآمال الغير محققة التي لم يجد طريقا لإرضائها رغم کفاءاته الکثيرة. [1] . dependent personality [1] . Havelock Ellis [2] . Kernberger | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ابن منظور، محمد بن مکرم. (1426ق). لسان العرب. قم: مؤسسة الصّادق للطّباعة والنشر. جابري نصر، أحمد ورسول بلاوی. (2020م). «ملامح التشاؤم في شعر أبيالعلاء المعري و أبيالقاسم الشابي (قراءة موازنة)». مجلة علوم اللغة العربية وآدابها. المجلد 12. العدد 1. صص 1124-1108 إقبالي، عباس وسمانه نقوي. (1440ق). «إطلالة على قصائد عنترة بن شداد في المنظور النفسي وفقاً لنظرية أدلر». مجلة اللغة العربية وآدابها. السنة 14. العدد 3. صص 426-407 البحيري، عبدالرّقيب أحمد. (1987م). الشّخصية النّرجسية. الطبعة الأولى. القاهرة: دار المعارف. جودة، آمال عبدالقاهر. (2012م). «النرجسية وعلاقتها بالعصابية لدي عينة من طلبة جامعة الأقصي». مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات التربوية والنفسية. المجلة العشرون. العدد الثاني. صص 580 – 549. عبدالرّمحن محمّد، إبراهيم. (2000م). الشر الجاهلي قضايا الفنيّة والموضوعية. لبنان: مکتبة لبنان ناشرون. غرانبرغر، بيلا. (2000م). النرجسية: دراسة نفسية. ترجمة وجيه أسعد. دمشقّ: منشورات وزارة الثقافة. فضل، صلاح. (1417ق). مناهج النقد المعاصر. القاهرة: دار الآفاق العربية. المعري، أبو العلاء أحمد. (1957م). سقط الزند. بيروت: دار صادر. المعري، أبو العلاء أحمد. (1981م). لزوم ما لا يلزم (اللزوميات). بيروت: دار صادر.
المراجع الأجنبية Otto. F.Krenberg. (م1966.( structural derivatives of object relationships. International journal of psychoanalises. Vol.47(2). pp.236-53
Reich, A. (م1966.( Pathologic Forms of Self-Esteem Regulation. The Psychoanalytic Study of the Child. Vol. 15. No. 1. pp. 215-232.
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 2,456 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 271 |