تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,173 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,832 |
سيميائيّة الرموز في أشعار بدوي جبل الوطنيّة (الرموز الجمالية والزمکانية والنفسية الشخصية نموذجاً) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 5، دوره 11، شماره 41، تیر 2021، صفحه 109-136 اصل مقاله (388.64 K) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
سکینه حسینی* 1؛ علی رضا محمد رضائی2؛ ناصر قاسمی3 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1طالبة مرحلة الدکتوراه في اللغة العربية وآدابها بجامعة طهران (فرديس الفارابي)، قم، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2أستاذ مشارک في اللغة العربية وآدابها بجامعة طهران (فرديس الفارابي)، قم، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
3أستاذ مساعد في اللغة العربية وآدابها بجامعة طهران (فرديس الفارابي)، قم، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
السیمیولوجیا علم یدرس نظام العلامات داخل الحیاة الاجتماعیة والذي تکمن مهمته في البحث عن الدلالات الخفیّة لکلّ نظام علاماتي سواء کانت لغویّة أو غیر لغویّة. يحاول هذا البحث من خلال المنهج الوصفي– التحليلي وعلى ضوء التحليل السيميائي أن یقوم بدراسة أهم الرموز الجمالية کالاستعارة والتشبیه والکنایة والإغراق والرموز الزمانية والمکانية والنفسية الشخصية والقرآنيةفي أشعار بدوي جبل الوطنيّة، لما فیها من أبعاد دلالیة تفید في دراسة النص الشعري والتعرّف علی أفکاره وآرائه. استطاع بدوي أن یجعل نصّه مؤثّراً باستخدام الرموز السیمیائیّة التي تمنح شعره جمالیّة خاصّة. إنّ توارد الدلالات الرامزة في نصّ بدوي لیس اعتباطیاً بل هو صادر عن موقفه الفکري من الحیاة والکون، وقد ولّد في الرموز اللغویة سلسلة من الإیحاءات التي تعمّق إحساس المتلقي بالرموز. والملاحظ أنّ هذه الدراسة تکون وجيزة انتقائية لأنّ کثرة الأمثلة لا تسمح بدراسة استقصائية. من أهم نتائج البحث هو أنّ الشاعر من خلال استخدامه لهذه الرموز أراد أن يصوّر مفاهيم کحبّ الوطن والفخر بتراثه الماضوي، وآلام الأمّة العربیّة، والعودة إلى البلد ومآسي عصره إلى جانب بيان عواطفه وتجاربه الروحيّة. ومن خلال خلقه الصّور الأدبيّة قد أضفی حيويّة على شعره وأخرجها من الدلالات الصريحة إلی الرمزية. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
السيميائيّة؛ الرموز؛ الأشعار الوطنيّة؛ بدوي الجبل | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نشأ علم السيمياء في القرن العشرين علی يد عالمين: الفيلسوف الأمريکي تشارلز سندرس بيرس (1839-1914م: Charles Sanders Peirce) والعالم اللغوي دي سوسير (1857- 1913م: Ferdinand de Saussure). إنّ السيميائيات المعاصرة قد تطوّرت ضمن دراسات علم اللغة مع کل من سوسير وبيرس. يسعی السیمیائیون إلی الکشف عن قواعد الرموز واصطلاحاتها والتي تکمن وراء إنتاج المعاني، أما عن مفهوم السیمولوجیا فهو علم العلامات أو الإشارات أو الدلالات اللغویة الرمزیة أو الکامنة. بما أنّ الشعر المعاصر العربي یمثّل ساحة یجول فیها الشعراء العرب؛ یسبغون علی کلماتهم صوراً شبه الرمزیّة التي تدفعُ إلی تلقّي مفاهیم مختلفة قد تکون متناقضة أحیاناً في قراءة تلک الأشعار، فإنّ النظر إلی قصائد هذه الفترة من المنظور السیمیائي یمثّل في الواقع محاولة لکشف رموز وألغاز یضعها الشاعر أمام مخاطبه وقاریء شعره. (أناری، 1390ش: 162) فالشاعر العربي یکسو صوره الشعریّة في غطاء من التعبیرات الاستعاریّة والرمزیّة ویغطّسها في أبحر الغموض والتعقید، بالتالي نشاهد استخدام الرموز بکثرة في قصائد هذه الفترة؛ لذا القصائد تقبل التأویل بمعنی؛ حیث أنّ کل قاریء یستوحي منها معان مختلفة حسبما یملکه من إدراک. (المصدر نفسه: 161) بما أنّ لغة الأدب تعتني –وبشکل خاصّ-بالرمز والعلامة ويستعين الشعراء بالصناعات الأدبيّة لإظهار مقاصدهم الفنیة، والسيميائية الأدبية تعمل علی تحلیل وفک الشفرات والرموز في العمل الأدبي؛ شعرا ً کان أو نثراً؛ فأصبحت السیمیائیة علماً یبحث عن الإشارات وتأویلاتها في النظام الکوني واحتلّت الحقول النقدیة والمعارف الأدبیة کالروایة والقصة والشعر...إلخ. والغاية من السيميائية الأدبية، هي الحصول على المناسبة بين الدالّ والمدلول وفي النهاية تلقي الضوء على المناسبات القائمة بين ما قدّمه الکاتب وبين ما يؤوله القارئ أو المتلقّي. إنّ بدوي الجبل الشاعر المعاصر السوري کان شعره جزءاً من القضیّة الوطنیّة، وصورة صادقة عن نفسه، إنّه کان یناضل ضدّ المستعمر، لذلک اتّجه إلی دعوة الناس إلی الثورة والتّغنّي بالأمجاد العربیّة والأیام الزاهیة، فکانت النتیجة أنّه سجن وهو في سن مبکّرة. من خلال تطرُّقنا إلى أشعار بدوى جبل الوطنيّة يتّضح لنا نزوع الشاعر إلى الاعتماد علی الرمز بالأشکال التعبيرية؛ فهو شاعر ملّ الاضطرابات السياسية ومن خلال دعمه لقواة الوطنيّة، خاض مرحلة جديدة من حياته ودفع ثمن ذلک بتشرّده واغترابه عن الوطن، فأشعاره تصوّر لنا دائماً الاغتراب عن الوطن، والعودة إلى البلاد وفوضى العصر وقد بيّن ذلک باعتماده علی المستوى الرمزي والأساليب التعبيرية. وقد تبدّل ذلک إلى عنصر أساسي في المستوى المضموني واللغوي لأشعاره. إنّ الرموز من مقوّمات لغته الشعریة التي تؤدي إلی إغناء جانب الدلالات وتسهم في تخصیب الصورة الشعریّة. فيمکن دراسة أشعاره من مختلف المستويات وذلک لسعة أشعاره من ناحية المعنى وبما أنّ علم الدلالة یؤدي إلی توسیع أفق الصورة الشعریة ویغني مناخها، نتطرّق في هذا البحث إلی الرموز الجمالیّة والرموز الزمنية والمکانية وکذلک الرموز النفسية الشخصية والرموز القرآنية بأشعار الشاعر لنحلّل سمات هذه الرموز، والدلالات الشعريّة وأفکار هذا الشاعر المعاصر وتجاربه الروحيّة. أسئلة البحث یسعی هذا البحث إلی الإجابة عن السؤالين: 1. ما هي أهم الرموز السيمیائية التي وظّفها بدوي في أشعاره الوطنية؟ 2. ما هي أهم الدلالات التي نکشفها من خلال دراسة سيميائية لشعره الوطني؟ فرضيّات البحث 1.استطاع بدوي أن یجعل شعره مؤثراً في موضوع الوطنیّة باستخدام الرموز السیمیائیة التي تمنح شعره جمالیّة خاصّة. ومن أهم هذه الرموز: الرموز الجمالیّة والرموز االزمنية والمکانية وکذلک الرموز النفسية الشخصية، والرموز القرآنية. 2. إنّ الشاعر من خلال استخدامه لهذه الرموز یرید أن يصوّر مفاهيم کحبّ الوطن والفخر بتراثه الماضي، وآلام الأمة العربیّة، والغربة والتشرّد، والعودة إلى البلد ومآسي عصره إلى جانب بيان عواطفه وتجاربه الروحيّة. خلفيّة البحث قد اهتمّ الباحثون بتحلیل سیمیائي في النصوص الأدبیّة، منها: المقالات العامة: مقال «المنهج السیمیائي: آلیة مقاربة الخطاب الشعري الحدیث وإشکایاته» لمحمد خاقاني الأصبهاني والآخرین، مجلّة دراسات في اللغة العربیة وآدابها، 1389ش. یکشف عن أهمیّة المنهج السیمیائي في مقاربة النص العربي الحدیث، وأهم المشاکل التي یشکو منها الخطاب الشعري الحدیث. ومقال «بینامتنی لفظی شعر بدوی جبل با قرآن کریم» (التناص اللفظي لشعر بدوي الجبل مع القرآن الکريم) لمحمّد علي سلماني مروست والآخرين، مجلّة لسان مبين، 1390ش، من نتائج البحث هي أنّ بدوي الجبل لم يکتف بألفاظ القرآن الکريم بل اعتمد علی مفاهيم القرآن وقصصه ومسائله التأريخية أيضاً. ومقال «السیمیائیة النفسیّة في البلاغة العربیّة»، لـ علي رضا محمد رضایي، مجلّة دراسات في العلوم الإنسانیة، 2014م. یبحث في ضوء علم النفس الاجتماعي وعلم اللغة والسیمیائیة السوسوریّة عن الإمکانیات التعبیریة الکامنة من خلال الأنماط الترکیبیة والشواهد البلاغیّة التي تشرح لنا الحالات النفسیّة. ومقال تحت عنوان «التوظیف الفنّي في سیمیائیة الألوان عند ابن الرومي» لمحمد خاقاني الأصبهاني والآخرین، مجلّة دراسات في نقد الأدب العربي، 1393ش، یبحث عن مفهوم اللون ودلالته في صور ابن الرومي الشعریّة بالاعتماد علی المنهج السیمیائي في تحلیل النصوص والمنهج الوصفي في عرض المادة. ورسالة الدکتوراه تحت عنوان "بررسی شعر نئوکلاسیک سوریه با تکیه بر نقد و تحلیل اسلوبی و موضوعی شعر بدوی الجبل (دراسة أشعار الکلاسیکیة الجديدة في سوريّا في ضوء النقد والتحليل الأسلوبي والموضوعي لأشعار بدوي الجبل) لپیمان حسیني، کلّیة الآداب، جامعة طهران، سنة 1394ش. توصّل البحث إلی أنّ الشاعر على ضوء ما اکتسب من التجارب السياسية والوطنيّة والميراث الصوفي وإلى جانب الإبداع في الأساليب الشعريّة تمکّن من التوغّل في حدود الکلاسيکية الجديدة وبذلک تميّز عن سائر أترابه. ومقال «دلالتهای تکرار در شعر بدوی الجبل» (دلالات التکرار في شعر بدوي الجبل) لأمين مقدسي والآخرین، مجلّة أدب عربي، 1396ش، توصّل إلی أنّ الغاية الأساسيّة من التکرار في شعر بدوي ترجع إلى العلاقة الوثيقة الّتي نجدها بين شعره وبين متلقّيه وذلک لمشارکتهم في مشاعره. ومقال «سیمولوجیا أشعار حسن عبدلله القرشي المقاومة» لــ جهانگیر أمیري والآخرین، مجلّة لسان مبین، 1398ش، یهدف إلی تحلیل أشعار القرشي في مجال انتفاضة فلسطین والثورة الجزائریّة تحلیلاً سیمیائیّاً. ومن نتائج هذا البحث هي أنّ القرشي حاول إثارة روح الحماس والبطولة في نفوس الشعوب. فيما يتعلّق ببدوي الجبل ومضامينه الشعرية، فإنّنا نجد دراسات عدیدة، لکن لم تتمّ دراسة مستقلّة في سيميائية رموز أشعار بدوي وخاصّة أشعاره الوطنيّة. إذن من خلال دراستنا لأشعار بدوي جبل الوطنيّة في ضوء المنهج السيميائي نقوم بتحليل الرموز اللّغوية، بالوصف والتحليل، لنکشف عن مدی تجلّي هذه الرموز وملامحها الخفیّة الکامنة في أعماق نصوصه الشعریة.کما نکشف عن القیم الجمالیّة لنصّه الأدبي. إذ استطاع الشاعر أن یجعل نصّه مؤثراً موحياً بالحنين إلی الوطن وشکواه عن قسوة الغربة، فيثیر به مشاعر الحزن والشوق والتغنّي بالوطن بعاطفة ملتصقة بوجدانه وضمیره، لتطرب إلیه النفوس. الأسس النظرية نحن في هذه الدراسة الوجيزة الموجزة الانتقائية، نظراً إلی أنّ "اللغة جزء من النظام السیمیائي" (جیرو، 2016م: 5) وإلی أنّ السيميائية تظهر أهميّة تفسير النصّ حتّى في حقل البنيوية وأهمية إقامة علاقة بين العلامات وبين الرموز الّتي تحظى بالمعنى. (تشاندلر، 2008م: 368-371) حاولنا أن نشرح مکانة العلامات في تصويرها لنا بأنّ المعنى والمضمون لا يتمّ إلّا من خلال عمليّة التفسير. کما نحيل القارئ إلی "معرفة کنه العلامات والرموز والقوانين التي تحکمها". (دي سوسیر، 2014م: 36) کما نشرح ما تشیر اليه جولیا کریستیفا Christie Julia من اهتمام السيميائية بکلّ ما تنتجه التجربة الإنسانیة شریطة أن تکون في إطار الدلالیة وسیروراتها. (سیفون، 2015م: 6) ومن فتحها "آفاقاً جدیدة أمام المتلقّي إذ تعمل علی تنمیة حسه النقدي وتوسیع دائرة اهتماماته، وتساعده علی البحث والتعامل مع الظواهر الأدبیة أو الاجتماعیة أو الثقافیة، فینظر إلیها بعمق أکبر ویلج عن طریقها إلی البنی العمیقة للنص." (رحمین، 2012م: 13) کما المقال يعالج مفهوم الرمز أو الشیفرة کعنصر أساسي في السیمیائیة. مستخدماً آراء سوسير الذي تطرّق إلی مجمل الشیفرة اللغویة، کما عالجنا ما أکّد عليه جاکبسون Jacobson من أنّ إنتاج النصوص وتفسیرها یعتمد علی شیفرات. کما یری بیر جیرو «أنّ الشیفرات تدخل في عملیة تشکیل المعنی من خلال أنّ المعنی عبارة عن تأویلات.» (بوزقزي والآخرون، 2015م: 19-20) ویقول مایکل ریفاتیر Michael Rifater في کتابه "دلائلیات الشعر": إنّ الشعر یعبّر عن مضامین ومفاهیم تعبیراً غیر مباشر، وهو بهذا یضعنا أمام معادلة شعریة الرمز والإیحاء فکلاهما من مقوّمات الشعریة. (شرتح، 2005م: 88) کما يقول شيکلوفسکي Shaklovsky أحد الشکلانيين: «إنّ إحدى طرق وأساليب الانزياح هي أن نصف الأشياء کأنّنا نراها لأول مرة.» (زارعي کفایت والآخرون، 1392ش: 172) الرموز الجمالیّة تهتمّ الشیفرات أو الرموز بمختلف المجالات منها: علم الجمال الذي یُعنی بالتأثیر علی الوجدان والنفس الإنسانيّة وإضفاء طابع السرور علیها وهو یولد شعوراً باللذة التي تجذب القاریء لتتبع الدلالات والشیفرات الکامنة في صلب النص. (بوزقزي والآخرون، 2015م: 20) وظّفت السيميائية في حقلي معرفة الدلالات وفهم آليات التواصل. ويعالج أکثر السيميائيين فنون التعبير کالتشبيه والاستعارة والکنایة والمجاز من منظور سيميائي ويعتمد النصّ على ذلک لأبعادها الجماليّة. «لأنّها هي الفنون الأساسیّة في إیصال الأفکار والمواقف إلی العقل الباطن للسامع. ذلک أنّها تحتمل مضامین عدیدة تفتح للسامع خیارات متعددة لتحدید المعنی فیشغل عقله الواعي بالبحث عن المعنی والمضمون.» (العزّاوي، 2010م: 177) أمّا مادة الشاعر التي یرسم بها تلک الصور أو یؤلّف منها الشعر فهي التي تختص باستخدام التغییر المتمثّل في التشبیه والاستعارة وبهذه الوسائل تُقاس جودة الشعر. (بوزقزي والآخرون، 2015م: 44) الإنسان باهتمامه بالأشکال اللغویة التي تمثّل وسیطاً رمزیاً یواجه به الکون وما حوله لأنّ الرمز من أرقی أدوات التعبیر والإبداع بما لها من دلالات إیحائیة جدیدة ودلالات فنیّة وجمالیّة ینیر الغموض الموجود فیه من خلال الدلالة الخفیة له وهو مفتاح أساسي یمکّننا الولوج إلی عالم النص الأدبي واستکناه. فبدوي من الشعراء الذین استخدموا الصور الجمالية في أشعارهم، وبذلک يظهر مدى شوقه وحنینه إلى وطنه. إنّ الصور الجمالية هي الأکثر توظيفاً من قِبل بدوي بين سائر الأساليب الفنية الأخرى. من هذا المنطلق، سيظهر من خلال دراسة أشعاره، مدى نزوعه إلى استخدام هذه الفنون. فيصوّر بدوي في هذه الأبیات واقع حياته المعیش إلى جانب ما يخلقه من الاستعارات البديعة. حيث نلحظها في قصیدة "أین أین الرعیل من أهل بدر": أرزُ لُبنانَ أیکةٌ في ذُرانَا والفُراتانِ ماؤُنَا والنیلُ ورَیاحینُنَا علی تُونسَ الخَضراءِ خَضراءُ أینَ منها الذُبولُ ما شَکَت جُرحَها علی البُعدِ إلا رَفَّ قلبي علی الجِراحِ یَسیلُ ولَثَمتُ الجِراحَ فهي ثُغُورُ یَتَشَهّی عُطورَها التَقبیلُ (الجبل، 2000م: 239) هناک نزوع إلى تقديم المعنى المحدد، والملفوظ والصريح أو الموافق للعقل السليم. فيما يتعلّق بالعلامات اللغویة، إنّ المعنی المباشر هو الذي یمکن الحصول علیه عادة في المعاجم. وتشیر الدلالة الضمنیة للعلامة إلی تداعیات اجتماعیة-ثقافیة وشخصیة (إیدئولوجیة، وعاطفیة و...). فالدلالة الضمنیة مرتبطة بالسیاق وهي أکثر تعدّدیة علی التفسیر من دلالاتها المباشرة. (تشاندلر، 2008م: 236-237) إنّ الشاعر في هذه الأبيات من خلال تکراره لمفردة "الجراح" یؤکّد على وحدة الشعور العربي، فهو يرى أنّ جراحه جرح مشترک يعاني منه جميع الأمّة الإسلاميّة؛ فالذي یجمع الشعب العربي لیس فقط اللّغة والتأريخ بل وحدة المصير والآلام المشترکة تجمع الأمة العربیة. ومن هذا المنطلق يمکن القول بأنّ سيميائية الجرح قد تجاوز معناه المباشر إلى ما هو أعمق؛ فمفردة "الجراح" استعارة مصرّحة عن المعاناة والمصائب المشترکة الّتي يعاني منها جميع الأمّة العربيّة. وهي تعمّق الشعور بالألم من الواقع المعیش. وهکذا إلمام القاریء بهذه العلامات اللغویة ممّا یؤدّي إلی فهم الدلالات الخفیّة في النص الشعري وفکّ رمزها ومعرفتها. فسیمیائیة هذه الصور الشعریة أیضاً یساعد المتلقي علی استکناه مضامین النص وتأویل محمولاته الدلالیة. يقدّم سوسير تقسيماً مفهوميّاً ضمن عنوان المحور العمودي والأفقي "نظم القيم" في اللّغة. من خلال هذین المحورین يمکن أن ترکّبت الکلمات في خط متوال واحد (العبارات والجمل) أو أن يتمّ تعويض الکلمات الغائبة بأخرى حاضرة ضمن توالي النظام اللساني الخاصّ. وهذا ما تجلّی في قول بدوي: ومن حقّه أن أحملَ الجُرحَ راضیاً ومِن حَقِّهِ أن لا ألُومَ وأعتُبَا (الجبل، 2000م: 164) «غالباً ما یهتمّ السیمیائیّون بهذه المسألة: لماذا یُستخدم دالّ معیّن في سیاق محدّد، من دون آخر یمکن أن یقوم مقامه؟ وغالباً ما یطلقون علی الاحتمالات التي لم تُستخدم الغیابات والترکيز على ذلک الّذي يسمّى "الغياب" وليس له حضور في سلسلة الکلام.» (تشاندلر، 2008م: 157) مفردة "الجرح" في هذا السياق الشعري، استعارة عن آلام الغربة، ألم البعد عن الوطن وفراق الأهل والأصحاب الّذي قد سيطر على روح الشاعر ومشاعره، لکن الشاعر لم يکن ليَلوم وطنه؛ لأنّ الظروف المأساوية الّتي هي حصيلة استعمار الفرنسيين والاستبداد الداخلي دفعته إلى الاغتراب. وقعت مفردة "الجرح" في موضع المحور العمودي حتّى يتعاطی المعنى بين الإظهار والإبهام، والضمّة علی الجيم (جُرح) بتناسبها مع الواو تدلّ علی الظهور والجلاء بلونه القرمزي ويمنح الشعر تخييلاً، کما يجعل القارئ أو المتلقي يرکض وراء دلالات منفلتة متسعة بسعة ما جرّبه الشاعر. وهذه المفردة بدلالاتها علی حالات شعوریة تنتاب بدوي نحو وطنه لکونها منبثقة من عذاب نفسي ومعاناة عاشها طوال حیاته يجعلنا نهيم في فلوات الاغتراب والشعور بالمرارة والألم لغربته. فیعبّر بدوي عمّا یدور في خلده بکلمة موجزة تحمل في طیّاتها دلالات الألم والعذاب والحزن والفراق. ويمکن للمتلقّي التوصّل إلى الدلالة المعنيّة عن طريق تأويل القصيدة ونقدها. هذه الرموز اللّغويّة عند بدوي عبارة عن دالّ یحیل إلی أکثر من مدلول، وتحتمل عدة معاني وهذا يتسبّب في تعويق المعنى وحدوث قراءات متعدّدة في ذهن المتلقّي. «أصبح الشاعر يفرّ إلی ذالک العالم الذي ضمّ رفاقه في النضال بعد أن رحلوا عن الدنيا فيعيش علی ذکراهم ويستمدّ بعض عوامل الصمود في وجه الأوضاع الغربية التي فُرضت علی وطنه بالقوة.» (فروجي، 2011م: ص138) إذن يقول الشاعر: ضمَّا الثَری من أحبّائي لُيوثَ شریً وغابَ تحتَ الثَری منهم شُموسُ هُدَی قُبورُ أهلي وإخواني وغافيةٌ من الطُيوفِ وأسرارٌ ورَجعُ صَدَی (الجبل، 2000م: 177-178) نری في هذا البيت صورة استعاريّة في قوله: "شموس الهدی" حيث جعل "الشموس" بمنزلة الأحبّة. مفردة "شموس" في البيت الأول استعارة عن أصدقاء الشاعر الذين استمرّوا في المقاومة في سبيل الوطن، والشاعر ظلّ يعيش مع ذکراهم. فهو من خلال هذه الصورة أراد أن يبرز مکانة أصدقاءه ويعظّمهم ويجعل من مقامه مقاماً بعيد المنال. فمفردة "الشموس" خرجت عن معناها الحقيقي إلی الدلالة عن رفاقه والعلاقة الممکنة بين المدلول الحقيقي والمدلول المجازي هي المشابهة، إذ شبّه بدوي رفاقه بالشمس في رفعة مقامهم. نری بأنّ الشاعر لم يفقد أمله في نهضة الأمّة العربية، فهو يرى أنّ هذا الأمل سيتحقّق لامحالة: ما للسفينةِ لم تَرفعْ مَراسيها ألمْ تُهيّئ لها الأقدارُ رُبّانا ضُمّي الأعاريبَ من بَدو ومن حضَرٍ إني لألمحُ خلفَ الغيمِ طُوفانا (الجبل، 2000م: 86) للقصيدة دلالات مرتبطة أشدّ الارتباط بما يعيشه الشاعر من ظلم الأعداء فهو يری أنّ المصائب التي يتخبّط بها الوطن العربي إنّما تعود إلی صمت العالم العربي؛ وهذا يمکن أن يکون نصير الظالمين ومعينهم على الظلم. فيجب عليهم أن يخرجوا عن هذه الحالة إذا ما أرادوا تغيير الظروف. فالشاعر في قصيدته "إني لأشمت بالجبّار" يطلب من العالم العربي أن يجهّزوا جيشاً ويحرّروا أراضي فلسطين من مخالب الأعداء. قصد بدوي من کلمة "الطوفان"؛ نهضة الأمّة العربية- الإسلامية، الّتي تمّ اعتمادها على هيئة الاستعارة. «إنّ التعبیر بالجمالي لا یقصد به الجمیل من الشيء فحسب، وإنّما یمتدّ إلی کل ما هو واقعي ومحسوس أیضاً، باعتبار الفنون أنماط تصوّر لنا الواقع والدوال الجمالیّة أشیاء واقعیة.» (بوزقزي والآخرون، 2015م: 20-21) في التحلیل السیمیائي للنصوص الأدبیة تلعب البنیة الجمالیة دوراً فعّالاً؛ لأنّ الأدب یتشکّل علی أساس العناصر الجمالیة. (گبانچي والآخرون، 1396ش: 58) إنّ التشبيه من أهم الأدوات في تشکيل الصورة الشعريّة، وسرّ جماله يکمن في التشابيه الغير متوقّعة الّتي يکشفها الإنسان. فنشهد في قصيدة "عاد الغریب" تشبیهات ضمّنها بدوي رؤيته وأفکاره، هذه القصیدة نظمها الشاعر علی أثر العودة من الغربة القسریة التي فرضها الطغاة: دَعُوا کرامتيَ العَصماءِ نازلةَ علی الشُموُسِ تُذیعُ الحُسنَ والرَأَدَا کرامَتي الحَجَرُ الصَوّانُ ما ازدُرِدَت إلا لِتَهشِمَ أنیابَ الذي ازدَرَدَا کغابةِ اللیثِ إن مرَّ العدوُّ بها رأی الزَماجِرَ والأظفارَ واللّبَدَا (الجبل، 2000م: 172) «المحور الأفقي أو محور الترکیب یؤکّد علی الترابط بین المفردات والوحدات الکلامیّة والعناصر المتجاورة التي تنقل بدورها رسالة خاصّة. فهذا المحور برأي سوسیر یربط بین وحدات یترکّبن مع بعضهن ویشکّلن وحدة منسجمة لمستوی أعلی.» (گبانچی، 1396ش: 59) نری هذا المحور في البیت الثاني فحینما یقول الشاعر: "کرامتي الحجر الصوان" نجد أنّ لهذه الصورة التشبیهیة بعداً نفسیّاً. فالإرادة الصلبة أو القویة هي التي تقرأ من خلال السمات والخصائص المشترکة بین کرامة الشاعر والحجر الصوان، ونلاحظ أنّ فضاء الصورة التشبیهیة تجاوزت الدلالة البسیطة الضیقة إلی صورة عمیقة تعبيرية متوغّلة في أعماق الشعر العربي وإن اختلفت رؤية بدوي عمّا نعرفه في الثقافة التعبيرية الشعرية بالصوان: إذا الأمعزُ الصَّوّانُ لاقَی مَناسمي تَطايرَ منه قادحٌ ومُفلَّلُ (الشنفری، 1996م: 62 ) فصوّر الشاعر کرامته في صورة الحجر الصوان للتعبير عن صلابتها من جانب ومن جانب آخر للتعبير عن قدرتها للانارة تشجيع الآخرين إلی الحفاظ علی کرامتهم وعن قدرتها للتشعيل والتحريق تخويف الأعداء من القرب من کرامته والنيل منها. وهناک جمالیة أخری تکمن في اختیار الشاعر للحجر الصوان، وهو أنّه من المعروف أنّ الحجر یعمّر طويلاً وله مقاومة کافیة للظروف الجویة المختلفة. ومن خلال هذه الصور الرائعة نستنتج بأنّ بدوي یمنح للکرامة بعداً نفسياً واجتماعياً وتأريخياً وزمانیاً. کأنّه یرید أن یقول للمخاطب: إنّ کرامتي خالدة. فنری قدرة الشاعر علی براعة الصورة وأنّه ألّف بین ما هو حسي متمثّل بـ "الحجر الصوان" وما هو معنوي متمثّل بـ"کرامتي". فتشبیه کرامة الشاعر بالحجر الصّوان، یعدّ محاولة للوصول إلی دلالات منزلقة يرکض وراءها المتلقّي. هنا تدخل الذات الشاعرة في علاقة تشبیهیة مع الطیر في إطار لوحة الحیاة، التي لیست صحراء واحدة، بل هي ألف صحراء، فضاؤها مفتوح زمانیاً ومکانیاً؛ لیکون علامة دالة تصور وحشة الشاعر بعد موت الأهل والأصحاب، وما یصاحبها من معاناة روحیة تجسدت بالغربة. (برهم، 2008م: 43) أنا کالطیرِ ألفُ صحراءَ لفَّتْهُ مَهیضَ الجَناحِ شِلْواً مَزیقَا غُربتي قد سَئمتُ غُربةَ روحي ومَللتُ التغریبَ والتشریقا غربتي غربتي علی النأي والقُربِ أراني إلی دُجاها مَسوقَا (الجبل، 2000: 249) کما تعمل الترکيبات أو الجمل الکنائية عمل الدلالة اللّغوية ويتمّ اختيارها محلّ علامة أخرى على ضوء "التشابه الدلالي" وعلى ضوء المحور العمودي. (فرهنگي والآخرون، 1389ش: ص104) وهذا ما تجلّی في قوله: للضَّادِ تَرجِعُ أنسابٌ مُفَرّقَةٌ فالضادُ أفضلُ أُمٍ بَرَّةٍ وأبِ تَفنَی العُصورُ وتَبقی الضادُ خالدةً شجیً بِحَلقِ غریبِ الدارِ مُغتَصِبِ (الجبل، 2000م: 469) تعود القيمة الجماليّة للکناية إلی أنّ القائل يخفي غرضه الرئيسي ويحثّ المخاطب علی التأمّل حتّى يصحبه معه في عمليّة الخلق الفنّي للکلام. ففي هذا البيت "لغة الضادّ" کناية عن موصوف أي الشعب العربيّ. وهو ما استخدمه بدوي رمزاً للتعبير عن شعبه وأرضه. فهو يظلّ يفتخر بذلک ويظهر إيمانه بالنسبة إلى خلود هذه الشعوب، فهو يريد من خلال هذا الإجراء أن يسوق ذهن المخاطب إلى البحث عمّا هو محذوف في الکلام. ویقول الشاعر في بیت آخر: وناراً علی نجدٍ من الرَملِ أُوقِدَت لنَجدةِ محرومٍ وغَوثِ حَريبِ (الجبل، 2000: 64) إنّ الکناية ترتبط بحياة النّاس أيّما ارتباط، فإدراک بعض من الکنايات يحتاج إلى معرفة التقاليد والسياقات الثقافيّة والاجتماعيّة. عبارة "ناراً علی نجد من الرمل" کناية عن مدى الجود والضيافة عند أهل نجد. إنّ کناية بعيدة هي ما يکون الانتقال فيها إلی المطلوب بواسطة، نحو "ناراً علی نجد من الرمل" کناية عن إکرام الضيوف، والوسائط هي الانتقال من شبوب النيران إلی کثرة الإحراق، ومنها إلی کثرة الطبخ ومنها إلی کثرة الضيوف ومنها إلی المطلوب وهو إکرام الضيوف. فتدلّ هذه الکناية علی أسلوب التلويح الذي تکثر اللوازم فيه. هذه الکناية لا تدلّ على الضيافة فحسب بل تشير إلى الضيافة العظيمة عند هذا القوم. وأراد الشاعر أن يثبت هذه المعاني لأهل نجد. وفي البيت التالي "بنت مروان" کناية عن الموصوف أي أرض سوريا. أراد الشاعر من خلال هذه الصورة أن يقول بأنّ الوطن في شعره لا یدلّ على مفهوم مکاني بسيط بل له صورة وطنيّة ومکافحة للاستعمار، وهو مظهر من مظاهر الحياة والشوق والشعور الوطني. وبذلک استطاع الشاعر أن يحقّق مراده بتوظيف أسلوب الکناية. فالشاعر يحاول من خلال هذه الصورة والأسلوب الشعري أن يتيح المجال لبيان أفکاره وإثبات فرديته: فَمَن رأی بِنتَ مَروانَ انحَنَتْ تَعَبَا مِن السَلاسلِ يَرحَمْ بنتَ مَروانَا أحنُو علی جُرحِها الدامِي وأمسَحُهُ عِطرا تَطيبُ بِهِ الدُنيا وإيمانَا (الجبل، 2000م: 81) إنّ «المعنی الجمالي له حقل مفتوح علی عدة دلالات غیر محدودة تفتح مجال الحریّة أمام القاریء أو المتلقّي لیطلق عنانه للتأویل اللامتناهي.» (بوزقزي والآخرون، 2015م: 20) إنّ الإغراق من الدلالات الجماليّة الأخرى في الکلام والّذي يوظّفها الشاعر في سبيل الفخر بوطنه. يقول بدوي في قصيدته "عيد الجلاء": کلّما تهبّ الريّاح على ديار الشّام، تتحمّس الجنّة وعطرها الفوّاح ونغمة الشام العرفانية وتحسد موطن الشاعر؛ لأنّ أرض الشام والجنّة متقارنان متساويان في الجمال. إنّ الشاعر من خلال بيانه المبالغ فيه قد قارن بين الجنّة والشام وهو صوت يملأه الفخر والعزّة بجمال أرضه، فالکلمات الّتي يختارها الشاعر تتمحور جميعها حول مضمون واحد وتدور حول مفهوم "الحبّ إلى الوطن": کُلَّما هبَّتْ صَبا مِن (دُمَّر) رَنَّحَ الجَنّةَ طِیبٌ وَغِنَاء خُیَلاءُ الحَقِّ في عَدنٍ لَکُمْ یَغفِرُ اللهُ لِقَوم ي الخُیَلاء واعذِروا عَدناً علَی غَیرَتِها إنّها والشَامَ في الحُسنِ سَواء (الجبل، 2000م: 95) إنّ الاستعارة من الصور البلاغیّة التي تشغل مرتبة أعلی من بین الرموز الجمالیّة للکلام:
الرسم 1 - الرموز الجمالیة جدول 1- تواتر ونسبة الرموز الجمالیة
الرموز الزمنية والمکانية یضطلع المکان بدور مهم في أشعار بدوي الجبل ویتّسم بدلالة الوجود والهویة والعروبة، ویلعب دوراً هاماً في ترسیخ کیانه وتثبیت هویته، وهو یعبّر عمّا یدور في خلجات نفسه من انتماء وحبّ وأمان. اهتمّ الشاعر في قصائده بعنصر المکان حیث یعبّر مرکزاً خصباً للدراسة السیمیائیّة وهو لم یدرس المکان حَسَب موقعه الجغرافي فقط بل اعتمد علی شعور باطنیّة نحو المکان. «قد یستحیل انفصال المکان عن الزمان، فلابدّ عند أي عمل أدبي، ذکر الزمان والمکان إذ هما محور الحیاة ونسیجها، فلا توجد أي قصیدة أو عمل أدبي دون تحدید لمکانه أو زمانه، فالزمان إذن حلقة أساسیة في التکوین الشعري، فلا وجود للأماکن والأحداث بمعزل عن العلاقة الزمانیّة.» (سلمی والآخرون، 2013م: 21-22) في تقسيم بيرس لأنواع الدلالات، نرى أنّ الدلالات الزمکانية تندرج ضمن الدلالات التأشیریّة وهي تعتمد بصورة ظاهريّة على مدلولاتها وقد قام العديد من الدارسين ببحوث وافيّة حول تحليل النصوص الأدبية من منظور السيميائية وتطرّقوا إلى الدلالات الزمکانيّة. (سجودي، 1387ش: 22) کما نجد في شعر بدوي الجبل کثيراً من الدلالات الزمانية، حيث يقول في قصيدة "عاد الغريب": حَلَفتُ بالشَامِ هَذا القَلبُ ما هَمَدا عندي بَقَایا مِن الَجمرِ الذي اتّقَدَا (الجبل، 2000م: 170) مفردة "حلفتُ" تحکي عن شعور الشاعر وشدّة شوقه وولعه بالنسبة إلى وطنه أي الشام؛ وذلک بواسطة الطباق بين فعلي "همد واتّقد"؛ لأنّه بمجرّد هُدوء حبّه، لا يفتأ تشتعل حرقة شوقه إلى الوطن وتقديس أرضه، زمن هذه الأفعال له قدرة إنتاجية کبيرة وذلک لاستذکارها خواطر الشباب الجميلة والحبّ في سهول دمشق. ويتکرّر هذا الإجراء بصورة مستمرّة من الماضي إلى الحاضر. يظهر لنا من خلال أفعال "حلفتُ، همد، اتّقد" شدّة شوق الشاعر إلى وطنه الأم وکذلک شعوره الجارف نحو الزمن الّذي يظهر جميع خواطره بنفس الشوق والحبّ القديم. إنّ بدوي إنسان ينظر من جهة إلى ماضيه وحضارته الزاهرة وعظمة أرضه ومن جهة أخرى يحمل على ظهره حزن الزمن الحاضر، لکن المدينة الفاضلة عند الشاعر هي الزمن الماضي؛ لذا يستذکرها دائماً. کما قال في قصيدته "إلی أستاذي مصطفی الغلاییني": أتذکُرُ في الشآمِ لَنا عُهُوداً مُعَطّرةً کأنفاسِ الکَعابِ (الجبل، 2000م: 418) يقول شميسا: إحدى موتيفات الشعر العالميّة هي موتيف "ذهبت تلک الأيّام"؛ في هذا النوع من الأشعار، ينوح الشاعر علی أيام الخوالي وذکريّات الماضي، هذه الأشعار هي رثاء نوعاً ما ويرافقها استذکار الخواطر القديمة. (کمالجو و الآخرون، 1395ش: ص119) إنّ الزمن الخارجي معروف بالزمن الواقعي أمّا الزمن الداخلي أو الزمن الحسّي- العاطفي، لا يخضع للمحاسبة کما هو الزمن الخارجي بل ينتجه الإنسان بقوّة خياله وهذا الزمن يتبع شعور الإنسان الداخلي وهو يوصف دوماً في عالم الأدب والفنّ. (المصدر نفسه: 115-116) یشير بدوي في هذا البیت إلى "الاغتراب الزماني"؛ هذه الغربة تعني أنّ الإنسان لا يعيش في تلک الأيام الحلوة وقد تغيّرت صورة الحياة والزمن. تصوّر "عهوداً معطّرة" شوق الشاعر إلى الماضي والابتعاد عن وطنه المألوف. من هذا المنطلق يسعى بدوي عن طريق استذکاره للماضي إلی أن يتحرّر من ألم الغربة ويتخلّص نفسه من الزمن الواقعي أو الحاضر. فيرافق شعوره شوقٌ إلى الماضي الّذي لم يعد يوجد الأن ولربّما کان تجدیده مستحیلاً. فنری اعتزازه بالماضي وحنینه إلیه فیبدو أنّ الزمن الحاضر یدفعه إلی التحسّر علی الماضي. وکذلک في قصيدة "طمع الأقوياء" يطول کلامه حول معشوقته؛ لأنّه قد جرّب الحبّ في طبيعة وطنه. وحبّه هذا إلى الوطن يتمتّع بالعمق بحيث يحبّ أن يبدّل يوماً في طبيعة وطنه بعام من عمره: هَاتِ حَدِّثْ عَن الشآمِ وحدّثْ وأطِلْ في الحدیثِ عَنها الکَلاما ما عَرفتُ الغَرامَ لولا رُباها مِن رُبَی جِلَّقٍ عَرفتُ الغَرامَا أعطِني في رُبُوعِ جِلّقَ یَوماً یا خَلیلي وخُذ مِن العُمرِ عَامَا (الجبل، 2000م: 516) الوطن هو أرض الذکریات هو الحبّ الکبیر وحبل الحنین إلی أرضه بقي قویّاً عنده، فالمنافي لا تضعف من حرقة شوقه إلی الوطن بل عند تغرّبه عن وطنه زاد شوقه إلیه. في هذا البیت مفردة "یوماً" علامة سیمیائیة أخری یستخدمها الشاعر لیجسّد حبه للوطن وإحساسه المتناميّ بالزمن وأیضاً ذلک لاستحضار ذکریات عهد الصبا والحب في ربوع الشام. للمکان معان وتعاریف عدّة منهم من یری أنّ المکان هو الحیّز الذي یشغله الجسم وله عند علماء الهندسة ثلاثة أبعاد، وبصورة عامة فالمکان هو الموضع المحدّد فقد یکون ذلک المکان وطناً، أو مدینة أو بیتاً. (سلمی والآخرون، 2013م: 18) المکان إمّا عام أو خاص فالمکان الخاص ذلک الموضع الذي ينبض بالحياة وهو بمثابة عالم أخر یفیض بالذکریات والعطف واتّخذه ملاذاً لنفسه وأنیسا. يحکي بدوي في شعره عن أمکنة متعدّدة وهذه الأمکنة بطبيعتها أمکنة واقعيّة وعينية ولا تمتّ بصلة إلى الخيال والوهم. فهو يتکلّم عن مناطق ک"جلّق" (من أسماء دمشق القديمة)، "غوطتان" (مجموعة من المزارع في شرق دمشق وغربها) و" دمّر"، و"لاذقیة"، و"حوران" و"حماة" وما إلی ذلک. هذه الأمکنة هي أحبّ الأماکن الّتي يصرّ الشاعر على ذکرها؛ لأنّها تربط بخواطر وذکريات جميلة. وهي أیضاً تمثّل نزعته الوطنیة وتدلّ دلالة قاطعة علی شدة التزامه بها بوصفها تمثّل رمزاً للقیم الوطنیة، وکان من الطبیعي أن یجره حبّه للوطن إلی استخدام بدوي لمثل هذه المفردات. لذا یصفها بدقائقها وجزئياتها ويمنحها دلالة سيميائية خاصّة إلى أنّه يمکننا من خلال فهمنا لعنصر المکان أن نکشف قسماً کبيراً من زوايا الشاعر الفکرية. وفيما يتعلّق بسيميائية المکان في بيت: حَلَفتُ بالشَامِ هَذا القَلبُ ما هَمَدا عندي بَقَایا مِن الَجمرِ الذي اتّقَدَا (الجبل، 2000م: 170) مفردة الشام في قصيدة "عاد الغریب" مفردة أساسية؛ لأنّ "الشام" هنا ترمز إلى الأمّة العربيّة والکيان العربي والعزة والشموخ. وهذه الدلالة الموجودة في هذا الشعر، دلالة تأريخية تصوّر الکینونة العربية وفخر الماضي علی مرّ التأريخ. وأرض الشام رمز للجذور العربيّة والميراث العربي؛ کما هو بيّن في قصائده الأولى: "أهوى الشام" حتّى قصائده الأخيرة "دمعة على الشام". هذه المفردة تتمفصل عندها کلمات، وبذلک تطرح دلالات ضمنيّة متعدّدة. نلاحظ أنّ هذه المفردة تجسّد مناخاً متکاملاً متفاعلاً فالشام التي تمثّل الوجود العربي في التاریخ، تمثّل أیضاً رمزاً للخصب والعطاء والتجدّد في الزمن الحاضر. (شرتح، 2005م: 54) إنّ مفردة الشام عند بدوي علامة لغویّة تتمیّز بالشمولیة من حیث المعنی لکونه بها یجمع مضمون النص الشعري. فيمکن القول بأنّها تعدّ أهم مکان رکّز الشاعر علیه. وهي العلامة الأکثر حضوراً في أشعاره الوطنیّة. وعلامة سیمیائیّة حیّة تنبض بالحیاة والأمل، وعلى ضوء المستوى الدلالي الثاني يفيد هذا المکان إلى العلاقة الوثيقة الّتي تربط الشاعر بوطنه، وشدّة ولعه وقربه الروحي إلى الأهل والوطن؛ الوطن الّذي يمتاز بمکانة کبيرة ومثاليّة لدى الشاعر. کما نری في هذه القصیدة تعابیر ترتبط بالمعنی المرکزي وهو مفهوم "الشام":
إنّ الشخص العائد إلى المکان في قصيدة "عاد الغريب" ليس بمغرم بالمکان فقط بل يشعر بوطأة العاطفة وتثقل علی کاهله الذکريات الّتي تحمل کثيراً من الأمجاد؛ إذن لا يمکن الحدّ من شدّة شوق الشاعر بالنسبة إلى وطنه؛ لانّ بدوي بعد تجربته للغربة، والتشرّد والمصيبة، لا یری في وطنه شيئاً يدلّ على الأمن، والاستقرار والراحة. یقول جاکبسون: «إنّ الکثیر من الصفات الرمزیة تُفسَّر علی حسب السیاقات الثقافیّة المختلفة والسیاق مسؤول عن تحدید الصیغة المُهیمنة، والکلمات أیضاً قد تکون رموزاً أیقونیّة کالکلمات المُحاکیة أو رموزاً تأشیریّة کـ ذاک، هذا، هنا، هناک.» (تشاندلر، 2008م: 93-94) کما یقول بدوي في قصیدة "تعالوا نعدّ الصّید": هُنَا عَرشُ أقمارِ العُلی مِن أُمَیّةٍ هُنَا ارتَکَزَتْ سُمْرُ العَوالِي اللَّهادِمُ هُنَا ابنُ أبي سُفیانَ أشرَقَ تاجُهُ تُؤَیِّدُهُ البِیضُ الرِقاقُ الصَوارِمُ هُنَا الیَعرُبیّونَ الأُلی عزَّ جارُهُم فَلَیسَ لهُ في غُوطَةِ الشَامِ هاضِمُ هُنَا العَرَبُ الأنجادُ إن قامَ ظَالِمٌ مَشَوا بالقَنَا أو یُرجِعُ الحقَّ ظَالِمُ (الجبل، 2000م: 534) مفردة "هنا" من الدلالات المکانيّة الّتي کرّرها الشاعر لعدّة مرّات، ويمکن أن تکون علامة على تعلّق بدوي بأرض الشام، يظلّ الحبّ بالنسبة إلى الشام سارياً في قلبه، فهو يتطرّق إلى وصف أرضه بغرور وفخر، مع أنّه لا يأتي باسم وطنه ويکتفي بذکر موقعه الجغرافي فقط. عدم ذکر الاسم لربّما يعود إلى أنّ حديثه حول جميع مناطق الشام. ومن خلال نظرة متأنيّة إلى وصف الدلالة المکانيّة المتمظهرة في "هنا"؛ ما يلفت الانتباه هو الماضي، والميراث ومکانة العظماء من الرجال والاقتدار والعظمة العربيّة، واشتياق الشاعر إلى وطنه، عامل مؤثّر في إطالة الوصف في القصيدة. فيعبّر بدوي عن مظاهر متعلقة بحب وطنه ویتغنّی دائما به علی الرغم من مغادرته له والمعاناة التي واجهها طوال حیاته. وعلى هذا الأساس يمکننا تقييم مدى تعلّق الشاعر بالنسبة إلى أرضه من منظور المکان. إذن من خلال دراسة الجانب الوطني لشعر بدوي يمکن أن نستنتج بأنّ المکان في شعره عنصر يستعين به الشاعر لبيان أحاسيسه ومشاعره وهويّته، وأصالته، وتاريخه العظيم، وأفکاره وتجاربه الروحيّه وبذلک يمنح شعره وظائف دلالية سياقية ائتلافية باجتماع ثنائيات، إلی جانب مفردات مکانية وزمانية، مثلما رأيناه من ثنائية الهمود والاتقاد التي تدلّ من جانب علی الهدوء والسکون والاستقرار بالحب ومن جانب علی الحرکية المتمثّلة في الاتقاد.
الرسم 2- الرموز الزمنیة والمکانیة
جدول 2- تواتر ونسبة الرموز الزمینة والمکانیة
الرموز النفسية الشخصية يتحدّث مکاريک Makarik في "دائرة المعارف النظريات الأدبية المعاصرة" حول سيميائية صاحب النص. فهو ينقل عن موکاروفسکي Mukarovsky قائلاً: أنّ العمل الأدبي له تداعيات ومظاهر موضوعيّة تدلّ على حياة الشاعر وشخصيّته وکذلک البيئة الاجتماعيّة الّتي نشأ فيها الشاعر وذلک بصورة مباشرة أو غير مباشرة. (مکاریک، 1384ش: 293) يمکننا عادّة في هذه الأيام أن نلحظ دلالات صاحب النص من خلال رصدنا للعناصر الفکريّة المکرّرة في السياق الشعري. کما أنّنا نرى مفردة "البلبل" من إحدى الموتيفات في شعر الشاعر وهي دلالة تساعد القارئ على أن يخطو نحو خالق الشعر. على سبيل المثال في قصيدة "البلبل الغريب" من خلال رؤيتنا لهذا العنوان، تتجلّی ملامح الألم والحزن والتشرّد والغربة والبعد عن الوطن. ویمکن أن نلاحظ أنّ عبارات القصیدة مثل (أحزاني، یعذّب، آلام، أتغرّب و...) هي المقصودة في العنوان. فعنوان هذه القصیدة علامة علی طریق المتلقي ومفتاح سیمیائي یحثّ القاریء علی أن یقرأ القصیدة بوعي ویتوجّه إلی ما تحمل القصیدة بین طیّاتها من معان وأفکار. کما یقول الشاعر في هذه قصیدة: تَغرَّبَ عَنْ مخضلّةِ الدَّوحِ بُلبُلٌ فَشَرّقَ في الدُنیا وَحیدَاً وغرَّبا تَحَمَّلَ جُرحَاً دَامِیَاً في فُؤادِهِ وغَنَّی علی نَأيٍ فَأشجَی وأطرَبا (الجبل، 2000م: 169) هذه الکلمات الموجودة في قصیدة "البلبل الغریب" مثل: (أحزاني، أعشق برق الشام، یشوق، یعذّب، تحرمیني، آلام، أتغرّب، ینام علی أشواق قلبي، غریبان، سکب الدموع و...) تمثّل مضامين القصيدة وهي تعابیر تربط النص الشعري بالعنوان إلى جانب تقديمها خالق العمل الأدبي إلى القارئ وهي تظهر حوادث حياته وتعبّر عن حالة الحزن الذي عاشها بدوي. إنّ عنوان النص الأدبي علامة لغویة یعلو النص لیصفه ویغري القاریء بقراءة النص قصد کشف تأویلاته. (سریج والآخرون، 2015م: 17) علی سبیل المثال عنوان قصيدة "البلبل الصریع" یربط بین النص وصاحبه وهو علامة متکوّنة من دال ومدلول وبهذا کان احتفاء السیمیائیین به کثیراً. هذا العنوان هو الجزء الدال الذي لا یتعدّی کلمتین لکنّه یعبّر عن النص الشعري مباشرة أو غیر مباشرة ویأخذ أهمیته من کونه علامة تحمل عدة معاني والکثیر من المقاصد: أیُّها الصیادُ لا تَنصِبْ لَهُ شَرَکاً واسْمَح بتقطیعِ الشَرَکْ أیُّها الصیادُ ما أعجَزَهُ أیُّها الصیادُ بَل ما أقدَرَکْ دَعْهُ حُراً واستَمِع تغریدَهُ هَلّةَ الصُبحِ وقل: ما أشعَرَکْ دَعْهُ حُراً فلَقَد صوَّرَهُ خالِقُ الکَونِ الذي قد صَوَّرَکْ (الجبل، 2000م: 480) مفردة البلبل علامة ذات بُعد سیمیائي تبدأ منها عملیة التأویل وتغري المتلقّي بتتبّع دلالاتها وتبوح بما یتناوله النص، وهي یتضمّن نوعاً من البوح بالأفکار أو الأحاسیس والإیدیولوجیات من قصد المؤلف. يتمتّع البلبل بحريّة تامّة جرّاء انتقاله من غصن إلى غصن وإنشاده أعذب الألحان والأنغام؛ کأنّه شاعر ينشد ألطف الأشعار وأعذبها وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على نهاية الظلم، والقدرة الّتي يواجهها البلبل؛ في هذا الصدد اختار الشاعر رمز البلبل وهو نوع من الصورة الشعريّة الّتي تعکس تجربته الوجودية. فالحق أن یکون البلبل حرّاً، طلیقاً، آمناً، لأنّه رمز السلام والحبّ والصفاء، أما قوله "البلبل الصریع" فیعکس حالة الظلم والقسوة، فحوّلت تغریده إلی أنین وحریّته إلی شقاء وموت. (شرتح، 2005م: 78) یحاول الشاعر أن یشحن نصّه بدفقات رمزیة تنأی بلغته عن المباشرة. کما اعتمد علی مفردة البلبل بناء علی السياق الدلالي والسيميائي لتقوية النصّ الشعري ولهذه المفردة دلالات عدّه منها: مصدر الخير، والحريّة، والجمال، ورمز الأمّة العربيّة، والضعفاء من النّاس، والشعوب المظلومة والمتعرّضة للظلم. لفظة "البلبل" علامة يأتي بها الشاعر للدلالة على رمز، والمفهوم الغائب في هذا الرمز هو في الواقع ترجمة حیاة الشاعر وبیان أحواله. فأصبح هذه المفردة علامة سیمیولوجیّة تحمل مؤولات من نوع العلامة الرمزیّة، ويختار هذا الشاعر الوطني عنوان "البلبل" عن وعي؛ ويبدو أنّ هذه المفردة تعبّر عن غرضه وموقفه الفکري. فهذه اللفظة تحمل في طیّاتها مجموعة من الطاقات الرمزیّة التي تحیل إلی ما مرّ به بدوي من ظروف اجتماعیة قاسیة. إنّ الدلالات التالیة تعرّف أيضاً خالق العمل الأدبي ولها دلالة على ظروف حياته:
إنّ بعضاً من العناصر غیر المقیّدة بالقواعد اللغویة في علم السیمیولوجیا، تتسبّب بتوجیه القاریء إلی المعنی الضمني خلف المعنی الظاهري. (گبانجي والآخرون، 1396ش: 66) تتضافر بعض الدوال في إغناء جانب السلام الذي یصوّره البلبل مثل: أناشید الهوی، وبین روض وغدیر وحرّ وتغرید وصبح، وتتضافر بعض الدوال في تأکید جانب القسوة التي یمثّلها الصیاد: السهم، والقفص، والشرک وتقطیع الشرک والأسیر. فهذه الدوال لم تستخدم فقط للتعبیر عن حیاة الشاعر وأوضاعه الاجتماعیة، بل هي رمز للشاعر والحریّة والانفتاح والعدوّ والحیاة والاضطرابات الوجدانیة للشاعر والتي تکمن خلف هذه المعاني الظاهریة. فهو یبثّ من خلال هذه الرموز أفکاره ویعبّر عن مواقفه ورؤاه الخاصة. وهکذا یمکن القول: أنّ بدوي ینتقي رموزه من مساحات کونیة واسعة ومبذولة للجمیع، لخروجها عن دائرة الذاکرة الثقافیة والاجتماعیة المحدودة، فالبلبل والصیاد والقفص والصبح، هي موضوعات تکاد لا تخلو منها، أو من أحدها قصیدة في العالم. لکن نسق العلاقات التي تربط هذه الموضوعات بالرمز، هو ما یحقّق للشاعر خصوصیته، ویخلق له لغة تمیّزه، وتخصّ عالمه الشعري دون سواه. (شرتح، 2005م: 69)
الرموز القرآنية الموحية القرآن الکريم بتصويره النفس کعدو الإنسان النابع عن الذات وباستلهام النماذج التأريخية وباستخدام الشخصيات يرسم لنا عدواً خارجاً عن الذات فيحاول دوماً أن يجسّد بأعيينا وفي أذهاننا تقابلات وثنائيات يتنافس فيها الحق والباطل أو الخير والشر ليرغب المتلقي في الجهاد والکفاح المستمرّ لأجل اسعاد البشرية.فبدوي الجبل يحاول أن يقيم حواراً وتزاوجاً بين لغة القرآن الکريم ولغة شعره لأجل الحث علی الذود عن الوطن وتجسيد أحاسيسه وعواطفه الوطنية التي تکشف عن البنیة الفنیة لنصوصه الشعریة. بدوي مرّة يذکّر المتلقي بموسی (ع) وحواره في طور سينا مع حبيبه للسيطرة علی قوی الشرّ الذاتية أو الخارجية للبلوغ إلی الحرية الحقيقية والحيلولة دون الاستبداد. فهو على الرغم من الظروف الّتي عانى منها نتيجة الغربة المفروضة عليه في الشرق والغرب، إلّا أنّ قلبه مازال ينبض بالشام. فهو يحلم في الغربة، حُلُم من يفکّر بلقاء المحبوب أي الوطن فيستدعي شخصية موسی (ع) کما يستلهم طور سيناء ليعبّر عن رؤيته وفکرته وهي قدسية الوطن وتقدسه ليحرض محبو الوطن علی نضال فراعنة العصر بعبادة الله الواحد القهار الذي يتجلی لهم في أرض الوطن، فهو في قصيدته بعنوان "حنين الغريب" يبدي عن ملاحظاته وعمّا له کما يوحي إلی القارئ والمتلقي بما لهم من ألّا ينسوا الوطن ومن أن ينبض قلوبهم به وأن يشحذوا آذانهم لاستماع نجوی الوطن إياهم ولو کانوا بالغربة مع القيام بالتوسل إلی الله عزّ وجلّ: تُطَوّحُني الأَسفارُ شَرقاً ومَغرِباً و لکنَّ قَلبي بالشّامِ مُقيمُ وأسمعُ نَجواهَا عَل ى غَيرِ رُؤيةٍ کَأنّي عَلى طُور الجَلالِ (کَليمُ) ومَا نَالَ مِن إيمانيَ السَّمحِ أنّنِي أُصَلّي لَهَا فِي غُربَتي و أصومُ (الجبل، 2000م: 180-181) فبذلک استطاع بدوي أن یعبّر عمّا في داخله عن طریق السیمیائیة الشعریة من خلال رموزه القرآنية. بمثل ما نجده في قصيدته "حیاة أسیر القَید لفظٌ بلا معنی"، التي يقول فيها: لا تيأسوا من تحقّق الحرية أبداً؛ لأنّي أراه أقرب من فوهة السهام، مشيراً إلى أنّ النصر سيحالف الناس في سوريا عن قريب. وهو يطلب وقوف شعبه في وجه الأعداء والثورة علیهم. ففي هذا البیت دلالة علی عدم یأس بدوي رغم کل ما تعرّض له في حیاته. فعبّر عن رؤيته باستلهام المضامين القرآنية، ویحقّق باستحضارها ارتقاء في مستویات الدلالة وکثافة الرؤیة التي یمثّلها فهو جمعها في سیاق: التفاؤل والفوز والأمل. (شرتح، 2005م: 191) حیث یستدعي قوله تعالی: ﴿...لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّه...﴾ (الزمر: 53) وقوله: ﴿فَکانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى﴾ (النجم: 9) وقوله: ﴿... فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيما﴾ (الأحزاب: 71): ولا تقنَطُوا مِن بارِقِ الفَوزِ إنَّني أری الفَوزَ مِنکُم قابَ قَوسینِ أو أدنَی (الجبل، 2000م: 445) «وعندما أراد الشاعر أن یعبّر عن یقینه بأن انتصار العرب والمسلمین علی أعدائهم قادم لا محالة-رغم الهزائم التي لحقت بهم، ورغم التخلّف الذي فرض علیهم-لجأ إلی القرآن الکریم مستلهماً من آیاته هذا الیقین.» (فروجي، 2011م: 183) فیقوم الشاعر باستخدام النص القرآني بغیة شحن الموقف والتأثیر في المتلقّي ویستعیر بعض المضامین القرآنیة لخلق نوع من التناسب بین نصه الشعري والمضامین القرآنیة لیحمّل نصه بدلالات معبّرة عن عصره وتفاؤله بالمستقبل: لَئِن أُطفِئَتْ يا مَيُّ نِیرانُ یَعْرُبٍ هَواناً فإنَّا سَوفَ نُضرِمُهَا إنّا وَلا بُدَّ مِن یومٍ أغَرَّ مُحَجَّلٍ تَطیرُ الجِبالُ الراسیاتُ بِهِ عِهْنَا (الجبل، 2000م: 448) فالموقف الشعري تمثّل الخطاب القرآني في قوله تعالی: ﴿وَ تَکُونُ الْجِبالُ کَالْعِهْنِ الْمَنْفُوش﴾ (القارعة: 5) فیمکن القول بأنّ التناص في الحقل السیمیائي أحد ممیّزات النص الأساسیة التي یعمّق معنی النصوص الشعريّة ویربط بینها. إنّ بدوي شاعر قد استحضر النص القرآني لغرض التعبیر عن مواقفه وآرائه، فاستحضار هذه العبارات علامة ودلیل علی مدی معرفة الشاعر بالثقافة والموروث الدیني وفي مقدمته القرآن الکریم، إنّ النص عنده یهاجر نحو الماضي لإدخال الأحداث في تأویلات جدیدة من خلال ربطها بأحداث راهنة عاشها الشاعر في حیاته. والتناص یوسّع من فضاء قصائده ویعطیها دلالة جدیدة، وبهذا یضفي علی قصائده لوناً جدیداً من عواطفه وأحاسیسه. فساهم التناص لدی بدوي في التعبیر عن أبعاد تجربته واستخدمه الشاعر بغیة إثراء دلالات نصّه. لقد قمنا بدراسة أهم الرموز في دیوان بدوي جبل، إلّا أنّنا لم نتمکّن من ضبط کافة الرموز اللغویّة، لذلک سنعرضها في هذا الرسم البیاني. بعد ملاحظة هذا الرسم نری أنّ الرموز الجمالیّة تشغل مرتبة أعلی من بین الرموز اللغویّة في أشعار بدوي جبل الوطنیّة:
الرسم 3- نسبة الرموز
جدول 3-تواتر ونسبة الرموز
النتائج -إنّ الرموز اللغویة الّتي تمّ توظيفها في أشعار بدوي، جعلت من لغة الشاعر أدبيّة أکثر من قبل، وهي تمّ تشکيلها على ضوء التجارب الروحيّة والشخصيّة لدى الشاعر. -استطاع بدوي أن یجعل شعره مؤثراً في موضوع الوطنیّة باستخدام الرموز السیمیائیة التي تمنح شعره جمالیّة خاصّة. ومن أهم هذه الرموز: الرموز الجمالیّة للکلام والرموز المرتبطة بالزمان والمکان وکذلک الرموز المرتبطة بصاحب النص والتناص. - إنّ الدلالات الجماليّة والبلاغيّة، من منظور السيميائية تمثّل علامة مناسبة لتفسير أفکار الشاعر ومقاصده، والدلالات الضمنيّة في هذه الأشعار أکّدت على الجوانب الشخصيّة، والعاطفيّة والاجتماعيّة في المدلول. قد أکثر بدوي الجبل في شعره من استخدام الرموز الجمالیة للکلام کالتشبيه والاستعارة والکنایة والإغراق والشاعر من خلال توظيفه لهذه العناصر، یمنح شعره جمالاً خاصّاً وهذه الرموز تعمل على تشکيل قراءة جديدة، علاوة على ما لها من دور في تقديم الصورة الأدبيّة للأشعار الوطنيّة. -تعکس الرموز الجمالیّة کثيراً من الصور حول مفاهيم کالتحرّر، ومکافحة الظلم والاستعمار، والدعوة إلى الثورة، والشوق إلى الوطن، والفخر بجمال أرضه وبالمجد العربي ومخاوف الشاعر الاجتماعيّة، وکذلک یذکر المصائب التي یعاني منها في حیاته منها آلام الغربة وفراق الأهل والأصحاب. -إنّ الزمکنة عند بدوي علامات سیمیائیة تشیر إلی حالات مختلفة، فتارة رمز للأمة العربیة والکیان والجذور العربیة وتارة رمز للانتماء والحبّ والأمان، المکان عنده رمز یمثّل الوجود العربي في التاریخ وعلامة تربط الشاعر بوطنه وتعبّر عن شدة ولعه وقربه الروحي إلی الأهل والوطن. بحیث یمکن القول بأنّ الصیغة الرمزیة غلبت علی سیمیائیة دلالات المکان. والزمن عنده علامة سیمیائیة تعبّر عما یختلج في نفسه من ذکریات عهد الصبا والحب في ربوع الشام والابتعاد عن الوطن. إنّه ینظر إلی ماضیه وحضارته الزاهرة وعن طریق استذکار الماضي یحاول أن یتحرّر من ألم الغربة ویتخلّص نفسه من الزمن الحاضر. -تساهم الدلالات القرآنیة کرمز وعلامة سيميائية لدی الشاعر في تشکیل رؤیة جدیدة للقصیدة وهي تعبّر عن تجربته الشعریّة بشتّی جوانبها الفکریة والوطنیة والنفسیة. وکذلک هذه الرموز ترسم لنا القیم الوطنیّة والدینیة والإسلامیة للمجتمع العربی. -إنّ الرموز المرتبطة بالنفسیة الشخصیة توحي بحیاة الشاعر الاجتماعیة وبمستواها الدلالي أو الرمزي تعبّر عن الآلام والمخاوف والعدوّ والحریّة والانفتاح. ومن خلالها تتجلّی ملامح الحزن والبعد عن الوطن. وکذلک یعبّر عن ظروف حیاته وأوضاعه الاجتماعیّة ونری بأنّ الشاعر استخدمها لتبیین الاضطرابات الوجدانیّة والظلم والظروف الاجتماعیّة القاسیة.
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القرآن الکریم اناری بزجلوئی، ابراهیم وآخرون. (1390ش). «نشانهشناسی قصیدهی سفر ایوب بدر شاکر السیاب». مجله ادب عربی، العدد 3، صص 180-157. بوزقزي، خیرة والآخرون. (2015م). الجمالیة السیمیائیة في شعر نازک الملائکة "قصیدة خمس أغانٍ للألم أنموذجاً. رسالة ماجستیر. جامعة الجیلالي. الجزائر: بونعامة. تشاندلر، دانیال. (2008م). أسس السیمیائیة. ترجمه طلال وهبة، مراجعة میشال زکریا، ط1. بیروت: المنظمة العربیة للترجمة. الجبل، بدوي. (2000م). دیوان بدوی الجبل. ط2، قم المقدسة: مؤسسة النشر الإسلامي. جیرو، بییر. (2016م). السیمیائیات. ترجمة منذر عیاشي، ط1. دمشق: دار نینوی. دي سوسیر، فردینان. (2014م). فصول في علم اللغة العام. ترجمه أحمد نعیم الکراعین، الإسکندریة: دار المعرفة الجامعیة. رحمین، علیة. (2012م). سیمیاء العنوان في روایات عبدالحمید بن هدوقة والطاهر وطار دراسة سیمیائیّة. جامعة الحاج لخضر، کلیة الآداب واللغات، الجمهوریّة الجزائریّة. زارعی کفایت، حشمت الله وآخرون. (1392ش). «صورتگرایی وآشنایی زدایی در شعر ابوالقاسم شابی». مجله نقد ادب معاصر عربی، السنة الثالثة، العدد 7، صص177-154. سجودی، فرزان. (1387ش). نشانه شناسی کاربردی. چاپ اول. تهران: نشر علم. سریج، سامیة و فایزة حسان. (2015م). جمالیة العنوان في روایة العشق المقدس لـعزالدین جلاوجي، مذکرة مقدمة لنیل شهادة الماستر. الجمهوریة الجزائریة: جامعة أکلي محند أولحاج. سلمی، عشیط ومعوج سامیة. (2013م). دراسة سیمیائیة لقصیدة المساء لخلیل مطران. الجمهوریة الجزائریة: جامعة البویرة. سیفون، بایة. (2015م). محاضرات في السیمیولوجیا. جامعة محمد بوضیاف بالمسیلة، السنة الثالثة، کلیة العلوم الإنسانیة والاجتماعیة. شرتح، عصام. (2005م). ظواهر أسلوبیّة في شعر بدوي الجبل. دمشق: منشورات اتحاد الکتاب العرب. الشنفری، عمرو بن مالک. (1996م). دیوان الشنفری، جمعه وحققه وشرحه، إمیل بدیع یعقوب، ط 2، بیروت: دار الکتاب العربي. العزّاوي، سمیر إبراهیم وحید. (2010م). التفکیر السیمیائي وتطویر مناهج البحث الأسلوبي المعاصر. بحث مقدّم لنیل درجة الکتوراه. جمهوریة السودان: جامعة أم درمان الإسلامیّة. فرهنگی، سهیلا وآخرون. (1389ش). «نشانهشناسی شعر الفبای درد سروده قیصر امین پور». فصلنامه علمی پژوهشی کاوشنامه، دوره 11، العدد 21، صص 166-143. فروجي، رابح (2011م). التجربة الشعرية في شعر بدوي الجبل. رسالة دکتوراه العلوم في النقد الادبي الحديث. وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. الجزائر: جامعة فرحات عباس. کمالجو، مصطفی وآخرون. (1395ش). «بررسی مفهوم زمان در شعر محمود درویش و قیصر امین پور».فصلنامه پژوهشهای ادبیات تطبیقی، دورهی 4، العدد 2، صص 132-109. گبانچي، نرگس؛ سعدون زاده، جواد وخیریة عچرش. (1396ش). «سیمیائیة المعجم الشعري لقصیدة النبيّ المجهول لأبي القاسم الشّابي، في ضوء نظریّات سوسیر وریفارتیر». بحوث في اللغة العربیة، جامعة إصفهان، العدد 17، صص 70-55 مکاریک، ایرنا ریما. (1384ش). دانشنامه نظریههای ادبی معاصر، ترجمه مهران مهاجر و محمد نبوی، تهران: انتشارت آگاه.
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 791 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 548 |