تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,004 |
تعداد مقالات | 83,629 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,548,123 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,630,209 |
الإنسانوية ومظاهرها في أشعار نيما يوشيج | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 2، دوره 11، شماره 42، شهریور 2021، صفحه 35-59 اصل مقاله (231.12 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسنده | ||
علی محمدی* | ||
أستاذ مساعد في قسم اللغة الفارسية وآدابها، جامعة پيام نور، إيران | ||
چکیده | ||
قد دخل مفهوم الالتزام الاجتماعي والإنساني بمعناه الجديد إلى الشعر الفارسي المعاصر بشكل عام، من خلال أدب الثورة الدستورية، ويعتبر هذا المفهوم أحد السمات المميزة لشعر نيما يوشيج مقارنة بالأدب الفارسي الكلاسيكي. وبتعبير آخر، يمكن تسمية نيما بالمعنى الدقيق والجديد للكلمة شاعراً ومفكراً إنسانياً ومجتمعياً، لأن شعره ينأى بجدية وشاملة عن الأنا ويدخل إلى عالمي الاجتماعي والإنساني. في هذا البحث الذي اعتمد على المنهج الوصفي التحليلي وتحليل المحتوى، تم شرح عناصر النزعة الإنسانوية وفاعليتها في المجال الاجتماعي في شعر نيما. وإنكار الاستبداد والتفرّد والإيمان بالأصالة الإنسانية، والفاعلية البشرية في تحديد مصيره الاجتماعي والسياسي للشخص نفسه وللآخرين، والتصور الإنساني للطبيعة، والاتجاه نحو الرمزية الاجتماعية والإنسانية تعدّ من أهم عناصر النزعة الإنسانوية في قصيدة نيما يوشيج، وهي تمثّل النتائج التي توصّل إليه البحث الحالي. | ||
کلیدواژهها | ||
نيما يوشيج؛ الإنسانوية؛ الشعر الحر؛ الفاعلية البشرية؛ الرمزية الاجتماعية | ||
اصل مقاله | ||
يبدو أن الاتجاه الاجتماعي والإنساني في شعر الأدب الفارسي الكلاسيكي - على أقل تقدير بالنسبة للجزء الأكبر منه- كان ضعيفاً وسقيماً. بالطبع هذا لا يعني أن كل الشعراء والكتّاب الكلاسيكيين لم يكن لديهم أي اتجاه اجتماعي أو إنساني. على سبيل المثال، كان هناك نوع من السياق الاجتماعي والإنساني - وإن كان ضئيلاً بالنسبة للعديد من الشعراء والكتّاب - في أعمال بعض الشعراء والكتّاب مثل ناصر خسرو، والخيام، وحافظ شيرازي، وفردوسي، وسعدي، والرومي، وبيهقي، لكن المقصود أن نلاحظ أن الجانب المهيمن (dominant) للأعمال الكلاسيكية الفارسية لم يأت من خلال السياق الاجتماعي والإنساني بالمعنى الجديد للكلمة. المسألة الأخرى في هذا الصدد، هي أن قلة الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والإنسانية من العصر المغولي وما بعده ومع الهيمنة الشاملة لتصوف ابن عربي وأتباعه، قد اشتدّت حتى وصلت الميول الاجتماعية والإنسانية إلى الصفر. وبلغ الأمر إلى "جدول الضرب" و"المصنع المفهومي أو الدلالي". ومن المؤكد أنه في جزء مهم من الأدب الفارسي الكلاسيكي، لا سيما في أدب البلاط، والمدح والشعره الغنائي كانت "الاتجاهات الإنسانية" و"الاتجاهات الاجتماعية" غائبة كلياً بالمعنى الموضوعي والجديد للكلمة. يشكل عصر الثورة الدستورية نقطة تحوّل في التطورات الأدبية والفنية للإيرانيين. لأنه في جميع الفترات التاريخية الماضية، لم تشعر العقلية الإيرانية والنظرة العالمية بعمق الحاجة إلى التغيير وتطور الوطن في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. رأى بعض المثقفين في تلك الفترة أن التغيير في أعمق معاني الكلمة ضرورة تاريخية ملحة لدخول العالم الجديد وكانوا يشرحونها بعدة طرق للجمهور. لاسيما أن بعضهم عرّض جزءاً كبيراً من الشعر والأدب الفارسي الكلاسيكي للتحديات. فقد اتسم الأدب البلاطي والأدب الغنائي في الماضي، بنبرة جدلية وعدوانية، كما حدّدوا وظيفة اجتماعية وإنسانية جديدة للأدب. يصف الباحث في الشعر الفارسي المعاصر حميد زرينكوب الحاجة إلى تغيير النهج المفاهيمي للأدب الكلاسيكي على النحو التالي: «هذا الأسلوب من الشعر والإنشاد الذي انفرد به أمثال شمس الشعراء سروش قد عفا عليه الزمن، ومقتضيات اليوم لا تعير أي اهتمام لمثل هذه الترّهات والأباطيل، ولا يدفع أي ثمن في أي مكان في العالم مقابل هذا الكلام الزائف. لم يحن الوقت لأن يخدع الإنسان العاقل بهذا الكلام الباطل.» (1358ش: 16) في الواقع، وصل موضوع الالتزام الاجتماعي والإنساني في الأدب إلى الشعر الفارسي بجدية من خلال أدب الثورة الدستورية. وبهذا يكون الالتزام الاجتماعي والإنساني أحد السمات المميزة لشعر نيما يوشيج مقارنة بالأدب الفارسي الكلاسيكي في مجال المضمون. وباختصار، يمكن تسمية نيما شاعراً إنسانياً واجتماعياً بالمعنى الدقيق للكلمة. شعره ينأى بنفسه كفرد يدخل عالم "الذات الاجتماعية والإنسانية". يقول أحد النقاد للشعر المعاصر: «حوّل نیما الضمير "أنا"، المتکلم للمفرد في الأدب الکلاسیکی إلى الضمير الغائب "هو"، أي كائن بشري جزئي واجتماعي ملموس. نيما الذي عرف مكانة الشعر القديم ويصنف شعراء مثل نظامي وحافظ ضمن الشعراء الكبار ذوي الأبهّة والعظمة، كان عليه من ناحية أن يدرك أزمة العقلية في الشعر التقليدي وكان عليه أن يعيد بناء هذا المبنى أمام أعين المؤيدين المتحمّسين، ومن ناحية أخرى، كان عليه أن يتحدّث عن اللين والتسامح في مجتمع متشدّد يسوده الاستبداد ولم يحلم قط بالديمقراطية. فالضمير "أنا"، المتكلم للمفرد كان مؤلوفاً في الأدب التقليدي لعدة قرون. من أجل التحقق من صحة الموضوع، كان على نيما استبدال الضمير "هو"بـ" أنا ". ونرى أن هذا الاستبدال لم يحل مشكلة الشعر فحسب، بل كان من الممكن أيضاً أن يلعب دوراً اجتماعياً في تعليم التسامح والمسايرة.» (جوركش، 1358ش: 10-9) النقطة المثيرة هنا، هي أن جزءاً من قصائد نيما والذي يتحدث فيه عن أنا كشخص مفرد يمكن تعميمه على الذات الاجتماعية والإنسانية. وبرأي مسعود جعفري، فإن «نزعة الرومانسية الاجتماعية الثورية متجذرة في أعماق فكر نیما وفنه.» (1386ش: ٢٨٠) ربما يقصد مسعود جعفري رومانسية نيما، وهي أيضاً رومانسية اجتماعية وإنسانية. أسئلة البحث تتناول هذه المقالة بالشرح والتحليل موضوع رومانسية نيما الاجتماعية والإنسانية من خلال طرح الأسئلة التالية: - هل نيما شاعر يمتاز بالنزعة الإنسانية والاجتماعية؟ - ما هي عناصر الإنسانوية في شعر نيما يوشيج؟ - هل نيما شاعر إنساني ومجتمعي؟ فرضيات البحث كقاعدة عامة، وبناءً على الأسئلة المذكورة أعلاه، تكون الفرضيات المقابلة في هذه المقالة كما يلي: - يبدو أن نيما شاعر إنسانوي واجتماعي بمعناه الحديث والمستجد. - الإيمان بالأصالة البشرية، وإنكار أي ديكتاتورية واستبداد، والإيمان بالقوة البشرية في تحديد مصير الذات والآخرين، والإدراك الإنساني للطبيعة، والاتجاهات الرمزية الاجتماعية والإنسانية تعدّ أهمّ العناصر للإنسانية في شعر نيما. اعتمد البحث الحالي المنهج الوصفي – التحليلي، وأقدم على جمع المعلومات من خلال استخدام المكتبة ومصادرها والأسلوب فيه على أساس تحليل المحتوى. خلفية البحث بشكل عام، تم إجراء أبحاث ودراسات قيّمة حول أفكار نيما و شعره في إيران خلال السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فيما يتعلق بالإنسانوية في الأدب الفارسي المعاصر، لا يزال البحث في مهده ويبدو أنه في المستقبل يلاقي هذا الموضوع اهتماماً واسعاً وسيتم القيام به في هذه المجالات. وفي السطور الأتية إشارة إلى بعض الأبحاث الهامة في هذا المجال: كتاب «انسان در شعر معاصر» (الإنسان في الشعر المعاصر) من تأليف المغفور الراحل محمد مختاري، وعنوانه الفرعي «درک حضور دیگری» (استیعاب حضور الآخر)، والذي تناول فيه الكاتب موضوع الإنسان في شعر نیما، وأخوان، وفروغ فرخزاد وشاملو، وشكّل الأصول النظرية للعديد من الأبحاث في هذا المجال فيما بعد على مستوى البلاد ونشرته دار توس للنشر. مقال بعنوان: «رویکرد انسانگرایی نیما به طبیعت» (اتجاه نیما الإنسانوي للطبيعة) بقلم محبوبة بسمل وسيد أبوطالب مير عابديني، فصلیة دهخدا العلمية «تفسیر و تحلیل متون زبان و ادبیات فارسی» (تفسير وتحليل نصوص اللغة الفارسية وآدابها)، العدد 1، خريف 1388ش. نشرت في جامعة آزاد الإسلامية، فرع كرج. وفي هذا المقال، قام المؤلفان بدراسة وتحليل اتجاه نيما الإنسانوي للطبيعة، واستنتج المقال أن نيما ينظر إلى الطبيعة كونها إنسانا، والطبيعة لا تنفصل عن الإنسان في قصائد نيما وفكره. مقالة عنوانها: «سیمای انسان معاصر در اشعار آرمان خواهانه نیما، فروغ و سهراب سپهری» (صورة الإنسان المعاصر في قصائد نيما وفروغ وسهراب سپهري المثالية) لشيوا چيتساز، والتي نُشرت في الملتقى الوطني للأدب الغنائي عام 1395ش في جامعة آزاد الإسلامية، فرع إيذه. هذه المقالة تبحث في صورة الإنسان المعاصر وآلامه وتطلعاته من منظور هؤلاء الشعراء الثلاثة وتدرس القواسم المشتركة والاختلافات بين الشعراء الفارسيين الثلاثة المعاصرين في هذا المجال. مقال: «رویکرد انسان گرایی در شعر نیما» (الاتجاه الإنسانوي في شعر نیما) كتبها منصور پايمرد في الملتقى الوطني للأساطير في أراك والذي تم تقديمه ونشره عام 1389ش. وكتاب «اومانیسم و رنسانس» (الإنسانوي والنهضة) لماري پیر، ترجمة عبد الوهاب أحمدي، نشرته دار آگه للنشر عام 1391ش. كتاب «اومانیسم» (الإنسانوية) للكاتب توني ديفيز وترجمه عباس مخبر صدر عن دار نشر المركز في عام 1383ش في طهران. ومقال عنوانه: «بررسی انسان گرایی شاعران معاصر از دیدگاه معرفت شناسی» (دراسة إنسانوية للشعراء المعاصرين من منظور نظرية المعرفة) بقلم محسن ایزدیار نُشر في مجلة الفصلية للبحوث العقائدية الکلامية عام 1396ش. ومقال: «بررسی و تحلیل مجموعه مقالات انسانگرایانه در شعر احمد شاملو» (دراسة وتحليل مجموعة من المقالات الإنسانوية في شعر أحمد شاملو) لحجة الله كرامي - ماجستير في الأدب الفارسي نُشر عام 1389ش في الملتقد الوطني للأساطير بمدينة أراك الإيرانية. رسالة عنوانها: «اومانیسم در اشعار احمد شاملو و فدریکا کارسیالورکا» (الإنسانوية في قصائد أحمد شاملو وفيديريكا كارسيلوركا) ناقشها علي رضا مناجاتي لنیل درجة الماجستير بجامعة آزاد الإسلامية، فرع طهران للعلوم والأبحاث، بإشراف ناصرالدين شاه حسيني، في العام الدراسي 89 -1388. رسالة بعنوان: «انسان گرایی در شعر مشروطه» (الإنسانوية في شعر الثورة الدستورية) لنيل درجة الدكتوراه بجامعة العلامة الطباطبائي بإشراف سيرس شميسا، وقد دافع عنها المؤلف في آذر عام 1384ش بدرجة عالية. مقالة عنوانها: «عناصر اجتماعی و انسانی در شعر نیما یوشیج» (العناصر الاجتماعية والإنسانية في شعر نیما يوشيج) لـ علي محمدي ونعمة الله پناهي ونشرت في "مجله نامه پارسی" عدد 48 و 49 في ربيع وصيف عام 1388ش. رسالة جامعية عنوانها: «انسان گرايی در شعر فروغ فرخزاد» (الإنسانوية في شعر فروغ فرخزاد) ناقشتها سهيلا مرادي عام 1390ش لنيل درجة الماجستير بجامعة زنجان بإشراف محمود درگاهي. ومن الملاحظ أن مساحة البحث الجديد فارغة في هذا المجال، لذلك فإن المقالة الحالية بصدد سد هذه الفجوة. نبذة عن حياة نيما يوشيج «علي اسفندياري (نيما يوشيج) ابن عائلة معروفة بخان إبراهيم، ولد عام 1274ش في يوش من قرى نور في مازندران.» (صدري وآخرون، 1383ش: 737) ومنذ طفولته حتى سن الثانية عشرة، كان نيما مولعاً بالمراعي والجبال، والطبيعة الحية، وعاش هناك بين البدو والقبائل الجبلية. علمه شيخ يوش القراءة والكتابة، ثم جاء نيما إلى طهران، وفي سن العشرين، حصل على شهادة من مدرسة سن لويي، بعد الانتهاء من تعليمه الرسمي، حيث درس الأدب والفرنسية والرسم.» (طاهباز، 1375ش: 19) كان لنظام وفا في مدرسة سانلوي التأثير الكبير في معرفة نيما يوشيج بالأدب الفرنسي الحديث. «في عام 1305ش تزوج بـ"عالية جهانگير" من عائلة ميرزا جهانگيرخان سورإسرافيل. بعد ولادة ابنه شراگيم، ذهب إلى آستارا وبدأ التدريس في مدرسة حكيم نظامي. في عام 1311ش غادر إلى طهران ومن هناك سافر إلى مازندران للاعتناء بأسرة والده.» (جنتي علائي، لاتا: 20) نشر نيما مقالاته في طهران وبدأ الأعمال الإدارية التابعة للمؤسسات الحكومية، وبدأ العمل في المديرية العامة للطباعة والنشر بوزارة الثقافة. «في اليوم السادس عشر من دي عام 1338ش (أي في السادس من يناير عام 1959م)، بعد صراع طويل مع المرض ألمّ به وأرهقه، ودفن في مسقط رأسه بهدوء تام كغريب الموطن والدار.» (دستغيب، 1385ش: 9-8) «من بين أهم أعماله، يمكننا الإشارة إلى "قصه رنگ پريده" (قصة الشاحب)، "افسانه" (الأسطورة)، "خانواده سرباز" (عائلة الجندي)، "مانلي"، "ماخ اولا"، "شعر من" (قصيدتي)، "مرقد آقا" (مقام السيد)، إلخ.» (ترابي، 1375ش: 11) بالإضافة إلى إبداعاته الشعرية فقد كان الشاعر مبدعاً في كتاباته النثرية أيضاً وهي ذات قيمة كبيرة منها: «ارزش احساسات و پنج مقاله در شعر و نمایش" (قيمة الأحاسيس وخمس مقالات في الشعر والمسرح)، " درباره شعر و شاعری" (عن الشعر والشاعرية)، "حرفهای همسایه" (أحاديث الجار).» الإنسانوية في شعر نيما يبدو أن النزعة الإنسانوية (الأومانيسم) السائدة في أعمال وعقلية بعض المثقفين في فترة الثورة الدستورية والمعاصرين الإيرانيين «تختلف اختلافاً جوهرياً عن نظرية "الإنسانوية التقليدية" أو ما یعرف بنظرية "التعاطف الشرقي"، كما أن بعض الباحثين أشاروا بحق إلى أن نظرة شعرائنا وكتّابنا القدامى تجاه الإنسان والعالم، هي نظرة إلهية بامتیاز؛ من وجهة نظرهم، يتجلى الإنسان ويجد معناه في ظله سبحانه وتعالى. لكن جوهر الأدب المعاصر، هو الإنسان نفسه وقضاياه المباشرة والموضوعية.» (دهقاني، 1389ش: 7) ومن جهة أخرى، استطاعت الإنسانوية الجديدة في السياق التاريخي لعصر النهضة وما بعده، وخاصة في القرن الثامن عشر، أن تتكوّن وتنمو وأصبحت النموذج السائد في تاريخ الفكر والحياة الإنسانية الحديثة. ومع ذلك، فمنذ عصر الثورة الدستورية وما بعده، أصبح نوع من الإلمام بثقافة الغرب وحضارتها، لاسيما بفضل أعمال عصر التنوير، شائعاً، على الأقل بين المثقفين الإيرانيين، وأدّت العقلية "الدستورية والإنسانية" إلى تطوّر الأدب الفارسي المعاصر. وبحسب الكاتب، فإن الإنسانوية وتجلياتها في شعر نيما، تعالج الإنسان وهمومه وقضاياه. يشير براهني إلى أن: «الإنسان ليس دائماً نقطة البداية للعقل ومقر الفكر والشعور، سواء عندما يتحدّث عن نفسه أو عندما يتحدّث عن شخص آخر.» (براهني، 1380ش: 794) هذا النوع من الاتجاه نحو الإنسان في شعر نيما وفكره يؤدي إلى فهم واستيعاب وجود الآخر أو الإنسانوية. لذلك، فإن وجهة نظرنا الرئيسة ليست العقلية الكلية والنظرة الجديدة لنيما حول الإنسان. فمن الطبيعي أن يؤدي مثل هذا الاتجاه في شعره، إلى عناصر أو تأثيرات يأتي شرح وتفسير كل من هذه العناصر في هذا البحث. عناصر الإنسانوية في شعر نيما يوشيج أصالة الإنسان كان نیما ملتزماً بأصل الوجود؛ وكان موضوع التزام نيما في الوهلة الأولى يخص الإنسان العادي والمتواضع، وكان بالمعنى الدقيق للكلمة شاعراً ومفكراً إنسانياً. يشير حميديان إلى هذه النقطة الأساسية في أعمال نيما ويكتب: «موقف نیما علماني وإنسانوي النزعة (أومانيسم) أو (أصالة الإنسان) بشكل عام، وهذا المعنى يتضح من مجمل قصائده وكذلك من كتاباته النثرية ورسائله.» (1383ش: 45) لم يستطع نيما رؤية البؤس وآلاف البؤساء في عصره أينما كانوا ويمر مرور الكرام عنهم. ودافع بكل قواه الفكرية عن جميع حقوق الإنسان الموضوعية والاجتماعية وهذا شكّل جوهر قصائده وكتاباته. وبالطبع، هذا النوع من المواقف الجديدة يتوافق تماماً مع عقلية ونظرة بعض المفكرين والمثقفين التابعين للثورة الدستورية وبعدهم. وقد عبّر شفيعي كدكني عن هذه العقلية بأنها «عقلية ونظرة عالمية للثورة الدستورية والإنسانية.» (1372ش: 60) «الموضوع الرئيس في قصائدي هو معاناة الآخرين» (براهني، 1380ش: 794)، هكذا قال نیما نفسه صراحة في أول مؤتمر للكتّاب الإيرانيين كتبها في مذكّرته. بالنسبة لنيما، الإنسان هو القيمة الأساسية وجميع العوائق التي تقف مانعاً أمام الإنسان والإنسانية تستحق الرفض والعداء. يعد محمد مختاري من النقاد الذين تحدّثوا بالتفصيل عن أصالة الإنسان في شعر نيما وفكره. فيكتب: «يشكّل الإنسان دائماً وأبداً نقطة انطلاق العقل ومقر الفكر والحساسية لنيما، سواء عندما يتحدّث عن نفسه أو عندما يتحدّث عن الآخرين، لكن الشاعر قلّما يتحدّث عن نفسه، ولكن الآخر بشكل عام لم یتناوله الشعر والأدب الفارسي الكلاسيكي بالمعنى الموضوعي والجزئي للكلمة، لأن صورة الإنسان في الشعر والأدب الكلاسيكي کلیة شمولية.» (1378ش: 221) كاووس حسن لي، يؤید هو الآخر في أحد أعماله وجهة نظر مختاري حول صورة الإنسان العام في شعر الأدب الفارسي الكلاسيكي فيقول: «في الأدب القديم، كان الإنسان أكثر عمومية ويعرض أكثر في شكل نوع بدلاً عن الشخصية. ولكن الإنسان الذي يقدّم في الشعر المعاصر هو إنسان موضوعي وحديث.» (1383ش: 43) تعبر قصائد نيما التالية عن أصالة الإنسان في فكره ونظرته للعالم: من به تن دردم نیست یک تب سرکش تنها پکرم ساخته و دانم این را که چرا و چرا هر رگ من از تن من سفت و سقط شلاقی است که فرود آمده سوزان دم به دم در تن من تن من یا تن مردم، همه را با تن من ساختهاند. (یوشیج، 1383ش: 758)
يمكن ملاحظة المشهد الأخير أنه يظهر فيه الاتحاد مع الإنسان الآخر وأن معاناة الآخرين هي معاناته كأن جسده يتنفّس أوجاعاً لأوجاع الناس. وعلى حد تعبير نيما نفسه، «لقد صنعوا كل شخص من جسدي.» (المرجع نفسه: 758) ومما لا شك فيه أن إنسانية نیما كانت من نوع حديث، وهو معدوم بالآخرين لدرجة أنه ينشد قائلاً: دوران عمر زود گذر، ارزشیش نیست در خیر از برای کسان گر بارور نباشد سود هزار تن را اندر زیان کار تنی چند خواهان اگر نباشد. (المصدر نفسه: 519) - لا قیمة للعمر القصیر - إن لم یثمر خیراً - للبشر - ولا ینبغي نفع الألاف - مع ضرر القلة - وإن لم يرغبوا
لذلك، وفقاً لنيما، إذا لم تكن الحياة البشرية تعود بالخير للآخرين ولم تعمل لإزالة المعاناة من الحياة البشرية، فلن يكون لهذه الحياة قيمة حقيقية. يذكر نيما في القصائد أعلاه الرسالة الاجتماعية والإنسانية لأي صاحب ضمير حي وأي مفكّر ومثقّف في المجتمع الإنساني. وبحسب هذا الكاتب، فإن قصيدة "مهتاب" (القمر) الشهيرة لنيما، تظهر مثل هذه المهمة بشكل واضح وصريح: میتراود مهتاب میدرخشد شبتاب نیست یکدم شکند خواب به چشم کس و لیک غم این خفته چند خواب در چشم ترم میشکند نگران با من ایستاده سحر صبح میخواهد از من کز مبارک دم او آرم این قوم به جان باخته را بلکه خبر در جگر خاری از ره این سفرم میشکند. (المصدر نفسه:663)
- ينساب ضوء القمر، - يتألّق اليراع، - ولا يجفو النوم عين إنسان، لكن حزني علي هذه الجماعة النائمة - يسلب النوم من عيني الدامعة. - ظل السحر مسهداً معي، - والصباح يريد مني - أن أبشر هؤلاء التعساء بأنفاسه المباركة، - لكن شوكة في كبدي - تعوقني من هذا السفر. يقول نيما في قصيدة مهتاب (القمر) الرائعة: الغفلة والجهل سلب عني الراحة والثبات. كما تعبر قصيدة نيما الشهيرة "ای آدمها" (أيها الناس) عن مثل هذه المهمّة التي ألقاها الشاعر على عاتقه، فشاعر مثل نيما لا يستطيع أن يرى مثل هذه الفظاظة من حوله ولا يتنفس أو لا يصرخ ألماً.
رفض الدكتاتورية والاستبداد نيما شاعر يؤمن بالإنسان والإنسانوية بقلب سليم ولهذا السبب لديه صراع دائم لا يمكن التصالح فيه مع كل عقبات تقف عائقاً أمام النزعة الإنسانوية والبيئة البشرية. يعتبر نيما أن الديكتاتورية ومشتقاتها هي قوة مناوئة ومعادية للنزعة الإنسانوية لا محالة، في كل المجتمعات وجميع الأزمنة. أعني بالسلطوية نفس الشمولية التاريخية والسلطوية في المجتمع الإيراني التي تستمر مع بعض التعقيد في عصر الشاعر. كما كتبت هانا (حنة) أرنت في هذا الصدد: «بهذه الطريقة، تسلب الفردية والأصالة من البشر ويكون الإنسان متمتّعاً بالولاء الكامل وغير المحدود ولا يقبل التغيير.» (1366ش: ٦٤) شهد الشعر النيمائي الدكتاتورية المشؤومة ظلاً ممدوداً على تفعيلاته، حيث لم يشهده الشعر الفارسي الكلاسيكي برمته، لأنه لم ير بديلاً عنها، وهو الليبرالية (الحركة التحريرية) والديمقراطية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشاعر يعارض دكتاتورية بعض الشعراء والكتّاب الكلاسيكيين. ومع ذلك، يتحدّث شعر نيما في كثير من الحالات عن لغة "الليل" الرمزية. الليل في شعر نيما هي رمز للاستبداد وأجواء مقيتة تمنع تحقيق القيم الإنسانية وعناصر النزعة الإنسانوية. لنلقِ نظرة على قصيدة نيما الشهيرة "هست شب" (إنه الليل) من هذه الزاوية:
هست شب، یک شب دمکرده و خاک رنگ رخ باخته است باد، نوباوه ابر از برکوه سوی من تاخته است هست شب همچو ورمکرده تنی گرم در استاده هوا هم از این روست نمیبیند اگر گمشدهای راهش را با تنش گرم، بیابان دراز مرده را ماند در گورش تنگ با دل سوخته من ماند با تنم خسته که می سوزد از هیبت تب هست شب، آری شب (یوشیج، 1383ش: 776) - إنه الليل، ليلة رطبة والأرض - فقدت لونها - والرياح وليدة السحاب من فوق الجبل - قد هبّت عليّ. - إنه الليل، وقد سكن الهواء مثل جسد ساکن متورّم. - ولذا لو ضلّ أحد طريقه فلن يراه. - والصحراء المديدة بجسدها الساخن، - تشبه ميّتاً في قبره الضيّق. - وتشبه قلبي المحترق، من شدّة الألم - وجسدي المتعب الذي يشتعل من شدّة الحمّى! - إنه الليل، حقاً إنه الليل. من الواضح أن القصيدة تحاول نقل السلطوية والدكتاتورية للقارئ برمز الليل. وهذا الليل الرمزي الذي له خلفية اجتماعية وإنسانية، مختلف تماماً عن الليالي التي يصفها الشعراء الكلاسيكيون. غالباً ما كان "الليل" في الشعر الفارسي الكلاسيكي عنصراً منفصلاً عن السياق الاجتماعي والإنساني. قصيدة نيما الشهيرة الأخرى، "خانهام ابري است" (بيتي غائم)، تشير بوضوح إلى جو الاستبداد وعواقبه السلبية على النحو التالي: خانهام ابری ست یکسره روی زمین ابری است با آن از فرازگردنه خرد و خراب و مست باد می پيچد يکسره دنيا خراب از اوست و حواس من! (المصدر نفسه:761) - بيتي غائم - ومعه اكفهر وجه الأرض كلها. - تهبّ الرياح من أعلى مضيق الجبل، - المحطم المهدّم الثمل. - تدور الرياح - فتخرب الدنيا كلّها، - وحواسي! في القصيدة "بيتي غائم" الرمزية، ترمز لفظة "مضيق" إلى أرضنا ومجتمعنا ومجتمعات أخرى، وكلمة "غائم" و"الريح" ترمزان إلى القهر والطغيان والقمع. ويرى نيما، أنه «ما دام هناك الظلم واللاإنصاف والابتزاز والاستغلال والاختناق ولو في زاوية واحدة من العالم، فإن العالم كله يتأثر به فيصبح مظلماً وغائماً وقاتماً، وطالما أن الرياح المدمّرة والمغبرة التي يسببها القمع والاضطراب الاجتماعي، تهبّ في مجتمع ما، فسيلحق الدمار والاضطراب بالعالم كله وسيكون عاجزاً عن رؤية الحقيقة.» (پورنامدريان، 1381ش: 341) قصيدة نيما الشهيرة والرمزية "الناقوس" تهز طغيان الاستبداد في كل مرة ترنّ، على حد تعبير الشاعر "دينغ دونغ" (ترنّ، ترنّ)، وتعد بتغيير جذري في الظروف ما يؤدي إلى تحقيق الحرية والمساواة: او با نوای گرمش دارد حرفی که میدهد همه را با همه نشان تا باهم آورد دلهای خسته را دل برده است و هوش ز مردم کشان کشان او در نهاد آنان جان میدمد به قوت جان نوای خود تا بیخبر ننمایند بر یاس بیثمر نفزایند در تار و پود بافته خلق میدود با هر نوای نغزش رازی نهفته را تعبیر میکند از هر نواش این نکته گشته فاش کاین کهنه دستگاه تغییر میکند. (یوشیج، 1383ش: 507) - وهو بصوته الدافئ - يسوق إلى الجميع حديثه - ليؤلف بين - القلوب المتعبة - وشيئاً فشيئاً يسلب قلوب الكادحين والعقول - تتنفس الريح بقوة صوته الساحر - حتى لا يظلوا غافلين - ولا يبالغوا في يأس عقيم - وينساب في سداة نسيج الأمة ولحمتها - وبکل همسة رقيقة منه - يفسر سراً خفياً - ومن كل صوت له - ذاعت تلك الحقيقة - أن هذا الجهاز البائد - يتغيّر فمن الواضح أن نيما يعني بـ"النظام القديم"، نفس نظام الديكتاتورية والاستبداد الذي يعد الشاعر بكل تفاؤل أنه سيتم تفكيكه ويتغّير. ويبدو أن قصيدة "الناقوس" لنيما هي أكثر قصائده تفاؤلاً فقد جاء عنها: «قصيدة الناقوس، هي إحدى أكثر قصائد نيما تفاؤلاً والتي كتبها في بهمن عام 1323ش (فبراير 1944م). قد تكون المقاطع الاثني عشر من القصيدة، بدقات الجرس، مناسبة مع اثنتي عشرة ساعة من كل يوم، ومعنى القصيدة واضح ولا يلفّه الغموض. فهو يصوّر مجتمعاً على وشك التحوّل، في إشارة إلى الظروف التي تحكمه، والقوى الثورية والرجعية المحتملة، وظروف المعيشية القاسية، والفقر، والفاقة، والسجن، وهي نفسها من تبعات انتشار الفساد والدمار.» (پورنامدريان، 1381ش: 107-106)
الإيمان بالفاعلية البشرية في تحديد الحياة الفردية والاجتماعية من وجهة نظر علماء الاجتماع المعاصرين والفلاسفة السياسيين في العالم، فإن مسألة الفاعلية البشرية أو النشاط في تحديد الحياة الفردية والجماعية تستند إلى قضية جديدة، ولم يكن المجتمع الإيراني مستثنى لهذه القاعدة؛ على حد تعبير أحد الباحثين، فإن فاعلية الفرد «لم تكن واضحة عبر التاريخ الإيراني وتم إبطالها فيما يبدو في الممارسة العملية.» (وحدت، 1385ش: 9) كما أشار الأدب الفارسي الكلاسيكي مراراً وتكراراً إلى عدم الفاعلية البشرية في تحديد المصير. يكتب كاووس حسنلي في هذا الصدد: «في الماضي كان الإنسان إما يعتبر نفسه في دائرة المصير أو يكون تابعاً أو مريداً لشخص ما سواءاً كان شيخاً أو ولياً أو قطباً، أو يعتبر السلطان ظل الله في الأرض. وهو عادة إما في حالة تسليم أو قبول الواقع. وقد شجع الشعراء قديما هذا النمط من التفكير والحكم المطلق وكانوا من الأتباع بلا منازع، وملتزمين بهذه المقولة: "وهل من حل دون التسليم والرضا".» (1383ش : 41-40) لكن نيما بصفته شاعراً حديثاً ومفكّراً أدبياً إنسانياً، كان يتمتّع بأفكار تختلف عن أفكار الشعراء التقليديين وكان يعتقد أن الناس العاديين أيضاً لديهم ما يمكن أن يصنعوه. وكما يقول مختاري: «إن الإنسان يمكن أن يتحوّل ويتغيّر من لحظة إلى أخرى بإرادته، والتحرر يتحقق بوجود الجميع ، والإنسان هو الأسطورة الأصلية للتاريخ وقد صنع كل شيء.» (1378ش: 229) وهكذا يؤمن نیما بالسلطة التاريخية للجماهير. في القصيدة الشهيرة "مرغ آمين" (طائر التصديق)، وهي رمز لنيما ولكل رائد آخر، يمدح فيها الشاعر إرادة الإنسان في مكافحة الأنظمة الاستبدادية والسلطوية، وهي تروي آلام البشر وتهتف قائلة:
مرغ میگوید: زوالش باد باد با مرگش پسین درمان ناخوشی آدمی خواری مرغ میگوید: جدا شد نادرستی خلق میگوید باش تا جدا گردد... مرغ آمین گوی دور میگردد می گریزد شب صبح میآید. (یوشیج، 1383ش: 749-744) - يقول الطائر: - ليقض الله عليه! - وليكن في موته الدواء - لأمراض البشر الضعفاء - يقول الطائر: - انفصل الباطل - يقول الناس: - ولْينفصل ولينتهي (الفساد)... - طائر التصديق: - يبتعد ... - ويفرّ الليل يُلاحظ أن طائر التصديق، وهو نيما نفسه، يعلن بشكل حاسم هروب الليل وهو رمز مألوف لدى الشاعر، وبدلاً من ذلك يعلن قدوم الصباح، وهو رمز للظروف المواتية بالعدل والحرية. في القصيدة الشهيرة "الناقوس"، لا يعتبر نيما مصير الإنسان - على عكس العديد من الشعراء الإيرانيين الكلاسيكيين - شيئاً سماوياً وميتافيزيقياً محدداً سلفاً، بل على العكس من ذلك يعتبره كشيء موضوعي ودنيوي يتحدّد حتى من خلال أناس عاديين وهذا أمر طبيعي، فينشد: او مژده جهان دگر را تصویر میکند از هر نواش این نکته گشته فاش کاین کهنه دستگاه تغییر میکند. (یوشیج، 1383ش: 507) - وهو يصوّر - بصائر العالم الجديد - ومع كل صوت له - ذاعت تلك الحقيقة - أن هذا الجهاز البائد - يتغيّر يشير الشاعر بوضوح إلى الفاعلية البشرية في تغيير الظروف غير المرغوب فيها والنظام البائد في المثال المذكور. هنا نراجع إحدى أبيات قصيدة الناقوس لنيما: دینگ دانگ!... یکسره از میمنه تا میسره آن بافته گریخت و اهریمن پلید افسون بر آب ریخت هر صورتش نگارین با باد شد با خاک شد عجین بر چیدهگشت آمد نگون وزهم گسست شالوده فسانه دیرین. (المرجع نفسه: 515)
-ترن ترن.. دفعة واحدة -من الميمنة -إلى الميسرة -تمزق ذلك النسيج -وأهريمن الشرير -سقط شره في الماء -وانكشف على حقيقته -فقد انطوت -وانقلبت وتفككت -دعائم الخرافة المتهالكة. يعتبر الشاعر على خلاف الشعراء الكلاسيكيين، أن الوضع غير المواتي واللاإنساني أمر محدد وهو من صنع البشر العاديین، ويعتبر أن الظروف إنما تتغير بأيدي هؤلاء الناس ولا غير. المفهوم الإنساني للطبيعة من المؤكد أن نيما مر بعلم الكونيات القديم وألقى نظرة جديدة على العالم وعناصر الطبيعة. قبل الشاعر، كانت الطبيعة في الشعر الفارسي الكلاسيكي ذات ألوان وروائح صوفية ووصفية (وصف الطبيعة)، ولكن في شعر نيما، أصبحت الطبيعة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالإنسانية. وبهذا فقد أصبحت هناك علاقة مباشرة مع الطبيعة. «يسعى نیما إلى النظر إلى الطبيعة بطريقة إنسانوية، والطبيعة مرتبطة بالإنسان بطريقة إنسانوية. ويريد إقامة علاقة مباشرة بين الطبيعة والإنسان.» (مختاري، 1378ش: 190) جميع الأجزاء الصغيرة والكبيرة من الطبيعة، من الجماد إلى الحيوانات والكائنات الحية والنباتات، تشکل لبنة أساسية في يد الشاعر من أجل نقل نظرة نیما الاجتماعية والبشرية إلى القارئ، بحيث تكون جميع قصائد نيما في كثير من الحالات تبيّن أن عناصر الطبيعة، كالشاعر قلقة على المجتمع الإيراني وما يحيط به. لا تعني طبيعة نيما الهروب من المدينة والتحضپر والاسترخاء دون ألم في حضن الطبيعة بسهولها وغاباتها، بل «طبيعية نيما لا علاقة لها ببعض الحساسيات الشعرية السطحية والتي تساوي العودة إلى الطبيعة بمعنى العودة إلى السهول والبراري، والعيش في عزلة بعيداً عن المجتمع أو بعبارة أخرى الرجوع إلى الوراء والتخلف، فهذا لا يعني بشيء في طبيعة نيما.» (المرجع نفسه: 192). في قصيدة "مهتاب" (القمر) الشهيرة لنيما، نرى أن الفجر، وهو من عناصر الطبيعة وهو كالشاعر، يشعر بالقلق من قدوم صباح العدل والوضع الملائم: نگران با من ایستاده سحر صبح میخواهد از من کز مبارک دم او آرم این قوم به جان باخته را بلکه خبر در جگر خاری از ره این سفرم میشکند. (يوشيج، 1383ش: 663) - ظل السَحر مسهداً معي، - والصباح يريد مني - أن أبشر هؤلاء التعساء بأنفاسه المباركة، - لكن شوكة في كبدي - تعوقني من هذا السفر. وفي قصيدة أخرى بعنوان "كك كي"، فـ "كك كي" هذا، هو رمز الشاعر نفسه الذي أتحد نيما معه وأصبحا شخصاً واحداً: کککی که مانده گم از چشم ها نهفته پری وار زندان بر او شده است علفزار بر او که قرار ندارد ... اما به تن درست و برومند کککی که مانده گم دیری است نعره میکشد از بیشه خموش. (المصدر نفسه: 783) كك كي -كك كي الذي ضل طريقه - اختفى عن العيون كملاك - بعد أن صار المرعى سجيناً له - هكذا صار، ولا ثبات له - لكنه سليم الجسم قوي - كك كي الذي ضلّ طريقه - منذ أمَد يصرخ في غابة ساكنة قصائد مثل: ماخ اولا، كك كي، داروگ، همه شب (كل الليالی)، ري را، شب است (إنه اللیل)، ققنوس، کارشبپا، إلخ ، هي التي يعطي نيما لمكونات وعناصر الطبيعة فيها، اللون والرائحة الاجتماعية ومعنى الإنسانية ويمزجها مع وجوده.
الاتجاه نحو الرمزية الاجتماعية والإنسانية كما يتضح من جميع قصائده وأعماله النثرية، وعلى خلاف الشعراء الكلاسيكيين، لا يتعامل نیما كثيراً مع القضايا الذاتية والنفسية، ويميل بشكل أساسي نحو هذا العالم وما هو موضوعي مستقل عن الفكر والذات. يكتب محمد حقوقي عن رؤية نيما الموضوعية: «نيما شاعر لا ينظر إلى العالم إلا بنظرة أرضية؛ "لأنه يرى العالم زائلا ولا يؤمن كثيراً بمبدأ البقاء ... في الحقيقة هذا هو سبب انفصاله وابتعاده عن الشعر العقلي والتعميم في القول، والاتجاه نحو الموضوعية وشدة الانتباه للتفاصيل.» (2005: 17-16) لهذا السبب، تفتقر كل قصائده إلى الميول الصوفية والميتافيزيقية. في إحدى رسائله الموجهة إلى جاره الموهوم، يقول نيما: «أخبرتكم أن شعرنا القديم شخصي وذاتي؛ أي أنه يتعامل مع الحالتين النفسية والذاتية، حيث تكون المشاهد الخارجية أمثلة على التفاعل الذي يحدث داخل نفس المتحدّث ولا يريد أن يولي اهتماماً كبيراً لما هو في الخارج أصلاً.» (طاهباز، 1386ش: 139) النقطة المهمة هي أن رمزية نيما لها أيضاً خلفية موضوعية وأرضية ومعناها هو نفسه الإنسان والمجتمع. من الواضح أن الشعر الرمزي كان له تاريخ في الأدب الفارسي الكلاسيكي قبل نيما لاسيما أن الشعر الرمزي الصوفي كان منتشراً على نطاق واسع خاصة في مجال الأدب الصوفي والعرفاني، لكن نيما، بسبب معرفته بالأدب الأوروبي الحديث، وخاصة الأدب الفرنسي، اتجه نحو الرمزية الاجتماعية والإنسانية، وتطوّرت الرموز في شعر نيما بشكل واسع: «ما هو واضح هو أنه على الرغم من أن الرمزية في الشعر ذات السياق الاجتماعي هي فئة جديدة تماماً بدأت بشعر نيما وما بعده، لكن شكلها الصوفي له تاريخ عريق وواسع في الأدب الفارسي.» (حميدیان، 1383ش: 143) يختلف شعر رمزية نيما الاجتماعية اختلافاً جوهرياً عن شعر الرمزية الصوفية، ولهذا فسره بعض النقاد على أنها "رمزية اجتماعية" (حسين بورچافي، 1384ش: 193) وهنا نلقي نظرة إلى إحدى أبيات قصيدة نيما وهي "ققنوس" (طائر الققنوس):
ققنوس، مرغ خوش خوان، آوازه جهان آواره مانده از وزش بادهای سرد بر شاخ خیزران بنشسته است فرد برگرد او به هر سر شاخی پرندگان او نالههای گمشده ترکیب میکند. (یوشیج،1383ش: 325)
- الققنوس طائر عذب الألحان، أنشودة العالم - ظل شريداً من هبوب الرياح الباردة - على فرع خيزران - وقف وحيداً - وحوله الطيور من كل فرع - يؤلف بين الآهات التائهة. قصيدة ققنوس هي أولى قصيدة رمزية لنيما، لها خلفية اجتماعية وإنسانوية. على عكس الشعر الفارسي الكلاسيكي، فإنها تعكس الرمز الخاص بنيما نفسه وأي رائد آخر من نوعه. قصائد "مرغ غم" (طائر الحزن) و"مرغ مجسمه" (تمثال الطائر) و"غراب" (الغراب) تشبه طائر العنقاء كرمز للشاعر نفسه. إن تطور الرموز من الشعر الكلاسيكي إلى الرمزية الاجتماعية والإنسانية لدى نيما يتوافق عضوياً مع مجمل أفكاره ، وهي قصيدة تردّد صداها مع النظرة الجديدة للمجتمع والإنسان. وبالتالي، لا يمكن أن تكون رموزه متكررة وتقليدية، لذلك تتحوّل رمزيته إلى الرمزية الاجتماعية والإنسانية.
النتيجة مع ظهور نیما يوشيج، خضع الشعر الفارسي لتحول مفاهيمي أساسي. حوَّل نيما الضمير "أنا" الوحدة للمفرد في الأدب التقليدي، إلى الضمير الغائب "هو" في قصائده، أي الإنسان المادي والاجتماعي. على عكس الشعراء الكلاسيكيين الذين تحدّثوا عن الإنسان العام، فإنه يكتب بلغة "إنسان كونه من اللحم والعظام". في هذا المقال، أردنا أن نظهر أن نيما شاعر ومفكر إنسانوي بالمعنى الجديد، فيرى نيما أن للبشر قيمة أساسية، وأن كل العقبات التي تقف عائقاً أمام الإنسان والإنسانوية تستحق الرفض والعداء. من الواضح أن أحد أهم اختلافاته مع الشعراء والكتاب الكلاسيكيين، هو إيمانه بقدرة الإنسان على تحديد مصيره الدنيوي بنفسه، وأيضاً، على عكس الشعراء الكلاسيكيين الذين رأوا الإنسان ينحصر في دائرة المصير بالدرجة الأولى، فقد كان يؤمن بتغيير حالة الإنسان كل لحظة بيده وإرادته. وهو شاعر يتمتّع بنظرة جديدة بالنسبة للمجتمع والبشر. يعدّ الإيمان بالأصالة الإنسانوية، ورفض أي دكتاتورية واستبداد، الإيمان بالفاعلية البشرية في تحديد المصير الاجتماعي والسياسي، التصور الإنسانوي للطبيعة، والسير نحو الرمزية الاجتماعية والإنسانية، من أهمّ عناصر الإنسانوية في جميع قصائد الشاعر نيما يوشيج.
| ||
مراجع | ||
آرنت، هانا. (1366ش). توتالیتارسیم. ترجمه محسن ثلاثی. تهران: انتشارات جاویدان.
ايزدیار، محسن. (1396ش). «بررسی انسان گرایی شاعران معاصر از دیدگاه معرفت شناسی» (دراسة الإنسانوية في قصائد الشعراء المعاصرية، من منظور الابستمولوجيا). فصل نامه پژوهش های اعتقادی – کلامی. سال 1396
براهنی، رضا. (1380ش). طلا در مس. ج2. تهران: انتشارات زمان.
بسمل، محبوبه ومیرعابدینی، سید ابوطالب. (1388ش). «رویکرد انسانگرایانه نیما به طبیعت» (الاتجاه الإنسانوي للطبيعة في شعر نيما). فصلنامه علمی – پژوهشی دهخدا (تفسیر و تحلیل متون زبان و ادبیات فارسی)، شماره 1، جامعة آزاد الإسلامية في كرج.
پایمرد، منصور. (1389ش). «رویکرد انسان گرایی در شعر نیما» (الاتجاه الإنسانوي في شعر نيما). همایش کشوری افسانه، اراک.
پورنامداریان، تقی. (1381ش). خانهام ابری است، شعر نیما از سنت تا تجدد (بيتي غائم شعر نيما من التقليد إلى الحداثة). تهران: انتشارات سروش.
ترابی، ضیاء الدین. (1375ش). نيمايی ديگر (نيما آخر). تهران: انتشارات مینا و دنیای نو.
جعفری، مسعود. (1386). سیر رمانتیسم در ایران (مسار الرومانسية في إيران). تهران: انتشارات مرکز.
جنتی علایی، ابوالقاسم. (بیتا). نيما يوشیج، زندگی و آثار او (نعمة يوشيج حياته وأعماله). تهران: انتشارات صفی علیشاه.
جورکش، شاپور. (1385ش). بوطيقای شعر نو، نگاهی دیگر به نظریه و شعر نیما یوشیج (شعرية الشعر الحديث، نظرة أخرى على نظرية وشعر نيما يوشيج). تهران: انتشارات ققنوس.
چیت ساز، شیوا. (1395ش). «سیمای انسان معاصر در اشعار آرمان خواهانه نیما، فروغ و سهراب سپهری» (صورة الإنسان المعاصر في قصائد مثالية لـ نيما، فروغ وسهراب سپهري). همایش ملی ادبیات غنایی، جامعة آزاد الإسلامية في إيذة.
حسن لی، کاووس. (1383ش). گونههای نوآوری در شعر معاصر ایران (أنواع التجديد في الشعر الإيراني المعاصر). تهران: انتشارات ثالث.
حسین پورچافی، علی. (1384ش). جریان های شعری معاصر فارسی (التيارات الشعرية الفارسية المعاصرة). تهران: انتشارات امیرکبیر.
حقوقی، محمد. (1384ش). شعر زمان ما، نیما یوشیج (شعر عصرنا نيما يوشيج). تهران: انتشارات نگاه.
حمیدیان، سعید. (1383ش). داستان دگردیسی، روند دگرگونی های نیما یوشیج (قصة التحوّل، عملية التحولات في شعر نيما يوشيج). تهران: انتشارات نیلوفر.
دستغیب، عبدالعلی. (1385ش). پیام آور امید و آزادی، نقد و تحلیل شعر نیما (المنادي بالأمل والحرية، نقد وتحليل شعر نيما). تهران: انتشارات آمیتیس.
دهقانی، محمد. (1389ش) از شهرخدا تا شهرانسان، در نقد و بررسی ادبیات کلاسیک و معاصر (من مدينة الإله إلى مدينة الإنسان، في نقد الأدب الكلاسيكي والمعاصر). تهران: انتشارات مروارید.
دیویس، تونی. (1383ش). اومانیسم (الإنسانوية). ترجمه عباس مخبر. تهران: انتشارات مرکز.
زرینکوب، حمید. (1358ش) چشم اندار شعر نوی فارسی (وجهات نظر حول الشعر الفارسي الحچیث). تهران: انتشارات توس.
شفیعیکدکنی، محمدرضا. (1372ش). «مصاحبه فرهنگ گذشته ونیازهای امروز» (مقابلة: ثقافة الماضي واحتياجات اليوم). فصلنامه هستی. ش1، بهار1372.
ــــــــ. (1380ش). ادوار شعر فارسی از مشروطیت تا سقوط سلطنت (فترات الشعر الفارسي من الدستورية إلى سقوط النظام الملكي). تهران: انتشارات سخن.
ــــــــ. (1380ش). «شکارمعانی در صحرای بی معنی» (صيد المعاني في صحراء اللامعاني). مجله زبان و ادبیات فارسی. جامعة تربیت معلم تهران، س9، ش32.
صدری افشار، غلامحسین؛ حکمی، نسرین و حکمی، نسترن. (1383ش). فرهنگ فارسی اعلام (قاموس الأعلام الفارسي). تهران: انتشارات معین.
طاهباز، سیروس. (1375ش). پردردکوهستان، زندگی و هنر نیما (ألم الجبل، حياة وفن نيما). تهران: انتشارات زریاب.
ـــــــ. (1386ش). درباره هنر شعر و شاعری (عن فن الشعر والشاعرية). تهران: انتشارات نگاه.
محمود غانم، رملة. (2008م). مختارات من أشعار نيما يوشيج، مراجعة وتقديم: بديع محمد جمعة، القاهرة: المركز القومي للترجمة.
ماری، پیر. (1391ش). اومانیسم و رنسانس (الإنسانوية والنهضة). ترجمه عبدالوهاب احمدی. تهران: انتشارات آگه.
مختاری، محمد. (1378ش). انسان در شعر معاصر، درک حضور دیگری (الإنسان في الشعر المعاصر، استیعاب الحضور الأخر). تهران: انتشارات توس.
محمدی، علی. (1384ش). «انسان گرایی در شعر مشروطه» (الإنسانوية في شعر الثورة الدستورية). أطروحة دکتوراه: الأستاذ المشرف: سیروس شمیسا، جامعة العلامة الطباطبائی.
محمدی، علی و پناهی، نعمت الله. (1388ش). «عناصر اجتماعی و انسانی در شعر نیما یوشیج» (العناصر الاجتماعية والإنسانية في شعر نيما يوشيج). مجله نامه پارسی، شماره 48و 49
مرادی، سهیلا. (1390ش). «انسانگرایی در شعر فروغ فرخزاد» (النزعة الإنسانوية في شعر فروغ فرخزاد). رسالة ماجستير، الأستاذ المشرف: محمود درگاهی، جامعة زنجان.
مناجاتی، علیرضا. (1389ش). «اومانیسم در اشعار احمد شاملو و فدریکا کارسیا لورکا» (الإنسانوية في شعر احمد شاملو وفدريكا كارسيا لوركا). رسالة ماجستير، الأستاد المشرف: دکتر ناصرالدین شاه حسینی، جامعة آزاد الإسلامية فرع العلوم والأبحاث بطهران.
نیمایوشیج، علی اسفندیاری. (1383ش). مجموعه کامل اشعار نیما یوشیج (المجموعة الشعرية الكاملة لنيما يوشيج). تأليف سیروس طاهباز، تهران: انتشارات نگاه.
وحدت، فرزین. (1385ش). رویارویی فکری ایران با مدرنیت (مواجهة إيران الفكرية مع الحداثة). ترجمه مهدیحقیقت خواه. تهران: انتشارات ققنوس. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 631 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 187 |