تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,625 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,454,277 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,469,460 |
تحليل البعد الديني كعنصر في الهوية الثقافية في رواية الوباء لهاني الراهب | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
دوره 11، شماره 42، شهریور 2021، صفحه 139-161 اصل مقاله (240.05 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
یارا مرهج* 1؛ مصطفى موسوي2 | ||
1طالبة دکتوراه في اللغة الفارسية وآدابها بجامعة طهران، طهران، إيران | ||
2أستاذ مشارك في اللغة الفارسية وآدابها بجامعة طهران، طهران، إيران | ||
چکیده | ||
تشتمل الثقافة على طرق وأساليب حياة الناس في المجتمع وتميز بين الشعوب. لقد ولدنا جميعًا في سياق معين للهوية يؤثر على جميع جوانب حياتنا. فمن خلال التاريخ والدين واللغة وغيرها من العناصر التي تساهم في تكوين الهوية، يتم تعزيز وتمكين هويتنا الثقافية. إن للدين مكانة أساسية في تكوين الهوية الثقافية السورية. تمهد دراسة الهوية الثقافية في الرواية المعاصرة الطريق للتعرف على أوجه التشابه والاختلاف الثقافي بين الأمم والعلاقات مع الدول الأخرى في مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية والعلمية، إلخ. تمكننا قراءة آثار الكتّاب الذين عملوا على بحث الثقافة والهوية الثقافية في آثارهم، من حماية الهوية الثقافية من التغيير والتحول والنسيان وضياع عناصرها على مر الزمن وتدفعنا إلى إحياء ثقافتنا بطريقة لائقة. تهدف هذه المقالة إلى إظهار تأثير الدين على الهوية الثقافية للمجتمع السوري في رواية الوباء للكاتب السوري هاني الراهب، حيث اخترنا هذه الرواية لما أوصلته من صورة واقعية عن ذلك المجتمع في فترة معينة من الزمن ولإظهارها ماكان يشغله الدين في حياة هذا المجتمع بين الماضي والحاضر من خلال المنهج الوصفي التحليلي. وتُظهر نتائج البحث أن الدين عامل أساسي في تكوين هوية الأشخاص كما أن الاعتقاد الديني للناس يتأثر بعوامل عدة على مر الزمن فنجد في هذا البحث أن الإنسان السوري في الرواية أقل تمسكاً بالدين على ماكان عليه في الماضي. | ||
کلیدواژهها | ||
الهوية الثقافية؛ الدين؛ المجتمع السوري؛ رواية الوباء؛ هاني الراهب | ||
اصل مقاله | ||
إن الانتماء إلى الوطن الأم، الذي تحدده حدود معينة، يُظهِر في الواقع انتماء الأفراد إلى هويتهم الوطنية والثقافية. كل أمة لها ثقافتها الخاصة، هذه الثقافة هي هويتها الخاصة بها والتي تعتبر نظرة على الماضي والحاضر والمستقبل «ثقافة الأمة هي علمها غير الواعي الذي تتوارثه أجيالها وتسير به في شؤون حياتها، أي هي طريقتها الخاصة.» (مؤنس، 1978م: 323) ولعل أوضح وأشمل تعريف للثقافة برأي عدد من الباحثين هو تعريف عالم الاجتماع روبرت بيرستد حيث قال:«الثقافة هي ذلك المركّب الذي يتألف من كل ما نفكر به، أو نفعله، أو نتملكه كأفراد في مجتمع ما.» (Bierstedt,1957: 106) وبناء على هذا فإن «الهوية الثقافية كيانٌ يصير، يتطور، وليست معطى جاهز ونهائي. هي تصير وتتطور، إما في اتجاه الانكماش وإما في اتجاه الانتشار، وتغتني بتجارب أهلها ومعاناتهم، بانتصاراتهم وتطلعاتهم، وأيضا باحتكاكها سلباً وإيجاباً مع الهويات الثقافية الأخرى التي تدخل معها في تغاير من نوع ما.» (الجابري، 1998م) وللهوية أبعاد فلسفية ونفسية وثقافية واجتماعية وأدبية ودينية واقتصادية واسعة، وعليها تتشكل أنواع من الهويات، وهي: الهوية القومية، والهوية الدينية، والهوية الاجتماعية، والهوية السياسية، والهوية الاقتصادية، والهوية الثقافية، ولكل منها عناصرها الخاصة التي تمثلها. تميز هذه العناصر، ثقافة مجتمع ما عن مجتمعات أخرى. يرى جلال أمين أن «الهوية معناها في الأساس "التفرد"، والهوية الثقافية هي "التفرد الثقافي"، بكل ما يتضمنه معنى الثقافة من عادات وأنماط وسلوك وميل وقيم ونظرة إلى الكون والحياة.» (أمين، 2009م: 50) إذن فالهوية الثقافية هي نظام القيم والمعتقدات والمعايير والسلوكيات التي ينتمي إليها الأفراد والتي تميز أمة عن غيرها ثقافياً وتتمثل عناصرها باللغة والدين والأرض والعادات والتقاليد والفن. فكل مجتمع يؤكد على أصالة هويته الثقافية ويحاول الحفاظ عليها والدفاع عنها. الأطر النظرية الديانات السماوية كالإسلام واليهودية والمسيحية كانت ولا تزال الأكثر تأثيراً في تاريخ البشرية، فالإتيان بتعريف شامل للدين، بحيث يرضي جميع الناس على اختلاف أديانهم، ليس بالأمر السهل بسبب تعدد العقائد الدينية واختلافها في أمور عدة. للدين دور كبير في تعميق الهوية الثقافية لتشعبه في الحياة الاجتماعية والفكرية وحتى السياسية للمجتمع وتنظيمه للعلاقات القائمة فيه. يعتبر الدين كشعور باطني من أهم عناصر الهوية، وهو من أهم عناصر الأسس الاجتماعية لأن الدين هو الذي يحدد اختلاف الهويات. الدين بحسب وجهة نظر السمالوطي: «ظاهرة اجتماعية يتضمن العادات والتقاليد والشعائر والمعابد والروايات المأثورة والمعتقدات والمبادئ التي تدين بها أمة أو شعب أو مجتمع ما. تمتد تعاليم الأديان لتشمل مختلف مجالات الحياة فهي تنظم علاقة الإنسان بالإنسان وتخيط علاقة الإنسان بالحياة وكذلك علاقته بالكون الواسع.» (السمالوطی، 1981م: 46-45) «أهم عنصر من عناصر الهوية هو الدين؛ إذ تذوب في الحروب الهويات المتعددة العناصر، وتصبح الهوية الأكثر معنىً بالنسبة للصراع هي السائدة، وغالبا ما تتحدد هذه الهوية دائما بالدين.» (كاظم، 2009م: 259) «الدين من أهم العناصر التي تقوم عليها الهوية وثقافة المجتمعات، وتبدو أهميته في تشكيل فكر الناس وسلوكهم في أنه دعوة لا تخاطب عقلية الإنسان فقط وإنما تخاطب أيضاً ضميره ووجدانه، لذلك فليس غريبا أن يكون الدين أو المذهب الديني عنصراً أساسياً في تكوين الطابع القومي، ذلك لأن الدين يولّد نوعا من الوحدة في شعور الأفراد الذين ينتمون إليه، ويثير في نفوسهم بعض العواطف والنزعات الخاصة التي تؤثر في أعمالهم، فالدين من هذه الوجهة من أهم الروابط الاجتماعية التي تربط الأفراد بعضهم ببعض.» (عطیة، 2009م: 45) الإسلام هو أحد ركائز الثقافة العربية. فالدين يكوّن الثقافة ويعززها بالقيم والمضامين ليستثمرها في المجال الثقافي. يقول نصري عن الدين كعنصر في هوية الشعب الإيراني أنموذجاً: «جزء مهم من انطباعتنا عن أنفسنا والآخرين هو نتيجة معتقداتنا الدينية. وفقًا لذلك، فإن سلوكياتنا وانطباعاتنا الذهنية تتفاعل بشكل معقد مع بعضها البعض، بحيث لا يكون تحليل السلوك ممكنًا دون فهم الأساس الذهني وسبب الفعل. التعاليم الدينية هي أحد المصادر التي تشكل سلوكياتنا ومعتقداتنا. للدين في إيران أيضًا أهمية من حيث أنه يلهم عناصر أخرى للهوية. بحيث لا يمكن دراسة الأساطير والعادات والفنون والتراث الأدبي واللغة بمعزل عن محتواها الديني. بالطبع، لا ينبغي أن ننسى أن الدين والتدين في أي مجتمع، بالإضافة إلى طبيعة الإنسان الهادفة والمحبة للكمال، يتأثران أيضًا بالأسباب والعوامل الاجتماعية والنفسية والاقتصادية وخاصة السياسية. الدين والانتماء الديني، على الرغم من كونهما أحد المكونات القديمة والأزلية للهوية، يتأثران بشكل كبير بالمجالات الاقتصادية والسياسية. يمكن أن يؤثر الوضع الاقتصادي السائد والظروف السياسية على الأسس الدينية، ويمكن أن يؤثر الالتزام الديني على النظام السياسي والسلوك الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين.» (نصری، 1387ش: 19-20) هكذا نجد مايشكله الدين من عنصر أساسي في تكوين هوياتنا وما يشكله من أثر على العناصر الأخرى المكونة للهوية. ويضيف: «لا يمكن التحدث عن الهوية الدينية طالما أن سماتنا أو خصائصنا ليست واضحة للآخرين أو أننا غير مدركين لهذه الخطوط المميزة. تكون حراسة أو حماية حدود الدين من العناصر الغازية الغريبة ممكنة بعد اكتساب الوعي الذاتي الديني. وعليه، فإن المتدين هو الذي يحمي ويحترم أحكام وأهداف دينه ويختار هذه الحماية والاحترام كعنوان لسياستة الواعية. لذلك فإن دراسة الهوية الدينية وحمايتها قبل أن تكون دراسة علمية، فهي دراسة الاستراتيجيات والسياسات، بحيث تصبح السياسة، بعد إدراك أوجه الشبه والاختلاف مع الآخرين، أمرًا محددًا وضروريًا. لذلك لا يمكن دراسة الهوية الدينية دون دراسة سياسات ومنطق توزيع السلطة.» (نفسه: 20) ومن هنا تأتي أهمية هذا الموضوع حيث نسعى في هذا المقال من خلال منهج وصفي- تحليلي إلى شرح الواقع الديني في رواية الوباء لإظهار تأثير هذا العنصر على الهوية الثقافية للمجتمع وتقديم تحليل لمكانة الدين خلال الفترات الزمنية المتباعدة للرواية. أسئلة البحث ما هي مظاهر الدين التي برزت في رواية الوباء؟ ما هي مكانة الدين في الهوية الثقافية لشخصيات الرواية بين الماضي والحاضر في هذه الرواية؟ فرضيات البحث يبدو أن الروائي استخدم مظاهر عدة للدين في تأثيرها على الهوية الثقافية منها التناص القرآني والدعاء وقراءة القرآن. لعل للدين تأثيراً أكبر على حياة الناس وهويتهم في الماضي مقارنة بالحاضر في هذه الرواية. سوابق البحث يوجد بحوث عدة قامت بدراسة الهوية الثقافية بشكلها العام أما بالنسبة للدين وعلاقته بالهوية الثقافية فهناك بعض البحوث التي تطرقت إلى العنصر الديني ومنها: «مخاطر العولمة على الهوية الثقافية» لمحمد عمارة الذي تحدث عن عولمة الدين الإسلامي، و«مباني هويت ايراني» لقدير نصري حيث تحدث بشكل موسع عن عناصر الهوية في المجتمع الإيراني و منها الدين، و مقال بعنوان "عوامل مؤثر بر هويت فرهنگی دانشآموزان اسدآباد" لأحمد محمدپور يشمل عدة عوامل مؤثرة في الهوية الثقافية ومنها الدين حيث توصل إلى أنه كلما زاد الالتزام الديني للفرد ازدادت قوة هويته الثقافية، وهناك عدة أطروحات تناولت عناصر الهوية الثقافية و منها الدين: "بازشناسي مؤلفههای هویت فرهنگی وتبیین جایگاه آنها در اهداف تعلیم وتربیت ایران" لراضية إمامي من جامعة اصفهان، و"بررسي تطبیقی هویت فرهنگی در آثار سه نویسنده معاصر احمد محمود، علی اشرف درویشیان وسیمین دانشور" لعباس عزيزي تختي من جامعة پیام نور، و"بررسی تطبیقی هویت فرهنگی در رمان خاطرات تن از احلام مستغانمی و اتفاق از گلی ترقی" لمهري صابر باغي من جامعة پیام نور و"هويت فرهنگی در مثنوی مولوی" لفاطمة آذریتربت من جامعة مازندران. أما بالنسبة لدراسة هذا الموضوع تحديداً فلم نجد حتى الآن بحثاً يتناول هذا الجانب في رواية الوباء لهاني الراهب. لمحة تاريخية عن رواية الوباء تبدأ رواية الوباء في قرية الشير، وبين الموت والحياة أيام تمضي وأجيال تتوالى. تلخص الرواية تاريخ أسرة السنديان والعنز التي تحول اسمها إلى العز والثارات بينهما من أيام السفر برلك إلى ثمانينيات القرن الماضي. «الأبطال الذين تتجول عليهم كاميرا الكاتب فهم أبناء القرية، واختص منهم بمركز الصىارة عائلة السنديان الدينية العريقة التي تمرّس مشايخها عبر التاريخ بالاعتكاف، وكان آخر المعتكفين، شيخ السنديان السادس الذي توفي في أوج "سفربرلك" التركي، وكانت وفاته –حسب الرواية- بداية النكبات التي راحت تتوالى على القرية.» (حرفوش،1997: 116-117) تعالج الرواية القلق المسيطر على أسرة السنديان التي تمثل غالبية المجتمع السوري في ذلك الوقت وهي الطبقة المتوسطة منه «ومن ثم تبدأ الرواية بمعالجة تلك الطبقة الاجتماعية الواسعة، حيث أنها تعيش قلق الحاضر فهي لم تقم على أسس ثابتة وقويمة. فمنذ أن كانوا يسكنون قرية "الشير" كان "شداد" يختلف عن "عبسي"، وكان الاثنان يختلفان عن "كنعان وأيوب"... وكانت الأسرة مختلفة في الرأي والاتجاه. ثم نمت وترعرت وهي تحمل معها بذور الاختلاف والتباين إلا أنها تجد نفسها أمام اختلافها وتباينها من جديد وعجزها عن بناء حاضر متماسك يحتل الإنسان فيه مكانة مرموقة... فالإنسان الذي أهملته الطبقة المتوسطة في أثناء نشوئها هو الذي جعل حاضرها الجديد قلقاً والسرد الروائي يعبر عن ذلك فنياً، ويردد دلالاته مباشرة.» (السقا، 2005: 115) الفساد والمال والسلطة التي هيمنت على شخصيات الرواية هي الوباء المتفشي؛ فالرواية تبدأ بالسفربرلك وتنتهي به فالماضي مايزال مستمراً في الحاضر. »القسم الرابع، وعنوانه "سفر برلك" هو معايشة حياتية للظروف، ويجلوالعديد من الجوانب النفسية، والاجتماعية، والأيديولوجية للأبطال؛ والرواية بمجموعها تقوم على الرصد الجيلي الأسروي، وتركز على مشاهد الحياة اليومية، وسلوكية الأبطال.» (ابن ذريل، 2000م: 115) يتناول هاني الراهب في هذه الرواية العديد من الأسئلة المهمة التي لا يمكن لأحد أن يجيب عنها حول الحرية والديمقراطية ومكانة الشخص الواعي والمثقف في المجتمع المدني ودوره في مجتمعٍ يتم فيه تدمير المعرفة والثقافة ببطء. عنصر الدين في رواية الوباء العقاب والامتحان الإلهي «توفي الشیخ قبل أسبوع من بدء الامتحانات، وبعد شهرین من زواج خولة. وطیلة السنوات الخمس عاش في فوضی الحیاة وخلخلتها دون أن یعید الأمور إلی نصابها. صار یعتبر كل ما یحدث له ضرورة لا مفر منها. لذلك لم یبد علیه أي اضطراب أو مقاومة عندما وصل به الفقر حداً أجبره علی ترك الاحتفال بعید الفطر. اعتبر الأمر مشیئة من الله. وعندما حلّ العید دون ذبائح توزع الى أهل الشیر ودون برغل مطبوخ، نزل إلی الحاكورة وأمضی سحابة یومه في قطع الجذوع والأغصان الیابسة، وتكویمها وراء البیت الكبیر كمؤونةٍ لبرد الشتاء.» (الراهب، 1981م: 25 – 24) «كان موقناً أن كل مايحدث له عقوبة مستحقة، ولا يملك إلا الرضى.» (نفسه: 25) «الإنسان منفذ لا مصمم.» (نفسه: 20) الشيخ عبد الجواد من الشخصيات المحورية في الرواية، يفسر كل مشاكل ومصاعب الحياة على أنها المشيئة الإلهية. هذا الاعتقاد الديني يسهل عليه تحمل الصعوبات فلا يعترض لمواجهتها وهو بقول الأديب سلمان حرفوش: «عبد الجواد ذاك محور أساسي في الوباء. نه أكثر آل السنديان تطهراً وتديناً.» (حرفوش، 1997: 118) لكن شخصيات أخرى ترفض التسليم الكامل لهذا الاعتقاد وترى أن على الإنسان أن يجد حلاً ليواجه صعوبات الحياة؛ كان اسماعيل رجلاً فريدًا من نوعه في قرية الشير لديه أملاكا كثيرة فيها، لكنه بعد حادثة زواجه وجد نفسه رجلاً فقيراً والآن عليه أن يقوم بالشواء لكسب لقمة العيش. يَعتبر اللجوء إلى مثل هذه المهنة بمثابة اختبار إلهي كونه لم يكن عملاً مربحاً وزبائنه من العمال. إنه ليس اختباراً بسيطاً بنظره، بل هو اختبارٌ يقارب اختبار صبر النبي أيوب عليه السلام: «كان شداد یأتیه بعدد من عمال المیناء، فیقدم لهم الشواء كأنهم ضیوف فی بیته. "ابن عمي، ابن عمي، ترید توابل. توابل؟" كان یقول له بلكنته المعهودة. وذات یوم قال له الشداد بأدب وخصوصیة، إن إدارته للدكان غیر عملیة، فضحك اسماعیل بصفاء: "أتحسبنی مخلوقاً لهذه الشغلة، یا ابن عمي؟ لا. لكن الأیام تمتحنني كما امتحنت نبي الله أیوب".» (الراهب، 1981: 143). ذُكر في القرآن الكريم أن الله عز وجل امتحن أيوب عليه السلام بأبنائه وماله وعافيته، وخرج من هذه المحنة مستعيناً بالصبر؛ ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ (الأنبیاء: 83 – 84) الاختبار الإلهي، موجود في الهوية الثقافية للإنسان السوري، ولهذا يفسر الإنسان السوري المشاكل في ظل الامتحان الإلهي، الذي يجب أن يخرج منه الإنسان فخورًا بتحليه الصبر والايمان. «قال اسماعيل: ابن عمي. هل تظن أن الحياة مأساة؟ -قال شداد: والله لا أعرف. ماعندي وقت لأفكر في الحياة من هذه الناحية. أنت أتظن أنها مأساة؟ -أطلق اسماعيل زفيرا طويلا. قال: لولا إيماني بالله لقلت إنها مأساة.» (الراهب، 1981م: 161) «كنت سأصل إلى كارثة لكن الله سبحانه وتعالى أنقذني، ألهمني إلهاماً.» (نفسه: 141) توضح هذه الحوادث أن الاعتقاد بالعقاب هو في أعماق الهوية الثقافية السورية كما في الأمثلة التالية: «كانت خولة جالسة علی الكرسي، كانت تتساءل بصمت، لماذا لم یرزقها الله ولداً. خطر لها أن في الأمر عقوبة لذنب ما. ولكن أي ذنب اقترفت هي، ولماذا یعاقبها الله؟» (نفسه: 130) وفي مكان آخر من الرواية، كانت خولة قد أنجبت طفلاً لديه مشكلة في القدم فتعتبر خولة أن هذه المشكلة عند ابنها حيان هي عقوبة من الله: «خلال الشهرین المرهقین الذین أمضتهما قدم حیان في الجبارة، عرفت هبوطاً حاداً في فرحها وطمأنینتها. عاهة القدم لم تكن أقل من كارثة: كیف سیكبر الولد ویعیش بین الناس وهو ناقص قدماً؟ وكیف غفلت طیلة هذه الشهور عن خلل یمكن أن یكتشف فی كل لحظة؟ ولم یطل بها الوقت أن هذه الكارثة عقوبة، لیس إلا. عقوبة بدأت بالغفلة.» (نفسه: 142) أيضا نرى مصير أبناء مريم وحسن الغفري في قرية الشير الذي رسمه أهالي تلك القرية بإرادتهم، بظنهم أنه عقوبة إلهية: «وبالتدريج تحول الامتناع عن مد يد العون إلى اقتناع راسخ بأن مصائر الأشقياء الثلاثة عقوبة مستحقة. رأوا أن الله عاقب حسن ثم مريم وها هو يعاقب نسلهما.» (نفسه: 74) كما كان اعتقاد أهالي القرية بأنه سيأتي اليوم الذي تُعاقب فيه مريم على أفعالها: «سيأتي يوم ويعاقبها الله كما تستحق.» (نفسه: 82) في الطبيعة والهوية الإسلامية للإنسان السوري، هناك من يعتقد بأن المشاكل هي ابتلاء الله، وبالتالي فإن الإنسان لا يعترض أبدًا في مواجهة هذه المشاكل وهناك من يجد أن الإنسان مصمم وقادر في بعض الأحيان. التوسل عند أضرحة القديسين ويثبت لنا الكاتب تجلي البعد الديني في المجتمع السوري عندما يعرض سلوك بعض الشخصيات في الرواية من خلال لجوئهم إلى الأولياء والقديسين للتوسط بينهم وبين الله حسب اعتقادهم. «كان اللیل یتساقط كالمطر علی الفضاء. وبالتدریج ظهر البیت الصغیر المتداعي، وتبین أن النافذة باب، وأن الضوء صادر عن قندیل وضع علی الحصیر عند ضریح الولي نور الدین. خلع الشیخ عبد الجواد نعله. دخل. قرأ الفاتحة مفتوح الیدین. كانت عتمة منزل الطبیب وضوء الولي قد دخلا بسرعة سهلة فی واعیته كرمزین واضحین. جثا علی الأرض، ورائحة البخور المحترق تملأ أنفه وعینیه وقلبه وروحه، ونذر خمسا وعشرین لیرة. قرأ شیئا بتمتمة خفیفة وخرج.» (نفسه: 17) يتجلى الجانب الديني لهذا الشاهد المأخوذ من الرواية في حقيقة أن زوجة الشيخ عبد الجواد تواجه مشكلة في الولادة فقام عبد الجواد بالتوجه إلى مرقد أحد أولياء الله لحل المشكلة فقام بخلع نعليه احتراماً للمكان في إشارة إلى الآية القرآنية ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ (طه: 12) وقدم نذراً في ذلك المكان المقدس لتكون ولادة الطفل ميسرة. فكما كان على النبي موسى عليه السلام أن يتخلى عن ممتلكاته ليدخل إلى عالم النور الإلهي، كذلك فعل الشيخ عبد الجواد ليدخل الضريح. إن الإنسان الذي يعيش في ثقافة ذات هوية إسلامية على دراية بمفهوم العالم المقدس الإلهي، الذي لا مكان فيه للممتلكات الدنيوية. أحمد سليم، إحدى شخصيات الرواية، يمرض بعد فترة وجيزة من وقوعه بالحب ويلجأ إلى أضرحة الأولياء للعلاج: «لكن أحمد سلیم لم یرضخ لمعارضة والدیه. لم یعلن أمامهما تعلقه بالفتاة، إلا أنه ازداد تعلقا بها. ومضی علی الحب عامان. ثم حل به ذلك الداء المحیر الغریب الذی أسلمه فیما بعد إلی القبر. فی البدایة شكا من ألم عنقه. وازداد الألم. ومرت الأیام فصارت حركة العنق عسیرة. صار یغدو إلی الدكان ورأسه مائل كأنه یهم بالنظر إلی یساره. یجلس وراء آلة الخیاطة وكأنه ملتفت إلی الشارع. عام كامل مضی وهو یرفض الذهاب إلی الشیخ عبدالهادی الریحان. أخیرا ذهب. لم یشف. ركب حمارا ومضی إلی مزار النبی یونس. وعلی تلك القمة الشامخة أمضی ثلاثة أیام یخدم المزار وینام عند العتبة. لم یشف. عاد مشروخ النفس: تارةً یسخر بمرارة من زیارته، تارة یترنح كالسكران من رعب الموت . . . فی كل الأحوال، كان لابد من العودة إلی الشیر. هناك تیبّس عنقه إلا قلیلاً، وتعیّن علیه أن یلازم سریره الخشبي. حملوه إلی جمیع المزارات، وعند كل منها أمضی ثلاثة أیام.» (الراهب، 1981م: 12) تلجأ بعض شخصيات الرواية إلى أضرحة الأولياء للتوسط بينها وبين الله في طلب الشفاء أوالمغفرة بشفاعتهم. كما يريد أحمد سليم أن يعالج مرضه من خلال مناشدة هؤلاء الأولياء؛ فعندما تتعرض هذه الشخصيات لظروف صعبة تتجه للأولياء لتحقيق الأمنيات التي فشلوا في تحقيقها. نلاحظ خلال قراءة الرواية أن التوجه لأضرحة القديسين كان في الفترات الزمنية الأولى للأحداث ولم يتم ذكره فيما بعد. النذر فكرة أخرى في هذه الرواية هي قطع النذور لحل المشاكل أو لشكر الله على نعمه. ابراهيم إحدى الشخصيات في الرواية، لم يكن له من ذريته إلا البنات، وبعد أن أنجبت زوجته ست بنات، نذروا إلى لله ليكرمهم بصبي: «ابتهلا إلی الله ونذرا النذور. وقرر ابراهیم أن یقیم فی كل عید أضحی ولیمة جماعیة لسكان الشیر والقری المجاورة، بعد أن كان الأمر مقتصراً علی عید الفطر. بعد عامٍ ونصف وُلِد اسماعیل السندیان. وكان عرس. وكانت ولائم. امتلأت ساحات المدینة باللحم المسلوق والبرغل المطبوخ، بالطبول والمزامیر والرقص. وتوافد الناس من مسافة آلاف الأمتار، لیشاهدوا الولید لبیت السندیان، ویشبعوا الأكل كرمی له.» (نفسه: 16) كما نذر الشيخ عبد الجواد عندما رأى جده في حلمه يبشره بالطفلة «وفي يوم مولدها الاربعين وفى أبوأحمد بنذره» (نفسه: 18) التناص القرآني والحديث النبوي يعد القرآن الكريم بإعجازه وقدرته على الإقناع، مصدراً غنياً للتناص الأدبي فيعطي النص الأدبي مصداقية وثراء. استخدم الراهب سورة من القرآن الكريم ليوظفها في الرواية بطريقة مناسبة للنص الأدبي لديه: «وصل اسماعيل في جمحة فرس أخيرة. حيّا الطفلة المرأة فاضطربت شفتاها. هتف: "بنت العم تجمعين الحطب!" ولم تجب. أضاف بلهجته التي لا تنسى، التي تحشر حروف الكلمة فتلفظها بنصف الوقت المألوف وتطيل الفسحة بين الكلمتين: "لا يجوز. لا يجوز. أنت بنت السنديان. تجمعين الحطب! سأبعث لك تفاحة. تجمع عنك. يالله إلى البيت." ووجدت نفسها تقول: - أنا مبسوطة أحب الشغل
يقابل هذا الشاهد من الرواية سورة المسد: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ* سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ* وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَد﴾ توعّد الله عز وجل أبا لهب وامرأته حمالة الحطب بعذاب شديد، فلقد حملت صفة "حمالة الحطب" معنى سلبي في هذه السورة؛ ولهذا طلب اسماعيل من ابنة عمه خولة الابتعاد عن هذا العمل لأنه على حد قوله فهو لا يناسب آل السنديان، وسيرسل لها تفاحة لتحمل حملة الحطب عنها، لكن خولة لا ترى هذا العمل معيب بحقها فهي فلاحة ومن الطبيعي أن تجمع وتحمل الحطب فهي امرأة عاملة بهذه الصورة لكن بعد فترة تشعر خولة بتأنيب الضمير لأنها دعت الله أن يخلصها من خطيبها فمات فاعتبرت أن عملها كحمالة حطب هو عقاب من الله. «لوفي صدرك قبس، مثلما يقول أبوك، كنت عرفت الآن أن الله قال كلمته دون أن تنتبه. انظر إلي الآن أنا حمالة الحطب.» (الراهب، 1981م: 96) فنجد هنا كيف أن المجتمع يصدر أحكاماً بما هو جيد أو سيء مستنداً على أدلة دينية أو تاريخة دون النظر إلى مناسبة هذه الأدلة. «وفجأة اكتشف أن لحيته صارت شائبة، وبطنه وسيعة : وسيعة حتى لتضايقه في الركوع والسجود. عجیب! كيف صار هكذا دون أن ينتبه ؟ حتى أم أحمد لم تنتبه، فهي لم تغمز ولم تلمز. أم أنها انتبهت؟ ياللنساءّ وراح تأمل بطنه إلى أن وقر في نفسه اعتقاد جازم بأن هذا البطن كرش وليس مجرد بطن. يا للنساء العظيمات! يقبلن بأزواجهن كيفما كانوا. وانفلت في ذاكرته شريط من الذكريات أكد له بما لا يقبل الشك أن أم أحمد هي المرأة الودود الولود التي تحدث عنها سيدنا محمد.» (نفسه: 18) يرى أبو أحمد أن زوجته هي من النساء اللواتي تكلم عنهن الرسول الكريم بحديثه : «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم» (الزين، 2009م: 315) فلقد ارتفعت مكانة أم أحمد عنده. وظف الراهب أيضا الحديث الشريف «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أوامرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» (نفسه: 348) في نصه الأدبي عندما دار حوار بين خولة وعبسي عندما تمنت خولة موت خطيبها ومات فعلا : «- اسمع يا عبسي أنا نويت موته. فهمت؟ أنا كأني دعوت الله أن يموت يونس. فهمت؟
كأمثلة أخرى: «تعيّشوا على الصدقات السرية يعطيها لهم خلسة أناس أبرياء من وخم مريم وخائفون على شرفهم من التقولات. وعندما انضم الشيخ عبد الجواد إلى هؤلاء، تجرأ آخرون وقدموا لهم طعاما. وقد دأب الشيخ على تكرار القول الكريم: ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً. وإنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا» (نفسه: 75) «العرس مصروف عالفاضي وفخفخة مالها لزوم يقول تعالى في كتابه العزيز وما الحياة إلا متاع الغرور» (نفسه: 113) الإسلام في الحياة اليومية يعتبر المسلمون أن تلاوة القرآن والعمل به، كلها عبادات يتقرب بها المسلم إلى الله. نجد أن تلاوة وحفظ القرآن له أهمية كبيرة، وقارئه أو حافظه له مكانة عالية في محيطه، خصوصا في المراحل الزمنية الأولى من الرواية. «وكان أيوب في السابعة وبلا مدرسة، يقرأ القرآن كله، دونما خطأ، ولكن بدون مدرسة. كذلك كنعان: الأعجوبة الصغيرة، بل النابغة، الذي ختم ربع القرآن قبل أن ينتبه أحد» (نفسه: 17) «شعوري الآن مثل شعوري يوم قرأت القرآن أول مرة وامرأ القيس أول مرة يومها بهرني ذلك الارث العظيم» (نفسه: 162) «لم يتمكن من أن يصير شيخا، فذلك ميراث محصور ومستعص، يتطلب وصا في آبار العلم لم يكن عقله مهيأ له» (نفسه: 27) القرآن الكريم معجزة كل زمان ومكان جعله الله سبحانه وتعالى هدى ورحمة للناس. يؤمن المسلمون بأن آياته لها فضل كبير في حمايتهم من الحسد والمرض ووسوسة الشيطان وهذا ما وجدناه في الرواية فتلجأ الشخصيات لتلاوة آيات من القرآن الكريم عندما تشعر بالخوف أو المرض والعجز: «أين وضعت القرآن؟ تناول الأب القرآن والتفت" أشعل بخوراً في فخارة وهاته" ومضى إلى خولة. وضع الكتاب وراء رأسها وأخذ يقرأ. قال عبسي: لماذا البخور؟ تريدون أن تخنقوها؟ خولة مريضة بالحمى ودواؤها الكمادات الباردة. قال الأب بمرارة: أنت أشطر من حكمة الرب؟ ويلك من الله. ياويلك من نفسك.» (نفسه: 93 – 94) «أبوأحمد يقرأ القرآن فوق رأسها ويدعوالله أن ينجيها من المرض رحمة الله عليه.» (نفسه: 125) «سمع الصوت. التفت حوله وجحظت عيناه. بسمل. قرأ الفاتحة، ثم آية الكرسي.» (نفسه: 49) «وتصرخ من البداية الصوت غير طبيعي أيكون تحت شباكنا الله لا اله إلا هو لا تأخذه سنة ولا نوم له مافي السموات ومافي الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يا ربي ماهي التتمة الآن يصل أحدهم ...وإذا ناديت يمكن أن أفتح فمي ويدخل فمي وأبدأ بالصراخ مثلها شكيب شكيب شكيب – ماذا مالك يا حبيبتي؟ - رضا... كريمة المجنونة تصرخ تحت الشباك – أهذا الذي أخافك؟ لماذا لم تنامي؟ -كيف أنام والجن تصرخ في الزقاق؟ ما هي تتمة آية الكرسي؟ لاتنظر إلى الشباك يمكن أن تلطمك الجن الزقاق مسكون ولولم أقرأ لدخلوا البيت – لا جن ولا من يجنون الأصوات من صفائح التنك أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم هذه الليلة غير طبيعية.» (نفسه: 123) التزمت غالبية الشخصيات في رواية الوباء بأحكام القرآن من عبادات ومعاملات وأخلاق ويبدو التقيد بالتعاليم الدينية أشد وأوضح كلما عدنا للوراء في التاريخ الزمني لأحداث الرواية: «بعد أول رمضان من استقرارهم في المدينة، جاءت خولة.» (نفسه: 17) «بعد رمضان ثان ولد عبسي وبعد رابع ونصف ولد شداد.» (نفسه: 18) «كان شيء من طبيخ البرغل وشيء من اللحم المسلوق يصلان إلى كل بيت. وكان البيت الكبير يضيق بالرجال، فتقام الصلاة تحت شجرة جوز قطرها مئة خطوة يمتلكها آل الحطاب جميعهم.» (نفسه: 19) «يا للروح الضالة التي لم تهتد لله. بماذا يجيب وهو في القبر عندما يسأله أنكر ونكير عن نفسه؟» (نفسه: 27) «سبعة أيام واظبوا على الخروج إلى الضريح الجديد المغطى بالريحان، والعودة إلى البيت الكبير لتلاوة آي الذكر على روحه.» (نفسه: 39) «أنت يا شيخ اسماعيل متضايق مما رزقني الله؟ - أعوذ بالله يا عمي أبو مأمون لكن الله أعطاك لتعطي عباده – وأنا اعطي عباده أكثر مما يعطيهم أي رجل في الشير – ليست هذه هي النسبة التي قررها الإسلام يا عمي أبو مأمون – تظن أنه واجب عليّ أن ادفع؟ هذه منة يا شيخ لا واجب.» (نفسه: 56) «سبعة أيام أخرى والذبائح تنحر والناس يأكلون ويترحمون على آخر ضوء يأفل من آل السنديان.» (نفسه: 60) «وكانت عيناها شاردتين عند الجوزة الكبيرة التي تقام تحتها الصلاة في الصيف.» (نفسه: 63) « رضيع حملته يمامة ليلاً ووضعته أمام بيت أحمد الغفري الذي أفاق لصلاة الصبح ووجد اللفافة فعرف. (نفسه: 74) «نلتقي في السيارة بعد صلاة الظهر. يالله.» (نفسه: 104) «وعندما انتبهت تناهت إلى أذنيها ترراتيل من المسجد المجاور.» (نفسه: 129) الدعاء تُخطب خولة لشاب اسمه يونس لكن خولة غير راضية عن هذا الارتباط ولا يمكنها أن تعارضه. لذلك، عندما يئست من كل شيء، طلبت من الله عز وجل التخلص من هذا العريس: «تنهدت كما لوصخرة استقرت داخل صدرها. رفعت رأسها إلی السماء. "یا رب خلّصنی! خلصنی یا رب! مرة واحدة بس. وبعدها لا تلب لي طلباً. یا رب!" عند الباب التقاها شداد بتأثر مرتبك. سألها: "أین كنت؟ سمعت بالخبر؟" نظرت إلیه منتظرة ولكن بلا تساؤل. قال: "یونس ملحم مات. خبرونا من ساعة. وأبوك راح إلی بیتهم.» (نفسه: 92) مثال آخر: «هبت العاصفة. في العام الفائت استطاع الرجال والنساء إنقاذ أكثر من ثلث المزروعات. رفعوها عن الأرض سنبلة سنبلة، بقليل من الأمل وكثير من الثقة برحمة الله. وانصرف أيوب إلى قراءة القرآن.» (نفسه: 45) «وأيقن الفلاحون أن صلوات أيوب في العام الفائت لم تذهب عبثا، وإن تأخر قبولها عاما كاملا.» (نفسه: 46) يذكّرنا هذا الحدث في الرواية بالآية القرآنية 67 من سورة الاسراء: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾ (الإسراء: 67) تتشابه الآية مع ما حدث في الرواية أن الإنسان عندما تضيق به الدنيا يذكر الله وحده. لأنه في هذا الموقف يدرك أكثر من أي وقت مضى أن حله الوحيد، في يد الله. مثال آخر: «انجدني يارب هذه المرة ولا كل مرة وبعدها لاتلب لي طلباً.» (الراهب، 1981م: 127) الدعاء للميت بالرحمة كلما ذُكر في الحديث أو الدعاء لعزير بالتوفيق هو أحد المعالم الدينية التي تتسم بها هوية المجتمع السوري في كل المراحل الزمنية للرواية: «يا ابنتي الله يرضى عليكي.» (نفسه: 83) «سبعة أيام أخرى والذبائح تنحر والناس يأكلون ويترحمون على آخر ضوء يأفل من آل السنديان.» (نفسه: 60) «لأن أمك الله يرحمها.» (نفسه: 168) «أيوب رحمة الله عليه كان أخا لا كل الأخوة.» (نفسه: 113) «أبوك الله يرحمه.» (نفسه: 97) ذكر الله يعدّ ذكر الله تعالى من الأمور التي تدل على قرب الإنسان من ربه، حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ (الأحزاب: 41) وقد ذكرت الشخصيات في الرواية الخالق بطرق متعددة؛ كحمده وتسبيحه واستغفاره إما لإبعاد تسلط الشيطان: «منتهى أغرقت نفسها أمس في بئر الدروقية –أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟ لماذا؟» (الراهب، 1981م: 55) أو لإكساب البدن والروح القوة: «التفت إلى الأم: أي شيء جرى لها؟ - لا أعرف رجعت قبلنا من عين الغسيل ووقت وصلت شفتها على هالحالة –عين الغسيل؟ ملأت الدست بالماء –ملأته – سمت باسم الله الرحمن الرحيم؟ -لازم أن تكون.» (نفسه: 85-86) أو لشكره عز وجل على نعمه: «وهناك الشام تظل نصف نهار وأنت تمشي وتضيع أن لم تذكر العلامات بلاد في وسطها نهر...والبساتين الكثيفة سبحان الله من كل شجر نوع.» (نفسه: 115) أو لأسباب كثيرة نذكر هنا بعضاً من أمثلتها في الرواية: «الحمدلله وصلت في اللحظة الأخيرة.» (نفسه: 126) «أستغفرك يارب.» (نفسه: 125) «لن تموت بإذن الله.» (نفسه: 125) «صحتك بألف خير من الله.» (نفسه: 123) «الحمدلله هذا الوجع لايؤثر بالنسبة لشكيب.» (نفسه: 123) «الشام لابسة ملاءة بيضاء وهذه الجبال لأول مرة تظهر فيها الحياة والنباتات وأشجار الغوطة سبحان الله.» (نفسه: 121) «قد يصيبه مكروه لاسمح الله.» (نفسه: 118) «الحمدلله ياربي الاثنان نجحا.» (نفسه: 117) «هذا الشباك نعمة من نعم الله.» (نفسه: 117) «الحمد لك ياربي لم يحدث شيء.» (نفسه: 116) «الحمد لله الحمدلله وصلت يأخي إلى مبتغاك.» (نفسه: 116) «لاتظني أني نادمة، قريبا إن شاء الله سأموت، وأنا راضية.» (نفسه: 108) «تقدم المختار برفقة رئيس المخفر وبسمل وصاح عند العتبة.» (نفسه: 71) «أخيرا اقبلوا (الدرك) لمحهم كثيرون واستعاذوا بالله.» (نفسه: 68) التفسير الشخصي للدين الإسلامي «استدار ومشی فی البهو. أجل. المال والبنون زینة الحیاة الدنیا. لیس عبثاً أن جاءت (المال) قبل(البنون). إذا لم یوجد المال، لا یكون البنون زینة الحیاة الدنیا.» (نفسه: 240) تفسير شداد للآية القرآنية له نفح مادي اقتصادي. يريد الكاتب أن يقول إن الاقتصاد والمال في العالم الحالي حاسمان لدرجة أن بعض الناس يفسرون الآيات القرآنية من ناحية مادية؛ فهو اتخذ جزء يناسبه من الآية الكريمة و أهمل باقي الآية: ﴿المال و البنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً ﴾ (الكهف: 46) يقول الراغب الأصفهاني في كتابه المفردات في غريب القرآن إن استخدام كلمة "رأي" بشكل وافر في الروايات؛ فلأن هذه الكلمة لا تعني الادراك العقلي، لكنها تعني الاعتقاد الشخصي والذوق أو التخمينات التي تغلبت على الإنسان. «إن الاعتقاد الشخصي الذي يحاول صاحبه الحصول على دليل لتأكيده من القرآن، وحتمًا، لتحقيق هدفه، فإنه يعري الآيات من معناها المتعارف عليه ودلالتها الظاهرية ويحملها اعتقاده.» (تقویان، 1387ش: 61) لقد كانت مريم خضير إحدى أبطال رواية الوباء، محور أحاديث أهالي الشير، فاتهموها بالزنا رغم أن أحداً منهم لم يراها تقوم بالفاحشة، مع أن الله أمر الناس في القرآن الكريم بشكل صريح: قوله تعالى : ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ (النساء: 15)، وقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: 4)، وقوله: ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ (النور: 13) يظهر الكاتب في السياق الروائي أن المجتمع في بعض الأحيان يأخذ مايريده من دينه ويُعمي عينيه عما لا يعجبه فيه، هذا المجتمع الذي يتشبث بالدين ويتبع الشيوخ ويتمسك بتعاليم الدين في الأعياد والأفراح والعزاء والدفن وإقامة الصلاة ولكنه ينسى أو يتناسى بعضها عندما يتعلق الأمر بالحكم على الآخرين. ولعل الكاتب اختار اسم مريم لهذه الشخصية ليتناسب مع الاتهامات التي رماها الناس على مريم العذراء عليها السلام فقد رماها الناس بالكلام لحملها بلا زواج. مريم خضير التي عرفت بعد خيانة زوجها حسن الغفري، بالمرأة القبيحة والشريرة ورمز الشر بشكل عام، تجيب على سؤال لخولة إن كانت تخاف الله أم لا، فتقول: «نعم: كل عمری أخاف الله. ما خاف الله أحد مثلی. كنت أخافه وأحبه. وكنت أتعذب. لكن ماذا أفعل؟ من یقدر أن یرفض الحریة. شيء من جواتی طقّ. أنا طلعت برّاة البرمیل. وكلما مشیت خفت خوفا ما بعده خوف. وبعده فرحت. لأني بعدت عن البرمیل. كان الله موجودًا في كل لحظة. وفي كل شبر. من یا تری یعرف الله؟ من یخافه؟ أنا خفت منه، بصدق وحب، مثلما قلت لك، كلما مشیت خطوة، شفت أني لا أقدر علی العودة إلی الخلف، وأن الله یعرف حاجتي، وأنا لا أقدر علی غیر هذا. - ستغفرك یا رب. كل هذه الذنوب، وبعدها الكفر بدل التوبة.» (الراهب، 1981م: 112) يعتقد أهالي قرية الشير عامة أن مريم خضير ارتكبت الخيانة بسبب عدم إيمانها واتباعها تعاليم الدين الصحيح، لكنها تقول لخولة إن سبب ذنبها لم يكن التقوى لأنها تخاف الله وتحبه، بل كان هناك شعور بداخلها لم تستطع مقاومته. تقول مريم خضير إنها شعرت بالله في كل مكان وفي كل شبر من الأرض. الله حاضر في كل لحظة. وفي كل شبر. تذكرنا هذه العبارة بالآية القرآنية التالية: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 115) بهذه الطريقة نجد أن المجتمع حكم على مريم بنفسه رغم وجود آيات واضحة وصريحة تحذرهم من الحكم على الآخرين: ﴿مالكم كيف تحكمون ﴾ (القلم: 36) ﴿والذين كفروا بعضهم أولياء بعض﴾ (الأنفال: 73) ﴿وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾ (الكهف: 29) يوضح هذا الجزء من الرواية أنه في المجتمع السوري التقليدي، هناك حكم ذاتي على الآخرين. يرى المؤلف أن وجود هذه الخصلة في هوية المجتمع السوري أمر سيء، وبطرحه القضية على هذا النحو يدعو إلى التخلي عن الأحكام على الآخرين، وخاصة على النساء. فعندما تختلط القوانين والتعاليم السليمة بالعادات و الأعراف السيئة، تتأثر الهوية الثقافية سلباً. يعتبر المؤلف أن هذا الحكم الجائر والتشاؤم تجاه المرأة له جذور تاريخية وأسطورية: «وفي مرحلة من الحديث كان لابد أن يقول للمرأة: في ذمتك، في دينك، وها يدي على رأسك، لو أنك صبية مثلهن، أما كانت نفسك الخبيثة، هكذا تلعب؟. غزالة تضحك وتتنهد: يا أبو أحمد، أنت كل عمرك ضد النسوان. ويقول: أي والله صدقت، ألم تخرجنا حواء من الجنة؟» (الراهب، 1981م: 44) وجود هذه النظرة الغير العادلة لدرجة أنه إذا أخطأت المرأة في المجتمع الذكوري فعليها أن تعاقب على هذا الخطأ لبقية حياتها مثل مريم خضير في الرواية، أما إذا أخطأ الرجل فهو لن يواجه الكثير من المتاعب في المجتمع حتى وإن كان فعله مخالف للدين وسيحاول هذا الرجل التغطية على خطئه. كما حدث لاسماعيل وبدر جندار. كان اسماعيل على علاقة بفتاة عذراء ومع ذلك لم تأت سيرته على لسان أحد من أهل قرية الشير وتسعى عائلته إلى إغلاق الموضوع بسرعة حتى لا يتحدث أحد به. وكذلك عندما مات بندر جندار بالسمّ في ريعان شبابه الذي كان على علاقة مع مريم خضير على حد مزاعم أهل القرية تم اتهام المرأة بالخطيئة أما الرجل فقد تمت تبرئته تماماً: «يا مسكين يا بدر ياضيعان شبابك.» (نفسه: 39) على سبيل المثال، في هذا الشاهد يرى الناس أنه عندما يخرج شاب وفتاة عن الأخلاق وبالتالي عن تعاليم الدين فإن المعاب في هذا الفعل هو الفتاة فقط: «ما أكثر ما احتفی الشیخ عبد الجواد بهذا الدرع المنیع الصائن للأخلاق. فكم فتاة منعت من أن تشرد إلی حبیبها – والعیاذ بالله- بفضلهن. كم من فضیحة خنقت فی المهد. كم عائلة بقیت مرفوعة الرأس لأن كحلة أو بریبهان أو تمره.. استطاعت بتدخلها الفاضل أن تضع حداً لزوغان البنت ذات الروح البارمة.» (نفسه: 44) «قال أبو أحمد، وقد أنصت للرؤیا بخشوع مهیب: "هذا جدك شیخ السندیان، رحمة الله علیه. هو الذی أخبرني بمجیئك. یا عجباً! كیف لعالم مثله، عرف دروب الرب، أن یهتم بأنثی هذا الاهتمام! أنت یا بنتي، مؤكد، أنثی طاهرة. لا أحد یزوره الأولیاء ویكون خبیثا". جدها شیخ السندیان؟ جاءها السؤال بعد یومین. جدها لا یركب فرساً. قد یكون الخضر، علیه السلام، أو الشیخ علي بن سلمان. لكن لیس جدها.» (نفسه: 90 – 91) بالإضافة إلى فكرة أن أولياء الله لا يظهرون للإنسان الخبيث، هناك اعتقاد ديني آخر طُرح في هذه الرواية هنا وهو أن الأولياء لا يظهرون لإناث. في حديث أبو أحمد اعتقاد خفي بأن المرأة مثال للشر، فلا يظهر لها الأولياء الصالحون. في المجتمع الذكوري في سورية، كان هناك اعتقاد بأن النساء أمثلة على الشر وإن لم تكن كذلك فهي أقل قيمة من الرجل، لذلك لا يظهر لهن الأولياء. كان هذا موجودًا في الهوية الثقافية للرجال السوريين وحتى النساء ولا يزال موجودًا لكن بشكل أقل، لكن هذه القضية ناتجة عن سوء تفسير للدين. «تركوا أكواخهم وحلوا في المزارات. بإذعان تام استقبلوا صرخات الزوار أن اخرجوا من هذا المكان المقدس ولا تنجسوه.» (نفسه: 75)؛ لأنهم أولاد مريم خضير " الزانية" الذين تخلى عنهم جميع من في القرية حتى أهل الوالدين وهذا ماجعلهم بلا مأوى يجوبون الجبال والسهول بحثا عن طعام ولباس، فهم نجسون غير لائقين بدخول الأمكنة المقدسة. ينتقد الكاتب هذا الأمر عند أفراد المجتمع الذين ينطقون العربية والقرآن الكريم هو كتابهم المقدس ومع ذلك اعتادوا على تفسير القرآن وفقًا لظروفهم الخاصة ولمصالحهم الشخصية. لعل هدف الكاتب من وصف الطريقة التي يتم التعامل بها مع المرأة خلف ستار الدين هو التنبيه لما قد يسببه هذا التعامل الخاطئ على شخصيتها كفرد وبالتالي تأثيره السلبي على الهوية الثقافية لمجتمع كامل «ومن ثوابت الراهب الرائعة وجه المرأة الجديدة المشرق بالوعي والتحرر، بعيداً عن شرط الحريم بحديه: دنس الجسد العبودية للذكر. وفي الوباء نجد هذا النموذج موزعاً في ثلاث مراتب: مريم وخولة وزهرة. أما مريم فتحررت جسداً وروحاً، فعرفت الخبز والحرية والحب، ولذلك فهي غير آسفة على شيء... ولكن مريم أصبحت مضغة الأفواه، وانتهت رغم تماسكها إلى السقوط والفشل. وأما خولة فتعطل جسدها وتحررت بشرط العمل، لكن ذلك التحرر... انتهى بها هي الأخرى لى السقوط والفشل. نصعد إلى المرتبة العليا مع زهرة... تحررت بامتلاك الوعي الاجتماعي والسياسي وهي لذلك تظل واقفة رغم الكارثة التي حلّت بها.» (حرفوش، 1997م: 137-138) النتيجة اهتم الكاتب بالبعد الديني للهوية الثقافية في المجتمع السوري فاستخدم أساليب عدة في وصف المشاهد والشخصيات لتكون الرواية منصة لعرض الكثير من المعتقدات والسلوكيات الدينية التي تعكس الهوية الثقافية للمجتمع السوري بشكل واقعي في ذلك الوقت وليس مجرد إشارة عابرة إلى هذه المظاهر الدينية. فلقد نوّع الراهب من مصادر الدين لخدمة النص الأدبي في ايصال صورة أقرب لواقع المجتمع السوري في تلك الفترة، فنجد أن مظاهر الدين قد لعبت دورا رئيسيا في الرواية حيث برز هذا البعد من خلال آراء الشخصيات ومواقفها فنرى التناص القرآني والحديث النبوي والدعاء والذكر والنذر والتوسل عند الأضرحة المقدسة والامتحان والعقاب الإلهي والتفسير الشخصي للدين الإسلامي والطقوس الدينية وغيره. رأينا أن جميع الشخصيات في الرواية تدعو الخالق بشكل مباشر أو بواسطة الأولياء، بعضهم يواظب على إقامة الصلاة و قراءة القرآن لكن هناك بعض المعتقدات والسلوكيات المتعارف عليها على أنها مستمدة من الدين الإسلامي كاعتبار الأنثى السبب الوحيد في خطيئة الرجل أو أنها نادراً ماتكون روحها طاهرة أو أنها الوحيدة الملامة عند ارتكاب الفاحشة. تجدر الإشارة إلى أن هذا لا يمكن اعتباره معتقدًا دينيًا. لكنه زج ضمن المعتقدات الدينية أو بما يسمى تشويه الدين. هذا الأمر يضعف شخصة الفرد المحكوم بالمجتمع وبالتالي يضعف الهوية الثقافية للمجتمع. كلما اقتربت الأحداث في الرواية من العالم اليوم، قلّ التدين والاعتقاد الديني والتمسك بالطقوس الدينية للشخصيات مما يؤثر على هويتهم الثقافية سلباً. لذلك، يعد هذا نوع من النقد الضمني أنه في الماضي كان للدين والمعتقدات الدينية مكانة أكبر في حياة الناس، ولكن الآن، مع غزو الثقافة والإعلام الغربي، تضاءل الدين في حياة المسلمين. هذه الرسالة واضحة في رواية الوباء. | ||
مراجع | ||
القرآن الكريم
الأصفهاني، الراغب. (1404ق). المفردات في غريب القرآن. ایران: نشر کتاب.
الجابري، محمد عابد. (1998م). «العولمة والهوية الثقافية: عشر أطروحات». مجلة فكر ونقد الالكترونية. العدد6. المغرب العربي: . http://www.aljabriabed.net/n06_01jab_awlama.htm
الراهب، هاني. (1981م). الوباء. بيروت: منشورات دار الآداب.
الزين، حمزة أحمد. (2009م). صحاح الأحاديث فيما اتفق عليه أهل الحديث. بيروت: دار الكتب العلمية.
السقا، فاديا أحمد. (2005م). جماليات المكان في روايات هاني الراهب. رسالة ماجستير، جامعة البعث، كلية الآداب، إشراف الدكتور جودت ابراهيم.
السمالوطي، نبيل محمد توفيق. (1981م). الدين والبناء العائلي. جدة: دار الشرق.
أمين، جلال. (2009م). العولمة. القاهرة: دار الشروق.
بن ذريل، عدنان. (2000م). النص والأسلوبية بين النظرية والتطبيق. اتحاد الكتاب العرب.
تقويان، عباس. (1387ش). «تفسیر به رأی؛ چیستی وچرایی». مطالعات قرآن وحدیث. سال1. شماره2. صص68-53
حرفوش،سلمان. (1997م). «قراءات في الرواية السورية: الراهب و... الوباء». المعرفة. السنة 35. العدد 400. صص 140-114
عطية، محمد عبد الرؤوف. (2009م). التعليم وأزمة الهوية الثقافية. القاهرة: مؤسسة طيبة.
كاظم، ثائر رحيم. (2009م). «العولمة والمواطنة والهوية». مجلة جامعة القادسية في الآداب والعلوم التربوية. العدد1. المجلد 8. صص 272-253
مؤنس، حسين. (1978م). الحضارة: دراسة في أصول وعوامل قيامها وتطورها. الكويت: عالم المعرفة.
نصري، قدير. (1387ش). مبانى هويت ايرانى. تهران: تمدن ايران.
Bierstedt, Robert. (1957). The Social Order: An Introduction to Sociology. New York: McGraw Hill | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,284 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 336 |