تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,625 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,440,605 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,459,853 |
الميتاروائي ومؤشراته في رواية "لعبة النسيان" لمحمد برادة (دراسة سردية نقدية) | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
دوره 11، شماره 43، آذر 2021، صفحه 37-60 اصل مقاله (239.79 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسنده | ||
شهرام دلشاد* | ||
مدرس محاضر في قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة جيلان، جیلان، إيران | ||
چکیده | ||
الميتاروائي يعد نسقاً سردياً جديداً يعتمد علی الثنائيات والتناقضات وهو يدمر الاعتماد الذي شكل لدی المتلقي لقبول الوقائع والأحداث والتماهي بالشخصيات والذوات. هذا النوع السردي يتعارض النمط السائد ويريد تحطيم البنيات والصيغ المألوفة التقليدية. يقوم الروائي عبر توظيف السرد الميتاقصي باستخدام عدة الآليات والمؤشرات التي يُخلقّ خلالها النظم الروائي والمنطقية في السرد، كاحتكاك العالم المتخيل بالواقع، وتمازج الرواية بالنقد، والاعتراف بصناعية الرواية عبر دخول الروائي المباشر في السرد، وانعكاس السيرة الذاتية للكاتب وثفافته في النص الروائي. هذه المقالة تستهدف خلال استخدام المنهج الوصفي – التحليلي، الکشف عن خصائص هذه التقنية السردية الهامة وکيفية استخدامها في النص السردي الحديث معتمدة علی رواية "لعبة النسيان" للروائي والناقد المغربي الكبير، محمد برادة، الذي وظّف في روایته الإبداعية خصائص هذه التقنية الغربية الحديثة، عنايةً إلی إشرافه علی الإنجازات النقدية الجديدة. وقد تخلصت النتيجة أن الروائي أسّس روايته علی أساس الشكل الميتاروائي الجديد واستخدم خلالها عدة مؤشرات خاصة بهذه التقنية کامتزاج الواقعي بالخيال عبر الاهتمام إلی ومضات من حياته الواقعية وجعلها بين دفتي سرد الأحداث الخيالية، کما قام إلی امتزاج بين الإبداع والنقد عبر ذکر ملاحظات نقدية کثيرة في ثنايا روايته تحدد خصائصها السردية والتعبرية. | ||
کلیدواژهها | ||
الميتاروائي؛ محمد برادة؛ الرواية الجديدة؛ تحطيم السرد؛ تداخل الخيال والواقع | ||
اصل مقاله | ||
توظيف التقنيات الجديدة التي تواکب العصر في الرواية العربية، تدل علی تطور الرواية العربية وتزامنها بالمسارات الجديدة وحيويتها وخضوعها تجاه التيارات والآراء الجديدة. حسب هذا المناخ المنفتح، استخدمت الرواية العربية جميع التقنيات والأساليب واستفادت من جميع انجازات الرواية الجديدة والفنون البصرية والسمعية والعلوم الإنسانية والطبيعية وأصبحت نوعاً أدبياً رجراجاً التقت فيها عدة الفنون والعلوم. الميتارروائي أو الميتاقص (Metafiction) أحد من التقنيات المتعددة التي فرضت نفسها علی الرواية العربية بعدما راجت وصارت تلک التقنيات، سائدة في الرواية الغربية. الميتاسردي يعتبر من أحدث الأشكال والتجليات في الرواية الجديدة فهو ظهر في العديد من الروايات العالمية في العقدين الأخيرين من القرن العشرين. الرواية العربية تتأثر بدورها عن هذا النسق السردي الجديد کما اعتنقت الأساليب السردية الأخری. وقد بدأت فترة جديدة في تاريخ تطورها في الثمانيات والتسعينات وهي تسمتر حتي الآن، نظراً إلی التحولات الکبيرة التي حدثت في صعيد التکنولوجيا والارتباطات والعلاقات الدولية والثقافية. حيث تواكب هي نفسها بالمسارات النقدية والتحولات والمتطلبات السردية الحديثة وتفرض نفسها علی تلك التقنيات والمعايير وما تخلفت علی الحركة الروائية العالمية الجديدة. والمعلوم أن الرواية العربية كإحدی الروايات المتطورة والمتقدمة استخدمت معايير هذه التقنية. بما «لم تعش الرواية العربية الجديدة بمنأی عن تحولات المجتمع العربي، أو عن التحولات الفنية التي يعرفها تطور الكتابة الروائية. إنها منذ أواخر الستينات وهي تنبني نوعا ادبیا طليعياً يغتني دائما بالأسماء الجديدة والتجارب الحيّة في مختلف البلاد العربية. وهذا الوضع جلعنا أمام وجود ظواهر وتجارب متميّزة، ولعل البعد الميتاروائي واحد من تلك الأبعاد التي بدأت الرواية العربية الجديدة توظفها.» (يقطين، 2010م: 174) علی صعيد النقد السردي يجب أن نقف تجاه هذه الظاهرات والأبعاد ونقوم بتحليلها والکشف عن خصائصها وأرضياتها، لنعرف الرواية العربية الجديدة تعريقاً دقيقاً شاملاً والميتاروائي أهم من القضايا التي تم استخدامها في العديد من الروايات العربية منذ بداية التيار مابعدالحداثة، لکن لم نجد مواکبة النقد السردي مع هذه التيارات الإبداعية السردية. إذن هذه المقالة، نظراً إلی هذا الانقطاع عن المسار الروائي الجديد، تتوخی إلی الدراسة الشاملة والفضفاضة عن الميتاروائي والكشف عن أهم آلياته ومؤشراته معتمدة علی رواية "لعبة النسيان"، لمحمد برادة بالشرح والتفصيل والتدقيق.
أسئلة البحث هذه الدراسة تقصد الإجابة عن السؤالين التاليين:
فرضيات البحث
سوابق البحث نجد دراسات کثيرة في الآونة الأخيرة حول الميتاقص في الجامعات العربية والغربية، لکن في جامعاتنا مايزال لمينبئ الباحثون عن أهمية هذه المؤشرة في صياغة الرواية الجديدة ونجد محاولات ضئيلة حول هذه التقنية. أما الدراسات الهامة حول الميتاقص في الرواية هي علی التوالي: مقالة الخزعلی (2011م)، الميتاقص وسرد ما بعد الحداثة (دراسة تطبيقية في رواية الحياة هي في مكان اّخر لميلان كونديرا)، قام هذا البحث بدراسة ظاهرة المتياقص في الرواية المذکورة للكاتب التشيكي ميلان كونديرا، حيث يسود أسلوب الميتاقص في هذا العمل. ومقالة أبوبکر النية (2020م)، «من القص إلى الميتاقص: نحو وعي الرواية لذاتها»، قامت الدراسة الإحاطة بالأطر النظرية والمرجعيات الفلسفية والتجارب الجمالية التي دفعت السرد المعاصر نحو وعي ذاته، والابتعاد عن الغايات التقليدية التي كانت تهدف إليها الرواية، وهي تمثيل ووعي العالم وعيا مطلقا. ومقالة لنفس الکاتب (2019م)، الميتاقص وتجريب الكتابة الساردة لذاتها في رواية "غرفة الذكريات" لبشير مفتي أنموذجا. حاولت هذه الدراسة رصد الأساليب المتنوعة التي تأخذها تقنية الميتاقص في النصوص الروائية المختلفة، باعتبارها تقنية سردية ما بعد حداثية طرحت تشكيلات جديدة لكتابة السرد ونقده، مستندة إلى منطلقات فلسفية عديدة ساهمت في بلورة الصورة السردية للميتاقص بوصفه آراء نقدية واعية عن الكتابة أو روايةً عن الرواية وکذلک مقالة بوبکر النبية ومشري بن خليفة (2019م)، «الميتاقص في الرواية الجزائرية المعاصرة رواية الحالم لسمير قسيمي نموذجا». هذه الدراسة بحث حول الميتاقص بوصفه تقنية سردية أشارت إليها الرواية الجديدة ونظّرت لها رواية مابعد الحداثة نجد لها حضوراً في الرواية الجزائرية المعاصرة مع مؤشرات التجريب الروائي المتواصلة التي يقودها الروائيون، مثلما هو الحال في روايته «الحالم» ل«سمير قسيمي» التي تبدو رواية ميتاقصية.أ لکن الجديد في هذه المقالة أنها تناولت رواية أخری ذات أهمية کبری في السرد الميتاروائي العربي الحديث، بما هو نتاج الروائي والناقد المغاربي العملاق أي محمد برادة وتتحدث عن مؤشرات السرد الميتاقصي في إطار جديد شامل بصورة مباشرة واعية. تعريف الميتاروائي وأبعاده وُظّفت تقنية الميتاقص بأشكالها المتنوعة والمختلفة في الرواية الجديدة وتسرّبت من الرواية الغربية إلی الرواية العربية كسائر التقنيات والأساليب التي تتأثرت فيها الرواية العربية من النماذج الغربية. يجدر الذکر أن «خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين ظهر في التجربة الروائية الأنجلوـ أمريكية اتجاهٌ ارتبط بالحداثة التي أرسيت أهم دعائهما في الرواية الجديدة. عُرف هذا الاتجاه عند الدارسين والنقاد بتيّار ما بعد الحداثة ويبرز من خلال أعمال روائيين مثل جون بارث وب.س جونسون ورايموند فيدرمان وسواهم. إن روايات هؤلاء الكتاب تتجلی في كونها تقدم فهماً جديداً ومختلفاً عن طرائق إنتاج الخطاب الروائي. سواء علی مستوی القصة أو الخطاب. لكن أهم سمة يتميّز بها، وهي التي تهمنا هنا لصلتها بموضوعنا، هي أن الإنتاج الروائي يتم مرتبطاً بالوعي به. والمقصود بذلك، كما تحدد ذلك باتريس "وُوو"، أن الحد الأدنی المشترك بين هؤلاء الروائيين يمكن في كون الكاتب في الوقت الذي يبدع عالماً متخيلاً، يقدم إفادات وتصريحات حول إبداع ذلك العالم المتخيل. إن المسارين معاً في تآزرهما، ضمن الإبداع الروائي، يكسران التمييز القائم بين الإبداع والنقد.» (يقطين، 2010م: 173) السرد الميتاقصي يتكوّن من عدة المؤشرات والآليات الجديدة التي تختلف عمّا تعوّدنا به والرواية الجديدة قد اتخذتها للتجريب الروائي، ويطرق الروائي المناحي النابضة، منها بما أننا نجد في الرواية الميتاقصية انعكاس الوعي الذاتي للروائي كما تداخل النقد والمناصات السردية يعد أحد الملامح الهامة الكبري في هذه الرواية. يقول "حمد"، الباحث الروائي، حول هذه القضية، «يعنی الميتاقص نوعاً من النصوص القصصية يقوم بالوعي الذاتي، بشكل منتظم، بالإحالة إلی مكانتها كصنعة أدبية، من أجل طرح أسئلة حول العلاقة القائمة والواقع. فهو انعكاس ذاتي للكاتب الذي تقمّص دور الناقد، في نصوص قصصية تحيل إلی وضعيتها القصّية وإجراءاتها التعبيرية. هو نص نقدي داخل سياق قصصي. يموضع نفسه علی الحد الفاصل بين القص والنقد، متخذاً من هذا الحد الفاصل موضوعاً له.» (حمد، 2011م: 9) إذن السارد القديم، الذي كان يسعي سعياً دؤوبا، ليخيل الثقة أن ما يصنعه الروائي، هو فعلاً حقيقاً يحاكی عمّا حدث نصب أعيننا، لكن في هذه النوعية السردية الجديد، السارد عبر دخوله في النص السردي وكتابة الملاحظات النقدية، يعترف إلی صناعية العملية الروائية وقيامها علی أساس الخيالات. إذن «إن الميتاقص بصفته ممارسة روائية للنقد، يتفرّع إلی مجالات عدة. منها اشتغال الروائي بالنقد عامة، شأنه شأن الناقد. واشتغال الروائي بنقد شغله الروائي، أو ما يتخاطب مع هذا الشغل من النقد، وكل ذلك خارج شغله الروائي واشتغال الروائي بالنقد علی نفسها، أو علی غيرها أو عليهما معا.» (سليمان، 1994م: 41) كما هي امتازت بالصور والملامح الأخری، وفي كل حال، يشعر المتلقي حضور الكاتب في الرواية، ليحطم الروائي الحائط بين الواقع والمتخيّل ويمتزج بين عوالمهما. السمة الميتاروائية «تهيمن في كتابات جيل من الروائيين يستشعر أكثر من غيره فداحة أزمة المجتمع. فالعصر يتسم بعدم الإطمئنان وعدم الإستقرار والأمن والشك في كل شيء. تأتي الرواية مع هؤلاء لتعكس روح هذا العصر من خلال روح جديدة. وذلك عن طريق تكسير القيم والرؤی التقليدية التي ظلت الرواية التقليدية تحملها وتدافع عنها. لذلك كانت الثورة علی القيم الروائية السائدة ثورة علی العصر أيضاً. تذهب «باتريسا، وُوو» إلی تحمل علی هذه الخاصية بالميتارواية، وفي دراستها التي خصصتها لهذا النوع تقوم بتحليل متن روائي هائل من جوانب متعددة، ليست الخاصية التي أومانا إليها إلی المحور الأساس.» (يقطين، 2010م: 174) إذن هو ليس أسلوباً سردياً غير مرتبط بالمجتمع، أو صناعة الروائيين المبتعدین عن الظروف الاجتماعية، بل هي وليدة العصر كسائر الأنساق السردية التجريبية. «لم يأت الميتاقص من فراغ، وإنما هو انعكاس لفلسفة عالمية ارتبطت بالحداثة ومابعد الحداثة. فالأدب ليس بمعزل عن الواقع، وإنما هو تعبير ثقافي وفني تنصهر فيه رؤية الإنسان المبدع للوجود، وتتماهي معه، تصبح أنماط التفكير أنماط التعبير، ويصبح الأدب سجلاً للثورة علی الواقع.» (حمد، 2011م: 14) حول هذه القضية يری إيهاب حسن «أن فترة ما بعد الحداثة تعني جملة من الانقلابات وكسر المرجعيات الثورة علی المألوف. ومن سماتها اللاتوجه أو الأحری ملازمة اللاتوجه. أي الإشارة المعقدة التي تساعد هذه المفاهيم علی تقلبها وتدويرها: الالتباس والانقطاع، هرطقة الخروج علی المألوف، التعددية، العشوائية، التمرد، الشذوذ، التحويل التشويهي.» (صالح، 2001م: 275) إذن جاءت الرواية الميتاقصية تلبية لحاجات المعاصرة؛ فهي مواصلة لمفهوم اللارواية التي كانت بدأت في النصف الثاني من القرن العشرين ودعت إلی دينامية النص الروائي وحيوته وخلق الأنساق والأساليب الجديدة التي تهدف إلی تحقيق التحطيم والإبداع والحداثة علی صعيد السرد العربي. نبذة عن الروائي والرواية أديب وناقد ومترجم مغربي، كتب القصة والرواية، وله حضور مهم في العالم العربي وفي أوروبا، اشتغل بالسياسة قبل أن يتفرغ للعمل الأدبي والنقدي. المولد والنشأة. ولد محمد برادة يوم 14 مايو/أيار 1938 في الرباط بالمغرب. بدأ الكتابة في سن مبكرة (18عاما) ونشر أول قصة له بعنوان "المعطف البالي" في جريدة "العلم" المغربية عام 1957، لينطلق في مشوار الكتابة وينشر أعماله في صحف ومجلات عديدة. کتب برادة الأعمال الأدبية العديدة التي ترجم بعضها للغات أجنبية، منها مجموعة قصصية بعنوان "سلخ الجلد" عام 1979، "لغة الطفولة والحلم: قراءة في ذاكرة القصة المغربية" عام 1986، رواية "لعبة النسيان" عام 1992، رواية "الضوء الهارب" عام 1994، ورواية "حيوات متجاورة" عام 2009. وقد ترجم العديد من مؤلفاته إلى لغات أجنبية. (عبدالمنعم، 2018: www.almrsal.com) رواية لعبة النسيان، من أهم الروايات العربية، تحتل المکان الستة والأربعين بين قائمة أفضل مئة رواية عربية؛ ألفّها محمد برادة، الناقد العربي الکبير ونشرت عام 1987م. هي رواية بسيطة متناسبة للمراهقين تتمتع من التقنيات السردية الهامة کتعدد الأصوات والميتاقص. يسرد برادة في هذه الرواية قصة نسيان الآلام والأوجاع وهي تدور حول شخصية مسماة بالهادي. هو فقد أمه الغالي في طفولته وکذلك فقد حبيبته في أوان شبابه وإذن تجرب لحظيتين مرکزتين هامتين مأساوتين تأثرتا في حياته تأثيراً بالغاً. أجل ذلك هو مردد بين حالة النسيان والإستحضار. تجري حياته بين نسيانهما مرة واستحضارهما عبر الذکريات مرة أخری. تحليل عملية الميتاروائي من هنا نحاول تحليل عملية تشکيل الميتاقص، في رواية "لعبة النسيان" لمحمد برادة علی أساس أربعة المؤشرات الميتاقصية التالية:
أولاً: تداخل الرواية والنقد قضية تداخل الرواية والنقد من المواصفات التي نقصد أن نحلل الرواية الميتاقصية علی أساسها، فهي من أهم المؤشرات وأكثرها تجلياً. الروائي يقوم بتقديم بعض الومضات النقدية في طيّات الرواية لتأطير روايته ونقدها وتقييمها قبل أن يقوم بها الناقدون والمقيّمون؛ الکاتب يتبين شاكلة النص الروائي وخصائصه الهامة ويحاول علی تبيين إطار النص الروائي ومميزاته البنيوية والدلالية؛ لأن «الميتاقص كتابة واعية لذاتها، تجعل من الكتابة والقص ومواضعات التعبير موضوعًا لها داخل العمل القصصي. هي كتابة نقدية في سياق قصصي، تجعل النقد والقص في علاقة حوارية، تعكس إشكاليات العلاقة بين الكاتب وعمله، وبين الأدب والواقع، وتشير إلى خلط الأدوار بين سلطة الكاتب وسلطة الناقد، في عصر ما بعد الحداثة، وقد أصبحت الألوان الأدبية متداخلة فيما بينها، وأضحت القراءات التأويلية للعمل مشروعًا اجتهاديًا، ألغى قصدية الكاتب، وجعل النص في مصاف القداسة، وأصبح فعل الكتابة بعيدا عن فعل القراءة.» (حمد، 2006: 12) إذن في الرواية الميتاقصية يلعب الراوي في بعض الأحيان دور الناقد الذي يكتب ملاحظات نقدية حول كيفية القص، حدوده وعناصره وخصائصه. الروائي في السرد الميتاقصي يبذل جهوداً مضنية ليحدد خصائص سرده ومواصفات عناصر الحكي كالشخصية والحدث والمضمون. نجد تداخل رواية "لعبة النسيان" والنقد بوضوح، الروائي إضافة إلی المقدمة التمهيدية والختام جاء بالعديد من الإضاءات والتعتيمات والآراء النقدية الأخری بين دفتي نصه. وإن يكتف الروائيون علی صناعية الشخصيات والنص السردي حسب الإشارات العابرة والوجيزة، لكن محمد برادة وسّع الإشارات المربوطة في رواية "لعبة النسيان" اتساعاً كبيرا حتی لايمكن التغاضي عنها وإهمالها وهذا يدل بجلاء علی اتساع توظيف الميتاقص وأشكاله في الرواية. في هذا السياق جعل عناوين خاصة المسماة بـ"الإضاءة" و"التعتيم" و"قال راوي الرواة" بعد سرد كل الفصول، يشرح فيها طريقته الروائية وكل ما حدث له طوال السرد، كما تشمل تلك العناوين، علی بعض الملاحظات النقدية. فالروائي من بداية النص حتی نهايته يشير إلی خصائص النص السردي والشخصيات وسائر الوحدات والركائز السردية الكبری بواسطة ومضات نقدية كثيرة. والمعلوم أن «ورود الكاتب إلی عالم الرواية التخييلي يعد أحد الملامح الميتاقصية في الرواية.» (باینده، 1394ش: 361) ولاحرج لمحمد برادة أن يدخل في العالم السردي للرواية ويلقي نبراته النقدية في طيّاتها. يمكن ملاحظة التعليقات النقدية للروائي في النص بصورتين: المباشرة وغير المباشرة. أواجه هذه التعليقات بواسطة الراوي أول مرة في العنوان وسيمائيته. لأننا عبر تحليل العنوان وإختياره بواسطة الروائي تظهر ومضة نقدية خاصة ومتميزة للروائي. الواضح أن «العنوان يحمل دلالات نقدية كثيرة.» (أشبهون، 2013: 19) عنوان رواية لعبة النسيان، عنوان ميتاقصي دلالي وتأويلي اختاره الروائي ليعلن عبره بعض الظواهر الروائية للنص. رواية "لعبة النسيان" تقص استعادة الذكريات والأحلام والأوهام الماضية، التي مرتبطة بأيام الطفولة والمراهقة. طفولة الراوي أو الروائي أو الشخصية الروائية؛ فهذه العناصر كما نجد في المستقبل تتزامن وتتورط وتتداخل معاً ولايمكن تفكيك الراوي من الروائي والشخصية. العنوان يبين ضوءاً من أضواء هذه الذكريات، ذكريات الطفولة المنسية التي علی رغم نسيانها، تصاحب الروائي دائماً ولاتتركه؛ الروائي عبر التشكيل الميتاقصي وضّح هذا العنوان إلی حد ما وهو يقول: «وليبدأ الخيال في نسج ماهو كامن في اللاشعور وفي الذاكرة الغافية. هكذا انطلقتُ في كتابة لعبة النسيان وكأنني أمارس لعبةً، لكنها لعبة قادتني إلی أجواء ومناطق تختلط فيها الإبتسامة بالألم والسخرية بالمرارة.» (برادة، 2003: 3) إذن اختيار هذا العنوان يحمل في طّياته أضواء نقدية مترابطة بالنص والروائي يتبين ويفسّر منحی النص وأسلوبه عبر صياغة العنوان المتلائمة بالنص. هذا يعتبر بعداً ميتاقصياً اهتم به الروائي. لأن ترابط العنوان مع النص ومحتوياته أكثر ارتباطاً والتحاماً في السرد الميتاقصي والروائي في هذه الطريقة السردية يحمل علی نفسه أن يختار العناوين المضيئة والمستكشفة عن نوايا النص، بعبارة أخری هو يعتبر دلالة ونقداً لكل ما جاء بها الروائي في النص السردي. بعد العنوان هناك تضاعيف وعتبات أخری ستوضّح مسيرة النص الروائي وإطاره النقدي. من أهمها مقدمة الكاتب ـ وفي النسخة التي لدينا ـ نجد هذه المقدمة مقدمة للطبعة الثالثة؛ فيها ينطق الروائي بأقوال نقدية تفسّر بعض الخصائص المرتبطة بالنص. علی سبيل المثال يحدد جمهور الرواية ومتلقيها، بما أنها الرواية ألفت للطلاب السنة الثانية الثانوية (المصدر نفسه: 3) بهذا التحديد، يحدد قراء النص وزاويته وصياغته، فهي رواية يحظيها الطلاب في الثانوية وعلی وجه التحديد طلاب السنة الثانية في الثانوية. فهي ألّفت لهم وتحافظ علی أذواقهم ورغباتهم وآمالهم وتروي أحداث تتناسب هذه الطبقة. وكذلك عدم توظيف الكلمات الغامضة التي کانت الحصول علی معانيها صعبة، من المواصفات الموجودة التي تستحق الإهتمام في دراسة النص السردي والروائي حافظ علی هذا الأطر. كما يبرز برادة بعدها ماهية الرواية وشكلها وحدودها وعملية النص حيث يقول:«لم يكن يهمّنی، حيت كتبتُ لعبة النسيان، أن أؤرخ أو أن أتذكر، وإنما كنت أوهم النفس أن الكتابة تتيح الإقتراب من أعماق الزمن ومتاهاته كما تتيح التأمل فيما عشناه متشابكاً، متداخلاً، غائم القسمات.» (المصدر نفسه: 4) هذه الفقرة القصيرة ترشد القارئ كثير الإرشاد، ويقول لنا أن الرواية ليست تاريخية وإن تشبهه كما هي ليست مذكرة أو كتابة تذكارية لتسير علی نسقها، بل الرواي يسعی في هذه العملية السردية أن يرصدَ متاهات الزمن، فهي يعتبر حديثاً عن الزمن الضائع والمفقود. الزمن الذي ضاع لكن حاضر في مخيّلة الروائي؛ فهو يسعی استعادة هذا الزمن بسرد الفضاءات السردية التي تتلعق بمدينته وحياته في الطفولة عبر شخصية المحورية التي تواجه بالمأسات الكثيرة طوال حياته. في مواصلة البحث، نجد قام الروائي بتعليق آخر لتبيين الشكل الروائي؛ نحن حينما نقرأ الرواية نواجه بالفصول والأقسام غير مترابطة. الرواية التي خرجت عن المألوف وتقوم علی الانزياحية والإبداع. لكن الروائي قبل أن نكتشف نحن كالقراء، هذه الميزة، يقول لنا أن الرواية تتمتع من الشكل المتشابك والمتداخل والغائم ويفسّر لنا الشكل الحداثي للرواية قبل أن نحن نتربك ونذهل طوال قرائتنا، أو نصل إلی هذه الصياغة الجديدة بعد الدراسة، بل برادة حدد الإطار الروائي وصياغته وخصائصه عبر الملاحظات النقدية الكثيرة التي جاء بها فهو يعتمد علی تداخل الرواية والنقد بعد لجوئه إلی السرد الميتاقصي في إنشاء روايته. الروائي بواسطة النبرات النقدية المتعددة في مستوی النص الروائي يزوّدنا بمعلومات كلية حول كيفية حكاية النص، صناعية النص السردي والشخصيات الروائية، وكذلك سيرورة الكتابة ومسيرتها عبر إضافات نقدية المسماة بالإضاءة والمشروع والتعتيم في حين يشمل بعض صفحات روايته علی خطة البحث وتميل نحو الكتابات النقدية بدل أن تكون رواية تسرد عبرها الحدث. الروائي بدأ روايته بمشروعين: «مشروع بداية أول، مشروع بداية ثان.» (برادة، 2003م: 5) عبر هذين المشروعين أتی الروائي بلقطتين سرديتين لاتشبهان البداية السردية بل تماثلان الدعابات والعرضيات الترويجية Trailer promotion)) التي أتي بها الروائي كمخرجي الأفلام والبرامج السينمائية الذين يقدمون عبرها بعض اللقطات الهامة للفلم قبل العرض العمومي. علی سبيل المثال يقول في اللقطة الأولی: «منذ الآن لن أراها، قلتُ في نفسي وهم يضعون جسمها الصغير المكفّن داخل حفرة القبر ويهيلون عليها التراب، أصوات الفقيه ترتفع فجأة عن سابق مستواها لتصاحب العملية الأخيرة: تبارك الذي بيده الملك وهو علی كل شيء قدير... .» (المصدر نفسه: 5) تم التقاط هذه الومضة القصيرة من ذورة الأحداث القصصية التي رویت خلال الرواية، لكن يبتدأ بها الروائي وقدمّها علی كل العملية السردية المنجزة علی طريقة الرواية الميتاقصية ليرسم عبرها مستقبل الرواية و ليتضح ذورة أحداث الرواية حتی يدفعنا ويشجّعنا إلی قراءة نص الرواية بأكملها. لاتقف المواقف النقدية للروائي تجاه النص السردي المنجز من خلال عنوان والعتبات الأولی والمقدمة وإلخ بل الروائي استمر مواقفه النقدية في العملية السردية المنجزة خلال صلب الرواية وبين دفتيها بصورة متناثرة ومتنوعة. الروائي عبر استخدام عنوان ميتاقصي "قال راوي الرواة"، في بداية الفصول والأقسام، يذكر كيفية تقديم الحكاية السردية وإطارها في ثنايا النص، أي مكان يمكن وأي فضاء يجدر أن يعرض فيه الروائي. هذا العنوان الموجود في التراث القَصَصي عاد استخدامه في النص السردي الحدیث خلال الأشكال الميتاقصية، علی سبيل المثال يقول في إحدی ومضاته النقدية هكذا: «كيف نحكي، هذا هوالسوال القديم الجديد، كيف أنا راوي الرواة، أجل رواتي يحكون انطلاقاً من تجارب خاصة وأحداث عامة، واعتماداً علی ما هو معتبر هاماً أو فاقداً للدلالة. كيف أجعلهم يحكون عن فضاء وزمان انتهیا، أو الأحری، يبدو أنهما انتهیا، داخل فضاء وزمان لاينتهيان، داخل زمان سرمدي في حركته وتدفقه؟» (المصدر نفسه: 45) يقول يقطين في تحلیله حول هذه الفقرة في كتابه قضايا الرواية العربية، «حين يطرح الميتاروائي سؤال: كيف نحكي، يكون يتخذ موقفاً وضحاً من الحكي المنجز داخل الرواية وفي غيرها. وبالتالي تتحدد أسئلة فرعية تتعلق بمختلف العلاقات التي تشكل عالم النص السردي (الزمان، والمكان، والشخصيات...) الواقع والواقعية وما شاكل هذا من القضايا التي لاتزال تشغل بال الدارسين والباحثين. وحين تصبح مثل هذه المشاكل من صلب الانجاز الروائي، وتتم من داخل الكتابة الروائية تبرز أمانا بجلاء خصوصة الميتاروائي بإعتباره بنية تدخل الرواية المغربية الجديدة.» (يقطين، 2010: 203) إذن الروائي عبر هذه الخصوصية النقدية يقوم بتبيين كيفية سرده وكيفية حكايته لدی المتلقي. وهو في السرد الميتاقصي يقوم بمحاولات عديدة لتحديد صياغة النص السردي وخصائصه الأساسية. برادة وظّف ظاهرة حديثة في الرواية الجديدة قد اهتم بها بعد تحطيم الحاجز الناصب بين الواقع والخيال وعصی عن الطرائق السردية المسلمة التقليدية التي يحذر فيها الروائي من التدخلات النقدية كثير التحذير. الاعتراف بصناعية الرواية المقاطع النصية تحت عنوان" قال راوي الرواة" من أهم المقاطع الروائية التي تتشكل بنية ميتاقصية لرواية "لعبة النسيان"، لأن فيها إضافة علی النبرات النقدية المتعددة، تبيين مسيرة الحكي وصناعية الرواية والأحداث والشخصيات والأحداث الروائية. يمكن اعتبار"راوي الرواة" في هذه المقاطع هو نفس الروائي أي محمد برادة الذي ظهر في النص عبر هذه التقنية السردية، فهو بهذه الوسيلة يدخل في العالم السردي ويقوم بكتابة تعليقات حول ما يكتب ويسرد. وإن لم يكن روائياً، لانشك أنه يعد راوياً أساساً في الراوية أعلی مرتبة من الرواة الوسطاء الذين يظهرون في الرواية وله علاقة وثيقة بالكاتب ولايتجازو علمه وأسلوبه عن أسلوب الكاتب وعلمه؛ كما يقول: «لعلني تسرعتُ في الإفضاء بتأملاتي هذه حول ما حكاه لنا رُواة هذا الفصل. وقد لايكون ذلك هو ما قصد إليه الكاتب، لأن التعليقات التي أثبتها علی الهوامش؛ تلح كثيراً علی أن الزمان لايوقّر أحداً وأنه غير مطمئن إلی الطريقة التي تصوّر بها علاقة الطايع بالهادي.» (برادة 2003م: 80) إذن هذه المقاطع والبنود تحت عنوان قال "راوي الرواة"، تحتوي في طيّاتها علی معلومات هامة حول النص الروائي بجلاء، الروائي عبر هذه التقنية النابضة لكن المتجذرة في التراث السردي، يظهر في بداية الفصول وخواتمها يقوم بتجميع ما سرد حتی الآن ونقده وتقييمه، كما يظهر في بداية الفصول ليوجّه المتلقي ماذا سيحدث وسيروي في هذا الفصل. هذا الراوي، هو ممثل الكاتب، الذي يطبق آراوه في النص وتمهّد المقاطع حضور الروائي في النص. ثم يظهر الكاتب بالبلاغ ليحدد أطر الرواية ومواصفاتها. «الأولی، عبارة عن بلاغ نقله الكاتب من صحيفة أو مذياع، أو لعلّه حاكی فيه ما كان شائعاً ـ وربما ما يزال. من خطب وبلاغات كانت تُنشَرُ علی الناس خلال العشرين سنة التي يشير إليها، وغالب الظن أنه بلاغ صدر عن حكام الوقت.» (المصدر نفسه: 83) عبر دخول الروائي في السرد، وتمهيد أرضية الاعتراف بصناعية الرواية، نجد أن الروائي تورّط بالشخصيات أو أيضاً بالرواة الداخلية ويعرض خلالها وجه آخر لسيرة الذاتية للكاتب وأسلوبه «لم يكن الأمر هيناً في هذا الفصل، ساء العلاقة بيني وبين المؤلف إلی حد القطيعة والتخلي عن التعاون والتنسيق، ولولا وسطاء الخير، لكان الذي يتحدث إليكم مباشرة الآن، هو المؤلف مواجهاً معضلات السرد والترتيب وتوزيع الكلام.» (المصدر نفسه: 119) الأمر يصل إلی ذروته حينما يتبادل الراوي والمؤلف كلاماً، حينما نجد الصيغ القولية الشهيرة مثلما نجد في المسرحيات أو الأشعار القَصصية تبنی علی أساس: قال، قلتُ وإلخ: «لاداعي لأن نجزئ الزمن إلی الزمنين،...قال المؤلف مفهوم وقريب من البديهي ما تقول.» (المصدر نفسه: 119ـ 120) هكذا يجب أن نعترف بحضور المؤلف في النص الروائي حضوراً جلياً مباشراً. لكن إذا تأملنا في هذه الأقوال المتواردة والمتبادلة بين الراوي والمؤلف نجد أنها لاتتجاوز علی المواقف النقدية التي يجادل حولها الرواي المؤلف ليصلان إلی الطريقة يبنيان عليها الرواية. فهذا ضوء من أضواء النبرات النقدية بواسطة المؤلف. الإضاءات والتعتيمات التي أتی بها الروائي، يعرض وجه آخر تقنيات الرواية مابعد الحداثة والخروج عن النمط السائد واللجوء إلی الطريقة الجديدة الميتاقصية. لأن فيها عبّر الكاتب عن بعض آراءه النقدية ووجهاته الفكرية حول القضايا الأثيرة خاصة القضايا التي بنت عليها الرواية كالموت والحياة. كما تدل هذه علی ورود الكاتب في عالم النص إما وروداً مباشراً أو بواسطة نظراته النقدية المبعثرة تحت هذه المقاطع والبنود. هذان العنوانان يدلان علی المستويتين السرديتين المتمايتزين يأتي بهما الروائي إستجابة علی طريقته الإبداعية والجديدة. في الإضاءة تكشف الروائي جزءاً غامضاً للنص وضّح هو بديلاً عن الرواة الوسطاء ما هو مسروداً حتی الآن. وفي التعتيم فهو لغةً الوقف بعد الحركة والانحباس بعد الحرية، أو معناه الرقابة والكبت في الإخبار الإعلامي. حسب هذا المعنی اللغوي نجد في النص السردي الميتاقصي جاء به الروائي ليعتم السرد وليوقفه علی مساره وحركته ليجمع ما يكون مسروداً ويروي ويسرد ما تأخر وغاب عن السرد. هذه التقنية في رواية "لعبة النسيان" جديدة لمتلاحظ قبلها فهي طريقة جديدة ميتاقصية حيث يخلل الكاتب بواسطته النظم السرمدي للرواية والحركة الأفقية للسرد. الأمر الهام أن في الإضاءة والتعتيم تغیب شخصيات الرواة عن السرد ويسرد راوي الرواة أو الكاتب والروائي الحدث، علی سبيل المثال في الإضاءة الأولی من الرواية نقرأ: «عرفناها فألفاناها. أحببنا وجهها الممتلئ المدوّر، بسمتها الذكية، واهتمامها بالناس، تحب أن تُسعف، تواسي وتصنح، تخاف الزمن أكثر مما تخاف البشر.» (برادة، 2003م: 10) وفي التعتيم الأول يقول: «أقول الآن: الأم، كالموت، وعلی عكس الأب، لايفكرُ فيها إلی خلال الإفتقاد.» (المصدر نفسه: 11) وبهذه الطريقة وعبر هاتين التقنين الجديدتين تستعد أرضية مناسبة للدخول الروائي في النص ليلعب دوراً متمايزاً في الأحداث الروائية يخرجها عن النمط السائد، كما هو دلالة علی صناعية الرواية دلالة مباشرة وتماثل فيديوئات خلف الكواليس في الأفلام والأشرطة السينمائية. لميغفل الروائي حتی في نهاية الرواية وفي غلافه الخلفية، تلك نبراته النقدية التي تفسر منحی الرواية، شكلها وإطارها، فهو في كل حال ملحّ أن يأتي بالتعيلقات والتفسيرات حول الرواية، نقدها وكيفية كتابتها، لأن الروائي يريد أن يزوّدنا بمعلومات كثيرة تفيدنا لفهم الرواية. المعلومات التي ترتبط بماهيّتها وأحداثها وتشجّعنا إلی قرائتها، علی سبيل المثال، هو يقول في البند الأول من صفحة الغلاف حول الرواية: «تسمتدّ لعبة النسيان عناصرها وفضاءاتها وشخصياتها من مرحلتين تاريختين مختلفتين: فاس والرباط، في الأربعينات والخمسينات، ثم بعد الاستقلال وإلی حدود التسعينات. ومعنی ذلك تشخيص التعارض بين مجمع تقليدي منسجم مع قيمة، ومجتمع يعيش بلبلةً التحول عبر التحديث والصراعات السياسية والاجتماعية.» (برادة: غلاف الرواية) كما نجد أن الروائي فسّر ماهية الرواية التاريخية بما هذه الرواية تسمتد مادته من التاريخ ويتغذی منه؛ كما حدد الروائي الحيز الجغرافي المكاني للرواية فهي تسير في مدينتين فاس والرباط. فهذه المعلومات هامة جداً في التعرف الكامل علی الرواية وزمنها وأرضيتها. الرواية بهذه الطرق والوسائط تبعد القارئ عن توهم الواقع وفهو يدري ويفهم صناعية الأحداث وهناك كثير من الأقوال التي تدل علی صناعية الرواية والشخصيات. إذن الروائي بدل أن يستفد من الآليات الإقناعية والخطابية ليخيِّل الراوي الثقة وليوهمها الواقع يتجنب عن هذه الآليات التوثيقية. فيها نجد الاختلاف الجذري بين الرواية الحديثة والنسق الميتاقصي في الرواية الجديدة. «ففي أكثر القصص نجد رؤية الراوي تتطابق مع رؤية الكاتب، وبالتالي فإنّها تتّفق مع رؤية القارئ الحقيقي أو المتخيّل، فالراوي يحكي الواقعة ويريد من القارئ أن يصدّق ما جاء بها حقيقة أو ادّعاءً أو يتمثلها لأنه تسير حسب القوانين التي يسير عليها عالم القصة أو القوانين التي تسير عليها الحياة المعيشة، وإذا اتّفقت رؤية الراوي هذه مع رؤية المؤلف ورؤية القارئ عُدَّ الراوي ثقة وإذالم تتطابق معها عُدّ الراوي غير ثقة أو مدلّساً علی حسب اصطلاح علماء الحديث.» (الكردي، 1996م: 94) لكن في هذه الرواية يحطّم الروائي حائط الثقة والاعتماد، لايحسبها القارئ حوادث واقعية حدثت في المجتمع أو تحدث نماذج منها، لأن الروائي يعترف أن حكاياته صناعية وخيالية؛ هذه هي ما جعلت روايته غير مقنعة، فهو بدل أن يقوم باستخدام آليات متعددة لإيحاء الثقة والاعتماد، يعتمد علی آليات تخلل التوثيقية وتحطیم الإقناع والاعتماد لدی المتلقی.
انعكاس السيرة الذاتية قضية انعكاس الذات في الرواية من القضايا الهامة في الرواية العربية. هذه القضية بعد غيابها في الرواية الحديثة، عادت في الرواية الجديدة مرة أخری وتناثر ضوؤها علی الكثير من الأنساق السردية التجريبية الجديدة. منها السرد الميتاقصي؛ انكعس الذات في الرواية الجديدة الميتاقصية، فالروائي في هذه الرواية خالف السائد المألوف وخرج عن النمط المعروف لأنه اختار طريقة جديدة في سرد روايته. المعلوم أن الرواية الحديثة يمتاز بغياب الشخصية الروائية وموتها، كما يدعي بعضُ الباحثين كرولان بارت وأعلن بموت المؤلف في هذا السياق؛ لكن نجد في الرواية الميتاقصية أنها تتسلخ من جديد ونچد انعكاس الذات خلال إحياء الشخصية في الصعيد السردي الجديد. الروائي بدل من أن يغيب وينحی عن عالم النص، يبرز خلال النص بوضوح ونحن نعاينه في السرد بجلاء وكان حضوره في السرد الميتاقصي، ليس بكامن وصوتها غير خفيّ. هو يکون محوراً في عتبات النص السردي وتضاعيفه ومقاطعه الرئيسية والطارئه ويظهر في البنيات النصية الصغری أو الكبری. «يعني هذا كله أن الخطاب الميتاسردي كتابة نرجسية بامتياز، تقوم على التمركز الذاتي، وسبر أغوار الكتابة الذاتية.» (حمداوي، 2018م: 8) إذن الروائي ينغمس في طيات نصه الروائي بواسطة تعليقات تبيّن أسلوبه في الكتابة، يجدر القول أن «تدخّل السّارد يُمكن أن يكون أحد العوامل التي تُشكّل مستوىً سردياً جديداً، مما يوهم القارئ بأنه يقرأ عن أحداث حقيقية وأناس واقعيين.» (غجاتي، 2015م: 12) هناك كثير من الروايات العربية الجديدة يتجسد فيها الذات بشكل واضح و كبیر علی صعيد النص السردي منها روايات محمد شكري وروايته الخبز الحافي علی وجه الخصوص؛ هذه الروايات الشطارية التي تشتغل الذات تعد روايات ميتاقصية من جهتين أولا: للحضور الروائي في النص حضوراً واضحاً، ثانياً لتداخل الأنواع، أي نوع الرواية والسيرة الذاتية؛ فالتداخل أحد التقنيات والمواصفات الرواية الميتاقصية. (حمد، 2011م: 127) كما سبقنا يمكن اعتبار رواية "لعبة النسيان" من الروايات الميتاقصية بما في الرواية يمكننا أن نلمس البعد الأوتوبيوغرافي – السيري الذاتي- خاصة حول الخصائص الكتابية للكاتب في النص، في طيات النص الروائي وعتباته وتضاعيفه. لكن الروائي لم يتألف روايته علی السيرة الذاتية الكلاسكية التي نجد عند القدماء والعلماء كمعجم الأدباء لياقوت حموي أو في مستهل نشأة الرواية التقليدية في العصر الحديث مثل كتاب "الأيام" لطه حسين. هذه هي ميزة الرواية الجديدة في استلهام معايير القديمية والميثولوجية. فالرواية الجديدة تستخدم عدة معايير من الحكي التقليدي؛ فهو يستخدم تعدد الرواة وتعدد الأصوات من الحكايات الشعبية والأسطورية كما نجد هذه التعددية بوضوح في "كليلة ودمنه" و"ألف ليلة وليلة" وكذلك نجد السرد التراسلي الجديد المتجذر فن الرسائل. برادة في استعارة التقنيات الميتاقصية لمينأی عن الرواية التقليدية فهذه الظاهرة قديمة في التقاليد الشعرية والقصصية العربية أو الشرقية، لكن طريقة استخدام الروائي هذه الأطر والمعايير والتقنيات والمستويات مختلفة تماماً عن الطريقة السائدة التي انتهج به القدماء والعلماء في العصور الماضية. فالروائي يستخدم نفس الأسلوب لكن تمتاز طريقته عن الطريقة المألوفة وتتضافر فيها الإبداعية والابتكار فهي تواكب مع التطورات المعاصرة. إذن محمد برادة هو الذي يساهم في تطوير الرواية العربية بما هو ناقد عملاق يسعی أن يتجسد المعايير النقدية الأروبية الجديدة الانجازات والتقنيات الحداثانية الميتاروائية في الرواية العربية فهو من أول الكتاب والروائيين يكتب حول مشروع الميتاروائي وتجسّد هذا الأسلوب بشكل واضح في الرواية العربية. رواية "لعبة النسيان" تعتبر إعادة التاريخ الماضي للروائي کما تعتبر شرحاً لأيام الطفولة والشباب والمراهقة، الأيام التي كانت منسية لکن يوجد خيط منها في ذاكرة الروائي؛ محمد برادة بهذه الطريقة يريد أن يعيد نفسه في الرواية ويتجلي ذاته عبر النص السردي؛ لأن انشغال الروائي إلی الرواية وعلمه عن التقنيات السردية الحديثة جعلها أن يهتم إلی هذا الجانب في مسيرته الروائية ويعنكس ذاته في الرواية. فهو يشير مباشرة إلی هذه القضية في روايته: «... من ثمّ اللجوء إلی فضاءات الطفولة والمراهقة والشباب بحثاً عن زمن لم يَعُد موجوداً إلی في الذاكرة والحلم وفيما تختزنُهُ الذات الواعية. لأننا تعوّدنا علی النسيان، فإننا لاننتبه كثيراً إلی تغيّر الأشياء من حولنا وإلی تغيّر علاقاتنها ودواتنا.» (برادة، 2003م: 3) إذن الروائي عبّر في إضائته التفصيلية علی الرواية، بمثابة المقدمات التي يكتبها الباحثون في مقدمة كتبهم ودراساتهم وضّح أطر الرواية المكتوبة وخصائصها ومواصفاتها فهو أشار طيلة هذه المقدمة إلی دور الذات والسيرة الذاتية في هذه الرواية. لكن كما قلنا سابقاً أن الإشارات والتعليقات والوسائط التي استفاد منها الروائي في انعكاس الذات كامنة في النص مستخدمة علی سلك الرواية الجديدة الميتاقصية لابشكل جلي علی سلك الرواية التقليدية الكلاسكية. يتبين موقع السارد في رواية "لعبة النسيان" ويستكشف زاوية من السير الذاتية الروائية. فالسارد غير محدد في الرواية. لايمكن أن نتعينه ونعلن حضوره في النص؛ أو هو تقنية مصنوعة بواسطة الكاتب، يروي الأحداث أو هم نفس الروائي الذي يسرد الأحداث ويبثّ في نصه نتف مبعثرة من حياته؟ «فإن المعرفة البسطية ولو من بعيد، تؤكد أن الأمر في لعبة النسيان، يتعلق بسيرة ذاتية. إن شخصيات الرواية مثل الأم والأخت، وسي ابراهيم وسيدي الطيب والأخ، بالرغم من انتحال بعضها لأسماء خيالية، فإنها مع ذلك تقنعنا بوجودها الفعلي، وصحة المعلومات التي تطلب في كل سير ذاتية.» (معتصم، 2013م: 9) كما يتأكد أحمد اليبوري في كتاب دينامية النص الروائي علی نص المحتوی ويقول: «اعتبرت لعبة النسيان حيناً اخر سيرة ذاتية تنغلق علی المحيط الضيق لكاتبها، ورأيت شخصياً في فترة معينة أنها تتأرجح في بنيتها العامة بين السير الذاتية والرواية؛ لكن بدا لي بعد قرائتها من جديد، أنها لاتختلف عن جل الروايات المغربية، حتی لاأقول العالمية في انطلاقها من التجربة الشخصية، ومن موقع الذات للإطلال علی الواقع بعوامله، شخوصه، لتبنی فضاءها الروائي الخاص.» (اليبوري، 1993م: 56) فالنصوص الروائية والأنماط الحكائية في هذه الرواية تتقدم بين السرد الذاتي والسرد الروائي فهناك صور متشظية من قبل السارد الرئيسي أو رواي الرواة، أو الروائي أو شخصيات بديلة كشخصية هادي وإلخ تدل علی نبضات من السيرة الذاتية للكاتب. لميبتعد محمد برادة في روايته هذه عن مسقط رأسه وعن الأجواء التي نشأ فيها، وقام باستحضار المدينة التي ولد فيها، أي الرباط. فالشخصيات الروائية تلعبن في هذه المدينة وتعشن في الرباط. بهذه الوسيلة يخيل لدی المتلقی أن الروائي يقصد أن يروي قصة حياته غير مباشرة بواسطة الرموز والدلالات النصية. فهو يريد أن نكشف نحن هذه الدلالة بمساعدة الإشارة السابقة التي ربط عبرها الروائي الرواية بحياته منذ الطفولة حتی الشباب. الشخصية المحورية والأحداث الرئيسية تجري في مدينة الرباط والروائي بتحديد العناصر الزمكانية أشار إلی هذا المكان مرات في روايته: «رحلت لآلة الغالية إلی الرباط وصحبت معها الابن الأكبر الطايع وتركت الهادي يعيش مع خاله سيد الطبيب.» (برادة، 2003م: 19) كما نجد من حيث زمن الرواية تروي أحداث طوال الحرب العالمية الثانية أي الزمن الذي يتزامن مع طفولة الروائي ومراهقته وفيها إشارات كثيرة إلی هذه الحرب: «تدخل الحرب، عامها الثالث والزوجة... .» (المصدر نفسه: 17) أو في الفقرة التالية:«كانت أحداث الحرب تتأثر بإهتمامهم، فتختلط الزوايا واللقطات ابتداء من استعمال التمر عوض السكر لتناول الشاي، إلی تناقل الإعجاب بالألمان وهتلر.» (المصدر نفسه: 15) وهناك أيضاً إشارات كثيرة التي تدلنا أن الروائي يكتب مذكرة حياته وسيرته الذاتية. هذه الأمارت ترشدنا بوضوح تجاه الرواية المنغمسة في السيرة الذاتية؛ الرواية التي تتعالق بالروائي مباشرة ولاتتجنب عن سيطرته وأضوائه الملتوية عليها. الروائي المغاربي محمد برادة عبر توظيف أشكال الميتاروائي حافظ علی قواعد السيرة الذاتية وانعكاس ذاته وثقافته في النص الروائي. فهو بالطوابع الواقعية التي تقارب الرواية إلی النصوص السيرة، بواسطة الأماكن والأعداد والأزمنة والعديد من الرموز التي ترتبط حياة الشخصية إلی حياة الكاتب كما تشير مباشرة علی أضواء متناثرة من حياته وازدادت هذه العناصر مدی وجود مفهوم الوعي الذاتي في الرواية. الروائي يسعی سعياً دؤوباً في استعادة أيام الطفولة، سنوات الخمسينات، السنوات التي وصل الروائي إلی سن المراهقة: «في بداية الخمسينات.... هل يمكن استعادة الفترات المتألقة، الحاسمة، بدو استحضار الوهم الذي يلجم التيار ويجرف الحشد علی طريق الإعتقاد بصنع التاريخ؟ وهم؟ حقيقة؟» (المصدر نفسه: 37) بناء علی المعيار الذي تحدثنا عنا تورّط شخصية الكاتب بشخصية هادي. هذا التورط دلالة ميتاقصية كما تنهتي إلی دلالة ميتاقصية أخری فهي انعكاس ذات الكاتب في الرواية. العثور علی دقائق حياة الكاتب تتكشف عبر عدة الزوايا والأبعاد. لكن الإشارات والتعتيمات المكررة بواسطة الروائي تربط بين هاتين الحالتين. كما جاء عبر الإشارة الميتاقصية هذه القضية: «وضعنی المؤلف في مأزق: كتب كل ما عرف وتخيّل.» (المصدر نفسه: 46) حسب هذه القضية، لاتتجازو معارف الراوي عن معارف الكاتب أو الروائي؛ فهو فرض وتحمل معارفه وذكرياته علی السرد وحمل الراوي أن يسردها لينعكس هو في النص وما هو يعرف ويعايش معه. حينما يقول «سنة 1946 أو 1947 بفاس، لم يكن عمر الهادي تجاوز الثامنة.» (المصدر نفسه: 47) يبدو منها أنه يشير مباشرة إلی حياته الشخصية، بما هو ولد في سنة 1938 أو بقول آخر 1939. حینذاک لاتجاوز عمره عن الثامنة. أ ليست هذه الإشارات سيرة الشخصية المحورية في الرواية أي هادي هو سيرة محمد برادة؟ في هذه الرواية «يحدث الازدواج بين الطبيعة الخاصة للشخصية والطبيعة الخاصة للسارد، تصبح الشخصية ذاتها السارد، والسارد يصبح شخصية، في حالة "الهادي" عندما تحكی عنه شخصيات الدار الكبيرة وعندما يحكي عن نفسه. وكذلك بالنسبة لباقي الشخصيات، كشخصية سي ابراهيم حين يتحول إلی سارد ذاتي يعترف بحقيقة أمام الأستاذ الهادي طبعاً. وحين يتحول إلی شخصية يحكي عنها. أنظر مثلاً الجزء المعنون "سي ابراهيم يتكلم" من الفصل الرابع، ثم يكبر العالم في أعيننا، حيث تصبح الشخصية سابقاً سارداً ذاتياً. مشخصاً في لغته الجذرية الأصلية وأسلوبه الخاص. ثم كيف يتحول السارد الذاتي في التعتيم في ذات الفصل إلی شخصية متحدث عنها.» (معتصم، 2013م: 36) فلذلک الروائي المغاربي عبر هذا الأسلوب الميتاقصي الشطاري قام بتسجيل مرحلة الطفولة والشباب من حياته في الرواية. احتكاك المتخيل بالواقع الرواية الميتاقصية تتقمص إلی أشكال متعددة وتنطوی علی خصائص متنوعة منها احتكاك العالم المتخيل السردي بالواقع. الرواية التقليدية ذات قواعد معينة فهي إما تخييلية تعتمد علی الخيال والأفضية الوهمية والخرافية، أو تعتمد علی الواقع والأحداث الواقعية بنزر قلیل من الخیال، مثلما نجد في الروايات التاريخية لجرجي زيدان. أما الأسلوب الأكثر استعمالاً وسيادة علی الرواية عامة والرواية العربية التقليدية والحديثة علی وجه التحديد، وهو امتزاج الواقع والخيال؛ فهو يختلف عن احتكاك المتخيل بالواقع. الرواية تتمتع من الخيال والواقع معاً، فإن هي تبني علی الخيال، لكن هناك شبه بين الكثير بين عناصرها من الأمكنة والأزمنة والشخصيات وبين العناصر الواقعية كما اشار إلی هذه البنية، "ربيع جابر" قبل بدء روايته المسماة بالإعترافات: «هذه الرواية من نسج الخيال، وأيّ شبه بين أشخاصها وأحداثها وأماكنها مع أشخاص حقيين وأحداث وأماكن حقيقية هو محض مصادفة ومن الغرائب ومجرّد عن أي قصد.» (جابر، 2008م: 7) إذن فالعديد من الروايات هكذا حتی الروايات التاريخية المستمدة من الواقع كروايات جرجي زيدان تتغذی من الخيال. إذن امتزاج الواقع بالخيال علی حسب هذا الإطار لايختص بالرواية الميتاقصية، لكن الطريف في السرد الميتاقصيي في هذا المجال هو أن الروائي يخرج من العالم المتخيل إلی ساحة الواقع الذي يعيش فيه ويجعل امتزاجاً واصطداماً بين هذين العالمين. المقصود من المتخيل ليس هو الخيال، بل يعني العالم الذي صنعه الروائي في روايته، إما أن يكون مستمداً من التاريخ أو الواقع إما أن يكون متغذياً من الخيال البحت. هنا نترك مسألة النظر في هذه الوقائع من حیث هي وقائع لها وجود مرجعي خارج هذا المتخيل و هو ما مجاله القراءة و التأويل وننظر إلیها من حیث هي كلام في صیاغة أي من حیث هي قول یتوجه الراوي ببنائه، أو بترتيب علاقات صیاغته له إلی القارئ. (العيد، 1999م: 107) إذاً المقصود من العالم المتخيل هو العالم الروائي لا العالم الخيالي، هو العالم الذي يمكن أن يتشكل من الخيال أو الواقع فحسب، أو الواقع والخيال معاً. إذن في الميتاقص يخرج الروائي من هذا العالم ويربط بينه وبين عالم الواقع الذي نعايش فيها. فليس هو راو غير مشارك بمنأی عن السرد، ليراقب الأحدث من رؤية خلفية بعيداً عن الأحداث والمشاهدات، مثلما نجد في السرد البانورامي، بل هو یدخل فيها ويتطور بها. قد يتم إخراج من العالم المتخيل إلی العالم الواقع في رواية لعبة النسيان عبر الوسائط والوسائل المختلفة منها حينما الكاتب يلتقي أبطال شخصياته أو الشخصيات التي تتحكم في السرد، أو حينما يخاطب الكاتب القارئ و أو حين نجد علاقة الراوي بالكاتب وإلخ. رواية "لعبة نسيان" لمحمد برادة، قد أسست علی هذه الاحتكاكات فهي من نماذج دخول الروائي في النص. فالروائي إن يحدث قصة تاريخية يمتزجها بالخيال، لكن المقصود ليس هنا، امتزاج العالم المتخيل بنبرات مختلفة عن السيرة الذاتية للكاتب. بل العالم الروائي المتخيل المستمد من الواقع أو الخيال يتمزق بدخول الروائي مباشرة. إذن دخول الروائي قد يؤدي إلی دلالات شتي منها هذا الاحتكاك والاصطدام. محمد برادة في روايته لعبة النسيان استفاد من هذا البنية الميتاقصية وجعل احتكاكاً بين العالم الواقع والعالم المتخيل حيث شخصية الكاتب والمولف جزء من هواجس الراوي فهو يتطور عبر طيّات النص الروائي. الروائي لايسمح أن يواصل العالم المتخيّل، بخصائصه ومميزاته بل هو يدخل دائماً في السرد ويقطع خيط المتخيل عبر إيجاد العلاقة بين الكاتب والراوي والقارئ. إذن الروائي حطّم الحائط بين الواقع والخيال، العالم المتخيل لدی الرواي ليس عالماً متخيّلاً بالثقة أو عالم يشبه بالخيال الروائي بل الروائي يدخل في طيات السرد بصورة ميتاقصية، متقطعاً الصلات المؤلفة بين العالمين. علی سبيل المثال نجد تداخل الكاتب والشخصية في الرواية حينما يقول الراوي: «أستشعر أن بين الهادي والكاتب أشياء كثيرة يمكن أن أعيد سردها وأن أرتّبها علی لسان الرواة لأطيل جسلة استحضار ما أظنّه باقياً في أعماقهما، لكن بدون أن يتحول الموت من طقس إلی حقيقة.» (براده، 2003م: 30) الراوي أو راوة الراوة يدير السرد الروائي في رواية لعبة النسيان، هو يفشي العلاقة بين الكاتب محمد برادة والهادي الذي أراد الكاتب أن يعكس سيرته الذاتية في زمن الطفولة خلال هذه الشخصية المتخيلة. لكن الراوي فشا بالخطة التي رسمها الكاتب، ويجعل المتلقي واعياً علی هذه العلاقة والارتباط. بهذه الوسيلة هو يحطم العالم المتخيل الروائي قبل أن يكوّن أو يتطور. أو في موضع آخر حينما يخاطب الراوي الكاتب والقارئ معاً: «تحمل وقاحتي، أيّها الكاتب، إذا كنتُ أستعمل طحينك لأعجن خبزةً أدلل بها علی نباهتي، فأنا أريد أن أقنع القارئ بشطارتي وحسن اختياري في توجيه دفة السرد.» (المصدر نفسه: 48) هنا نجد أن الراوي ينادي الكاتب وكذلك يؤظف القارئ في مسيرته السردية وبهذه الوسيلة أماط اللثام عن وجه الرواية حيث يتعامل معه كنص السیرة الذاتیة التي الذي يقدم الكاتب الذات كراراً ليصحح ما قال وليقنع القارئ عمّا سرد. لأجل هذا نجد احتكاكاً بين العالم الروائي والعالم الواقع بهذه الاستراحة الزمنية والوقف عما حدث حتی الآن. كهذه المواضع استخدمها الروائي في إبداعية الروائية، فهو دائماً يؤلف أرضيات يلتقي فيها القارئ والكاتب والرواي، فهذه الثلاثية تكون أكثر ترابطاً وتناسقاً في النص السردي. النتيجة حصلنا بعد دراسة السرد الميتاقصي، أحد من أهم الأنساق السردية التجريبية في الرواية الجديدة، معتمداً علی رواية "لعبة النسيان" لمحمد برادي علی النتائج التالية: أن السرد الميتاقصي من السرديات النابضة والرائعة في الرواية الجديدة فهي تتماز بالملامح البارزة والسمات الجديدة علی صعيد السرد العربي. نحن نعاين بجلاء طبيعة الرواية الجديدة في هذه النوعية السردية وإن هو يرتبط بالرواية التلقيدية في بعض المحاور والدلالات، لكن الجديدة من حيث البنية والأسلوب ويمكن اعتبارها نمطاً سردياً خارجاً عن النمط المألوف والسائد. الواضح أن الروائيين في السرد الميتاقصي يحاولون محاولة أثيرة لاستتباب الطرائق السردية الجديدة لينقضوا الأشكال السردية التقليدية. إذن الروائي الذي يسعی سعياً دؤوباً في الرواية الحديثة والواقعية أن يوهم القارئ بثقة أو يقوّم اعتماده وانتمائه يظهر مباشرة علی تحطيم الواقع بالخيال وتكسير النص السردي المترابط عبر التدخلات والترابطات. السرد الميتاقصي أصبح وسيلة لاحياء الكاتب مرة جديدة إما عبره دخوله مباشرة بعد قطعه خيط الخيال والخروج من العالم المتخيل الروائي، أو عبر تقديم النبرات النقدية المتعدة ليحدد صيغة النص الروائي وخصائصه ومكوّناته، كما يمتاز هذا السرد بانعكاس السيرة الذاتية للكاتب فهي وسيلة لإفراز أفكار الروائي وأعماله وآرائه. فالروائي عبر تدخلاته المباشرة والعديدة في السرد ينوي تحطيم الحكي التقليدي وتكسير الزمن والابتعاد عن تمثيل الواقع. هذه كلها هي ما لمسنا في رواية لعبة نسيان لمحمد برادة فهي رواية متياقصية بمعنی الكلمة والروائي حافظ علی المميزات والخصائص التي تختص بهذا العالم السردي بوضوح. | ||
مراجع | ||
أشبهون، عبدالملک. (2013م). البداية والنهاية في الرواية العربية. القاهرة: رؤية للنشر والتوزيع.
باینده، حسين. (1394ش). گشودن رمان [فک الرواية]. تهران: نشر مرواريد.
برادة، محمد. (2003م). لعبة النسيان. المغرب: دارالأمان.
ـــــ (1984م). اعتبارات نظریة لتحدید مفهوم الحداثة. مجلة فصول: الحداثة فی اللغة والأدب. الجزء الأول. المجلد الرابع. العدد الثالث. صص: 38-10
جابر، ربیع. (2008م). الاعترافات. بيروت: المرکز الثقافي العربي.
حمد، محمد. (2011م). الميتاقص في الرواية العربية. بيروت: مجمع القاسمي للغة العربية وآدابها.
حمداوي، جميل. (2018م). أشكال الخطاب الميتاسردي في القصة القصيرة بالمغرب. مجلة المثقف.
سليمان، نبیل. (1994م)، فتنة السرد والنقد. اللاذقية: دارالحوار
صالح، فخری. (2001م). الأسس النظرية لمابعد الحداثة. عمان. مجلة نزوی. رقم 28.
العيد، يمني. (1999م). الراوي: الموقع والشكل؛ بحث في السرد الروائي. بیروت: دارالفارابي.
غجاتی، صورية. (2015م). انعكاس الوعي الذاتي عبر اشتغال "الميتاروائي" في رواية (مذكراتٌ من وطنٍ آخر) لأحمد طيباوي. مجلة سأرب الإلکترونية.
الکردي، عبدالرحيم. (1996م). الرواي والنص القصصي. القاهرة: دارالنشر للجامعات.
معتصم، محمد. (2013م). قراءة نقدية في "لعبة النسيان" لمحمد برادة. مجلة الثقافات الإلکترونية.
اليبوري، أحمد. (1993م). دينامية النص الروائي. المغرب: منشورات اتحاد كتاب المغرب.
يقطين، سعيد. (2010م). قضايا الرواية العربية الجديدة. الوجود والحدود. القاهرة: رؤية للنشر.
المواقع الإلکترونية
سکری، رشيد. (2019)، التشظي الرّوائي بين الذات والآخر في «موت مختلف» لمحمد برادة، مجلة القدس العربي، https://www.alquds.co.uk
عبدالنعيم، ميرفت. (2018م). نبذة عن الكاتب المغربي محمد برادة، موقع المرسال: https://www.almrsal.com/post/617342 | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,943 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 325 |