تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,800,502 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,306 |
ملامح مابعد الحداثة في الروایة العربیة المعاصرة؛ "فرسان وكهنة" لمنذر قباني نموذجاً | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
دوره 11، شماره 43، آذر 2021، صفحه 61-84 اصل مقاله (244.4 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
محمودرضا توکلی محمدی* 1؛ آزاده منتظری2 | ||
1أستاذ مساعد في قسم اللغة العربیة وآدابها، جامعة فرهنگیان مجمع آیة الله طالقانی، طهران، إيران | ||
2أستاذة مساعدة في قسم اللغة الفارسية وآدابها، جامعة فرهانجيان، طهران، إيران | ||
چکیده | ||
تعدُّ مابعدالحداثة من أهمّ القضایا التي أثارت البحث والجدل في عالم النقد الأدبي وهذا قد یكون بسبب ماهیتها التي تحكي عن التعقید والالتباس واللاانسجام والتفكك والتشظي في جانب شمولها لكثیر من العلوم الإنسانیة والأدبیة. فهذه النظریة تحكي عن الاضطراب والتشویش، عدم الوحدة واللاانسجام، اللاعقلانیة والتخیل ونسبية الحقیقة؛ فنواجه كثیرا من المنظّرین المعاصرین الذین تطرّقوا إلی مفهوم مابعدالحداثة من خلال نظریات شتی. فمن هذا المنطلق قد رمت هذه المقالة وعلی أساس المنهج الوصفي التحلیلي إلی استقصاء ملامح مابعدالحداثة في روایة "فرسان وكهنة" للكاتب السعودي "منذر القباني". فمن هذه الملامح یمكن الإشارة إلی التشتت الزمكاني (الزمان والمكان) في الروایة، وصیاغة الروایة علی أساس حبكة منفكة غیر متماسكة وأیضاً تداخل النص بالنصوص الأخری العلمیة والدینیة والتاریخیة التي تحكی عن عدم انسجام ووحدة النص وحضور شخصیات خیالیة جنباً إلی جنب الشخصیات الحقیقیة في الروایة وفي النهایة من أهم ما وصل الیه المقال في هذا الصدد یمکن الإشارة إلی: عدم التمایز بین عالم أو عوالم الخیال وبین عالم الواقع من وجهة بطل القصة أو القارئ، توظیف الروایة شخصیاتٍ خیالیةً بجانب شخصیات واقعیة تاریخیة، حضور شخصیات حقیقية في الروایة خرجوا من واقعهم الذي نعرف عنهم، التشتت الزمكاني (الزمان المكان) في الروایة؛ مع أن هذه الروایة لا تُعدُّ روایةً مابعدحداثیة بحتة، ولكن الغلبة فیها لصالح مابعدالحداثة مقابل السمات الحداثیة فیها. | ||
کلیدواژهها | ||
الحداثة؛ مابعدالحداثة؛ النثر المعاصر؛ برايان مكهيل؛ منذر القباني؛ روایة؛ فرسان وكهنة | ||
اصل مقاله | ||
یُعَدُّ موضوع الحداثة ومابعد الحداثة التي جاءت بعدها، من الموضوعات المثیرة للجدل والاهتمام لا في الأدب فحسب، بل في كثیر من الفروع المعرفیة في عالمنا الیوم وما هذا إلاّ بسبب ماهیة هذین المصطلحین ووجود كثیر من التعقیدات والملابسات فیهما، حتی وصل الأمر إلی درجةٍ أصبحت الحداثة ومابعد الحداثة من أكثر المفاهیم تداولاً في الأوساط العلمیة المعاصرة والدراسات النقدیة الحدیثة. «إثر الأزمات الاقتصادیة العمیقة في القرن الحاضر ولاسیما بعد الحربين العالمیتین المدّمرتین، قد حدث كثیرٌ من التحولات في میادین الثقافة والمجتمع والتي أدّت إلی ظهور الحداثة في الفن والأدب؛ كما أنّ تشكیل الرأسمالیة العابرة للحدود الوطنیة قد حدت المجتمع العالمي تجاه حالة قد أطلق علیها "جیمسون" عنوان "رأسمالیة متأخرة".» (دیني، 1388ش: 24) یعتقد "لیوتار" بأنه في مثل هذه الظروف الاجتماعیة تمّ تدمیر "السردیات الكبری" إلی الأبد.(المصدر نفسه: 25) تنمو مابعدالحداثة في هذه الساحة من داخل الحداثة ویعد استمرارا لها. فالأسس الرئیسیة التي بُنیت علیها فلسفة الحداثة تتلخص في أن الحقیقة تكون مطلقةً ولا نسبیةً، ویوجد سبب معقول لكل شئ. «من أهم العناصر الرئیسیة التي بُنیت علیها «مابعدالحداثة»، ظهور تیار فلسفي اشتُهر باسم مابعدالبنیویة الذي یتخلص في أنه لا یمكن تناول الفكر والواقع إلاّ باعتبارهما متجزئین متشذرین، والتكاثر بدلاً من الوحدة، والتقابل بدلاً من التماثل، والانفصال بدلاً من الاتصال، واللاعقلانیة مقام العقلانیة، وما هو متعدد متنوع عمّا هو موحد متشابه، وما هو عبارة عن سیولات دائمة عمّا هو ضربٌ من الوحدات الجافة الجامدة.» (الشیخ، 1996م: 12-17) قضیة "مابعدالحداثة " من القضایا الحدیثة المثیرة للنقاش في العالم الغربي التي بدأ طریقها من الفلسفة ثمّ تسللّت إلی میادین منوّعة أخری من الهندسة المعماریة والنقد الأدبي والعلوم الاجتماعیة؛ والطریف في مابعدالحداثة أن ماهیتها المتكثرة اللامحدودة والمتداخلة بین مختلف العلوم والمجالات، حدت المنظرین والباحثین فیها إلی عدم وحدة الرأي في تعریفها؛ فمنهم من یعرّفها بـ «الولد المتمرّد للحداثة وهي لن توجد إلاّ بعد وجود الحداثة.» (پاینده، 1396ش: 24 نقلاً من هارتنی، 2005م: 6) أو من یراها «استمراراً للحداثة» أو یراها «مصطلحاً عنیفاً ومقلّداً بحیث یعرض شیئاً یهبط من الذروة.» (بارت، 1980م نقلا عن مكهیل، 1392ش: 26) إذن العلاقة القائمة بین الحداثة ومابعدالحداثة لیست علاقةً سطحیةً ساذجةً، بل تبدو بأنها قد تكون علاقةً جدلیةً تدلّ علی مفهوم التطور والتحول والاستمرار؛ بحیث یمكننا أن نقول: أنّ مابعدالحداثة لن تفهم إلا بعد فهم صحیح من الحداثة. «یذهب العدید من النقاد إلی أنه من الصعب الوقوف عند الحدود الفاصلة بین أدب الحداثة وأدب مابعدالحداثة؛ فقد سبق وأن وظَّفت الروایة والقصة الحداثیة معظم التقانات والجمالیات التي وظَّفها السرد في مابعدالحداثة. حتّی أنّ روائیي مابعدالحداثة أنفسهم لا یتفقون حول الأسماء التي تندرج تحت الحداثة وتلك التي تنتمي الی مابعدالحداثة.» (بن عامر، 2019م: 35) إذن أدب مابعدالحداثة، خلافاً لأدب الحداثة، یسعی إلی تفكیك النص عبر تحطیم قواعد الإحالة إلی الواقع، وتشظي الحبكة، ویصوغ النصَ خلیطاً من النصوص المتداخلة الأخری، ویجعل النص یفقد التمركز حول الكلام والزمان، بل التشظي والانفصال قاما مقام الوحدة والانسجام، واللاعقلانیة والتخیل قام مقام العقلانیة والواقعیة. أسئلة البحث فمع ما مر بنا، تنوي المقالة أن تجیب بین دفتیها عن الأسئلة التالیة:
فرضیات البحث
خلفیة البحث ثمّة عدد من البحوث العلمیة التي عالجت ظاهرة مابعدالحداثة في بعض الأعمال الأدبیة المعاصرة علی وجه العموم باللغتین الفارسیة والعربیة، والفارسیة تكاد تكون أكثر من العربیة؛ منها: - جلیل مقورة (2018م) من الحداثة إلی ما بعد الحداثة، مجلة الدراسات والبحوث الاجتماعیة. یبحث الکاتب في هذه المقالة عن المنطلقات الفکریة والفلسفیة للحداثة ومیزاتها وبعدذلك یتحدث عن مأزق الحداثة وماوقع لها علی أرض الواقع من التفکیك والتشظي وتجاوز واقعها کي یصل إلی الهدم وتتولد منها مابعد الحداثة. - النیة بوبکر (لاتا) روایة مابعد الحداثة وإبدالاتها السردیة، مجلة دراسات أدبیة، حاول الباحث في هذه المقالة تحدید الإطار الفني لروایة مابعد الحداثة وکذا رصد الأسالیب السردیه في تشکیل المبنی السردي في هذه الروایات وفي تمثیل محتواها الأدبي، ویصل إلی أن التشتت هو العصنر الأساسي البارز في سرد ما بعد الحداثة، ومن ثم یشیر إلی أهم آلیات وأسالیب روایة ما بعد الحداثة ومنها التشظي والتهجین والمحاکاة الساخرة والمیتاقص. - أحمد جابري نصر و رسول بلاوي (2020م) مفهوم الحداثة وما بعد الحداثة بین التقنین واللاتقنین، مجلة المفکر. تناقش المقالة مفهوم الحداثة وما بعد الحداثة لأجل الوصول إلی تعریف یوحّد اختلاف الرؤی في تحدید إطار الحداثة وما بعد الحداثة، وتصل إلی أنّ تجاذبات الفکر الحدیث تکشفُ عن تذبذب بین الإفراط والتفریط في التفکر الحداثيّ ومابعد الحداثي وتأتي المقالة ببعض الأدلة لإثبات هذا الأمر؛ فإفراط الحداثة یکون في مفهوم التقنین والانتظام وتفریطها في الکثیر من جوانب الحقیقة وکذا أفرطت مابعدالحداثة في التسلیم لمبدأ النسبیة وفرّطت في فهم حقیقة التقنین علی حد قول الکاتبین. - أصغري، جواد، (1432ق) الحداثة ومابعدالحداثة في روایة "البحث عن ولید مسعود" لجبرا إبراهیم جبرا، مجلة اللغة العربیة وآدابها؛ تکلم الکتاب في هذا البحث عن التیارین الحداثة وما بعد الحداثة في دراسة الفن الروائي لدی جبرا ابراهیم جبرا شکلاً ومضموناً واعتقد أنّ الراوي رسم في هذه الروایة حرکته الفنیة من الحداثة باتجاه مابعد الحداثة رسماً واضحاً. ثم یتکلم عن أهم میزات الروایات الحداثیة وما بعد الحداثیة ویطبقها علی روایة البحث عن ولید مسعود کي یثبت رؤیته الفنیة في هذه الروایة. هناك بحوث أخری تطرقت مباشرة أو غیر مباشرة إلی الحداثة أو مابعدالحداثة في الآثار والروایات العربیة نکتفي بذکر اسمها فرارا من الإطناب والتفصیل، منها: صاعدی، أحمد رضا؛ جعفری زاده عالیه، (1391ش)، براری الحمی، مجلة البحوث في اللغة العربیة وآدابها / حمریط، ریمة، (2014م)، رسالة «الحداثة ومابعدالحداثة قراءة في كتاب المرایا المحدبة»/ شریفیان، مهدی؛ لطفی عزیز، مهدی(1392ش). وجودشناسی پسامدرن در داستان «رؤیا یا كابوس» نوشته ابوتراب خسروی( نظریه وجود شناختی مك هیل)/ حسن زاده نیری، محمد حسن؛اسلامی، آزاده (1394ش) هستی شناسی پسامدرن در داستان «من دانای كل هستم» بر اساس نظریه برایان مك هیل. أما بالنسبة إلی روایة فرسان وكهنة فیمكن القول بأنه ما دُرست هذه الروایة من منظار الحداثة ومابعدالحداثة حتی الآن وما طُرحت حوله دراسة اللهم إلا بعض الإشارات العابرة والمتناثرة في المواقع الإلكترونیة وبصورة وجیزة وهذا الأمر هو السبب في اختیار هذا الموضوع للدراسة والبحث عبر المقال.
قد كتب العديد من المنظرين عن فن الأدب وتاريخ المجتمع وفلسفة مابعدالحداثة، وفي هذا البحث، تم إيلاء المزيد من الاهتمام للآراء والمعتقدات التي كانت مرتبطةً مباشرةً بالأدب وخاصةً الأدب القصصي أو التي تم ربطها بها بطريقة ما، إذن لإلقاء نظرة عامة على فكرة مابعدالحداثة سنعبّر عن آراء وأفكار المنظّرين البارزين في هذا المجال؛ ولکن وقبل الولوج إلی البحث یجب أن نذکر نکتة هامة وهي أننا «...لم نجد لما بعد الحداثة تعریفاً صریحاً رغم الاهتمام الذی یولیها النقاد وقد یکون ذلك لطبیعة ما بعد الحداثة التي تنفرُ عن الوضوح والتقنین والانتظام.» (جابری نصر، 2020: 38) لوئییس[1] تسلّط الضوء علی الملامح اللغویة والظاهریة لأدب مابعدالحداثة وتری لها وظیفة في تشظي الروایة (لوئیس، 1998م: 122)، و پترشیا وُ[2] تعتبر تمهیدات ما وراء القص في خدمة تسليط الضوء على النص باعتباره الجانب الأكثر إثارة للجدل في ذلك، وتعتقد أن هذه النصوص تلفت انتباه القارئ إلى كون الواقع شیئاً صُنعَ وأنّه نتاج تفاعل العقل مع اللغة أو العالم الخارجي (وُ، 1383ش: 136) كما یأتي "ایهاب حسن"[3] و"دیوید لاج"[4] بعدد من المكوّنات لتمییز الروايات والقصص ما بعد الحداثية التي تكون في معظمها ظاهریة ولغوية. ينظر بودريار[5] إلى ظاهرة ماوراء القص من منظور النهج الاجتماعي، بینما هو يعتقد أن عصرنا هذا هو فترة هيمنة العلامات، وفي عصر مابعدالحداثة، لقد استبدلت الصور الواقعَ. «لم تعد القضية تقليدَ الواقع أو حتّى التقليد المضحك للواقع، ولكنَّ القضيةَ هي استبدال علامات الواقع بالواقع نفسه.لم يعد من الممكن خلق وهم الواقع.» (بودریار، 1994م: 19) إذن من وجهة نظر بودریار، نحن نعیش الیوم في عالم قد استبدلت الصور الواقعَ ومن ثمّ تكون الصورُ أكثرَ صلاحیة من الأمر الواقع، ومن وجهة لیوتار الاجتماعیة، إن انهيار "السردیات الكبری"[6] أهم ميزة في عصر مابعدالحداثة. (تدینی، 1388ش: 24) استنادًا إلى وجهات النظر التاريخية الجديدة، تدرس هاتشن[7] ما وراء القص (میتاقص) التاریخي وتعالج العلاقة بين التاريخ المكتوب والواقع، وكما العلاقةَ القائمة بين القصة والواقع. يجادل كونور[8] بأن مابعدالحداثة ثقافة؛ ويرى جيمسون[9] أنها منطق الثقافة الرأسمالية المتأخرة، ويرى باومان[10] أنها مرادفة للأخلاق أو السياسة، لكن إيجلتون يصفها بأنها وهمٌ وناريس[11] يعتبرها مجرد خطأ وأمر مؤسف.)پاول، 1384ش: 96) أما مقورة فیعتقد بأن ما بعد الحداثة قام علی أطلال الحداثة بعد زوالها؛ «فالنظام السیاسی للحداثة یقوم علی مسلمة الوحدة والتي بزوالها تزول السلطة وتنهار الحداثة ویبدأ الحدیث عن ما بعد الحداثة، وعلی هذا الأساس وغیره فإنّ الأمر یتعلق بتجاوز کل المبادئ والمفاهیم التي قامت علیها الحداثة کالعقلانیة وفلسفة الذات ومفهوم الثابت ووهم المطلق والحتمیة التاریخیة ... فمابعدالحداثة کل الأمور فیه متغیرة ویتناقض مع مصطلحات الهدف والغایة.» (مقورة، 2018م: 309) علی کل حال وحسب النظریات التي أشیرت إلیها بالإیجاز، تم الوقوف علی بعض الملامح المتكثرة وغیر المتماسكة لعالم مابعدالحداثة ویبدو الأمر الواقع كأنه صار أمراً معقّداً مریباً وكأنه ما یُدركه الإنسان هو وهم الواقع ولا الواقع بنفسه. هذه المیزة قد تركت آثارها في جمیع أبعاد النص الأدبي من واقع الزمان والمكان والأحداث والسردیات و... إذن في مثل هذه النصوص التي اتّسمت بسمةِ مابعدالحداثة نواجه الانفكاك وعدم التمایز بین الخیال والواقع، تشظي الزمان والمكان، عدم تماسك الحبكة وعدم تماسك النص وأیضاً اللجوء إلی السردیات الجزئیة بدلا من السردیات الكبری التي انطبع بها أدب الحداثة. هذا أهم ملامح أدب مابعدالحداثة المتكثرة التي تستنتج من معظم التعاريف والنظریات الواردة في مجال مابعدالحداثة؛ «وثمة نظریة "مكهیل[12]" التي قام رائدها بتجمیع معظم ملامح مابعدالحداثة تحت نظریة واحدة یستلهمها من مفهوم " العنصر الغالب" المأخوذ من آراء "یاكوبسن" - من منظّري المدرسة الشكلانیة الروسیة - التي تدلّ علی أن للعنصر الغالب في كل أثر من الآثار الفنیة، سلطةً علی سائر أجزاء الأثر وعناصره، یحددها ویغیّر مسیرتها.» (پاینده، 1383ش: 121) ففي هذا المجال یوظّف مكهیل مصطلح "العنصر الغالب" في تبیین نظریته عن مابعدالحداثة في الأدب ویراه سبباً من أسباب وحدة ملامح مابعدالحداثة المتكثرة وخصائصها. فانطلاقاً من رؤیته، إن العنصر الغالب في أدب مابعدالحداثة یتخلص في "الرؤیة الوجودیة" في محتوی الروایة وكذا "عدم التماسك والاضطراب" من جهة شكل الروایة؛ الأمر الذي یبدو في ملامح عدة من روایة مابعدالحداثة وهي عبارة عن تشظي الزمان والمكان، اضطراب الشخصیات وعدم تماسك الحبكة. علی رؤیة مكهیل إن روایة الحداثة هي استمرار لروایة مابعدالحداثة، ولكن العنصر الغالب في روایة الحداثة هو "نظریة المعرفة"[13] بینما العنصر الغالب في روایة مابعدالحداثة "علم الوجود" [14] فيعتقد أن «علم الوجود هو وصف للكون وليس تعريفًا للكون بطريقة معينة، أي أنه يمكن أن يصف أي كونٍ ولديه القدرة على وصف العديد من العوالم أیضا.» (مكهیل، 1392ش: 80) فالرؤیة الوجودیة عنده في روایة مابعدالحداثة أكثر أهمیةً وهي التي تعتبر العمود الفقري لها. 2.عن روایة "فرسان وكهنة" "مراد قُطُز" یعدُّ الشخصیة الأولی في الروایة وهو جراح تجمیل سعودي یعاني من مشاكل عدیدة في حیاته، وفجأةً وبعد تعرّضه لحادث غریبٍ یجعله علی عتبات الموت، یجد نفسه في مملكة خوارزم الإیرانیة وبدایة حملة المغول في القرون السابقة، فیری نفسه وسط أحداث لا یصدّقها العقل، كما یُشاهد وقائعَ تاریخیةً لا یصّدق فیها العقل ما یراه العین؛ فهو یحضر في بعض الأحداث بجسده ونفسه وفي بعضها الآخر یری الأحداث من الأعلی أو في هیئة كائن یری الآخرین ولا یراه الآخرون ولدیه القدرة في اختراق العوالم والسفر في الأزمنة المختلفة. "فرسان وكهنه" روایة خیالیة في عالم تاریخي شبه واقعي تسافر بالقارئ عبر رحلة غریبة مثیرة إلی مختلف الأزمنة والأمكنة من القدیم والحدیث والشيء الذي یثیر الدهشة في هذه الروایة، هو وجود عوالمَ مختلفةٍ متزامنة في الروایة بحیث البطل یعوم ویسبح فیها وینتقل من زمن إلی زمن آخر؛ فتتداخل الإزمنة والأمكنة وكذلك تتداخل الروایات والأحداث أو یتأثر حادث ما في المستقبل من جدید بما حدث في الماضي أو یبطل ما وقع في الماضي بما یشاهده البطل في المستقبل وكذا نواجه تداخل الشخصیات في العوالم المختلفة المتشابكة في الروایة. نفس هذه السمات في الروایة، هیّأت الأرضیة المناسبة للبحث عن ملامح مابعد الحداثة فيها. ملامح مابعدالحداثة في الروایة كما مر بنا سابقاً نواجه في الروایة بعض الملامح او السمات التي یمكن أن تربط برابط ما بسِمات مابعدالحداثیة، من هذه الملامح یمكن الإشارة إلی: الف: عدم التمایز بین الواقع والخیال أحداث قصة مابعدالحداثة لا تتحرك علی سطح وجودي واحد بل تجري في سطوح وجودیة متعددة من الواقعیة والخیال، فالعالم أو العوالم المختلفة تُخلق أو تُوصف من خلال القصة دون أي اهتمام بدقة معرفته بالعالم، بل المهم هو اكتساب التجارب الجدیدة وتوضیحها الأكثر مع أنه لا یمكن أن یكون توضیح عالَم وتوصیفه فارغاً من المعرفة، والذي لاشك فیه أن خالق ذلك العالم (راوي القصة أو كاتبه) یتزود بمعرفةٍ ما عنه وهذا الأمر یعدّ حلقة وصل بین سیادة الرؤیة المعرفیة في أدب الحداثة وبین سیادة الرؤیة الوجودیة في أدب مابعدالحداثة. ففی روایة مابعدالحداثة نواجه عدم التمایز بین عالم أو عوالم الخیال وبین عالم الواقع حیث قد لا یفرق بینهما فارقٌ ما، وإنّ الأمور باعتبارها واقعیةً أو خیالیةً قد تشتبه علی بطل الروایة، وتنتقل حالته هذه إلی القارئ ویؤدي إلی عدم یقینه بكون الحادث خیاليا أم واقعياً. «في الروایات التي تكتب علی منوال أدب مابعدالحداثة، یبذل الكاتبون قصاری جهدهم في أن یُظهروا الواقع بمثابة موضوع یقبل الجدل، وأن لا یكون أمراً مفروضاً مضافاً إلی أنّهم یقومون بإبداع شكل جدید من الواقع لا یتمیز من الخیال.» (پاینده، 1396ش: 34) عندما نراجع روایة فرسان وكهنة وعالمها الوجودي، نری أنفسنا أمام روایة وجودیة تتداخل فیها الأحداث وبالأحری تتداخل فیها العوالم، فما إن نطمئن بشيء من الواقع والثابت فیها حتی یتلاشی ویضمحل لكي یأخذ مكانه شيء من عدم الواقع وفي الحقیقة أكثر أمر نشاهده في الروایة هو سیطرة مسحة من الضبابیة وعدم الیقین علیها. فكثیر من مشاهد هذه الروایة قد اتّسمت باتّساع حیّز الخیال والوهم وعدم التمایز بینهما وبین الواقع؛ ففي مشهدٍ جرت فیه محادثة بین مراد (بطل القصة) مع هدیل وندیم، وكان مُراد حسب عقیدته یعرفهما منذ القدیم، شعرَ لحظة بدوار كاد یفقد توازنه بسببه، ثم وجد هدیلَ تُنكر ما جری بینها وبین مُراد، وكذا الندیمُ فوجده ینكر لقاءهما في جدة منذ عامٍ وما جری هناك من الأحداث وهذا الأمر أدّی إلی حیرة مراد قائلاً: «إنُه الجنون بعینه! نعم الجنون، أن أعتقد أنني المحق وكل الآخرین علی الخطأ.. حتماً أنا من هو علی الخطأ. الأحداث التي ظننتُها قد وقعت هي في الواقع لم تحدث... نعم لقد توهمتها جمیعاً. لا یوجد تفسیر آخر غیر ذلك. كثرة العمل هي التي قد أرهقتني وقد جعلتني أتوهم حدوث ما لم یحدث، وأنكر ما قد حدث!.. لابدّ لي أن أستعید ذاكرتي! لابدّ لي أن أستعید نفسي! لابدّ لي أن أستعید حیاتي.» (القبانی، 2014م: 79) یبدو كأن البطل انتقل من ساحة وجودیة إلی ساحة أخری ودُوار الرأس كان أداته التي حدت به إلی الانتقال من ساحة یظنّها الواقع إلی ساحة أخری یظنّها وهم الواقع. ففي هذا المشهد یتلاشی أمام القارئ كل ما قرأه وواجهه من بدایة الروایة وكأنه كل ما شاهده في الروایة لیس إلا ما توهّمه "مراد" لا ما هو واقع علی ساحة الواقع. من الطریف أن مثل هذا الأمر یقع حینا بعد حین في الروایة حتی نهایتها، بحیث یری القارئ نفسها معلقة بین الواقع/ الخیال، الحقیقة/الكذب، الوجود/اللاوجود وغیرها من الثنائیات المتضادة وهذا الأمر والصراع بین معرفة الوجود وكونه الوجود الحقیقي أم لا من أهم سمات مابعدالحداثة؛ الأمر الذي نراه جلیاً في روایة فرسان وكهنة. في مشهد آخر من الروایة یخاطب عبدالرحمن- الشخصیة الخیالیة- مُرادَ قائلاً: «الحیاة والموت، النوم والیقظة، الحلم والواقع، الأخضر والیابس، الماضي والمستقبل متضادان، ولكنهما أقرب لبعضهما البعض مما قد یتخیل الكثیر من الناس....» (المصدر نفسه: 94) فمع أنه لا یرفض التضاد القائم بین الواقع والخیال والأمور التي تبدو متضادةً، لكنه یعتقد باقتراب بین الأمور المتضادة أكثر بكثیر ممّا یتسع في أذهان الناس. ففي هذه السطور یطرح الكاتب مسألةً وجودیةً بحتةً؛ الأمر الذي یشغل بال القارئ ویتجسّد في مثل هذه الأسئلة: ماذا یحدث في هذه الروایة؟ في أی عالم یحدث؟ أهذا العالم الذي عرّفه لنا مراد/الكاتب، هو العام الحقیقي أم شئ آخر؟ مثل هذه الأسئلة تقود الباحث كي يشك في المباحث الوجودیة ولا المعرفیة، الأمر الذي یعدُّ من سمات مابعد الحداثة. في مثل هذه الظروف، یُواجه مُراد/القارئ كثیراً من الأحداث التي جعلته یشك في كونها وهماً خیالیاً أم واقعیاً، ونراه یتذبذب غالباً بین حقل الواقع والخیال وكثیراً ما نجده ویشتبه علیه الأمر، هل الحادث واقعیاً أم خیالیاً؟ ولا یجد جواباً قاطعاً أو مقنعاً لهذا السؤال وأمثاله وقلّما ینجو بنفسه من براثن الحیرة: «ظلّ مُراد بعد حادثة الفارس المغولي في حالة من الصمت والترقب.. لم یجد ما یستطیع فعله سوی الترقب فلعلّه هذا لیس إلا كابوساً وفي أي لحظة سیستفیق منه لیكشف أنّه ما زال في الریاض وعلی فراشه.. ولكن واقع الحال كان بخلاف ما یتمناه وإن كان الأمر یبدو أشبه بالحلم... أخذ مُراد بعد مدة وجیزة یُدرك أنّ هذه الحال الغریب لم تكن حلماً بل واقعاً جدیداً غیر مألوف وغیر مفهوم.. ولكي ینجو بنفسه من براثن الحیرة، كان علیه أن یری! (المصدر نفسه: 128) ومثل هذه المشاهد التي یصعب علی المتلقي فیها التمییز بین الواقع والخیال، كثیرة متناثرة في أنحاء الروایة، وهذا الأمر بدوره قد أوقع بطل الروایة في مواقفَ حرجة یعبّر عنه بالجنون، عین الجنون. ب: الشخصیات تُعدُّ الشخصیة من العناصر التي تدرس فیما یرتبط بسمات الحداثة ومابعدالحداثة في الروایة، فللشخصیة في الروایات الواقعیة علی سبیل المثال سمات وأوصاف تختلف تماماً عن سمات الشخصیات في الراوایات التي تتسم بصفة الحداثة أو مابعدالحداثة؛ «في الروایات الواقعیة تُبدع الشخصیات كأنها ذات نفوس، وهویة كل شخصیةٍ تنشأ من نفسها، ولكن في روایات مابعدالحداثة، كل شخصیة كأنها دالّ یوجد حسب إمكانیات اللغة فحسب، إذن كلّ ما یحسبه الواقعیون "النفسَ"، فهو مخلوق اللغة؛ أما علی رأی اصحاب مابعدالحداثة فإننا لا نستخدم اللغة للبیان بل اللغة تستخدمنا للبیان.» (پاینده، 1396ش: 65-66) اما بالنسبة لشخصیات هذه الروایة، فیمكننا القول بأنّه هناك عدة شخصیات في الروایة، لبعضهم وجودهم التاریخي الحقیقي وبعضهم الآخر ولید ذهن الكاتب، ولكن ما یلفت انتباهنا هنا، هو وجود شخصیات ثنائیة أو متضادة، بحیث تظهر الشخصیة في قسم من الروایة وكأنها غیر الذي كانت علیه سابقا. هذا التناقض وعدم القطعیة في بعض الشخصیات أو هذه الثنائیة الروحیة أیضا تُعدُّ من سمات مابعدالحداثة في الروایة، لأنه كل ما تدعو في الروایة المعاصرة إلی التفكك واللاانسجام في بنائها المعلوف، لیس إلا تمظهر من تمظهرات مابعدالحداثة فيها. «یرفض الكاتب في الرواية مابعدالحداثية منطق التجانس بين الشخصيات لكي يقدم خليطاً من الشخصيات التي تستمد تجانسها من اللاتجانس ومنطقها من اللامنطق الذي يحكم علاقاتها ومعقوليتها من اللامعقول الذي يسم فضاءاتها المختلفة؛ فالشخصيات تتشابك من أماكن وأزمنة مختلفة لتكون متواجدةً في إطار واحد، أي أنه خليط من شخصيات إنسانية مختلفة.» (بن عامر، 2019م: 71- 70) نفس الأمر الذي نراه في روایة فرسان وكهنة وسیأتي ذكره مع توضیح یسیر لأهم شخصیات الروایة.
یمكننا أن نسمیه الشخصیة الأولی في الروایة. قد مر بنا توضیح هذه الشخصیة سابقا ومع ما مر بنا یمكننا أن نقول: حاول "القباني" أن یضفي علی شخصیة "مراد قطز" كثیراً من سمات البطل مابعدالحداثي، فهو في الروایة تهیم في اللایقین والتشت وشيءٍ من اللاوعي الذي یسمیه بنفسه بالجنون؛ فهو یتردد بین الواقع والخیال ولا یمكنه أن یمیز الخیال من الواقع، فیعیش في جو ضبابي ویفقد عالمه الداخلي كما یشك بعالمه الخارجي، وكل ذلك یدل علی غرابة الأحداث علی غرار أدب مابعد الحداثة. 2.ب. عبد الرحمن أول وهلة واجه مُرادُ عبدَ الرحمن، شعر بكونه غیر واقعي وبعید عن عالمه الذي یعرفه: «نظر مُراد علی خلفه حیث كان المتحدث الذی ظهر فجأة من حیث لا یعلم فمنذ لحظات لم یكن هناك أحدٌ وكأنّه قد ظهر في باطن الأرض. أخذ الرجل یقترب منه... استغرب مُراد من هیئته التي بدت وكأنّها قد خرجت من مسلسل تاریخي لتلك التي دائماً ما تعرضها الفضائیات في شهر رمضان! فقد كان یرتدي سروالاً یعلوه قمیص أبیض یكاد طوله یصل الی تحت ركبتیه بقلیل، ومن فوقهما عباءة سوداء وعلی رأسه عمامة خضراء.» (القباني، 2014م: 93-94) عبدالرحمن في الروایة شخصیة ایجابیة تكاد تكون شیخاً كاملاً یرشد مراد ویقوده عند العقبات المحُرجة في التاریخ الذي یسیر فیه، ولكن یُری في شخصیته شیء من الغموض الذي یزید علی نسبیة الروایة وعدم قطعیتها؛ فكلما یواجه القارئ هذه الشخصیة یسأل من نفسه: من هو هذا الرجل؟ ماذا یرید؟ لماذا اختار الرجلُ مرادَ كي یرشده؟ من أین حصل علی هذا القدر من العلم والمعرفة؟ من أین أتی؟ إلی أین یذهب؟ ما صلته بالمراد؟ لماذا یأتي فجاة ویغیب فورا؟ ماذا یرید ولماذا یرید؟... مثل هذه الأسئلة الكثیرة تشغل بال القارئ دون أن یحصل علی نتیجة یذكر أو جواب مقنع؛ وهذه الحیرة التي تنتاب القارئ حیال هذه الشخصیة تعطي الروایة مسحةً مابعدحداثیة.
مع التعرف علی شخصیة "تبتنكر" كاهن المغول الأعظم، نراها تبدو خیالیةً أكثر من أن تكون واقعیةً، فتبتنكر یبعث دهشة یاسمي حفیدة چنكیزخان وخوفها عند دخولها المباغتة إلی خیمته: «عندما دخلت إلی خیمة تبتنكر، وهو في أحد خلواته الروحیة، لكی تری ماذا یفعل الكاهن عندما یغیب عن الأنظار بالأیام. كان مهیباً ذلك الیوم الذي سُمعت فیه صرخة لم یسمعها أحد من قبل! صرخة أشبه بانفجار رعد في سماء عاصفة! الكل ظنّ حینها أن تبتنكر سیلقي بلعنته علی یاسمي، التي بدا وجهها شاحباً، سواء من هول ما رأت في خیمة الكاهن أو من صرخته الغاضبة التي أیقظت النائم.» ( القباني، 2014م: 107) فهنا نواجه شخصیة سحریة غامضة، الشخصیة التي تدیر أمورها وراء ستار الوهم وتساعدها قوی غیبیة شیطانیة عظیمة: « وضع العشبة علی الصحن النحاسي فوق الجمرات متربعاً أمام الدخان...كانت هذه هي الوسیلة التي توارثها من آبائه لأجل الدخول إلی العالم الآخر! یتحرر الكاهن من عوائق الجسد وینتقل بین الأرواح فتتلاشی حواجز الزمن ویصبح تقسیم الماضي والحاضر والمستقبل بلا معنی...» (القباني، 2014م: 152) وجود هذه الشخصیة بین دفتي الروایة، تعطیها مسحة من الغموض والسحریة، هذه الشخصیة تتدخل فیما مضی وفیما یأتي من الأزمنة وهذا الأمر بدوره یسبب انفكاك الحبكة ویجعلها في دوامة من الحیرة والتشتت؛ الأمر الذي یقوي السمات مابعدالحداثیة في الروایة. 4.ب. المخلوق الهلامي في الروایة نواجه شخصیةً خیالیةً وهمیة تتصرف في بعض الأمور وتتدخل فیها وتغیر مسارَ الأحداث لصالح القوی الشیطانیة: «نظر إلیه ذلك المخلوق الهلامي بوجه لم یستطع تبیان ملامحه، وإن بدا له مألوفاً لسبب ما ثم ابتسم قبل أن یلامس صدر قائد القافلة بذراع من دخان أسود.» ( المصدر نفسه: 115)، وهو أول مرة رآها مُراد وهي تقوم بقتل قائد القافلة بوجه لا یعقل؛ وأما المرة الثانیة فتظهر علی مُراد في بخاری وتمنع إنذاره یاسمي حفیدة جنكیزخان من اقترابها من القلعة التي كانت الأعداء فیها بمرصدها. (المصدر نفسه: 208- 209) هذا المخلوق یتصرّف في الشؤون والأحداث بوجه لا یعقل وله أثر یذكر في مسار الروایة. كون وجود هذه الشخصیة الخیالیة في الروایة من جهة ووجود صلة مخفیة مبهمة بینها وبین مراد من جهة أخری تعطي الروایة غموضا وابهاما یسببان التشتت وعدم الیقین فیها. ج. التشتت الزمكاني ( الزمان المكان)[15] مصطلح " الزمكانیة" أحد مفاهیم میخائیل باختین المعقدّة وتعني حرفیا" الزمان المكان"، ولا شك أن باختین في تبنیه هذا المصطلح قد ربط سیولة العلاقة الزمانیة المكانیة – في نظریة أینشتین النسبیة- بالنقد الأدبي، خاصة النظریة النسبیة التي تقول إن الفصل بین الزمان والمكان أمر محال، لأن الزمان هو البعد الرابع للمكان وبالتالي بالنسبة إلی الروایة یری باختین أن أشكال الزمكانیة في صورها المختلفة تجسّد الزمن في المكان وتجسّد المكان في الزمن دون محاولة تفضیل أحد علی الآخر. (انظر: الرویلي، لاتا: 170) الزمان یُعتبر أحد مكوّنات العمل السردي، «فالزمن یمثل محور الروایة وعمودها الفقري الذي یشدّ أجزاءها كما هو محور الحیاة ونسیجها.» (القصراوي، 2004م: 36) والمكان سواء یكون واقعیاً أم خیالیاً یبدو مرتبطاً بل مندمجاً بالزمان؛ لذا یمكن القول بأن «الزمان والمكان یمثلان العامل الأساسي في تحدید سیاق الآثار الأدبیة من حیث اشتمالها علی معنی إنساني.» (فضل، 1987م: 356) وبما أن الزمان والمكان هما مكونا الفضاء التي تشكل فیه الوجود الإنساني؛ إذن الزمن المتشظي یتبعه المكان المتشظي وقد یصح قولنا بأن كل ما ذهب ذكره عن الزمان في روایة مابعدالحداثة، له مصداق أیضاً في قضیة المكان إلی حد كبیر حیث لا یری هذا البحث ضرورة للتفكیك بین مقولتی الزمان والمكان في دراسة الزمكان في مثل هذه الروایات، إذ إن المطروح هنا الزمكانیة؛ لا الزمان وحده أو المكان وحده. وأمّا الزمكان في الروایة مابعدالحداثیة فیتصف بالتشظي وعدم التتابع والتسلسل خطیاً في صیاغة النص الروائي «فأبعاد الزمن [في أدب مابعد الحداثة] تخضع للتشظي والتكسر، وتجاوز كل إشارة زمنیة یمكن أن تقود القارئ إلی التتابع وقد تحولت روایة الزمن المتشظي إلی شئ ما أشبه بالحلم والكابوس، حیث أبعاد الزمن تتجاوز كل ما هو منطقي وواقعي إلی حریة لانهائیة في التشكیل، یصل إلی درجة التشظي والتبعثر في النص الروائي.» (القصراوي، 2004م: 111) ففي روایة فرسان وكهنه نواجه شخصیة "تشارلز" أحد زملاء مُراد قطز الذي كان متولیاً لتتعین طاقم الأطباء بمستشفی الساعدي في الریاض، یتحدثه عن تعیینه لـ"بُندر" الجراح السعودي الممتاز، بدلاً من جراح أمریكي مزوّر وكذا تعیین مُراد باعتباره جراح تجمیل في سنة واحدة، بینما یعتقد مُراد بأنّه لم یُعَین في العام نفسه الذي عُیّن فیه بُندر ویظنّ أن الأزمنة تداخلت علی ذهن تشارلز "الجراح الأمریكی العجوز" أو ربما تداخلت الزمكان (الزمان المكان) علی مُراد إذ إنّه قبل توظفّه في المستشفی الساعدي بالریاض كان موظفاً في مستفشی بجدة: «استوقفت مُرادَ تلك الجملةُ الأخیرة... فهو لم یُعیّن في العام نفسه الذي عُیّن فیه بندر.. یبدو أن الأوراق قد اختلطت علی تشارلز، وكان یقصد طبیباً آخر عُیّن في ذلك العام... فلعلّ الأزمنة تداخلت علی ذهن الجراح الأمریكي العجوز، فخانته ذاكرته! أو هكذا حسب مراد قطز.» (القباني، 2013م: 44) «تحول السرد فی روایات مابعدالحداثة وأصبح بنیةً ثقافیةً متعددةَ المعارف وبانوراما حقیقیةً تمدنا بحقول أبستمولوجیة معرفیة في الاقتصاد والسياسه والاجتماع والفلسفة والفن والمباح والحرام، لذا بات الكاتب ينظر إلی التاريخ علی أنه وقائع سردية وإلی فلسفة علی أنها سفسطة... فضلاً عن الإلتباس وأثيرية الزمن والإحساس باللايقين وانهدام المعايير الثابة للقيم ويمكن أن نلمس هذا ظاهرياً عبر رحلات البحث الخيالية في أغلب الروايات.» (بن عام، 2019م: 34) فمثل هذه الرؤیة نراها في روایة فرسان وكهنة؛ حیث نواجه فیها أثیریة الزمن، اللایقین والرحلات الخیالیة وتداخل الواقع والخیال وعدم التمایز بینهما. في مشهد غریب آخر من الروایة، یجد مراد نفسه في قافلة تجاریة تسیر في الصحراء وفجأة هو یتنبّه أن جمیع الأحداث تمرّ به كشریط سینمائی لاینطبق فیه الزمكان مع المعاییر القائمة فیهما: «أنّه یسیر مع القافلة دون أن یتحرك بل إن رؤیته للأحداث التي كانت تقع من حوله هي أشبه بمشاهدة شریط سینمائی لا تخضع فیه معاییر الزمان أو المكان بما ألفه من قبل، كان یشاهد الأحداث من خلال أكثر من زاویة واحدة دون أن یعرف كیف كان بمقدوره فعل هذا! فكان یشاهدها تارةً متزامنةً وتارةً متعاقبة. (القباني، 2014م: 114) الأحداث التي تمرّ وتمضي أمام عیني بطل الروایة "مُراد قطز" هدّمت جمیع المعاییر المفروضة للزمكان؛ فبعض الأحداث التي كانت من المقرر أن تكون متزامنةً متماكنةً، [الالتقاء بها في مكان واحد] جاءت متعاقبةً وبالعكس؛ فكل ما مر بنا یدل علی تشظي الزمكان في الروایة، فالكاتب یحاول في أنحاء الروایة أن یغیّر السیر المكاني والزماني في الروایة من مسیره العادي. فیختلط الزمان والمكان بعضه ببعض في أحداثٍ، ما إن یعتقدها القارئ حقیقیةً حتّی تتبدل إلی شئ أبعد ما یكون من الواقع في اعتقاده. فهذا التلاشي الزمكاني في الروایة وفي سیر الأحداث یسبّب انفكاك الحبكة؛ الشئ الذي ندرسه تحت ظل سمات أدب مابعدالحداثة. وأما في مشهد آخر من الروایة وبعد رجوع "مُراد قطز" الی عتبات زمن هجمة المغول، فهو واقف في زاویة من مدینة بخاری ینظر من بعید إلی تصرفات "یاسمي" حفیدة جنكیز المثیرة لاستغراب الناس من حولها... وفجأة تظهر علی مُراد هیئة هلامیة لاملامح لها سوی وجهها، یحاول مُراد أن یهرب منها لكنّه وجد ذلك الكائن المخیف أحاط به من كل جانب دون أن یترك له مجالاَ للتحرّك وهو يبذل قصاری جهده كي یمنعَ مُرادَ من أن یتدخَّل في جریان أحداث التاریخ: «ما إن أنهی الكائن جملته حتی تحول المشهد من حولهما إلی مكان آخر تعرف علیه مراد، قصر والی أترار....ثم عاد المشهد مرة أخری إلی الحاضر ببخاری، ولكن هذه المرة بجوار القلعة، إلی حیث كانت یاسمي تتجه، غیر مدركة ما قد حدث منذ لحظات لرفقائها...» (القباني، 2014م: 208-209) في هذه المقاطع من الروایة تتغیر الأزمنة بتغییر الأمكنة أیضاً وهذا التغیر الزمكاني من طورٍ إلی طورٍ آخر وعدم تسلسل الزمكان تسلسلاً خطیاً حدت بمسار الروایة إلی التشظي والتشتت المقصود بهما في مابعدالحداثة. فبین دفتي الروایة نواجه مشاهدَ كثیرةً یتحیر فیه المراد/القارئ مما یكون فیه من الأزمنة والأمكنة، فالانتقال من مكان إلی مكان آخر ومن زمان إلی زمان آخر یحدث كثیرا في الروایة؛ وجود الأزمنة والعوالم الموازیة والإنتقال من واحد إلی الآخر سواء أیعلمها مراد/القارئ أم لا، یعدّ من سمات مابعدالحداثة في الروایة. د. الحبكة غیر المتماسكة لكل روایة حبكة وإن اختلفت في شكلها ودرجتها وعلی أي حال هناك نوعان متمیزان منها: الحبكة المنفكة والحبكة المتماسكة؛ تقوم القصة من النوع الأول علی سلسلة من الأحداث أو المواقف المنفصلة التي لا تكاد ترتبط برباط ما ووحدة العمل القصصي فیها لا تعتمد علی تسلسل الحوادث ولكن علی البیئة التي تتحرك فیها القصة أو علی الشخصیة الأولی أو علی الفكرة الشاملة التي تنتظم الحوادث والشخصیات جمیعاً وهكذا یستطیع الكاتب أن یقدّم مجموعةً من الحوادث الممتعة تقع علی شكل حلقات متتابعة لا تتصل واحدة منها بالأخری إلّا بذلك الرباط الذي یخفیه الكاتب لنا. (سلام، لاتا: 58) وأما الروایة ذات الحبكة المتماسكة فإنها علی العكس من ذلك تقوم علی أحداث مترابطة تسیر في خط مستقیم وتؤكد علی السببیة في أحداث الروایة والروابط المنطقیة بینها؛ «تبدأ القصة بمقدمة والغرض منها أن تهیئ القارئ لفهم ما سیأتي ثم تتوالی الأحداث وتتخللها مفاجئات تحتاج إلی تفسیر، ویجب أن تكون هذه الحوادث منطقیةً في وضعها، وإلاّ فقدت القصة قیمتها، وبنموّ الأحداث والحوادث المفاجئة یشتد الصراع في القصة حتی تصل إلی ذروة التعقید، وبعد هذه المرحلة تبدأ الأشیاء تتضح وتأخذ الحبكة في الانكشاف وتتجه القصة نحو نهایتها للوصول إلی غایتها أو هدفها.» (المصري، 2009م: 151) علی کل حال، روایة "فرسان وكهنة" تخلو من الحبكة المتماسكة المنطقیة، والاضطراب یبدو جلیاً في معظم مشاهد الروایة حیث نواجه كثیرا من المشاهد التي تفقد التسلسل المنطقي بین أحداثها مضافاً إلی بعض كلمات الروایة التي تنصّ علی الحبكة المنفكة في حیاة الانسان العصریة ومن ثم ظهورها في هذه الروایة وأمثالها باعتبارها مرآةً مستویةً تعكس المجتمع الیوم وأحواله المضطرب المرعبة. «لقد اهتمت الروایة التقلیدیة بتحلیل السرد والوصف القائم علی الحبكة المتماسكة والاهتمام بالشخصیة والتركیز علی ایهام القارئ بتاریخیة هذه الشخصیة وقد أصبح الاهتمام الیومنفي الإیهام وهذا یعنی عطب الذاكرة والالتباس والتصدع وعدم الیقین، إذ یشعرنا الرواي بأنه یعرف ثم ما یلبث أن یعلن أنه لا یعرف، ویطلق علی هذا النفي بالإیهام بالیقین ویعمل علی التشكیك في قدرة الكلام أو في قدرة المتخیل الحكائي علی أن یكون حقیقیاً بذاته أو بعلاقة مع الواقعي أو مع معنی واحد لیس هو في حكایته سوی وجه قابل للتعدد وتعدد المرایا والرواة. (بن عامر، 2019م: 34) من الشواهد التي تدل علی عدم وجود تسلسل منطقي في مسار الروایة موقف یفاجئ فیه القارئ بسقوط مُراد قطز من سطح البرج العالي (راجع: القباني، 2014م: 86)، ولكنه لا یموت بل یجد نفسه في زمان ومكان آخر یختلف تماماً عما كان یعرفه: « كل شئ من حوله قد تغیر... "أین ذهبت المباني؟ أین فیرجینیا وحراسها؟ لم یَر حوله سوی أرض سهلة خضراء تحیط بها جبال شامخة في الأفق"كیف حدث هذا؟ أهذا هو الموت أم أني أحلم؟" ظلّ مراد ینظر حوله من جمیع الاتجاهات، في حالة من التوهان، باحثاً عن أی شئ یفسّر له هذا الذي یحدث! ولكن لا شئ سوی أرض خضراء وسماء زرقاء ونسمات ریح باردة قائمة من الشرق... كیف جاء إلی هذا المكان؟ كاد یجن وهو یحاول استعراض جمیع الاحتمالات الممكنة، فلم یجد أي احتمال قادر علی تفسیر هذا الأمر الذي قد صار إلیه.» (نفس المصدر: 93) وجود سلسلة من الأحداث والمواقف المنفصلة التي تعتمد علی الشخصیة الأولی كرباط یعمل في وحدة العمل القصصي یعدُّ من سمات الحبكة غیر المتماسكة ؛ الأمر الذي نراه جلیاً في روایة فرسان وكهنة. فهذه الروایة تحدث في بیئات تختلف بعضها عن بعض في زمان ومكان روایتها والأمر الذي یربط بینها هو وجود الشخصیة الأولی یعني مراد قطز الذي نجده فیها بصور مختلفة. فروایة فرسان وكهنة تتمیز بتشتّت الحبكة وعدم تماسكها باعتبارها سمةً من سمات مابعد الحداثة التي قد تتجلی في بعض الأعمال الأدبیة الأخری المنتسبة بفكرة مابعدالحداثة، وقد تقود الروایة تجاه التشتت والاضطراب. ه. الإحالات العلمیة والدینیة الإحالة (التناص) هو ظاهرة تشترك بین نصوص الحداثة ومابعدالحداثة ووظّفت من أجل هدم انسجام النص وانفصاله، والتي تتلاقی فیها النصوص، وكل نص هو قطعة فسیفسائیة من الاقتباسات وقطعة من النصوص الأخری. والتناص یتحدی فكرة النص المغلق والنص المكتمل، وتعتبر نتیجة من نتائج رؤیة مابعدالبنیویة في النص التي تری الدلالات والمدلولات الموجودة في النص لامتناهیة ولامحدودة. «تتضمن مابعدالحداثة علی المفاهیم التالیة: اللعب، الصدفة، التشتت، النص /التناص... النص المكتوب أي النص التعددیة القرائیة، المفتوح، المتغیر، المتجدد باستمرار.» (أماني، 2010م: 85) فلا غرو أن یصادف هذا النص عدداً ملحوظاً من النصوص العلمیة والدینیة و... التي أدّت إلی تشظي النص وانفصاله بدلاً من وحدة النص وانسجامه. أولا: التناص العلمي عدم القطعیة وشيء من الغموض واللایقن یُعدُّ من أهم سمات مابعدالحداثة، في هذه الروایة حاول الکاتب أن یثري نصه بالنصوص العلمیة الدقیقة التي تحکي من جهة سعة اطلاع المؤلف علیها ومن جهة أخری سببت بعض الغموض والتداخلیة في النصوص، الأمر الذي یُعتبر من سمات مابعدالحداثة. کما مر بنا، كثیر من أحداث هذه الروایة أو قسم غیر قلیل منها وقعت في بیئات علمیة أو علی الأقل في مشاهد فیها بعض العلماء والفلاسفة ورجال العلم والدین، فمن البدیهي أن نواجه في الروایة بعض المحادثات والمناظرات العلمیة وعلینا أن نأخذ هذا الأمر بعین الاعتبار في دراسة الروایة. من هذه المواقف التي تداخلت النصوص العلمیة في نص الروایة، هو موقف نصادف فیه مناظرةً في التبیین والتركیز علی نظریة انیشتاین النسبیة، تلك النظریة المعروفة التي جاءت في هذه الروایة من أجل التوثیق علی نسبیة الحقیقة وعدم كونها مطلقة من رؤیة فكرة مابعدالحداثة. ففي موقف منه یدخل شیخ إبراهیم، أحد المدعوین في ضیافة أقام بها رئیس المستشفی غانم الساعدي في الریاض لارتقاء مكانته الاقلیمي والدولي بجانب الصعید المحلي، في نقاش ساخن مع "فیریجینیا" وهي امرأة أمریكیة عبقریة حصلت علی الدكتوراه في الفیزیاء والكیماء في سن العشرین؛ فالشیخ یعتقد بثبوت قواعد الحیاة بینما تجیبه فیریجینیا قائلةً: «أتفق معك یا شیخ إبراهیم بأن قواعد الحیاة ثابتة ولكن فهمنا لهذه القواعد متغیر... فمثلاً كان الإنسان قبل مائة عامٍ یعتقد أنّ الزمن ثابت غیر متغیر، ویسیر في اتجاه واحد، إلی أن أثبت انیشتاین أن هذه النظرة غیر صحیحة وأن الزمن عبارة عن بُعد رابع متصل بالمكان، وأنّه نسبي ... الزمن الذي یمرّ علی شخص یتحرك غیر الذي یمرّ علی شخص ساكن، وبقدر سرعة ذلك الشخص المتحرك، بقدر ما یتباطأ الزمن، هذه حقیقة علمیة أثبتتها التجربة، ولكن الكثیر من الناس لا یدركونها... فبحسب فيزیاء الكمّ، العالم كله قائم علی الاحتمال ولیس علی الیقین، فكل شيء قابل للتحقق مهما كانت غرابة ذلك شئ، هي فقط مسألة الاحتمال.» (القباني، 2014م: 56-57) مضافاً إلی نظریة الوتر الخارق الفیزیائیة (القباني، 2014م: 59) التي تستند علیها فیرجینیا لإثبات عدم كون المعاییر الأخلاقیة مطلقاً بل نسبیاً. مثل هذه المشاهد نراها في الروایة وتتخلل أحداث الروایة وتعطیها مسحةً حداثیةً ومابعدحداثیة علی السواء لأن هذه الظاهرة كما مر بنا تشترك بین سمات الحداثة ومابعد الحداثة. ثانیا: التناص الكلامي الدیني كثیراً ما نقرأ في الروایة كلمات تحكي عن نصوص دینیة واعتقادیة مختلفة تداخلت هذا النص مهما كانت من قبیل موضوعات عن العقیدة المانویة في قضیة الخیر والشر (القباني، 2014م: 108 -11) أو عن قضیة الجبر والاختیار عند المعتزله والأشاعرة أو عن اعتقاد المتكلمین بكون القرآن قدیماً والذي نشیر إلیها في هذا الموقف نموذجاً. في مقطع من الروایة یراجع "محمد طوسی" الفتی المحبوس في بخاری - من أجل اعتناقه لمذهب الاسماعیلي الباطني - ذكریاته عندما كان فتی في الثانیة عشرة من سنه وقد جرت مناظرة بین یوحنا الناسخ المسیحي وبین علماء طوس في كون المسیح قدیماً أو حدیثاً باعتباره كلام الله، وعندما صادف باجابة العلماء بقِدم القرآن سألهم: «إذاً لماذا تعتبرون كلامَ ربكم قدیماً وكلمته التي ألقاها إلی مریم محدثةً؟ المنطق یقول إن عیسی بن مریم قدیم لأنّه كلمة الله ولأن القدیم لا یمكن أن یكون مخلوقاً ولا یوجد قدیم سوی الله فهذا یعني أن عیسی هو الله.» (نفس المصدر: 177) عجز علماء طوس عن إجابته، فسمع واصل بن غیلان- الذي یتلمّذ علیه محمد الطوسي لاحقاً- من خلال سفره في المدینة، أخبارَ هذه المناظرات وطلب مناظرة یوحنا الناسخ... وفي جواب سؤاله الأول عن كون القرآن قدیماً أو حدیثاً «أجابه بأن علمه قدیم ولكن لفظه مخلوق، لم یأنس یوحنا هذه الإجابة التي أفسدت علیه سؤاله الثاني عن المسیح...(وأخیراً) بهت یوحنا الناسخ وانطفأت فتنته.» (نفس المصدر: 177-178) هذا یعدّ نموذجاً موجزاً من نماذج غیر قلیلة استخدمها الكاتب في نص الروایة ومع أن أمثال هذه النصوص قد جعلت النص أكثر غناءً وثراءً، لكنها قد تؤدي إلی تشتّت النص وانفصاله عن سیر أحداث الروایة الأصلیة، الأمر الذي یعتبر من مقومات نص مابعدالحداثة . النتیجة اختص هذا المقال بدراسـة الملامح مابعدالحداثیة في روایة "فرسان والكهنة" وحاول أن یتطرق إلی بعض السمات العامة التي یمكن أن تُعدّ من سمات وملامح مابعدالحداثة فیها. فبَعد دراسة الروایة علی منهج الوصفی التحلیلی وتقصّي الظواهر مابعدالحداثیة فیها یمكن أن یلخّص النتائج علی غرار التالي: - عدم تمایز بین عالم أو عوالم الخیال وبین عالم الواقع من وجهة بطل القصة أو القارئ حیث قلّما یُری بینهما فارقٌ ما، وقد نلمس لحظات في الروایة تتناقض الظروف السائدة في المجتمع الذي تحكي عنه مع ثقافتها القائمة فیها، وإن الأمور باعتبارها واقعیةً أو خیالیةً قد تشتبه علی بطل الروایة، وتنتقل حالته هذه إلی القارئ ویؤدي إلی عدم یقینه بكون الحادث خیاليا أم واقعياً. - توظیف الروایة شخصیاتٍ خیالیةً بجانب شخصیات واقعیة تاریخیة منهم: 1.عبد الرحمن، الشیخ المرشد الغامض في تصرفاته 2. تبتنكر: كاهن المغول الأعظم 3. المخلوق الهلامي المخیف الذي یتصرف في الشئوون والأحداث بوجه لا یعقل. - حضور شخصیات حقیقية في الروایة خرجوا من واقعهم الذی نعرف عنهم وكذا اختلاط هذه الشخصیات مع شخصیات خیالیة أو حضورهم في الزمكان الذي لا یتعلق بهم مع شیء من الغموض واللاعقلانیة في أفعالهم وتصرفاتهم. - التشتت الزمكاني (الزمان المكان) في الروایة وعدم التتابع والتسلسل خطیا، فکثیر من أحداث الروایة وقعت في سیر غیر خطي من الزمان أو المکان أو الزمکان، الرجوع من الماضي إلی الحاضر الذي یُعدُّ مستقبلاً بالنسبة إلی ذاك الماضي، السیر بین الأزمنة، وجود شخصیات ثابتة في الأزمنة المختلفة وغیر ذلك من الملامح الذي مرّ ذکرها في هذا البحث تدخل مباشرة تحت إطار هذا الموضوع یعني التشت الزمکاني في الروایة. - صوغ الروایة علی أساس حبكة منفكة غیر متماسكة والتي تقود إلی التشویش والاضطراب. في الروایات الکلاسیکیة العربیة، نواجه حبکةً متماسکةً تبدأ من نقطة الشروع وشیئاً فشیئاً تصل إلی الذروة وبعد ذلك وفي نهایة الروایة تصل إلی الحل والنتیجة، أما في روایات ما بعد الحداثة فنواجه حبکةً منفکةً ونفس هذا الانفکاك في الحبکة نراه في روایة فرسان وکهنة بحیث یشک القارئ في کل شيء في الروایة ولا یمکن له أن یحدّد بین ما هو قطعي واقعي فیها وبین ما هو حلم أو مجرد قصة قصها إحدی الشخصیات دون أن تحدث حقیقةً. - تداخل أرضیة الواقع بالخیال وظهور أرضیة هلامیة یتدخل فیها الواقع أو واقعیة تختلط بالخیال والوهم بحیث یری القارئ نفسه في جو ضبابي ینهار أمامه فجأةً كل ما یعتقده بأنه الحقیقة في الروایة وتكرار هذه الظاهرة في الروایة برمتها؛ فاستخدم الكاتب بعض أدوات مابعدالحداثة بطریقة مطبوعة دون أی تكلف وتعمّد، ویبدو أن التشتت والاضطراب اللذینِ یسودان علی النص جاءا إثر توظیف الكاتب بعضَ تقنیات مابعدالحداثة مضافاً إلی اطلاع كاتب الروایة الواسع علی شتی العلوم من الفیزیاء، الفلسفة والتاریخ و ... في مختلف جوانبها وتوظیف بعض آرائها المتلائمة مع اتجاه مابعدالحداثة، من أجل تحكیم بناء الروایة.
[3] .Ihab Hassan [4] .David Ladge [5] .Boudrillard [6]. Metanarrative [7]. Huthean [8]. Connor [9]. Jameson [10] . Bauman [11] . Norris [12]. Brian Mac Hale [13]. Epistemology . [14]. Ontology . [15] chronotope | ||
مراجع | ||
المصادر الفارسیة
پاینده، حسین. (1383ش). مدرنیسم وپسامدرنیسم در رمان. تهران: روزنگار.
ــــــ (1388ش). نقد ادبی ودموكراسی:جستارهایی در نظریه ونقد ادبی جدید. تهران: نیلوفر.
ــــــ (1389ش). داستان كوتاه در ایران: داستان های مدرن. تهران: نیلوفر.
ــــــ ( 1396ش). داستان كوتاه در ایران( داستان های پسامدرن). تهران: انتشارات نیلوفر.
تدینی، منصوره. (1388ش). پسامدرنیسم در ادبیات داستانی ایران. تهران: علم.
حسن زاده نیری، محمدحسن؛ اسلامی، آزاده. (1394ش). «هستی شناسی پسامدرن در داستان "من دانای كل هستم" بر اساس نظریه برایان مك هیل». ادبیات پارسی معاصر. زمستان 1394. سال پنجم - شماره 4. صص 42-25
شریفیان، مهدی؛ لطفی عزیز. مهدی. (1392ش). «وجودشناسی پسامدرن در داستان "رؤیا یا كابوس" نوشته ابوتراب خسروی نظریه وجود شناختی مك هیل)». مجله پژوهشنامه ادبیات. پاییز 1392. سال اول - شماره 4 . صص 78-59
وُ، پتریشیا. (1383ش). مدرنیسم وپسامدرنیسم: تعریفی جدید از خود آگاهی ادبی. مدرنیسم وپسامدرنیسم در رمان. گرد آوری وترجمه حسین پاینده. تهران: روزنگار.
المصادر العربیة
أصغری، جواد. (1432ق). «الحداثة ومابعدالحداثة في روایة "البحث عن ولیدمسعود" لجبرا إبراهیم جبرا.» اللغةالعربیة وآدابها. العدد 12. 8-5
أماني، أبورحمة. (2010م). جمالیات ما وراء القص دراسات في روایة مابعدالحداثة. دمشق: دار النینوی للنشر.
أطمامة، حسن. ( 1999م). قراءة النص. لامک: دار الثقافة. الدار البیضاء.
بن عامر، سمیرة. (2019م). ملامح مابعد الحداثة فی روایة خرائط لشهوة اللیل لبشیر مفتی. الجزایر: جامعة حمد بوضیاف.
جابري نصر، أحمد ورسول بلاوي. (2020م) «مفهوم الحداثة ومابعد الحداثة بین التقنین واللاتقنین». مجلة المفکر. المجلد الرابع. العدد الأول. صص 48-21
الحسیب، عبد الحمید. (2014م). الروایة العربیة الحدیثة. ط1. الأردن: عالم الكتب الحدیث.
حسن القصراوي، مها. (2004م). الزمن في الروایة العربیة. ط1. بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات النشر.
حمریط، ریمة. (2014م). رسالة «الحداثة ومابعدالحداثة قراءة في كتاب المرایا المحدبة.» الجمهوریة الجزائریة: لانا.
حسن، ایهاب. (1997م). «نحو مفهوم لمابعدالحداثة.» الكرمل. رام الله.
دراج، فیصل. (1997م). «مابعدالحداثة في عالم بلا حداثة.» الكرمل. رام الله.
الرویلي، میجان وسعد البازغي (لاتا). دلیل الناقد الأدبي. الطبعة الثالثة. المركز الثقافي العربی. لامک: لانا.
سلام، محمد زغلول. (لاتا). دراسات في القصة العربیة الحدیثة. مصر: دار المعارف الاسلامیة.
الشیخ، محمد؛ الطائري. یاسر(1996م). مقارَبات في الحداثة ومابعدالحداثة. الطبعة الأولی. بیروت: دار الطلیعة للطباعة والنشر.
صاعدی، أحمد رضا؛ جعفری زاده عالیه. (1391ش). «دراسة مابعدالحداثة في روایة " براری الحمی" لإبراهیم نصرالله.» بحوث في اللغة العربیة وآدابها. العدد7. خریف وشتاء. صص 130-113
فاروق، السید. (1997م). جمالیات التشظي. ط 1. القاهرة: دار شرقیات للنشر.
فضل، صلاح. (1987ش). النظریة البنائیة في النقد الأدبي. الطبعة الثالثة. بغداد: دار الشؤون الثقافیة العامة.
القباني، منذر. (2014م). فرسان وكهنة. ط1. بیروت: الدار العربیة للعلوم ناشرون.
القصراوي، حسن. (2004ش). الزمن في الروایة العربیة. ط1. بیروت. المؤسسة العربیة للدراسات والنشر.
لاج، دیوید. (1386ش). نظریه های رمان. گرد آوری وترجمه حسین پاینده. تهران: نیلوفر.
مكهیل، برایان. (1392ش). داستان پسامدرنیستی: ترجمه علی معصومی. تهران: ققنوس.
المصري، عبد الغني؛ البرازي، مجد محمد. (2009م). تحلیل النص الأدبي بین النظریة والتطبیق. ط1. الأردن: مؤسسة الوراق للنشر والتوزیع.
مقورة، جلول. (2018م) من الحداثة إلی ما بعد الحداثة، مجلة الدراسات والبحوث الاجتماعیة. جامعة الشهدی حمة لخضر. العدد28. صص 315- 302
المصادر الإنجلیزیة
Lewis,Barry.(1998)PostmodernThough,Ed.Stuartssim,Cambridge:icon books,121-133.
Baudrillard,Jean(1994)simulacra and simulations,trans.S.faria and Ann Arbor.mi:university of Michigan Press.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 443 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 978 |