تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,629 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,554,615 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,727,532 |
المناسبات العائلية وفجوة الأجيال في الرواية الجزائرية المعاصرة على ضوء تحليل الخطاب الفوكوي؛ رواية "الساق فوق الساق في ثبوت رؤية هلال العشاق" لأمين الزاوي نموذجاً | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
دوره 11، شماره 43، آذر 2021، صفحه 107-126 اصل مقاله (223.9 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
علی صباغیان* 1؛ کبری روشنفکر2 | ||
1طالب دكتوراه في اللغة العربية وآدابها، جامعة تربيت مدرس، طهران، إيران | ||
2أستاذة في اللغة العربية وآدابها، جامعة تربيت مدرس، طهران، إيران | ||
چکیده | ||
ازدادت حدة الخلافات حول الآراء بين مختلف أجيال الأسرة بعد ظهور التغييرات الجذرية إبان الثورة الصناعية في العالم وبعد نمو المستويات المعيشية والاقتصادية في حياة الناس وكذلك بعد تطور التعليم والاستقلال النسبي بين أفراد الأسرة التي تزامنت كلها مع زوال نظام الأسرة النواة التي كان لها رأس واحد وهو الأب عمومًا، حيث أدت إلى تكوين تغييرات ملحوظة وفجوة عميقة نعرفها اليوم باسم فجوة الأجيال. قدم ميشيل فوكو في القرن العشرين، نظرية واسعة تدعى "تحليل الخطاب" وأكد فيها على أن الألفاظ تملك معان مختلفة في مختلف المواقف فيمكن دراسة اختلاف المواقف بين الأجيال المختلفة على أساس تحليل الخطاب الفوكوي بأن هذه الخلافات تنبع من اختلاف المواقف، وبما أن الرواية على صلة بالمجتمع، فنحاول في هذا المقال دراسة العلاقات بين الأجيال وكذلك العلاقات الأسرية ومعالجة الفجوة الجيلية بين أعضاء الأسرة في الرواية الجزائرية المعاصرة من خلال تناول رواية "الساق فوق الساق في ثبوت رؤية هلال العشاق" لأمين الزاوي. يعتمد أسلوب البحث في هذا المقال على المنهج النقدي ونعتزم استكشاف وتفسير كيفية ومدى تأثير تغيرات المجتمع على المناسبات العائلية والخطاب السائد في الأسرة والمجتمع ضمن الرواية المعاصرة ونستمد في دراستنا من تحليل الخطاب لميشيل فوكو. فالخطاب عنده هو مجموعة من الافتراضات التي تجسد مفهومًا عامًا ويستخدم لمعرفة العوامل الخارجة من إطار النص وتأثيرها على المضمون وهو يعتبر طريقة نوعية وموضوعية لتحليل النص. لذلك لعل من أهم النقاط التي يمكن ذكرها نتيجة لهذا المقال هو استقلال أفراد الأسرة وبالتالي تعبيرهم عن الشعور الداخلي والمواقف الشخصية بحرية أكثر ونتيجة لذلك حدثت خلافات بين الأجيال والآراء المختلفة، كما أن الصراع بين التقليد والحداثة يغذي هذه الخلافات. | ||
کلیدواژهها | ||
تحليل الخطاب؛ فجوة الأجيال؛ سلطة الأب؛ أسرة النواة؛ الرواية الجزائرية؛ أمين الزاوي؛ الساق فوق الساق في ثبوت رؤية هلال العشاق | ||
اصل مقاله | ||
شهدت الأسرة تغييرات كبيرة بعد الثورة الصناعية إضافة إلى التغيير في نمط حياة الإنسان، بحيث تختلف المفاهيم والقيم والأعراف ومباني الأسرة في الفترة المعاصرة اختلافًا جوهريًا عما عرفناه في القرون الماضية وبما أن في المفهوم الجديد للأسرة، لم تعد هذه المؤسسة تعتبر وحدة اقتصادية، «انخفضت سلطة الأب اقتصاديًا وأصبح جميع أفراد الأسرة جزءًا من المجتمع. وفي الوقت نفسه، زادت سلطة المرأة وتم تفويض جزء من وظائف الأسرة إلى المنظمات الاجتماعية مثل التعليم.» (أوغ و نيم، 1349ش: 38) وأدى تقليص صلاحيات الأب في الأسرة، إلى تعزيز موقف الأعضاء الآخرين في الأسرة وعلى هذا، فإن احتكاك هذه المواقف مع البعض، شكّل الخلاف بين الأجيال؛ فالخلاف بين الأجيال بالمعنى الحالي، لم يكن موجودا حتى الفترة المعاصرة وحتى الثورة الصناعية على وجه الخصوص، التي تضمنت تغييرات عميقة في مختلف المجتمعات، والحقيقة أن قضية الأجيال والفجوة بينها «تبدأ عندما تشتد وتيرة التغيير في المجتمع.» (يوسفي مقدم و ذکايي، 1396ش: 52) وكذلك فلقد أصبح الشباب، -كهيكل اجتماعي وثقافي وبيولوجي يقوم على التغيير الاجتماعي ويستجيب له-، موضوعًا جذابًا ومحوريا لمختلف الخطابات. إنّ تسارع التغيرات التي يمر بها المجتمع الانتقالي في الدول الإسلامية وتنوعها وكذلك التغيرات الهيكلية والمؤسسية المرتبطة بها، أعطت أبعادًا أكثر تعقيدًا وأهمية لقضية الشباب، ومن الصحيح القول بأن «طبيعة القضايا والظروف التي يجد فيها الشباب أنفسهم، قد شهدت اختلافات جوهرية متأصلة في المحتوى مقارنة بما شهده جيلهم السابق.» (ذکايي، 1386ش: 9-10) غطت الروايات الجزائرية المعاصرة مجموعة متنوعة من الموضوعات من البداية إلى الوقت الحاضر. من بين أهم هذه الموضوعات يمكن الإشارة إلى الموضوعات العائلية، والاجتماعية، والسياسية. تتناول العديد من الروايات الجزائرية المعاصرة، ثورة الجزائر واستقلالها عن الاحتلال الفرنسي، إضافة إلى "العشرية السوداء" التي شهدت فيها البلاد، حربا دامية بين الحكومة والجماعات المعارضة. «أبحر أدباء الجزائر بإبداعاتهم المختلفة سواءا أكانت شعرا أم نثرا، يغوصون في تجلية الواقع الأليم الذي كانت له تأثيرات سلبية على شرائح المجتمع المختلفة، محاولين إعطاء ملامح عامة عن المجتمع الجزائري خلال العشرية السوداء.» (شهبر و مهود، 2016م: 8) إضافة إلى العشرية السوداء التي تعتبر من مصادر إيهاء الروائيين الجزائريين ومن مميزات الرواية الجزائرية المعاصرة، فإنها تميزت «بروح نقدية قبل أن توجد في بلدان عربية أخرى، ومعنى هذا أن الرواية العربية الجزائرية شديدة المحلية واضحة الوطنية ومرتبطة أقوى الارتباط بهموم الإنسان الجزائري وأشواقه المقدسة ومن ثم احتلت الرواية الواقعية مساحة ممتازة من النتاج الروائي الجزائري، فلا نكاد نجد الرواية التاريخية التي تتخذ من الواقع التاريخي مجالا إبداعيا تعبر فيه عن أحداثه وشخوصه برؤية واعية يتفاعل فيها الماضي مع الحاضر وتؤدي العناصر الفاعلة فيه دورها في عملية الإسقاط التي تكشف الحاضر وتفضح خباياه.» (عثمان، 1998م: 73) ومن رواد الرواية الجزائرية، هو الروائي أمين الزاوي الذي يُعرف بنهجه الفريد في كتابة الرواية. يعتبر نهج أمين الزاوي في الكتابة نهجا فريدًا بين الروائيين الجزائريين لأنه يضيف محتوى جديدًا إلى رواية البلاد ويستخدم محتوى غريبا في رواياته. فإنه يولي اهتمامًا كبيرًا في أعماله للإنسانية «وقد عمل تميز خطابه على إعطائه دفعة نحو العالمية خصوصا لما تميز به من أبعاد إنسانية ومناقشته لقضايا جريئة وعابرة للجغرافيا في زمن يخشى فيه الكثير قول الحقيقة كما هي، ولعل الجرأة وكسر التابوهات والتمرد على كل التقاليد والأعراف هو ما جعل الروائي يتصدر بأعماله طليعة الروائيين الجزائريين ذوي الحضور العالمي، فقد تمرد عبر خطابه الرافض، وأطلق العنان لمرحلة جديدة في السرد الجزائري، تتجاوز كل الماضي وتؤسس لذاتها عالما خاصا، ولم تقتصر الجرأة في الموضوعات بل جربت روايات الزاوي في مختلف تقنيات السرد الحديثة، فتلاعبت بالزمن وكسرت حواجز الفضاء، وكثّفت اللغة ومزجتها بالشعرية.» (قريرة، 2018م: 2) ولمعرفة وتحليل رواية "الساق فوق الساق في ثبوت رؤية هلال العشاق" لأمين الزاوي على أساس تحليل الخطاب لميشيل فوكو، نحتاج أولا إلى تقديم تعريف من هذه النظرية. أهداف البحث يرمي هذا البحث إلى:
ونحاول من خلال البحث، العثور على الإجابة عن هذا السؤال: «كيف تغيرت العلاقات بين الأجيال وكذلك العلاقات الأسرية في رواية الساق فوق الساق في ثبوت رؤية هلال العشاق؟» ونسعى إلى التدقيق في الرواية للإجابة عن هذا السؤال. ولذلك فنحاول في هذا المقال دراسة العلاقات بين الأجيال وكذلك العلاقات الأسرية ومعالجة الفجوة الجيلية بين أعضاء الأسرة في الرواية الجزائرية المعاصرة من خلال تناول رواية "الساق فوق الساق في ثبوت رؤية هلال العشاق" لأمين الزاوي. ونعتمد على المنهج النقدي ونعتزم استكشاف وتفسير كيفية ومدى تأثير تغيرات المجتمع على المناسبات العائلية والخطاب السائد في الأسرة والمجتمع ضمن الرواية المعاصرة ونستمد في دراستنا من تحليل الخطاب لميشيل فوكو. فيرصد هذا المقال العلاقات في الأسرة الجزائرية وذلك بقراءة رواية "الساق فوق الساق في ثبوت رؤية هلال العشاق" للروائي الجزائري أمين الزاوي الذي يعد من الكتّاب المتميزين للرواية الجزائرية ويعتبر رمزا من رموز الرواية الحديثة في الجزائر. ونهدف من خلال المقال، إلى البحث عن كيفية المناسبات العائلية في الرواية الجزائرية المعاصرة وكذلك البحث عن عينات من الفجوة بين الأجيال باستخدام تحليل الخطاب لميشيل فوكو. أسئلة البحث
فرضيات البحث
خلفية البحث والدراسات السابقة
تناولت الباحثتان، السلطة الذكورية في رواية "رجالي" لمليكة مقدم. السلطة التي تبلورت في السلطة الأبوية. تواجه البطلة أشكال العنف الأسري و الحرمان العاطفي كونها أنثى وليست ذكر، ويعد الأب، الرجل الأول الذي حرّمها من الحب والعاطفة، وقد أدركت ذلك في طفولتها إذ تحس بالتمييز بينها وبين إخوانها الذكور، كما أدركت اهتمام الأسر الجزائرية بالذكور وإهمالها للإناث. تكمن أهمية هذه الدراسة وذكرها في خلفيات البحث في معالجتها موضوع السلطة الذكورية في الرواية الجزائرية التي تشكل نوعا من المناسبات العائلية في الأسرة الجزائرية.
تعرّف الباحثة تعريفا مفصلا عن معاناة البشر في الوصول إلى الأمن وتقدم مقدمة كاملة حول هذا الموضوع ثم إحاطة عن المخاطر التي تهدد المجتمعات اليوم وتعرّف المصطلحات التي تستخدم في تعليم الفرد كالدور والتجديد الوظيفي إلخ. تستنتج الباحثة أنه في نسق التحديات الحضارية الجديدة، وفي ظل ما يشهده العالم من تحولات اجتماعية واقتصادية وتربوية وتكنولوجية وإيكولوجية بالغة الخطورة شكلت في جملتها مجتمع المخاطر العالمي، لا يزال التجديد التربوي يشكل هاجس المجتمعات الإنسانية ولا يزال الحلم في بناء تربية متجددة ونظم تعليمية قادرة على تجاوز الازمات والمخاطر التي تواجه الإنسان والانتقال به إلى عالم آمن يتسم باستدامة الحرية، والعدالة والمساواة قائما.
يقدم الكاتب تعريفا عن مجتمع المخاطر ويقول إنه مصطلح برز خلال التسعينات من القرن الماضي لوصف الطريقة التي يقوم فيها المجتمع الحديث بالاستجابة للمخاطر. ثم يقدم سيرة ذاتية عن أولريش بيك ويدخل في مجال تعريف العولمة واللامساواة وتعد هذه المصطلحات من مداخيل مصطلح مجتمع المخاطرة. ترتبط هذه الدراسة بدراسة المجتمع وبما أن الأسرة تعتبر من أركان المجتمع الوطيدة، فيبدو أن هذه الدراسة ومثلها يمكن أن تساعد الباحثين في معرفة الأطر المختلفة لدراسة الأسرة والنظريات التي يمكن أن تساعد في فهم أركان المجتمع. يستنتج الباحث أن المثل الأعلى في المجتمع الكلاسيكي أو الصناعي كان هو المساواة. وكانت مفاهيم الرفاهية والإنسانية والحرية والمساواة مستوحاة من التنوير. يتم التخلي عن هذا المثل الأعلى في الحداثة الجديدة. في الحداثة الكلاسيكية حقق الناس التضامن لتحقيق المساواة. ولكن في الحداثة المتقدمة المعاصرة ، تم العثور على محاولة لتحقيق التضامن في البحث عن الهدف السلبي والدفاعي إلى حد بعيد المتمثل في تجنب المخاطر. الخطاب عند ميشيل فوكويعد الخطاب من أبرز مفاهيم العلوم الإنسانية والاجتماعية ومن المفاهيم المفتاحية الذي كان له دور هام في تشكيل الفكر الفلسفي والاجتماعي والسياسي عند المفكرين الغربيين في النصف الثاني من القرن العشرين. يعتبر خطاب ميشيل فوكو، خطابا سائدا بين المنظرين والكتّاب، على الرغم من أنه يصرّ ألا يسمي فكرته نظرية. «كان فوكو يستخدم الخطاب للإشارة إلى إجراءات منظمة والتي تنطبق المعايير.» (سليمي، 1378ش: 35) أحدث تحليل الخطاب بشكل عام في القرن الماضي سلسلة من التغييرات حتى وجد مكانته بين المفكرين واشتهر الخطاب عند فوكو بـ"تحليل الخطاب الفوكوي". يبين ميشيل فوكو أنه ركز جل اهتماماته على الخطاب لأنه يعد كالعمود الفقري لدراساته ويقول: «إن الخطاب بالذات هو الشيء الذي نضعه في مركز التأمل .. فلم يعد الخطاب سوى انعكاسا لحقيقة هي في طور النشوء تحت ناظريه، وعندها يمكن لشيء أن يؤخذ صورة الخطاب، وعندما يمكن لكل شيء أن يقال ويمكن للخطاب أن يقال بصدد كل شيء، فذلك لأن كل الأشياء التي أظهرت معناها وبأدلته تستطيع أن تدخل إلى الباطن الصامت للوعي بالذات.» (فوكو، نظام الخطاب، 1987م: 74) يستخدم ميشيل فوكو الخطاب كمحور أبحاثه ومؤلفاته فلا تخلو أغلب مؤلفات ميشيل فوكو من كلمة الخطاب، وإن كان أحيانا يكتفي بمجرد الإشارة إليها، وأحيانا أخرى يتعمق في معناها. يقول ميشيل فوكو عن الخطاب: «إنه ميدان رحب ويمكننا في تعريفه، القول بأنه يتكون من مجموعة من المنطوقات (ملفوظة كانت أو مكتوبة) في تبعثرها كأحداث وفي اختلاف مستوياتها. وقبل أن نتناول بثقة نفس، علما من العلوم أو بعض الروايات أو الخطابات السياسية، أو عمل مؤلف ما أو كتابا من الكتب، فإن المادة التي سيكون علينا مواجهتها في حيادها الأول، هي على العموم عبارة عن ركام من الأحداث داخل فضاء الخطاب، من هنا يبرز مشروع وصف الأحداث الخطابية، كأفق للبحث عن الوحدات التي تتشكل فيه.» (فوكو، حفريات المعرفة، 1987م: 26) يتجاوز الأساس الفكري لتحليل الخطاب دراسة نص أو نص التحليل «يتم في تحليل الخطاب، النظر في مجموعة من المواقف الاجتماعية، وسياق حدوث النص أو الكلام، والتواصل غير اللفظي، والعلاقة بين البنية والكلمات في تقديم عام. كل مفردة لها معانيها الخاصة، لكن لها معاني مختلفة في مواقف مختلفة وفي عقول مختلفة. على سبيل المثال، "الفلاح والنجاة" لها معنى مختلف عند المسيحي المتدين عن الفلاح بالنسبة لرجل ليبرالي.» (صالحی زاده، 1390ش: 124) نسعى في هذا المقال، وباستخدام تحليل الخطاب لميشيل فوكو وتكييفه مع رواية "الساق فوق الساق في ثبوت رؤية هلال العشاق"، لإظهار أن كل فرد من أفراد الأسرة لديه خطاب معين لحدث أو حادثة معينة. الأجيال المختلفة لا تنظر للأشياء بالطريقة نفسها، وهذا الاختلاف في الخطابات يخلق فجوة بين الأجيال. هيکل البحثأ: إشكالية تغيير الخطاب الأسري المعاصرتم استبدال العلاقات بين أعضاء أسرة آل المورو، التي كانت قائمة في السابق على التقاليد بعلاقات مبنية على وجهات نظر جديدة. وبناء على ذلك، تلاشت فجأة السلوكيات والأعراف التي كانت سائدة سابقًا وأصبحت تقاليد الأسرة معادية للقاعدة الجديدة. في غضون ذلك، تبدو العلاقات التي سادت بين أفراد الأسرة في الماضي غريبة للغاية ومفاجئة للجميع لأنها لا تتوافق والمعايير الجديدة. بمعنى آخر، استبدل الخطاب الحاكم على الأسرة الذي السائد في الماضي بخطاب جديد يمكن مشاهدة خلفيته في الحداثة وتغيير المجتمع. أدت هذه التغييرات واسعة النطاق في الأعراف والسلوكيات إلى علاقات جديدة بين أعضاء الأسرة. كانت التغييرات التي لم نشهدها من قبل في العائلات التقليدية منبثقة من التقدم الحضاري حيث «إن التقدم الحضاري، والتغير في الفكر والأوضاع والقيم في المجتمع أدى إلى تحول المواقف تجاه الأوضاع وتضارب الآراء والتوجهات بين جيل الآباء وجيل الأبناء وهو ما يطلق عليه صراع الأجيال داخل الأسرة، وداخل تنظيمات العمل، وداخل المجتمع بوجه عام.» (السمالوطي، 1981م، الصفحات 377-378) طلّق جد الراوي في رواية الساق فوق الساق في ثبوت رؤية هلال العشاق، متبعًا لتقاليد المجتمع القديم، زوجته لمغادرتها المنزل مرة واحدة دون إذنه. على الرغم من أن هذا الأمر بدا طبيعيا في يومه، لكن الآن وفي وقت سرد هذا الحدث، مصدر دهشة وإعجاب. لأن الخطاب المسيطر على الأسرة في العصر الحديث، يقوم على احترام مكانة المرأة وينبذ سيادة الرجل على المرأة. «وحين غضبت، غادرت البيت بدون إذن من جدي وذهبت إلى أهلها، وحين عاد جدي ولم يجدها وهو الذي كان يحبها حب قيس لليلى، غضب وأزبد وأقسم أن يطلقها بالثلاث، وهو ما حصل بالفعل، على الرغم من محاولة تهدئته من قبل أمي وزوجة عمي.» (الزاوي، 2016م: 48) ونشاهد ايضا أن "العمة ميمونة" بالرغم مع اختلاف شخصيتها مع الفضاء السائد في القرية، إلا أنها تزوجت بالإكراه وبناءً على طلب والدها من رجل، شريطة تغيير اسمها لأن اسم "ميمونة" يختص اليهود. على الرغم من تكيّف ميمونة مع هذا الموقف، إلا أن شخصيتها كانت تختلف كل الاختلاف عن شخصية زوجها عبد الحميد. وفي الحقيقة كان الخطاب السائد الذي قبلتها ميمونة وقبلتها النساء اللواتي كنّ في تلك السنين، خطاب يقبل بزواج البنات مع الرجال دون إذنهنّ ولكن أدى تغيير الزمن إلى تغيير موقف ميمونة التي لم تكن راضية بالنسبة لتغيير اسمها لاسترضاء زوجها. ويؤدي هذا الانعدام في رضا العمة ميمونة عند زواجها بعبد الحميد، إلى عنادها في الحياة الأسرية لأن عبد الحميد شخص متدين لديه معتقدات إسلامية سلفية و«رجل دين غريب الأطوار.» (الزاوي، 2016م: 59) وهو عرفياً إنسان تقليدي يكون الخلاف بينه وبين زوجته مثل ما بين الثريا والثرى. فعندما يمرض طفلهما، تفضل ميمونة مناقشة هذا الأمر مع حارس زوجها الشخصي بدلاً من زوجها، ما يشير إلى مدى الفجوة بين الإثنين، اللذين يمثلان فكرتين مختلفتين. «وهي التي بدأت تقلقها بعض تصرفات ابنها إدريس البكر الذي ظهرت عليه بعض أعراض وتصرفات تدل على خلل عصابي، وهو ما دفع عمتي إلى طلب استشارة ومساعدة الحارس الفرنسي الذي أحال الأمر لاحقا على رئيس البلدية.» (الزاوي، 2016م: 77) يتجلى هذا الخلاف بين الأجيال بوضوح عند تضارب الأفكار، وهذا التضارب يصوغ حياة البشر في العصر الحديث، وهذا الخلاف في الآراء يلعب دورًا مهمًا في اختلاف طرق الحياة. فالجد وهو رمز للفكر القديم ولا علاقة له بالحداثة، يزوّج ابنته ميمونة دون موافقتها من رجل لا علاقة لها بشخصيته. لكن عندما يأتي لها خاطب آخر بعد موت والدها وزوجها، يعلن شقيقها، الذي يعتبر أكبر منها، وجوب إرضاء أخته. الأمر الذي يفاجئها ويسرها وهي تعبر عن سرورها. لأن الجد رمز للجيل القديم والذي لا يهمه رأي ابنته لتزويجها ولكن ابنه (أخو العمة ميمونة) الذي يستشير أخته لتزويجها لرجل آخر، هو من الجيل الذي يعتبر من الجيل الأحدث فيستشير أختها ويطلب رضاها لتزويجها بالخاطب في زواجها الثاني. يشير هذا الأمر إلى تعدد الخطابات في العصور المختلفة وحتى في عصر واحد. فلهذا الخطاب خلفية يمكن أن نجد جذورها في المعتقدات الإسلامية والتقاليد الصلبة في المجتمع العربي. فالخطاب «في أي مجتمع خاضع لجملة من الإجراءات و القوانين و الآليات التي ترسم له خارطته الكلية فالخطاب لا ينتج عفويا أو ارتجاليا بل كل خطاب مقيد بخلفيات مرجعيات سواء كانت فلسفية أو دينية أو سياسية تعمل على تأطيره و إخراجه إلى المتلقي وفق شروط و آليات هي التي وضعتها والهدف من إنتاجه هو الإقناع.» (زايدي، 2020م: 44) وهكذا يمكن أن نتفهم سبب مفاجأة العمة من تخييرها بين قبول الزواج ورفضها. «فقالت لهن تسبقها قهقهة طويلة وحركات من يديها وردفيها: إنه يريد أن يزوجني برجل ثري وجميل، لكنه يصغرني بعشر سنوات، ولذا دعاني لاستشارتي وطلب رأيي في ذلك قبل أن يتخذ قراره النهائي.» (الزاوي، 2016م: 85) وكذلك يمكن القول بأن العلاقات الأسرية شهدت تغييرات جذرية خلال الفترة المعاصرة وهذه التغييرات أحدثت فجوة بين الأجيال وشرخا بين أعضاء الأسرة. ولقد استفاد الكاتب أمين الزاوي في روايته هذه، من هذه الفجوة وأبرز لنا تغيير الخطاب السائد من التقليدي إلى الحديث لأنه بنفسه يدافع عن الحداثة وميل الناس إلى انتزاع التقاليد. ب: تغييرات الخطاب من الناحية الفكرية والأيديولوجيةتغيرت القراءات البشرية لقيم المجتمع في العصر الحديث، وكأنها تغيرت وفق ما يتماشي مع نمط الحياة الجديد، و تلاشت القيم التي تغلغلت في قلوب المجتمعات والعائلات التقليدية، واستبدلت الأفكار القديمة لأعضاء الأسرة، بالأفكار الجديدة. «لأن الفرد معرض لحركة ذهاب وإياب مستمرة، تؤرجحه بين العودة المستحيلة إلى الماضي والوجود المستحيل في هذا الزمن المعاش للتقدم المستهدف جماعيا.» (لشرف، 1983م: 318) أصبح هذا التغيير، نمطا جديدا للحياة وتخيل كل شخص أن لديه الحقيقة وهو صاحب الحق والخطاب الصائب. فيعتقد فوكو أن الخطاب يشرح لنا أن «هناك حقيقة في كل خطاب، لكن لا يوجد خطاب تتوفر لديه الحقيقة الكاملة.» (صالحی زاده، 1390ش: 125) وعلى سبيل المثال، جمال المرأة الذي كان من الواجب إخفاؤه عن الآخرين في المجتمعات التقليدية القديمة، أصبح مكشوفا في العصر الجديد، وكأن المرأة لا تتردد في إظهار جمالها للآخرين. يخلق هذا التغيير الفكري نوعًا من التحدي بين الجيلين. يحترم الجيل القديم هذه القاعدة، إيمانا والتزاما وخوفا من العقاب الإلهي أو من حكم الآخرين، وفي المقابل فإن الجيل الجديد يرى أن هذا الالتزام ليس ضروريا ويعتبره عديم الفائدة وعائقا في حياته؛ فيقف ضدها لأن الحرية بالنسبة له أهم من حكم الآخرين والخطاب عنده هو خطاب الحداثة والتحرر من القيود المعرقلة للتقدم. «لأن الخطابات تمارس مراقبتها الخاصة، تتعلق أساسا بالتنظيم و التصنيف الداخلي للخطاب.» (فوكو، نظام الخطاب، 1987م: 17) عرض الجمال الجسدي بالنسبة لجدة الرواي قبيح وهي تستنكر العمة ميمونة التي تعرض جمالها للعلن، وتطلق عليها صفة "اليهودية" التي تعني "المرأة الجميلة المغازلة". لكن ميمونة، التي راضية عن هذا الموقف، اختارت أن تكون أنثى مدلّلة. «كانت جدتي تامولت تنظر إلى عمتي قائلة، مرددة الجملة نفسها صباحاً ومساء، كلما صادفتها وقد أطلقت سالفها الطويل منسدلاً على ظهرها: "بهذا الجمال، وهذا الشعر المسدول، والله يهودية ونص!". وترد عمتي بسخرية وهي تهز خلخالها بغنج: "خمسة وخموس عليّ".» (الزاوي، 2016م: 54) العمة ميمونة هي رمز لامرأة حرة تتمسك بزمام حياتها وعلى الرغم من هزيمتها أمام العادات القديمة في العديد من التقلبات في حياتها، إلا أنها كلما سنحت لها الفرصة، تضع أحزانها جانبًا وتحاول أن تشفي جروحها. إنها نست زوجها بعد وفاته وطلبت من الآخرين عدم ذكر اسمه. ولعل السبب من ذلك هو عدم رضاها عن زواجها الأول، وعدم تجانس آرائهما معًا. رجل غيّر اسمها حسب رغبته ولم يتوافق مع قيمها، وفي الواقع دمّر هوية ميمونة وحيويتها. «في ظرف أسبوع قلبت صفحة سيدي الشيخ عبد الحميد وأقسمت ألا تذكر اسمه في مجلس، وإذا ما سألها أحد عنه قامت من مجلسها واختفت وقاطعت السائل ثلاثة أيام أو أكثر. كانت قادرة على أن تتقدم دون أن يهزمها الزمن أو تحاصرها الذكريات المريضة.» (الزاوي، 2016م: 86) وها هي العمة ميمونة التي لا تريد ذكر اسم زوجها السابق، تقف في وجه من يريد أن يقرر لحياتها، وعلى عكس زواجها الأولى من رجل دون اختيارها، قررت هذه المرة أن تصنع مستقبلها بيدها وأصبحت مستعدة لترك العائلة بأكملها للوصول إلى الرجل الذي تحبه. «هي مستعدة أن تترك العالم خلفها وتهجر الأسرة والأهل لأجله، عنيدة، خمسة وخموس عليها.» (الزاوي، 2016م: 113) وهكذا أدت التغييرات الفكرية والإيديولوجية إلى تغيير المعايير التي كانت تقبلها الأسرة الجزائرية التقليدية ويرفضها الجيل الجديد. وهكذا يتقاسم الجيلان الإيديولوجيات المسيطرة على المجتمع فالجيل القديم يصر على أن خطابه أقوى والجيل الجديد يرى خطابه أنجح كما يعتقد فوكو أن «الأشخاص ينظرون إلى نفس النص أو الكلام بشكل مختلف؛ أي ليس لديهم نفس التفسيرات للنص ونفس الحدث، ومن الممكن أن يتم استخدام إشارات مختلفة للإشارة إلى المعنى.» (صالحی زاده، 1390ش: 124) ج: تغيير المعايير الإيجابية والسلبيةمن آثار الحداثة، التغيير في الأعراف والقيم الأسرية التي يهتمّ بها أفراد الأسرة. تغيرت في العصر الحديث، أعراف الأسرة ولم تعد العلاقات الأسرية التقليدية كما كانت. «تمتاز الأسرة الحديثة بالحريات الفردية، فلكل فرد كيانه الذاتي وشخصيته القانونية لا سيما إذا بلغ السن الذي يضفي عليه هذه الأهلية.» (شكري، 1992م: 18) معيار القيم هو تعليمات وقاعدة لسلوك وتنظيم العلاقات الاجتماعية التي تتبعها الأغلبية (الجماعة) وإذا لم يتبعوها، فسيتم معاقبتهم أو مؤاخذتهم أو على الأقل توبيخهم وإفضاحهم.» (رفيع پور، 1393ش: 113) وقد تغير الخطاب السائد في العصر الحديث بالنسبة للقيم. الخطاب الذي يعتقد بأن القيم الجديدة يجب أن تحل محل الأعراف القديمة. تستند العلاقات الجديدة بين أفراد الأسرة في رواية "الساق فوق الساق في ثبوت رؤية هلال العشاق"، في كثير من الحالات، إلى تغييرات في المعايير. الراوي، وهو إحدى الشخصيات الرئيسية في القصة، رمز للإنسان الحديث وفي الوقت نفسه شاب يعرف احتياجات ومعايير المجتمع التقليدي ولكنه لا يتكيف معها أبدًا. إنه يحترم الكبار ويريد حياة مبنية على رغباته الخاصة معا، ويعتمد على احتياجات العصر الحديث. يشار في موضع من الرواية إلى شخصية الراوي باسم "الحلزون العاري". الحلزون الذي يترك البيت الصلب على أكتافه ويستمر في طريقه خاليًا، ومن ذا الذي لا يعلم أن هذا المنزل هو رمز للعادات التي تعرقل سيرها رغم أنها تحميه من الأخطار، إلا أنها ثقيلة تعرقل حركته. «أنا الحلزون العاري، "بو طشل" كما يُسمى عندنا في بلاد البربر، و"بو طشل" هو ذاك الحلزون دون صدفة، أي البزّاق كما يسمى في بلاد العرب. هكذا كانت تسمّيني عمتي ميمونة وتسخر مني كلما رأتني قائلة: "بو طشل العريان بالوا عليه الجديان!".» (الزاوي، 2016م: 9) تنكسر إجراءات المنع السابقة في العصر الجديد فيقدم فوكو تعريفا عن المنع على النحو التالي: «أننا نعرف جيدا أنه ليس لدينا الحق في أن نقول كل شيء ، وأننا لا يمكن أن نتحدث عن كل شيء في كل ظرف ...هناك الموضوع الذي لا يجوز الحديث عنه و هناك الطقوس الخاصة لكل ظرف و حق الامتياز و الخصوصية الممنوح للذات المتحدثة.» (الهلالي، 2017م) العم إدريس رمز الحيوية ويحبّه الجميع في قرية "قصر المورو". إنه نموذج يحتذى به للمراهقين ورمز إعجاب للشباب. كلماته تبهر الآخرين، ولا يهمهم ما إذا كانت صحيحة أم خاطئة. في الواقع، أصبحت المكانة التي تضعها العائلات التقليدية على الشفافية والصدق وضيعة بمرور الوقت، وحلت القيم المضادة مكانها. «أما بالنسبة إلى الشباب والأطفال، فما كان يثيره فيهم هو كذبه الأبيض الناعم؛ فعمّي إدريس يكذب عن كل شيء وفي كل وقت، ويرسل ضحكة طويلة عقب كل كذبة.» (الزاوي، 2016م: 11) ابتكر أمين الزاوي الترميز في رواية "الساق فوق الساق في ثبوت رؤية هلال العشاق" لإظهار العلاقات في الأسرة الجزائرية، وكذلك للمعالجة الأكثر دقة للشخصيات. يصور الزاوي باستخدام شخصيات العم إدريس والعمة ميمونة، شخصيات ديناميكية وحديثة أقل طاعة لجوهر الأسرة التقليدية، وهو الأب. هناك أيضًا بعض الشخصيات الفرعية الأخرى في الرواية والتي ترمز إلى الجيل القديم، مثل الجد، وأب الراوي ونحوهما ولكن نظرا لعدم أهميتها فقد أغفلنا ذكرها في هذا المقال. العم إدريس، رجل يتمتع بروح حرة وخفيفة رغم ارتباطه بأسرته، وكأنه لم يخلُق لفضاء القرية المغلق. هو دائم الحركة، يتراوح بين المدينة والقرية، ثم يهاجر إلى فرنسا. وعلى الرغم من تمسكه بعبادات رمضان المبارك، إلا أنه لا يتبع أحكام الإسلام الأخرى كحرمة الخمر و.. وقد ورد في الرواية باسم "الأمير الضاحك". «عبر عمي إدريس حياته ضاحكا، ملكا. كان رجلا جميلا متفائلا. بالنسبة للجميلات من نساء القرى والمداشر المعلقة على رؤوس الجبال وعلى التلال، كان عمي إدريس مثيرا لهنّ من خلال حجم قدميه الصغيرتين اللتين تشبهان قدمي دمية بلاستيكية أكثر مما كان يثيره فيهن لون عينيه الأزرق الصافي.» (الزاوي، 2016م: 10) لا يمكن النظر في تغيير المعايير إلا عندما نأخذ في الاعتبار، أن هناك تغييرات عميقة حدثت في الأدوار ومكانة الشخصيات، وهذا الأمر هو نتيجة تغييرات المعايير لأن المعايير السابقة لا تسمح بتقليل الاحترام المتبادل وتغيير مكانة أفراد الأسرة. ولعل من أهم ما يمكن استنتاجه من تحليل الخطاب عند ميشيل فوكو والذي يشرح تغيير المعايير في العصر الجديد، هو أن المعنى والمعيار للخطاب، ليس مستقرا وثابتا فيمكن القول بأن من أهداف تحليل الخطاب الفوكوي هو أن يظهر أن «المعنى يتغير دوما ولا يتم المعنى أبدا ولا يتم عرفانه كاملا.» (صالحی زاده، 1390ش: 125) د: أثر تغير الخطاب على اختيار القدوة بين الجيل الجديدتغيرت الأنماط والأبطال في الأسرة الحديثة، وأصبحت لدى أفراد الأسرة معايير مختلفة لاختيار نمطهم المفضل. أدت التغييرات النمطية، والاختلاط مع العالم الأجنبي، والتأثير من الثقافات الأجنبية، وعدم قدرة الأنماط التقليدية على الاستجابة لحاجات الناس الروحية، إلى أن يقلد الأطفال وأفراد الأسرة الأصغر سنًا الأشخاص ذوي التفكير الأحدث، بدلاً من القدماء. «يختلف أثر الأسرة على النمو الاجتماعي للفرد، تبعا لحظها من المدنية، وتدل دراسات براون[1]على أن العلاقات العائلية تضعف كلما تقدمت الحضارة، ويتأثر النمو الاجتماعي للطفل بنوع الأسرة التي ينشأ فيها ريفية كانت أم مدنية، هذا والطفل الإنساني أكثر الكائنات الحية اعتمادا على أسرته ذلك لأن طفولة الإنسان أطول طفولة عرفتها الحياة، إذ تبلغ ما يقارب ربع أو ثلث حياة الفرد لاتصالها الوثيق بأقوى دوافع الإنسان.» (أوبير، 1977م: 216) تغيرت الأنماط التقليدية في الأسرة الجزائرية المعاصرة، وفسح الأجداد وكبار السن الآخرون الطريق أمام الذين يتفكرون بطريقة أخرى والذين يعيشون حياة جديدة. يمكن رؤية هذا التغيير في كل فقرة من رواية "الساق فوق الساق في ثبوت رؤية هلال العشاق". يختار الأطفال والنساء والشباب، الأشخاص الأكثر حداثة قدوة لهم ويحذون حذوهم ويدورون حولهم، ولكلماتهم تأثير أكبر عليهم. "العمة ميمونة"، الشخصية التي تفعم بالحداثة، تجمع أفراد الأسرة الأصغر سناً حولها في مناسبات مختلفة، ويستفيد الآخرون من حيويتها. يبدو الأمر كما لو أنها تقود قطارًا إلى عالم جديد وفي الحقيقة تقوم بتغيير خطاب المجتمع الذي تعيش فيه. «كنت أجد عمتي ميمونة، على الرغم من قلبها المكسور المعنّى،أكثر ذكاء من أمي الحالمة، وأكثر فطنة لما يحيط بها من النساء كما من الرجال، فهي بمجرد عودتها إلى قرية قصر المورو، استطاعت وفي فترة صغيرة جدا أن تجمع من حولها أخواتي وكذا بنات أعمامي والأخريات في جلسات القيلولة لتصنع منهن جيشا جبارا ضد الكآبة. كانت قائدة حقيقية ضد الشعور بالهزيمة أمام الثكل والعنوسة، مبتسمة دائمة، مستهزئة من الحياة التي لا تمنح الحب.» (الزاوي، 2016م: 97) العمة ميمونة أيضًا رمز لامرأة مفعمة بالحيوية والحياة. تقرر لحياتها بنفسها وتهتم بجمالها. تكره التقاليد "المرهقة" وتتجاهل التعاليم الدينية التي تقيد المرأة. تُعرف بديناميكيتها عند الجميع، وتتمسك بزمام حياتها. إنها بالمعنى الحقيقي للكلمة، امرأة طموحة وقفت في وجه كل صعوبات أن تكون امرأة، في مجتمع احتار بين التقاليد والحداثة. «عمتي ميمونة .. وحدها! امرأة غريبة الأطوار، شارفت على الثلاثين لكنها تتحرك بطاقة مراهقة في الرابعة عشرة، فاتنة وذكية وجريئة، لسانها سليط كأنما قدّ من فحيح أفعى، لسان يمنح العسل مدراراً والسمّ على السواء، وفي اللحظة نفسها، لا تفارق الضحكة فمها ولا الإبتسامة ملامح عينيها الواسعتين الجميلتين المغريتين.» (الزاوي، 2016م: 47) ليس أمام الجيل الجديد أن يحدّث طريقته الخاصة في اختيار السلطة التنفيذية في الأسرة مع مرور الزمن. فلم يعد بإمكان الأب أن يكون محور الأسرة ورئيسها في العصر الجديد لأن هناك شخصيات وأعضاء جدد يحلون محله. هـ: تقليص سلطة الأبحينما يتحدث الراوي عن أبيه، يسود صمت هالك وثقيل القصة. إنه شخص متدين يعارض حيوية المرأة ولهذا السبب لا مكانة له بين شخصيات رواية أمين الزاوي. بدلاً من ذلك، وجدت عمته "ميمونة"، التي ترمز إلى امرأة متمردة في العصر الحديث، مكانها في قلب الراوي. المرأة التي كسرت كل أنواع التقاليد ولا تعطي وجها لحكم الآخرين عليها، ولا تجبر نفسها بالعيش على الطريقة التي يختارها الناس وأفراد الأسرة للعيش. «أحب عمتي ميمونة. خمسة وخموس عليها!» (الزاوي، 2016م: 9) من سمات المجتمعات التقليدية وخاصة في الدول العربية، تدني مكانة المرأة. على الرغم من أن هذه القضية ما زالت ظاهرة، إلا أنها تلاشت بمرور الوقت ووجدت النساء بعضا من الإمكانيات مقارنة بالماضي، مما يخلق في حد ذاته نوعًا من الثقة بالنفس بينهن. لكن المجتمع التقليدي لقرية قصر المورو لا يزال لديه نظرة تقليدية إلى النساء والفتيات في الأسرة. ويبدو هذا أكثر في آراء الأشخاص الذين يمثلون الجيل القديم. فعلى سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بتزويج البنات، يتم غالبًا فرض رأي الآباء عليهن، ويلعب الأب، دورًا أكثر بروزًا في اختيار مصير ابنته ولكن تغير هذا الأمر مع تطور المجتمعات واكتسبت البنات تدريجياً الحق لتقرير مصيرهن. «دقّ باب جدي طالبا يد ميمونة لابنه عبد الحميد. فَرِحت جدتي لهذا العريس، وقد طلبت من جدي حمديس الموافقة فوراً، دون شروط كثيرة؛ فالبنت بكل ما وُهبت من جسد جميل ولسان حلو فتنة، وقد بدأت تثير كثيرا من الحكايات في جلسات حمّام النساء وفي مجالس الشبان، وتزوبع عقولهم وتفتح شهية الكلام والمغامرات، وربك أعلم بما ستأتي به الأيام.» (الزاوي، 2016م: 55) يربط فوكو بين السلطة والخطاب ويعبّر عن هذا الارتباط في كتابه إرادة المعرفة بالقول بأنه في «الخطاب بالذات يحدث أن تتمفصل السلطة و المعرفة...و ينبغي أن نتصور الخطاب كمجموعة أجزاء غير متصلة وظيفتها التكتيكية غير متماثلة و لا ثابتة .. يجب أن لا نتخيل عالما للخطاب ، مقسما بين الخطاب المقبول و الخطاب المرفوض أو بين الخطاب المسيطر والمسيطر عليه بل..كمجموعة عناصر خطابية ...تعمل في استراتيجيات مختلفة.» (فوكو، 2017م: 108) فالخطاب يتحكم في السلطة من خلال إنتاجها، تعزيزها، إضعافها أو حتى إلغائها. لم يكتف الجيل الجديد بتغيير الأنماط والقدوات وتقليل التأثر بسلطة الأب فحسب بل قرر تغيير العادات التي كانت في الماضي عبئا على الحياة. النتائجيمكننا أن نستنتج مما قيل أن الأسرة الجزائرية تتغير ببطء في العصر المعاصر وخاصة بعد استقلال البلاد عن فرنسا. شهدت العلاقات داخل الأسرة الجزائرية تحولًا عميقًا، وتغير الخطاب بين أعضاء هذه المؤسسة الاجتماعية. تدور رموز الشخصيات في هذه الرواية بشكل أكبر حول الأشخاص ذوي الأفكار الجديدة، وبطلا القصة هما عم الراوي وعمته، اللذان يتمتعان بشخصيات ديناميكية وغير متوافقة مع الأعراف والمعايير والتقاليد المرهقة للأسرة والمجتمع. يلعب أفراد الأسرة وشخصيات الرواية التقليديين وأيضا كبار السن، إما دورا أقل في سياق القصة، وإما يتم تهميشهم. ومن هنا يمكن تحديد أجيال الشخصيات، فجد الرواي يتعلق للجيل الأول وكذلك أب الراوي بالرغم من أنه أحدث بالنسبة للجد، ولكن تصرفاته ومعتقداته كما مر في دراستنا، تميّزه من جيله وتلصقه بالجيل الأقدم أو ما نسميه الجيل الأول. والعم إدريس والعمة ميمونة اللذان لديهما معتقدات أحدث وبما أنهما انفصلا من التقاليد القديمة، فيتعلقان بالجيل الثاني. والراوي وبقية الأطفال يتعلقون بالجيل الثالث الأحدث الذي لم يذكر كثيرا في الرواية. تظهر الفجوة بين الأجيال عندما نشاهد أن السلطة الأبوية بدأت بالتقليص وفقد الأب مكانته القديمة في الأسرة وفقد الخطاب المسيطر في هذه المؤسسة الاجتماعية. فيمكن مشاهدة ما عبر عنه ميشيل فوكو في كتابه إرادة المعرفة بأن هناك صلة مباشرة بين الخطاب والسلطة. فعند فقدان السلطة الأبية، يتغير الخطاب السائد ويسود الأسرة خطاب آخر. تتمتع العمة ميمونة، التي يمكن القول بأنها الشخصية الرئيسية في القصة، بشخصية ديناميكية وحيوية ولا تخضع للتقاليد، بل هي في حالة حرب معها. على الرغم من أنها وقعت في بعض الأحيان ضحية لتقاليد ورغبات الجيل القديم، إلا أنها في النهاية تفوز على التقاليد بعدم قبولها لها وتبدأ في كتابة مجرى حياتها بنفسها. ويمكن القول بأن العقوبات لا تثمر عند العمة ميمونة كما يعبر عنها فوكو. على الرغم من أن الراوي يتذكر ويحترم شخصيات الماضي والجيل القديم في القصة إلا أن القصة كلها مليئة بالمواقف التي أصبح الراوي أو "الحلزون العاري" فيها معجَبا بشخصية عمه وعمته واستطاعت حداثة شخصيات كل منهما أن تفتنه وأن تفتن الشباب والنساء والأطفال. وبما أن المجتمع القديم يريد منع مثل هذه الشخصيات التي تسير على غير النمط المعتاد، إلا أنها تنال بقبول الجيل الجديد. انكسرت التقاليد وزالت الأعراف وتغيرت أنماط العلاقات بين أفراد الاسرة وارتفعت ثقة أفراد الأسرة في أنفسهم وزاد انفرادهم بقراراتهم الشخصية وما يتعلق بمصيرهم الشخصي ومستقبلهم. تمكّن أمين الزاوي بوضوح أن يظهر تغيير الخطاب الاجتماعي لأنه وفي تحليل الخطاب لفوكو، يتم النظر إلى مجموعة الأوضا الاجتماعية، مجال حدوث النصوص والأقوال والكتابات والاتصالات غير الشفهية والمفردات ضمن تعبير كلي.
[1] J . F . BROWN | ||
مراجع | ||
الزاوي، أمين. (2016م). الساق فوق الساق في ثبوت رؤية هلال العشاق. الجزائر العاصمة: منشورات الاختلاف.
السمالوطي، نبيل. (1981م). علم الاجتماع والتنمية، دراسة في اجتماعيات العالم الثالث. بيروت: لانا
الهلالي، عبد المجيد. (8/11/2017م). نظام الخطاب عند ميشيل فوكو. مأخوذ من: الحوار المتمدن: https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=578528
بابوري، زويلخة، و عزوق، سليمة. (2016م). الأب والسلطة الذكورية في الرواية النسوية الجزائرية "رواية رجالي لمليكة مقدم أنموذجا". مذكرة مقدمة لاستكمال شهادة الماستر في اللغة والأدب العربي، جامعة بجاية.
برن أوغ، و كف نيم. (1349ش). زمينه جامعه شناسي. (اميرحسين آريانپور، المترجمون). تهران: فرانکلين.
بن الدين، بخولة. (2013م). «عتبات النص الأدبي؛ مقاربة سيميائية». جريدة وطنية. صص 124-103
بوطاجين، السعيد. (2005م). السرد ووهم المرجع _مقاربات في النص السردي الجزائري الحديث_. الجزائر: منشورات الاختلاف.
جبايلي، سهام. (2014م). «الوسط الحضري وتأثيره على التربية الأسرية -الأسرة الجزائرية نموذجا-». مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، صص 22-9
جلول، رشيد. (2021م). «مقاربات سوسيولوجية معاصرة: مجتمع المخاطرة عند أولريش بيك أنموذجا». مجلة العلوم الإنسانية لجامعة أم البواقي. صص 442-433
جمعة محمد عبدالوهاب، إيمان. (2020م). «التعليم المصري وإشكالية الدور في مجتمع المخاطر العالمي: دراسة تحليلية لمحددات الدور ومسارات التجديد الوظيفي». مجلة جامعة الفيوم للعلوم التربوية والنفسية. صص 995-913
حمداوي، جميل. (1997م). السيميوطيقيا والعنونة (المجلد 25). الكويت: مجلة عالم الفكر.
ذکايي، محمدسعيد. (1386ش). جامعه شناسي جوانان ايران. تهران: آگه.
رفيع پور، فرامرز. (1393ش). آناتومي جامعه (المجلد 9). تهران: شرکت سهامي انتشار.
رونيه، أوبير. (1977م). التربية العامة. (عبدالله عبد الدايم، المترجمون) بيروت: دار العلم للملايين.
زايدي، نعيم. (2020م). الخطاب والسلطة في الفكر السياسي المعاصر؛ ميشيل فوكو نموذجا. بسكرة: كلية العلوم الإنسانية بجامعة محمد خيضر بسكرة.
سليمي، أ. (1387ش). «گفتمان در اندیشه فوکو (الخطاب في فكر فوكو)». کیهان فرهنگی، صص 29-35
شرابي، هشام. (1977م). مقدمات لدراسة المجتمع العربي. بيروت: الأهلية للنشر والتوزيع.
شكري، علياء. (1992م). الاتجاهات المعاصرة في دراسة الأسرة. القاهرة: دار المعرفة الجامعية المصرية.
شهبر، زهرة ، و مهود، نورة. (2015/2016م). صورة المجتمع الجزائري في روايات العشرية السوداء، روايتي: "القلاع المتآكلة" لمحمد ساري و"بماذا تحلم الذئاب" لياسمينة خضراء أنموذجا. خميس مليانة: كلية الآداب واللغات، قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة الجيلالي بونعامة.
صالحی زاده, ع. (1390ش). «درآمدی بر تحلیل گفتمان میشل فوکو؛ روش های تحقیق کیفی». معرفت فرهنگی اجتماعی. صص 141-113
عثمان، عبدالفتاح. (1998م). الرواية العربية الجزائرية ورؤية الواقع. مجلة الإبداع، العدد 12
فوكو، ميشيل. (2017م). تاريخ الجنسانية إرادة المعرفة. (ترجمة) س. خرفوش. القاهرة: دار التنوير للطباعة والنشر.
فوكو، ميشيل. (1987م). حفريات المعرفة. (ترجمة) س. يفوت. بيروت: المركز الثقافي العربي.
فوكو، ميشيل. (1987م). نظام الخطاب. (ترجمة) م. سبيلا. بيروت.
قطوس، بسام. (2001م). سيمياء العنوان (المجلد 1). عمان: وزارة الثقافة.
قريرة، حمزة. (2018م). «العالمية والبعد الإنساني في روايات أمين الزاوي». مجلة الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية. صص 1009-903
كوش، دنيس. (2007م). مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية. (منير السعيداني، المترجمون) بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
لشرف، مصطفى. (1983م). الجزائر، الأمة، المجتمع. الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب.
لموشي، حمزة. (2015م). طـارق ثابـت ترجمـة حقيقـة للحقـائق إلـتى عاشـها الجزائريـون خـلال العشـرية السـوداء. جريدة الشعب.
يوسفي مقدم، شقايق و ذکايي، محمدسعيد. (1396ش). «بازنمايي مناسبات نسلي از منظر ادبيات داستاني پيش و پس از انقلاب اسلامي». فصلنامه تحقيقات فرهنگي ايران. صص 78-51
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,408 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 295 |