تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,800,532 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,350 |
دراسة نقدیة لقصیدة أندلسیات لجروح العراق علی ضوء نظریة لاکلا وموف | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
دوره 12، شماره 45، خرداد 2022، صفحه 9-32 اصل مقاله (406.71 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
پرویز احمدزاده هوچ* 1؛ علی صیادانی2؛ عبدالأحد غیببی3؛ عاطفه رحماني4 | ||
1أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة الشهید مدني بأذربایجان، تبریز، إیران | ||
2أستاذ مشارك في قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة الشهید مدني بأذربایجان، تبریز، إیران | ||
3أستاذ قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة الشهید مدني بأذربایجان، تبریز، إیران | ||
4طالبة مرحلة الدکتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة الشهید مدني بأذربایجان، تبریز، إیران | ||
چکیده | ||
یعتبر التحلیل النقدي للخطاب محاولة جادة لتحلیل النصوص. إنّ الوظيفة الأساسية للتحلیل النقدي للخطاب، فهم الخطاب من خلال الصراع معه والدخول المنهجي إلی أعماقه لبلوغ فهمه والمعرفة به ولا یخفی علی أحد ما یضطلع به من دور الرئیسي في إشاعة دلالاته ومعانیه. مسار التحلیل في هذا الاتجاه یختلف عن مسار تحلیل الخطاب من حیث المنهج والرؤیة. في التحلیل النقدي للخطاب، تتجه الدراسة نحو البحث في العلاقة بین الخطاب وبین السلطة والأبعاد السیاسیة والاجتماعیة للخطاب. بشری حمدي البستاني من الشاعرات البارزات في الشعر العراقي الحدیث ومکانتها بارزة وظاهرة وقد أثرت أعمالها الحرکة الشعریة المقاومة وحظي شعرها نظراً لبنائه اللغوي الممتاز ونثرها أيضاً باهتمام الباحثین ولایزال یجلب اهتمامهم. یحاول هذا البحث عبر الاعتماد علی منهج التحلیل النقدي للخطاب وفي ضوء نظریة لاکلا وموف دراسة قصیدة أندلسیات لجروح العراق من الشاعرة. تعد هذه القصیدة من أشهر قصائدها التي أنشدتها في سنوات الحصار والاحتلال وتحتوي علی رؤیة حضاریة ومواقف متعددة من الصراع الخطابي ومحاولة لتثبیت الأنا وتقویض العدوان. إن البناء الإیدئولوجي لخطاب بشری البستاني الشعري وثراء القصیدة من حیث البناء والمعنی یقود الباحث إلی مثل هذا الجهد العلمي. موضوع المقاومة يجسّد الدال المحوري لهذه القصیدة ودعوی الخیانة وتسلیم مفاتیح البلاد إلی الأجانب والصراع مع المحتل في المستوی الأیدئولوجي الخطابي من أبرز الدوال المتحرکة تمفصل حولها مجموعة من الدوال الأخری تؤکد المسار الدلالي للدوال المرکزیة في تمحورها حول الموضوعات المختلفة المتحرّکة والتأکید علی الحلم العربي. يعتبر الصراع مع الأمل والانتصار علی الموت والعدوان من الدوال المحوریة الأخری في القصیدة وسلسلة التکاتف في الخطاب تأتي ضمن المحاولة لإسقاط خطاب الآخر ومسعاه الإیدئولوجي والکشف عن الهویة الثابتة للآخر وفضح الهویة الحقیقیة للعدو الذي یجر الخراب والدمار في العراق الحضاري أیضا محاولة تقویضیة من الشاعرة لبشری البستاني لفضح حقیقیة السلطة وأفعالها العدوانیة التي تعبر عن إرهاب الاحتلال الأمریکي عبر الاعتماد علی اللغة الشعریة الموحیة. | ||
کلیدواژهها | ||
بشری البستاني؛ أندلسیات لجروح العراق؛ التحلیل النقدي للخطاب؛ لاکلا وموف | ||
اصل مقاله | ||
التحلیل النقدي للخطاب طریقة جدیدة في تحلیل الخطاب بالصورة العامة بخروجه عن القراءة التامة للخطاب والاهتمام بالعلاقة الثنائیة الحتمیة بین الخطاب وبین ظروف الإنتاج أي الظروف المحیطة التي تعدّ الحافز والباعث لتشکیل الخطاب ولهذا تصبح البیئة والأجواء المحیطة مصب الاهتمام في التحلیل النقدي للخطاب وکونه یتجاوز مسار التحلیل مثل التداولیة والسیمیائیة والأسلوبیة وغيرها وكما يتناول البناء اللغوي للخطاب، فإنه یحاول شرح علاقة الخطاب مع السلطة ومع المجتمع ویری أن الخطاب یحمل وظیفة سیاسیة واجتماعیة. تعد نظریة فیرکلاف من أهم النظریات في هذا الحقل النقدي الجدید وله الفضل في ظهور التحلیل النقدي للخطاب وتوسیع مفهومه ثم جاءت فروعه المتعددة وأشهرها نظریة لاکلا وشنتال موف وتعتبر النظریة مزج بین نظریات ما بعد البنیویة والسیمیائیة وما جاء به غرامشي في کتاباته حول التحلیل النقدي للخطاب. یسعی هذا البحث عبر الاعتماد علی هذا المنهج النقدي لدراسة قصیدة أندلسیات لجروح العراق من الشاعرة العراقیة بشری حمدي البستاني التي انطلقت من الموصل وواصلت مراحلها الدراسیة وحصلت علی شهادة الدکتوراه في الآداب وبعد تخرجها من الجامعة عینت أستاذة للغة العربیة بجامعة الموصل وتلقت الشهادات والشارات التقدیریة من مختلف الجهات. (أصلاني، 2015م: 85) من أشهر دواوین الشاعرة دیوان أندلسیات لجروح العراق نشرته سنة 2006م ورکزت فيه علی الحضارة ومعالم الحضارة العریقة لإعادة الحیاة والحلم إلی الأرض والشعب المصاب بالعنف والوحشیة وفي هذا الدیوان قصیدة تحمل نفس العنوان الذي یتصدّر المجموعة الشعریة وهي أندلسیات لجروح العراق. «تتکون القصیدة من ثلاثین مقطعاً رسمت فيها الشاعرة التجربة التي تعیشها الذات لحظة الاحتلال الأمریکي للعراق من عام2003م وقامت بفضح المشروع الأمریکي وتعریة کل الأهداف التي رفعها هذا المشروع ومحاولة ومعالجة لهذه القضایا عبر رؤیة شعریة حضاریة من خلال استجلاء الإرث الحضاري للأرض وهي تواجه العدوان الهمجي.» (الردیني، 2012م: 7) ما قامت به الولایات المتحدة الأمریکیة ضد العراق وشعبه أعاد إلی الأذهان ذکریات الخراب والدمار والهدم عبر العصور وکان الاحتلال استمراراً للخراب والدمار الذي شهده العراق ولا يزال؛ غیر أن الأرض لا يعتريها الضیاع ولا الموت وهي تنهض وتقوم بعد کلّ احتلال وفعل همجي تمارسه السلطة وهذا ما تؤکد علیه بشری البستاني. وما یجلب انتباه الباحث في القصیدة هو تحلیل الواقع السیاسي للعالم العربي عبر استخدام الرافد التراثي الموسوم بالأندلس والحضارة الإسلامیة فیه وتأتی الدراسة وفق المحاور الأصلیة والفرعیة تحت ما یسمی بعملیة التمفصل في تمحوره حول المکونات الخطابیة وتکوین الدوال المختلفة وتأیید اللغة الخطابیة للمقاصد المختلفة في نظریة لاکلا وموف. یجري التحلیل بعد اختیار الشواهد المرتبطة بالمحاور ثم دراستها ونقدها عبر الاعتماد علی الرؤیة النقدیة والمقومات التي یقدمها لاکلا وموف للتحلیل النقدي للخطاب وهدف الباحث من الخوض في هذا الجهد العلمي المقدر هو معرفة هذا الخطاب الشعري ومعرفة الرؤیة والإیدئولوجیات الشعریة التي تطرحها الشاعرة تجربتها الشعرية لمواجهة السلطة والقمعیة الاستعماریة. أسئلة البحث 1- ما أهم الدوال المحوریة والعائمة في قصیدة أندلسیات لجروح العراق؟ 2- ما الاتجاه الایدئولوجي للشاعرة في قصیدة أندلسیات لجروح العراق؟ 3- ما أهم المواصفات اللغویة لقصیدة أندلسیات لجروح العراق؟ خلفیة البحث هناك دراسات کثیرة قامت بتطبیق نظریة لاکلا وموف علی شتّی النصوص، کما تم إنجاز الکثیر من دراسات لسانیة وغیر لسانیة في شعر بشری البستاني وفحصته من مختلف النواحي، غیر أنّه لم یعثر الباحثون علی دراسة قامت بتسلیط الضوء علی قصیدة "أندلسیات لجروح العراق" اعتمادا علی نظریة لاکلا وموف، مع ذلك هناك دراسات تقترب من مقالتنا هذه بشکل من الأشکال، ومنها: - مقالة: «تحلیل گفتمان انتقادی نامه محمد بن عبدالله و منصور عباسی بر اساس نظریه لاکلا و موف» (تحلیل الخطاب في رسالة محمد بن عبدالله و منصور عباسی في ضوء نظریة لاکلا وموف)، لعبدالباسط عرب یوسف آبادی و طاهره میرزاده، مجلة لسان مبین، 1395ش. هذه المقالة تناولت المراسلات السیاسیة بین محمد عبدالله ومنصور العباسی اعتمادع علی نظریة لاکلا وموف رامیة إلی کشف المواضع السیاسیة والاجتماعیة السائدة آنذاك. ومن نتائج هذه المقالة هي أنّ الدال المرکزي في الرسالتین هي الخلافة علی المسلمین ولتبیین هذا الموضوع حاول المرسلان بتوظیف التضاد والغیریة والانزیاح في خطابهما. - مقالة: «نظریه تحلیل گفتمان لاکلا و موف و نقد آن» (دراسة نقدیة لنظریة لکلا وموف في تحلیل الخطاب)، لمحمد تقی مقدمي، مجلة معرفت فرهنگی اجتماعی، 1390ش. هذه المقالة قامت بتعریف نظریة لاکلا وموف بشکل موجز ثم تناولتها علی منظر نقدي فتبین نقاط قوّتها وضعفها وفي النهایة وصلت إلی أن نظریة لاکلا وموف لم تهتمّ بالظواهر الاجتماعیة والسیاسیة وقامت بالرفض علی سیاق المحیط والحقائق الثابتة في العالم الخارجي من النص وفي الحقیقة هذه النظریة رفضت الحقائق الثابة التي وصلت إلیه نظریات أخری مثل علم الظواهر والوجودیة. - مقالة: «خطاب الأمل في شعر بشری البستاني دراسة ونقد»، لعلي باقر طاهرنیا وحسین إلیاسي، مجلة آفاق الحضارة الإسلامیة 2016م. قامت هذه المقالة بدراسة عنصر الأمل والتفاؤل الشعبي في الخطاب الثوري الشعري لبشری البستاني اعتمادا علی المنهج الوصفي – التحلیلي وتوقفت في الشواهد الملائمة ودرست علاماتها ودلالاتها لاستکشاف الرؤیة الفکریة للشاعرة في خطابها هذا. ونهایة المطاف وصلت إلی أنّ بثّ روح الأمل والتفاؤل تعتبر استراتیجیة فکریة عند الشاعرة لدعوة المخاطب إلی المقاومة أمام العداون،کما أنّ الحبّ هو عامل یغرس الأمل والتفاؤل في ذهن المخاطب. -مقالة: «گفتمان کاوی شعر بشری بستانی بر اساس رویکرد نورمن فرکلاف (مطالعه موردی: دو قصیدة الحرکات ومکابدات لیلی فی العراق)، (تحلیل لخطاب في شعر بشرى البستاني في ضوء منهج نورمن فركلاف؛ قصيدتا الحرکات ومکابدات لیلي في العراق نموذجاً)»، لعلي باقر طاهرنیا وحسین إلیاسي، مجلة لسان مبین، 2018م. تناولت هذه الدارسة قصیدتي الحرکات ومکابدات لیلی في العراق من دیوان البحر یصطاد الضفاف لبشر البستاني اعتمادا علی نظریة فرکلاف التي تتبنّی علی الوصف والتفسیر والتبیین. وحاولت الکشف عن استراتیجیة الشاعرة في القصیدتین للمواجهة مع حزب البعث العراقي وسیاساته الحربیة. فوصلت في النهایة إلی نتائج وهي: تستخدم الشاعرة في قصیدتیها من الألفاظ الاستعاریة وتقنیة القناع والثنائیات الأدبیة والتناص وغیرها من التصاویر الفنیة لتحقیق هذه الاستراتیجیة وکشف الستار عن عدم المشروعیة لحکومة الصدام بدعوة الشعب العراقي إلی المقاومة والصمود، کما ظهر لنا أن الخطاب في القصیدتین یعتبر خطابا ثوریا یسعی للتغییر والتحوّل. - مقالة: «الانزياح في البنية النصيّة عند بشري البستاني؛ تراسل الحواس أنموذجاً»، لعلي باقر طاهرنیا وحسن إلیاسی، مجلة إضاءات نقدیة، 2018م. قامت المقالة بدراسة دور تراسل الحواس في الخطاب الشعری لبشری البستاني وفاعلیة هذه الصنعة البلاغیة في التعبیر الشعري عندها وتبیین الدلالات والإیحاءات القائمة فیها. ینقسم فیها البحث إلی الحسّي والدلالي. فیبین لنا أنّ التراسل یدور في المحورین: الأول هو المحور الحسّي الذي یتراوح بین المرئي والشمّي وفي المحور الدلالي بین الشمّي والانتزاعي. کما کسر التراسل العلاقات المألوفة بین الفعل والفاعل وبین المضاف والمضاف إلیه وبین الموصوف والصفة وبین المبتدأ والخبر. - مقالة: «التشکیل الجمالی ومحنة الحرب في قصیدة (أندلسیات لجروح العراق) للشاعرة العراقیة بشری البستانی دراسة أسلوبیة»، لفارس عبدالله بدر الرحاوي، مجلة الآداب، 2017م. عالجت هذه المقالة قصیدة أندلسیات لجروح العراق اعتمادا علی منهج الأسلوبیة. وعکفت علی القصیدة بمنظورین: الأول الشکلي والثاني هو النفسي، کما هو المعلوم في العنوان من ترکیب التشکیل الجمالي ومحنة الحرب. في الحقیقة إنّ هذه المقالة في صدد دارسة أسلوب الشاعرة في تقدیم أسباب المحنة تارة وکیفیة التعبیر عنها تارة أخری. وفي النهایة استنتجت أنّ جانب الموسیقی له أثر واضح في خلق جماليات إيقاعية كبيرة، فیتمثّل في الحالة النفسية للشاعرة البستاني المتصارعة مع حالة الحرب بكلّ تفاصيلها المأساوية، کما یتجسّد الخبرة الواعية للشاعرة ببنائها العروضي، وجملتها الشعرية بإيقاعاتها. وأمّا بعد ذکر سابقة البحث وذکر بعض نتائجها فتبیّن لنا أنّ بحثنا هذا لا یرتبط ارتباطا وثیقا بما سبق ذکره لأنّ بحثنا هذا یتطرق إلی القصیدة المنشودة اعتمادا علی نظریة لاکلاف وموف أوّلا وثانیا یترکزّ علی عنصر المقاومة بوصفها دالا مرکزيا في القصیدة. کما یتناول العلاقة بین النص الشعري والسلطة الاجتماعیة. منهجیة البحث یعد هذا البحث محاولة نقدیة لدراسة شعر بشری البستاني والمنهج المتبع فيه هو منهج التحلیل النقدي للخطاب وتم اختيار نظریة لاکلا وموف لتحليله وفق المحاور الأصلیة والفرعیة والمؤشرات الأساسیة التي تطرح في هذا المنهج ولکن قبل أي شيء يتم تحلیل الفضاء المحیط بالقصیدة باعتباره مقوماً أساسياً لتحلیل النقدي للخطاب وبعده تتم الدراسة اللغوية للخطاب الشعري وصولاً إلى دراستها وفق ما یطرح لاکلا وموف. التحلیل النقدي للخطاب وتحلیل الخطاب عموماً الخطاب هو فعل منطوق أو مکتوب یتمایز عن النص بحضور الأطراف الأساسیة فیه وحتمیة وقناعة بالتأثیر وفرضه فیه والعلاقة بینه وبین المجتمع أو في کونه ولید المجتمع وله العلاقة الثنائیة بینه وبین البیئة المحیطة التي یعیش فیها المبدع والمرسل للخطاب ووجود المرسل إلیه في العملیة التخاطبیة حتما ولا مناص منه وهذا ما یمیز النص عن الخطاب. تحلیل الخطاب هو دراسة الخطاب عبر الطرق والمسالك التحلیلیة العدیدة. ظهر تحلیل الخطاب بعد ظهور الخطاب وولوجه حرفیاً واسمیاً في الخطاب النقدي المعاصر وکان ظهوره بمثابة القفز المعرفي الجدید في مجال النقد والتحلیل والحرکة الاستکشافیة في عالم النقد والتحلیل والحرکة النقدیة الجدیدة تشعبت وتفرعت واختلفت مناهجها ومآربها من الخوض الفني في مرحلة التحلیل. إن نظریة تحلیل الخطاب تقوم علی مرتکز ألسني في مداها الأول فوظیفة دارس الخطاب الأولی هي التمیز بین الألسنیة الأساسیة والإضافیة في لغة الخطاب وبحسب فان دایك یمکننا إدراج البحث التحلیلي التجریبي ضمن حقل البحث العام للألسنیة وعلوم الاتصال. (بدري، 2018م: 415) مما یقودنا إلی أن الوعي بتحلیل الخطاب الجدید في ظهوره لا یتجاوز الظاهراتیة الخطابیة والظاهر الألسني للخطاب في إطار مجموعة من الطرق التي لا تهتم ولا تکترث سوی بالنص والخطاب عبر القراءة النصیة والخطابیة البحتة الخالصة مثل التداولیة والأسلوبیة والسیمیائیة وغیرها من المناهج التحلیلیة التي لا تخرج عن إطار الخطاب والقراءة البحتة للأنساق الدلالیة واللفظیة للخطاب وأما التحلیل النقدي للخطاب هو صورة متکاملة عن تحلیل الخطاب ولفظة النقدي في هذا المصطلح یمیز هذا المسار التحلیلي عن تحلیل الخطاب عموماً. یعود الفضل في ظهور التحلیل النقدي للخطاب إلی الجهود النقدي والمساعي المعرفیة لنورمان فیرکلاف الذي لعب دوراً أساسیاً في تطویره وبعده روداك وفان دایك يعتبران من المنظّرین المشهورین المرتبطین بهذا الحقل العلمي. وقد استمدَّ التحلیل النقدي للخطاب أصوله النظریة من مصادر متعددة وانفتح علی علوم مختلفة من اللغویات النصیة والأنثربولوجیا والفلسفة وعلم النفس الاجتماعي والعلوم المعرفیة والدراسات الأدبیة والمعرفیة واللغویات التطبیقیة واتصل بالعدید من المجالات العلمیة وینهل من مناهجها ومعارفها بما یحقق أهدافه وغایاته. (فوداك، 2005م: 18) الأخذ والاستقاء من مجال الأنثربولوجیا وعلم النفس الاجتماعي من المحاور الأساسیة التي تمیز هذا الحقل الجدید عن تحلیل الخطاب کما نتطرق إلیه لاحقاً. فتحلیل الخطاب، قراءة لغویة ظاهراتیة وکما قال فیرکلاف في کتاباته النقدیة یعرف التحلیل النقدي للخطاب بأنه «یتمیز عن دراسات الخطاب والتحلیل العام بأنه منهج یتضمن العدید من التخصصات والأسالیب المنهجیة فهو لا یهتم بالبحث في وحدة لغویة وإنما بدراسة الظواهر الإجتماعیة المعقدة بالضرورة» (القاید، 2019م: 54) أي لا یکون هو في تعامله مع النص أو الخطاب القراءة الظاهراتیة البحتة بل إلی جانب اهتمامه بالأنساق الظاهراتیة یهتم ویقوم بتحلیل العلاقة بین الخطاب والفضاء المحیط بالخطاب أو الظواهر الإجتماعیة وینطلق هذا البعد عن الارتباط الوثیق بین الخطاب وبین المجتمع باعتباره ولید المجتمع وابن أحداثه وهذا هو ما یؤدي إلی الاهتمام بالظواهر الاجتماعیة في التحلیل النقدي للخطاب وثمة ما یمیز التحلیل النقدي للخطاب عن تحلیل الخطاب هو الدراسة والبحث في العلاقة الکامنة بین الخطاب بوصفه ولید المجتمع وبین السلطة وفي هذا الاتجاه يعد الخطاب ممارسة اجتماعیة ممتازة یسبب تغییر ممارسات السلطة؛ فالعلاقة الجدلیة الدیالکتیکیة بین الخطاب والسلطة هي الجزء الأساسي في التحلیل النقدي للخطاب وهو ما یمیّز التحلیل النقدي للخطاب عن تحلیل الخطاب بصورته العامة لدى المنظرین والباحثین. دراسة قصیدة أندلسیات لجروح العراق القصیدة مليئة بالطاقات الإیحائیة الثرة من الناحیة اللغوية واللغة أداة التواصل والإبداع في القصیدة ولها شحنة دلالیة ووظیفتها تحدید الدوال المرکزیة والعائمة وحالة الصراع الإیدئلوجي في قصیدة بشری البستاني. ما یلفت النظر في هذه القصیدة هو الحضور الکثیر للتراث في التعبیر والالقاء وفي الحقیقیة یعتبر التراث بأنواعه المختلفة الوسیلة المهمة للشاعرة للتعبیر والبوح بمشاعرها وأحاسیسها وخوالجها النفسیة وأول ما یلفت النظر هو الحضور الإیحائي للفظة الأندلس في العنوان وهذه اللفظة تمثل الدال المحوري في هذه القصیدة والامتزاجیة بین الأندلس وبین العراق هو ما تشیعها الشاعرة في القصیدة ونقطة التواصل والعلاقة بین العراق والأندلس هي الجروح؛ صار العراق ضحیة الخیانة والتحالف مع الأعداء کما حدث في الأندلس الحضارية حیث سقطت بسبب الخیانة والتحالف مع الأعداء. الدوال المحورية للقصیدة تنقسم دوال النص أو الخطاب في نظریة لاکلا وموف إلی الدوال المحوریة والدوال العائمة ویری لاکلا وموف أن الشخص أو المفهوم الموزع الذي تتمفصل حوله الدوال الأخری هو الدال المحوري في الخطاب (Laclau & Mouffe.1985. 112) وحضور الدوال العائمة في الخطاب یأتي للتأکید علی الدال المحوري. یمثل الدال المحوري العمود الفقري للخطاب واذا کان الخطاب المجموعة فالدال المحوري البؤرة والمرکز في الخطاب وهو الذي تجذب إلیه الدوال الأخری، بعبارة أخری إنّ الدال المرکزي یعدّ محورا في داخل الخطاب ویکون مفصلا لتتمّ العلاقة بین الدوال الأخری. توجد في هذه القصیدة مجموعة من الدوال المحوریة وحولها الدوال المتحرکة العائمة ترتبط بصورة وثیقة مع الدوال المرکزیة. الدال المحوري لهذه القصیدة هو سلسلة الخراب والغزو المستمر علی بغداد من المغول وهجمة هولاکو واستمراریة الهجوم من الأزمنة القدیمة حتی الحاضر المأزوم بفعل العدوان الأمریکي. تستخدم بشری البستاني في مستهل المقاطع کلها التکرار للتعبیر عن استمراریة الغزو علی العراق والبنی الترکیبیة تقود وتحیل إلی الحالة العراق المأساویة والحضارته العریقة التي ضربت ریح الاستلاب والقهر والبطش وجهها منذ الزمن البعید حتی يومنا هذا. يقوم مستهل المقاطع على بنى ثابتة ومتغيرة للتعبیر عن الحالة السلبیة والمأساویة للعراق مثل: «دَباباتُ السَلبِ تَدورُ، وَدَباباتُ الحقدِ تَدورُ، ودَباباتُ القَهرِ تَدورِ، وَدَباباتُ المَوتِ تَدورُ» (البستاني، 2014م: 129-109) الدال المحوري الآخر في هذه القصیدة هو المزج بین محنة الأندلس ومحنة العراق بشکل مباشر والعراق الیوم عند بشری البستاني یعاني مما کانت الأندلس تعاني منه وأدی إلی ضیاع الحضارة الاسلامیة فیها: قلبُ اللیلِ یَنزِفُ أندَلُسَاً أخری وَفِلسطیِنُ تَطلَعُ مِن عَینِ غَزَالٍ (المصدر نفسه: 110) واللیل هو الصورة الحقیقیة للهویة الأمریکیة بحیث القتامة والظلال والسواد وهذه هي الحقیقیة للهویة الأمریکیة في حضورها في الشرق الأوسط والأندلس الأخری هي العراق بحیث صار ضحیة الخیانة والرکون للضعف وتسلیم المفاتیح للأجانب الطامعین في ثروات العراق. إلی جانب هذه الدوال المحورية یوجد الدال المحوری المتمثل في ترسیخ حالة الخروج من الحصار الأمریکي الراهن وبلوغ لحظة الحریة والانفتاح التام من الحصار الأمریکي ووسیلة الشاعر في التعبیر عن هذه الحالة: قُبورُ الشُّهَداءِ تَنهَضُ في الفَجرِ/ تَهبِطُ لِلنَّهرِ/ یَمامٌ أخضَرُ یَتبَعُهَا/ یَنثَالُ عَلَیهَا الطَّلُّ الأخضَرُ (المصدر نفسه: 109) ونهوض قبور الشهداء في هذه القصیدة تعبیر عن الحیاة الجدیدة بعد دحر العدوان وهذا المعنی مستنبط عن الآیة القرآنیة التي تعبر عن الحیاة الأبدیة للشهداء والذین یضحون بأنفسهم وأموالهم في سبیل الأرض والوطن ونتیجة الالتزام بهذا المنهج في الظروف الراهنة عند بشری البستاني هي الخروج من الحصار واستمراریة الحیاة المتمثلة في النهر وهبوط قبور الشهداء عندها وینثال علیها الطل الأخضر و«الدال اللوني المتمثل في لون الأخضر یؤکد الحالة الإیجابیة والحیاة الجدیدة بفعل الشهادة والفداء والأخضر هو لون الحیاة ویرتبط بدلالات الحیاة والإحیاء وهي نقیض لفعل الموت والضیاع» (ربابعة، 2019م: 111) والاستخدام الواعي لهذا اللون محاولة شعریة من الشاعرة للتأکید علی حتمیة الحالة الإیجابیة والخروج من المأساة الراهنة. والحیاة الجدیدة عندها تأتي من الشهادة والفداء وتقول في مشهد شعري "نهبت قبورهم في غبش الفجر" والمفارقة اللفظیة بین الغبش وبین الفجر تعبیر شعري عن الانتقالیة من السواد الحاضر إلی النور والوهج والإضاءة وما یعید النور إلی الأرض في وعي بشری البستاني. تعتمد الشاعرة علی القرآن الکریم في تأکید الدال المحوري وهو حتمیة الخروج من المأساة الراهنة ودحر العدوان الأمریکي وإعادة الأمل إلی الشعب والوطن وهذه الإشارة هي قمیص یوسف حین أرسله إلی أبیه وأمر أن یلقي إخوته القمیص علی وجه یعقوب لیصبح بصیراً والشاعرة أشارت إلی حتمیة تجاوز الواقع السلبي باستخدام القميص عندما قالت: قَمِیصُ حَبِیبي فِي أعلی الدَّبَابَةِ/حَبِیبي یرَکُضُ خَلفَ رُواقٍ أخضَرَ/خَلفَ شِتاءٍ صَهوَته الحُبُّ/وَصَبوَتُه الطَّیرُ الوَاکِنُ فِي العُشِّ. (البستاني، 2014م: 117) والقمیص هنا هو قمیص یوسف وإذا کان القمیص في بدایة القصة سبباً في الحزن والأسی للنبي یعقوب لكنه سبّب الفرح في ختام القصة. استخدمت الشاعرة هذه القصة بصورة إيحائية ولمحت إليها بذكر قمیص الحبیب في أعلی الدبابة وهو یرکض خلف الرواق الأخضر. وحضور القمیص فوق الدبابة الأمریکیة تصویر شعري لحالة الصراع بین الأرض وبین المحتل ونتیجة هذا الصراع هو دحر العدوان الأمریکي والخروج من المأساة وإعادة الحیاة إلی الأرض بالالتزام الواعي لثقافة. وثمة دال محوري آخر في هذه القصیدة وهو تصوير الضعف ووهن الاحتلال الأمریکی وتشیر الشاعرة وترسم هذا الدال المحوري في مقاطع القصیدة باستخدام رمز الطحلب وصفاً للسلطة الأمریکیة حيث تحاول به الشاعرة التأکید علی هذا الضعف بوصفه الدال المحوري في هذه القصیدة وتقع بشری البستاني بین موقف شعري وآخر ترسم هذا الدال المحوري في محاولة لترسيخ الأمل والمقاومة لدى المناضلین. الدوال العائمة المتحرکة یری لاکلا وموف أن الدال المتحرك هو الدال الذي لایتمتع بالسکونیة الدلالیة ولا یقع علیها وبعبارة أخری هذا الدال له مدالیل متعددة مختلفة الهویات وهي في تنافس وجدال مستمر لاسقاط المدلول المطلوب علیه في الخطاب (یوسف آبادي، 1395ش: 6) وبحسب لاکلا وموف وما جاء في کتاباتهما النقدیة حول الدوال المتحرکة المتنقلة أن الخطاب في استثمار الدوال العائمة یحاول إبراز المعنی والمفهوم الملاءم مع منطق الدوال العائمة وتهمیش الدوال الأخری. (کسرایی، 1388ش: 6) في هذا الخطاب الشعري تظهر التمظهرات والتسطعات المختلفة للدوال المتحرکة وهي تتمفصل حول الدوال المحوریة في الخطاب الشعري وإذا کان فضاء الموت والخراب والدمار والحالة المأساویة للعراق بعد الاحتلال هو من الدوال المحوریة في هذا الخطاب الشعري، فتستخدم الشاعرة مجموعة من الرموز المعرفیة والرموز الإیحائیة للتعبیر عن وضع العراق المأساوي وفي الحقیقیة حضور الدوال المتحرکة داخل الخطاب الشعري للقصيدة یکشف أن الدوال المتحرکة في حضورها داخل الخطاب الشعري تحمل وظیفة وهي دعم الدوال المرکزیة المحوریة والکشف والإبانة عن حقیقیتها وذلك عندما تقول: تَبکِي دِجلَةُ فِي قَلبِ الَیلِ/ زَفِیرُ الثُعبانِ یُریِقُ النَّارَ/ عَلی أعمِدَةِ الکَونِ/ سَریِرُ العَنقَاءِ/ محَمُولٌ بِیَدِ الزَّوبَعَة الصَفراءِ/ وَقلبُ اللیلِ یَنزِفُ أندَلُسَاً أخری. (البستاني، 2014م: 110) الدال المحوري هنا تصوير محنة العراق ومعاناته وسط الحصار والاحتلال الأمریکي وتقوم الشاعرة في الاستظهار الشعري للوضع المأساوي للعراق باستخدام الرموز والصور الفنیة في غایة الإبداع والإیحاء تتمفصل حول الدال المرکزي. ودجلة تبکي في اللیل وسکونه علی ما آلت إلیه الأرض العراقیة والحضارة العریقة من الضیاع والخراب والدمار والسلبیة المحدقة بالأرض نتیجة فعل الاستلاب والارهاب والثعبان أعداء الأرض وإراقة النار علی أعمدة الکون تجسید شعري عن الوضع المأساوي للعراق وحضور السمار علی شواطيء دجلة تعبیر عن الحالة الإیجابیة للعراق وانفضاض السمار عنها تعبیر شعري عن خروج العراق من دائرة الإیجاب والفاعلیة إلی السکونیة وزعزعة الأمن والاستقرار، نتیجة الإرهاب. ومن الدوال المحوریة في هذا الخطاب الشعري تکریس المقاومة وبثّ الیقینیة بالخروج من المأساة الحالیة ونلحظ في هذا الخطاب الشعري مجموعة من الدوال الأخری تتمفصل حول هذا الدال المرکزي الدوال المختلفة ترسم اللحظة الإیجابیة التي تختلف مع الوضع السلبي الراهن ومن المفاهیم الرئیسة التي ترتکز علیها الشاعرة لبثّ الیقینیة بالخروج من المحنة الحالیة، هي تجربة الحب الأصیل للأرض وللوطن والحب یمثل مدرسة وأسلوب حیاة یکفل الإنقاذ والخروج من الحصار الأمریکي المطبق علی الأرض. تقول في قصیدة أندلسیات لجروح العراق: تُدَاهِمنِي عَینَاكِ/ بَرِیقٌ أخضَرُ یَغزُونِي فِي عِزِّ اللَّیلِ/ أفتَحُ بَابِي/ یَدخُلُ عِطرُكَ/ یَکبُرُ/ یَنشُرُ أجنِحَةَ التُّفَاحِ/ تَهوِي الألوَاحُ عَلَی مَائِدَةٍ ظَمأی/ یَشتَعِلُ الوَردُ بِرمَلِ الحُزنِ/ وَأردَانُ النَّخلِ/ ویَغَادِرُني المحتَلُ ... (المصدر نفسه: 116) یؤکّدُ هذا المقطع على تجربة الحب وتمفصلها حول الدال المحوري لبثّ الیقین بالانتقالیة وتجاوز الراهن السلبي. في هذا المقطع، مجيء الأفعال (تداهمني/یغزوني) بصیغة المضارع الدال علی الاستمرار بما حمله الفعلان من المعاني الدالة علی السرعة والمفاجأة والجلبة أوحی بقیام صراع محتدم بین الموت والحیاة وینتهي الصراع بتوهج الحیاة ابتداءً من الفعل المضارع (أفتح) وما توالی بعده من الأفعال المضارعة في التعبیر عن الثورة وخروج المحتل الأجنبي وکلّ ذلك یحدث مع دخول البریق الأخضر وعطر الحبیب، حیث یتحول الیأس إلی أمل بخروج المحتل وعودة النخیل إلی الحالة السابقة المنشودة. (غانم، 2015م: 63) دخول العطر ومداهمة عیني الحبیبة والبریق الأخضر في غرفة الشاعرة تعبیر عن تجربة الحب الأصیل للأرض وکأن الشاعرة بتصویر الحب وتجسید لحظة الخلاص وخروج المحتل تزرع الیقین بأن سرَّ الخلاص والإنقاذ للأرض في حضور الحب؛ وثمة وسیلة للشاعرة تعتمد علیها بوصفها الدال المتحرك یتمفصل حول الدال المحوري وهي تجسید عملیة الأخذ والعطاء بین الأرض وبین الإنسان العربي المقاوم. تصبو بشری البستاني إلی هذه الوسیلة الإیجابیة في قصیدة أندلسیات لجروح العراق وتعتبرها من الرموز الأساسیة التي تکفل الخروج من الحالة المأساویة الراهنة. دَبَابَاتُ الغَزوِ تَدُورُ/ یُحاصِرُها الغَیمُ/ وتُربکُها الرِّیحُ/ غُبَارُ الصَحرَاءِ المجروحِ یُعاوِدُ ذِبحِي/ کَفَنِي ثَوبُ الجَبَلِ الفِضِي/ حَفِیفُ الصَفصَافِ/ سَدرِي/ تَنشَقُ الأرضُ عَنِ الشَّارَةِ/ وَأعطِیهَا قَمَرِي/ یَتَلألأ فَوقَ غَلاِئلَ عُمرِي.. دَمُكَ الیاَقُوتِي/ أکُفُكَ کَانَت وَسطَ هَدیِرِ الدَّبَاباَتِ/ تُلَامِسُ خِصرِي (البستاني، 2014م: 116- 117) الصراع بین المحتل الأجنبي الذي ینادي بدیمقراطیة القتل والذبح والدمار والخراب ودبابات الغزو التي تدور في العراق الحضاریة وتقاومها الریح والغیم بوصفها من عوامل الثورة والخروج «بینما غبار الصحراء المجروح یعاود ذبح الشاعرة ویرمم معاناتها والأرض تنشق لتنهض شارة الأمل لتتفتح عن وهج الزنبق وتتبادل الشاعرة مع الأرض عملیة الأخذ والعطاء لیتلألأ دم یاقوتي مليء بالأمل عبر سطرین یتوهجان وسط عوامل السلب والاستلاب» (غانم، 2014م:40) ودبابات العدوان التي من شأنها خراب الأرض والحضارة العریقة وجرّها إلی الضیاع والخراب. في النهایة نشیر إلی الدوال المحوریة والعائمة والمتحرکة بصورة موجزة وفق ما جاء في نص المقال:
في الحقیقة یظهر هذا الرسم المستوىات الدلالیة القائمة في القصیدة وكشف لنا عن مدى أهمية الدوال الموجودة فیها والعلاقات الدلالية التي توجد بینها، وأكسبت القصیدة ثراء لغويا ودلاليا كبيرا حیث يستطيع القارئ من خلالها الوصول إلى الغاية المنشودة من القصیدة، کما تقوي بنية النص وتنمي أفكاره ورؤاه إلى دلالات أخرى وفضاءات أوسع. بعبارة أخری إنّ حضور عدّة الدوال المحوریة والمرکزیة في القصیدة وهي المقاومة والمؤامرة الداخلیة والحیاة المجددة والهویة الحقیقیة للعدو یؤدّي إلی تواجد الدوال الأخری باعتبارها الدوال العائمة والمتحرکة التي تدور حول الدوال المرکزیة تفسّرها وتوضّحها. مثلا بالنسبة للدال المحوري الأول توجد دوال الحب، والأمل والشهادة، والفداء والتي تدلّ کلّها علی مقاومة الشعب العراقي أمام الظلم والاستبداد الداخلي أو الأجنبیة. وأمّا النقطة الأخری التي تجدر الإشارة إلیها بأنّ هذا الرسم یبیّن لنا أنّ کلّ الدوال ترتبط معا ارتباطا وثیقا حیث إنّ المقاومة لا تتشکّل إلا بعد المؤامرات في البلد وهذه المؤمرات أیضا تعقب الهویة الحقیقیة للعدو لأنّها تؤدي إلی الخراب والدمار.کما ترتبط هذه کلها بالحیاة المجددة عندما کشف الستار عن هویة العدو. العلاقات بین الدوال في الخطاب الشعري الاعتقاد العام في التحلیل النقدي للخطاب هي أن الرموز والدوال تحکمها العلاقات والقواسم الدلالیة المشترکة وثمة علاقة وثیقة بین الدوال في الخطاب. یری لاکلا وموف أن الدال الواحد یحمل الدلالات المختلفة وفي ضوء هذه الحقیقیة یمکن القول إنه لیست علاقة منطقیة وطبیعیة بین الدال ومدلوله (یوسف آبادی، 1395ش: 84) وهذا الاختلاف ینبع عادة عن المدالیل المختلفة التي یحملها الدال الواحد. علی هذا الأساس ينبغي على الباحث في تحلیل الخطاب أن یفهم السیاق جیداً وتکون له السلطة علی اللغة والرموز والسیاق والحرکیة في الدلالات بالنسبة للرموز والدوال؛ لابد من هذه البراعة في تحلیل الخطاب وخاصة في تحلیل الخطاب الشعري المعاصر. فالشعر المعاصر یطفح بالرموز والدوال المختلفة ونقادنا المعاصرون یرفضون بالکامل الثوابت والسکونیة بالنسبة للدوال والرموز وفي الحقیقیة الرمز الواحد في خطابنا الشعري حسب سیاقاته والأرضیة النصیة التي یستخدم فیها یحمل الدلالات المختلفة ومن الواجب السلطة علی السیاق وعلی اللغة والرموز داخل الخطاب لفهم الخطاب وبلوغ النزاهة التحلیلیة في خوض التحلیل النقدي للخطاب. بشری البستاني لها الریادة في معرفة الشعر المعاصر والنصوص والشعریة الحقیقیة وهي التي مزجت بین الشعر والعمل النقدي وتعي المعنی الحقیقی للسلطة المرتبطة بالقاريء الواعي. فیما یرتبط بحضور الدوال الشعري في قصیدة بشری البستاني یمکن القول إننا نجد المشاهد العدیدة من صور الرموز الشعریة التي لا تقع في سکونیة الدلالة والمفهوم بل حسب السیاقات الجدیدة التي یقع فیها الدال یحمل المدالیل التعددة. تقول الشاعرة في قصیدتها: یَخجَلُ وَردُ الَلیَلِ/ تَبکِي دِجلَةُ فِي قَلبِ الَیلِ/ قَلبُ اللَیلِ یَنزِفُ أندَلُسَاً آخَرَ/ تَبکِي/ الشُرَفَاتِ/ قُبُورُ بَنِي العَبَاسِ/ أتعَبهَا زَحفُ العَرَبَاتِ عَلی قَلبِ الأرضِ/ الآباء یُخفونَ الطَّلَقَاتِ بِصَدرِ العَذرَاوَاتِ/ ضَفَائِرهُنُ عَلَی الرَّملِ/ یُخضِبِه الدَّم/ وَجَعٌ فِي أعیِنِهنَّ عرَاقي. (البستاني، 2014م: 113) یعدُّ اللیل من الدوال الأصلیة في قصیدة بشری البستاني ولیست لمدلولات هذا الدال سکونیة وثبوت بل هذا الدال یحمل الدلالات المختلفة وینتفي وجود العلاقة المنطقیة بین هذا الدال والمدلول والدلالات. اللیل من الرموز التي تحمل الدلالات السلبیة وهي الخراب والضیاع، والسکون والورد تعبیر شعري عن مرحلة من الحیاة تتصف بالزهور والسرور والحیاة وورد اللیل «یعدُّ استعارة تنافریة في إطار المفارقة اللفظیة تجسّد ضیاع العراق وانتقاله من الزهو والنور والتفتح إلی اللیل» (ملاابراهیمي، 2019م: 144) وهو السواد والقتامة والخراب واللیل. وهو ینزف أندلساً أخری هو معادل للسلطة الأمریکیة في غزوها للعراق ولفظة القلب في مشهد شعري آخر لهذه القصیدة إشارة إلی حجم المأساة وتضخیم للوضع المأساوي تحت البطش السلطوي والممارسات العدوانیة فهذه اللفظة تخرج عن دائرة هذه الدلالة في مشهد شعري یردف المشهد السابق وهو قلب الأرض وزحف الدبابات علیها وقلب الأرض تعبیر عن العراق وحضارته العریقة بحیث تعتبره الشاعرة بؤرة الحضارة وقلب الأرض إشارة إلی تاریخه المجيد ولا یخفی المغزی الإیدئولوجي الممنهج لهذه اللفظة في هذا المشهد الشعري. إذن الدال الواحد في هذا الخطاب الشعري یحمل دلالات مختلفة وفق السیاق وفي ضوء ما جاء في کتابات لاکلا وموف نصل إلی حقیقیة بلغت حد القناعة في التحلیل النقدي للخطاب وهي أن العلاقة الأساسیة المنطقیة بین الدال والمدلول الواحد أمر مرفوض بالکامل. التضخیم والتهمیش في النضال الخطابي وحین یدخل خطاب ما في جدال مستمر مع خطاب آخر یظهر التضخیم والتهمیش کعمل خطابي عبر التمظهرات المختلفة ولهذین المفهومین ارتباط وثیق بمفهوم التضاد والغیریة. یری لاکلا وموف أن الخطاب یسعی لتضخیم الدال المحوري له وتهمیش الدال المحوري في خطاب الآخر. (Laclau g Mouffe. 1985: 88) التهمیش والتضخیم في مستوی الدوال المحوریة في الخطاب منهج وأداة للحفاظ علی السلطة واستمراریة الهیمنة في الخطاب وفي الخطاب الشعري وسیلة الشاعر المعاصر لصیانة کینونة الأرض واستمرارها وفي ضوء هذه الحقیقة تقوم شاعرتنا بشری البستاني بالتضخیم والتهمیش في مستوی الهویات عبر المقارنة بین الأنا العراقي والآخر الأمریکي برؤیة حضاریة وتستخدم الرموز والدوال المختلفة لمقارنة الطرفین کما نلحظ في هذه الصورة:
وهذا ما یظهر في کل مقاطع قصیدة بشری البستاني: السَمَكُ المیِتُ یَعلُو ضَفَّتَها/الطُّحلُبُ کَدَّرَ صَفوَ الماءِ. تَبکِي دِجلَةٌ في قَلبِ اللیلِ/زَفیرُ الثُعبَانِ یُریقُ النّارَ/ عَلی أعمِدةَ الکَونِ/سَریرُ العَنقاءِ/مَحمُولٌ بِیَدِ الزَّوبَعةِ الصَّفراءِ وَقَلبُ اللیلِ (البستاني، 2014م: 110) ما یتضخم في هذا المشهد الشعري هو الحیاة الجدیدة التي تأتي خطابها مقابل خطاب الموت. العراق عند الشاعرة مفعم بالحیاة والسلطة الأمریکیة لا تقدر علی إماتة العراق وتضييع حضارته والعراق رغم السلب والقهر والغزو الوحشي لکنه یبعث من الجدید والشاعرة تعبّر عن هذه الحقیقة باستخدام سرير العنقاء وهو محمول بید الزوبعة الصفراء. العنقاء هي الطائر الأسطوري الذي یخرج من بین الرماد والشاعرة باستخدام هذه الأسطورة تعبر عن حقیقیة العراق بأنه ینهض وتستمر فیه الحیاة رغم الارهاب ووحشیة الاحتلال الأمریکی. إلی جانب هذا المفهوم تصور وتضخم الشاعرة حقیقیة الاحتلال الأمريكي مؤكدةً على زواله وانتهاء الحصار. تستخدم رمز الطحلب في مقارنتها للدلالة علی ضعف السلطة وخلقت المماثلة بينهما. الطحلب من الرموز الطبیعیة في هذه القصیدة وهو من رموز الضعف الحضاري والحقیقیة أن السلطة الأمریکیة لا تملک خلفیة حضاریة ولا تقارن مع العراق الحضاریة ولا تقاس به وهذا ما تضخمه الشاعرة کما تشیر إلی حتمیة زوال الاحتلال بالدال اللوني الاصفر وهو لون یبشّر بالموت والضیاع بوصفه لون الموت. تقول بشرى في مقطع آخر: تطلعُ من عینٍ غزالٍ/ تَطلَعُ زَنبَقَةُ تُطفِئُها الشَّمسُ/ غبار الطلقاتِ الخلبُ یُوجعُ قلبَ الأرض/ یتکيء الزیتونُ علی وردِ الشیحِ/ ویبکي/ دباباتُ الحقدِ تَدورُ/ غرناطةُ تعدو في قُمصانِ اللیلِ (المصدر نفسه: 111) فعل الطلوع یعبر عن حقیقیة الحضارة الأمریکیة ولفظة الخلب تعبیر شعري واعي عند الضعف الحضاري لأمریکا والمشهد الشعري الذي یحتوي علی صورة الصراع الخطابي وفي مستوی المقارنة بین الهویات، یؤکد علی الفراغ الهویاتي لأمریکا التي تعاني من الضعف الحضاري ولن تقدر علی إیقاف عجلة الحیاة في العراق. التقویض في نظریة لاکلا وموف یأتي التقویض والهدم داخل مفهوم الهیمنة والهدف من التقویض إزالة ما هو راسخ وثابت في خطاب الآخر ویری لاکلا وموف أن فعل التقویض من شأنه إزالة السلطة في خطاب الآخر وخروجه عن إطار الخطاب الجدالي (کسرایی، 1388ش: 351) والتقویض في خطاب الأنا یؤدي عادة إلی خروج الدال المحوري من مرکزیته إلی الدال المحوري وما هو ثابت ویکون الدال المحوري في خطاب الاحتلال هو أن الولایات المتحدة تبرر حضورها في العراق وباقي الدول العربیة بأنها تحمل الدیمقراطیة والحریة للدول وللشرق الأوسط وبشری البستاني في هذا الخطاب الشعري تحاول تقویض هذه المزاعم الجوفاء: تَطلَعُ زَنبَقَةُ تُطفِئُها الشَّمسُ (البستاني، 2014م: 110) وإطفاء الزنبقة محاولة من الشاعرة لتقویض الإدعاء الفارغ في خطاب الاحتلال لأنها لا تعطي ولا تمنح الحریة والدیمقراطیة للشعوب بل تحملها الخراب والدمار. قوة الاستقبال في مستوی الخطاب قوة الاستقبال ونجاح تلقي الخطاب من قبل المتلقي یعود إلی براعة المرسل وإتقانه للغة والحقائق النصیة. الخطاب یفرض سلطته علی المتلقي بنضج لغته الشعریة والتمتع بالجودة البالغة في التعبیر. في هذا الخطاب الشعري لبشری البستاني یتـبدی نجاح التلقي من اللغة الشعریة الإیحائیة ومن الصور الشعریة التي تتمتع بالحرکیة وقوة التعبیر والطاقات الدلالیة الغزیرة، من جهة ومن جهة أخری یعود نجاح التلقي في هذا الخطاب الشعري إلی الحضور الطاغي للتراث في قصیدة أندلسیات لجروح العراق. فالشاعرة في هذه القصیدة ترکز علی التراث بروافده المختلفة انطلقاً من وعیها الشدید بالدور الوظیفي للتراث في عملیة الإیصال. تستثمر بشری البستاني التراث وتشحن النص الشعري بالطاقات الإیحائیة والدلالیة الثرة من العنوان حتی المقطع الأخیر من القصیدة ونجاح الخطاب الشعري في جزء کبیر منه یعود إلی المزج بین الحاضر السلبي والماضي؛ تقول: تدلّی مِن ثَقب الشمسِ حِصانٌ میّت صَهوتُه سَدَّت وَجه الشَرقِ/ کَانَت ومضَة عَینیك تَدعوني/ للعشاء الأخیر. (المصدر نفسه: 108) تستحضر بشری البستاني رمز العشاء الأخیر وهذا الرمز التراثي یرسم صورة ما حدث للمسیح علیه السلام في اللیلة الأخیرة ویستحضر فعل صلب المسیح وهذا الرمز التراثي یخد الدال المحوري ویؤکد الحیاة المتجددة وضرورتها في العراق وعودتها حتماً رغم کل الدمار والمصائب التي سببتها الاحتلال. سلسلة التکافؤ الخطابي سلسلة التکافؤ الخطابي تشیر إلی التماثل في مستوی الدوال في الخطاب بحیث الخطاب المتصارع یعمل علی تقلیص المفارقات بین العناصر والوحدات الدلالیة ویخلق نوعاً من الاشتراك الدلالي بینها ویأتي هذا في إطار الغیریة والضدیة في نظریة لاکلا وموف. سلسلة التکافؤ الخطابي تتحقق عبر عملیة التمفصل بحیث یقوم الخطاب بالمزج بین الإشارات الخطابیة الرئیسة ویتحقق التجمع الدلالي مقابل الخطاب الآخر. (یوسف آبادي، 1395ش: 88) نلاحظ تحقیق سلسلة التکافؤ الخطابي في القصيدة باستخدام الرموز والإشارات الدلالیة التي بینها قاسم مشترك أو تنتمي إلی حقل دلالي واحد. تقول الشاعرة في المقطع الأول: أَجثُو عند خزائن بغداد وآشور/ أمسكُ قَلبي مِن وجعِ التُفاحِ/ عَناقیدُ النخلِ علی الأَعوادِ/ الکابوسُ یُعاودني/ أَشهقُ في قاعِ الجُبِّ/ وأبحثُ عن سیارةٍ أهلي/ أَسألُ غصنین ینامانِ علی صَدري/ عن سرِّ الجبلِ الصامتِ في قلبِ الصحراء/ أرقی درجاتِ الوجد. (البستاني، 2014م: 103) وهناك تماثل بین الوحدات الدلالیة وبین الرموز الشعریة وتتحقق سلسلة التکافؤ الخطابي بانتماء الرموز والإشارات إلی حقل الطبیعة وحقل التراث المتمثل في التراث الدیني. النخل رمز من رموز العراق وحضور عناقید النخل علی الأعواد تعبیر عن فعل القتل والشنق الذي يمارس الاحتلال ضد الشعب، والجبل الصامت أیضا من الرموز الطبیعیة والصحراء أیضاً تنتمي إلی هذا الحقل وهي تعبیر عن عراقة الحضارة العراقیة، والغصنان هما الحلمان الجمیلان للشاعرة وللعراق حلم الحریة والسلام ینامان علی صدرها، کما تتحقق في هذا المقطع سلسلة التکافؤ الخطابي بالانتماء الدلالي إلی الحقل الواحد بین الرموز والإشارات. إنّ الجب من الرموز الأثیرة في تراثنا الدیني وهذا الرمز یعیدنا إلی قصة النبي یوسف (ع) واستخدام هذا الرمز للعراق الحاضر تعبیر عن ظروفه المأساوية وبکاء الشاعرة في قاع الجب بکاء علی الوطن وعلى ضیاع معالمه الحضاریة في ظل الاحتلال الغاشم. والسیارة أیضا من الرموز التي تنتمي إلی قصة یوسف وحقل التراث الدیني. السیارة أنقذت یوسف من الجب والشاعرة في الظروف الراهنة تبحث عن طریق لنجاة العراق وإنقاذه من براثن الاحتلال الذي قام بتدمیر العراق وحضارته العریقة. ونراها تقول في مقطع آخر: دَبَابَاتُ الغَزوِ تَدورُ/ یُحاصِرهَا الغَیمُ/ تُربِکُهَا الرّیحُ/ غُبَارُ الصَحرَاء المَ جرُوحِ یُعَاوِدُ ذِبحِي/کَفَنِي ثَوبُ الجَبَلِ الفِضِي/ حَفِیفُ الصَفصَافِ/ تَنشَقُ الأرضُ عَنِ الشَّارَةِ/ تُعطِینِي وَهَجُ الزَّنبقِ فِي عِزِ الظَهرِ/ أعطِیهَا قَمَرِي/ أکُفُكُ وَسطَ هَدِیرِ الدَّبَابَاتِ تُلامِسُ خِصِري (المصدر نفسه: 117) تصور الشاعرة في هذا المشهد إرهاصات الثورة والخلاص من خلال استخدام الرموز الطبیعیة والصور الشعریة التي بینهما التماثلیة التي تحقق سلسلة التکافؤ الخطابي. کما یوجد الانتماء الدلالي بین الرموز الشعریة وما یحقق سلسلة التکافؤ الخطابي هو الاشتراکیة بین رمز الغیم والریح ورموز النخل والصفصاف في هذا المقطع الشعري. الهیمنة والسلطة الهیمنة في الصراع الخطابي تعبیر عن السیطرة والسلطة والشیوعیون هم الذین طرحوا هذا المفهوم لأول مرة والهیمنة في الفکر المارکسي تحدث في المستوی المادي والمعنوي والشرائح الاجتماعیة الضعیفة التي تبقى تحت الهیمنة والسلطة بصورة مستدامة. احتلت الهیمنة والسلطة مکانة فائقة ومهمة في نظریة لاکلا وموف لأن الهیمنة في الخطاب والعلاقة بین الدال والمدلول تتوطد وتتم التوثیق بینهما بالهیمنة والسلطة. (Laclau g Mouffe. 1985. 28) الهیمنة في فکر الباحثین في التحلیل النقدي للخطاب هي الوسیلة لإنتاج المعنی والمفهوم أو نوع من البناء ومحاولة للتقویض والتفکیك في مستوی السلطة الخارجیة. فاعلیة الهیمنة تأتی من دورها الذي تضطلع به في ترسیخ السلطة في الخطاب أو من دورها في إزالة السلطة والإزالة بشرعیتها في أذهان الناس والجماهیر. حین غزت الولایات المتحدة العراق في سنة 2003م بررت حضورها العسکري تحت غطاء بعض المزاعم الجوفاء التي لا أساس لها من الصحة وهدفها من الغزو نهب ثروات العراق الهائلة وتدمیر معالمه الحضاریة بذریعة الدیمقراطیة. تأتي الهیمنة والسلطة في الصراع الخطابي بین ما تنادي به السلطة الأمریکیة والخطاب الشعري بالوقوف في موقف محدد من الجانبیین؛ فأمريكا تحاول تبرير شرعية حضورها والخطاب الشعري یواجه هذا الحضور السلبي ویحاول إزالة الاحتلال وتأسیس الوعي بالحضور اللاشرعي للسلطة الأمریکیة في العراق. تحاول الشاعرة في مواجهتا للاحتلال فضح الاحتلال الأمریکي. تقول في هذه القصيدة: فَوقَ الدَبَابَةِ خَاتمُ أُنثَی/ یَلمَعُ فِي وَهَجِ الشَّمسِ/ یَرقَی عَبرَ سَلالِم تَعزِفُ حُزنَ القُدسِ/ مِرداة الحزنِ / یَثقَبُ عِطرَ اللَّیلِ هَدِیرُ الدَّبَابَاتِ/ وهَمهَمَةُ الجُندِ/ المُوصِلُ تُوجِعُهَا ثَرثَرةُ الدَّبَابَاتِ (البستاني، 2014م: 129) وتجسد الشاعرة معاناة المرأة. خاتمها فوق الدبابة وهو یلمع وفي الحقیقیة تعبر الشاعرة من جهة عن حتمیة الخلاص والوصول إلی الانقاذ من خلال استخدام المرأة في بعدها الأسطوري بحیث تحمل دلالات الخصب والاحیاء (طاهري نیا، 2014م: 98-99)، والشاعرة باستخدام المرأة ولوازمها في القصیدة تقودنا إلی حتمیة الخلاص وخروج المحتل ومن جهة أخری تفضح الاحتلال وتکشف حقیقیته وهویته وغایاته من خلال معاناة المرأة تحت السلطة الأمریکیة ومن خلال تجسید المفارقة بین المزاعم وبین افعال الاحتلال وتقول في مقطع آخر: بِاسمِ الحُریَّةِ تَهوِي الأبرَاجِ/ التِمثَالُ یُغَادِرُ شَطَ العَرَبِ/ کَیفَ یَصِیرُ عَراقُ الأبنُوسِ/ خَرَائطَ فِي کَفٍّ تَطوِیهِ وتَنشُرُه (البستاني، 2014م: 128) تحاول الشاعرة من خلال فضح المحتل، تقویض هیمنته وسلطته بتجسید سقوط الأبراج في شط العرب باسم الحریة وفيما یرتبط بهیمنة الخطاب وعلاقته بالمتلقي. فتوجد الهیمنة التامة للخطاب الشعري والسلطة لهذا الخطاب الشعري مرهون لوجود اللغة الشعریة الممتازة الثرة والشحن الدلالي والرصید الأیدیولوجي القوي في مواجهة الخطاب الأمریکي. فالخطاب الشعري في وظیفته التوجیهیة يناشد بالقوة والحریة في مواجهة الاحتلال الأمریکی. تقود بشری البستاني المتلقي والجماهیر والذین توجه إلیهم الرسالة الشعریة إلی التاریخ الخصب المليء بمشاهد البطولة والرجولة والقوة للدعوة إلی بناء الهیمنة في مواجهة المحتل بعد التقویض الکامل لهیمنته الفارغة. الصراع في الخطاب الصراع من المفاهیم الأساسیة المطروحة في نظریة لاکلا وموف. یأتي الصراع والضدیة في العمل الخطابي مع القوی المتصارعة في الاتجاهیین؛ الاتجاه الأول الخطاب المناهض للسلطة الخارجیة والاتجاه آخر يتمثل في الصراع بین الخطاب وبین القوة المکثفة الداخلیة. یظهر في قصیدة بشری البستاني الصراع في الجبهتین وفي الحقیقة یدخل الخطاب الشعري ساحة الصراع مع السلطة الخارجیة والأمریکیة تحدیداً وفي جبهة أخری یدخل في الصراع مع السلطة الداخلیة المتمثلة في الحکام العرب الذین صدرت عنهم الخیانة والمؤامرة دون اکتراث بالعراق والقضیة الفلسطینیة. تقول بشری البستاني: جُرحِي تَلفَحُهُ الشَّمسُ العَرَبیِةِ/ یَنخَرُهُ الدُّودِ/ بِیکَاسُو یَرسَمُ جِرنیِکا أخری. (المصدر نفسه:121) الشمس العربیة في هذا المقطع تعبیر عن موقف الحکام العرب والدول العربیة من معاناة العراق تحت الاحتلال وسلوك الحکام العرب في ظل الظروف المأساویة للعراق بمثابة السکین المسموم في جسد العراق بحیث صار یثقب جرح العراق ومعاناة شعبه ونتیجة هذه الإجراءات المخزية من قبلهم فتدخل الشاعرة إلی جانب محاولتها لفضح الاحتلال في صراع مع الحکام العرب الذین باتوا المنخذلین، ومكتوفي الأيدي ولا یرون حجم المعاناة مما یزید من آلام الشعب العراقي. نتائج البحث تؤکد بشری البستاني في خطابها الشعري علی ضرورة المواجهة والمقاومة لبناء العراق من جدید وإعادة دورة الحیاة إلی العراق بعد أن نهبها الأعداء وهذا بمثابة الدال المحوري في قصیدة أندلسیات لجروح العراق والدال المحوري الآخر في هذه القصیدة یکمن في استخدام الصور الشعریة الموحیة التي ترسم حالة الأمل وحتمیة الخروج من الحصار والضیاع. تسعی بشری البستاني في قصيدتها لتهمیش وانکماش الهویة الحقیقیة الجوفاء للولایات المتحدة وتقویضها وفضح حقيقة الاحتلال، فالخطاب الأمریکی يحاول خداع شعوب العالم ويحاول فرض الهیمنة والسلطة علی شعوب العالم بشعار الحریة والدیمقراطیة. وکما تحاول الشاعرة لتضخیم الهویة العراقیة والإمکانیة التجديدية التي تتمتع بها الحضارة العراقیة كما تنهض العنقاء من رمادها. وتدور الدوال المختلفة المتحرکة في هذه القصیدة التي تخدم الدال المحوري حول المقاومة والشهادة أو التأکید علی الضعف الحضاري لأمريكا. تستخدم الشاعرة لبناء هذه المفاهیم الاستراتیجیات اللغویة المختلفة لتثبیت إیدئولوجیاتها وإرساء المفارقة. وتستخدم الألوان وتعتمد علی التراث باعتبارها الرکائز اللغویة والفنیة في قصیدة أندلسیات لجروح العراق. ویحدث الصراع بالمواجهة بین الخطاب الشعري وبین خطاب الاحتلال الذي لا يمتلك شرعیة لغصب الارض وتدمیرها من جهة ومن جهة أخرى يتضمن شعرها صراعاً مع خطاب الساسة والحکام العرب الذین لا تری الشاعرة منهم سوی شعارات فارغة. قوة استيعاب هذا الخطاب الشعري یعود في قسم کبیر منه إلی اللغة القویة المفعمة بالشعور والإحساس وإتقان الشاعرة للغة کما تأتي من استخدام التراث والمشهد التاریخي لإثبات المعنی والتأکید علیه ومن ثم استقبال الخطاب وقدرته. | ||
مراجع | ||
اصلاني، سردار ومحسن غلامحسین کهوري. (1395ش). «مظاهر أدب المقاومة في شعر بشری البستاني». لسان مبین. السنة 7، العدد3، صص22-1
بدري، فرحان. (2018م). «اللسانیات وتحلیل الخطاب في النقد الأدبي (التواصل والنفتاح الذات)». مجلة مرکز بابل للدراسات الانسانیة. المجلد 8، العدد3، صص426-411
البستاني، بشری. (2014م). الآمال الشعریة الکاملة. عمان: دار فضاءات للنشر والتوزیع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (2014م). وحدة الإبداع وحواریة الفنون. عمان: دار فضاءات للنشر والتوزیع.
ربابعه، موسی. (2012م). آلیات التأویل السیمیائي. ط1، عمان: مکتبة المتنبي.
طالب الردیني، رائد فؤاد. (1435ه). «المواجهة الحضاریة في شعر بشری البستاني قصیدة (أندلسیات لجروح العراق) أنموذجا». مجلة آداب الرافدین العراق. العدد69، صص274-227
طاهري نیا، علي باقر وحسین الیاسی. (2018م). «خطاب الأمل في شعر بشری البستاني دراسة ونقد». مجلة آفاق الحضارة الإسلامیة. المجلد 20، العدد40، صص103-79.
فتحي، غانم. (2015م). تداخل الفنون في شعر بشری البستاني. ط 1، عمان: دار فضاءات.
فوداك، روث ومیشل مایر. (2014م). مناهج التحلیل النقدي للخطاب. ترجمة: حسام أحمد فرج وعزة شبل محمد، ط1، القاهرة: المرکز القومي للترجمة.
القاید، عبدالله. (2019م). التحلیل النقدي للخطاب: الخطاب الإعلامي. للدول المحاصرة لقطر، من متطلبات الماجستیر: جامعة قطر.
کسرایی، محمد سالار وعلی پورشیرازی. (1388ش). «نظریة خطاب عند لاکلا وموف، أداة فاعلة في فهم ومعالجة الظواهر السیاسیة». فصلیة سیاسیة. السنة 38، العدد، صص360-339
ملا ابراهیمی، عزت وعلی باقر طاهری نیا. (2019م). «شعریة المفارقة في خطاب بشری البستاني السیاسي». اللغة العربیة وآدابها. السنة 15، العدد1، صص156-135.
عرب یوسف آبادی، عبدالباسط وطاهره میرزاده. (1395ش). «تحلیل خطاب نقدي لرسالة محمدبن عبدالله ومنصور عباسی علی أساس منهج لاکلا وموف». لسان مبین. السنة 8، العدد26، صص101-73
عرب یوسف آبادی، فائزة. (1396ش). «تحلیل خطاب نقدي لمکتوبات حلاج في ضوء نظریة لاکلاوموف». أبحاث اللغة. السنة8، العدد6، صص22-1
المصادر الأجنبیة
Laclau, E. and C. Muffe :(1985), Hegemony and socialist strategy: Towards a Radical Democratic politics, London: verso.
Mouffe , Chantal :(2000). The Democratic Paradox , London: verso.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 478 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 155 |