تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,199 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,857 |
دراسة مقارنة لموضوعات شعر رثاء المدن في الأندلس والشرق العربي | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
دوره 12، شماره 45، خرداد 2022، صفحه 91-112 اصل مقاله (286.17 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
سیده محترم شب پابیشه1؛ سید بابک فرزانه* 2؛ مرضیه قلی تبار3؛ علیرضا باقر4 | ||
1طالبة الدکتوراه في اللغة العربية وآدابها، فرع طهران الشمالية، جامعة آزاد الإسلامیة، طهران، إیران | ||
2أستاذ فی اللغة العربیة وآدابها، فرع علوم وتحقيقات، جامعة آزاد الإسلامیة، طهران، إیران | ||
3أستاذة مساعدة في اللغة العربية وآدابها، فرع طهران الشمالية، جامعة آزاد الإسلامیة، طهران، إیران | ||
4أستاذ مساعد في اللغة العربية وآدابها، فرع طهران المرکزیة، جامعة آزاد الإسلامیة، طهران، إیران | ||
چکیده | ||
إن رثاء المدن في الأدب العربي يعني البكاء على المدن التي دمرتها الحروب والفتن أو أنواع الكوارث الطبيعية. وطالما كان هذا النوع من الرثاء من أهم الأغراض الشعرية في الأندلس والشرق العربي لأنه واكب وتيرة الأحداث والتغيرات السياسية وأعاد قراءة الأحداث. يسعى هذا المقال بطريقة وصفية تحليلية للتعريف ببعض هذه المراثي ودراسة موضوعات قصائد کلا القطرين باحثا عن وجوه الاشتراك والافتراق بينهما. وبحسب نتائج الدراسة هناك قواسم مشتركة عميقة في أفكار شعراء الأندلس والشرق العربي تنبع من الوضع السياسي والاجتماعي القائم في المجتمع آنذاك. من ناحية أخرى من خلال دراستنا لرثاء المدن المنهارة سنرى أن وصف ازدهار المدن ومجدها وازدهارها قبل الدمار والندب والتحسر على فقدان النعم والمشاعر الدينية هي من بين الموضوعات المشتركة في مراثي شعراء البلدين وفي نفس الوقت هناك اختلافات بينهما فمثلا في رثاء المدن الأندلسية نری اهتماما بموضوعات کالاستغاثة والحنين الی الوطن لامثيل لها في المراثي الشرقية. وبصورة عامة يمكن القول إن قصائد رثاء المدن في الأندلس جاءت بمعان وصور أكثر عمقا وتأثيرا في المتلقي وإن كان للشرق فضل الأسبقية في التطرق إلی هذا الفن الشعري. | ||
کلیدواژهها | ||
رثاء المدن في الشرق العربي؛ رثاء المدن في الأندلس؛ شعراء الشرق؛ شعراء الأندلس | ||
اصل مقاله | ||
يعد الرثاء من إحدی أغراض الشعر التي طالما نظر إليها الشعراء وموضوع هذا النوع من الشعر هو البكاء والحداد على الراحلين وذكر فضائلهم وصفاتهم الحسنة ويمكن أن يكون الحداد على ملوك الزمان وكبار رجال العلم والسياسة والأبطال والأصدقاء والأقارب والزوجة والأولاد. وهناك نوع من الرثاء اشتهر في الأدب العربي بـ"رثاء المدن" وذلك أن يقوم الشاعر بتأليف قصائد ترثي المدن والبلاد التي تم تدمیرها إثر الكوارث الطبيعية أو الحروب التي حدثت في فترة من الزمن. يعرف هذا النوع من أيضاب «شعر النکبات والکوارث، الشعر الحزین، الشعر الوطنی، ندب الدول والبلدان.» (ضیف، 1955م: 47-40؛ بَهجت، 1988م: 302) و تكون المشاعر والعواطف في هذا الأسلوب أعمق ويتميز بالتعبير الحزين وقوة أثر في الکلام. يختلف الباحثين في أصل نشوء هذا الشعر اذ يعتقد البعض أنها ظهرت في الشرق لأول مرة کما يشير اليها أحمد مكي: «بکاء المدن الزاهرة شعرَا حین تأتی علیها الفتن المدمرة، والممالک حین تذهب بها الثورات العاتیة، له أصول مشرقیة، أول ما نلتقی بها فی تلک الدموع الغزیرة التی ذرفها الشعراء علی بغداد أثناء الفتنة بین الأمین والمأمون عام 197ق = 812 م.» (مکی، 1987م: ۲۰۱) كما يؤمن شوقي ضيف بذلك: «فقد کانت الکتلة الاندلسیة تنساق نحو التقلید المشرقی بکل ما فیه... وما آرانی أبعد إذا قلت أن الأندلس کانت تستمد نهضتها وحیاتها من بغداد شأنها فی ذلک شأن الاقالیم الاخری.» (ضیف، 1960م: ۴۱۲) في حين أن البعض اعتبر هذا الرأي مبالغًا فيه إلى حد ما بقولهم: «لا یخلو هذا القول – فی نظری – من المبالغة والمغالاة برغم ذلک فان للأدب الأندلسی شخصیة متمیزة وطابعا خاصا ولا ندری ماذا نسمی ابتکارهم لفن الموشحات، وافتنانهم فی اختراع الصور النابضة من شعر الطبیعة.» (الکفاوین، 1984م: 458- 457) لكن فریق آخر يعزو رثاء المدن إلى المغرب الإسلامي فـ«منهم من فرّق بین رثاء المدن ورثاء الممالک فأطلق الأول علی تلک المدن التی سقطت فی ید الإسبان واستلبت من أیدی المسلمین فبکاها الشعراء، وأطلق الثانی علی دول ملوک الطوائف التی سقطت بدخول المرابطین الی الاندلس، وما نظمه الشعراء من قصائد شعریة تأسی وتأسف علی المجد الزائل والسیادة الآفلة لهولاء الملوک. ویصح أن ینسحب هذا المفهوم علی المدن التی سقطت وخربت بفعل الفتن التی طرأت علی الأندلس بسبب فساد الأحوال السیاسیة، وتَرَدّیها.» (بهجت، 1988م: 303) وهکذا يتحدث أحمد مكي عن كيفية نشوء المراثي الأندلسية «أما فی الأندلس فولد هذا الشعر بین الأحداث المتلاحقة، ومن الصراع المستمر بین الأحزاب المختلفة التی قامت علی أنقاض الخلافة المنهارة، وبین الأندلسیین وغزاتهم من أفریقیة، وبینهم وبین النصاری فی شمال وطنهم، ومهد له التغنی بحب الوطن قریة أو ضعیفة، ومدینة أو عاصمة، وکل الأرض التی جابها الشاعر حباً فی الرحلة، أو طلبا للرفد والمتعة، یصف ما علی ودیانها من زهر وثمر، وما فی سمائها من برق وسحب وما یخترقها من بحیرات وأنهار، وما یتحرک علیها من طیر وحیوان وما له فیها من صداقات وذکریات، ومجالس أنس وشراب. فإذا افتقد ذلک غریباً حن إلیه، وإذا ذهبت به الحرب بکاه، وکان لنا مع هذه المشاعر شعر یرثی المدن الذاهبة، والممالک الضائعة، والأرض تسقط فی ید العدو، ویصوّر فی جوی صادق فواجع المسلمین.» (مکی، 1987م: 205-204) ورغم أن شعراء الشرق الإسلامي والأندلس قد اختبروا شعر رثاء المدن وكتبوا قصائد رائعة في هذا المجال إلا أن المؤكد أن هذا الفن الشعري لم يزدهر في الشرق الإسلامي كما في الأندلس. ولعل السبب في ذلك أن وتيرة الأحداث والتطورات السياسية والاجتماعية في الأندلس كانت متسارعة آنذاک لأنه کان الصليبيون ينوون طرد المسلمين من هذه الأرض مما أدى إلى مواجهة بينهم. وعلیه فاللجوء إلى قصائد رثاء المدن يأخذ جانبا کبیرا من الأهمیة بالنسبة للمؤرخين بهدف إنارة أجزاء من التاريخ السياسي للمسلمين خاصة وأن معظم هذه القصائد لها طابع الحقيقة أو قريب من الواقع. وبناءً على ذلك يسعى هذا البحث إلى دراسة أهم قصائد رثاء المدن العربية في الشرق والغرب والتي أوضحت المساحات السياسية والثقافية والدينية للمدن المحتلة ويتطرق بنهج تحليلي وصفي لموضوعات وخصائص كل من هذه القصائد للتعبير. خلفية البحث تم تالیف العديد من الدراسات والأبحاث حول رثاء المدن والممالک بما في ذلك كتاب الرثاء فی الشعر العربی(بیروت، 2008م) لعباس الحلی؛ شعر الرثاء فی عصر ملوک الطوائف فی الأندلس لعبداللطیف عیسی (الأردن: 2013م)، ومقال بعنوان «فن الرثاء بین عصرین المملوکی والعثمانی» لنبیل خالد أبوعلی (مجلة الجامعة الإسلامیة، ج 17، العدد 2، یونیو 2009م، غزة) و«تجلیات سقوط المدن الأندلسیة فی الشعر الأندلسی من (456ق - نهایة القرن السابع الهجری)» تاليف آمنة سلیمان البدوی (دراسات، العلوم الإنسانیة والاجتماعیة، الجامعة الأردنیة، المجلد 40، العدد 2، 2013). يمكن أيضًا قراءة المقالات التالية في المصادر اللاتينية: «أبو إسحاق البيري: "موقف أدبي" بقلم نيكولا كاربنتير (جامعة برشلونة: 2016م)[1]؛ القصيدة الأندلسية المجهولة لمعركة "غرناطة" بقلم سامي حنا (الدراسات الآسيوية والأفريقية، الفصل الأول، بورتلاند، 2000م، ص 51-56)[2] يذکر أن مؤلفي هذه الدراسات قاموا في الأغلب بجمع وتحلیل بعض قصائد الرثاء في عصور مختلفة لکن تهدف هذه المقالة إلى دراسة وتحليل مراثي المدن العربية الأندلسية والشرقية هادفا مقارنة الموضوعات والمضامين المحددة لقصائد كل من هذين القطرين والتي لم يتم دراستها حتى الآن.
أسئلة البحث ما هي أوجه الاشتراک والافتراق في مراثي المدن الشرقية والأندلسية؟ فرضية البحث بسبب وقوع الحروب الصليبية والسقوط المتعاقب لمدن الأندلس أصبحت تقنية رثاء المدن في الأندلس أكثر نضجا من نظيرتها في الشرق الإسلامي. رثاء المدن في الشرق الاسلامي بسبب انتشار الحروب والفتن والكوارث الطبيعية المدمرة يحتل رثاء المدن مكانة خاصة في الأدب العربي في الشرق الإسلامي وذلک يعني «بکاء المدن التی أصابها الدمار والخراب.» (رشید، 1989م: 39) وضاعت نتيجة للحروب والفتن الخارجية أو الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل أو وقعت عرضة للخراب والنهب وحرق الأماكن والمعابد. وفي هذا الصدد كتب المؤرخون عن المدن المحتلة التي تسقط مثل أوراق الشجر المتساقطة واحدة تلو الأخرى: «لقد رأینا مدناً فی المشرق تتساقط تساقط أوراق الشجر، تستوجب الرثاء والبکاء، کما سقطت بغداد فی ید التتار، وأزالوا کل ما فیها من مظاهر مدنیة وحضارة، وفعل التتار فیها ما لا یقل عما فعله الإسبانیون فی الأندلس، وغزا هولاکو وتیمور لنک ونحوهما بلاد الشام.» (أمین، 1999م: 3/287) المدينة جديرة بالثناء عند الشاعر لأنه تثير المشاعر والذكريات كمكان مهم وأساسي ومكان للتعود عليه. لذلك من الطبيعي أنه في حالة الدمار ووقوع حدث مؤسف له يلجأ الشاعر إلى مشاعره ويرثي المکان بمجموعة متنوعة من العبارات الصادقة. إذا فـ«الإحساس بفقد المکان إحساس عمیق، ینبثق من صمیم وجدان المرء وعواطفه.» (الطربولی، 2012م: 326، 13) رثاء المدن والدول المدمرة وهو ذو جذور شرقية لا يتجلى فقط في قصائد العصر العباسي ولكن أيضا في الشعر الجاهلي منها قصائد امروء القيس (80-130ق / 496-544 م) وزهير (13ق / 609 م) وعنترة (حوالي22ق/ 601م) بکاء علی آثار "دارة جلجل" و"دار عبلة " و"دمنة أم أوفی" و"بدار عبلة" أو أسود بن يعفر (585 م) الذي يرثي آل المحرق (ت 268-632ق) في عظمتهم وحضارتهم ويبكي على أنقاض قصور "خورنق" و"سدير" و"سنداد" وهذا الاعشی الأكبر (628م) يعض أصابعه حسرة علی قصر الريمان الرائع. (البیومی،1980م: 212؛ ضیف، تاریخ الأدب العربی عصر الدول والإمارات الأندلس، 338؛ الأعشی، دیوان، 2/166) تُظهر دراسة هذه الأماكن المرثية في الشعر الجاهلي أن «لأکثرها قيمة رمزية وأن حالة الشاعر کانت تنبعث من جو حنين أكثر من کونها منبعثا من جو مادي، وكانت فرصة للتعبير عن الشعور بالضياع والحنين إلى الماضي ومقدمة إلى غايات وأهداف أخرى.» (الینسون، 2009م: 18-17) لكن في العصر العباسي أدى ارتفاع الفتن والحروب والكوارث الطبيعية والقتل الجماعي للناس من جهة واهتمام الشعراء بوطنهم إلى أن يصبح رثاء المدن فناً مستقلاً ويبکي الشعراء مدنهم في صور مشحونة بالمشاعر والعواطف الوجدانية إذ «کانت المدینة فی العصر العباسی قد صارت تمثل کیاناً له معنی ووجود فی نفوس أهلها وإنَّ أهلها قد صاروا تربطهم بها روابط مادیة ومعنویة وقد تولد فی نفوسهم -نتیجة لذلک- شعور إنسانی نبیل إزاء المدینة عبروا عنه فی صدق وحرارة عندما رأوا الخراب والدمار یحل بها کأنّهم فقدوا بها عزیزاً لدیهم وهکذا برز فی العصر العباسی إطار جدید للرثاء هو رثاء المدن. وقد کان جدیداً بکل المعانی الکلمة، إذ إنَّ علاقة الإنسان العربی بالمدینة لم تَتَوَطَّد من قبل بالشکل الذی تَوَطَّدَت به فی العصر العباسی. هذا من جهة، ومن جهة أخری لم تشهد المدن الإسلامیة قبل هذا العصر من الدمار والتخریب ...» (الحلّی، 2008م: 229) وبمعنى آخر مع سقوط بغداد بيد التتار (عام 656ق) واجتياح بعض المدن - بما في ذلك البصرة ودمشق - اتخذ رثاء المدن شكلاً أكثر نضجًا واكتمالاً وأصبح أسلوبًا مستقلاً بحیث نزع الشعراء إلى رثاء بغداد ومدن عربية أخرى وأنتجوا بذلک أروع قصائد يثير المشاعر ويحرک الهمم تجاه الوطن والأرض.
رثاء المدن في المغرب الإسلامی كان رثاء المدن في الأندلس من أهم الأغراض الشعرية وقد نجح هذا الأسلوب في تحليل الأحداث متماشيا مع وتيرة التطورات السياسية. وبعبارة أخرى فإن رثاء مدن الأندلس يعكس طبيعة التطورات السياسية في فترات مختلفة ومن سماته البارزة أن الشاعر كان لديه إدراک كامل للموقف ويشاهد الأحداث بشكل مباشر. وقد أدى ذلك إلى نضج واکتمال تجربة الشاعر الفنية. فيبدو أن قصائد الشعراء في هذا المجال انبثقت من صميم غرائزهم وطبيعته وإذا رأينا حجم شعر رثاء المدن في أرض الأندلس هو أكثر بكثير من بلاد إسلامية أخرى ذلک لکثرة الغارات والحروب المدمرة في الأندلس کما يصفها شوقي ضيف «قد أخذ الإسبان الشمالیون یستخلصونها لأنفسهم، وکانت کل مدینة تسقط لا تعود أبداً، والمسلمون یرون ذلک رأی العین، یرون ما یهدد دیارهم من غزو ودمار، وکلمتهم متفرقة وأهواؤهم غیر مجتمعة ینابذ الأخ وتنابذ المدینة أختها، والعدو علی الأبواب یتربص بهم الدوائر. وما زال الشعراء هناک یحذرون وینذرون ویستغیثون ویستنصرون، وکلما ضاعت بلدة أو مدینة ذرفوا الدموع حارة سخینة. ومن البلدان التی أکثر الشعراء من رثائها وندبها حین استولی علیها الأسبان طُلَیطُلَة وبَلَنسِیَة وشاطبة وقُرطُبة وجَیَّان وإشبیلیّة.» (ضیف، 1955م: 49) وهذا عبدالله الزیات في کتابه "رثاء المدن فی الشعر الأندلسی" بعد أن درس بعض قصائد الرثاء الأندلسية خلص إلى أن سقوط المدن الأندلسية كان نتيجة عاملين رئيسيين: الأول المدن التی سقطت فی فتن وثورات داخلیة والشعراء الذین بکوا هذا السقوط: قرطبة (سقوط 1013م)، إلبیرة، المریة (سقوط 484ق/1091م) والثانی المدن التی سقطت أمام الزحف الصلیبی والشعراء الذین رثوها: بَربشتر(سقوط 1064م)، طُلیطُلة(سقوط 1085م)، سُهَیل(سقوط 577ق /1181م)، قُرطُبة (سقوط 1236م)، بلنسیة(سقوط 1238م)، جَیّان(سقوط 642ق/1246-1244م)، إشبیلیة(سقوط 1248م)، غرناطة(سقوط 1492م). (الزّیّات، 1990م: 134، 135، 168، 183 و...، 320؛ اِکبرگ، 17؛ الینسون، 2009م: 71)
أوجه التشابه في مراثي المدن الشرقية و الأندلسية من بين المواضيع الشائعة في رثاء مدن الأندلس والشرق العربي يمكن الإشارة إلی وصف ازدهار المدن ومجدها ورونقها قبل الدمار والحنین إلی الوطن، الدعوة إلی الوحدة والتحریض علی الجهاد، ذکر أسباب السقوط، ظلم الناس والجور والاستبداد، تنبیه العاطفة الدینیة ممزوجة بالعاطفة الإنسانیة، استصراخ الشاعر وطلب النجدة من المسلمین، اصطناع الحکمة والحدیث عن مصائب الدهر و... .(الشکعه، 2014م: 561- 560، الزیّات، 1990م: 404، 426، 441، 453، 464، 487) يقول الینسون في مقاله "العودة إلى الأندلس: شعرية الضياع والحنين إلى الماضي في الأدب العربي والعبراني في العصور الوسطى"[3]: ومن أهم السمات الأدبية المشترکة في رثاء المدن الضائعة والتي يمكن العثور عليها في جميع قصائد رثاءالمدن هي: التكرار، ذكر الأماكن الشرقية في القصائد الغربية، صورة الماء في قصائد الرثاء و... (الینسون، 2009م: 26-25، 29-30، 35-36)
وصف ازدهار المدن و مجدها قبل الدمار وصف المدينة قبل الفتنة ووقوع الحادثة من الموضوعات التي أدرجها شعراء الشرق والغرب الإسلامي في قصائدهم لرثاء المدن وعبروا عن حزنهم من خلال تصوير المدن قبل خرابها. فنری الخريمي (أوائل القرن الثالث الهجري) في رثاء مدينة بغداد يعبر عن حزنه الشديد على الأحداث التي طغت على المدينة ويعرب عن حزنه بوصف جمال مدينة بغداد ونضارتها ورحابتها ومجدها وازدهارها. فالشاعر في مطلع قصيدته اعتبر بغداد عروسا ذات مظهر ساحر ومغري، وللإعراب عن الأسف على ضياع الازدهار وحضارة البلد الإسلامي -وهو بغداد- يستخدم عناصر تصويرية مختلفة. وهو يهاجم خلفاء عصره ويعتبرهم السبب الرئيس لهذا الدمار وهکذا بلغة بسيطة وبليغة وبعيدة عن التصنع يلقي حزنه العميق علی الجمهور ويقول: قالوا: و لَم یَلعَبِ الزَّمانُ بِبَغـ دادَ و تَعثُر بِها عَواثِرُها إذ هی مِثلُ العَروسِ بَاطنُها مشوّقٌ لِلفَتی و ظاهرُها جنَّةُ خُلدٍ و دارُ مَغبَطةٍ قلَّ مِن النائِباتِ واترُها (الطبری، 1966م: ۸/ ۴۴۸) سقوط بغداد على يد المغول عام 656ق/ 1258م وآثار هذه الحرب الدموية والقتل الوحشي انعکست في شعر كثير من الشعراء آنذاک. فللتنوخي قصيدة في هذا المجال تستحق النظر وهذا مطلعها: تاجُ الخلافةِ و الرُّبعُ الّذی شَرُفَت به المَعالِمُ قد عَفّاه إقفارُ (ابن تغری بردی، 1963م: 7/51) يشير الشاعر إلى ازدهار ومجد العصر الذهبي في أیام حکم العباسيين الذيين كانوا ذات يوم زعماء لأکثر الحضارات رقيا. واليوم تلک المدينة التي كانت في يوم من الأيام مهد العلم ومركز للمعارف وعاصمة الخلافة العباسية تحولت الآن إلى رماد جراء هجوم المغول. في هذه القصيدة يصور الشاعر الوجود والازدهار والسلطة التي تليها العدم والانهيار والفناء. وهناک قصيدة مؤثرة للسري الرفاء يبکي فيها الشاعر المدينة وذلک بعد حدوث فيضان نهر الموصل والذي أدی تدمير منازل الناس وتشويه صورة المدينة. ويعتبر الشاعر الكوارث الطبيعية سببا في دمار الموصل والتي اجتاحت هذه المدينة وغيرت وجه الأرض وما لها من ازدهار وخضرة وتأتي کلها غالبا في أسلوب يتميز بالبساطة والوضوح يعبر فیه الشاعر عن الرعب والخوف والقلق والفزع الذي يدور في المدينة ومن خلال ذلك حاول أن يذكر فضائل مدينة الموصل ومحامدها ويتذكر الأيام الخوالي:
مَضَت نَومَةُ التَّعریس فی ظلِّ أمنِهِ و أعقَبَها لیلُ السَّلیمِ المُسَهَّدِ أری بَلَداً یَشکو مِن الماءِ مِثلَ ما شَکا الغِمدُ مِن حَدِّ الحُسامِ المُهَنَّدِ (السّری الرَّفاء، 1996م: ۱۶7) وقد وصف شعراء الأندلس مثل شعراء الشرق جمال مدن الأندلس قبل وقوع الأحداث للتعبير عن حزنهم وأسفهم على فقدان أراضيهم وعبروا للجمهور عن أسفهم من خلال وصفهم لمجد المدينة الماضي ورونقها قبل الخراب. ومن ذلک قصة سقوط مدينة بلنسية عام 1238 م وما حلت بها من مصائب فنری ابن عميرة المخزومي (658ق / 1258 م) قام بوصف جمال هذه المدينة وقد تأثر بما حل بها من خيانة وخراب إذ يقول: أما بَلَنسِیّةُ فَمَثوَی کافرٍ حَفَّت به فی عُقرِها کُفّارُهُ زَرعٌ مِنَ المَکروهِ حَلَّ حَصادُهُ بِیَد العدوِّ غداةَ لَجّ حِصارُه مَا کانَ ذاکَ المصرُ إلاّ جَنَّةً لِلحُسن تَجری تَحتها الأنهارُه (ابن الأبار، 1986م: 215 – 214) من السمات البارزة لهذه القصيدة استخدام اللغة المقارنة لوصف الماضي والحاضر للمدن المحتلة والتي لعبت دورًا مهمًا في إثارة مشاعر وعواطف الجمهور. يصور الشاعر في هذه القصيدة ماضيًا مجيدًا لمدينة بلنسية ويقارنها بوضعها الحالي المؤسف وقد حولها أعداؤها إلى أطلال وقد دمروا مجده وكرامته. ونری شاعرا مجهولا يصور أوضاع المسلمين في مدينة رندة التي استولى عليها المسيحيون (عام 890ق) يعبر عن مشاعره تجاه ما حل بالإسلام بموسيقی حزينة ومشاعر صادقة وعميقة ويروي في قصائد طويلة حزنه وتألمه بهذه الطريقة: و کانَت عُقاباً لا یُنالُ مَطارُها و مَعقِلَ عِزٍّ زاحَمَ النَسرَ صورُها (خفاجی، 1992م: ۱۴۱) يصف الشاعر بلغة بسيطة وبليغة المدينة المجيدة التي أطاح بها المحتلون مشيرا إلی المكانة الرفيعة والمهيبة لهذه المدينة التي كانت دائمًا في ذروة السلطة والاقتدار. وقام بتشبیه مدينة رندة بانسان يحاول المقاومة أمام العدو ليري للمتلقي مناعتها وعدم إمكانية الوصول إليها بسهولة... . يقول ابن حزم الشاعر الأندلسي (426-382ق / 1035-992م): لَئِن کانَ أظمَانَا فَقَد طَالَ ما سَقَی وإن ساءَنا فیها فَقَد طَالَ ما سَرّا (ابن خطیب، 1956م: ۱۰۸) وينعى الشاعر مدينة طافت حولها وأمضت ساعات سعيدة في قصورها. إنه یصف المشهد بدقة وأناقة وذكاء ويرسم مفارقة تصويرية جميلة بين أيام مجد قرطبة الطويلة ومحنتها الحالية وذلک بهدف الحد من شدة تأثير المأساة على الجمهور. بحدة نظر خاصة يقارن الشاعر الكلمات السلبية "أظمأنا وساءنا" بالكلمات الإيجابية "سَقَی وسَرّا" وبإضافة كلمة "طالَ" زاد وزن وتأثير الكلمات الإيجابية على السلبية لإعطاء المتلقي قليلا من الراحة کأنه يقول لاتفزع فرغم أن هذه الحادثة المريرة قد أحزنتنا لكننا عشنا في هذه الأرض لفترة طويلة في نعمة وراحة. إذا فإن استخدام طريقة المفارقة الدلالية هذه قد أثرى معنى الشعر.
البحث عن جذور الفتن والأحداث الانقلابات والصراعات المختلفة والحروب المتتالية في الشرق والغرب الإسلامي تعد من أهم العوامل في تغيير مصير الأمم والشعوب. ومثال على ذلک مأساة بغداد في معركة أمين ومأمون (عام 196ق) التي أدت إلی اضطراب شديد في الحياة السياسية في أراضي الأندلس مما دفع العديد من الشعراء للتعبير عن مشاعرهم وخلجاتهم النفسية تجاه وطنهم وأخذوا يبکون لحال بلادهم بتألیف قصائد غاية في الروعة وقوة أثر في المتلقي. وهکذا ينشد الخريمی -وهو أحد شعراء العصر العباسي- في رثاء بغداد: فَلَم یَزَل و الزَّمانُ ذو غِیَرِ یَقدَحُ فی مُلکِهَا أصَاغرُها (الطبری، 1966م: ۸/ ۴۴۸) ويصور الشاعر غروب شمس السلطة في بغداد وانهيار حكم الخلفاء العباسيين ويشير إلى الخلافات والفتن المثارة من أجل الوصول الی السلطة والتي جرت بين الأخوين أمين ومأمون وهما يدمران المدينة كأنهم أناس سكاری لايدرون ما يفعلون. ويلوم الشاعر مرتكبي هذه المأساة ولا يعتبر خطاياهم مغتفرة. ثم يشير الی تشرد أقوام ورجال کبار کان لهم يد في جهاز الحكومة ثم ابتعدوا وتنحوا عن القضايا السياسية وإن مثل هذا الانسحابات من السلطة أدت إلى خلافات وانقسامات بين العباسيين. بعد أن احتل ألفونسو العاشر ملك قشتالة مدينة قرطبة عام 665م صرخ أبوالبقاء الرندي (601ق – 684ق / 1204م - 1285م) في حالة من اليأس والخيبة ضد هذا الانهيار والاستسلام لمطالب العدو المسيحي وذلک في قصيدته الشهيرة التي مطلعها: لِکُلِّ شَیءٍ إذا مَا تَمَّ نُقصَانُ فلا یُغَرَّ بطِیبِ العَیشِ إنسانُ فَجَائِعُ الدَّهرِ أنواعٌ مُنوَّعَةٌ ولِلزَّمانِ مَسَرّاتٌ وأحزانُ دَهَی الجَزِیرةَ أمرٌ لا عَزاءَ لهُ هَوی لهُ أُحُدٌ وانهدَّ ثَهلانُ (المَقری، 1968م: ۴/ ۴۸۷) كما اختار أبوالبقاء مقدمة حكمية لقصيدته النونية وحذا فیها حذو شاعر العصر العباسي أبو الفتح البُسْتي معتمدا أسلوب وسياق قصيدة البستي النونية هادفا تعميق تأثير کلمته وزيادة حلاوتها وجمالها مصورا الأحداث والمصائب التي حلّت بالأندلس وأهلها من نفي وتهجير وتفكك الأرض إلى خيانة بعض المرتزقة. التحسر والأسف التحسر والإعراب عن الأسف علی ما فات هو أحد الموضوعات الرئيسية في قصائد الرثاء وهي وسيلة لذكر المصيبة والتعبير عن الحزن والتأثر. وأهمية هذا الموضوع في مراثي شعراء الشرق والغرب الإسلامي كبيرة لدرجة أن بعضهم بدأ قصيدته بالدموع والتألم ومن بين هؤلاء الشعراء ابن الرومي (221/283ق - 836/896م) الذي استطاع أن يجعل أجواء القصيدة حزينة باستخدام عناصر التصوير وأسئلة استفهام إنكاري وبطبيعة الحال زاد من جمال القصيدة حیث يقول: أیُّ نومٍ! من بعدِ ما حَلَّ بالبصـ ـرَةِ ، من تلکُمُ الهَناتٍ العِظامِ؟ (ابن الرومي، 1998م: 3/ 339- 338) يبدأ ابن الرومي مطلع قصيدته بترديد بعض الكلمات (أیّ، لهفَ، کم و ...) ليخلق جوا عاطفيا حزينا من أجل لفت انتباه الجمهور إلى الموضوع وبتكرار هذه الكلمات يقدم الشاعر الخلفية للقارئ لإكمال القصيدة في ذهنه والبحث عن إجابات لها وبالتالي فإن أسلوب الاستفهام له دور فعال للغاية في تصوير التفاعلات الداخلية للشاعر والمتلقي. (أمین مقدسی، 1396ش: 66) لأن السؤال عندما یبرز فی مقدمة النصّ الشعریّ یقود بنیة العبارة للانطلاق فی دینامیة التخییل وفوریة التواصل مع المتلقِّی، وهو یمثِّل دائماً الذروة المدببة المسنونة للموقف الشعریّ، ویمتاز السؤال أیضاً بفاعلیة التحوّل، وتنویع الدلالة، لأنه یسهم فی إطلاق سراح الجمل من سجن التقریر أو الثبات، ویسهم أیضاً فی شحن الموقف الشعری بفیض من الدلالات والإیحاءات المتتالیة. (شرتح، 2005م: ۱۲۵) وهذا ابوالبقاء الرُّندی ينشد بتحسر: فأسأل بَلَنسیةً ما شأنُ مُرسیةٍ و أین شاطبةٌ أم أین جَیّانُ ويؤكد الشاعر من خلال طرح الأسئلة على التناقض الواضح بين الماضي الذهبي لمدينة الأندلس وحالها المظلم ويرفع صرخاته الصاخبة المدوية ويشجع الناس على الجهاد. فإن تعدد الأسئلة في هذه القصيدة يدل على قلق الشاعر وضيقه والاضطراب الداخلي والألم والحزن في کلامه ويبدو أن الشاعر أراد ضمنيا أو تلويحا أن يشير إلى أن العقوق والإصرار على الخطيئة ونسيان الأوامر الإلهية جاء سببا في حدوث هذه الکوارث والمصائب. وفي قسم آخر منها يقول: یا مَن لِذِلَّةِ قومٍ بَعدَ عِزِّهِمُ أحالَ حالَهُمُ کُفرٌ و طُغیانُ (المَقری، 1968م: ۴/488) من السمات البارزة لهذه القصيدة تباين الكلمات في أبياتها وبهذه الطريقة استخدم الشاعر كلمات متناقضة مثل الكفر والإسلام والذل والكرامة والسيطرة والعبودية و.. لتصوير الماضي الذهبي للأندلس والوضع الفوضوي الراهن للمسلمين. ومن خلال خلق مفارقة تصويرية في جميع أنحاء القصيدة استطاع أن ينقل للجمهور المسافة الشاسعة بين عصر الشرف والإذلال للمسلمين في هذه الأرض.
العاطفة الدينية تظهر الحقائق التاريخية كيف اختفت آثار الإسلام وتغيرت مظاهر الشريعة بعد الغزو المغولي للأراضي الإسلامية والغزو الإسباني للأندلس حتی جعل البعض يقول: المتأمل فی حقیقة هذا الصراع، یدرک أنه لم یکن صراعاً من أجل دوافع عسکریة أو أطماع اقتصادیة، وإنما کان حرباً دینیةً تماثل الحملات المتعاقبة التی استهدف أقطار العالم العربی وأصقاعه (حمدان، 2009م: 590) ونتيجة لهذه التصرفات التي قام بها العدو المعتدي المحتل في تدمير آثار الحضارة الإسلامية أثيرت مشاعر الشعراء ومواهبهم وقاموا بتصويرها في قصائد مؤثرة تصف ما حل بأرض الأندلس والشرق الإسلامي من خراب ودمار ونهب. يمكن تلخيص الموضوعات الدينية المشتركة في مراثي مدن الشرق والغرب الإسلامية في ما يلي: 1- استنهاض الروح الجهادية: ابن رومي يحرض أهل البصرة على الجهاد ونضال المعتدين في قصيدته الميمية ويقول: اِنفِروا أیُّها الکرامُ خِفافاً و ثِقالاً إلی العَبیدِ الطَّغامِ (ابن الرومي، 1998م، 3/341) فالشاعر بكلماته الملحمية التي تنم عن حزنه الداخلي وانحيازه لوطنه وشعبه يدعو أهل البصرة إلى معركة أخرى من أجل الانتقام ولا يقبل الذل والصمت أمام العدو. وباستخدام عناصر تصويرية يحاول إثارة حماسة أهل البصرة وتشجيع الجهاد والانتقام من الزنكيين. وقد أنشد شاعر مجهول في نفس الموضوع: مَعَاشِرَ أهلِ الدِّینِ هُبُّوا لِصَعقَةٍ و صَاعِقَةٍ وَارَی الجُسُومَ ظُهُورُهَا (خفاجی، 1992م: ۱۴۶- ۱۴۵) إنه مثل مؤرخ متفکر وواقعي استطاع أن يروي بشكل جميل الحقائق والوقائع المشؤومة لتاريخ بلاده وعند رؤية المشاهد المروعة والمؤلمة في مدينة الأندلس يرثيها بلغة غارقة في الحزن والأسى و يشجع الأندلسيين على الجهاد في سبيل الله لتطهير أرضهم من قذارة المحتلين وإبقاء الإسلام حياً من خلال الجهاد ويرید منهم أن لايدعوا المسيحية تترسخ في تلك الأرض.
2- الدعوة للصبر: لشعراء الشرق والغرب الإسلامي قصائد تستحق التأمل موضوعها تحمل المعاناة والصبر علی المصائب. يقول أسامة بن منقذ (584 ق / 1188م): ما استدرَجَ الموتُ قومی فی هلاکهمُ و لا تخرَّمَهم مَثنی و وُحدانَا (أسامة بن المنقِذ، 1983م: 356) في عام 552ق دمر زلزال قوي قلعة شيزر وسبب في قتل الناس وخراب منازلهم. وهذا أسامة بن المنقذ يعبر عن حزنه وتحسره في قصيدته النونية وهو يصور بصدق عاطفته المشهد المؤلم لمقتل أهل شيزر ويعبر عن شدة المصاب وعمق ألمه تجاه الحدث داعيا للصبر والتحلي بالحلم في مواجهة سطوة الدهر. یعتقد ابن الحزم انه من الجمیل التحلي بالصبر في مواجهة الصعوبات ویقول: سَنَصبِرُ بَعدَ الیُسرِ لِلعُسرِطاعةً لَعلَّ جمیلَ الصَّبرِ یُعَقبنا یُسرا فَصَبراً لِسَطوِ الدَّهرِ فیهم و حُکمِهِ و إن کانَ طعمُ الصَّبرِ مُستَثقلاً مُرَّا (ابن الخطیب، 1956م: ۱۰۸) مع دخول المحتلين مدينة قرطبة وما تبعها من الهجرة القسرية لسكان هذه المنطقة إلى أراض أخرى يدعو الشاعر أهل وطنه إلى الهدوء والصبر في مواجهة المصائب حتى لو كانت طعمه مريرا. يعد الصبر من التعاليم الدينية ويبشر الشاعر أهله بأن الفرج يأتي بعد الشدة وباقتباسه الآية القرآنية "إن مع العسر يسرا" يزيد من تأثير حديثه ويستعين بكلام الوحي ليضاعف حلاوة أفكاره ويجعل المشقات أكثر قبولا. 3- تحويل المساجد إلى كنائس: نری الشاعر التنوخي (278-342ق / 892-953م) ينعي مدينة بغداد بعد أن استولی عليه الصليبيون: عَلا الصَّلِیبُ عَلی أعلَی مَنابِرِها و قَامَ بِالأمرِ مَن یَحوِیه زُنّارُ (ابن تغری بردی، 1963م: 7/52) الشاعر يحکي في هذه القصيدة عن المغول ويروي كيفية استيلائهم على بغداد وکيف بنوا منها قاعدة مسيحية وأمحوا مظاهر الإسلام فيها ويصف غروب عزة الإسلام وعظمته ويعبر عن معاناته وحزنه تجاه هذا المصاب ویستخدم العاطفة الدينية لتحريض الناس وتشجيعهم على الجهاد والمقاومة. بعد سقوط مدينة رندة في يد الأعداء الإسبان يصف أبوالبقاء حزنه على اختفاء آثار الإسلام في هذه المدينة على النحو التالي:
تَبکِی الحَنِیفِیّةُ البَیضَاءُ مِن أسَفٍ کما بَکَی لِفِراقِ الإلفِ هَیْمانُ (المَقری، 1968م: ۴/ ۴۸۷) فالشاعر يحرض الناس على الجهاد ويحث على المقاومة والصمود بحيث اتخذت هذه القصيدة جانبا إنسانيا وخلطت بين صدق العاطفة والصدق الفني وإن عواطفها الدينية الصادقة تثير مشاعر وضمير الرجل المسلم. إن استمرارية العبارات والصور الفنية لهذه القصيدة يؤكد موقف الشاعر من العدو المحتل وقوة إيمانه بضرورة إخراج العدو من المدن التي احتلها بالقهر والنهب.
أوجه الافتراق (مواضيع غیرمشترکة) الاستغاثة شعر الاستغاثة وهو يعرف أيضا بمسميات أخری منها (الاستنجاد، الاستنفار، الاستصراخ، الاستعطاف) (الدایه، 2000م: 160؛ زرقان، 2008م: 8)، وهو من ابداعات الشعر الأندلسي التی تحمل عاطفة صادقة وموجعة وتعكس صعوبات ومصائب وتحديات المسلمين في الأندلس في ذلك الحين من الزمن. ولعل الاستنجاد خارج الأندلس أقوی بکثیر منه داخل الأندلس، وذلک لأن الأندلس کانت تمر بظروف صعبة جدا، والمغرب العربی کان ینعم بالاستقرار وعلی مقربة من الأندلس مما دعا أهل الأندلس للتوجه بأنظارهم إلی إخوانهم فی المغرب طلبا للنجدة والعون، فکان الشعراء خیر معبر عن تطلعات أهل الأندلس فی الدعوة للتوحد وللنجدة (قطریب، 2017م: 188-187) شاعت قصائد الاستغاثة بسرعة في الأندلس وتفوقت علی مثيلته فی شعر الشعراء الشرقيين على الرغم من أسبقيتهم واستمرّ هذا النوع من الشعر إلی آخر الزمان العربی فی الأندلس. (الدایه، 2000م: 161) «إن الأندلسیین اتّجهوا بنداء استغاثاتهم إلی المرابطین ثم إلی الموحّدین والمرنیین والحفصیین، ثم إلی دولة الممالیک فی مصر، ودولة العثمانیین فی القسطنطینیة، یستنجدون بهم ویستمدون العون منهم والتأیید.» (الباشا، 2000م، 225) أنشد ابن الأبار بأسلوب الاستغاثة وهو يستجد المسلمين لنجدة الأندلسيين: أدرِک بِخَیلِکَ خَیلِ اللّهِ أندلسَا إنّ السَّبیلَ إلی مَنجَاتِها دَرَسا (ابن الأبار، 1999م: 410، ۴۰۸) وفي هذه القصيدة التي تبدأ بأجواء حزينة يخاطب الشاعر ملك تونس أبابكر بن زكريا ويدعوه إلى الجهاد والدفاع ومساعدة ودعم أهل الأندلس ويروي المصائب التي حلت بمدينة بلنسية. يبدأ ابن الأبار هذه العریضة بشکل غير مباشر بمدح الخليفة ثم يطلب منه المساعدة لإنقاذ المدينة وسكان بلنسية والدفاع عن أرضهم. و يقول في قسم آخر: طَهِّر بِلادَکَ مِنهُم إنَّهُم نَجَسٌ و لا طَهَارةَ ما لَم تَغسِلِ النَّجَسَا (ابن الأبار، 1999م: 412) ويشير ابن الأبار إلى الأعمال المخزية للمحتلين ويذكر سوء أفعالهم وشناعة اعمالهم ليثير في ملک تونس مشاعر الحماسة والحمية واستعداد للجهاد والدفاع والإسراع بطرد المحتلين من أرض المسلمين. ويطلب منه أن يطهر أرضه من قذارة من وجود هؤلاء الكافرين النجسين.
الحنين للوطن ومن السمات البارزة الأخرى في الشعر الأندلسي الشوق إلى الأرض والحنين للوطن ويمكن أن يُعزى سبب هذا الشوق إلى عوامل مختلفة منها مثل القضايا السياسية والاجتماعية وطبيعة الأندلس «وذلک لتأثیر البیئة الأندلسیة من نواحیها المختلفة سیاسیة واجتماعیة وطبیعیة. فقد تألق هذا الموضوع علی نحو فرید من القرن الخامس الهجری.» (بهجت، 1988م: 332) أجبر الأندلسيون على مغادرة وطنهم والهجرة من وطنهم وذلک بعد سقوط مدن الأندلس بسبب النزعات الانفصالية والغزو الإسباني وکان ينتقل بعضهم إلى الغرب وبعضهم إلى الشرق. يصف عبدالعزيز عتيق هذه التجربة الغريبة للإنسان المسلم ويقول: ولیس کالاغتراب شیءٌ یزید من حنین الإنسان إلی وطنه وتعلقه به. وهذا ما حدث لهؤلاء الأندلسیین، سواء أکان اغترابهم بالانتقال من الغرب إلی الشرق، أم بالانتقال لسبب أو آخر من مدینة إلی مدینة بالأندلس. فکانوا کلما اشتدت علیهم وطأة الاغتراب ونالت من نفوسهم، فزِع الشعراء منهم إلی الشعر یبثونه تَوقَهم وحنینهم المشبوبَ إلی أوطانهم وأهلهم وأحبابهم (عتیق، 1975م: 273) بما أن هذا الموضوع الشعرى(الحنين للوطن) لم يوجد فى رثاء المدن الشرقية فنذکر فيما يلي شواهد من قصائد الشعراء الأندلسيين. فابن شهيد (426-382ق/ 992-1035م) ينشد لوطنه ويعبر عن حنينه إلى الأيام الخوالي: عَهدِی بها و الشَملُ فیها جامعٌ من أهلِها و العَیشُ فیها أخضُرُ (ابن شهید، لاتا: ۱۱۰) رغم أن «ابن شهید لم یفارق قرطبة وعاش نهایة أیام العاصمة» (مکی، 1987م: 215)، لكنه نظم قصائد رائعة يرثي فيها أرض الوطن ومجدها القديم ويعبر عن حماسة لها ومن خلالها ينقل حزنه وأسفه للجمهور. إن حنين ابن شهيد إلى مسقط رأسه هو شغف زمني لأنه نظم مراثيه متأثرا بذکر الأيام الخوالي وبلغة بسيطة حزينة شجع فيها المسلمين علی الجهاد والانتفاضة على أوضاع المجتمع البائسة في ذلك الوقت على شكل لغة حزينة. وهذا ابن حزم الشاعر الأندلسي الذي هرب من مدينة قرطبة إلى مدينة المرية عام 404ق (ابن حزم، طوق الحمامة، 112) يصف مدينة قرطبة بعبارات مريرة: فیا دارُ لم یَقفِرکِ منّا اختیارُنا و لو أنَّنا نَستَطیعُ کُنتِ لَنا قَبرَا (ابن الخطیب، 1956م: ۱۰۸) يصور الشاعر بطريقة مقارنة الماضي المجيد والحاضر المضطرب للمدينة وبلغة الرثاء يعرب عن أسفه وندمه على مغادرة مدينة قرطبة ويعتقد الشاعر أن سبب دمار المدينة ونفيه هو الإرادة الإلهية اذا فقد دارت الأقدر وعليه لا مفر لک إلا أن تستسلم للمشيئة الإلهية.
النتائج غالبًا ما تكون لمراثي المدن في الأندلس والشرق الإسلامي موضوعات ومحتويات مشتركة أبرزها: وصف ازدهار المدينة ومجدها ورونقها قبل الخراب، التحسر والأسف علی ما فات، تتبع جذور الفتن والأحداث والعاطفة الدينية. ومن بين هذه الموضوعات نری وصف ازدهار المدينة ومجدها قبل الفتنة هو أكثر وفرة في قصائد شعراء القطرين. لقد أبدع الشعراء الأندلسيون في معالجة بعض القضايا مثل شعر الاستغاثة وكان هدف هؤلاء من تأليف هذه القصائد التي تبدأ في الغالب بالمطالع الحكمية والثناء، طلب حماية المسلمين وخلاصهم من سلطة المحتلين والسعي لتحقيق الأمن والسلام لأبناء الأندلس. كما ينتشر موضوع الحنين للوطن في القصائد الأندلسية أكثر منه في الشرق الإسلامي لأن الشعراء هذه البلاد أجبروا على الهجرة من وطنهم إثر الحروب والصراعات واستيلاء الأجانب على المدن الأندلسية بينما نادرًا ما نشاهد هذه الظروف في الشرق الإسلامي. لذلك فإن حزن الشاعر الأندلسي هو حزن الحنين للوطن ويعبر عن شدة انتماء الانسان الأندلسي وتبعيته العاطفية للوطن المهجور لكن حنين شعراء الشرق العربي يعني حزنهم على الآثار التي خلفتها الفتنة والفوضى في مدنهم التي لم يترکها الشاعر في أغلب الأحيان. إن رثاء المدن هو فن أندلسي أصيل كانت دوافعه متشابهة إلى حد ما في الشرق والغرب. وقد وصل الشعراء الأندلسيون إلى الكمال في هذا الفن الشعري بسبب کثرة الأحداث والصراعات والحروب المختلفة وخلقوا العديد من الروائع في هذا المجال.
[1] - Nicola carpentieri.» Abu ISHAQ AL- ILBIRI: A LITERARY REVISITATION« .MEDIEVALIA.1/19. 2016. [2] - Sami A. HANNA. AN ANONYMOUS ANDALUSIAN ELEGY ON THE WAR OF GRANADA.portland. USA. 2000. [3] - Looking back at Al-Andalus: The poetic of loss and nostalgia in medieval Arabic and Hebrew literature”
| ||
مراجع | ||
ابن الأبار، ابوعبدالله. (1999م). دیوان. قراءة وتعلیق عبد السلام الهرّاس. المغرب: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامیة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1986م). تحفة القادم. تحقيق إحسان عباس. ط1. لبنان: دارالغرب الإسلامی.
ابن تغری بردی، جمال الدین. (1963م). النجوم الزاهرة فی ملوک مصر و القاهره. مصر: وزارة الثقافة.
ابن حزم، ابو محمد علی بن حمد. (1950م). طوق الحَمامة فیالألفة والآلاف. تحقيق حسن کامل الصیرفی. الناشر: مطبعة حجازی.
ابن الخطیب، لسانالدین. (1956م). أعمال الأعلام. تحقيق بروفنسال. ط2. لبنان: دار المکشوف.
ابن الرّومی، ابوالحسن. (1998م). دیوان. تحقيق عبدالأمیر علی مهنّا، ط2. لامک: دار ومکتبة الهلال.
ابن شُهید، ابوعامر. (لاتا). دیوان. جمعه وحققه یعقوب زکی. راجعه محمود علی مکی. القاهرة: دار الکاتب العربی.
اسامة بن المُنقِذ. (1983م). دیوان. تحقيق أحمد أحمد بَدوي وحامد عبد المجید. ط2. بیروت: عالم الکتب.
الأعشی الکبیر، میمون بن قیس. (2010م). دیوان. تحقيق محمود ابراهیم محمد الرضوانی. ط1. الدوحة - قطر: وزاره الثقافه والفنون والتراث.
أمین، أحمد. (1999م). ظهر الإسلام، ط 7. القاهرة: مکتبة النهضة المصریة.
أمين مقدسي، أبو الحسن وسيد بيمان حسيني. ( 2017م). «دلالة التكرار في شعر بدوي الجبل». الأدب العربي. السنة التاسعة. العدد 1. صص 72-53
الباشا، مهجة. (2000م). رثاء المدن والممالک فی الشعر الأندلسی اتجاهاته – خصائصه الفنیة. ط1. دمشق: شراع.
بَهجَت، مُنجد مصطفی. (1988م). الأدب الأندلسی من الفتح حتی سقوط غرناطه. الموصل: مدیریة دار الکتب للطباعة والنشر.
البیومی، محمد رجب. (1980م). الأدب الأندلسی بین التأثر والتأثیر. المملکة السعودية: المجلس العلمی.
الحلّی، عبد الحسین عباس. (2008م). الرِّثاء فی الشعر العربی. العصر العبّاسی حتی نهایة القرن الثّالث الهجری. ط1. لبنان: دار القَاریء.
حمدان، عبدالرحیم. (2009م). «صورة المدینة الإسلامیة المحتلة فی الشعر الأندلسی فی عهد المرابطین والموحدین». فلسطین. مجلة جامعة النجاح للأبحاث. المجلد 23(2). صص 612-587
خفاجی، محمد عبدالمنعم. (1992م). الأدب الأندلسی التطور والتجدید. ط 1. لبنان: دار الجیل.
الدایه، محمد رضوان. (2000م). فی الأدب الأندلسی. ط1. لبنان: دار الفکر المعاصر.
رشید، ناظم. (1989م). الأدب العربی فی العصر العباسی. الموصل: دارالکتب.
زرقان، عزُوز. (2008م). شعر الإستصراخ فی الأندلس. ط1. لبنان: دار الکتب العلمیة.
الزیّات، عبدالله محمد. (1990م). رثاء المدن فی الشعر الأندلسی. ط 1. بنغازی: جامعة قاریُونس.
السری الرّفاء. (1996م). دیوان. تقدیم وشرح کرم البستانی. ط1. بیروت: دار صادر.
شرتح، عصام. (2005م). ظواهر اسلوبیة فی شعر بدوی الجبل. دمشق: منشورات اتحاد الکتاب العرب.
الشکعه، مصطفی. (2014م). الأدب الأندلسی موضوعاته وفنونه. لبنان: دار العلم للملایین.
ضیف، شوقی. (1955م). الرثاء. ط4. القاهرة: دارالمعارف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1960م). الفن ومذاهبه فی الشعر العربی. ط11. القاهرة: دارالمعارف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1989م). تاریخ الأدب العربی عصر الدول والإمارات الأندلس. القاهرة: دارالمعارف.
الطبری، محمد بن جریر. (1966م). تاریخ الرسل والملوک. تحقيق محمد ابوالفضل إبراهیم. ط2. مصر: دار المعارف.
الطربولی، محمد عوید. (2012م). المکان فی الشعر الأندلسی من عصر المرابطین حتی نهایة الحکم العربی. ط 1. الأردن: دار رضوان.
عتیق، عبد العزیز. (1975م). الأدب العربی فی الأندلس. بیروت: دار النهضة العربیة.
قطریب، یوسف إبراهیم. (2017م). أدب الوفادة لدی أدباء الأندلس داخل وخارج الأندلس. لبنان: دار الکتب العلمیة.
الکفاوین، شاهر عوض. (1984م). الشعرالعربی فی رثاء الدول والأمصار حتی نهایة سقوط الأندلس. مکة المکرمة: جامعة أمالقری.
المَقری، احمد بن محمد. (1968م). نفح الطیب من غضن الأندلس الرطیب. تحقيق إحسان عباس. بیروت: دار صادر.
مکی، الطاهر أحمد. (1987م). دراسات أندلسیة فیالأدب والتاریخ والفلسفة. ط3. القاهرة: دار المعارف.
Ekberg. Ibrahim »The tears of the prayer niche«. Handledare: Lena Ambjorn. New York. ARAKO .2010.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 2,347 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 312 |