تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,623 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,416,359 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,444,913 |
دلائلیة الموتیف في شعر علي جعفر العلاق؛ موتیف العشب، والأغنیة، والریح أنموذجا | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
دوره 12، شماره 47، آذر 2022، صفحه 89-113 اصل مقاله (340.24 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
بیان قمری* 1؛ علی رضا محمد رضائی2؛ حسین الیاسی3 | ||
1طالبة دکتوراه في اللغة العربية وآدابها، جامعة طهران، طهران، إیران | ||
2أستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة طهران، بردیس الفارابي، قم، إیران | ||
3بحث مابعد الدکتوراه وخریج مرحلة الدکتوراه من جامعة طهران، طهران، إیران | ||
چکیده | ||
إن الموتیف هو الفکرة المرکزة أو النقطة الدلالیة النهائیة التي یقوم الشاعر عبر الإکثار منها والترکیز علیه بالتکرار المکثّف بشحن النص الشعري بالطاقات الدلالیة وأیضاً یکرّس فکرة نصیة رئیسة ویرسخ عبر الحالة الأثیریة الثابتة للموتیف أو النقطة المرکزة الفکرة أو المعاني التي یحرص علی إیصالها. ویعدُّ مفتاح الولوج إلی العالم الشّعري للشاعر ومنظومته الفكريِّة وهو یمثّل عنصرا أساسيا من عناصر بناء الشّعريِّة عند العلاق وحضوره یعبّر من جهة عن إلحاح الشاعر علی فكرة خاصة ومن جهة أخری یعمل كعتاد هجومي یقدر به القارئ أن یقبض علی دلالات النص. أخذ هذا البحث علی عاتقه أن یعالج موضوع الموتیف عبر الاعتماد علی المنهج الوصفي _ التحلیلي ومن خلال اختیار موتیفات العشب، والریح، والأغنية من معجم العلاق الشّعري ومن ثم العکوف علیها بالمعالجة والمحاولة لتقویل هذه الموتیفات وتسلیط الضوء علیها بالرؤیة الدلالیة التي من مهامها دراسة نظام العلامات ومن الأسباب الدافعة لاختیار هذه الموتیفات هي الحضور المکثّف لها في جمیع إصداراتها الشعریة وجمیع قصائده وأیضاً الحضور المعرفي لهذه الموتیفات المکررة في مسعی لخلق المعرفة عند المتلقي بفاعلیة الموتیف في شعر العلاق مما یعتبر من الأهداف الأساسیة لسبر أغوار النص الشعري عند العلاق وأیضا من أهم عوامل وأسباب الجمع بین هذه الموتیفات في هذه الورقة البحثیة هي العلاقة الدلالیة بین الموتیفات المتکررة في الکثیر من الأحایین. تشیر النتائج إلی أنَّ هذه الموتیفات جزء لا یستهان به في التشكیل الشّعري وبعضها ذات الجذور الأسطوريِّة والمعرفيِّة، مثل: العشب أو لبناء المفارقة بین الماضي والحال والعشب هو عشبة الخلود الجلجامشي یركن إلیه الشاعر لتجسید زعزعة الواقع العربي أو خفوت الإرادة العربيِّة. وموتیف الأغنية والرّیح من الموتیفات المتكررة في شعر الشاعر وهما یحملان الدلالات المختلفة واستخدم الشاعر موتیف الأغنية في إطار ما یسمی بالتراسل بین الحواس لیجسّد بها ما آل إلیه المكان العربي من الموت والضیاع والشّتت أو یستخدمه رمزاً لإعادة الأرض إلی الزمن الأسطوري ذات الفاعلیة الحضاریة والأغنیة ذات الرصید الأسطوري وتقود إلی قیثارة أروفئوس والریح تأتی رمزاً للتوق إلی وتأتي في بعض الأحیان رمزاً للسلب والخراب والتدمیر علی وجه الأرض. | ||
کلیدواژهها | ||
الشّعر العربي المعاصر؛ الموتیف؛ علي جعفر العلاق؛ العشب؛ الریح؛ الأغنیة | ||
اصل مقاله | ||
إن الموتیف عنصر أساسي من عناصر الشّعريِّة ومن الموضوعات التي حظیت باهتمام كثیر في الدرس النقدي الجدید في الغرب وللموتیف تمظهراته في الشّعر القدیم وكثیراً ما نری الموتیف یشعُّ في ثنایاء النص الشّعري القدیم غیر أنَّ حضوره في الشّعر والنصوص القدیمة كان في قسم عظیم منه علی أساس الصدفة والاعتباطيِّة ولکن الشاعر المعاصر بالتعکّز علی وعیه النقدي والشعري یعکف علی هذه الثابتة الشعریة والنقطة المرکزة للإفصاح والإلحاح ویعتمد علی الموتیف والعنصر المتکرر الشعري لتغذية المعاني في منطقة التلقي حیث یمثل البؤرة المركزيِّة التي توجه المتلقي إلی المعاني ولا غرو أن نقول إنَّ الموتیف یمثل دالاً علی محتویات الشّعر ویعمل كقرینة سیاقيِّة مهمة في توجیه المعاني والدلالات وفي توجیه المقروئیة النصیة وفي الحقیقة أن الشاعر عبر الترکیز علی الموتیف والحضور المکثّف له یسعی لاختزال المعاني والمقاصد وتسهیل فعل القراءة وما یجلب الانتباه ونحن نتحدث عن توق الشاعر المعاصر إلی هذه الظاهرة الشعریة، هو مقدرة الشاعر وسطوته علی اللغة وقدرته الفائقة علی خلق السیاقات المناسبة وخلق الفضاء الشعري المناسب للموتیف واللفظة المتکررة وفي الحقیقة نری نوعاً من الحرکیة في النص الشعري ونلحظ التلاءم المنطقي بین الموتیف والسیاق المستخدم فیه. إنَّ السمة الأساسيِّة للموتیف هي التكرار، تكرار الفكرة أو المفردة أو المصطلح في أدب الكاتب والشاعر، لأنَّ الموتیف قد یكون كلمةً فعلاً أو اسماً أو أداةً وقد یكون فكرةً أو جملةً أو تعبیراً یتكرر في مرحلةٍ ما (بلاوي وآخرون، 2012م: 78) وهذا التكرار في حقیقته إلحاح علی جهة هامة یعنی بها الشاعر ویسلّط الضوء علی نقطة حساسة یهتم بها الشاعر ویحاول إلقاءها في نفسيِّة القارئ (ملائكة، 1981م: 271) واللافت للانتباه هو أنّ تكرار الفكرة من أشكال الموتیف هو ما یسمی بتكرار الوحدات الإیزوتوبيِّة في النص الشّعري وهو نوع من التكرار الدلالي یربط التشاكل الدلالي بین الوحدات والصور في النص الشّعري. إنَّ الموتیف بأشكاله المختلفة جزء استاطیقي مهم في بناء الشّعريِّة عند علي جعفر العلاق بحیث یسترفد شعره هذا التكرار المثیر للجماليِّة والمثري للنص الشّعري تعبیريِّاً. وخصوصيِّة الموتیف في شعر العلاق إلی جانب إسهامه في كشف دلالات النص الشّعري، تكمن في صلة الموتیف بهواجس الشاعر ومأساة الواقع العربي وفي الحقیقة أن الرؤیة الواقعیة والرؤیة الممکنة في مجموعة الشاعر الشریة، العلاق إلی استثمار الموتیف وكیفيِّة صیاغته في النص الشّعري. تحاول هذه الورقة البحثیة معالجة الفکرة المتمرکزة في الخطاب الشعري عند الشاعر من خلال دراسة الرموز المتکررة في شعر الشاعر ومن أهم الأهداف المتوخیة إلیها الکشف والإبانة عن الحضور الإیحائي الثرّ للرموز المتکررة في شعر الشاعر وتبیان الفکرة الأساسیة التي یسعی لإیصالها إلی المتلقي والجمهور والورقة البحثیة في خوضها عالم العلاق الشعري تبنت المنهج الوصفي والتحلیلي. أسئلة البحث أطلق هذا البحث عنان مشواره النقدي في عالم علي جعفر العلاق لدراسة الموتیفات المتكررة في شعره ونتوخی بهذه الدراسة الإجابة عن الأسئلة التاليِّة: ما هو دور الموتیفات المتكررة في تجسید الواقع والتعبیر عن هواجس الشاعر النفسيِّة وحالاته الشعوريِّة؟ ما السمة المشتركة في الدور الوظیفي للموتیفات المختارة في شعر الشاعر؟ وما الدوافع الأساسیة وراء الاکثار من هذه الموتیفات وهل ارتباطها بالحضارة والأسطورة تمثل الدوافع الأساسیة لاستخدامها عند الشاعر؟ ما علاقة هذه الموتیفات بالأسطورة والمیثولوجیا العراقیة؟ خلفيّة البحث كان شعر علي جعفر العلاق مهبط اهتمام كثیر من الدارسین وصار موضع رصد وإغراء قرائي مستمر لا یتوقف لما تمتلك تجربته الشّعريِّة من ثراء وغنیً فكتبت دراسات عدیدة عن شعر العلاق نخصُّ بعضها بالذكر: فقد صادرت دار فضاءات للنشر والتوزیع كتاباً تكریمیاً عن شعر العلاق ونشر الكتاب سنة 2016 وهو یتضمن مجموعة من المقالات: مقالة «شعريِّة التفرّد والمغایرة» لمحمد عفیفي ومقالة «لغةٌ للغیمِ ولغةٌ للصحوِ» لطراد الكبیسي وكتب سمیر الشیخ مقالة معنونة بــــــ «مرایا البريِّة:القوی الثقافيِّة الجماليِّة فی شعر العلاق» وكتب معین جعفر محمد مقالة تحمل عنوان «بنيِّة الخطاب المكتفي بذاته: قراءة في لاشيءٌ یحدث ولا أحدٌ یجيء». کتب أحمد عفیفي مقالة «الصورة الشّعريِّة ومرایا الماء والنار» ومقالة «الرؤیة الكونيِّة والإحساس بالنغم» إبراهیم خلیل وكتب خزعل الماجدي مقالة معنونة بــــــ «قصائد الماء والجمر: خمس اضاءات في شعر العلاق» وكتب باقر جاسم محمد مقالة باسم «الصورة والنسق والتأویل في لاشيء یحدث ...لا أحد یجيءُ» وكتب علاوي كاظم كشیش مقالة تحمل عنوان «شعريِّة التكرار في شعر العلاق» ونری في مقالات هذه المجموعة أن الرؤی الظاهراتیة تغلب علی کل البحوث ولاتجاوز الرؤیة النقدیة عن إطار الاهتمام ببعض الرموز أو دراسة مائیات العلاق والاهتمام بالإشارات الثقافیة والصور الشعریة غیر أن المواضیع المطروحة لا تمتّ بصلة بموضوع البحث والمقالات أیضاً لاتقوم بدراسة الجانب الشعري للعلاق بالرؤیة الشمولیة بل المقالات نظرة سریعة من دون العمق والشمولیة. وكتب محمد صابر عبید كتاباً عن تجربة العلاق الشّعريِّة تحت عنوان «رسول الجمال والمخیّلة» ونشر الكتاب سنة (2014م) بدار فضاء ات في سلطنة عمان واختارت مریم أصلاني شعر العلاق موضوعاً لأطروحتها في مرحلة الماجستیر بجامعة كوردستان الایرانيِّة بإشراف محمد رضا عزیزی بور وقامت في أطروحتها المعنونة بــــ«بررسی مضامین سیاسی واجتماعي شعر علاق» بدراسة شعر العلاق من ناحيِّة المضمون وهذه الأطروحة ضعیفة من ناحیة التحلیل والدراسة ولم یکن النجاح حلیف الباحثة في التفاعل مع شعر الشاعر ولا نلحظ في الحقیقة فهماً حقیقیاً واعیاً لا یشوبه الغموض والغبار عن شعر العلاق والتحلیلات المقدمة مجموعة من المصادر المختلفة غیر أنَّ ما كتب عن شعر العلاق لم یمتّ إلی هذا البحث بصلة وكثیراً ما اهتم بالجانب الشكلي الجمالي وما قامت به الطالبة الإیرانيِّة إلمامة بمحتویات شعر العلاق والأطروحة تعاني من بعض التوتر والخلخلة في فهم الأشعار ولا ترتبط بموضوع البحث. عند البحث عن دراسة حول الموتیف في الدراسات العربیة، نلحظ العقم الواضح الملحوظ في هذا الموضوع ولا نجد إلا ماکتبه سلیمان العطار وهو یحمل عنوان: الموتیف في الأب الشعبي والفردي ویتطرق الباحث في کتابه لدراسة الموتیف في نماذج من الأدب الشعبي کما یتحدث عن حضور الموتیف في بعض أعمال نجیب محفوظ. ورغم هذا العقم في الدراسات العربیة لکننا نلحظ في کثیر من دراسات الباحثین الإیرانیین معالجة هذا الموضوع نذکر بعضها. فقد كتب حامد بورحشمتي وکبری روشنفکر وبرویني مقالة معنونة بــــ«موتیف الاشجار في شعر درویش» ونشرت المقالة سنة (2017م) في مجلة إضاءات نقديِّة وقام الكاتب في مقالته عبر قراءة تحلیليِّة وإحصائية بدراسة موتیف الأشجار (النخل، الزیتون والبرتقال) في شعر درویش وکتب مریم غلامی ورقیه رستم بور مقالة معنونة بـــ: "موتیف الوطن في شعر حازم الرشك" والمقالة منشورة في مجلة آفاق الحضارة الإسلامیة سنة 2020م وهي دراسة لتمظهرات الرموز المختلفة التي تحیل إلی الأرض والوطن مثل النخل والشجر والرمال غیر أن النظرة التحلیلیة ضئیلة جداً في هذه المقالة وتعاني المقالة من فقدان الانسجام الموضوعاتي وكتب رسول بلاوي ومرضیة آباد مقالة «موتیف البحر والنهر یحیی السماوي» ونشرت المقالة سنة (2012م) في المجلد 3 من مجلة دراسات في العلوم الإنسانيِّة وقام الكاتب في مقالته بدراسة ظاهرة الحزن والموت والمرأة والحنین وبعض الرموز التي تعبِّر عن اغتراب وكتب نعیم عموري مقالة عن شعر أدیب كمال الدین وهي تحمل عنوان «موتیف الموت والحیاة في شعر أدیب كمال الدین» ونشرت سنة (1436ه) في مجلة اللغة العربيِّة وآدابها وقام الكاتب في مقالته بدراسة ثنائيِّة الموت والحیاة بوصفها الموضوع الذي احتلّ صفحات كثیرة من شعر الشاعر الحروفي ولم نعثر بعد جولاتنا الطویلة في المجلات والمواقع الانترنتيِّة علی مقال عن حضور الموتیف وخاصة الموتیفات الطبیعيِّة في شعر علي جعفر العلاق وهذا هو ما یكمن فیه وجه فرادة البحث.
الموتیف لغةً واصطلاحاً أصل الموتیف فرنسي وهو ترجمة لــــ movere في اللغة الفرنسيِّة ثم دخل اللغات العالميّة الأخری ولم نجد في المعاجم العربية قدیمها وجدیدها حضور الموتیف بهذه الهیئة بل سمته الأساسيِّة هي مانجده في المعاجم العربيِّة إلا وهي التكرار بالأنماط المختلفة وهي الموضوع المدروس عند القدماء وفي اللغة الفارسيِّة ترجمت لفظة الموتیف إلی «درون مایه أو بن مایه أو نقش مایه» وهذه الترجمة لا تدلُّ علی الموتیف وما اتّسم به إذ إنَّ الموتیف هو تكرار الفكرة أو الصورة المتكررة و«درون مایه» في اللغة الفارسيِّة هو الموضوع العام للشعر أو النص. (بلاوي وآباد، 2013م: 4) إنَّ لفظة الموتیف لغة تعني الحركة والإثارة والإلحاح والدافع وهي مصطلح نقدي مرتبط ارتباطاً خاصاً بالسیاق في الدرس النقدي الجدید وهي تعني الفكرة المتكررة أو الصورة المتكررة (طه، 2004م: 208) وتشبه رافداً أساسیاً ولو تتبدّل أشكاله ومركباته لكنّها تثبت وتلاحظ بالإلحاح المخیّم علی قضيِّة تشغل البال وتعدُّ دراسة نقديِّة مساعدة لتحلیل النص الأدبي ویوصف دالاً لإدراك المعلول والأخذ بمجموعة من العناصر السرديِّة المنسجمة لتشكیل بنیة النص العمیقة (روشنفكر وبورحشمتي، 1394ش: 98) من خلال حالة التبئیر الدلالي التي یخلقها الشاعر عبر توظیف الموتیف لتكریس إلحاحه وانهماكه في موضوع خاص یحاول الشاعر أن یثبته في نفسيِّة المتلقي. الدور الوظیفي للموتیف في كونه یمثِّل دالاً لإدراك المدلول الشّعري المتأتي من الارتباط المنطقي واللحمة الوثیقة بین الموتیف وبین السیاق وبین أجزاء النص الشّعري والموتیف بهذه الخصوصيِّة یعني الرؤیا الشّعريِّة التي یلحُّ الشاعر علیها وعلی تبلُّجه في نفسيِّة المتلقي عبر إشعاعها في المشاهد الشّعريِّة المختلفة في اتصال عضوي بكیان النص الشّعري حیث یمثِّل عنصراً حاسماً في حیويِّة النص وذائباً في هیكل العمل كلِّه ومنتشراً بین تكویناته الداخليِّة یربط بین مفاصله (العلاق، 2013م: 27) وعناصره وأعضائه وهو یعتبر العناصر الرئیسي في تشکیلیة الشعر وله الارتباط العمیق بالفکرة ویحمل الدلالات والإشارات وإیحاءات رمزیة وثیقة الصلة بنفسیة الأدیب وتوجهاته الفکریة والاجتماعیة والثقافیة (فتحي دهکردي وآخرون، 1397ش: 93) ویعبر خیر تعبیر عن شخصیة الشاعر ویبین التوجه الأسلوبي عنده وبلغ حضور الموتیف الموسوم بالعمق والحرکة حد الحساسیة الشعریة واللازمة المتکررة ذات الحرکة والفاعلیة ویبدو من الضروري أن نشیر إلی أنَّ الحركة في تعریف الموتیف لفظاً إشارة إلی الحركيِّة التي یبثُّها الموتیف في فضاءات السیاق وحضور الموتیف في المشهد الشّعري یتجلی بنمطین مختلفین؛ الأول التكرار المخیّم علی المشهد الشّعري أو التجربة الشّعريِّة ویرتبط الموتیف في هذا النمط بالوحدة النفسيِّة للشعر وللتجربة معاً ولایخرج من إطار تكرار الهیئة فقط وخصوصیته هي حريِّة الانتقال الدلالي وثمة نوع من الموتیف یتّسم بالتقوقعيِّة في الدلالة حیث لا یخرج عن موجة دلاليِّة واحدة.
المدلول الشعري والمعنی اللااستقراري في موتیفات العلاق الشعریة یستخدم الشاعر العربي المعاصر الموتیف في أشعاره ویسقط علیها الدلالات والإیحاءات الکثیرة وفي الحقیقة للموتیف حضورها الدلائلي في الشعر العربي المعاصر والشاعر یستخدمه استخداماً رمزیاً والموتیف یحمل الدلالات المختلفة وعندما نتحدث عن حضور الموتیف في شعر شاعر ما نحن في الحقیقیة نتحدث عن العنصر الشعري والفظة ذات الفاعلیة الحرکیة التي تنسجم مع السیاق الذي توضع فیه والموتیف الرمزي تعبیر عن هذه الحالة الدلالیة المتحرّکة للموتیف بحیث یحمل الدلالات المختلفة والسیاق هو الذي یحدّد المعنی المقصود من الموتیف ویحدد الدلالة التي یحملها الموتیف بوصفه الرکیزة الرمزیة وإلی هذا أشار بلاوي بقوله: عندما نقول مثلاً إن الشاعر قد استخدم موتیف البحر علی سبیل المثال استخداماً رمزیاً فلا معنی لقولنا عندئذ إن البحر هنا یرمز إلی الخوف والرهبة ما لم نتدبر هذا المعنی في السیاق الشعري نفسه والبحر لیس رمزاً أبدیاً مطلقاً (بلاوي وآباد، 2013م: 5) بل هو الرمز الذي یحمل الدلالات المختلفة والسیاق هو الذي یحمل مسؤولیة التحدید الدلالي للرمز وهذا هو ما نلحظ في موتیفات العلاق بحیث نلحظ عدم التقوقعیة في دلالات الموتیفات عنده وفي هذه المرحلة من البحث ینصب الترکیز علی مجموعة من موتیفات الشاعر ونسعی للکشف والابانة عن الدلالات المختلفة التي یحملها الموتیف الشعري عند العلاق. موتیف العشب: إنَّ موتیف العشب یرتبط في شعر علي جعفر العلاق بالأسطورة ومن الأحری أن نسميِّه الموتیف الأسطوري حیث أنَّ حضور هذا الموتیف في شعره یعیدنا إلی ملحمة جلجامش والمدینة السومريِّة القدیمة أوروك وابن ملكها جلجامش في صراعه مع الموت حیث جاب الآفاق بحثاً عن نبتة الخلود. «فقد كانت ملحمة جلجامش ملحمة سومريِّة مكتوبة بخط مسماري علی الألواح اكتشفت لأوّل مرة عام 1853م في موقع أثري عرف فیما بعد بأنَّه المكتبة الشخصيِّة للملك الآشوري آشور بانیبال ویحتفظ بألواح طینيِّة كتب علیها الملحمة.» (إبراهیم، لاتا: 23) وهذه الملحمة هي أعمال بطوليِّة خالدة یقوم بها جلجامش في بحثه عن نبتة مقدسة أو عشبة الخلود للخلود وللتحوّل من طبقة البشر إلی طبقة الآلهة والملحمة تمثّل الثنائيِّة الأزليِّة بین الموت والحیاة والتي قام فیها جلجامش بالأعمال البطوليِّة للخلود وإعادة الحیاة إلی صدیقه الحمیم أنكیدو الذي قتل بفعل الآلهة. «فقد كان أنكیدو صدیق جلجامش من طبقة البشر ولم ترض الآلهة بذلك فقرر مجمع الآلهة التخلّص من أنكیدو أما جلجامش فكان یسري في عروقه دم الآلهة فیبدأ المرض المنزل من الآلهة بإصابة أنكیدو فیموت.» (الکایده، 2010م: 249) وبعد موت أنكیدو قرر جلجامش أن یبحث عن نبتة الخلود لیعید بها الحیاة إلی صدیقه ویخلد نفسه لكنَّه بعد رحلته الطویلة لم یحصل علیها وأدرك في النهایة أنَّ الموت قادم لا محالة وأنَّ نسبه الإلهي لن ینجیه والخلود هو خلود الذكر.إنَّ هذا الموتیف الأسطوري من الموتیفات الأثیريِّة في شعر العلاق ورد بكثافة في شعره خاصة في دیوان أغنية الممالك الضائعة 1999م ویعدَّ ركناً دلالیاً یمثِّل الحیاة والموت ویشعّ في النص الشّعري عند العلاق من ناحیتي الجماليِّة والدلاليِّة وفیما یخصُّ بمصدر حضور هذا الموتیف الأسطوري فیحلِّل العلاق هذا الحضور في حواره مع اسكندر حبش علی أنَّ حضور الأسطورة الرافدیني الذي ینتمي إلی حضارتي السومر وآشور یمثل ملاذاً شعریاً للشاعر وكثافة هذه الأسطورة الرافدینيِّة تأتي تعبیراً عن إحساس كاملٍ بحجم ما یتعرَّض له البلد من الفجیعة والمأساة. بلغ عددها في مجامیع العلاق الشّعريِّة كما تشیر إلیه الترسیمة التاليِّة 96 مرة:
نری هنا الحضور المكثَّف لموتیف العشب في دیوان أغنية الممالك الضائعة حیث بلغ عدد التواتر فی السلم التراتبي لحضور موتیف العشب في شعر العلاق 39 مرة ویأتي بعده دیوان وطن لطیور الماء حیث توغّل في شعر العلاق التوظیف 13 مرة والتوظیف في دیوان شجرة العائلة ولا شیء یحدث وسیّد الوحشتین بلغ حدَّ التساوي فتكرِّر في هذه الدواوین الثلاثة 6 مرات وما یلفت النظر هو التقلص ونكوص الحضور لموتیف العشب في شعر الشاعر في الحقبة الثانيِّة من تجربته الشّعريِّة ما بعد سنة 2010م بعد أن كان في حلٍّ وترحال دائمین من صنعاء إلی بغداد وإلی اتحاد الجمعيات العربيِّة وخاصة في دیواني ذاهبٌ لاصطیاد الندی ونداء البدایات. موتیف العشب والدلالة علی الحیاة الجدیدة: ما یجلب الانتباه في هذه الدواوین هو سكونيِّة الدلالة في موتیف العشب وهذه السكونيِّة هي التي تحقِّق موتیفيِّة العشب ویعمِّقها حیث یتموَّج موتیف العشب في شعر علي جعفر العلاق من دون أن تتفرع عنه الدلالة المتشظيِّة وسمته التكرار في اللفظ والدلالة معاً من دون أن تتفرع عنه الدلالات المختلفة المتشظيِّة أو تتسم بحريِّة الانتقال الدلالي أو حضوره في سبیكة النص الشّعري في موجة دلاليِّة واحدة من دون أن یطرأ علیه التحول الدلالي والدلالة التي یتمحوَّر حوله موتیف العشب في شعر العلاق هي دلالة الحیاة التي أخذها الموتیف من مرجعيِّته الأسطوريِّة: مَن یدلُّ یديَّ علی العشبِ/نارالقری ذهبٌ موحلُ/وأنا اتلفتُّ/بیني وبین القصیدة/لیلانِ/منكسرٌ لارمادُ یديَّ یضيء/ولاحجرالقلب یندی (العلاق، 2014م: 32) فقد تقنَّع علي جعفر العلاق في افتتاحيِّة قصیدة «نواحٌ بابلي» التي أنشدها الشاعر بعد الحرب بین العراق وبین الكویت زمن صدام حسین بشخصيِّة جلجامش الأسطوريِّة ویجسّد في هذه القصیدة الجمود والسكونيِّة التي طغت علی الشارع العراقي والتي أثقلت كاهله نتیجة الحروب التي خاضها صدام حسین ونتیجة السیاسات الفارغة التي کان حزب البعث یلتزمها طوال السنوات العدیدة في العراق مما أدی إی ضیاع البلد وخرابه. فقد یمثِّل القناع في هذه القصیدة نوعاً من الهروب من رقابة السلطة الدكتاتوريّة وهو ملاذ شعريِّ للشاعر یعمل به علی تعريِة الواقع العراقي الذي لا تتخلله نسمة الحیاة تحت شراسة صدام حسین وضعف سیاسات النظام البائد واستخدم الرمز الأسطوري الذي یحمل الرصید الدلالي الثر في دلالته علی الموت والحیاة.إنَّ العشب هو العشب الأسطوري ویعیدنا إلی الحدث الأسطوري في المیثولوجیا العراقي ومرتبط بقصة أنکیدو ورفیقه الجلجامش في البحث عن عشبة الخلود والادامة ویحمل دلالات الحیاة والكینونة والاستفهام الالتماسي الموجه من جلجامش المعاصر الذي لا یملك تلك الروح الجوابة للآفاق والنزعة إلی المغامرة وركوب المخاطر، تعبیر شعري عن توق الإنسان العراقي المعاصر إلی الحیاة المتمثلة في حضور العشب بمرجعيِّته الأسطوريِّة والإدامة وظلَّ العشب في هذه الافتتاحيِّة علی ارتباطه المنطقي مع المرجعيِّة الأسطوريِّة للرماد وهو یعیدنا إلی فعل الانبثاق الفینیقي وانتفاء الإضاءة في الرماد، تجسید شعري عن ضیاع الحیاة في الشارع العراقي وهذا الضیاع یجسِّده أیضاً فی حضور اللیل وهو رمز السكونيِّة والجمود بین الشاعر ونری بین القصیدة رمزاً لفاعليِّة الحیاة العارمة بالنشوة والدفء وهي آلت إلی الضیاع في ظلِّ الدكتاتوريِّة التي جعلت الإنسان العراقي في معاناة تقوده إلی الحنین إلی حیاة عارمة بالخلود والجمال والعطاء وهي حیاة العشب الجلجامشي التي تخلو من المعاناة المنبثقة من الظلم والقسوة الدكتاتوريِّة المتمثّلة في حجر القلب وجحیم الحروب ووحشة الدمار وفي الحقیقة یصوِّر الشاعر الوضع المأساوي للعراق في ظلِّ الدکتاتوریة من خلال تجسید اللیل بینه وبین القصیدة وحضور اللیل بینه وهو یتوق إلی الحیاة واستمراریتها وبین القصیدة، تعبیر شعري عن قتامة العراق ومأساویته وضیاع المستقبل وانتفاء التطلع المستقبلي وقال في قصیدة أغنية الممالك الضائعة: یَهطلُ اللیلُ علی عشبِ الكمنجاتِ الكسیرة/ما الَّذي شتَّت شمل العارفین/أيُّ دمعٍ فاحَ من روحي/لأنین المفاتیح رائحةٌ/یتشبَّث بي عشب غرناطة (العلاق، 2014م: 106) ونری في هذه اللوحة الشّعريِّة من قصیدة أغنية الممالك الضائعة، الحواريِّة بین المرجعيِّة الأسطوريِّة والمرجعيِّة التاریخيِّة في المشهد الشّعري في تجسیده للوضع المأساوي للعراق وضیاعه. إنَّ المزج بین العشب وبین الكمنجات في هذا المشهد الشّعري، یشكل مناخاً شعریاً یعبِّر به علي جعفر العلاق عن فاعليِّة الحیاة الحضاريِّة المفعمة بالنشوة والدفء غیر أنَّ الشاعر یعبر عن انتفاء هذه الفاعلیة وضیاع الحیاة. إنَّ العشب هو الحیاة والخلود والكینونة والكمنجات عنوان علی حضارة العرب في الأندلس وهي من أهم آلات العزف الوتريِّة التي أدخلها الزریاب إلی الأندلس واللیل هو رمز للانطفاء والقتامة وهطوله علی عشب الكمنجات والعشب هو الفکرة المکررة ، تجسید شعريٌّ عن خفوت فاعليِّة المكان الحضاريِّة وضیاع الحضارة العریقة التي تتسم علی مرِّ القرون بالحرکة والفاعلیة والاستمراریة وهو نتیجة فعل الخیانة والمؤامرة الذي یعبّر عنه أنین المفاتیح وحضور مدینة غرناطة في دلالتها علی فعل الخیانة المتصدر عن أبي عبدالله الصغیر الأندلسي الذي طوی صفحة الحضارة العربیة في الأندلس نتیجة التعاون مع الأعداء وممارسة الخیانة مما أدی إلی سقوط مدینة غرناطة وضیاع الحکومة في الأندلس. وقال في قصیدة لوعة الذئب: صباح ذراعیك یغمرُ روحي/ویسألني عن عَویلِ الحَصی/في جُرُوحِي/ماذا فعلتَ بقیثارتي/نهارٌ من العشبِ مُشتَعلٌ في/دمائي/صباحُ ذراعیك/تصعدُ الآن من جمرةِ روحي/حتّی أقاصي الجسد (العلاق، 2014م: 77) فقد مزجت مخيِّلة الشاعر الشّعريِّة الفذَّة العشب بالنهار وبفعل الاشتعال، للتعبیر عن فاعليِّة الجسد الأنثوي في الآخر الذكوري جسداً وروحاً وللتعبیر عن النتائج التي یفرزها التواصل بین الطرفین في المجتمع بحیث یشیر الشاعر إلی حیویة الحیاة وحیویة المجتمع عن استخدام الرموز المختلفة التي تحمل الدلالات الایجابیة ونری الشاعر یعمل علی المزج بینها تعمیقاً للدلالات المنبثقة من التشکیل الشعري وهذا المزج نوع من التكثیف الدلالي یركن إلیه علي جعفر العلاق لإثراء النص الشّعري وتعمیق دلالاته علی فاعليِّة حضور الجسد الأنثوي. إنّ النهار عنصر زماني یرتبط بدلالات النور والكشف والمعرفة والعشب عنصر مكاني ورمز الحیاة.فعل الاشتعال یرتبط بدلالات التوهج والإشراق وما یكسر أفق التوقع لدی التلقي في هذا النص الشعري، هو حضور النهار وعشبيِّة جنسه في التشكیل الشّعري أو في ما منحه الشاعر من صفة العشبيِّة إلی النهار لیزید به قوة النص الشّعريِّ تجسیدیاً وتجسیماً ودلالةً عل یمعاني الحیاة واستمراریتها ومعاني الخلود والکینونة وأیضاً العلاقة بین النهار وبین الاشتعال قائمة علی التوتر ویكسر تراتبيِّة الحضور السیاقي بین طرفي الإسناد. وتصعد صباح الذراع في الحضور الإیروسي للجسد الأنثوي من جمرة الروح حتی أقاصي الجسد الذكوري، محاولة لتأسیس مشروعيِّة إلی الجسد الأنثوي عبر تجسید النتائج التي تتمخَّض عن الحواريِّة بین المرأة والرجل جسداً وروحاً وردة فعل علی إشكاليِّة الثقافة العربيِّة الراهنة وهي سلطة الجسد أو الجنس في هذه الثقافة التي تحكمها سلطة الجسد وهي تنحدر عادة عن الهیمنة الذكوريِّة ونظرة التحقیر والإزدراء إلی المرأة في المجتمعات الذكوريِّة التي تفرض تابواتها التي تكبل المرأة وتحدُّ من الحضور الأنثوي ویعدُّ فیها الجسد الأنثوي من المحرَّمات وذلك «لأنَّ الخطاب الفكري الأصولي في الثقافة العربيِّة لا یری في الجسد الأنثوي إلا بعده الحسي الشهواني،مما جعل الصورة الموجودة للجسد في الثقافة العربيِّة تعتمد علی الإغراء الجنسي ویعكس الأخلاقیات المهدرة في الثقافة العربيِّة التي تنظر إلی الجسد باعتباره جملة من الإغراءات التي تشكل خطراً علی مستقبل الأمة ومصدر لدمار الخطاب الأخلاقي» (إسماعیل، 2010م: 164- 175) وهو یحدُّ من السمو الروحي والفساد الجسدي الذي یلحق الخراب والضیاع بالبعد الروحي للحقیقة الإنسانيِّة لكنَّ علي جعفر العلاق بوصفه الناقد الإیدئولوجي والمثقف الواعي وسط الساحة السیاسيِّة والاجتماعيِّة العربيِّة وبوعیه العمیق بجوهر الأنوثة یری في هذه النظرة إلی الجسد خطراً علی مستقبل العالم والمجتمع والجسد الأنثوي هو مصدر فاعليِّة الحیاة كما یجسِّده الشاعر بحضور العشب وهو جنس النهار المشتعل في حیاة الآخر الذكوري المتمثل في ذات الشاعر وهو یعدُّ مصدر اتقاد جذوة الروح عند الرجل كما یجسِّده العلاق بجمرة الروح التي یصعد علیها الجسد الأنثوي وذلك ینبعث من «قدرتها علی التواصل لیس مع الإنسان وحدَه بل ومع العالم كلِّه في أمومةٍ شاملةٍ ومشاعر حبٍّ أخاذةٍ وقدرةٍ علی احتضان الكون.» (شرتح، 2012م: 12)
دلائليِّة موتیف الأغنية إنَّ الأغنية هي من أهم الموتیفات الأثیرة المتكرّرة في شعر علي جعفر العلاق وفي ما یختصُّ بمصدر حضور الأغنية في شعر علي جعفر العلاق هو أنَّ الأغنية مثل موتیف العشب له المرجعيِّة الأسطوريِّة ومثله یرتبط بدلالات الحیاة والكینونة وإلی جانب رصیدها الأسطوري یحمل الطابع الحضاري ویعیدنا إلی بعض الطقوس المختصة بالحضارة الآشوريِّة في رأس كلِّ سنة في نیسان ویعبِّر حضور الأغنية من جهة أخری عن التلاصق الشدید بین الشاعر وبین تراثه وذلك لأنَّ الأغنية تنتمي إلی الحضارة العراقيِّة لكونها تولدت في العراق أصلا وخاصة الموصل والبصرة وحضوره في شعر العلاق في ترابط منطقي ومرتبط بالشغف الإبداعي لدی الشاعر حیث یستثمره الشاعر في متن القصیدة ویتكأ علیها لتجسید الواقع العراقي المتردي في صورة شعريِّة أو الواقع العربي عموماً في حضورٍ شدید التفرّد والخصوصيِّة وهي تبوأت مكانة ملحوظة في الشعر وبلغ عدد حضورها في مجامیع الشاعر الشّعريِّة 65 مرة واحتلت 21 مرة الأرض الشّعريِّة لدیوان أغنية الممالك الضائعة ثم یلیه دیوان وطنٌ لطیور الماء وبلغ عدد التواتر فیها 9 مرات ودیوان فاكهة الماضي وبلغ عدد التواتر فیه 8 مرات ثم یلیه دیوان شجر العائلة ودیوان سید الوحشتین وبلغا حدَّ التساوي في عدد التواتر فتكرَّر موتیف الأغنية في كلا الدیوانین 6 مرات ووظَّفها الشاعر في دیوان ذاهبٌّ لاصطیاد الماء مرة واحدة كما تشیر إلیها الترسیمة التاليِّة.
رمز الحیاة والبهجة: الأغنیة في شعر العلاق من الألفاظ والمفردات الأثیرة ذات المرجعیة الأسطوریة.استخدم الشاعر هذا الموتیف وأکثر منه في أشعاره کافة للتعبیر عن المعاني المختلفة وما یجلب الانتباه في الکثیر من تشکیلات الشاعر العریة هو الفضاء المتخیل والمزج بین موتیف الأغنیة في الفضاء الدیکوري والمزج بین الرموز الکثیرة التي تنتمي إلی الأسطورة والأرض والوطن. اسمعه یقول: لاشجرٌ/یُطلُّ من قیثارنا الأعمی/ولا نهرٌ یقودُ الأغنیاتِ إلی سَریرِه/بل مدنٌّ تغرقُ فِي نَشِیدِها المظلم/لافكرةٌ مبتَّلةٌ/ولاامرأةٌ/ولاحلمُ ولاقصیدةٌ/نسهر عند بابها (العلاق، 2014م: 80) فقد استثمر الشاعر في هذه اللوحات الدیكوريِّة التي تجسِّد أزمة المدینة واغتراب الشاعر فیها بعد أن ترك واسط ونزح إلیها مجموعة من الرموز المختلفة ذات الرصید الدلالي الثر وعبر اللعبة الفنیة باللغة للتعبیر الشعري عن الوضع المأساوي للمدینة التي لا یری فیها الشاعر من ملامح الحیاة شیئاً ویری فیها المفارقة الواسعة بینها وبین موطنه الأول الذي یحمل عند الشاعر البکارة والنقاء في کل حین ولا یصیبه في مناخه الهاديء الملل والضجر والمدینة في وضعها المأساوي القاتم المجسَّد في هذا التكثیف الدیكوري المحقق بالفضاء المتخيَّل، هي مدینة بغداد التي نزح الشاعر إلیها بغيِّة تحقیق أحلامه لكنَّه لم تسنّ له ذلك وارتابه الحزن والشجن فیها نتیجة المفارقات والتناقضات التي كانت علی مرأی الشاعر بین الموطن الجدید والموطن القدیم. القیثارة وما یتعلّق بها في صورتها التجسیميِّة - المتحققة بوصف النشید بالمظلم وهو من صفات المرئیات وبأنسنة القیثار بوصفه بالأعمی وفي كون الأغنیات وهي الموتیف ذو الرصید الأسطوري وترتبط بدلالات الحیاة والبهجة والفرح مفعولاً لفعل یقود والقیادة ترتبط بالمرئیات وبما له الهیئة الشكليِّة - هي بؤرة التشكیل الدلالي والصورة الجماليِّة في التشكیل الدیكوري المكثَّف بحضور الرموز المكانيِّة. فقد جعل الشاعر في اللوحة الدیكوريِّة الأولی القیثارة وزاوج بینها وبین الشجر من الرموز المكانيِّة وزاوج بین الأغنيِّات وبین النهر في الوحدة الدیكوريِّة الثانيِّة وبین المدن وبین النشید المظلم، لیجعل من التشكیل الدیكوري معادلاً موضوعیاً أو مشهداً شعريِّاً للواقع المدیني في صورته المأساويِّة التي تفرز الاغتراب للشاعر الریفي النازح إلیه؛ فالشجر وهو رمز الخصب والنماء لا یطلُّ من القیثارة العربيِّة التي ضلَّت الطریق ویتخبَّط خبطَ عشواء ولم یكن في الأرض العربيِّة نهرٌ لیقود الأغنیات وهي رمز الحیاة والبهجة والنشوة إلی سریر الشجر وغیاب النهر هو غیاب الحركة نحو الحیاة ونحو الحضور. وغياب الفكرة المبتّلة، هو تعبیر عن غیاب السروح الفكري في المجتمع المدیني وغیاب المرأة فیه هو غیاب الألفة والأجواء الحمیمة فالمكان الذي نزح إلیه الشاعر لا یحقِّق أحلامه بل ازداد الشاعر وجعاً علی الوجع؛ لأنَّه عجز عن التكیف مع الموطن الجدید الذي لیس مكان الألفة والحب ولایتمكن فیه الشاعر من السروح الفكري وإن عدنا إلی موضوع الرصید الأسطوري لموتیف الأغنية في هذا التشكیل الشّعري فهذا الموتیف یعود في جذوره الأسطوريِّة إلی أسطورة اروفئة أو اوروفیوس الإغریقية وهو ابن ابواللو من إحدی ربات الموسیقی الاغریقیات وأهداه والده قیثارته بسبعة أوتار فأضاف لها وترین لتصبح تسعة بعدد خالاته ربات الموسیقی. فقد كان یعزف علی القیثارة بمهارة فائقة بحیث الوحوش الكاسرة تأتي لتستمع إلیه حتّی أنَّ الأشجار كانت تتبعه كما أثّرت في الصخور المرعبة المتحرّكة (سلامة، 1988م: 62) وكانت یوریدیس الفاتنة الجمیلة مصدر عبقريِّته وسرُّ سعادته ومصدر ألحانه.خرجت كعادتها لجمع الزهور البريِّة فانسلت أفعی من بین یدي الأعشاب الكثیفة ولدغتها في قدمها وسقطت یوریدیس فقضت نحبها علی رغم من أنَّ اوروفیوس عزف لها أعذب الأغنیات والألحان فانخلع قلبه حزناً علی حبیبته وصمتت القیثارة عن الفرح وعزف عن الحیاة (داود، 2014م: 20) وفي هذا التشكیل الشّعريِّ وظَّف العلاق القیثارة وموتیف الأغنية بمرجعيِّته الأسطوریة لیعبِّر عبر الفضاء المتخیّل الأسطوري عن ضیاع الحیاة المتمثَّلة في موتیف الأغنیات وها الضیاع عند الشاعر نتیجة لغیاب الحركة والفعاليِّة في الموطن الجدید الذي لم ینجز للشاعر الریفي النازح إلیها غیر القلق الروحي والشتت النفسي واما التكثیف الموتیفي المتمثَّل في الأغنية والقیثارة والنشید فهو ما یسمّی عند نازك الملائكة بالتكرار اللاشعوري للموتیف فمثل هذا التكرار یجيءُ في سیاق شعوري كثیف یبلُغ درجة المأساة ومن ثمَّ اللفظة المتكرَّرة أو العبارة تؤدي إلی رفع مستوی الشعور في القصیدة (الملائكة، 1981م: 277) وفي مثل هذا التكرار یجد الشاعر وسیلة لیثير مشاعر المتلقي ومثل هذا التكرار یستمدُّ فاعلیته من خلال استحضار الحدث الذي یوقع الحزن والشجن عند المتلقي ويخلق عنده الحالة الشعوريِّة وفي هذه اللوحة الشّعريِّة حضور موتیف الأغنية وهو لا یشقُّ طریقه إلی سریر الشجر والقیثارة العمياء وحلكة النشید یمثّل الموتیف اللاشعوري الذي بلغ به النص الشّعري حدَّ المأساة وإثارة الحزن والشجن وخلق الحالة الشعوريِّة التي تذبذب مشاعر المتلقي في هذه اللوحة الشّعريِّة نمَّت عن الحضور المفارقي لملامح الخصيِّة الأسطوريِّة وهذا هو الذي یحقق مأساويِّة الموتیف الأسطوري.
دلالات الاتساع والتفشي: إنَّ موتیف الأغنیة فط الخطاب الشعري لعلي جعفر العلاق إلی جانب الدلالات المختلفة التي یحملها الموتیف منها دلالات الحیاة والانبعاث والعودة إلی الحیاة الجدیدة ونهوض من تحت رکام الموت والضیاع، یحمل في بعض النماذج الشعریة دلالات لاترتبط ولاتتلاءم ودلالاته الأسطوریة وبقیثارة أروفیوس ومن هذه الدلالات الجدیدة التي یحملها هذا الموتیف الذي نری له الحضور المکثّف في شعر العلاق دلالة التفشي وسرعة الانتشار.قال الشاعر في في إحدی قصائده: أینَ تمضي المیاه/بهذا الدم المرِّ/أغنية من دَمِ النائحینَ علی/صفحة الكونِ/شمسٌ مفككةٌ/والفجیعةُ تجمعها قطعةً قطعةً (العلاق، 2014م: 51) یجسِّد علي جعفر العلاق في هذا المشهد الشّعري من قصیدة «لماذا یسمّی الجنوب جنوباً» مأساة العرب في قانا جنوب لبنان بعد أن تعرضت للهجوم الصاروخي الصهیوني تحت عمليِّة عناقید الغضب سنة 1966م. فقد وظفَّ الشاعر في هذه اللوحة الشّعريِّة موتیف الأغنية وهي لا تحمل دلالات الحیاة بل توظیفها في هذه اللوحة الشّعريِّة، جاءت للتعبیر عن مأساة العرب في جنوب لبنان ولتعمیق المأساة من خلال دلالة الاتساع والشموليِّة وسرعة التوغل لطرفي الإسناد في التشكیل الشّعري؛ فالأغنية ترتبط بدلالات سرعة التوغل والاتساع وحضورها علی صفحة الكون بما تحمله من دلالات الاتساع والشموليِّة، تعبیر شعري عن مأساة العرب في لبنان وتعمیق لها من خلال الدلالة المتَّسمة بها الأغنية وصفحة الكون وما یحقّق شعريِّة الحضور لموتیف الأغنية في هذا التشكیل الشّعري هو انبثاقها من دم النائحین وما یعزّز دلالة الموتیف في هذا التشكیل الشّعري هو حضور الشمس المفكَّكة وقال في قصیدة «نواح بابلي» مستخدماً الفضاء المتخيِّل الأسطوري: كانَ سربٌ من الطیرِ/یسقط/قربَ القصیدة/أفعی/تُطاردُ أغنيةً/فبمن یلوذُ القتیلُ/ألیس لنا غیر سقفٍ من الدمعِ/كان شتاء الأسی یطأ العشبَ/والأغنیات/هذا دمُ المتنبي/یزاحم أیامنا المربكة/لاندی یدهش الغرباء/لاعشبةٌ في ثیاب المغنیین/تغرب الشمسُ/موحشةً في القصائد/لاشجرٌ یتوسد/ أرواحنا لا نعاس (السابق: 39- 40) فقد وظَّف علي جعفر العلاق في هذه اللوحة الشّعريِّة التي تتخصَّب بالدلالة والقیمة الجماليِّة والرؤیة الشعریة الحادة، موتیف الأغنية ومزج بین الأغنية بمرجعيِّتها الأسطوريِّة وبین أسطورة جلجامش وصدیقه الحمیم أنكیدو لتجسید الواقع العراقي المأزوم وانتفاء الفاعلیة فیه وضیاع الحیاة ومآله إلی الضیاع والاحباط وخاصيِة الصورة الشّعريِّة في هذه اللوحة هي تشرُّبها من الفضاء الأسطوري وماء التخییل لإعطاء الصورة أكثر من قدرة وفعاليِّة في التعبیر. إنَّ الأغنية في هذا التشكیل الشّعري، هي العنصر المعطاء للحیاة وفاعليِّة التعبیر الشّعري في هذه اللوحة تكمن في الاستبداليِّة التي یحتویها النص الشّعري من أنَّ أفعی أكلت نبتة الخلود وفي اللوحة الشّعريِّة تطارد الأغنية الأروفیسيِّة وفي هذا المزج سرُّ فاعليِّة الصورة حیث یركن إلیه للتكثیف الدلالي في منطقة التلقي وإلی جانب هذا المزج بین موتیف الأغنية بمرجعیتها الأسطوريِّة وبین الفضاء المتخیل الجلجامشي نری الشاعر یستخدم التراث الأدبي المتمثل في شخصيِّة المتنبي ویكثر من حضور الأنا الجماعي في النص الشّعري لیقلِّل من دائرة تخییل النص الشّعري إلی تأطیر الواقع والمكان وأما سرُّ المزج الأسطوري في هذا التشكیل الشّعري فهو التعبیر عن إحساس كامل بحجم ما یتعرض له البلد من فجیعة والتعبیر عن الواقع العربي في صورته المأساويِّة عبر المعادل الموضوعي الذي یزید النص قوةً علی تعرية الواقع المأساوي. وفیما یرتبط بصراع الحضور بین الفضاء المتخیل المتمثَّل في موتیف الأغنية وأسطورة جلجامش التي طغی حضورها علی النص باستحضار أفعی وأنكیدو فیحلل الشاعر ذلك علی أنَّ التفتح علی الفجیعة بالفضاء المتخیل الأسطوري، محاولة للوصول علی نص شعري لا یهیمن علیه الواقع فتنتقل شرر المخیلة فیه وفي هذا الحضور إضفاء علی دلالات النص الشّعري وإیحاءاته ومثول إشارات الواقع والمكان بوجه الفضاء المتخيِّل في التشكیل الشّعري محاولة للحفاظ علی الصلة بین التعبیر الشّعري والواقع الذي یحیل إلی النص الشّعري المتحقق بالفضاء المتخیل وعدم تثرم العلاقة بین الفضاء الشّعري والواقع المرجوع إلیه ففي التشكیل الشّعري یستخدم الشاعر موتیف الأغنية بما یحمله من دلالات الحیاة والكینونة والخلود وأفعی القاتلة لعشبة الخلود تطارده وإثر تواجدها لم یجد القتیل وهو انكیدو من یلوذ به لیعید له الحیاة من جدید ثم أردف الفضاء المتخیل الأسطوري بحضور المتنبي وأكثر من حضور الأنا الجماعي لیقلل من هیمنة الفضاء الأسطوري. ومن الناحيِّة التعبیريِّة فقد عبَّر العلاق في تجسید مطاردة الأغنية بفعل أفعی التي أكلت النبتة في قصة جلجامش ولدغت یوریدیس في قصة أوروفیوس، عن قتل الحیاة وضیعها وجسَّد الشاعر عبر توظیف شخصيِّة المتنبي عن رخو الحضور العربي الذي جعل الحیاة المتمثلة في حضور موتیف الأغنية علی حافة الهاويِّة والعدميِّة؛ «فقد كان المتنبي شخصيِّة عربيِّة الاعتزاز والنخوة وكان شاعراً صلباً مزهواً حتی في علاقته مع السلطة حیث اشترط علی سیف الدولة ألا ینشد شعره واقفاً وألا یقبل الأرض بین یدیه كسائر شعراء بلاطه» (هلال، 2010م: 96) وحضوره في هذه اللوحة الشّعريِّة وهو یزاحم الأیام الراهنة، محاولة لتعرية الموقف المتخاذل لشریحة من المثقفین الذین یستكانوا لتبعيِّة السلطة والذین من شأنهم العمل علی تحریك الهمم وشحذ إرادات الشعب وتأسیس الوعي عندهم وفي القیام بمسؤولیتهم إنقاذ للمجتمع من الأخطار التي تهدد مستقبله وانسیاقهم وراء تبعيِّة السلطة یعدُّ نكوصاً عن المهام الرئیس للمثقف وخطراً علی الحیاة التي یعبِّر عنها موتیف الأغنية والقضيِّة التي یكرِّسه العلاق في هذا التشكیل الشّعري هي القضيِّة المطروحة في الدراسات السایكولوجيِّة التي تعني بالعلاقة بین الأدب والمبدع والمجتمع وهي قضيِّة الخلود الذي یحققه الأدب للشاعر بالتواصل مع المجتمع والتوغل فیه ومطاردة أفعی للحیاة تعبیر عن إمكانيِّة ضیاعها وغروب شمس القصیدة وانتفاء العشب عند المغنین تجسید شعري عن انتفاء الخلود للشاعر أو المثقف الذي یغرق في التمویهات الشخصانيِّة أو ینساق وراء تبعيِّة السلطة. موتیف الریح: لم تكن كسابقیها في التقوقعيِّة في الدلالة بل حضوره في شعر علي جعفر العلاق یتَّسم بحريِّة الانتقال الدلالي والحضور في المسارات الدلاليِّة المختلفة حیث یشعُّ بدلالات مختلفة حسب السیاقات التي یقع فیها الموتیف وهذه الحركيِّة هي التي تعطي الفضاء الشّعري الإمتاع الجمالي أو لنقل أنَّها تعبِّر أول ما تعبِّر عن حذقة الشاعر في خلق السیاق المتلائم والموتیف المتحرِّك دلالیاً واحتلَّ هذا الموتیف حیِّزاً واسعاً من مساحات شعر علي جعفر العلاق وأحرز قصب السبق عن مثیلاته من الموتیفات المتكررة حیث ظهر بكثافة وبلغ عدد التواتر في شعر العلاق 220 مرة وبلغ عدد حضوره في عتبة العنوان 6 مرة مثل عنوان ذئاب الریح وعنوان ملكاً كنتُ للریح من دیوان سيِّد الوحشتین وعنوان قصیدة للریح أم للضجر ورجعنا إلی الریح ثانيِّةً في دیوان «أیام آدم» وتلویحة للریح العراقيِّة من دیوان «وطنٌ لطیور الماء» ونری حضور الریح عنوانَ علی مجموعة شعريِّة كبیرة أنشدها الشاعر سنة 2008م وهي دیوان «هكذا قلتُ للریحِ» وفي الترسیمة التاليّة نلاحظ عدد تواتر هذا الموتیف في شعر الشاعر:
ووفق الإحصائيِّة نری الحضور المكثَّف لموتیف الریح في دیوان «أغنية الممالك الضائعة» والدیوان «احتلَّ الصدارة» وبلغ عدد تواتره في هذا الدیوان 39 مرة ثم یلیه دیوان وطنٌ لطیور الماء وبلغ عدد التواتر فیه 36 مرة ومن ثم دیوان «أیام آدم» وبلغ عدد التوارتر في هذا الدیوان 34 مرة ثم یلیه دیوان «لا شیءَ یحدث لا أحدٌ یجيء» وبلغ عدد الحضور في هذا الدیوان 28 مرة وثم دیوان «سّد الوحشتین» وتكررت فیه لفظة الریح 24 مرة ونری أنَّ حضور هذا الموتیف یتضاءل في دواوینه الأخری فبلغ عدد الحضور في دیوان «هكذا قلتُ للریح» وبلغ عدد التوظیف فیه 16 مرة وثم یلیه دیواني «فاكهة الماضي» و«ذاهبٌ لاصطیاد الهوی» وبلغا حدَّ التساوي في توظیف هذا الموتیف وتكرر الموتیف فیهما 14مرة وبلغ عدد التواتر في دیوان «شجر العائلة» 10مرات ودیوان «نداء البدایات» 5 مرات. رمز الخراب والدمار: ما یزید من موتیفيِّة لفظة الریح في شعر العلاق هو الحريِّة في الانتقال الدلالي فالریح لاتستكین علی المهادنة في الدلالة ولا التقوقعيِّة بل تحمل دلالات مختلفة وهذا هو الذي یشكل خصوصيِّة لموتیف الریح مثلما نلاحظ في قصیدة «الطلليِّة»: یحفُّ بنا غیمٌ قدیم/لمن سیحمل الشجرُ العاري/قصائدَنا؟/لنخلةٍ سقطت/في الرّیحِ نائحةً/لنبرةِ العشبِ مهموماً/كسرنا كأسنا/انكسرت للعشبِ ذاكرة/خضراء تشتعلُ/والریحُ أغنية جرداء/ ها هنا قمرٌ من حنین/یغطینا (العلاق، 2014م: 82-83) والتشكیل الشّعري في هذه القصیدة تشكیل دیكوري مكاني یجسِّد معاناة الشاعر والحالة المأساويِّة التي آل إلیها المكان ویجسِّد الحنین الجارف للشاعر وتوقه الشدید إلی المكان الذي یحتضن في نفسه أصالته وعجینة كینونته وموتیف الریح في هذا التشكیل الدیكوري المكاني المحقق بحضور بعض الرموز المكانيِّة المتمثلة في الشجر والنخلة والعشب والقمر، هو العنصر البنائي المرتكز علیه لتجسید معاناة المكان وضیاع فعاليِّته وحضور النخلة في الریح وهي رمز المكان وسرُّ تسویغ الاستعارة هو خاصيِّة الخصوبة التي كان المكان متَّسماً بها، وتنوح في الریح تجسِّید شعريٌّ عن حالة العذاب والمعاناة التي یعیش فیها المكان والریح التشكیل الدیكوري في تشبیهها بالأغنية الجرداء تعبِّر عن نضوب المكان المعیش والموطن الجدید من خلال دلالته في مخزون الوعي الجماعي فیما یرتبط بخصوصيِّة الإخصاب المتأتيِّة من حركة الریاح وسط السماء وصدامه مع الغیوم وهطول الأمطار وتشبیهها بالأغنية الجرداء تعبیر عن نضوب المكان وضیاع فاعليِّته مما یجعل الشاعر في الحنین إلی موطنه الأول والقمر وهو من الرموز المكانيِّة التي تحمل دلالات الارتفاع یعمّق تغطیه للشاعر من دلالات الحنین وما یزید من فاعليِّة التشكیل الدیكوري هو أنسنة الرموز المكانيِّة فإذا كانت النخلة تئن في الریح تجسیداً لحالات العذاب والمعاناة، فقد جعلها الشاعر بهیئة إنسان ینوح من حجم معاناته وعذاباته وجعل العشب مهموماً وفي عقد التماثل بین الریح وضیاع فاعليّتها، وصف الشاعر الأغنية بالجرداء لیجعل من الصورة معادلاً شعريِاً للمكان في بعده السلبي. وقال الشاعر في قصیدة «السماء الأخیرة»: كانتِ الرِّیحُ في القلبِ/مُنعِشةً/واتجاه مهبّاتها منعشاً/غیر أنَّ الأحبةَ ماشاهدوا الریحَ/تكبر في القلبِ/ما شاهدوا/غیر لون المحطّات/یغسِلُ أبوابها النومُ/إنَّ في دمي الباب والنافذة/إنَّ في دمي الفرح المائلِ/اقتربوا/كانتِ الریحُ تخضرُّ في القلبِ/والتفتُّ/وانكسرتُ/رأیتُ المساءالأخیرة مثقوبةً/إنَّه الزمن الآخر/اختطَّ دائرةً واختفی (العلاق، 2014م: 118-121) فقد یمثِّل موتیف الریح المفصل الدیكوري المركزي في هذا التشكیل الشّعري وهو في تمشهدها یحمل عنوان ذلك الحبِّ الجارف الذي یكنُّه الشاعر لأحبائه القرویین وما یزید من موتیفيِّة الریح في هذا التشكیل الشّعري هو تكرارها ثلاث مرات فیه حیث احتلَّ موتیف الریح افتتاحيِّة القصیدة وختم الشاعر الدیكور الشّعري باستخدام موتیف الریح فیه بتجسيمه عبر إسناد فعل الاخضرار إلیه لیعزز من دلالات النص الشّعري علی الحبّ المكنون في دفین الشاعر لموطنه الأول ولأحبائه وهذا الحبِّ المتمثل في موتیف الریح قد تجذّر في دم الشاعر وحضور الباب محل الألفة في دم الشاعر یؤكد ذلك الحبّ الجارف في نفس الشاعر والمحطات وهي علامة مكانيِّة تدلُّ علی الافتراق وترتبط بالمدینة وتعدُّ من ملامحها الخاصة وما یكرِّسه الشاعر في هذا التشكیل الشّعري بتجسید تعظم الحب المتمثل في موتیف الریح وفي حضور الباب مكان الألفة في دم الشاعر هو أنَّ النزوح إلی الموطن الجدید لم یقدر علی أن یقلِّص من حبه لهم ولموطنه القدیم وقال في مكان آخر: رَعدٌ حَزینٌ شَبَّ فيِ الغَیمِ.أيُّ شَیءٍ یَبقی أتبقی صَداقَةُ الرّیحِ وتبقی لُغةُ الماءِ/كلُّ طیرٍ یُنسی في مَهَبِ خَریفِهِ/أي شَیءٍ یَبقی/غَیر نَارِ انكسارُنا (العلاق، 2014م: 92) وموتیف الریح یحمل الدلالة الإیجابيِّة وهي ارادة الحیاة والتوق الجمیل إلی استمراریتها والمشهد الشعری یجسِّد المكان في بعده الإحباطي ویعبِّر الشاعر عن انتفاء الحیاة والوئام والحیاة الحلوة السعیدة نتیجة ضیاع صداقة الریح وضیاع لغة الماء في وجه عوامل یحاول لضیاع الحیاة في الأرض العربيِّة وقال في قصیدة نواح بابلي: نتشبَّثُ بالریحِ، أعني نعلّقُ/بالریحِ أطفالنا/وقصائِدنا/أيُّ شیءٍ هيَ الریحُ/غیرُ دمٍ یابسٍ/من تُراب الطفولة/أيُّ کمین هو النوم (العلاق، 2014م: 34) واستخدم الشاعر في هذه اللوحة الشعریة طاقات الریح الدلالیة للتعبیر عن لامبالیة العرب بالقضیة وبما یجري في الشارع العربي وبالمصیر المحتم الذي ینتظره فالشاعر استخدم الریح رمزاً للحیاة المتحرکة التي لا تصبو إلی هدف وقرار وهذه الحیاة تفتقر بمثل سکونیة تعید إلیها الزهو والبهاء والحرکیة المثمرة بل الحیاة وهکذا الحضور العربي وسط الحصار والدوامات صارت نوعاً من الحضور الموسوم بالضعف واللامبالیة وهذا هو المعنی الذي یقودنا إلیه خلق التماثل بین الریح وبین الدم الیابس من تراب الطفولة فأوّل ما یدخل ساحة الذاکرة عند الصدام مع لفظة الطفولة في مثل هذه السیاقات هو معاني اللامبالیة وعدم الاهتمام بما یدور حول الأطفال فهم لا یهتمون غیر الالعاب الطفولیة والشاعر یعمل علی خلق التشابه الفني بین الریح وبین الدم الیابس من تراب الطفولة للتعبیر عن حالة الحضور العربي. النتائج إنَّ موتیف الریح والعشب من بین الموتیفات الطبیعيِّة ومن أكثرها حضوراً وكثافةً في شعر علي جعفر العلاق وتعدُّ الأغنية من الموتیفات التي تثري النص الشّعري عنده من ناحیتي الجماليِّة والتعبیريِّة ومن بین هذه الموتیفات الثلاثة فقد أحرز موتیف الریح قصب السبق عن موتیفي الأغنية والعشب وثم یلیه موتیف العشب:
وجماليِّة حضور هذه الموتیفات الثلاثة تتأتی عن اختیارها كوسیلة اللعبة باللغة في میدان التشكیل الشّعري وخاصيِّة إثرائها تتأتی من العلاقات الجدیدة التي تخلقها الشاعر بین الموتیفات وبین ما یحیط بها وإذا كان لعبةُ الانتهاك في حضور الموتیف یثري النص الشّعري من الناحيِّة الجماليِّة فكسر العلاقة بالتراسل بین الحواس والمزج بین معطیاتها هو أكثر حضوراً في التشكیل الشّعري عند العلاق وخاصة في مستوی الموتیف وهذا هو ما یسمو به النص جماليِّاً ویزجُّ القارئ في دهشة التلقي وموتیف العشب والأغنية من بین الموتیفات الثلاثة لهما رصیدها الأسطوري وكلٌ من هذین الموتیفین یحملان دلالات الحیاة والكینونة الأزليِّة وخصوصیتهما تكمن في التقوقعيِّة في الدلالة والسیر في مسار دلالي واحد أو الوقوع في تراتبيِّة السیاق وموتیف الریح وهو من أكثر الموتیفات حضوراً في شعر الشاعر یتَّسم بحريِّة الانتقال الدلالي ومن الناحيِّة الدلاليِّة فترتبط هذه الموتیفات بما یسمی عند البعض بالتكرار الوجداني وترتبط بالمأساة ویسعی بها الشاعر لخلق الحالة الشعوريِّة عند المتلقي. | ||
مراجع | ||
البستاني،بشری. ) 2015م). وحدة الابداع وحواريِّة الفنون. ط1. عمان: دار فضاءات.
حسام الدین اسماعیل، محمدسالم. (2010م). الصورة والجسد: دراسات نقديِّة في الأعلام المعاصر. لامک: مركز دراسات الوحدة العربيِّة.
سلامة، أمین. (1988م). معجم الاعلام في الاساطیر الیونانيِّة. ط2. لامک: مؤسسة العروبة للنشر والإعلان.
خلیل، إبراهیم. (2000م). ظلال وأصداء أندلسيِّة في الأدب المعاصر. دمشق: منشورات اتحاد الكتاب العرب.
شرتح، عصام. (2012م). الشّعر والنقد والسیرة مقاربة لتجربة بشری البستاني الشّعري. بیروت: دمشق.
شهاب انور، غادة. (2011م). موسوعة الموسیقی والغناء في العصر العباسي. ط1. لامک: الدار العرربيِّة للموسوعات.
العلاق، علي جعفر. (2014م)،-. الأعمال الشّعريِّة: الجزء الثاني،-. عمان: دار فضاءات.
العلاق، علي جعفر. (2013م). الشّعر والتلقي. ط1. عمان: دار فضاءات.
الكایدة، هاني. (2010م). میثولوجیا الخرافة والأسطورة في علم الاجتماع. عمان: دار الرّایة.
الملائكة، نازك. (1981م). قضایا الشّعر المعاصر. ط6. بیروت: دار العلم للملایین.
هلال، عبدالناصر. (2010م). الشّعر العربي المعاصر: انشطار الذات وفتنة الذاكرة. بيروت: دار العلم والإيمان.
المقالات
بلاوي، رسول ومرضیة آباد. (2013). «موتیف النهر والبحر في شعر یحیی السماوي». مجلة العلوم الإنسانیة الدولیة. العدد 20. صص 18-1
بلاوي، رسول وآباد وطال زاده شوشتري، وعرب. (2012م). «موتیف الاغتراق في شعر یحیی السماوي». إضاءات نقدية في الأدبين العربي والفارسي. العدد 19. صص 77-93
روشنفكر،كبری وحامد بورحشمتی. (1394ش). «موتیف النخلة والزیتونة في شعر سمیح القاسم». إضاءات نقدية في الأدبين العربي والفارسي. س5. العدد 20. صص 118-97
فتحي دهکردي وآخرون. (1397ش). «موتیف القدس ودلالاته في شعر الجواهري». فصلیة اللسان المبین. السنة التاسعة. العدد 31. صص 108-89 | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 333 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 125 |