تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,800,512 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,315 |
دراسة إزدواجیة شعر إلیاس أبو شبکة و محمد الفیتوري بناءً علی "العلاج بالمعنی" لفکتور فرانکل | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 2، دوره 13، شماره 49، خرداد 2023، صفحه 37-59 اصل مقاله (264.8 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسنده | ||
سید سلیمان سادات اشکور* | ||
أستاذ مساعد، قسم اللغة الفارسیة وآدابها، فرع دهدشت، جامعة آزاد الإسلامیة، دهدشت، إیران | ||
چکیده | ||
یستعرض "العلاج بالمعنی" لفرانكل بمكافحة المشاكل النفسیة بناءً على مبادئ وتكتيكات محدّدة من خلال إیضاح المعنى وتحليل مفهوم المعاناة، فيسعى إلى إيجاد معنى في الحياة باعتباره القوة الدافعة الأولى لكل شخص ويساعد الناس على إيجاد معنى معاناتهم وتحويل المواقف الصعبة إلى السلام. يتغيّر معنى الحياة باستمرار، لكنه لا يمّحي أبداً. دور المعالج هو توسيع مجال رؤية الإنسان، حتى يتمّ وضع المعنى والقيم في مجال رؤيته ومجال وعيه الذاتي وتغلي الحقائق بداخله دون تدخّل الآخرين. يتمّ اكتشاف هذا المعنی وتجربة المعانی المکنونة عند الإنسان بإطاقة الأوجاع والمعاناة وإنجاز الأعمال القیّمة وتجربة الغایات العالیة. "العلاج بالمعنى" له علاقة وثيقة بالأدب والشعر لاعتماده على اللغة وعلاج النطق. فتظهر دراسة مقارنة في أعمال اثنين من الشعراء المعاصرين، إلياس أبوشبکة ومحمد الفيتوري، أن هذين الشاعرين كان لهما نهج معاكس نسبيّاً فيما يتعلق بمفاهيم "العلاج بالمعنی" لفيكتور فرانكل. لا يعطي أبوشبكة أيّ معنى موثوق به للدنیا والعيش فيها، ودائماً ما يتّخذ خطوات تجاه نبذ العالم بشكل متطرّف تساهمت فی تکوینه أسباب مثل الفقر، وفقدان والده مبكراً، والعوامل السياسية والاجتماعية السائدة آنذاك. أمّا الفيتوري فیقدّس الآلام والمعاناة ويسعى لتحقيق أهداف نبيلة والقيام بأعمال قیّمة تتجسّد في شكل شعر المقاومة والوطنية. فمن الأبعاد العديدة التي تؤثر على سلوك الإنسان فیما یتعلّق ﺑ"العلاج بالمعنی"، تمّ البحث حول دور الأبعاد النفسية، الاجتماعية والبيئية في أعمالهما، فقد تجلّى شعر هذين الشاعرين بزاوية متناقضة تجاه المعنى والمسؤولية الذاتية والالتزام الوجداني. | ||
کلیدواژهها | ||
أبوشبكة؛ الفيتوري؛ العلاج بالمعنی؛ الغایة السامیة؛ حرمة المعاناة | ||
اصل مقاله | ||
المقدمة يمتلك النّاس اليوم وسائل عيش مختلفة أكثر من أي وقت مضى، لكن ليس لديهم معنى عالٍ لكيفية العيش. فما معنی الحیاة؟ هذا هو سؤال أهل هذا القرن. لقد حرّمنا التكنولوجيا من الحاجة إلى استخدام مهارات البقاء النفسیة على قيد الحياة، وعلی ما یبدو فعلياً لا يستطیع المجتمع تلبیة جميع الاحتياجات خاصةً الاحتیاجات النفسیة. يظهر في جيل الشباب، أكثر من غيره، إنحدار التقاليد وعدم جدواها. يوضّح هذا المقال فقدان التقاليد وهو من الأسباب الرئیسة في ظهور الفراغ الوجودي. إنّ العثور على الخيوط الدقيقة للحياة المنهارة في صورة خالیة عن المعنى والمسؤولية هو هدف وموضوع النضال من أجل "العلاج بالمعنى"، فيأتي المعنى من العمل الهادف وهو مسؤول عن الالتزام. يعاني الإنسان من فراغ وجودي مزعج في جميع المجالات یومیّاً. ولا شكّ أنّ مجال الأدب والفن لا يخلو من هذه القضية. تنغمس أعمال الفنانین دائماً في موجات من الأفكار اللانهائية والمختلفة منهم الشّعراء والكتاب. إلياس أبو شبکة ومحمد الفيتوري هما من کبار شعراء الأدب العربي المعاصر، تركا أعمالاً باقية وخالدة في ساحة الأدب والشعر. تكشف دراسة الأعمال الشّعرية لهذين الشاعرين، بغضّ النظر عن خصائصها الفنّية والأسلوبیّة، إختلاف وجهات نظر الشاعرين حول العالم، الحياة والموت وفلسفة الحياة، والتي يمكن دراستها جيداً والتعليق عليها من منظور نظريّة فرانكل في "العلاج بالمعنی" أو "المعنائیة" بسبب تأثیرها على عمق وجود قارئیها. تسعى "المعنائیة" أو "العلاج بالمعنی" بمبادئها وتكتيكاتها الخاصّة، والتي تستند إلى أسس نفسية، إلى إيجاد معنىً في الحياة كأولّ قوة دافعة ومحرّضة في كلّ شخص. يعتبر فرانكل "العلاج بالمعنى" نوعاً من العلاج النفسي في إطار مصطلحات ذات صلة ﺑ"المعنائیّة". جدير بالذّكر أنّ الباحث في هذا المقال لم يسع للحكم والتعليق على السّمات الفنّية لشعر الشاعرين ونوع شخصية هذين الأدیبین، وإنّما قام فقط بتحليل قصائدهما بناءً على أسلوب فرانكل فی "العلاج بالمعنی". إنّ خلفيّة حياة إلياس أبوشبکة والأفكار اللاحقة بها، دفعت الشاعر في قصائده إلى اعتبار الحياة عبثية وفي مراحل من العدمیة يمكن رؤيتها بوضوح في قصائده المختلفة، ولكنّ قصائد الفيتوري مبنية على الأسس التي تجعل الشّاعر ببواعثه والتزامه، تزيل التعب والاكتئاب. يعتمد "العلاج بالمعنی" لفرانكل على فحص نفسيّ عمیق لهذا النهج الفكري، ومن خلال التأمل في فكر وحیاة مثل هذه الشخصيّات، يحاول مواجهتها وتحليلها بتکتیکات خاصّة وقواعد محدّدة. أسئلة البحث ۱. ما هو مستوی تأثیر البواعث الخارجیة في ازدواجیة التّعبیر عن "المعنائیة" في شعر إلياس أبوشبكة ومحمد الفيتوري بناءً علی نظرة فيكتور فرانكل؟ ۲. أللحبّ والوطنیّة والمعتقدات الدّینیة أثر في معالجة مضامین "المعنائیة" بناءً علی وجهات نظر فیکتور فرانکل في أشعار إلیاس أبو شبکة والفیتوري؟
فرضيات البحث
۲. للحبّ والوطنیّة والمعتقدات الدّينية أثر فاعل فی معالجة "المعنائیة" والتعبیر عنها بناءً علی وجهات نظر فیکتور فرانكل.
خلفیة البحث قد تناول العديد من علماء النفس "العلاج بالمعنی" في عصور مختلفة، خاصةً في العصر الجديد، نظراً إلی حاجة العصر وانغماس شعوب العالم في الأفكار المادية وما يترتّب عليها من الآثار النّفسیة والنتائج السلبیّة، فأُنتجت عدة أبحاث ومقالات حول هذا موضوع في الأدب العربی حتى الآن، فلم يكن هناك بحث مقارن حول دراسة "العلاج بالمعنی" لفرانكل في أعمال الشعراء، فاخترنا هذین الشاعرین لدراستنا، وذلک بسبب وجهات النظر المختلفة لهما حول قضايا الحياة والصلات الدلالية العديدة لأعمالهما مع الأسس النفسية ﻟ "العلاج بالمعنی" لفيكتور فرانكل، ومن ثمّ رأینا دراسة هذا الموضوع في الأدب العربي مثمرة من جوانب مختلفة، وکما أنّ هناك دراسات عدیدة وأبحاثا حدیثة أنجزها العلماء حول القضايا النّفسيّة في لغات مختلفة من العالم. فمن بين الأبحاث الأدبیّة ذات الصلة التي أُجريت في هذا المجال، يمكن ذكر ما يلي: - "انسان سالم و ویژگی های آن از دیدگاه ویکتور فرانکل" (الشخصیة السليمة وخصائصها من وجهة نظر فيكتور فرانكل) (طلعت حسني باقراني، مسعود آذربایجاني، مجلة روانشناسی و دین،1390 ش، العدد 2) - "تحليل قصيدة بدر شاكر السياب "رحلة أيوب" بناءً على "العلاج بالمعنى" لفیکتور فرانکل" (قاسم مختاري، مطهر فرجي، مصطفى آدينه، مجلة نقد أدب عربي معاصر، السنة 7، 1395ش، العدد 14) فتمّت فی المقال مناقشة الجوانب المختلفة في سفر أيوب من منظور "العلاج بالمعنی". - "اراده معطوف به معنا در غزل های حافظ و معنا درمانی فرانکل" (الإرادة المعتمدة علی المعنی في غزلیات حافظ الشیرازي و"العلاج بالمعنی" لفکتور فرانکل) (محمد حسين نيكدارشد أصل، مجلة پژوهشنامه ادبیات تطبیقی، الفترة السادسة، 1393ش، العدد 22) يتناول تجانس أفكار حافظ وفرانكل ، وخاصة وظيفة الحبّ في "العلاج بالمعنى" من وجهة نظرهما. - "مقایسه تطبیقی معنای رنج در اندیشه ویکتور فرانکل و مولانا" (مقارنة معنى المعاناة في فكر فيكتور فرانكل وابن الرومي) (شبنم قدیری یگانه، اسماعیل آذر، ساره زیرک، مجله جستارنامه ادبیات تطبیقی، السنة 5، 1399ش، العدد 16) إنه يفحص المعاني ومؤشّرات المعاناة الهادفة في فكر فرانكل وأعمال المولوي. ولا بدّ أن نشير هنا إلی الفرق بين هذه الدراسة وسابقاتها أنّها أوّل دراسة قامت بتطبیق نظریّات فیکتور فرانکل فی شعر اثنین من الشعراء الکبار المعاصرین بما فی حیاتهما وشعرهما عقائد وآراء متباینة حول الحیاة وأغراضها. فالغرض من هذه الدراسة هو الکشف عن هذه الآراء المتباینة حول الحیاة وجذورها النفسیة وما یرتبط بها من العلوم الاجتماعیة والبیئیة بالتأکید علی "العلاج بالمعنی" لفیکتور فرانکل. منهج البحث يعتمد هذا البحث على المنهج الوصفي التحليلي، والذي من خلال دراسة الأسس النفسية لفرانكل وتحليلها، يتفحص بشكل نقدي تواتر هذه الأسس في شعر إلياس أبو شبكة ومحمد الفيتوري. تفسّر هذه المقالة مفهوم المعنى في الحياة ویبحث عن أسس "المعنائیة" مثل الهدف السامي، والمسؤولية الذاتية، وحرمة المعاناة، في قصائد أبو شبكة والفيتوري، بناءً على نظریّات فرانكل في کتابه "العلاج بالمعنى"، فمن ثمّ يتمّ فحص وتحليل الأدلة والأمثلة على أساس هذه المبادئ، في شعر هذين الشاعرين، کما تتمّ من خلال فحصها أیضاً دراسة مدی تأثیر هذه الأشعار علی قارئیها بناءً على آراء فیکتور فرانکل. فالمقال یبحث عن إدراك مفهوم المعنى وحلول شغف الحياة وتحقيق السلام الداخلي، کما یحلّل آثار إعطاء معنىً لسلوك الإنسان، مسؤولياته، آلامه ومعاناته في قصائد هذين الشاعرين الکبیرین الذینِ لهما تأثير كبير على الناس، من خلال تبنّي منهج مختلف نسبیّاً فیما یتعّلق بأسس "العلاج بالمعنی". فلذلك تمّ اختيار شاعرين مؤثرين لهما وجهات نظر مختلفة حتی يمكن عرض مبادئ فیکتور فرانکل في مرآة شعرهم. الإطار النظري للبحث يعودالأصل المعجمي ﻟ"العلاج بالمعنی"(Legotherapy) إلى الكلمة اليونانية (Logos) تعني كلمة أو معنى، ولكنّ المعادل الأكثر تعبيراً هو المعنى. (فرانكل، 1389: 149) وبمعنى أوسع، يمكن تفسيره على أنّه شيء يمكن أن يكون سبباً للوجود. يفضّل فیکتور فرانكل المعنی کترجمة بسيطة لهذه الکلمة. وبناءً على ذلك، فإن العلاج أو الشفاء جزء من مرور المعنى الّذي يهتم به فيكتور فرانكل، فإن "العلاج بالمعنی" هوالعلاج النفسيّ يركّز على المعنى. (المصدر نفسه: 142) يتحدّث فرانكل عن البحث عن المعنى كقوة معاكسة لـ"مذهب المتعة" التي يعتمد عليها التحليل النفسي لفرويد و"السلطویّة" الّتي أكّد علیها أدلر. يعتبر "مبدأ اللّذة" القوة الدافعة لمبدأ الشخصية في التحليل النفسي لفرويد، فمن المبرّر أنّ هدف الإنسان في الحياة هو تجنب الألم والوصول إلى المتعة، وهذا المبدأ هو سبب بقاء الإنسان. لكنّ فرانكل لديه اعتقاد يتجاوز عن هذا. فأساس العلاج النفسي عنده هو المعنى بمواصفاته الخاصّة. (المصدر نفسه: 153) وبناءً على ذلك، فإنّ المعنی و التوجه نحوه حقيقة لايمكن إنكارها في حياة الإنسان، والطبيعة الأساسية للإنسانية هي هذه الحقيقة التي تُلهم الوجود البشري. هذه الخاصيّة حتميّة ومميّزة للبشر، وفي الواقع لا يمكن للمرء أن يستمرّ الحياة بطريقة صحيحة بدونه. فمن خلال الاعتماد المفرط على العلم والعقل، ابتعد الناس المعاصرون عن القيم الفلسفيّة والروحية الکبری، والقيم التي يمكن تعميمها على البشريّة جمعاء. (شولتز، 1977: 202) یعتقد فرانكل بأنّ هناك معنى مخفياً في كلّ كارثة تحدث في الحیاة، إذا قبلنا أنّ العالم الذي نعيش فيه هو عالم من المفاهيم والعلامات، فكلّ حدث هو رسالة لشخص منتبه ليراه جيداً ويفهم رسالته المخفيّة. إذا وسع النّاس مجال رؤيتهم ليروا المعنى والقيمة المختبئين في تلك الكارثة، فسيكونون قادرين على قبولها بشجاعة ومحاربتها بدرایة، وعندما يصلون إلى القبول لذلک المعنی، يمكنهم القيام بواجباتهم ومسؤوليّاتهم الخطیرة. (فرانكل، 1389: 7) يجب أن يدرك الإنسان أنّ الکارثة هي الّتي تبرّر الواقع والحياة وتجعل الوجود الإنساني مزدهراً، فلذلك ينبغي النظر إلى هذه القضية من منظور آخر. یری فیکتور فرانکل أنّ الحياة لها معنى بأيّ ظرف من الظروف، حتى أكثر أنواعها مأساويّة. فدافعنا الرئيسيّ في الحياة هو رغبتنا. "العلاج بالمعنی" أو "المعنائیة" بغضّ النظر عن العرق والّلون والدّين والمعتقدات الشخصیّة، نوع من فلسفة الحياة التي تقوم على الاحترام العميق لكرامة كلّ شخص. وبناءً على ذلك، فإنّ الحياة لها معنى غير مشروط ويمكن لأيّ شخص العثور عليه واكتشافه في أيّ مكان وفي أيّ وقت. من وجد الغرض من الحياة يبنيها بأيّة طريقة. (المصدر نفسه: 155) سیفيد البشر من هذه الحريّة بأيّ ظرف من الظروف. حريّة الاختيار هي إحدی أبعاد الوجود البشري. فلا تحدّد لنا الغريزة أو الوراثة أو الظّروف البيئيّة کلّ أفکارنا و إنجازاتنا. يعتقد فرانكل أنّه إذا أردنا التمتّع بصحّة نفسیّة، فلدينا الحريّة في اختيار سلوكنا، ووفقًا لنظرة فرانکل، الحريّة تعني التحرر من ثلاثة أشياء: الغرائز، المزاجات والعادات، البيئة. إنّ الإنسان المعاصر، الذي ليس لديه ما يكفي من المعتقدات والقيم الروحية ولا يعرف سبب المعاناة والشدائد في حياته، قد عاش نوعاً من الحزن واليأس. یعود معظم المضايقات والأمراض في القرن الحالي إلى الافتقار إلى الدافع والرغبة والمعنى المناسب لحياة الإنسان وأنشطته وعدم قبول المسؤولية عن الحياة الفردية. يستخدم فرانكل تجربته القیّمة في "العلاج بالمعنى" من خلال تحليل وشرح مفهوم المعاناة. يساعد "العلاج بالمعنى" الأشخاص على إيجاد معنىً لآلامهم ومعاناتهم وتحويل المواقف الصعبة إلى السلام والراحة. تلعب "المعنائیة" دوراً عندما يواجه الشخص أحداثًا ومشاکل لا يمكن التنبؤ بها فيكون يائساً ومربكاً ليس لديه خيار سوى قبول مشكلته أحيانًا. يمنح الإنسان السلام ويجعله كائناً نشطاً ومقاتلاً وخلّاقًا وفعّالاً إعطاءُ المعنى الضروري لأحداث الحياة والرسم الدقيق لمشاعر الفرد وعواطفه وتقبُّل مشاعره وقضاياه غير المرغوب فيها، والضحك على مشاكل الحياة، وإيلاء المزيد من الاهتمام لحكمة المعاناة الفردية، والعمل قدر الإمكان تجاه الحبّ والتضحية من أجل الآخرين. يؤمن بعض العلماء الآخرین أيضاً بالمعنى الّذي يتجاوز الاحتمالات اللامحدودة للقيم الفردية الکامنة للانضمام إلى الواقع، دون العبث بالأسرار العميقة. (ماسلو، 1971: 125) يحاول "العلاج بالمعنى" رسم حدود خيارات الشخص وحرياته. الهدف من "العلاج بالمعنى" هو تمكين النّاس من اكتشاف معناهم الفريد. (المصدر نفسه: 22) إنّ البحث عن المعنى هو حقاً حاجة خاصّة لا يمكن اختزالها إلى مستوى الاحتياجات الأخرى وهي موجودة في جميع البشر بدرجة أكبر أو أقلّ. فيُظهر الإنسان إنسانيته بهذه الطريقة وفقاً لنظرة فرانكل، حتى التساؤل عمّا إذا كان هناك أي معنى في العمل أم لا ؟ يعدّ إنجازاً بشرياً. عندما يخطو "العلاج بالمعنى" إلى عالم الروحانية اللاواعية، يتمّ إبراز الإدراك اللاواعي من خلال اكتشاف اللاوعي الروحي، ففي هذه الأعماق الروحية اللاواعية، يتمّ اتخاذ خيارات وجوديّة كبيرة وفقاً لرؤیة فرانكل.تصل استجابة الإنسان إلى مستوى اللاوعي بهذه الطريقة. فيجب أن يكون الشخص أيضاً مستجيباً فاقداً للوعي بالإضافة إلى كونه مستجيباً واعياً. يتمّ التمييز بین المحتوى اللاواعي وغريزة اللاوعي والروحانية اللاواعية علی أساس نظرة فرانکل، فيشير إلى أنّ فرويد كان يتحدّث فقط عن غريزة اللاوعي؛ ومع ذلك، يمكن أن تكون الروحانية أيضًا غير واعية. وکما یری فرانكل، الوجود الإنساني هو الوجود الروحي. (المصدر نفسه: 38) لا يعتبر فرانكل مجال العیش والحياة فضاءاً عاماً ومطلقاً، وما وراء الفكرة الشائعة، فهو لا يفسّر الحياة على أنّها تشتمل على أحداث متكرّرة. فیری لحظات الحياة بمثابة قطع شطرنج يجب على الشخص استخدامها في الفرص والمواقف المختلفة. لذلك يتغيّر معنى الحياة من شخص لآخر ومن لحظة إلى أخرى. (المصدر نفسه: 167) من خلال الإيحاء بأنّ الإنسان مخلوق مسؤول يجب أن يدرك المعنى المحتمل لحياته، لا ينبغي للمرء أن ينظر إلى العالم على أنه مظهر من مظاهر "الذات" أو كوسيلة وهدف يخدم الازدهار النفسي وتحقيق الذات، ففي كلتا الحالتين، تبدو الصورة التي نرسمها عن العالم یسیرة غير مهمة. لقد أظهرنا حتى الآن أن معنى الحياة يتغير باستمرار، لكنه لا يختفي أبداً. ووفقًا لمناهج "العلاج بالمعنی"، يمكن اكتشاف هذا المعنى بثلاث طرق: 1- من خلال القيام بعمل ذي قيمة 2- من خلال اختبار "قيمة" عظيمة 3- التسامح مع المعاناة وحرمة الألم. (فرانكل، 1366: 40-81) ليس الغرض من الحياة تجنّب الآلام الحادثة أو التمتّع باللذات، بل إنّما الغرض هو إيجاد المعنى الذي يجعل الحياة هادفة. لهذا السبب، يتحمل الناس المعاناة التي لها معنى وهدف، عن طيب خاطر، فلا داعي للتذكير بأن المعاناة لا معنى لها إذا لم تكن ضرورية. یفوق إدراکُ المعنى النهائي للوجود الفهمَ البشري حتماً، فيشار إليه فی "المعنائیة" على أنه یشتمل علی معانٍ عالیة. ما طُلب من الإنسان ليس أنه يجب التسامح مع عبثية الحياة وفقاً لتعاليم بعض الفلاسفة الوجوديّين، بل بالأحرى، يجب على الإنسان قبول عدم قدرته على فهم المعنى غير المشروط للحياة، من خلال المنطق. لأن المعنى أعمق من المنطق. (فرانكل، 1389: 187) فیعتقد فيكتور فرانكل أنّ جميع الأحداث في العالم لها هدف ومعنى وراء مظاهرها البسیطة. لذا فهو يدعو إلى الالتزام، الحب، المسؤولية والأمل مشیراً إلى أنّ الافتقار إلى الفهم الصحيح للأحداث من قبل البشر بسبب محدودية عقله ليس دليلاً على أنّ تلك الأحداث بلا هدف أو لا معنى لها. "المعنائیة" في فكر وشعر إلياس أبوشبکة ولد إلياس أبو شبکة عام 1903م في نيويورك وتوفي عام 1947م بسبب سرطان الدم. (سابایارد، 1962: 12) نوع حياة أبوشبکة في أمريكا الشماليّة وفقدان والده الحنون خلال طفولته، والّذي كانت تربطه به علاقة عاطفيّة قويّة، ثم وفاة والدته الغنيّة التي كانت المعيلة الوحيدة له خلال فترة حياته، تسبّبت سنوات مرهقة في مرارة شديدة في حياة إلياس أبوشبکة وتركت خیبة شاملة لاينتهي في روح هذا الشاعر والكاتب المتميّز. أهدی الشاعر مجموعة الغيتار المليئة باليأس لروح والده. (أبوشبکة، 1999: 17) بداية الحرب العالمية الثانية خلال طفولة الشاعر، والقمع والفجوة الطبقية، والاضطرابات السياسية في ذلك الوقت، وأخيراً مرض السرطان الّذي لا يمكن علاجه من بين مشاكل أخرى، أضرّ روح الشاعر وجرّه إلى هاوية موجات فی العاصفة الشدیدة الروحیّة ومن ثمّ الفراغ. (عبود ، 1998: 10) ويبدو علی أنّه لاسبيل للشّاعر سوى الاستسلام في كل تناقضات الحياة وهجوم خيبات الأمل. هذه هي التجربة الثقيلة التي أدرکها فرانكل مؤلّف كتابیه "العلاج بالمعنی" و"الإنسان نحو المعنى"، في السجن وتحت أحذية الجلادين مع سجناء آخرين. الإبتعاد عن "المعنائیة" يتّضح من خلال دراسة أشعار إلياس أبو شبكة ، أنّ هذا الشاعر لا يعطي أيّ معنى موثوق به للعالم والحياة، و يتّخذ دائماً خطوات تجاه رفض العالم بطريقة متطرّفة كان لعديد من العوامل الأخری أثر في تشكيل هذا الهروب المميت. يشير إلى فقره في قصيدة تحمل عنوان الفقير: شاعر الحب قيل عني قبلاً / لکنّ اليوم شاعر البؤساء (أبوشبکة، 1999: 19) یصوّر أبوشبكة العالم كمحور یدور حوله كل الشرور والمساوئ. ليس لديه رغبة في البقاء في هذا العالم المليء بالفساد والدّمار، ولهذا ينشد هكذا: إیّاك والدّنیا فانّ لباسها / یبلی المبرّم وطیبها لا یعبق / فی کل حین یستهلّ من الأذی / مطر یخفق أماکنا ویضیق (المصدر نفسه:230) كما يعبّر عن قلقه من القضايا السياسيّة المضطربة في العالم، لأنّ العلاقة بين الأدب وبيئته قويّة جداً، حيث قيل: «الكاتب ابن بيئته» (الفاخوري، 1427: 25) فإنّي سأنأی عن بلادي مسافراً / فلست أطيق الظلم في البلد المحل/ رأيت هنا رهطاً من الناس آثروا / يد الظلم أن تعلو وتفتك بالعدل (ابو شبکه، ۱۹۹۹: 2)
الشکوک الناتجة عن الانعزال و العدمیة يعاني إلياس أبوشبکة من الشعور بالوحدة في میدان النضال ضد الفراغ الوجودي والعدميّة ولعل یأسه وشعوره بالغربة جعلاه ضعیفاً، فینشد: / يُؤآسي همومي وَما من صديق / تَقول لي وَإِمّا رأَتني / مجدّاً تَقف عثرةً في طريقي بلوتُ الحَياةَ فَما مِن أَنيسٍ فيا ربِّ أَطفىء سراج شعوري / لِأَصبح ذا بصر مستفيقِ / وأَخرس بصدري الشباب فَإِنّي / أَودُّ استماع فؤادي الحقيقي لَقد طال عهدي بالظلماتِ / ولم أَستنر بسوى الظلماتِ / كأَنَّ الدُجى مشعَلٌ في فؤادي/ تزيّتُه بالشقاءِ الحياة (أبو شبکه، 1999: 130) تأثر شعره بموقفه من الحياة وأحداثها المریرة فامتلأ بمفردات ملیئة بالفراغ الوجودي مثل الهموم، الظلمات، الشقاء، الحسرات، الدجی ورجیم الردی. عدم الثقة بالحياة الهادفة والملتزمة لا يعيش الإنسان مع الرخاء فقط، فالأهمّ هو أن یواجه الإحساس باللامعنى في الحياة و يتعامل معه. لأنّ اضمحلال التّقاليد وعدم جدواها يظهران أكثر من غيرهما في جيل الشباب. يوضّح هذا المقال فقدان التقاليد وهو عامل مهم في ظهور الفراغ الوجودي و العدمیّة. قد انعکست الحداثة في القرن العشرین مظاهرها فی حیاة أناسها في معظم الحالات، فلا توجد التقاليد والقيم التقليديّة فی خواطر الناس وأسالیب حیاتهم على عكس القدماء، ونتيجة علی ذلک لا يعرف الإنسان المعاصر ماذا يريد أن يفعل وما یقصد من الحیاة فيقلّد ما يفعله الآخرون أو يفعل ما يريده الآخرون أحيانًا. من ناحية أخرى، هناك أيضًا أشخاص يبدون سعداء في المواقف المتباینة حتى في الظّروف السيّئة للغاية. ما هو السبب؟ هناك حبّ في حياة الإنسان يربطه بأولاده أو بأي شخص أو أي شيء يحبّه. في حياة شخص آخر، موهبة يمكنه استخدامها، أو ربّما هناك ذكريّات تستحقّ الاحتفاظ بها، فتستمتع بهذه الذکریات. إنّ العثور على الخيوط الدقيقة لحياة منهارة على شكل صورة مبنيّة على المعنى والمسؤولية هو هدف وموضوع النّضال من أجل "العلاج بالمعنی" وبالطبع لاتجبر الإنسان غرائزُه البشريّة على فعل أيّ شيء على عكس الحيوانات. يتّضح من قصائد إلياس أبو شبکة والتأمّل في حياته أنّه يرى أنّ نهاية كل المخلوقات هي الدّمار ووبرأیه يُظهر التاريخ ذلك بوضوح. المبالغة في أصالة العالم، والهروب من الواقع والتفكير في الموت هي من السّمات البارزة في قصائده. هذه الکائنات بادت سراعاً / قصفتها المنون قصف الغصون / سائل الکتب والتّواريخ عنها / واقرأ الخبر في سجل القرون / ليس عمر الإنسان غير منام / تتمشّي أشباحه في العيون (ابو شبکه، 1999: 162) کما ینشد : کيف لا أندب أمسي / ومماتي في غدي (المصدر نفسه: 233) ینشد أیضاً: هذي الحياة ثمالة کأس / سقاها رجيم الردی للوجود / فدعني أنلها بقايا جمادي / لتمتصّها حشرات و دود (المصدر نفسه: 131) وفي النهاية يعتبر إلياس أبوشبکة نفسه جثّة ستُغذّيها الحشرات وتتحلّل، وكأن الشاعر لا يؤمن بالحياة بعد الموت ويعتبر الموت نهاية للإنسان وأعماله. فینشد قائلاً: العمر قصرٌ نحن بين رحابه / والموت منتصب علي أبوابه (المصدر نفسه: 182) أبوشبکة متشائم جدّاً حول الدنیا والعیش فيها، فيمكننا أن نقول إنّ الدّنیا على رأس الأمور التي كان متشائماً بشأنها، فهو يعتقد أنّ العالم مليء بالقمع واللامساواة ومسلخ يموت فيه الجميع حتماً. هذا الوجود مشانق نصبت لنا / والظلم في ساحاته السفاح (المصدر نفسه: 186) أبوشبکة يرى العالم مليئاً بالألم والحزن ويعتبر البقاء فيه مصدر معاناة إنسانيّة فينشد: هذه الدنيا سآم / تعب فيها الإقامة (المصدر نفسه: 45) يشتكي أحياناً من ظلم أهل زمانه بالإضافة إلى عذاب الحياة في الدنيا: ماذا تسرّ إليّ القمر / يا أيّها الطير السجين َ/هل أنت مثلي في السهر/ تشکو عذابک للسّنين (المصدر نفسه: 206) يعتقد أنّ ما يوجد في العالم هو أكاذيب وقذف وظلم. ومن يبحث عن العدل والمساواة لن يصل إلى الهدف ويفشل: رأيتک يا شبح الحزن تبکي / وما في الوجود سوی المفتري / إذا کنت تنشد تلک العدالة / فاذهب إلی کوخک الأحمر (المصدر نفسه : 20) وینشد في قصیدة شهیرة أخری: ما الجسم في هذا الوجود سوي بلیً / تمشي العصورعلی أديم ترابه/ من عهدآدم و الضريح مهيّأ / وجميع هذا الخلق هنّ طلابه /و الکائنات لدی الردی ألعوبة / حتی الخلود يصير من ألعابه (المصدرنفسه: 182) الابتعاد عن الحبّ کهدف نبیل یفشل إلياس أبو شبکة في الحب الحقیقي أیضاً، وهو أحد العناصر الأساسية في مدرسة فرانكل ﻟ"العلاج بالمعنى" ويقول إنه لايستطيع أن یتحمّل عبء الحبّ ولا يستمدّ منه أيّ معنى: دعیني اندب کالثاکل / فلست سوی عاشق راحل / حملت الهوی في فؤادي الضعیف / فاثقل حمل الهوی کاهلي / دعیني اموت ولا تنثري/ دموعاً علی هیکل خامل /فدمع الهوی من بنات الخلود / فلا تهرفیه علی زائل (المصدر نفسه:156) يمكن رؤية ذروة اليأس والعجز والتشاؤم عند الياس أبو شبكة عندما يخاطب الله، فهو يعتبر الله السبب الرئيسي لكل آلامه وأحزانه. ویحسب إنّ الخالق فهو الذي خلقه تعيساً منذ البداية ليعاني في الدنيا، وهذا البؤس منع أي شخص من الاستماع لشكواه وإعطائه حقوقه، لأن الآخرين يرونه إنسانًا سیئاً آثماً. ربّاه ! لم تخلقني تاعسا ً/أشکو ، ما من سامع منصف / کأنّني في الکون جانٍ أتی / بحادث أعيب مستکنف (المصدر نفسه: 232) فقد امتلأت أشعار هذا الشاعر بمثل هذه الأبيات حيث تتضمّن هذه المفاهيم البنية الأساسيّة لشعره: دعيني أموت فحظي التعيس / هوی مع کوکبه الآفل / دعيني أموت فصخر رجائي / تحطّمه موجة الباطل (المصدر نفسه: 156) العزلة عن تجربة المعاني الملهمة لا يوجد الكثير من الإيمان بحرية تجربة المعاني المختلفة والاختيار والتقدير في أشعار أبو شبكة، وهو ما يقصده "العلاج بالمعنی" لفیکتور فرانکل، فضلاً عن الثقة في أيّ نوع من التجارب الروحية. ألفیت دنیا من فواجعها الوری / علی بابها لوح من الرق اسود / قرأت علیها أحرفاً خطّها اللظی / یروعک منها إثنان: سجن مؤبّد (ابوشبکه، 1999: 224) بالإشارة إلى المبادئ الأساسية لمدرسة فرانكل في كتاب "العلاج بالمعنى"، والتي هي 1- القيام بشيء ذي قيمة 2- تجربة عمل مشرّف3- تحمّل الألم والمعاناة، فنری بوضوح عند دراستنا لأشعار إلیاس أبو شبکة أنّ الشّاعر لايؤمن إيماناً راسخاً بتجربة المعاني الملهمة. قدتسبّبت مجموعة من العوامل الداخلية والبيئية في مزاج بارد ويأس شديد في الشاعر وجعلته يتجنّب العالم وكلّ مظاهره بلا هدف وکما يتجنّب الحياة الملتزمة والمسؤولة. وفقاً للمبادئ الأساسية ﻟ"لعلاج بالمعنى"، فهو لا يسعى إلى القيام بشيء مشرّف ذي قیمة، ولا يريد إنجاز تجربة قيمة و حبّ عظیم فعلی أثر ذلک لا يسعى إلى تحمّل الألم والمعاناة. إنّ تحمل الألم و تقدّسه في مواجهة معاناة العالم هو أحد المبادئ الأكثر وضوحاً والعامل الأكثر عملية في "معنائیة" مدرسة فرانكل. فإن ّكلّ إنسان لديه معرفة كاملة بالعالم داخل وخارج نفسه. تُشیر مؤشّرات أخری من مثل القبول والاحترام والتعاطف مع النفس الإنسانیة حتى في المواقف الصعبة، والمسؤولية الذاتية والإيمان الذاتي بالحقيقة إلی أنّنا مسؤولون عن أفعالنا ويجب أن نكون ملتزمین فیما نفکّر و ننجز. والسلوک هذا هو المصدر النهائي لنجاح الإنسان وسعادته، فیتسنّی له أن يوفّر السلام والسعادة لنفسه وللآخرين بتأكيد الذّات واحترام رغبات الفرد واحتياجاته ومحاولة إيجاد طرق للتعبير عنه بأسالیب مختلفة، وأيضاً بالسّلوك المحترم تجاه الذات عند التعامل مع الآخرين والعيش بطريقة فنيّة وتحمّل المسؤوليّة وتوضيح أهداف وتطلّعات المرء، والقيام بأشياء تساعد على إستكمالها بنجاح. هذه المبادئ والأسس المذكورة هي من التکتیکات المهمة ﻟ"المعنائیة" التي لم تتجلّ في أشعار إلياس أبو شبکة الا ضئیلاً جدّاً لدرجة أنّها لا تظهر.
محمد الفيتوري و "المعنائیة" في شعره ولد محمد الفيتوري شاعر النضال الإفريقي بالسودان عام 1930م لأب سوداني وأم مصرية و هو من کبار شعراء النهضة في السودان. ونشرت "أغاني أفريقیا" سنة 1948م فكانت بداية شهرته. يأتي شعره من ثقافتين أفريقية وعربية. (القاعي، 1414: 45) يمكن رؤية المشاكل والمعاناة في الشعوب العربية في آسيا والشرق الأوسط في قصائد محمد الفیتوري شاعر المقاومة العربية. يقيم الشاعر علاقة عاطفية مع الجمهور بمهارة خاصّة من أجل التعبير عن الأحداث السياسيّة والاجتماعيّة والمظالم بلغة الشعر. شعره مليء بحبّ الوطن واشمئزاز العدوّ، فإضافة إلى تأثّره بالشّعراء العرب قد تأثّر بالشّعراء الغربييّن مثل ماياكوفسكي، بوشكين، رامبو وبابلونرودا وغيرهم. (صالح، 1984: 9-10) یخاطب الشاعر داعیاً النّاس فی الشّرق إلی المقاومة تجاه المحن والبلایا: یا أخي في الشرق في کل سکن / یا اخي في الارض في کل وطن / انا ادعوک فها تعرفني ؟/ یا اخاً اعرفه... رغم المحن / إنّني مزّقت أکفان الدجی / إنّني هدمت جدران الوهن / إن نکن سرنا علی الشوک سنینا / و لقینا من اذاه ما لقینا / ان نکن بتنا عراة جائعینا / إن نکن عشنا حفاة بائسینا / إن تکن قد أوهت الفاس قوانا / فوقفنا نتحدّی الساقطینا / فبنینا لأمانینا سجونا .... (الفيتوري، 1979: 72) نری في الأبیات أنّ الکلمات مثیرة جداً تنبعث عن قلب الشاعر وعاطفته الصادقة تجاه الوطن العربي والشعوب العربیة. یدعو الفیتوري إلی النهوض علی الرغم من کل الآلام والمحن باستخدام مفردات مثل تمزیق أکفان الدجی وجدران الوهن، السیر علی الشوک و البیتوتة جائعاً و العیش حافیاً و عاریاً، والتحدّي والصمود أمام الجور. المبادئ الأساسیة لفیکتور فرانکل في شعر محمد الفیتوري قد يواجه البحث البشري عن المعنى فشلاً، وهو ما يسمّيه "العلاج بالمعنی" فشل الوجود ، وتستخدم كلمة الوجود بثلاث طرق وهي: 1-الوجود نفسه، وخاصّةً حالات الوجود الإنسانیّة 2- معنى الوجود 3- محاولة إيجاد المعنى الحقيقيّ للحياة الشّخصيّة وهو البحث عن المعنى. (فرانكل، 1389: 172) يجب أن يؤخذ بعین الاعتبار أنّ جهد الإنسان في البحث عن المعنى والقيمة الوجودية في الحياة لا يؤدي دائماً إلى التّوازن وقد يسبِّب التوتّر، وهذا التوتّر جزء لايتجزّأ من الصّحة العقلية والنّفسیّة.ولکنّه لا يوجد شيء في العالم يساعد النّاس أكثر من إيجاد معنى لوجودهم في الحياة.
لا توجد قاعدة عامّة أو شعار يمكن من خلالها إیقاظ الشّعور بالمسؤولية والالتزام في شخص أفضل من هذه الطریقة، لأن "المعنائیة" تقود الإنسان أوّلاً إلى أن یعتقد بأنّ الحاضر هو الماضي في الحقیقة، ثم القبول بأنّه لا يزال من الممكن تغيير الماضي وإصلاحه، فتجعله أن يواجه قيود العالم و أحداثه من ناحية والغایة السامیة التی یرمي الیها، من ناحية أخرى. يعتمد أساس معالجة فرانكل للمعنى، بغضّ النظر عن الجوانب الفرعية التي ذکرناها آنفا، على ثلاثة مبادئ مهمة، وهي: القيام بعمل قيّم ونبيل، والخبرة الساميّة والحبّ، وفي المرحلة النهائيّة، فهم حقيقة معاني الألم والمعاناة واعتبارها مقدّسة.كما ورد في القرآن الكريم في الآية 4 من سورة بلد: ﴿لقد خلقنا الإنسان فی کبد﴾ إنجاز العمل النبیل الطريقة الأولی للوصول إلى "المعنائیة" بوجهة نظر فرانکل هي القيام بعمل قيّم و نبیل، وهي طريقة واضحة يتمّ تحقيقها من خلال العمل والنشاط. يحاول الفيتوري لتحقيق عمل عظيم بالتأكيد والإستمرار، فهو يسعى إلى إصلاح الدّول العربيّة في الشّرق الأوسط وشمال إفریقیّا خاصّة، حتى تعيش شعوب هذه الأراضي بكرامة ومجد ولا تحت نير الاستعمار والاستبداد. يرى الشاعرُ مانديلا كرمز للكرامة والحريّة ويطالب بطريقته الحكيمة: ساکن ابداً فی طقوسک مثل اله قدیم / یرصّعه ذهب الشّمس / کیف یکون جلال الشّهادة/ ان لم تکن أنت / تولد في الموت . تکبر في الموت . انت سجین هناک/ اغرقتني في إکتمالک / ماندیلا ، ماندیلا (الفیتوری، ۱۳۷۹: ۷۴) يعتقد محمد الفيتوري أنّه بالإصرار والمثابرة و الإستمرار، يمكن للمرء أن يتغلّب على قمم الكرامة العالية ويقف موقفاً وقف مانديلا. ما یهدفه الشاعر محدّد وواضح، والقدوة هذه تجعل الفيتوري أقوى وکما تجعل منه شخصيّة مسؤولة وملتزمة. يعتمد هذا الالتزام والمسؤولية على المعنى المركزي المشار الیه، کما یخضع لخطة فرانكل المنهجية. يستخدم الفيتوري في إنجاز ذلک الهدف النبیل، سلاحه وهو الشّعر والكلام، ويتصدّى عن قصد وثبات للظّلمة والارتباکات النفسیّة، وينشد الشعر بمسؤوليّة والتزام.إنّ الشّعر عنده وسيلة و فنّ أیضاً فی نفس الوقت: صناعتي الکلام / سیفي قلمي /و کلّ ثروتي شعور و نغم / لستُ وَاحداً مِن أنْبيَاء العَصر /...صناعتي الکلام / قد أجيدُ تَارَهْ ...وقد أخطئُ تَارَهْ (الفیتوری، ۱۹۷۰: 7) يعتبر الفيتوري أرض إفريقيّا مقدّسة في مواجهة الاستعمار ويعتبرها تراثًا قيّماً يجب تسليمه إلى الأجيال القادمة، وهذا هو الالتزام الذي يراه على عاتقه. إنّه يدعو الأمة إلى الثورة، لأنّ الأمم يمكنها أن تقرّر مصيرها.یری الشاعر أنّ أفريقيّا ينتمي لشعوب هذه الأرض وأناسها. افریقیا / افریقیا النائیة / یا وطنی ...یا ارض اجدادیة / انی انادیک / ألم تسمعی صراخ آلامی و احقادیة (الفیتوری، 1967: 26) وینشد أیضاً: الملایینُ أفاقَت من کراها / ما تَراها مَلَأ الأفقَ صداها / خرجت تبحث عن تاریخها / بعد أن تاهت عن الارض و تاها / حَمَلَت أفؤسَها وانحدرت / من روابیها و أغوارِ قُراها / فَانظُرِ الإصرارَ فی أعیُنها / و صیاحَ البَعثِ یَجتاحُ الجِباها / یا اخي في کل ارض وجمت / شفتاها واکفهرّت مقلتاها / انطلق فوق ضحاها و مساها / یا اخی قد اصبح الشعب الها / قُم تَحَرّر من توابیتِ الأسی / لَستَ أُعجوبَتَها أو مومیاها... (المصدر نفسه: 35)
یفیض الالتزام التّحفيزيّ بأفريقيّا في شعر محمّد الفيتوري. هذا هو نفس الإحساس القوي والدّافع البنّاء الّذينِ ذكرهما فيكتور فرانكل كمبدأ ﻟ"العلاج بالمعنى". يمكن أن يكون هذا المبدأ التحفيزيّ منقذاً لروح الإنسان وجسده فيجعل حياته مليئة بالدّوافع والقوّة والسّلطة بدلاً من الیأس والفراغ. الحبّ الأسمى الطريقة الثانية للعثور على معنى الحياة هي من خلال التجارب القيّمة مثل التعامل مع عجائب الطّبيعة أو الثّقافة أو إدراک موضوع يسمّى الحبّ. الحبّ هو السبيل الوحيد للوصول إلى أعماق إنسان آخر. لا أحد لديه القدرة على فهمها بشكل كامل إلا من خلال الحبّ الجوهري بالنّسبة إلی إنسان آخر أو مخلوقات أخری في کشف و ازدهار نفسه فی نفوس الآخرین و رؤیة جوهره فی الأشیاء الأخری. فإنّه الجانب الروحي للحبّ الذي يساعدنا في اکتشاف السمات الرئيسيّة والخصائص الحقيقيّة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحبيب، بقوّة الحبّ، إدراك مواهبه وتحقيقه، و هذا مانراه کثیراً جدّاً فی أشعار الشّعراء الإیرانیین مثل حافظ الشّیرازی و مولانا جلال الدّین الرومي وغیرهم. لا شكّ في أنّ محمد الفيتوري يستخدم الحبّ بكلّ معانيه ومظاهره كهدف لكبح الروح الشاردة للإنسان وكطريقة للتعبير عن مشاعره الدّاخلية ومواجهة الظلم، وتکون هذه الحالات کلّها ممارسة قيّمة تقوم على"المعنائیة" في إطار نظریة فرانکل في کتابه "العلاج بالمعنی". ینشد الفیتوری: لستُ واحداً من أنبياء العصر /...لكنَّ لي هوىً يكبرُ كلَّما أكبُرْ /لا أمنحْه مرةً لملك مُتوَّجٍ /وَلا أمرِّغ وَجنَتيه فوق أعتاب صنم /صناعتي الكلام /قد أجيدُ تارَة ...وقد أخطئُ تارة (الفیتوری، 1979: 7 ) فینشد أیضاً: صوتُک هذا / إنّنی أکاد أن المسه / اکاد أن أنشقّ فی غصونه / صوتُک یا إفریقیّا / هذا الذي یهزّنی هزّ الأعاصیر صداه / أحّبه ....و هوانفعال / و دم یغلی / أحبّه ...و هو بریق أعین / تشنجّت فیها إرادة الحیاة / أحبّه ...و هو خطی عاریة / صوتک یا افریقیّا / صوت الاله (المصدر نفسه : 142-143) یعدّ الحبّ من المبادئ المرکزیّة والبنّاءة للنّفس في"المعنائیة" أو "العلاج بالمعنى" وهو الذی تحرّر الشّخص من نفسه، فيمكن أن یتجلّی الحبّ في النّاس والبلد والدّين وأيّ شيء آخر. يمكن لهذا الحبّ المحفّز والمتسلّل أن يقود الإنسان إلى ذروة السلطة الروحيّة والمعنائیّة. وكما عبّر عنها العبقريّ الإيرانيّ مولانا جلال الدین الروميّ شاعر الحبّ والعرفان بشكل جميل للغاية: حیلت رها کن عاشقا دیوانه شو دیوانه شو و اندر دل آتش درآ پروانه شو پروانه شو هم خویش را بیگانه کن هم خانه را ویرانه کن وآنگه بیا با عاشقان هم خانه شو هم خانه شو باید که جمله جان شوی تا لایق جانان شوی گر سوی مستان میروی مستانه شو مستانه شو (مولانا، 1381: غزل 2133) یدعو مولانا الرومي في هذه الأبیات إلی الغرق في الحبّ و الوصول الی الجنون کفراشة ترمي بنفسه في النار لتحترق و تهلک حتی تری الحب ّو المحبوب.یعتقد الرومي أنّه یجب علی الإنسان أن یبتعد عن نفسه و ینساها حتی یدرک الحبّ الحقیقي. وأمّا الفيتوري فحبّه لوطنه فريد جداً. إنّ حبّ الوطن والإيمان به من أهم خصائص شعر الفيتوري، وأفريقيا هي مركز هذه الوطنية التي تقع محوراً خالداً لشعره. انا لا أملک شیئاً غیر ایماني بشعبي / و بتاریخ بلادي / و بلادي ارض افریقیا البعیدة / هذه الارض التي احملها ملء دمائي / والتي انشقها ملء الهواء / و التي اعبدها في کبریاء (الفیتوري، 1972: 58) یشتمل جزء کبیر من دیوان الفیتوري علی الحب للوطن وحبّ أرض أفريقيا، فقد أنشد قصائد کثیرة مثل "من أغاني إفریقیا" و "طفل الحجارة" عن أرض فلسطين و "التراب المقدس" و قصيدة "هوانا" والعديد من القصائد الأخرى و هي تدلّ علی حبّه العميق تجاه الناس خاصة الشعب العربي. هذا الحبّ مثل جسر يقوده من دهشة عالم الشعر إلى الازدهار والالتزام الهادف في قصائده. إنّ الحياة الهادفة والقائمة على المعنى والحب هي إحدی المبادئ الأساسية ﻟ"لعلاج بالمعنى" في مدرسة فرانكل. حرمة المعاناة عندما يواجه الشخص موقفاً صعباً لا مفرّ منه، أو يواجه مصيراً لايتغيّر، مثل مرض عضال أو بعض أنواع السرطان مثلاً، یجد فرصة للوصول إلى أعلى القيم وأعمق المعاني للحياة، وهذا هو تحقّق معنی المعاناة عنده. المعاناة هي أفضل مؤشّر لقيمة الوجود البشري. فإنّ الطریقة التي ينظر بها الشخص إلى المعاناة أو الطريقة التي يتحمّل بها هذه المعاناة مهمة للغایة. يعتقد عدة أخری من العلماء أيضاً أنّ معنى الحياة هو النضال للوصول إلى حد الكمال. (آدلر، 1919: 41) بالنظر إلى أنّ الحیاة تمضي، فإن "العلاج بالمعنی" يدعو الناس إلى الجهد والنشاط بدلاً من الإنعزال. فشیر الفیتوري الیه: ضع أقنعة الآلهة علی وجهک / و تحدّ القهر / اصلب عینک / اصلب شفتیک / اصلب رأسک / اصلب شمسک / لا تتعذّب ...لا تتألّم / أمضغ أحزانک و تبسّم (فیتوری، 1979، م1: 412) یعتبر الفيتوري الصليب رمزًا للاستقرار والبطولة، والموت في طريق الحرية والوطن مصدر خلود: فقير أجلْ ...ودميم دميم / بلونِ الشتاء،بلون الغُيُوم / يسير فتسخر منه الوجوه / فيحمل آلامه في جمود / ويحضنُ أحزانه في وجوم / ولكنّه أبداً حالم وفي قلبه يقظات النجوم /فقير ..فوجه كأنّي به دخان تكثّفَ ثمّ التحمْ / وعينان فيه كأرجوحتين / مثقّلتين بريح الألم (الفيتوري، 1979: 17) إنّ الفيتوري شاعر ملتزم على الرغم من وفور عنصر الخیال فلا ينأى بنفسه عن المعتقدات الدينية،وهو یخدم القرآن الكريم ويعتمد كثيراً على هذا الدعم القوي ويأمل في الإصلاح في المواقف الصعبة جداً ویری نفسه مسئولاً أمام الناس، کما يشير فيكتور فرانكل في كتابه "الإنسان نحو المعنائیة" مراراً وتكراراً إلى هذا الشعور بالالتزام والمسؤولية كمبدأ لإنقاذ الروح. فيتذكر الفيتوري المعاناة التي تحمّلها في الماضي في طريقه إلى الحرية، فيدعو الناس إلى النهوض بصوت عالٍ. يعتبر الشاعر كل الآلام والمعاناة في طريق حرية الوطن وإزالة الشرور حلواً و خلاباً: إن نَكن سِرنا علی الشّوك سنينا... /إن نكن عشنا حفاة جائعينا/...إن تَكن أوهَنتِ الفأسُ قُوانا /فوَقفنا نتَحدّى الظّالمينا... /فبَنَينا لِأمانينا سُجونا /...وملأنا كأسه من دمنا /فتساقانا جراحاً وأنينا /وجعلنا حجر القصر رؤوسا /ونقشناه جفوناً وعيونا /فلقد ثُرنا علی أنفُسِنا /ومحَونا وَصمة الذِّلَّة فينا (المصدر نفسه: 73) فإنّ العديد من الدوافع مثل الدين والتركيز على الله، والوطنية ومناهضة الاستعمار، والقضايا الفلسطينية وخاصةً مصائب أفريقيا، هي رموز تُقدّس آلام الفيتوري ومعاناته. وبهذا النوع من التفكير يحبّ الألم ويعتبره مصدر فخر واعتزاز. (الفيتوري، 1970: 8) يعتبر فرانكل تحمل الألم والمعاناة أهم مبدأ للمعنى. إنه يعتقد أنّنا إذا وجدنا سبباً روحياً أو دنيوياً لعذاب العالم، بصرف النظر عن الحقيقة، فإّن هذا الفهم الروحي يسبّب الالتزام والمسؤولية و يسهّل أيضاً تحمل الألم والمعاناة بما لها من معنىً وهدف يؤدي إلى الخلاص والقيام بشيء عظيم و نبیل. فإن فهم طبيعة المعاناة هو الذي يداعب الروح البشرية ويكون مهدئاً وليس مزعجاً لها. وهذا فرق واضح بين نوعين من التفكير وفلسفة الحياة؛ تفكير لا یری غایة لمعاناة الإنسان ويؤدي إلى الفراغ والانعزالية، ومن ناحية أخرى تفكير آخر يعتمد على الهدف العالي لكل عمل فيعتبر المعاناة في سبیله مقدسة وصالحة. النتیجة وختاماً یمکن استخلاص النتائج أدناه: یبحث فیکتور فرانكل وعدد کبیر من المفكّرين مثل أدلر، ماسلو، شولتز والآخرین بمبادئهم وتكتيكاتهم في العصر الحدیث، حيث تعاني البشریة من الفراغ الوجودي، عن المعنى كقوة دافعة للبشر خلافاً لمبدأ أصالة المتعة في فكرة فرويد، وبالتالي، فإنّ دلالات "المعنائیة" متجذّرة في تاريخ الفكر الإنساني وما تبلورت في الأدب والشعر. تتأثر"المعنائیة"، إضافةً إلی الاعتماد على طبيعة الإنسان وفطرته، بالعوامل الخارجية مثل أحداث الحياة سعیدة کانت أم لا. فنری أنّ دراسة الأعمال التي تركها إلياس أبوشبکة ومحمد الفيتوري و هما من الشعراء الکبار في الأدب المعاصر، أظهرت الازدواجية والاختلاف الواضح في نظرتهما الی الدنیا وفلسفة الحياة، فتبلورت الأبعاد النفسیة (السیکولوجیة) والاجتماعیة (السوسیولوجیة) ﻟ"معنائیة" فیکتور فرانکل في دراسة مقارنة لأشعارهما. تُبيّن دراسة قصائد إلياس أبوشبکة أنّ الشاعر قد تأثّر بأحداث مريرة في حياته، ولجأ إلى الدنيوية الشديدة واقترب من الفراغ الوجداني والعدمية. فللحياة وأحداثها دور أساسي في الالتزام بالمعنى وکذلک بلورة هذا الالتزام في إنتاجات الأدباء و الشعراء. فنری أنّه تتجلّی وجهات نظر ویکتور فرانکل في کتابه "العلاج بالمعنی" وهي التي تقوم علی اكتشاف المعنى بثلاث طرق هي: القيام بعمل نبیل و تجربة "قيمة"سامیة وتقدّس المعاناة وحرمة الألم، في أشعار الفيتوري. فالشاعر يعتمد على المثل العليا وهي نقطة البدء في بناء المحتوى الداخليّ للبشريّة جمعاء، ويحارب الظلم ويحبّ أرض إفريقيّا، کما أنّه يعتبر المعاناة في حیاته و حیاة الشعب العربي مقدّسة. یلوح هذا الحب و هذه المعاناة و الألم في جميع أنحاء قصائده. وأمّا ابو شبکة فيفتقر شعره إلى الحبّ والهدف النبیل والمعاناة المقدسة کمبادئ أساسية ﻟ"المعنائیة". یمتلئ شعره بالشعور بالوحدة و الیأس الذینِ یصوّران جمیع جوانب الوجود الإنساني نحو الهدم والدمار، ولکنّنا نری أنّ الفیتوري في شعره یتجنّب عن مخاطر العبثیة، بخلطه بین حرمة المعاناة و الحبّ و الغایة السامیة و الالتزام الإنساني، فیحقّق تجربة إلهام المعاني بالجمع بین الأمل والمعنی. فإنّ التاکید علی محوریة النفس و المسئولیة الذاتیة و الاعتزاز بالنفس وتبجیلها مع کل المبادئ المشارة الیها هي التي بانعکاسها في الأدب و الشعر و کل الأعمال الفنیة، تجلب الرضا و السکینة للشخص و للآخرین،فإتّصف معظم قصائد محمد الفیتوري بهذه الأسس، بينما لم تظهر هذه المبادئ في شعر أبو شبكة. فمن الأبعاد العديدة التي تؤثر على سلوك الإنسان، يظهر بوضوح دور الأبعاد النفسية والاجتماعية والبيئية في أعمال هذين الشاعرين.
| ||
مراجع | ||
الف.العربیة القرآن الکریم ابوشبکه، الیاس. (1999م). الاعمال الشعریة الکاملة. بیروت: دار العودة. الباوی، محمد المحمود. (2004م). عمالقة الادب العربی المعاصر. بیروت: دار الأرقم. بقاعی، ایمان. (1414ق). الفیتوری، الضائع الذی وجد نفسه. بیروت: دار المکتب العلمیة. سابایارد، نازک. (1969م). الیاس ابوشبکة قلب سال شعراً. بیروت: بیت الحکمة. شرارة، عبد اللطیف. (1982م). الیاس ابو شبکة. بیروت: دار بیروت. صالح، نجیب. (1984م). محمد الفیتوری و المرایا الدائریة. ط1. بیروت: الدار العربیة للموسوعات. عبود، ولید ندیم. (1998م). الیاس ابو شبکة، المجموعة الکاملة في الشعر. مصر: لانا. الفاخوری، حنا. (1427ق). الجامع فی تاریخ الادب العربی. قم: انتشارات ذوی القربی. الفیتوری، محمد. (1972م). الاعمال الکاملة. مصر: مطبعة الهیئة المصریة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (1979م). دیوان. ج1و2. بیروت: دار العودة. موسی، منیف. (1976م). محمد الفیتوری شاعر الحس و الوطنیة و الحبّ. بیروت: دار الفکر العربی. ب. الفارسیة شولتس، دوان. (1361ش). روانشناسی کمال و الگوهای شخصیت سالم. ترجمه گیتی خوشدل. طهران: نو للنشر. فرانکل، ویکتور. (1389ش). انسان در جست و جوی معنی (الإنسان فی طلب المعنی). ترجمة مهین میلانی -نهضت صالحیان. ط23. طهران: درسا للنشر. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (1366ش). پزشک و روح (الطبیب و النفس). ترجمة فرخ سیف بهزاد. طهران: ویس للنشر. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (1388ش). فریاد ناشنیده برای معنی، روان درمانی و انسان گرایی (صرخة غير مسموعة للمعنى، العلاج النفسي والإنسانية). ترجمة مصطفی تبریزی و علی علوی نیا. طهران: فراروان للنشر. مولانا، جلال الدین. (1381ش). کلیات شمس تبریزی. ط3. طهران: سنایی للنشر. ج.الإنجلیزیة
Adler, Alfred. (1919). Problem of neurosis Kegan paul. London: New haven .yale university press. Mazlow . A . H. (1971). self-Aktualization and Beyend in challenjes of Humanistic Psychology New York. Megrow Hill. P. 281. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 388 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 63 |