تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 9,997 |
تعداد مقالات | 83,560 |
تعداد مشاهده مقاله | 77,801,396 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 54,843,990 |
التناص في رواية حرب الكلب الثانية لإبراهيم نصر الله دراسة سيميائية وفق منهج غريماس | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
دوره 13، شماره 50، شهریور 2023، صفحه 109-141 اصل مقاله (671.1 K) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
علاء حموزی1؛ رضا ناظمیان* 2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1طالب دکتوراه في اللغة العربية وآدابها، جامعة العلامة الطباطبائي، طهران، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2أستاذ اللغة العربية وآدابها ، جامعة العلامة الطباطبائي ، طهران ، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إن المنهج السيميائي العاملي لغريماس يركز على العلاقات بين العوامل في النص لتحديد أطراف الصراع وما يساعدها وما يعارضها والدوافع المحفزة لنشوء الصراع والتنقيب عن دلالاته في البنى العميقة للنص. لقد استشرف الروائي إبراهيم نصرالله الخطر المستقبلي على مصير الإنسان في صراعه مع من يشابهه فضلا عمن يخالفه في روايته "حرب الكلب الثانية" واستخدم الكثير من الأساليب التجريبية وتقنياتها لتصوير الحروب المختلفة في الرواية والتناص إحدى التقنيات التي وظفها الكاتب مواكبا الصراع البشري المستمر على مر التاريخ. فجاءت هذه الدراسة بمنهج وصفي تحليلي معتمدة المنهج السيميائي وفق نظرية العوامل لغريماس للكشف عن أشكال التناص الديني والأدبي في الرواية وكيفية توظيف الكاتب لهما وإنتاج الدلالة السيميائية وبيان مواطن الابتكار في المعالجة وتطبيق آليات اشتغال النموذج العاملي والمربع السيميائي في تحليل التعالق السيميائي. ومن نتائج الدراسة أن التناص كان مضمونيا حواريا خارجيا وداخليا معلنا ومخفيا بأسلوب وتقنية ومعالجة جديدة مبالغة في العنف والتوحش. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
التناص؛ إبراهيم نصرالله؛ حرب الكلب الثانية؛ السيميائية؛ غريماس | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
تتضمن الآثار الأدبية بنى سردية ودلالية ترتبط بعلاقات نصية متشعبة مع آثار سابقة ويتقصى المتلقي جملة هذه العلاقات النصية محاولا فهم النص الجديد وتدارك المعاني والدلالات المتوزعة بين النص والنصوص المتعلقة معه. إن فعل المؤلف باستحضار تشكيلة رمزية من نص غائب وتوظيفها في نص جديد يحث المتلقي على مقارنة دلالات الرموز بين النصين وحسب مخزونه الثقافي فيؤولها لتصله رسالة الكاتب وأفكاره وربما يبتكر دلالات جديدة ما وعاها الكاتب في نصه. أما الناقد فيقتضي منه الوقوف على البنى الدلالية للنص الغائب والحاضر على السواء والكشف عن آليات اشتغال العوامل في كليهما. إن المنهج السيميائي العاملي لغريماس يركز على العلاقات بين تلك العوامل في النص لتحديد أطراف الصراع وما يساعدها وما يعارضها والدوافع المحفزة لنشوء الصراع وديناميته المستمرة والتنقيب عن دلالات البنى العميقة للصراع. لقد استشرف الروائي إبراهيم نصرالله الخطر المستقبلي على مصير الإنسان في صراعه مع من يشابهه فضلا عمن يخالفه في روايته "حرب الكلب الثانية" والحائزة على جائزة البوكر العربية 2018م واستخدم الكاتب الكثير من الأساليب التجريبية وتقنياتها لتصوير الحروب المختلفة في الرواية. وكان التناص إحدى التقنيات التي وظفها الكاتب لمواكبة الصراع البشري المستمر على مر التاريخ ليجسد الكاتب الأفكار التي جاء بها في متن الرواية وتساؤلاته عما يريده الإنسان ورفضه للآخر المخالف والمشابه وتكراره للأخطاء على مر التاريخ. فجاءت هذه الدراسة بمنهج وصفي تحليلي معتمدة المنهج السيميائي وفق نظرية العوامل لغريماس للكشف عن كيفية توظيف الكاتب للتناص القرآني والأدبي لإنتاج الدلالة السيميائية وعن تجليات الإبداع في هذا التوظيف بالاستعانة بالنموذج العاملي والمربع السيميائي واشتغالهما في تحليل التعلق السيميائي بين بنيات سردية منتخبة من الرواية مع قصة ابني آدم على المستوى الديني ومسرحية "القاعدة والإستثناء" للكاتب بريخت على المستوى الأدبي. أهمية البحث إن هناك ندرة في دراسة التناص سيميائيا في روايات الكاتب إبراهيم نصر الله وفي رواية حرب الكلب الثانية على وجه الخصوص والحائزة على جائزة البوكر العربية. فأتى هذا البحث لدراسة التناص فيها وفق المنهج العاملي لغريماس ليكون خطوة في طريق التأويل لهذه الرواية. أهداف البحث دراسة كيفية تأثر الروائي إبراهيم نصرالله بالنصوص الدينية والأدبية الغائبة وكيفية توظيفها سيميائيا في النص الجديد. ودراسة الإضافات الإبداعية التي ابتكرها الكاتب لإيصال مضمون رسالته الاستشرافية التحذيرية للمتلقي. أسئلة البحث 1-ما شكل التناص الديني في الرواية؟ وكيف وظفت عوامله الرمزية بين القصة القرآنية والرواية؟ وما الدلالات السيميائية للبنية العميقة فيه؟ وأين الابتكار في ذلك؟ 2-ما شكل التناص الأدبي في الرواية؟ وكيف وظفت عوامله الرمزية بين المسرحية البريختية والرواية؟ وما الدلالات السيميائية للبنية العميقة فيه؟ وأين الابتكار في ذلك؟ خلفية البحث لقد تعددت الدراسات حول هذه الرواية ولكن سنذكر منها ما اتبع المنهج السيميائي في البحث والدراسات المقارنة للرواية مع روايات من الأدب الغربي والعربي لما له من تقارب مع موضوع التناص:
المنهج السيميائي لدى غريماس السيمياء هو العلم الذي يدرس العلامات ويمكن أن «تعرف السيمياء غالبا على أنها دراسة الإشارات والمشتقة من جذر يوناني هو semeion ويعني العلامة ودراسة الشفرات أي الأنظمة التي تمكن الكائنات البشرية من فهم بعض الأحداث أو الوحدات بوصفها علامات تحمل معنى.» (شولز، 1994م: 13-14) لقد عرفت مدرسة باريس السيميائية والتي تضم غريماس و أريفي وغيرهم السيميائية بشكل مختلف فهدفت لتأسيس نظرية عامة لأنظمة الدلالة. إن السيمياء السردية أخذت على عاتقها دراسة كل ما ينضوي من أنظمة العلامات فيما يختص بالسرد. وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنموذج اللساني البنيوي الذي أرسى دعائمه دي سوسير فقد استفادت السيمياء من المبحث اللساني البنيوي واستقت منه آليات ومفاهيم نقدية تعد بمثابة مرتكزات أساسية يقوم عليها المبحث السيميائي الحديث ولاسيما "سيميوطيقا الدلالة" التي تندرج في اطارها أبحاث رولان بارت العلاماتية. ومن المرجعيات التي استندت عليها السيميائية: الفكر اليوناني عند ارسطو وافلاطون والرواقيين وعلى التراث الإسلامي كالمتصوفة ونقاد البلاغة والأدب مثل الجاحظ وعلى الفكر الفلسفي والمنطقي والتداولي عند بيرس وراسل وغيرهم وعلى اللسانيات البنيوية والتداولية والتحويلية وعلى الشكلانية الروسية عند بروب وعلى فلسفة الأشكال الرمزية التواصلية في الدين والأسطورة والفن والعلم والتاريخ (حمداوي، 2011م: 37-41) ونخص بالذكر بروب. فقد «وجدت السيميائيات الفرنسية في مؤلف بروب نموذجا يسمح لها بفهم أفضل للمبادئ المنظمة للسرد.» (غريماس، 1991م: 183) فلقد ركز غريماس على التقابلات في الحياة والتي تولد الدلالة «فالسردية قائمة في تصور غريماس على نموذج منطقي سابق في الوجود على ما يقوله النص من خلال أحداثه من قبيل محاور دلالية تتحدد من خلال تقابلاته لا من خلال مضامينها الإيجابية ولهذا لا يشكل هذا النموذج سوى بنية دلالية صغيرة ستتحول وتتسرد على اثر تدخل ذات الخطاب من خلال عناصر مشخصة ومؤنسنة إلى كائنات تتحرك ضمن فضاء ثقافي قابل للإدراك.» (هامون، 2013م: 19) وان هذه البنية الأولية للدلالة هي من اهم مرتكزات السيمياء السردية وتقوم على علاقات تجسد التطور الدلالي في النص «وتعود المفاهيم الإجرائية التي أسهمت في تشييد هذا المكون إلى رومان جاكبسون،...، لقد حضرت الاثنانية في البناء العمودي للبنية الأولية في حين إن العلائق الأخرى وبخاصة التقابل الحرماني أي الحضور\الغياب قد شكلت علاقة نفي على محور التناقض. لقد مثل استثمار هذه المقولات نوعا من الانتقال من المفهوم اللساني إلى النمذجة العامة على مستوى السيميائيات.» (غريماس، 2018م: 9) النموذج العاملي
إن القوى المحركة للبنية السردية تشكل عوامل مؤثرة ومتأثرة لتبني مظهرا سطحيا يحمل في طياته العميقة الدلالات السابقة لولادة النص حيث «تتكون البنية العاملية عند غريماس من ستة عوامل رئيسية هي: المرسل والمرسل إليه على مستوى التواصل وذات وموضوع على مستوى الرغبة ومساعد ومعاكس على مستوى الصراع. ويمكن أن يكون المرسل شخصا أو جمادا أو حيوانا أو فكرة مجردة. وبالتالي ينبغي التعامل مع العامل سيميائيا من خلال منطق نحوي أصولي يتكون من مسند وفاعل ومفعول به أي: من وظيفة وذات وموضوع (حمداوي، 2011م: 125) وليس من الضروري أن يطابق العامل ما يمثله. بل حتى «يمكن لعامل واحد أن يكون ممثلا في الحكي بممثلين أو اكثر كما إن ممثلا واحدا يمكن أن يقوم بأدوار عاملية متعددة.» (لحمداني، 1991م: 37) فإن النموذج العاملي لغريماس «هو بنية العلاقات الحاصلة بين العوامل وان السرد هو كل دال لأنه يمكن استيعابه طبقا لهذه البنية.» (برنس، 2003م: 9) وكذلك «يعرفه العجيمي على انه نظام خاضع لعلاقات قارة بين العوامل ومن حيث هو صيرورة قائمة على تحولات متتالية ذلك إن السرد ينبني على التراوح بين الاستقرار والحركة والثبات والتحول في آن.» (بوعذار، 1401ـ ش: 28) ويمكن تمثيل النموذج العاملي بالمخطط التالي:
المربع السيميائي كان هم النقاد والعلماء وما زال هو إيجاد أطر ونماذج عامة تحاكي البنية السردية والدلالية و«يعد غريماس من السيميائيين الذين اهتموا كثيرا بالأشكال الداخلية لدلالات النصوص خاصة وان هذه الأخيرة عبارة عن كيانات دلالية قائمة بذاتها لا تحتاج إلى معلومات خارجة عنها لذلك فقد رأى أن الدراسة التحليلية الدقيقة للنص إنما تتم من خلال مستويين هما المستوى السطحي والمستوى العميق الذي نحدده من خلال البنيات العميقة. وكما يرى غريماس أن المعنى يقوم على أساس اختلافي وبالتالي فتحديده لا يتم إلا بمقابلته بضده وفق علاقة ثنائية متقابلة وقد صاغ غريماس أفكاره هذه من خلال ما أسماه بالمربع السيميائي.» (الأحمر، 2010م: 229) حيث «تمثل البنية الأولية للدلالة مفهوما إجرائيا يبرز انبثاق المعنى غير أنها تسمح أيضا بإنجاز نوع من النمذجة للمحكيات وإن الانطلاق من بنية تعاقدية معينة على مستوى المربع السيميائي يسمح باستنباط وضعيات سردية،...، إن الإسهام الميتودولوجي للمربع السيميائي يسعف في استيضاح عملية تسريد العلاقات المنطقية الموجهة على مستوى المربع السيميائي.» (غريماس، 2018م: 9-10) إن التناقضات والتقابلات تحكم تأويل سيميائية السرد في بنياته الكلية والجزئية عبر علاقات التضاد والتناقض والاقتضاء. حيث أن «المربع السيميائي هي احدى التقنيات التحليلية التي تسعى إلى إظهار التقابلات ونقاط التقاطع بينها في النصوص والممارسات الاجتماعية. وقد صاغه غريماس وجعله وسيلة لتحليل المفاهيم السيميائية المزدوجة بعمق أكبر. فيضع خارطة للوصل والفصل بين السمات الدلالية في النص.» (تشاندلر، 2008م: 186) وليس بالضرورة أن تؤدي الممارسة النقدية السيميائية للوقوف على مكامن الدلالة التي يقصدها الروائي في النص السردي. حيث «لا يدعي الروائي تقديم دلالة جديدة سيكتشفها بل البحث عن دلالة هي بعد مجهولة لديه.» (غرييه، 2018م: 46) بل ربما تقوم الأبحاث على تقديم دلالات جديدة تلحق بالعمل الأدبي وتضيف له أبعادا أعمق في الفضاء السيميائي. فالواقع المحسوس لدينا يخالف الواقع لدى الروائي «فالواقع بالنسبة للروائي هو ما تعجر الأشكال التعبيرية المألوفة والمستهلكة عن التقاطه، مستلزما طرائق وأشكالا جديدة ليكشف عن نفسه.» (فضل، 1995م: 214) ويمكن تمثيل المربع السيميائي بالمخطط التالي:
مفهوم التناص ورد في لسان العرب لابن منظور «نص الحديث ينصه نصا: رفعه. وكل ما أظهر فقد نص. ونص المتاع نصا: جعل بعضه على بعض.» (ابن منظور، 1363ش: ج7: 97) أي التزاحم. «يرتبط مفهوم التناص السيميائي الذي استحدثته جوليا كريستيفا بالدرجة الأولى بمنظري ما بعد الحداثة. تتحدث كريستيفا عن النصوص باعتبارها تتضمن محورين: الأول أفقي يربط بين مؤلف النص وقارئه والثاني عمودي يربط بين النص والنصوص الأخرى. ويجمع بين المحورين شفرات مشتركة ويستند كل نص وكل قراءة إلى شيفرات معروفة مسبقا.» (تشاندلر، 2008م: 331-332) وإن للتناص وظيفة جمالية أيضا حيث انه يكسي النص الأدبي رونقا ثقافيا وربما عالميا حينما يوظف إبداعيا. بالاعتماد على قدرة الأديب في الإفادة من النصوص الغائبة السابقة وإعادة توظيفها بحلة جديدة في سياق مناسب منسجم مع النص الأصلي فتؤدي دورا جوهريا أو مساعدا ليخدم مجرى العملية السردية. إن هناك استيعابا متزايدا للتناص في النظرية الأدبية وفي نظريات الإنتاج وإعادة الإنتاج الثقافي والفني والتكنولوجي. يذكرنا التناص بأن كل النصوص هي ربما تعددية وقابلة للقلب ومفتوحة أمام افتراضات القارئ الخاصة. فالتناص مصطلح يشير باستمرار إلى استحالة التفرد والوحدة (ألان، 2011م: 281) وهو نافذة منفتحة ومستقبلة لنصوص وثقافات أخر تتفاعل مع نسيج الدلالة والسياق. وهو ازدحام النص مع نصوص أخرى. وظهر مصطلح التناص على يد الناقدة الفرنسية والبلغارية الأصل "جوليا كريستيفا" سنة 1966م في كتابيها "السيمياء" و"نص الرواية" حيث قالت إن التناص هو التفاعل النصي في نص بعينه ويمارسه الكاتب واعيا أو غير واع كما إن القراءة تثير لدى المتلقي خبراته وذكرياته ومعلوماته السابقة. ولكن الشكلاني الروسي ميخائيل باختين قد تكلم عن التناص قبلها دون ذكر المصطلح فسماه بالحوارية والتعدد الصوتي في كتابه "فلسفة اللغة". فالتناص حوار بين النص وكاتبه بما يحمله الكبت من خبرات سابقة. كما انه حوار بين النص ومتلقيه بما يملكه الأخير من معلومات سابقة. ثم سارع كتاب لتبني هذا المصطلح مثل (تودوروف، ريفاتير، جيرار جينيت،...الخ). وقام "فان ديك" باستبدال البنية العميقة بمصطلح البنية الكبرى. وهناك الكثير من المصطلحات المقاربة للتناص في البلاغة العربية ومنها: الاستيحاء، والإشارة، والتلميح، والتضمين، والاقتباس،...إلخ. (السمري، 2011م: 375-379) يمكن تقسيم التناص بناء على المصادر التي يستقي النص الجديد منها فهناك التناص الأدبي و«هو تداخل النص مع نصوص أدبية سواء كانت للكاتب نفسه أو لأدباء آخرين مزامنين أو سابقين له ينتمون إلى ثقافته أو لا ينتمون لهذه الثقافة.» (المطيري، 2021م: 102) وهناك التناص الديني ويعني «استحضار الشاعر بعض القصص أو الإشارات التراثية الدينية وتوظيفها في سياقات القصيدة لتعميق رؤية معاصرة يراها في الموضوع الذي يطرحه أو القضية التي يعالجها.» (الزعبي، 2000م: 131) ويمكن تصنيف التناص إلى مباشر وهو امتصاص واع وتحويل لنصوص متداخلة ومتفاعلة وغير مباشر وهو استنتاج أفكار معينة من النص المتداخل ويرمز إليها في النص الجديد. ويقسم البعض التناص إلى إيجابي وسلبي. فالإيجابي ينتج أفكارا قديمة وبأسلوب جديد وأما السلبي فهو كالصدى المكرر للنص السابق. وهناك قوانين للتناص تحدد العلاقة بين النص الغائب والحاضر فالاجترار هو تمجيد للنص السابق بوعي سكوني يفتقر للإبداع. والامتصاص هو اعلى مرتبة من الاجترار ويقر الأديب بأهمية امتصاص النص السابق واستمراره المتجدد. أما الحوار فهو الأعلى مرتبة حيث يتفاعل النص الغائب مع الحاضر في الوعي واللاوعي. (السمري، 2011م: 380- 382) التحليل السيميائي للتناص في رواية حرب الكلب الثانية إن للقارئ حضورا فاعلا في تحديد سيميائية البنية الكلية للنص السردي فضلا عن سيميائية البنى الجزئية وتبادلية الأدوار بينهما. فجمالية التلقي تختلف من قارئ لآخر والخلفية الفكرية والثقافية والاجتماعية متفاوتة بطبيعة الحال. أما عن رؤية النقاد فهي رهن للمناهج النقدية التي يتبعونها في التحليل السردي متضامنة مع اتجاهاتهم الفكرية والعقائدية والثقافية. «فإن إمكانات التنوع الدلالي المستند إلى أصل ثابت يشكل ما يطلق عليه في الأدبيات السيميائية مستويات الدلالة. والحديث عن المستويات معناه الإقرار صراحة بعدم وجود ظاهرة تدل من خلال مستوى واحد وفي هذه الحالة يستحيل الحديث عن معنى واحد وحيد.» (بنكراد، 2012م: 272) ولكن إجمالا تكون البنى الكلية الكبرى هي التي تمثل وتصور المضمون الرئيسي في النص بعيدا عن الحبكات الجانبية والبنى الصغرى هنا وهناك فتنادي بالرسالة الكبرى للكاتب والهدف العام الذي ينادي به نصه. إن رؤيتنا في هذا البحث لبعض البنى التناصية الكبرى قد تكون في نظر باحث آخر بنى تناصية صغرى. سنأتي ببحثنا هذا ببنى تناصية تخدم المضامين الجوهرية في الرواية التي تدور ابتداء بالحرب على المخالفين والتفاوت الطبقي والفكري ثم تنتقل للحرب على الأشباه. نرى إن الحربين تقومان على غاية واحدة وهي القضاء على المنافس إن كان مخالفا أو مشابها. فبعدول المخالف أو المشابه عن المنافسة ستنتهي غاية الحرب ضده وتتوقف. أولا: التناص الديني إن الكاتب إبراهيم نصر الله وفي خضم توصيفه لأحداث الفوضى والحرب في رواية حرب الكلب الثانية قد قام باستخدام تقنية التناص الديني القرآني ومحاورته للدلالة على نزعة التوحش والاستهتار عند البشر وللدلالة على صراع الأشباه الأزلي والمستمر. ان الصراع هو تفاعل قائم على تناقض وتضارب الأدوار العاملية في النص السردي «ولعل أبرز المفاعلات الدرامية هو تكنيك التبادل والتقاطع بأشكالهما المختلفة فالتبادل قد يقوم بين العناصر الماثلة في آن واحد أو بين الحاضر والماضي والتاريخي. أما التقاطع فإن أحد الطرفين فيه لا يحل محل الآخر مثل التبادل بل يتعامد عليه ويقيم معه إشكالية متشابكة وهو بدوره قد يتمثل في جزئيات تصويرية أو في لوحات كاملة يتم نسجها في ضفيرة متقاطعة.» (فضل، 1987م: 43) قصة قابيل وهابيل وحرب الكلب الثانية ترتبط الرواية ارتباطا وثيقا بالتاريخ وقصصه الحقيقية والأسطورية وتنهل مادتها من الماضي في كثير من المواقع حيث «إن الرواية تسرد أحداثا تسعى لأن تمثل الحقيقة وتعكس مواقف الإنسان وتجسد ما في العالم أو تجسد من شيء مما فيه على الأقل.» (مرتاض، 1998م: 12) فأثناء قيادة بطل الرواية راشد لسيارته وجد على مقربة منه في الشارع غرابا يحاول مواراة جثة غراب آخر نافق فأوقف راشد سيارته وأطلق النار على الغراب وقتله «ولكنه حين انهى عمله، وقاد السيارة بنفسه. شاهد غير بعيد عن الشارع غرابا يحفر الأرض ويطلق نعيقا مجروحا أمام غراب نافق، فأوقف السيارة، سحب المسدس وقتله!،...، وما إن ترجل من السيارة حتى سقط صاروخ، من تلك الصواريخ الطائشة، تناثرت واجهات المحلات التجارية وأشلاء أصحابها في الهواء. حاول احد الجرحى إيقاف سيارة إسعاف، فصدمته وواصلت اندفاعها. كانت الصدمة قوية بحيث طار إلى الرصيف المقابل وسقط على بعد ثلاثة امتار من راشد،...، مرت سيارة إسعاف مسرعة أخرى، فتقافز الناس من أمامها مبتعدين، وخلفت وراءها جرحى يئنون، وأشلاء تائهة،...، إن القلعة قررت وقف الحرب بقتلها لجميع السكان من خلال الرماية العشوائية، وغير العشوائية.» (نصر الله، 2016م: 315) لا يمكننا أن نمر بهذه الحادثة على عجالة دون أن نتأملها رمزيا وإلا سيتوجب علينا أن نضع تبريرا منطقيا لقيام راشد بقتل الغراب. أما أذا اتجهنا لتأويل الحادثة فسنكشف عن إبداع الكاتب إبراهيم نصر الله في التصوير السيميائي وتوظيفه ليخدم مجريات الرواية ويوصل للقارئ هول وفوضوية الحرب المستعرة في الشوارع وكيف يتعامل الإنسان مع مخزون ذاكرته الثقافية. إن مشهد الغراب فيه اشتغال تناصي واضح مع القصص القرآني في قصة الغراب الذي حاول دفن غراب آخر أمام قابيل ابن آدم (ع)، ليعلمه ويحثه على دفن أخيه هابيل بعد أن قتله: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابا يَبْحَثُ فِي الأرض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَاب فَأوارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأصبح مِنَ النَّادِمِينَ﴾ (المائدة: 31) إن مشاهدة راشد للغرابين قد ذكرته بحادثة مرتبطة معها وهي قتل قابيل لأخيه هابيل حينما ندم قابيل وتعلم من الغراب كيف يدفن أخاه. وربط الكاتب سياق آية الغرابين بما قبلها وبعدها من الآيات مع سياق الأحداث في الرواية أثناء قيام حرب الكلب الثانية مما دعا بطل الرواية راشد لقتل الغراب. ويمكن تحليل ذلك كما يلي: 1- لم يرد راشد أن يتعلم من الغراب أمامه أن يندم على أفعاله وأن يبرد غيظه كما ندم قابيل فقتل الغراب لتـأخذه العزة بالإثم والإصرار على المضي في الحرب. وهنا يرمز الكاتب بشخصية راشد لجنس الإنسان عموما. فلم يتعلم الإنسان من أخطائه منذ القدم أي خطأ قابيل ولما يزل يخطئ. بل أراد راشد محو الماضي والإرث الثقافي والديني كما تفعل سلطة القلعة فقد أصبح حليفا لها ظنا منه كما تقول ان الماضي هو سبب الكوارث التي نعيشها. فبقتل راشد الغراب يكون قد قتل القصة القرآنية التي تحثه على الندم والتوقف عن القتل. 2- أراد راشد بقتل الغراب وبإصرار أن يكرر إصرار قابيل على قتل أخيه: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأصبح مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (المائدة: 30) وذلك لتقبل الله لقربان هابيل دون قابيل فالمنافسة كانت بين الأشباه: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إنما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ (المائدة: 27) ونون التوكيد اللاحقة بفعل القتل دليل على الإصرار. 3- ربما يتجه بنا التحليل في قتل راشد الغراب إلى النقيض فراشد يستنكر ضعف واستسلام هابيل لما قال لأخيه: ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ (المائدة: 28) ويخاطب راشد شخص قابيل وأي شخص يريد الاعتداء عليه من أشباهه بانه أي راشد لن يكون ضحية ضعيفة مستكينة مثل هابيل وسيقاوم لآخر رمق ولو قدر لراشد اتخاذ موقع هابيل لامتدت يده لقتل قابيل دفاعا عن النفس. وما يعزز هذا التحليل هو صلابة وتحمل وقوة شخصية راشد أثناء تقييده وتعذيبه في الطفولة والبلوغ. وتكرار الكاتب لفكرة القتل دفاعا عن النفس. 4- ربما ننتقل إلى مستوى آخر من التحليل في أن الغربان ترمز لرجال داعش الإرهابيين وهم أعداء لراشد كما يمكن لمسه من الفصل الأخير في مقدمات حرب الكلب الثالثة. وأراد راشد بقتل الغراب أن يقطع نسل أزلامهم لئلا يتكاثروا حيث أكد الكاتب تكرارا جلب الراصد لقردين من ذكر وأنثى لكي يتناسل الإرهاب ويتكاثر. أما عن محاولة الغراب مواراة جثمان أخيه فيدل على أن أزلام داعش يتصرفون كالغربان تماما فهم رمز للشر على المخالف فقط أي أشداء على الكفار رحماء بينهم. فهم على ما هم عليه لا يقتلون أشباههم كما يفعل راشد فأراد الكاتب ان يبرز قسوة الحرب على الأشباه. لكن راشدا قتله بدم بارد فقد جاء في المتن أن الناس لم تعد تتنازع لتجرح بل لتقتل. أي أن هذا التأويل الأخير لا يدخل قابيل وهابيل في موضوع التناص إنما هو تناص لفعل الغراب لأخيه لا أكثر. ان كل التحليلات السابقة لمشهد التناص القرآني تدعم فكرة الكاتب في عدم تقبل البشر لبعضهم اختلافا وتشابها. وتجلى الإبداع في فعل بطل الرواية راشد بالقتل دون تردد أو تفكير أو ندم مغايرا لخاتمة القصة الدينية فكان تناصا مضمونيا محاورا ومسائلا للقصة الدينية. اشتغال النموذج العاملي على التناص الديني
يمكن تطبيق نموذج غريماس العاملي لتحليل بنيتي قتل الشبيه المنافس عند قابيل وراشد مع الدلالات السيميائية لهما:
(نموذج غريماس العاملي للتناص الديني)
عندما تقبل الله قربان هابيل لتقواه ولم يتقبل قربان أخيه قابيل تولد لدى قابيل(الذات) الحقد والعداء للتخلص من هابيل كمنافس(الموضوع)، بدافع الحسد والغيرة والحقد(المرسل) لتخلو له الساحة(المستقبل). ولم يوجد ما يردعه(المعارض) سوى تحذير هابيل من أن قابيل سيبوء بفعلته بإثمه وإثم أخيه معا وسيكون من الخاسرين. وساعد قابيل في جريمته استسلام هابيل وعدم رده والدفاع عن نفسه(المساعد). فما كان من قابيل إلا أن قتل أخاه قاصدا ومتعمدا. فكانت أول جريمة في التأريخ وقتل للأخ الشبيه لا المخالف والمستسلم للجريمة رجاء في نيل الثواب. عند ظهور شبيه لراشد وهو الراصد ثم السائق تولد لدى راشد(الذات) العداء للأشباه والسعي للتخلص منهم (الموضوع)، بذريعة(المرسل): الدفاع عن النفس، نزعة التوحش والشر، اللاإنسانية، الغيرة والحقد، وإزاحة تهديد الأشباه له. لينعم بالعيش دون تهديد مع عائلته(المستقبل). على الرغم من قيام الحكومات بمحو الماضي والتحذير من مغبة تكراره(المعارض). وما ساعد راشد في سعيه(المساعد) هو تحريض ذي القميص الأحمر والجيران، غياب القانون، سلام وحيازة المسدس. فاستمر في فعله فاختفى الراصد الجوي شبيهه وقتل شبيهه الآخر السائق بسببه. يمكن الوصول للدلالات السيميائية للرموز بان الشركات الرأسمالية والانتهازية بالتضامن مع الحكومات الفاسدة(الذات)، تسعى للنيل من أشباهها في الفساد(الموضوع) وهم المعارضة المحتالة والإرهاب الجهادي فالحكومة أيضا تمارس إرهاب الدولة فهما شبيهان في الإرهاب. والدافع(المرسل) لهذا الفعل هو الدفاع عن الاستغلال والشركات وعن الحكم. ويساعدها في ذلك (المساعد) اي دول الجوار والحلفاء وغياب القانون الدولي والشعب المستضعف الانهزامي المستكين والقدرة العسكرية. على الرغم من معرفتها بنتائج الحروب الكارثية(المعارض). إن جو الرواية الديستوبي يصور لنا استشراء ظاهرة الفساد وتقليد المعارضة والنخبة المثقفة للسلطة والشركات الانتهازية في الانحلال الأخلاقي واستغلال الشعب. لكن منبع الفساد والإرهاب يتأتى من ممارسات الحكومات الفاسدة ثم ينتشر في الطبقة النخبوية من المثقفين والمعارضين ومن ثم عند العوام والجهلة. ويبين لنا النموذج ضعف العامل المعارض مقارنة بالمساعد فترجح كفة الصراع لإنجاز الموضوع أي فعل القتل والحرب على الأشباه. ونرى كم أن نزعة التوحش تسيطر على المرسل والمساعد بشكل جنوني. وان التفوق العسكري وعنصر القوة في حوزة الذات الفاعلة(قابيل وراشد والدول الغربية) على حساب العامل الذي يقع عليه الفعل(هابيل والأشباه والارهاب والمعارضة). كما يمكن وضع النموذج العاملي أدناه لبنية ندم قابيل على قتل أخيه عند رؤية الغراب. حيث إن قابيل(الذات الفاعلة) وبمساعدة الغراب(المساعد) الذي جاء ليعلمه دفن أخيه تولد لديه حافز الشعور بالندم على فعلته وجريمته(المرسل)، فأخذ بدفن أخيه والتوبة(الموضوع)، ليغفر الله لقابيل(المستقبل). ولم تمنعه العزة بالإثم من ذلك(المعارض).
(النموذج العاملي لبنية ندم قابيل) وللمقارنة يمكن وضع نموذج غريماس العاملي لبنية عدم ندم راشد على حربه ضد أشباهه وقتله الغراب الذي كان يواري أخيه الغراب النافق:
(النموذج العاملي لبنية عدم ندم راشد)
إن تواجد الغراب أمام راشد بنفس المشهد القديم(المعارض) لم يردع راشدا(الذات) ولم يمنعه من واصلة الانخراط في الحرب ضد الأشباه(الموضوع) التي أشعلها ولم يولد عنده حافزا بالندم بل استمرت الدوافع عند راشد في الدفاع عن النفس ونزعة التوحش والشر وواللاإنسانية والغيرة والحقد(المرسل) ليطمئن وينعم بالحياة(المستقبل) دون أشباه منافسين. وان من يساعده في ذلك مازالوا مستمرين(المساعد) من تحريض ذي القميص الأحمر والجيران وغياب القانون وزوجته سلام وحيازة المسدس. فالصراع بين المساعد والمعارض ما زال غير متكافئ. وليس كما حدث مع قابيل من قبل. فالعوامل المساعدة هنا تتفوق بكثير على غراب يستعرض دفن أخيه فاستمر راشد في سعيه. ويتجلى إبداع الكاتب إبراهيم نصر الله هنا في معالجة القصة بما يخالف نتائج القصة الدينية حيث لم يندم راشد كما ندم قابيل بل قام بقتل الغراب أي قتل كل ما يذكره بالتوبة والرحمة لبني جنسه أي الأشباه ورفض اتخاذ العبر من التاريخ عن قصد وإصرار وحشي. فراشد لا يتقبل أن يملى عليه ما يفعل ولا يعطي تنازلا معينا إلا بإرادته وقتما يشاء. وعند الاتجاه للتحليل للكشف عن الدلالات السيميائية للرموز في بنية عدم ندم راشد نجد أن راشدا هنا يرمز للجنس البشري عموما(الذات) اي البشر الذين لم تعلمهم وتردعهم نتائج الحروب الكارثية عبر التاريخ(المعارض) من الاستمرار في إشعال الحروب العبثية وتكرار نفس الأخطاء(الموضوع) بدافع الدفاع عن مصالحهم(المرسل) وعدم الاعتبار من الماضي لتحقيق مصالحهم(المستقبل) تحت التحريض وغياب القانون الدولي وامتلاك القدرة العسكرية والجهل ونزعة التوحش(المساعد). فنرى أيضا أن الصراع الغير متكافئ في الدلالات الرمزية لن يؤدي للاتعاظ من التجارب السابقة بل للاستمرار في ارتكاب الأخطاء نتيجة ضعف العامل المعارض وهو التوعية. اشتغال المربع السيميائي على التناص الديني يمكن أن نستعين بمربع غريماس السيميائي للكشف عن الدلالات السيميائية بصورة أخرى فمربع غريماس يعتمد في التحليل على الأضداد والتقابلات. والمألوف في التقابلات الضدية أن لا يجتمع الشيء مع ضده أي أن هناك صراع بينهما كتقابلية الخير والشر، الغنى والفقر مثلا، أو الإنسان ضد الإنسان الذي يخالفه، ولكن هنا سيكون التقابل بين الإنسان والإنسان الذي يشابهه! بمفارقة رمزية غريبة وإبداعية للإشارة عما يريده الإنسان في صراعاته ضد المخالف والمشابه على السواء. وسيكون المربع السيميائي كما في أدناه:
(المربع السيميائي للتناص الديني) فالإنسان في علاقة تضاد مع الإنسان المشابه له هنا ولا يستطيعان التعايش دون صراع بينهما. والإنسان في المربع العلوي الأيمن وشبيهه في المربع العلوي الأيسر لكل منهما علاقة تناقض فهما غارقان في نزعة التوحش وغابت عنهما الإنسانية فكلا الاثنين متضادان في توجههما الوحشي. فالإنسان الأصل ما زال يكرر الأخطاء ويستمر في قتال المشابهين له بموجب علاقة الاقتضاء لتثبيت مصالحه والتخلص من تهديد المنافسين من الأشباه. أما الأشباه فهم أيضا يدعوهم توحشهم لقتال الأصول أي البشر الذين اتخذوهم قدوة لهم وقلدوهم في تفكيرهم وكل شيء ليزيحوهم عن مناصبهم ويتخلصوا من تهديدهم ويكسبوا مواقع الأصول. فكل من الأصل والشبيه صار متوحشا فهما ليسا أضدادا في التوحش وإنما متماثلين في حربهم على الآخر المنافس المشابه وإزاحته إن كان أصلا أم نسخة مشابهة ومقلدة للأصل. لقد استحضر الكاتب التناص الديني على مستوى الأفكار والمضمون وليس الألفاظ فاستحضر فكرة القصة بشخصيتيها اي الغرابين على شكل مشهد درامي لم تنطق فيه شخصية راشد بأي كلمة وكان الكلام للمسدس. فكان المشهد غاصا بالدلالات الكثيرة والعميقة. ويرى الباحث أن عدم ندم راشد وقتله الغراب هو امتداد لعدم ندم قابيل واستمراره في كل عصر يقتل أشباهه كما يرى الكاتب. وما يعزز هذا الرأي لدينا هو توظيف الكاتب لرموز القصة (قابيل وهابيل والغراب والموت والحياة) في قصيدته الملحمية "راية القلب" حيث قال: «وناديت: قابيل.. أين أخوك- قال: لم أك حارسه- وتصاعد صوت دم في البراري- فناديت: قابيل لملم أخاك- ولملم نصال الحجارة من دمه- وأسمه- كيف علقتنا في السواد- وأدخلت ذاك الغراب إلى بيتنا- ليشاركنا خبز أطفالنا- حضن زوجاتنا- مصر كانت لنا- مصر كانت لنا- وغراب السلام على بابنا-...- واقف في المدى عتمة.. واقف- وجه هذا الغراب- لا يعلمنا أن نواري موتا- بعلمنا أن نواري الحياة... قابيل دع جثة الموت عارية كي نراه.» (نصر الله، 1991م: 189-190) فإذا ذهبنا في توظيف الكاتب للتناص الداخلي مع قصيدته فهو يرى أن قابيل بتنكره لمسؤوليته عن حراسة أخيه فهو غير نادم وموجود في كل عصر. واستحضره الكاتب ليرمز لخيانة العرب لأخوتهم فرمز بالغراب لرئيس مصر السابق "أنور السادات" الأسود البشرة حيث صالح الأعداء. والمهم في توظيف رمز الغراب في القصيدة هو تعليمه إيانا دفن الحياة لا الموت لا كما في القصة الدينية. وطلب الشاعر من قابيل أي الأخوة المعتدين أن لا يواروا القتلى لتكون شاهدة على جريمة الخيانة وتحفر في الذاكرة. أما في الرواية فقابيل أي الإنسان باق يقتل كل شبيه وأخ ممثلا براشد. والغراب يكذب في تعليمه راشد الندم بل هو الشر والظلمة بعينها تعلمنا قتل الحياة ودفنها فالغراب يتظاهر بأنه ذاك الغراب في القصص الديني وراشد قد أيقن حقيقة فعله وغايته فقتله. وكما أسلفنا أن الغراب يرمز هنا للجهاديين الأصوليين الظلاميين فاختلفت دلالة الغراب في الرواية ولكن لم تختلف وظيفته. ان الكاتب استقرأ المسكوت عنه والمحذوف في قصة الغراب الدينية وحاوره حين وظف التناص فالفعل السابق لمواراة الغراب لأخيه هو قتله إياه كما فعل قابيل بأخيه هابيل وهذا هو وجه الشبه بين الحالتين. فالغراب قاتل نادم يدفن أخاه. هذا الفهم والتأويل من قبل الكاتب للقصة المتناصة جعله يبدع في استهجانها بطرائقه المختلفة ويحيل توظيف الغراب إلى كل ما له صلة بالخيانة والقتل والشؤم رابطا إياه برمز الغراب الأسطوري عند العرب قبل الإسلام. ثانيا: التناص الأدبي إن التناص مع التراث الأدبي ومحاورته ومجادلته ومساءلته يغني ويثري النص الروائي ويقدمه كمنتج متكامل يحوي في داخله خزائن ثقافية متنوعة وتجارب إبداعية مستحصلة من عمق التجارب البشرية الحياتية. فالتراث الأدبي انهار جارية ولن تتوقف وتحتاج إلى مبدع لينهل منها ليبني نصا جديدا يثري الأدب. إن التعامل مع مكونات المنتج الأدبي التراثي كمجموعة رموز في بنية متكاملة يمكن توظيفها في النص الجديد والإفادة من الذاكرة الثقافية للمتلقي في فك شفرات النص الجديد. مسرحية القاعدة والاستثناء والصراع بين راشد وأشباهه إن للرواية ارتباطا قويا بمختلف الأجناس الأدبية ومنها المسرحية، حيث ان «ميلها إلى المسرحية أو اشتراكها معها في خصائص معينة واستلهامها لبعض لوحاتها الخشبية وشخصياتها المهرجة فلأن الرواية هي أيضا شيء قريب من ذلك. ذلك لأن الرواية في أي طور من أطوارها لا تستطيع أن تفلت من أهم ما تستميز به المسرحية وهو الشخصية، والزمان والحيز واللغة والحدث. فلا مسرحية ولا رواية إلا بشيء من ذلك.» (مرتاض، 1998م: 13) حيث إن شخصية الرجل صاحب القميص الأحمر جار راشد الضخم الجثة والذي لم ير وجهه كان محرضا لراشد في الاعتداء على جارهما الراصد الجوي بل ومحاولة قتله واختلاق الذرائع بأن الأمر سيكون دفاعا عن النفس. وهو يقف دائما في صف راشد الذي يمثل التجار الانتهازيين وأصحاب رؤوس الأموال الجشعين. فقد كان الرجل في صفه ويسانده في العدوان «- إن كنت مصرا على أن تقتله، فليبد الأمر كما لو انه دفاع عن النفس. بهذه الطريقة فقط سنشهد معك، قال الرجل ذو القميص الأحمر الذي لا يرى وجهه.» (نصر الله، 2016م: 268) وعندما تحقق ما يريد ونشب النزاع بين راشد والراصد كان يحث راشدا على القتل بنفس الذريعة وبإصرار من الكاتب على تكرارها «أظن أن أفضل شيء يمكن أن تفعله هو أن تدخل وتقتله في الداخل دفاعا عن النفس! قال الرجل ذو القميص الأحمر.» (المصدر نفسه: 300) فهو يقف بصف راشد التاجر الآثم على الرغم من أنهما لم يشاهدا أي تهجم أو اعتداء من قبل الراصد بحق راشد. بل كانت هناك مجرد ظنون في داخل راشد عن خطورة الراصد وهذا مبرر كاف حسب رأي راشد وذي القميص الأحمر لقتل الراصد دفاعا عن النفس. إن فكرة القتل هنا بحجة الدفاع عن النفس متناصة مضمونيا وبنائيا مع فكرة وقصة مسرحية "القاعدة والاستثناء" للشاعر والكاتب المسرحي "بريخت". فكان هناك تاجر غني يريد عبور صحراء في الهند بأسرع ما يمكن للوصول لحقول البترول قبل غيره من التجار فاستعان بشخصين دليل وآخر أجير لحمل الأمتعة وكان التاجر يسئ معاملتهما. ثم أخذ الشك والظن يساور التاجر بأنهما يتفقان لقتله وسلبه فسرح الدليل وأنهى خدماته فذهب بعد أن أعطى زمزمية الماء خاصته للأجير. وبعد فترة من المسير كان التاجر عطشانا ويصرخ فاقتضت القاعدة أن لا يسقي الأجير التاجر لقبحه وتعذيبه إياه فاستثنى الأجير القاعدة بطيبة خلقه وحاول إخراج زمزمية الماء التي أعطاها إياه الدليل قبل تركهم ورحيله ليعطيها للتاجر ليروي عطشه فظن التاجر أن الأجير سيخرج حجرا لقتله فبادر لإطلاق النار من مسدسه على الأجير وقتله. ولاحقا وعند تقدم زوجة الأجير بشكوى للمحكمة أتى الرجل الدليل وشهد في صالح المقتول لكن المحكمة الفاسدة قد حكمت ببراءة التاجر لأنه قتل الأجير دفاعا عن النفس (مكاوي، 2010م: 45-46) وأصبحت القاعدة في نصرة الظالم والتاجر الثري والاستثناء هم الفقراء والكادحون في عالم رأسمالي جشع ينظر للإنسان على انه سلعة وأداة. فالتاجر أعلاه يمثل الطبقة الرأسمالية كما يمثلها راشد في الرواية وراشد يسير بجشع لتحقيق مكاسبه ومشاريعه كما يفعل التاجر في المسرحية. ومهنة الراصد تشابه مهنة الدليل فالأول يرشد الناس لحالة الطقس وما سيأتي عليهم والدليل في المسرحية يدل على الطرقات والصحارى وبدونه يصعب على التاجر المسير. والدليل قد أعطى زمزميته للأجير ثم اختفى تحت وطأة شكوك التاجر به ولمنعه من تهديده كما اختفى الراصد في الرواية. وبعد أن اصبح الراصد شبيها براشد انتقل الشبه أيضا لسائق راشد والذي يقابله الأجير حمال الأمتعة في المسرحية والسائق يحمل راشد في السيارة ويحمل أفكار راشد القديمة في رأسه. فزمزمية الماء تشير لذخيرة الحياة والبقاء والشبه الذي انتقل للسائق يدل على ذخيرة الأفكار التي حصل عليها للاستمرار في صراع البقاء. وفي الرواية أيضا قد اختفى الراصد بعد النزاعات مع راشد ومخاوفه وظنونه. أما السائق في الرواية فكان طيبا ومسالما ويحاول مساعدة راشد لكن راشدا يتخوف منه ومن تشبهه به ويظن الظنون بأنه سينافسه بل ويحتل منصبه وداره وزوجته وأطفاله بل وعشيقته كما ظن التاجر الظنون بالأجير في المسرحية. ومصير السائق في الرواية أن قتل بذنب تشبهه اللاإرادي براشد وفي المسرحية قام التاجر بقتل الأجير عمدا. وبرئت ذمة راشد في الرواية كما التاجر في المسرحية. وقف القاضي في المسرحية في صف التاجر كونهما من نفس الطبقة الرأسمالية وحكم له بالبراءة لأنه دافع عن نفسه. ونرى في الرواية أن الرجل ذي القميص الأحمر يقف في صف راشد دوما محرضا للقتل بذريعة الدفاع عن النفس. وسيشهد في صفه لتبرئته بل ووقف رجال الأمن في صف راشد عند مقتل السائق. فكما كسر الأجير القاعدة بالاستثناء في المسرحية وقتل فقد كسرها السائق في الرواية أيضا وقتل بعد أن قام وبمساعدة زوجته بوضع قناع من الأصباغ للتملص من وجهه الذي بات يشبه وجه راشد وصنع قناعا لوجهه القديم واستمر في خدمة راشد. ولكن الاستثناء هذا انتشر فيما بعد حيث ارتدى كل شخص قناعا لوجهه القديم وهذه المفارقة أدخلت راشدا السجن عن طريق الخطأ. واصبح الاستغلال هو القاعدة كما في مسرحية بريخت المذكورة وحينما اتبع راشد الاستثناء اودع السجن ومات. إن بنية قتل التاجر للأجير في المسرحية هي قتل المخالف لكن في الرواية تكون قتل المشابه أي أن تحوير الكاتب في التناص جاء بما يوافق فكرة الحرب على الأشباه في الرواية. اشتغال النموذج العاملي على التناص الأدبي
يمكننا الاستعانة بالنموذج العاملي لغريماس لتحليل البنية السردية سيميائيا بتفحص العوامل الفاعلة والعلاقات فيما بينها وما تعنيه من دلالات. لقد اتخذنا من التناص الأدبي للحادثة السابقة مثالا للدراسة حيث وضعنا المخطط أدناه للنموذج العاملي لبنية قتل المخالف لمسرحية بريخت "القاعدة والاستثناء". يمثل العدد 1 عوامل مسرحية بريخت ويمثل العدد 2 عوامل البنية السيميائية:
(النموذج العاملي لمسرحية القاعدة والاستثناء- بنية قتل المنافس المخالف-)
وأدناه النموذج العاملي لبنية قتل الأشباه في رواية حرب الكلب الثانية حيث يمثل العدد 1 عوامل البنية في الرواية ويمثل العدد 2 عوامل الدلالات السيميائية. لقد تضمن النموذج العاملي التناص الأدبي بين حادثة محاولة راشد للتخلص من أشباهه في الرواية مع حادثة تخلص التاجر من تهديد الدليل والأجير في المسرحية مع الدلالات السيميائية المتشابهة لكلا القصتين.
(النموذج العاملي للرواية- بنية قتل المنافسين الأشباه-) إن العداء بين راشد( الذات) وأشباهه ولد من اللحظة الأولى التي عرف فيها بمشابهة جاره الراصد الجوي له ومن ثم بمشابهة السائق له فتولدت لديه الرغبة الشديدة(الموضوع) للتخلص من أي مشابه له. فكان الحافز لسعيه هو الدفاع عن النفس وعن بيته وزوجته وأطفاله وعشيقته ومنصبه ضد أي تهديد من الأشباه(المرسل) وعمقت نزعة التوحش والسعار والتي انتشرت كالوباء من رغبته وإصراره على سعيه(المرسل أيضا) ليرتاح راشد من التهديد الذي يشعر به(المستقبل) ولتشعر سلام بالانتقام من الراصد الذي هتك عرضها دون علمها(المستقبل). وكان الجيران وعلى رأسهم صاحب القميص الأحمر محرضين لراشد على الاعتداء على شبيهه الراصد(المساعد) وأيضا حيازته للمسدس وتشجيع سلام له لقتل الراصد ولم يوجد شيء يردع راشد(المعارض) في عالم شاعت فيه الفوضى. وفي المسرحية نلاحظ نفس العوامل. فالتاجر(الذات) لديه عداء مع الطبقة الدنيا الكادحة من دليل وأجير وعاملهما بسوء ورغب بالتخلص منهما(الموضوع) بدعوى الدفاع عن النفس(المرسل) واللاإنسانية والجشع لديه. ليتخلص من تهديدهما له بالقتل والسلب كما يظن(المستقبل). وما يساعده في سعيه هو مساندة القضاء والسلطة له كونهم من نفس طبقته الرأسمالية(المساعد) وحيازته لمسدس في جيبه(المساعد) وعدم وجود الرادع(المعارض). جاء التناص أعلاه لتوظيف الدلالات الرمزية ذاتها فالرأسمالية والانتهازية(الذات) المتمثلة بالتاجر وراشد ترغب بسحق الطبقة الكادحة المتمثلة بالأجير والسائق والتخلص من أي معارضة تهددها والتخلص من الإعلام المضلل حسبما ترى متمثلا بالدليل والراصد(الموضوع). والحافز(المرسل) هو الدفاع عن القيم الرأسمالية والاستغلال الوحشي للشعوب ليعود ذلك عليها بالقوة ومواصلة السيطرة وتحقيق المكاسب(المستقبل). ويساعدها في ذلك الدول المجاورة والدول الحليفة والشعب المغتصب الخانع والمستضعف الجاهل والقدرة العسكرية المساندة(المساعد). ولا يقف رادع(المعارض) بوجه هذه القوة في عالم تكون السلطة فيه للأقوى هي القاعدة والهزيمة للضعيف هي الاستثناء. إن النموذج العاملي يبين أن هناك الكثير من الحوافز والدوافع لقيام الذات برغبتها وإيصال الكثير من المكاسب للمستقبل(قوة علاقة التواصل بين المرسل والمستقبل). وهذا يشير لقوة وضرورة إنجاز الاعتداء الوحشي. وفي نفس الوقت يشير النموذج إلى انعدام المعارض في ظل كثرة العوامل المساعدة للذات لفعل الاعتداء وإن هذا يشير إلى انعدام علاقة الصراع بين المعارض والمساعد. و لكن في حقيقة الأمر إن الرواية تضج بالصراع حيث يرى الباحث أن الصراع في الرواية ليس ناتجا عن توازن العوامل المساعدة مع العوامل المعارضة والمانعة بل لكون الأشباه(ليس كلهم) في الرواية يمثلون(الذات) في نموذج عاملي مواز ويرغبون بالتخلص من الأصول(الموضوع) وبعوامل مساعدة مشابهة(المساعد) يضاف إليها حيازتهم للشبه. و(المرسل) هنا هو الدوافع نفسها يضاف إليها الرغبة في سلب الأصول لهوياتهم وإمكاناتهم وأفكارهم ومقدراتهم و(المستقبل) هم الأشباه المنافسون انفسهم. وعدم وجود المعارض أيضا لانعدام القانون وشيوع الفوضى. فالصراع ليس بتوازن المساعد والمعارض حسب النموذج العاملي بل إن إبداع الكاتب جعل الصراع يدور بين نموذجين عامليين متوازيين لبنيتين متزامنتين في الرواية. أو عملية انعكاس لعلاقة الرغبة بين الذات والموضوع وتبادل للأدوار بين الفاعل والمفعول يقوم بها الأصول والأشباه. والدلالات السيميائية لذلك إن الطبقة الكادحة والمعارضة الثورية أصبحت فاسدة ومشابهة للسلطة وان من ادعى مقاومة الرأسمالية اصبح يدافع عن الجشع والانتهازية وان الإعلام الذي ادعى فضح الفساد اصبح فاسدا مضللا وان الجميع متورط في الفساد ويصارع الآخر المشابه بالفساد إن كان أصلا أم شبيها. وما يعزز هذا التحليل إن الشخصيات في الرواية كلها سلبية ويماثل ذلك فكرة المسرحية وعنوانها بان السلبية اصبحت هي القاعدة وغيرها يعد استثناء. ويمكن وضع النموذج العاملي الموازي كما في أدناه حيث يمثل العدد 1 عوامل الرواية ويمثل العدد 2 العوامل الدلالية:
(النموذج العاملي للرواية- بنية قتل المنافسين الأصول-) إن اعتبار الأصول كقوى فاعلة في النموذج الأول واعتبارها عوامل مفعولة يقع عليها الاعتداء في النموذج الثاني وحصول نفس الشيء للأشباه يبين حالة الصراع بين الأشباه في الرواية. وما له من دلالات يمكن إسقاطها على واقعنا الحالي ويثبت إبداع الكاتب في توظيف التناص الأدبي في الرواية ليعالج بذكاء المضامين المستشرفة وإسقاطها على الحاضر. اشتغال المربع السيميائي على التناص الأدبي يمكننا الاستعانة بمربع غريماس للتحليل السيميائي أدناه لمتابعة تطور السرد لحبكة راشد مع سائق سيارة الإسعاف خاصته ومقارنتها بمسرحية القاعدة والاستثناء لبريخت. إن العلاقة بين الغنى(أو الرأسمالية) مع الفقر(أو الطبقة الكادحة) هي علاقة تضاد. فلا يمكن أن تكونا متساويتين. إن التاجر في المسرحية ممثلا للطبقة الثرية والرأسمالية له علاقة عداء ونفور تضادية مع الأجير. وعلى الرغم من امتلاكه للغنى في المال فهو وبالعلاقة التناقضية المعنوية يفتقد للغنى الأخلاقي والإنساني. أما الأجير فعلى الرغم من فقره المادي فليس لديه فقر في الجانب الأخلاقي والإنساني. فدلالة حركة السرد هنا أن التاجر في المسرحية ونتيجة تناقضه وفقدانه للإنسانية والأخلاق والرحمة فقد انتقل بحركته وحسب علاقة الاقتضاء التي تربطه مع الأجير لمعاداته والتخوف منه وأخذ الحيطة والحذر فقد ظن أن الفقير يهدده ويضمر له شرا وسيقتله ليسلب ممتلكاته.
(المربع السيميائي للتناص الأدبي) لكن الأجير بالمقابل غني بإنسانيته وعطفه وأخلاقه ورحمته فعندما وجد التاجر عطشانا قام بموجب علاقة الاقتضاء التي تربطه بالتاجر لأن يساعده فأراد إخراج زمزمية الماء من جيبه ليعطيها للتاجر. هنا تعززت علاقة اقتضاء التاجر وتأكدت لديه الظنون من أن الأجير سيقتله فتضامنت علاقة التضاد والاقتضاء لديه تجاه الأجير لأن يقوم بقتله بالمسدس بسرعة. وبرئت ساحة التاجر في المحكمة لان القاضي من نفس طبقته الرأسمالية والقانون في خدمة الأثرياء. فاعتبرت علاقة اقتضاء التاجر بالدفاع عن نفسه هي القاعدة الصحيحة وان علاقة اقتضاء الأجير في مساعدة التاجر هي الاستثناء وليس لها أي اعتبار. وفي حالة راشد والسائق في الرواية نجد نفس علاقات التضاد والتناقض والاقتضاء. فراشد أصبح رأسماليا وتاجرا كبيرا وفي حرب وعلاقة تضادية مع أشباهه ولديه علاقة تناقض في افتقاده للإنسانية والأخلاق والتي غادرته منذ أن هادن القلعة والسلطة واصبح تاجرا فاسدا انتهازيا يتاجر في صحة وحياة وآمال المستضعفين فأدت به علاقة الاقتضاء تجاه السائق لأن يتخوف منه بعد أن اختفى التهديد السابق من شبيهه الراصد باختفائه(وشخصية الراصد متناصة مع شخصية الدليل في المسرحية) فلم يبق تهديد من الأشباه تجاه راشد سوى السائق. فاقتضت علاقة الاقتضاء بالتضامن مع علاقة التضاد بين الأصل راشد وأشباهه(ولم يبق سوى السائق) لأن يضمر قتل السائق لاحقا دفاعا عن النفس. أما السائق ممثلا لشبيه لراشد من الطبقة الكادحة فهو في تضاد مع الأصل راشد التاجر والمدير الثري والمتسلط. صحيح انه كادح وتحول دون إرادته ليشابه راشد(ربما نتيجة المخالطة) ولكنه في علاقة تناقض فما زال غنيا بإخلاصه وأخلاقه ولم يتغير رغم تغير وجهه. فهو ما زال محتفظا بأصله وهويته في داخله ويرفض التشبه براشد ووضع بمساعدة زوجته مكياجا على وجهه بملامحه الأصلية. وحتى عندما تغيرت أفكاره لا إراديا لمشابهة أخلاق وأفكار راشد فقد اكتسب منه الأخلاق والأفكار القديمة عندما كان ثوريا مناضلا قبل فساده. فعلاقة الاقتضاء للسائق تجاه راشد جعلته يخلص له ولم يخبره بانه احد أشباهه ولم يعاديه فبموجب علاقة الاقتضاء ليس بالضرورة أن يتحول السائق الشبيه إلى الأصل راشد في كل شيء. ولكن التناص الأدبي في القصة مع مسرحية بريخت اقتضى بان يكون راشد سببا في مقتل السائق(دون ذنب) بسبب تشابهه مع راشد على أيد رجال الأمن بعد تنكر راشد له وان يهنأ راشد دون عقاب أو شكوك ثتار حوله بل أن يستغل مقتل سائقه ليغتصب زوجته دون علمها. ففقدانه للأخلاق بعلاقة الاقتضاء دعته للتشبه بالشبيه لقتله واغتصاب زوجته وأيضا بموجب هذه العلاقة ليس بالضرورة أن يتحول راشد الأصل إلى الشبيه السائق ويشبهه في كل شيء فراشد تشبه بشكل السائق دون أخلاقه وكان التشبه متعمدا في مفارقة إبداعية للكاتب في توظيف التناص الأدبي بمحاورته وتحويره ونقده. وكما وقفت السلطة في صف راشد في مقتل سائقه في مجتمع ديستوبي يحكمه رأس المال فقد وقفت المحكمة في المسرحية في صف التاجر ولنفس الأسباب وانتصر التاجر على زوجة الأجير وخسرت دعواها المقامة في المحكمة ضد التاجر بعد خسارتها زوجها الأجير. ولكن خسارة زوجة السائق في الرواية كانت اعظم واشنع فبعد خسارة زوجها السائق قد خسرت شرفها وعرضها وطهارتها ودون مقاومة منها لجهلها بحقيقة راشد الشبيه. إن لذلك دلالة رمزية لما تفعله الرأسمالية والإقطاع سابقا من امتلاك وتدنيس أعراض الفلاحين والعمال وإشارة إلى السلطات والجهات الفاسدة في التخلص من المعارضين والمشابهين وإقناع زوجاتهم بانهم أحياء يرزقون للاستمرار بتدنيس أعراضهن دون علمهن. إن مربع غريماس السيميائي قد بين لنا بدقة سيميائية التناص الأدبي بين قصة سائق راشد مع مسرحية القاعدة والاستثناء لبريخت وبتوظيف إبداعي للكاتب ويثبت أن الكاتب متأثر بالمسرح البريختي الملتزم. النتائج لقد وظف الكاتب إبراهيم نصر الله عدة أنواع من التناص في الرواية وبأشكال مختلفة. ومنها التناص الديني والأدبي حيث استحضر القصص بدقة لتطابق أحداث وأفكار الرواية في الحرب على المنافس إن كان مخالفا أو شبيها وتحقيقا لما جاء في المتن من مقولة من ليس معنا فهو ضدنا. وجاءت إجابات البحث على أسئلته كما يلي: 1-ان التناص الديني في الرواية مضموني حواري خارجي وداخلي في آن واحد وهو معلن بذكر الكاتب لغراب يدفن آخر. وجاءت وظيفة الرمز الحيواني(الغراب) متضامنة مع الرمز اللوني(الأسود) متعددة الدلالة على مستويات التأويل بين شاهد على جريمة قتل المشابه والأخ وبين التحريض على القتل وإشاعته وبين التذكير بالندم والتوقف عن القتل. وجاء رمز قابيل للإنسان القاتل والخائن لأخيه وشبيهه في الفكر والانتماء وأما هابيل فيرمز للضحية المستسلمة. فوحد الكاتب بين القصتين الدينية والحاضرة من حيث عوامل البنية السردية ودلالاتها السيميائية وتباينتا في الخاتمة ليبتكر الكاتب أفعالا أشد دموية ووحشية وذات دلالات جديدة تخدم المضامين التي تدور حولها الرواية من جهل الإنسان لغايته، وتكراره لأخطائه وإشعال الحروب العبثية. 2-ان التناص الأدبي في الرواية مضموني حواري خارجي وهو مخفي لم يصرح به. استحضر الكاتب نفس التشكيلة العاملية لمسرحية "القاعدة والاستثناء" لبريخت وبنفس الوظائف. وكان عامل الماء في المسرحية رمزا للبقاء على قيد الحياة في الصحارى فصار سببا وذريعة لقتل الأجير. وفي الرواية اشتغل عامل الشبه كسبب للحياة الاستهلاكية وتقليد الآخر في الفكر والشكل للاستمرار في العيش في عالم ديستوبي فوضوي فصار سببا للقتل والحرب والدمار. إن الصراع في المسرحية طبقي ضد المخالف فحوره الكاتب في الرواية إلى صراع بين الأشباه بدلالات سيميائية مشابهة تعالج صراع الرأسمالية مع الطبقة الكادحة ومنطق انحياز القانون للأقوى والأغنى. فكانت مثالا للصراع بين الأصول وأشباهها وفساد الجميع من سلطة وشعب ومعارضة. وكما فعل الكاتب في التناص الديني فقد ابتكر في أحداث هذه البنية ما هو أبشع من أحداث المسرحية حيث لم تسلم زوجة السائق بعد مقتله فاحتال راشد عليها وأخذ يهتك عرضها.
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القرآن الكريم
ابن منظور، جمال الدين. (1363ش). لسان العرب.ج7. قم: نشر أدب الحوزة.
الأحمر، فيصل. (2010م). معجم السيميائيات. ط1. بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون.
آلان، غراهام. (2011م). نظرية التناص. ترجمة د. باسل المسالمة. ط1. دمشق: دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر.
الزعبي، أحمد. (2000م). التناص نظريا وتطبيقيا. ط2. عمان: مؤسسة عمون للنشر والتوزيع.
السمري، إبراهيم. (2011م). اتجاهات النقد العربي في القرن العشرين. القاهرة: دار الآفاق العربية للنشر والتوزيع.
المطيري، ضيف الله. (2021م). «سيميائية التناص الديني في ديوان مقام النسيان لمحمد إبراهيم يعقوب». فصلية الجامعة الإسلامية للدراسات الإنسانية. المجلد29. العدد3. صص 120-98
برنس، جيرالد. (2003م). قاموس السرديات. ط. القاهرة: ميريت للنشر والمعلومات.
بنكراد، سعيد. (2012م). السيميائيات- مفاهيمها وتطبيقاتها. ط3. اللاذقية: دار الحوار للنشر والتوزيع.
بوعذار، فاطمة وآخرون. (1401ش). «دراسة مجموعة عناقيد العطش القصصية لعلي حجازي وفقا لنظرية النموذج العاملي لغريماس». فصلية الأدب العربي. السنة14. العدد4. العدد34، صص49-23
تشاندلر، دانيال. (2008م). أسس السيميائية. ترجمة طلال وهبة.ط1. بيروت: المنظمة العربية للترجمة.
حمداوي، جميل. (2011م). السيميولوجيا بين النظرية والتطبيق. ط. عمان: مطبعة الوراق للنشر والتوزيع.
شولز، روبرت. (1994م). السيمياء والتأويل. ترجمة سعيد الغانمي. ط1. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
غريماس، أ.ج. (1991م). طرائق تحليل السرد الأدبي. ترجمة سعيد بنكراد. ط1. الرباط: منشورات اتحاد كتاب المغرب.
غريماس، أ. ج. (2018م). سيميائيات السرد. ترجمة عبد المجيد نوسي. ط1. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي.
غرييه، آلان روب. (2018م). الرواية الجديدة والواقع. ترجمة رشيد بنحدو. قطر: وزارة الثقافة والرياضة.
فضل، صلاح. (1987م). إنتاج الدلالة الأدبية. ط1. القاهرة: مؤسسة مختار للنشر والتوزيع.
فضل، صلاح. (1995م). شفرات النص- دراسة سيميولوجية في شعرية القص والقصيد. ط. القاهرة: عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية.
لحمداني، حميد. (1991م). بنية النص السردي. ط1. بيروت: المركز الثقافي العربي.
مرتاض، عبد الملك. (1998م). في نظرية الرواية- بحث في تقنيات السرد. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
نصر الله، إبراهيم. (1991م). حطب أخضر. عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع.
نصر الله، إبراهيم. (2016م). رواية حرب الكلب الثانية. ط1. بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون.
هامون، فيليب. (2019م). سيميولوجية | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 462 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 205 |