تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,622 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,345,719 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,387,532 |
الطقوس البدائیة والأنظمة الاجتماعیة الأولی؛ قصة "العبد التاجر" فی الباب الثانی من مرزبان نامه أنموذجا | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 5، دوره 4، شماره 14، آبان 1435، صفحه 87-113 اصل مقاله (2.41 M) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسنده | ||
رودابه شاه حسینی | ||
أستاذة مساعدة بجامعة پیام نور، إیران. | ||
چکیده | ||
إن حکایة العبد التاجر الواردة فی الباب الثانی من کتاب مرزبان نامه تحکی قصة عبد یمتهن التجارة عبر البحار بأمر من سیده ویتعرض فی طریقة لأحداث ممیتة یتمکن بدهائه من الخلاص منها لینال الملک فی نهایة المطاف. إن هذا العبد یمثل من ناحیة البعد الأسطوری لأدونیس وهو یرمز إلی إله الطبیعة الذی یختار الموت لأجل عباده لتتجدد بذلک الحیاة؛ وهو من ناحیة أخری یرمز إلی بطل النظام الاجتماعی الأباعد یغترب عن وطنه والذی ینال الملک فی أرض غریبة. | ||
کلیدواژهها | ||
الملک؛ أدونیس؛ الروح النباتیة؛ رب الغلات؛ الأباعدیة فی الزواج | ||
اصل مقاله | ||
إن الأسرار التی تتضمنها الأساطیر فی قوالبها القصصیة شغلت الفکر البشری طیلة التاریخ. إن ما یظهر فی الأساطیر هو عبارة عن الفکر البشری وسلوکه فی العهود البدائیة فی ما قبل التاریخ وعند وصول البشر إلی أعتاب بوابات التاریخ. تقوم هذه الدراسة بمعالجة إحدی الحکایات التمثیلیة الواردة فی الباب الثانی من کتاب مرزبان نامه تحت عنوان العبد التاجر لتقدم صورة واضحة عن المعتقدات والطقوس فی الحیاة الاجتماعیة للبشر البدائیین والتی تختفی فی ثنایا هذه الحکایة مع إعادة النظر فی رموزها لتقدیم تفسیر دقیق عنها. وتحاول الباحثة فی هذه العجالة تتبع الفرضیات التالیة: -إن حکایة العبد التاجر وثیقة الصلة بأسطورة أدونیس وهی انعکاس للروح النباتیة وربّ الغلات. -إن حکایة العبد التاجر ذات نموذج یتبع نموذج النظام الاجتماعی المبنی علی الأباعدیة فی الزواج. -تتضمن حکایة العبد التاجر رحلة فی الزمان من عهد عبادة الأرواح إلی عهد التوحید. سوابق البحث وخلفیاته لقد أولی العلماء منذ أواخر القرن التاسع عشر المیلادی -بعد التطورات التی شهدتها العلوم وبخاصة علم النفس والانتروبولوجیا-موضوع أسلوب حیاة الإنسان البدائی اهتماماً کبیراً مرکزین علی الأساطیر بنظرة جدیدة. کما لعب علماء من مثل مانهارد، وتیلور وفنت، وماکس مولیر، ودوبویی، وفریزر، وفروید، ویونغ و... دوراً کبیراً علی هذا الصعید. وقد کان لکتاب "الغصن الذهبی" من تألیف فریزر الأثر البالغ والمهم فی هذا المجال ویمکن اعتباره إلی جانب کتاب الطوطم والمحرمات لفروید المحاولات الأولی فی مثل هذه الدراسات. والجدیر بالإشارة أن الأستاذ الفاضل الدکتور سید محمد صاحبی قد نشر مقالاً فی صفحتین تحت عنوان "انعکاس طقوس قتل الملک فی مرزبان نامه" مستفیداً من کتاب الغصن الذهبی، حیث أشار فیه إلی حکایة العبد التاجر. غیر أن هذه الدراسة تحاول تسلیط الضوء علی جمیع القضایا الموجودة فی حکایة العبد التاجر بالإضافة إلی الموضوع الذی أشارت إلیه الدراسة الآنفة الذکر. کما تحاول تفسیر أحداثها تفسیراً یعتمد علی تلک الطقوس لتعلیل رموزها بعد معرفة النماذج القدیمة الاجتماعیة السائدة علی أجوائها. ولم تعثر الباحثة علی أی أثر بحثی آخر متصلٍ بهذه الحکایة وسائر حکایات مرزبان نامه. وقبل الولوج إلی هیکل البحث أری من الضروری توضیح مصطلح "الروح النباتیة" الذی سیواجهه القارئ فی ثنایا هذه الدراسة مرات عدیدة. إن المراد بالروح النباتیة هو الرب الذی کان یمثل فی معتقدات الإنسان البدائی الخصوبة والنمو. فهو عامل النمو والاخضرار فی النباتات والمدار الذی تدور علیه الطبیعة. وهو الإله الذی ترتبط حیاته بحیاة جمیع الکائنات من البشر والحیوانات. إن مصطلح الروح النباتیة یرادف فی هذا المقال مصطلحات من قبیل: إله النمو وإله الغلات وإله الطبیعة وروح الغلات.
الحضارة والأساطیر تنشأ الحضارات وتزول بعد ذلک بزوال أو تغییر العوامل المؤدیة إلی ظهورها غیر أن زوال أیة حضارة لا یعنی بالضرورة زوال جمیع آثارها ومظاهرها حیث إنها تترک بصماتها الخفیة والظاهرة. ویحوی التاریخ الکثیر من الإشارات والدلالات الظاهرة عن الحضارات السابقة کما أن الدلالات الخفیة لتلک الحضارات تظهر فی الأقوال والآداب والأساطیر عند مختلف الشعوب. تتضمن الأساطیر الکثیر من المؤشرات الخاصة بالحضارات البشریة القدیمة من مثل الدین والسیاسة والتجارة والأخلاق والتقالید والسنن و ... فی صورة الرموز، حیث یمکن للباحث أن یمیط اللثام عن رموز وأسرار الأساطیر عبر معرفة التجلیات الحضاریة والثقافیة القومیة الزائلة والمندثرة لدی الشعوب. وإن عملیة معرفة الحضارات القدیمة هذه تستخدم الأساطیر ذاتها إلی جانب سائر القرائن من قبیل المعالم الأثریة لإعادة النظر فی أمر تلک الحضارات وإن للعملیة هذه اتجاهین اثنین دون أن تقع أسیرة الحلقات المفرغة. «إن القسم الأعظم من الأساطیر یحتوی علی معان عمیقة کانت فی أساسها ذات أبعاد حقیقیة واجتماعیة ثم انتقلت إلی أفواه الناس وعقولهم إثر الأعمال البطولیة لبعض الأشخاص لتضاف علیها أشیاء لاحقاً.» (رضی، 1961م: 705/2) إن القطیعة التی تشهدها الأفکار البشریة الیوم عن جذورها الطقوسیة والاعتقادیة الماضیة قد حوّلت إیمان الماضی إلی خرافات الیوم وجعلت سلوک القدماء مجهولة مفعمة بالأسرار، فما یبدو الیوم خرافة کان یظهر فی عین القدامی الإیمان والصدق الحقیقیین. وما نعتبره الیوم رمزیاً ومفعماً بالأسرار فی الأساطیر کان أسلوباً للحیاة الاجتماعیة للإنسان فی یوم من الأیام. والتدقیق فی المعتقدات وإعادة النظر فی الحضارات لمعرفتها ولمعرفة أسلوب حیاة البشر البدائیین من شأنه أن یکشف الأسرار عن الأساطیر لیقود العقول الباحثة عن الحقیقة من الرموز إلی الحقیقة وإلی زمن لا یعدّ فیه العالم الأسطوری أسطورة بل هو عبارة عن نظام اجتماعی حقیقی حیث تتحول المعتقدات الخرافیة فیه إلی الحقیقة المطلقة والإیمان الصادق. عبادة الطبیعة وعبادة الأرواح کانت الصلة وثیقة بین أسلوب حیاة الإنسان القدیم ومعتقداته ودینه وظروف بیئته. فقد اختار آلهته الأولی من بیئته وأسس أسلوب حیاته وتعریفه عنها علی ذلک الأساس «کانت الأساطیر والأدیان البدائیة نتیجة الاختبارات الفکریة الأولی للبشر فی محاولة منه لمعرفة الظواهر الطبیعیة وتوضیحها. وهی نتیجة الخوف أو الحیرة الناجمین لدی الإنسان البدائی من التغیرات والتطورات فی الظواهر الطبیعیة. کانت آلهة الإنسان البدائی والظواهر الطبیعیة وثیقتی الصلة فیما بینهما. فعلی سبیل المثال لم تکن آلهة الیونان سوی تصورات عن العناصر الطبیعیة ومظاهرها.» (المصدر نفسه: 407/2) إن تأثیر الطبیعة الکبیر علی مصیر الإنسان الضعیف الحائر فی الماضی قد دفعه إلی اعتبار عناصر الطبیعة آلهة وأرباباً. ولعل ذلک ما دفع لوکریتوس الفیلسوف الرومانی یعتقد أن: «الخوف هو الأم الأولی للآلهة.» (ویل دورانت، 2012م: 72/1) أضفی الإنسان عبر نزعته الأرواحیة علی کل عنصر من عناصر الطبیعة روحاً واعتبرها بین حین وآخر محور الکائنات وفضّلها علی الآخرین بجعلها آلهة واقتربت مفاهیم عبادة الأرواح وعبادة الطبیعة فی ذهنه وتحولت إلی مفاهیم مشترکة متقاربة. عبادة الأرواح فی حکایة "العبد التاجر" إن التفسیر الذی کان یقدّمه الإنسان البدائی عن الآلهة الأولی "العناصر الطبیعیة" تجلی فی جزء کبیر من الأساطیر وسیتسنی تفسیر هذه الأساطیر إذا ما تمت إعادة النظر فی هذه التفاسیر لمعرفتها بالکامل. إن حکایة "العبد التاجر" فی کتاب مرزبان نامه تمثل العلاقة بین الروح النباتیة ومبدأ الطبیعة وتفسیر هذا المعتقد فی الحضارات الزائلة والثقافات القدیمة. بناء علی هذا المعتقد فإن الحیاة تنبنی علی محور مبدأ نباتی یدعی رب الغلات أو الروح النباتیة. إنه الرب الذی یعتبر روحاً أو حیاة لجمیع النباتات ویمثل زواله أو حیاته زوال الحیاة أو استمراریتها وقد تبلور بمرور الزمن بصورة رمزیة فی أسطورة أدونیس. الروح النباتیة أو رب الغلات «کانت الروح النباتیة تمتاز بقدرتها السحریة علی إخصاب الأشجار وإنبات المزارع والحقول لذلک یبدو أن حیاته کانت غالیة وعزیزه علی عابدیها وکانت هناک علی الأرجح محاذیر أو محرمات للحفاظ علیها.» (فریزر، 2013م: 332) لا یستبعد أن یکون الاعتقاد بالمبدأ النباتی للحیاة و"ربّ الغلات" مرتبطاً بفترة ارتبطت فیها حیاة الإنسان بالزراعة والنباتات ارتباطاً وثیقاً. عندما کان زوال النباتات یمثل تهدیداً حقیقیاً لحیاة الإنسان. کما یبدو أن مصدر هذا المعتقد کان علی الأرجح المناطق المعتدلة جغرافیاً التی تعتبر فیها تغیرات الفصول وتأثیراتها ملموسة جداً علی الحیاة. وعلی الرغم من تأثیر هذه التغیرات علی جمیع عناصر الطبیعة مثل الحیوانات أیضاً إلّا أن العقل الإنسانی توجّه نحو النبات وترکزت میزة الأرواحیة لدیه علی النباتات والغلات وتصورات الرب فی وجود النباتات، ذلک الربّ الذی یمثل الروح فی النباتات ویعدّ سبباً لنموها بل هو السبب للحیاة الطبیعیة والحیاة ککل. ولا یخفی أن الأرواحیة وهی من الأجزاء الأساسیة للدین البدائی تعد الأساس الذی کان یجعل الإنسان البدائی یری فی کل کائن حی روحاً أو ربّاً أو قوة ملیئة بالأسرار. والذی یدعی روح الطبیعة أو رب الغلات وهو مبدأ الحیاة ومحورها ومنبعها، وکان الإنسان البدائی یفسر الحیاة ویعللها بناء علی ذلک تفسیراً یعتمد نظاماً نباتیاً. واستناداً إلی هذا التفسیر فإن الطبیعة تموت فی کل شتاء وتولد من جدید فی فصل الربیع. إن ولادة الربیع تعنی ولادة الحیاة التی تنبت معها النباتات أی أهم عامل للحیاة. ویختفی عامل الحیاة هذا داخل "روح الطبیعة" التی تدعی "الروح النباتیة" أو "رب الغلات". الروح النباتیة والسحر الهومیوباتی "سحر المحاکاة" إذا نسیت الطبیعة الخصوبة والولادة ومات رب الغلات عند الشتاء وتأخر عن البعث فإن الحیاة یدرکها الفساد. وهنا یأتی دور الإنسان لأداء واجبه وهو التوسل عبر مناسک تضمن حیاة النباتات وحیاة الکون فی نهایة المطاف. «إن الإنسان بعد أن شبه المصدر نفسه بالنباتات حاول من خلال تنفیذ بعض الأعمال علی المصدر نفسه إجبار الطبیعة علی القیام بتلک الأعمال.» (رضی، 1961م: 532/2) لذلک فإن علی روح الغلات أن تموت کل عام بشکل رمزی وأن تحیا بعد موتها مرة أخری لتذکّر الطبیعة بأن لا تنسی هذا البعث. إن هذا التذکیر الذی کان أحد أهم أدوات الإنسان البدائی العملیة للتصرف فی الطبیعة والکون لیس إلّا السحر "الهومیوباتیکی" أو "سحر المحاکاة". «عندما صنع الإنسان البدائی المصدر نفسه عالماً ملیئاً بالأرواح دون أن یعرف ماهیتها الحقیقیة ونزعاتها حاول بعد ذلک استرضاءها وتستمدها فی شؤونه وبذلک أضیف علی الأرواحیة الخاصة بالأشیاء التی هی أصل أصول الدین البدائی عامل آخر هو السحر.» (دورانت، 2012م: 78/1) کان الإنسان البدائی یری أن جمیع نظام حیاته یتبع مجموعة من الأسباب والمسببات لیس لها فی عقل الإنسان المعاصر وعلمه أی مکان ولا أی تبریر. إذ کان یتصرف بواسطة مجموعة من الأعمال السحریة فی هذه الأسباب والمسببات أو کان یقوم بتسریع النتائج المترتبة علی علاقات الأسباب والمسببات هذه. لقد کانت مجموعة أعماله هذه إما سلبیة ومستمدة من المحرمات أو کانت إیجابیة بقوة السحر. «إن السحر هو النظام المزور لقانون الطبیعة کما أنه دلیل الاتصال الخادع. إذا ما درسنا المبادئ الفکریة التی ینبنی علیها السحر لوجدناها تنقسم إلی قسمین علی الأرجح: الأول: إن لکل شئ یصنع ما یماثله وبعبارة أخری فإن کل مسبَّب یشبه السبب الذی صنعه. والثانی: هو أن الأشیاء التی اتصلت فیما بینها سابقاً ستظل مؤثرة علی بعضها بعض من بعید حتی بعد انقطاع هذا الاتصال. ویدعی الأول قانون المماثلة والثانی هو قانون الاتصال أو قانون العدوی. یستنتج الساحر من قانون المماثلة بأنه یمکنه إیجاد أی مسبّب بمحاکاته وتقلیده فقط ویستنتج من الثانی بأنه عندما یقوم بتصرف ما تجاه شئ مادی فإن ذلک سیترک أثراً مماثلاً علی الشخص الذی کان علی اتصال مع ذلک الشئ فی یوم من الأیام. إن منطق الساحر هو الاستخدام الخاطی لتداعی المفاهیم إن السحر الهومیوباتیکی یحمل هذا الفهم الخاطی وهو أن الأشیاء التی کانت علی صلة ببعضها البعض فی زمن ما ستظل علی اتصال فیما بینها دوماً.» (فریزر، 2013م: 87-88) إن السحر المبنی علی المماثلة یدعی سحر المحاکاة أو الهومیوباتیک[1]. فعندما یتم وخز هیکل دمیة بالإبرة لإیذاء شخص معین وسلبه الراحة أو عندما یتم ربط خیط بعدة عقد لمنع حظّ شخص معین من النهوض، فإن هذا السحر من هذا النوع ولکن السحر المبنی علی الاتصال هو ما یدعی السحر المعدی ویتم تنفیذه بطریقة أخری ومثاله القیام بأعمال معینة علی ظفر شخص أو شعره للتأثیر علیه هو. کان الإنسان البدوی یتصور أن بلوغه لمرامیه فی الطبیعة یتطلب منه القیام بتمثیل ذلک الشئ علی شکل المحاکاة "السحر الهومیوباتیکی" لیتکرر أصله بشکل طبیعی فی الطبیعة «کان الإنسان البدائی عند الجفاف وشح المطر یقوم ببعض الأعمال التمثیلیة الدالة علی نزول المطر ظناً منه أن الطبیعة ستحاکیه ویبدأ المطر بالنزول. کما کان یظن أن جعل أوراق الأشجار والنباتات کزینة علی جسده سیجعل الأرض تخرج من حالة الجفاف وتبدأ بالحرکة الربیعیة والخصب والولادة. کما کان یفکر أن قتل الشتاء ودفنه سیؤدی إلی انقضاء فصل وحلول فصل آخر ویکون هو المساعد علی ذلک.» (رضی، 1961م: 793/3) «إن زوال الحیاة النباتیة فی الشتاء کان فی رأی الإنسان البدائی عبارة عن فتور الروح النباتیة ظناً منه أن هذه الروح قد أدرکتها الشیخوخة والبلی لذا فإن من واجبه أن یقوّیه ویجدده بقتله وإعادة ولادته فی جسد أکثر حیویة وشباباً لذا فإن قتل مندوب "روح الغلات" فی الربیع مع إحیائه فی شکل إنسان أکثر حیویة وشباباً کان وسیلة لتقویة وتسریع وتیره نمو النباتات.» (فریزر، 2013م: 338) الأروح النباتیة وحکایة العبد التاجر فی جانب من هذه الحکایة یتحول العبد إلی ملک ولکنه یدرک شیئاً فشیئاً بأنه سیقتل بعد عام فقد مرّ بأرض کان الناس فیها یختارون کل عام شخصاً غریباً للملک ثم یقتلونه بعد مضی عام لیجدوا بعد ذلک خلیفة له. إن قتل الملک وظهور خلیفة له یرمزان إلی الطبیعة فإن هذا الملک یمثل فی واقع الأمر ملک الطبیعة الذی یعتبر قتله واختیار خلیفة له إشارة إلی انقضاء فصل وحلول فصل آخر محله. إنه الروح النباتیة أو ربّ الغلات الذی یموت لیبعث من جدید فی جسد أکثر شباباً ونضارة. إن التحول التدریجی للأرواحیة إلی عبادة الآباء والأجداد وتبلوره فی وجود الإنسان قد خلق آلهة کما أن تدخلات مثیل الإله هذا فی جمیع الشؤون الروحانیة والاجتماعیة قد تمکنت من إیجاد تقارب بین مفاهیم مثل الرب والإنسان والملک. کان الملک رباً یحکم الأرض وینظّم فی الوقت ذاته نظام الطبیعة والکون. لقد کانت له سلطتان إحداهما دینیة والأخری سیاسیة. «إن فکرة الإنسان- الرب أو الإنسان المتمتع بقوة ربّانیة تعود فی الأساس إلی العهود التاریخیة الأولی للدین حیث کان الرب والإنسان موجودین من طراز واحد. لقد کان لهذه الآلهة فی بعض الأحیان استخدامات روحانیة بحتة فقط وکانت تظهر فی أحیان أخری قدرة سیاسیة عظیمة فهی کانت فی تلک الحالة إلها وقائداً وملکاً فی الوقت المصدر نفسه.» (المصدر نفسه: 132) إن الروح النباتیة أو رب الغلات قد احتفظ باشتراکاته الربانیة مع الإنسان وکان یتجسد فی وجود الإنسان- الرب الذی هو الملک، إنه الملک وهو رب النمو وإن قدراته علی اتصال مباشر مع قوی الطبیعة إن هذا التفسیر النباتی الذی یعد أحد أهم نظریات فریزر یستطیع تعلیل الماهیة العامة لهذه الحکایة. وهنا لا بأس من إیراد بعض الحکایة لیتم تطبیق وتفسیر تفاصیلها بناء علی تفاصیل هذه النظریة وآراء سائر العلماء. "نبذة عن حکایة العبد التاجر" قیل إن تاجراً کان له عبدٌ ذکی وفطن، حسن الحظ ... قال له التاجر ذات یوم: أیها الغلام لو أبحرت مرة أخری وعدت لأغنیتک من أموالی ... لقد شحن الخادم السفینة ورکبها ... لقد بدأت الأعاصیر بالهبوب من کل صوب وقلب السفینة ... وغرقت السفینة وجمیع ما فیها فی ورطة العدم لکنه وصل إلی سلحفاة بحریة وتعلق بها ورکب علی ظهرها حتی بلغ بها جزیرة وجد فیها بساتین کثیرة من النخیل ... سار عدة أیام ولیالی حتی وصل إلی مدینة .. لقد وجد خلقاً کثیرین خارجین من المدینة ... کانت أصوات الطبول والمزامیر قد دوت فی آذان السماء ... تقدموا نحوه وحیوه وقبلوا الأرض أمامه کالعبید ... وقالوا له جمیعاً: أیها الملک أنت الملک ونحن جمیعاً عبیدک. أنت تأمر ونحن ننفذ أوامرک لینعم الملک والعرش بوجودک ... فجلس علی العرش ... وأعطی کل شخص منصباً .... لقد اختار أحد المقربین منه ... وجعله متفوقاً علی جمیع أقرانه ... ودعاه یوماً ... وسأله ... أریدک أن تخبرنی عن الحقیقة ... فقال له: أیها الملک اعلم أن أحداً یأتی من هذا الجانب فی کل عام فیحضرونه کما أحضروک ... وعندما یحکم عاماً واحداً ... یأخذونه شاء أم أبی إلی ضاحیة هذه المدینة حیث إن فیها بحراً هائلاً یحول بین المدینة والصحراء فیأخذونه إلی تلک الصحراء ویترکونه کالبهائم الحائرة یهیم علی وجهه ویترک هناک فی قلق واضطراب. خلعوا علیه وزینو ه ومرّ فی عِزّ ورفعة وکذاک یفعَلُ بالجزو رلنحرها فی کل جمعة (الوراوینی، 2005م: 104-112) وهنا یطرق الملک برأسه متأملاً یبحث عن حل للمشکلة ویری أن الحل الوحید هو الاستعانة بهذا الشخص الذی دلّه علی الأمر واختیار مجموعة کبیرة من الصناع فی تلک الدیار وإیفادهم إلی تلک الصحراء لإنشاء العمارات الکثیرة فیها وتوفیر ما یتطلبه الإنسان للعیش وإعمار أراضی الصحراء بإیصال المیاه إلیها حتی یتمکن من مواصلة حکمه علی الناس فی الصحراء بکل راحة وهدوء عندما یتم عزله من ملکه إذ إن تلک الصحراء تکون قد تحولت إلی أرض عامرة. لقد انقضی عام علی ملکه وانتهی حکمه: «فی ذلک الیوم الذی کان یصادف نهایة السنة اجتمع الناس بباب القصر کعادتهم لعزله من العرش ... وأخیراً أخذوه وأجلسوه فی السفینة وأوصلوه عبر البحر إلی الصحراء. عند ذلک قدم الخادمون المستعدون لاستقباله والذین کانوا یترقبون قدومه واستقبلوه فنزل بذلک المکان مرتاح البال قریر العین لیبلغ السعادة فی متنزهات تلک الدیار.» (المصدر نفسه: 118) وفی نهایة الحکایة نجد القاص یستنتج منها نتیجة تمثیلیة معتقداً أن لهذه القصة بعداً تمثیلیاً وأن رمز هذه الأسطورة موضوع تربوی إذ إنها تعظ الإنسان بأن الدنیا مزرعة الآخرة وأن الفائز هو من لا ینشغل بملذات الدنیا ویعلم أن أفراح هذه الدنیا عابرة فهو یعمل بکل ذکاء علی إعمار آخرته. «والآن أیها الأولاد استعموا ورکزوا علی تفهم رمز هذه الحکایة واعلموا أن ذلک الغلام الذی جلس فی السفینة هو کالطفل داخل الجنین ... وأن غرق تلک السفینة والوصول إلی تلک الجزیرة وبلوغ المدینة واستقبال جماعة من الناس له إشارة إلی المشیمة التی هی مقر الطفل فی بطن الأم عند الوضع ... فعندما یأتی الإنسان إلی هذا العالم یقوم بتربیته ... الکثیرون من الوالدین والمرضعات ... إذا کان من نصیبه بلوغ السعادة السرمدیة ... کما کان من نصیب ذلک العبد فإنه سیفکر ملیاً بأن علی الذهاب یوماً من هذا المکان ... فلا یفتأ یعمل جاهداً لبناء المنزل الذی سیحتاج إلیه فی الدار الآخرة ولا یدخر جهداً لذلک ویعمل علی تقدیم ذخائر السعادة الأبدیة إلی أن یحین أجله ویؤخذ من دار الفرار ... إلی تلک الصحراء التی هی عبارة عن الآخرة.» (المصدر نفسه: 122) أجزاء الحکایة وأحداثها تنقسم هذه الحکایة إلی قسمین ومجموعة من الأحداث فی کل قسم وهی قابلة للتفسیر فی موضعها. القسم الأول 1. هناک عبد أبحر بعیداً عن وطنه 2. تنهدم سفینته ویتمکن هو بکل جهد من الوصول إلی جزیرة 3. إن الجزیرة خضراء ملیئة بغابات النخیل 4. یستقبله أناس بحفاوة ویختارونه ملکا علیهم 5. یتم عزف النای والطبول والمزامیر عند استقبالهم له 6. إنهم ینوون قتله بعد عام من الحکم 7. یأخذه الناس إلی ذلک البحر وعبره یتم نقله إلی صحراء قاحلة ویترکونه هناک لیقضی ویبحثون عن ملک جدید 8. یطلع العبد بذکائه علی القصة ویفکر فی حل ینتهی إلی نجاته.
القسم الثانی
وجوب قتل الملک لقد مر آنفاً أن الملک أو الإنسان- الرب هو مندوب الروح النباتیة أو رب الغلات المصدر نفسه فعلی أساس قانون السحر الهومیوباتیکی فإن قتله واختیار خلیفة له عامل من عوامل تغییر الفصول وقدوم الربیع ونمو النباتات ولکن السؤال الذی یطرح المصدر نفسه هو أنه لماذا علی ملک الطبیعة هذا أن یقتل؟ لماذا لا یترک لیموت میتة طبیعیة لیخلفه شخص آخر؟ لقد کان الجواب الذی توصل إلیه فریزر عبر دراسة القرائن الکثیرة التی حصل علیها حول هذا التقلید فی أماکن متعددة من الأرض هو أن قتل الملک کان محاولة لمنع نقص الخصب والقدرة علی الولادة. لابد من قتل الملوک فی ذروة الشباب والصحة والقوة لتنتقل قواهم قبل الضعف إلی شخص أکثر شباباً وقوة. «إن البشر البدائیین کانوا یعتقدون أن صحتهم بل وصحة العالم مرتبطتان بالإنسان- الرب هذا أو التجسید الألوهی عبر الإنسان. لذلک فإنهم کانوا یراقبون صحته لأجل صحتهم. غیر أن أیة دقة مهما کانت کبیرة لن تتمکن من منع الشیخوخة والضعف والموت للانسان- الرب. فإذا مات الإنسان- الرب میتة طبیعیة فإن ذلک یعنی عند البدائیین أن روحه قد ترکت الجسم بإرادتها ولن تعود بعد ذلک أو المعتقد الأکثر رواجاً هو أن الشیطان أو الساحر هما اللذان أخرجاها من جسده وجعلاها حائرة علی أقل تقدیر. کما أن الموت الناجم عن المرض یعنی أن الروح تکون قد ترکت الجسم فی أسوأ مراحل الضعف الجسدی فإذا انتقلت إلی جسد جدید فإنها سترافقه بالضعف والفتور لتواصل حیاتها علی هذه الحالة بینما کان اعتقاد الناس یقضی بأن قتله یضمن لهم فی المرحلة الأولی السیطرة علی روحه عند الهروب ویمکنهم نقلها إلی خلیفة مناسب وفی المرحلة الثانیة فإن قتلهم له یعنی أنهم سبقوا ضعف قواه الطبیعیة مما یعنی أن زوال الإنسان- الرب لا یؤدی إلی زوال العالم.» (فریزر، 2013م: 295) إن الاعتقاد السائد هو أن الروح النباتیة یجب ألا تموت وألا یدرکها الضعف والبلی لذلک فإن الإنسان- الرب مادام قادراً علی أداء واجباته الخطیرة فإنه یحب أن یبقی علی مسؤولیته. لقد أثبتت دراسات فریزر أن تحدید الأقوام البدائیة للزمن الذی تنتهی فیه صلاحیة الإنسان- الرب لمواصلة الحکم کان مختلفاً. فهناک من کانوا یقتلونه بمجرد ظهور الشعرة البیضاء الأولی علی رأسه وکان البعض الآخر منهم لا یقتلونه مادام قادراً علی الدفاع عن المصدر نفسه وعندما کان یظهر شخص قادر علی قتله فإن منصبه کان یتحول إلی قاتله. غیر أن أکثر النماذج تشیر إلی فترة محدودة من الحکم للملک. إن الزمن المحدد هو ذلک الزمن الذی کان یعتقد الإنسان البدائی أن القدرة علی حفظ الروح الالهیة فی وجود الإنسان- الرب أو الرب- الملک ممکنة حتی نهایتها. ویبدو أن تحدیدهم لهذا الزمن الخاص حسب معتقداتهم مرتبط بفترة زمنیة لدورة من الکمال فی الحیاة. «إن الملک أو الکاهن السماوی مجبر علی البقاء علی الحکم إلی الوقت الذی یظهر فیه نقص جسدی فی ظاهره أو علامة ظاهرة من الضعف والمرض أو الشیخوخة. إن ظهور أی ضعف إشعار بأنه لم یعد قادراً علی أداء مهامه الإلهیة. و یبدو أن بعض الأقوام کانت لا تنتظر ظهور أمارات الضعف والشیخوخة وکانت تفضل قتل الملک عند قدرته وفی ذروة حیویته. لذا فقد کانت حددت فترة لم یکن فیها الملک ممنوعاً من مواصلة الحکم وکان لابد من قتله. لقد کانت هذه الفترة فی بعض المناطق جنوبی الهند تستمر لمدة 12 عاماً. وفی العصور السحیقة ما قبل التاریخ کان ملوک بابل وأسلافهم المتوحشة بعد انتهاء عام واحد من الحکم یتخلّون عن الملک وعن حیاتهم بالکامل.» (المصدر نفسه: 305-313) إن أبسط تعلیل لتحدید فترة عام واحد هو الإشارة إلی أکثر التعلیلات انسجاماً مع الطبیعة وهی نهایة دورة کمال للفصول الأربعة. کما أن معتقدات البشر البدائیین حول العدد 12 جدیرة بالاهتمام. فهو العدد الذی یتمیز بالتقدیس علی خلاف العدد الذی یلیه. «لقد کان العدّ فی بدایة الأمر یتم عبر أصابع الید ومن هنا ظهرت الأعشار. فعندما استطاع الإنسان فهم معنی العدد 12-ولعله کان بحاجة إلی فترة من الزمن للوصول إلی ذلک- أدرکه الکثیر من السرور إذ إنه وجد عدداً قابلاً للقسمة علی خمسة إلی ستة من الأعداد الأولی وبذلک دخلت الأعشار منذ ذلک الحین مبنیة علی العدد 12 فی الحساب. إن العدد 13 لیس قابلا للقسمة علی أی عدد خلافاً للعدد الذی یسبقه ولذلک فقد تشاءم به الناس وکرهوه.» (دورانت، 2013م: 96/1) تتویج شخص غریب ملکا لقد کان مفهوم الملک الممزوج بمفهوم الرب یضع علی عاتق الملک مسؤولیات صعبة ومنهکة فلم یکن الملک مستبداً بالمفهوم الذی نعرفه الیوم إذ کان الملک یعیش لأجل دیمومة حیاة الکائنات الحیة وکان یحتاج إلی المراقبة الدقیقة إذ إن قدرته علی التصرف فی الکون والطبیعة کانت تتطلب منه أن یخضع جمیع تصرفاته للمراقبة الشدیدة. «إن أی تصرف للملک -حرکة رأسه- أو رفع یده- کان یترک تأثیراً علی الطبیعة وکان من الممکن أن یثیرها.» (فریزر، 2013م: 215) لذا فإن جمیع آعماله وحرکاته کانت تخضع للحظر الشدید وکان هذا الحظر علی حرکاته تتم مراقبته بشکل جاد بواسطة عابدیه ومن کانوا یراقبونه بصورة مشددة. فهو کان ممنوعاً من وضع رجلیه علی الأرض کما کان محظوراً علیه أن یری أو یری ومن ذلک منع -إشراق الشمس علی رأسه- منع حلق لحیته أو ظفره منع النوم ومنع الملامسة أو منع ملامسة أحد إیاه و ... إن هذه الأنواع المتعددة من الحظر هی ما یصفه فروید بمحرمات الملک. «إن محرمات المراسم الحکومیة فی ظاهرها تعکس تجلیات أعمق الاحترامات کوسیلة لتوفیر الأمن الکامل للحاکم غیر أنها فی واقع الأمر عقاب یتحمله الحاکم لعلو شأنه.إن شدة وقسوة أحکام المحرمات قد أدتإلی نتیجة مهمة تاریخیاً وهی أن الرغبة فی بلوغ الحکم قد زالت بالکامل.» (فروید، 1972م: 73) إن عدم الرغبة هذا الذی أدی إلی زوال الحیاة تحول إلی عامل فیما بعد لیتم تنصیب الملک رغم إرادته ویفرض علیه هذا المنصب فرضاً. «فی بعض القبائل الأفریقیة کانوا یلقون القبض علی من یریدون تعیینه کخلیفة للسلطان أو یربطونه بالحبال ویراقبونه فی دار الأصنام ویستمرون فی حبسه حتی یعلن عن استعداده لقبول هذا المنصب ویعترف به.» (المصدر نفسه: 68) وکانت إحدی الحلول تعیین الغرباء والأجانب ومن لا یعرفهم أحد لهذا المنصب. «کان الملوک الأوائل من الأجانب الذین یتم تقدیمهم کقرابین للآلهة فی احتفالات ضخمة بعد فترة قصیرة من الحکم. إن الامتناع عن قبول منصب السلطان کان یتبعه عقاب شدید جداً مما أدی إلی أن تقبل أکثر القبائل بتسلیمه إلی الأجانب.» (المصدر نفسه: 74-68) «لقد صوّر سرفانتس فی روایته "دون کیخوتی" حال إنسان غریب غافل عن کل شئ یجد المصدر نفسه فجأة فی مواجهة القدر ویصبح ملکاً ومن ثم کان یتعرض لأسوأ الأحداث وأکبر المشاق والصعاب التی عرضها فی قالب فکاهی رائع.» (راجع سرفانتس، 1970م: 1093/2) غیر أننا نشاهد فی الأساطیر والقصص القسم الأول من هذه الطقوس دون ذکر نهایتها المخیفة. ففی الأساطیر الإیرانیة نواجه نماذج من هذا القبیل حیث إن البطل عندما یتوجه نحو مکان معین لإنجاز عمل ما فی طریقة فی الجبال أو الصحاری یبلغ مدینةویختاره الناس فوراً ملکا علیهم.«ففی منظومة "همای وهمایون" لخواجوی کرمانی نری أن همای الأسیر فی سفینة سمندون الزنجی التی تعرضت بدورها للأعاصیر الشدیدة مما أدی إلی غرق سمندون وأصحابه غیر أنه یتمکن من الخلاص بتلک السفینة المحطمة ویبلغ جزیرة خضراء ویبدأ فیها بالسیر ویواصل سیره فیها فی الیوم التالی إذ یواجه عدداً من الفرسان الذین یبحثون عن ملک لبلادهم بعد وفاة ملکهم وکان من تقالیدهم أنهم یذهبون إلی الصحراء ویختارون أول شخص یواجهونه ملکاً لبلادهم وبذلک یتحول همای إلی ملک لتلک البلاد.» (راجع خواجوی کرمانی، 1969م: 45-42) تتویج العبد ملکاً إن أسطورة حاکم مروج معبد "نمی" الذی ترکزت حوله دراسات فریزر عبارة عن أسطورة کاهن فی منصب السلطان. لقد خلف هذا الکاهن الملک الذی قتله وکان من یستطیع قتله سیتحول إلی ملک أیضاً. والطریف فی الأمر أن الوحید الذی کان یسمح له بهذا الصراع من أجل بلوغ الحکم کان عبداً هارباً. «کان یجب ألا ینکسر غصن من أغصان المعبد وکان یسمح لعبد هارب فقط بکسر أحد الأغصان –إذا استطاع ذلک- وکان نجاحه فی هذا الأمر سیمکّنه من أن یواجه کاهن المعبد وینازله فإذا تمکن من قتله أصبح حاکما علی تلک المروج بدله.» (فریزر، 2013م: 74) «کما أن من کان یرید أن یصبح کاهنا فی معبد آرتمیس کان علیه أن یتغلب علی منافسه فی الصراع وجهاً لوجه وکان یمنع الناس من الأحرار المشارکة فیه إلا العبید الهاربین من أسیادهم.» (المصدر نفسه: 25) کان علی خلیفة الملک أن تتوفر لدیه شروط خاصة وأن یثبت جدارته عبر اختبارات تتطلب الشجاعة والقوة القتالیة التی هی من أمارات الصحة والقوة الجسدیة. إن السبب فی ضرورة اجتیاز الاختبارات الجسدیة الصعبة واضح تماماً. کان علی العابدین أن یتأکدوا من صحة ملکهم وقدراته الجسدیة لأداء المسؤولیة الکبیرة الملقاة علی عاتقه. «إن الحکام المقدسین کانوا یمثلون المندوبین الأحیاء للآلهة وکان یجب أن یقتلوا علی ید رجل ذی عزیمة کبیرة والذی کان قادراً علی إثبات أحقیته فی الألوهیة والحکم المقدس بقوة الجسد بواسطة السیف.» (المصدر نفسه: 212) غیر أن تبریر کون القاتل عبداً هارباً یبدو أنه راجع إلی أمرین الأول مسؤولیة الملک التی لم یکن أحد لیقبلها والثانی هو مفهوم الرق فی العهود القدیمة. لم یکن العبید خدماً قبیحی المنظر ضعافاً أشقیاء فحسب، لقد کان المصارعون الرومان عبیداً أیضاً وکان ذلک هو السبب الذی یدفعهم إلی تحمل التدریبات الشاقة الخاصة بالقتال ونیل مهارات الدفاع الفردی وکان القانون الوحید فی حیاتهم التی کانت وسیلة لترفیه الملوک الرومان هو "اقتل لکی تعیش". إن قصةسبارتاکوس خیر شاهد علی هذا الأمر لذا فإن أی عبد لم یکن یصلح لبلوغ منصب الکاهن لکنه کان عبداً ذا قوة جسدیة عالیة ومهارات قتالیة خارقة وذکاء خارق أیضاً یمکنّه من الهروب من مدرسة المصارعین التی کانت خاضعة للمراقبة الشدیدة ولأن هذا الهروب کان یتبعه عقاب الموت إذاً فإن فترة من الحکم فی أرض أخری کانت تمثل له فرصة جدیدة. إن هذا الهروب من الهلاک وتولی الحکم الطقوسی فی بلاد أخری مشهود فی أسطورة دیانا أیضاً. «إن هروب العبد إعادة انعکاس لهروب "اورست" وکان صراعه مع الکاهن یرمز إلی الضحایا الذین کان یتم تقدیمهم للإله "دیانا" فی عصور سابقة فحسب هذه الأسطورة فإن بطلاً یدعی "اورست" سنّ عبادة "دیانا" فی "نمی" فقد هرب بعد قتل الحاکم إلی إیطالیا مع شقیقته وأخذ معه إلی هناک تمثال دیانا.» (المصدر نفسه: 74) إن حکایة العبد التاجر أسطورة عبد یصبح ملکاً فهو لم یهرب غیر أن ابتعاده عن أرضه یجعل سکان الجزیرة قادرین علی تصور الهروب وإن لم یکن مصارعاً رومانیاً غیر أن اجتیازه للبحر وخلاصه من الأعاصیر والغرق یثبت قدراته الجسدیة فإن من یتمکن من اجتیاز بحر هائج کهذا فهو قادر لا محالة علی الاحتفاظ بقدرة الملک المقتدر. اجتیاز البحر إن العبد یدخل الجزیرة عبر البحر ومن المقرر أن یقاد نحو القتل عبر البحر مرة أخری ولا بأس هنا من الإشارة إلی البحر ووجود الساحل فی تلک الأرض وهی قضیة نشاهدها فی القصص الأخری المماثلة. مثل "همای وهمایون". إن هذه الدراسة تسعی إلی تقدیم تفسیر طقوسی عن هذه الحکایة ولکننا لا نری بأسا بإشارة إلی التفسیر الرمزی لها أیضاً: فکما ذکر القاص –وفهمه عن هذا الرمز یثیر عندنا العجب- فإن تحطم السفینة والسقوط فی الماء رمز الولادة والخصب وهو رمز قدیم کثر استعماله فی قصة داراب فی شاهنامه و فی قصة موسی وکثیر من القصص الأخری. «مما لا یرقی إلیه الشک هو أن وضع الطفل الرضیع فی سلة،ما هو إلا عرضاً استعاریاً للولادة فالسلة هنا ترمز بالمجاز إلی بطن الأم والماء هو السائل الجنینی ففی کثیر من هذه التخیلات نلاحظ أن تصویر العلاقة القائمة بین الأم والأولاد یتم عرضه عبر إخراجهم من الماء أو الخلاص والنجاة منه.» (فروید، 1969م: 6) فعلی أساس التحلیل الرمزی فإن اجتیاز العبد للبحر یعنی عبوره من العدم إلی الحیاة کما أن عودته إلی البحر یمکن أن تکون رمزاً للعودة من الحیاة إلی العدم وإن الذهاب والإیاب یمثلان مجموعة الولادة والموت لملک من الملوک أی دورة الموت والبعث لإله الخصب. غیر أن التحلیل الطقوسی الذی تهدف الدراسة إلی معالجته وتشکل أساس تفسیرنا هنا فالسباحة واجتیاز الماء وتسلیم الشخص إلی الماء و ... یعود بجذوره إلی السحر الهومیوباتیکی الذی یسعی إلی التأکد من مستوی هطول الأمطار وتوفیر المیاه للزراعة. «کان تقلید السباحة أمراً شائعاً فی الشمال الأفریقی.» (فریزر، 2013م: 390) کما أن تقلید السباحة کان شائعاً فی إیران فی یوم یدعی "آبان". کما أن مراسم طقوس "أدونیس" الذی سنتحدث عنه لاحقا عبارة عن مراسم تقام بواسطة مفهوم الموت وبعث أدونیس عبر البحر أو النهر. إن أدونیس الذی یرمز إلی رب الغلات والروح النباتیة کانت تقام کل عام بمناسبة موته مراسم العزاء ومن ثم کانت الاحتفالات تقام مرة أخری بسبب عودته. «کانت النساء یزین تماثیلأدونیس ویقمن بتشییعه فی موکب جنائزی کأنهن یقصدن دفنه ثم کن یرمینه فی البحر أو النهر لیحتفلن فی الیوم التالی بعودته.» (المصدر نفسه: 383) وفی طقوس مماثلة کان یتم إلقاء جذع شجرة فی الماء بدل تمثال أدونیس. «إن الفارق بین الطقوس علی الشکل الأول والثانی هو أن الثانی کانت تظهر فیه الروح النباتیة فی شکل جذع الشجرة "نبات" أی فی شکله الأصلی. بینما کان للروح النباتیة شکل انسانی فی عبادة "أدونیس". إن موت أدونیس وبعثه یمثلان زوال الحیاة النباتیة وولادتها الجدیدة.» (المصدر نفسه: 392) إن خروج العبد من الماء وعبوره منه نحو الصحراء للهلاک والموت یشبه إلی حد کبیر قصة أدونیس فهو یمثل الموت والبعث لرب الغلات بالهدف المصدر نفسه أی هطول الأمطار وتوفیر المیاه الکافیة للزراعة والتوسل إلی السحر الهومیوباتیکی. «لقد کان الإنسان الأولی یعتقد أن المحاکاة تترک التأثیرات التی یرید الوصول إلیها لذا فإنه کان یرش الماء ویرید به الحصول علی المطر ویشعل النار ویرید به إشراق الشمس کما أن محاکاته لنمو المحاصیل کانت تجعله یأمل فی وفرة المحاصیل. کذلک فإن إلقاء النباتات أو التماثیل سحر یمارس للتأکد من کثرة الأمطار ووفرتها.» (المصدر نفسه: 391) کما أن الملک کان یجب أن یتمتع بقوة الخصب وإنزال المطر. "لذلک کان یدخل تلک الأرض عبر المیاه" کما کان یجب قتله قبل أن تضعف قواه. وأن یعود إلی الماء مرة أخری وذلک لضمان هطول الأمطار والزراعة المثمرة. النای والطبل والمزمار لقد تم وصف مراسم الاستقبال علی النحو التالی:کان الضجیج علی أشده وکانت تستخدم الطبول والمزامیر والنای وکان الناس یحملون الأعلام و ... کانت هذه المراسم تبدو للوهله الأولی مراسم استقبال عسکریة،سیاسیة وکان یظنّ بأنها تجری من فرط السرور. لقد ورد ذکر أدوات اللهو أیضاً غیر أن عبارة «صوت النای الحزین لا یتناسب مع هذه الأجواء المفعمة بالسرور أو الأجواء العسکریة. ویبدو للباحثة من خلال هذه الأسطر أن هذه الأجواء الملیئة بالسرور عبارة عن أصوات تعکسها: لقد اجتمع خلق کثیرون من الرجال والنساء من المدینة وهم یحملون أدوات اللهو والفرح وأنواع وسائل التبرج والتجمل.» (الوراوینی، 2005م: 106) کما أنها تعکس حالة الحرب والخوف الناجمة منها «لقد ضرب زلزال المواکب الأرض وحمحمة المراکب عنان السماء.» (المصدر نفسه: 106) کما أن "صوت النای الحزین" یحدث حالة من الحزن والألم. «إن صوت النای الحزین وصوت الطبل والمزمار قد طنّ فی آذان الفلک ...» (المصدر نفسه: 106) تری الباحثة أن کتاب مرزبان نامه رغم کونه یتصف بالاهتمام بالمحسنات الأدبیة غیر أن ما تضمنته هذه الأسطر لا ینحصر علی التلاعب اللفظی والأدبی فحسب بل إنه یرتبط بماهیة القصة الأساسیة "الموت والبعث". إن هناک قرائن تشیر إلی التشابه الموجود بین هذه الأوصاف وبین طقوس أدونیس ومراسم الحصاد فی الأدوار الماضیة. انظر إلی حالة النواح والإنشاد فی هذا النموذج: «کان سکان الاسکندریة یرتدون ملابس العزاء فی طقوس أدونیس ویشعّثون شعرهم ویعرّون صدورهم حاملین تمثال أدونیس المیت إلی شاطئ البحر ویسلمونه إلی الأمواج. غیر أن نواحهم وحزنهم لم یکونا نابعین من الیأس إذ إن المنشدین کانوا یشیرون إلی الجمیع بأن الإله المیت سیعود.» (فریزر، 2005م: 384) إن الثنائیة الموجودة فی هذا الکلام وکذلک صوت النای الحزین المفعم بالألم تظهر فی النص التالی أیضا: «کان الفینیقیون یقیمون الحداد علی موت أدونیس فی کل عام بصوت النای الحزین والبکاء والمآتم واللطم علی الصدور ولکنهم کانوا یعتقدون بأنه سیعود غداً حیاً.» (المصدر نفسه: 384) أما الشواهد الأخری فتأتی من مراسم خاصة بالحصاد إذ نشاهد فیها النواح بینما لیس هذا الموسم موسماً محزناً بل هو باعث علی الفرح والسرور: «فی مصر القدیمة کان الحاصدون عند حصاد المحاصیل الأولی الزراعیة ینوحون داعین الإله الذی کانوا یعتبرونه السبب فی اختراع الغلات وکانوا یعتبرون أالمصدر نفسهم مدینین له. کما کان الفینیقیون وسکان غربی آسیا ینشدون غناء محزناً عند قطف العنب.» (المصدر نفسه: 483) وفی النهایة فإن هذا الضجیج والأصوات والأعلام التی تم ذکرها فی هذه الحکایة یمکن أن تقارن بالنموذج الآتی: «إن السکان المحلیین فی مکسیکو یضربون بأکفهم علی شفاههم ویضجّون و یربطون منادیل حمراء کالأعلام علی العصی ویحملونها وذلک فی موسم الحصاد أو عند حرث الأرض.» (المصدر نفسه: 489) نود هنا الإشارة إلی هذه الثنائیة الموجودة بین الخوف والأمل والفرح والحزن الذی نشاهدها فی هذه المراسم علّنا نجد ارتباطا بینها وبین الأوصاف التی ورد ذکرها فی مرزبان نامه عن مراسم الاستقبال لنقوم بتفسیرها جمیعاً علی محور الماهیة العامة للاعتقادات الخاصة بالموت والبعث والروح النباتیة وبتجسیدها فی القتل وخلافة الملک. کانوا یقیمون الحداد علی الملک المیت ویفرحون مستقبلین الملک الجدید کما أنهم کانوا یعتقدون عند موسم الحصاد وإجراء طقوس أدونیس أن روح الغلات هی التی تموت وتبعث من جدید. «إن روح الغلات تقتل فی کل عام عند مکان درس المحصول وفی موسم الحصاد إن النواح علی أدونیس کان فی أساسه نوعاً من طقوس الحصاد التی کانت تقام لجلب عنایة رب الغلات.» (المصدر نفسه: 497-388) إن بالإمکان أن نضیف تبریرین آخرین لمراسم الاستقبال هذه: إن التبریر الأول هو مراقبة روح الغلات وتوجیهها. لقد کانت معتقدات الإنسان البدائی حول الأرواح مبنیة علی الخوف والهلع الشدیدین الناجمین عن محرمات الأموات. فهو کان یعتقد أن الروح معرضة لأخطار مخیفة. إذ من الممکن أن تغادر الروح الجسد وألا تعود إلیه. کما أن من الممکن أن تخضع لسیطرة الشیطان أو الأرواح الخبیثة الأخری وقد تضیع وتحتار و ... لذا فإن من الضروری توجیه الروحومراقبتها بواسطة السحر، کان اعتقادهم یقضی بأن الصراخ والعویل والضجیج والأناشید والأغانی وربط المیت بالحبال عند الموت بإمکانه أن یوجه الروح نحو المکان الذی یجب أن تتجه نحوه. لذلک فلیس من المستبعد أن نتصور أن روح الغلات عند قتل الملک تحتاج إلی المراقبة والتوجیه للاستقرار فی مکانه الآمن الخاص به للبعث المجدد إذ یجب أن تکون بعیدة عن الضیاع. «أ "لأجل إعادة الروح الحائرة" کان یتجه جمع غفیر من الرجال والنساء إلی الجبّانة وکان الرجال یعزفون النای هناک، أما النساء فکن یصفّرن فی محاولة لإعادة الروح الحائرة ویوجهونها بالضرب علی أکفهن.» (المصدر نفسه: 235) کما أن علی روح الغلات أن تبقی بعیدة عن سیطرة الأرواح الشیطانیة وتسخیرها. «إن تنفیر الروح بالصراخ والضجیج أسلوب سحری.» (بروید، لاتا: 19) أما التبریر الثانی فیتم عبر السحر الهومیوباتیکی. إن محاکاة الرعد والبرق عامل من عوامل هطول الأمطار کما أن صوت المزامیر والطبول و ... یدفع الفلک إلی إیجاد الرعد والبرق وهطول الأمطار. النخیل إن ارتباط النخیل بالخضرة والنضارة فی الأرض المقصودة قابل للفهم إزاء الزراعة والتبریر النباتی الذی هو محور هذه الحکایة. غیر أن الإشارة إلی اسم النخیل بین هذه النباتات بشکل خاص لا یخلو من الارتباط بینها وبین الموقع الجغرافی الذی ظهرت فیه فکرة الموت والبعث والروح النباتیة وطقوس قتل الملک. «کانت الضحیة الجدیدة التی یتم اختیارها للعام التالی یعبد کظهور مجدد للضحیة السابقة فی الطقوس البدائیة. وکانت هذه العقیدة بسبب المقارنة والتشبیه بینه وبین الربیع حیث کان إله الأرض یبعث بعد موت خریفی مرة أخری لقد کانت أسطورة الموت والبعث للإله علی شاکلة الإنسان جزءاً لا یتجزأ من جمیع الأدیان فی غرب آسیة والشمال الشرقی للقارة الأفریقیة.» (دورانت، 1970م: 417) «ویبدو أن التضحیة أو بتعبیر آخر تضحیة الإله بالمصدر نفسه فی کل عام کانت من میزات المذاهب السامیة.» (فروید، 1972م: 206) بالإضافة إلی ما مرّ فإن طقوس أدونیس التی تعتبرتجسیداً لهذا المعتقد فی قالب الأسطورة تعد شاهدة علی ذلک. «إن أدونیس فی الأساطیر الیونانیة هو معشوق افرودینه فبعد موته وافقت الآلهة علی أن یبعث ستة أشهر من السنة وذلک بإصرار من أفرودینه. لذلک فقد کان الیونان یحتفلون سنویاً فی احتفالات آدونیا بموته وبعثه اللذین یرمزان إلی موت الطبیعة وحیاته السنویة.» (مصاحب، 2002م: کلمة أدونیس) «ویبدو أن هذه الطقوس کانت تقام فی الأراضی الواقعة شرقی البحر الأبیض المتوسط أکبر وأضخم من أی مکان آخر. کانت الشعوب فی مصر وفی غربی آسیة یقیمون الاحتفالات بزوال الحیاة وبعثها سنویاً بتجسیم إله کان یموت فی کل عام ویحیا من جدید وذلک تحت أسماء من مثل ازیریس وتموز وأدونیس وآتیس کانت أسماء هذه الطقوس وتفاصیلها مختلفة عن بعضها البعض من مکان إلی آخر غیر أن ثیماتها وموضوعاتها الأصلیة کانت واحدة.» (فریزر، 2013م: 359) والمهم أن نعلم «أن أدونیس کان معبود الشعوب فی بابل وفی سوریا واستعارهالیونان منهم فی القرن السابع قبل المیلاد. غیر أن هناک قرائن تشیر إلی أن عبادة أدونیس قد ظهرت لأول مرة بین السومریین.» (المصدر نفسه: 359) ولا یخفی ما بین هذه البلاد والنخیل من ارتباط وثیق. ونکتفی هنا بالإشارة إلی أن أنشودة شجرة آسوریک التی هی من الآثار الباقیة من ایران ماقبل الإسلام عبارة عن مناظرة جرت بین ماعز ونخله وکان الماعز یمثل المجتمع المعتمد علی تربیة المواشی حسب رأی بعض الباحثین کما أن النخلة کانت تمثل المجتمع الزراعی. إنقاذ العبد تری الباحثة أن تبریر وتفسیر حکایة العبد التاجر یتطلبان النظر إلیها من ثلاثة منطلقات. الأول النظر إلی القصة من منطلق الأرض التی یغادرها العبد ویدخل فی قضایا وردت تفاصیلها فی الحکایة وتسمی الباحثة هذه الأرض "أرض البطولة". الثانی النظر إلی القصة من منطلق الأرض التی یدخلها العبد وتسمیها الباحثة "أرض الضحیة". والثالث النظر إلی القصة من منطلق وجهة نظر الراوی الذی ینظر إلیها بعد مضی زمن طویل ویقوم بتفسیر أحداثها وتطلق الباحثة علیها اسم أرض الراوی. یتسنی تفسیر وتبریر الأحداث الواقعة فی أرض الضحیة عبر التفسیر الطقوسی کما أن تبریر أحداث أرض البطولة ممکن بتفسیر رمزی لها أما تفسیر أحداث أرض الراوی فممکن من خلال تفسیرها التمثیلی. وجهة النظر من منطلق أرض الضحیة لقد قدم غریب عبر المیاه إلی هذه الأرض ویبدو من ملامحه بأنه رب الغلات وملک الطبیعة ویحمل معه روح الملک السابق الذی تم إطلاق روحه من جسده قبل وصول هذا الغریب لذا فإن علی الجمیع إکرام هذا الملک ومراقبته لیحفظ الروح النباتیة والقوة الملکیة معه وعندما یحین موعد نقل الروح فإن الملک العزیز سیقدم ضحیة. حتی تنتقل روحه فی صحة دون أی إنهاک أو تعب إلی جسد آخر وتواصل حیاتها هناک. ولکی یتم ضمان هطول الأمطار فإن التضحیة تجری عبر البحر ویسلم الضحیة إلی البحر. هذه هی الأحداث من منظور الأرض التی نزل إلیها العبد وهی أرض الضحیة. أما النظر إلی القصة من منطق أرض البطولة:یغادر البطل مدینته ویبتعد عنها ویواجه فی طریقه الأخطار التی تحدق به حیث یتمکن بقوته الجسدیة من الخلاص عن الغرق ویدخل أرضاً غریبة ویشاهد فیها أناساً عجیبین بسلوک یبدو له غیر مفهوم حیث یولّونه ملکا علیهم أولاً ویریدون قتله بعد ذلک بفترة وجیزة. عندما یدرک العبد هذه المسألة بذکائه الخارق یری المصدر نفسه فی معرض الهلاک وینقذ المصدر نفسه هذه المرة من الموت المحتم بتدبیر الأمر وحزمه غیر معتمد علی قوته الجسدیة حیث یعتمد علی ذکائه وعقله وأخیراً یقاد إلی أرض کان من المقرر أن یهلک فیها غیر أنه بعقله قد حوّلها إلی مدینة عامرة وتخلص للمرة الثانیة من الموت المحتم وأصبح ملکا علی تلک الدیار. إن تفسیر الحکایة من وجهة نظر أرض البطولة تفسیر رمزی وتابع لنموذج کثیر المصادیق فی الأساطیر الإیرانیة القدیمة وغیر الإیرانیة منها. یبتعد البطل عن أرضه ویصبح فی نهایة المطاف ملکاً. إن ابتعاد البطل عن أرضه ووصوله إلی الملک فی أرض غریبة أخری انعکاس للنظام الاجتماعی الأباعدی أو الزواج خارج القبیلة. «إن الأباعدیة أو الانتساب إلی المرأة قانون یلزم الرجل بالزواج من قبیلة غیر قبیلته إن الملک رجل من قبیلة أخری وعلی الأرجح من مدینة أخری أو حتی من عنصر آخر. کانت بناته یبقین فی المنزل وکان أولاده عندما یکبرون یخرجون نحو الآفاق وکانوا یتزوجون و یقیمون فی بلاد زوجاتهم.» (المصدر نفسه: 206) فی نماذج الأساطیر المتأخرة المتأثر بدورة الانتقال من الأباعدیة والانتساب إلی الأم "الأقاربیة أو الزواج داخل القبیلة" فإن تطوراً یحصل فی مصیر البطل حیث یقوم البطل الذی کان عادة ابن الملک بالاستیلاء علی ابنة ملک من أرض أخری ویعود بها إلی أرضه فیصبح ملکاً علی أرض الأب وفی بعض الأحیان علی أرض الأب وأرض الزوجة معاً. إن خروج البطل من أرضه والوصول إلی الملک فی أرض غیر أرضه، الذی یترافق مع زواجه من ابنة الملک أحیاناً یعد نموذجاً شائعاً فی الأساطیر الآریة القدیمة حیث تکرر بأشکال مختلفة فی القصص. والنقطة المهمة هی أن وصول الأولاد إلی الحکم فی أرض الأجانب ووصول أزواج البنات إلی الحکم فی أرض الأجانب أیضاً قد شهدا نماذج کثیرة فی التاریخ القدیم لهذه الأقوام. «ففی أثینا وروما نجد نماذج من جلوس العرش بسبب الزواج من ابنة ملک ففی لاتیوم القدیمة کانت الأسر الحاکمة ترسل أبناءها للزواج من بنات الملوک للوصول إلی الحکم فی تلک البلاد. إن أکثر من فرع واحد من العنصر الآری کان لدیه مثل هذه التقالید. ونلاحظ فی کثیر من الروایات الیونانیة أن ابن ملک یغادر أرضه متجهاً نحو أرض بعیدة لیتزوج من ابنة الملک هناک ویبلغ الملک فیها.» (المصدر نفسه: 208) «بذلک یبدو أن بعض الأقوام الآریة کانت تری فی مرحلة معینة من انتقالها نحو التطور الاجتماعی أن النساء ولیس الرجال هن اللاتی ینقلن الدماء الملوکیة. إذ کن یعتبرن قادرات علی نقل الحکم فی أجیال متتالیة إلی رجل من قبیلة أخری أو من بلد آخر فی الغالب حیث کان یتزوج من إحدی بنات الملک وکان یحکم قوم زوجته. إن القصة المتداولة بین الناس التی تقول إن رجلاً غریباً دخل مدینة وعشق ابنة الملک وتزوجها واستطاع الحصول علی نصف الحکم أو الملک کله قد تکون نتیجة وجود تقلید حقیقی فی المجتمع.» (المصدر نفسه: 209) علی أساس ما تقدم فإن بطل الحکایة التی نحن بصددها هو بطل النظام الاجتماعی الأباعدی الذی ابتعد عن أرضه وبعد اجتیازه للاختبارات الصعبة "اختبار القوتین الجسدیة والعقلیة" ینال الحکم فی أرض أخری. إن محاربة الأعاصیر فی البحر ومواجهة أناس عجیبین فی الفکر والإشراف علی الهلاک ... من منظور أرض البطولة یأتی جمیعاً لاختبار البطل. علی البطل أن یواجه مشاکل وأخطاراً جمة فی طریقه وأن یجتازها بسلام مستعیناً بشجاعته وعقله لیتم إثبات جدارته لنیل العرش. ویتدرب علی الأمور الشاقة فی سبیل بلوغ هذا المنصب الخطیر. إن مثل هذه الاختبارات البطولیة انعکاس لاختبارات نیل العرش فی العهود الماضیة عندما «کان یتم نیل حق الزواج مع ابنة الملک أو الملکة والجلوس علی العرش "انظر إلی هاتین الأمارتین المتعلقین بالنظام الأباعدی" من خلال إجراء مباراة.» (المصدر نفسه: 209) خلاص العبد تری الباحثة أن وجهة النظر الأصلیة فی القصة هی وجهة نظر أرض البطولة. إن جمیع أجزاء هذه الحکایة تروی لنا منذ البدایة وحتی النهایة من أرض البطولة. إن البطل سیتخلص من دون شک. فعلی أساس القرائن المتعددة الموجودة فإن الملک لا یترک علی حاله فی طقوس قتل الملک لیموت جوعاً وعطشاً بل تتم التضحیة به وبعد أن یقتل، ترش دماؤه علی الأرض أو تجری علیها ولکن بالنظر إلی روایة الحکایة جمیعاً من أرض البطولة ففی طقوس أرض الضحیة تضاف إلی القصة صحراء قاحلة حتی یوجد طریق للخلاص لکی تزداد القصة رمزیة أیضاً. إن الصحراء هی رمز للهلاک فالبطل الذی یستطیع تحویل رمز الفساد إلی رمز الحیاة وأن یحول الموت إلی الحیاة لاشک فی أنه یستحق الجلوس علی العرش أکثر من غیره. منطلق القصة من وجهة نظر الراوی لقد انقضت سنوات عدة وأخفت السنوات الطویلة أسس الطقوس ومفاهیمها وترکت بقیة منها فی الأساطیر إن الأسطورة التی نقصدها هنا انتقلت عبر الأجیال ومرت سنوات تطور العبادة المتعددة "عبادة الأرواح وعبادة الأجداد وعبادة الطوطم و ..." وفی کل عهد اتسمت بسمات عصره حتی وصلت إلی راوی هذه الحکایة فی عهد التوحید –الذی یتزامن مع تطور الثقافة والحضارة البشریتین-لم یکن راوی الحکایة مطلعاً علی الرحلة الأسطوریة التی کان یرویها وکان یظن أن لهذه الأسطورة منشداً یفکّر مثله وهو یری الجید والقبیح کما یراه ویؤمن بما یؤمن به هو. ومن هذا المنطلق فإن ما ذکره القدامی کان بالضرورة نابعاً عن الحکمهفحاول جاهداً بأدواته المجردة والترکیز علی قاعدة التشبیه أن یجد فی هذه الأسطورة قضایا حکمیة. فساعده ذوقه الفنی وقدرته علی التصویر ودقة نظرة أن یجعل أساس حکایته مبنیاً علی أحد أهم الأرکان الدینیة التوحیدیة التی ترتبت علیها اکثر المنجزات التربویة والأخلاقیة علی أساس تقنیة التشبیه وأن یتوصل إلی نتیجة مفادها أن هذه القضیة الحکمیة هی الإیمان بالآخرة. ظاناً أن أسلوبها التربوی هو الاستفادة من التدریب التمثیلی. لقد خیل إلی الراوی أنّ منشد هذه الأسطورة قد لجأ إلی الرمز لنقل أمر تربوی إلی المخاطبین واستخدم أداة التشبیه المعقدة وکانت هذه الأدوات فی ظنه فی خدمة الموعظة وقضیة تربویة وهی أن «علی الإنسان أن یبنی الآخرة فی هذا العالم وأن یکسب السعادة الأخرویة فی هذه الدار الفانیة.» (وراوینی، 2005م: 104) إن هذه الأسطورة من منظور الراوی عبارة عن استعارات للموت والحیاة الأخرویة التی استطاع عقل المنشد الوقاد أن یخلق فیها علاقات التشابه وأن یضعها فی خدمة الأخلاق کواعظ ناصح. النتیجة إن قصة العبد التاجر أسطورة مرت بمرحلتی ماقبل التاریخ وما بعده. إن مرحلة ماقبل التاریخ هی التی حدثت فیها أحداث القصة. أما مرحلة مابعد التاریخ فهی الفترة التی وصلت فیها الأسطورة إلی الراوی فحاول إماطة اللثام عن رموزها وأسرارها. إن المرحلة الأولی هی مرحلة الاعتقاد بالطقوس البدائیة غیر أن معتقدات المرحلة الثانیة توحیدیة. تمرّ القصة فی المرحلة الأولی بموضعین جغرافیین مختلفین لکل واحد منها نموذجهالمختلف عن الآخر. فالمکان الأول یعکس النظام الاجتماعی الأباعدی ولکن المکان الثانی یمثل الطقوس المتعلقة بالموت والبعث والروح النباتیة کما أنها تعکس أسطورة أدونیس. إن النموذج الأول نموذج اجتماعی شائع فی الأساطیر الآریة ولکن النموذج الثانی طقوسی ویعود بجذوره إلی المعتقدات السامیة. إن مقابلة النموذجین المختلفین قد خلقت فی هذه الأسطورة عقدة أسطوریة. إن التحدیات القصصیة تظهر عادة فی الأساطیر عبر مواجهة الفروق. ویمکن لهذه الفوارق أن تکون ناجمة عن الفروق بین الأرضین أو البلدین "التضاد الجغرافی" أو ناجمة عن الفوارق الموجودة بین قومیتین "التضاد القومی" کما یمکن أن تکون ناجمة عن الفوارق التی تظهر بمرور الزمن "التضاد التاریخی". حیث توجد فی قسم من الأسطورة الطقوس الخاصة بفترة زمنیة معینة وفی قسم آخر منها الطقوس الخاصة بفترة أخری حیث یخلق التضاد بین هذه الفترات العقدة القصصیة. إن ارتباط نموذجین مختلفین فی الحکایة من القومیتین الآریة والسامیة اللتین کانتا فی تضاد مستمر بینهما جدیر بالاهتمام والعنایة. یبدو أن القسم الأول من الحکایة هو الجزء الأساسی من الأسطورة والتی تم نقلها شفویاً أما القسم الثانی من الحکایة فقد أضیفت علیها بواسطة صاحب ذهن وقاد فنّی ذی نزعة عظیمة متطابقة مع المنطق واستفاد منها لصالح التربیة والأخلاق. إن حسن الصدف بین ماهیة هذه الأسطورة الطقوسیة أی الموت والبعث وإله الطبیعة الذی یجهله الراوی بالمطلق وانطباعاته التمثیلیة من هذه القصة بهدف التذکیر بالموت والبعث الإنسانی أمر جدیر بالاهتمام أیضاً. کذلک عندما یدرک العبد أنه سیقتل بعد سنة من الجلوس علی العرش فوراوینی یورد بیتین یذکر فیهما "الجزور" التی هی نوع من الأضاحی أیضاً ویبدو أن هذه الصدف تدل دلالة واضحة علی المشترکات الذهنیة لدی البشر فی دائرة الکون. | ||
مراجع | ||
خواجوی کرمانی. (1969م). هما وهمایون. تصحیح کمال عینی. ط1. طهران: بنیاد فرهنگ ایران. دورانت، ویل. (1971م). لذات فلسفه. ترجمه عباس زریاب خویی. ط2. طهران: فرانکلین. دورانت، ویل. (2012م). تاریخ تمدن. ترجمه احمدآرام، ع. پاشایی، امیرحسین آریانپور. ط15. طهران: علمی وفرهنگی. رضی، هاشم. (1964م). تاریخ ادیان. ط1. طهران: کاوه. سروانتس. (1970م). دن کیشوت. ترجمه محمد قاضی. ط2. طهران: نیل. فروید، زیگموند. (1969م). موسی و یکتاپرستی. ترجمه قاسم خاتمی. ط1. طهران: پیروز. ـــــــ. (1972م). توتم و تابو. ترجمة محمدعلی خنجی. ط2. طهران: کتابخانه طهوری. فریزر، جیمز جورج. (2013م). شاخه زرین. ویرایش ومقدمه رابرت فریزر. ترجمه کاظم فیروزمند.ط3. طهران: آگاه. مصاحب، غلامحسین. (2002م). دایرة المعارف فارسی. ط3. طهران: امیر کبیر. وراوینی، سعدالدین. (2005م). مرزبان نامه. به کوشش خلیل خطیب رهبر. ط11. طهران: صفی علیشاه. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,765 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 904 |