تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,618 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,302,933 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,355,508 |
صورة أمریکا فی شعر أحمد مطر؛ دراسة صورولوجیة | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 1، دوره 6، شماره 24، خرداد 2016، صفحه 37-9 اصل مقاله (273.1 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
خلیل پروینی1؛ سید حسین حسینی* 2 | ||
1أستاذ فی قسم اللغة العربیة وآدابها بجامعة تربیت مدرس، طهران، إیران | ||
2طالب دکتوراه فی قسم اللغة العربیة وآدابها بجامعة تربیت مدرس، طهران، إیران | ||
چکیده | ||
فی عصر العلاقات والعولمة، تسعی الدول والحکومات، لتقدیم صورة إیجابیة جذّابة عنها للآخرین بغیة تحقیق مآربها السیاسیة والاقتصادیة والثقافیة و...، فتصبّ جلّ اهتمامها علی تجمیل صورتها وإبرازها بشکل مبهر وجذاب. وهذه تعتبر إحدی الوسائل السیاسیة التی تستخدمها الدول الاستعماریة ومنها الدولة الأمریکیة التی تحاول استخدام کلّ الإمکانیات فی سبیل توسیع سیطرتها العالمیة خاصة عبر الغزو الثقافی للدول النامیة، ویقوم سائر الدول بمجابهة هذه الفعالیات وردود فعل إزاءها. قد تسرّبت هذه القضیة السیاسیة إلی الأدب نتیجة تأثره بالمجتمع وتأثیره فیه وتأدیة وظیفته الإجتماعیة. انطلاقاً من هذا، یقوم هذا البحث بدراسة صورة أمریکا علی ضوء مبادئ الصورولوجیا التی تعنی دراسة صورة الأنا أو الآخر فی شعر "أحمد مطر" الذی عانی مدة غیر قلیلة الاحتلال الأمریکی لبلده وشاهد ما حلّ به من الأزمات إثر الاعتداء علیه وعلی مستوی أکبر فی منطقة الشرق الأوسط. فالنتائج تدلّ علی أن الشاعر یفرق بین الحکومة الأمریکیة وشعبها، فیرسم صورة مشوهة للحکومة الأمریکیة معلّلا أسبابها: بالتعامل الاستعماری واحتلال البلاد، وتحقیر الشعوب، ونهب ثرواتها، ودعم الصهیونیة، والغزو الثقافی، وفرض الحکام العملاء علیهم، والمؤامرة والغدر والخیانة، والتدخل فی شؤون البلاد وما شابهها من الجرائم، بینما نراه فی نظرته إلی الشعب الأمریکی مذبذباً بین السلبیة المحقّرة والإیجابیة المعظّمة. | ||
کلیدواژهها | ||
الصورولوجیا؛ صورة أمریکا؛ الشعر العربی المعاصر؛ أحمد مطر | ||
اصل مقاله | ||
الأحداث الراهنة فی العالم - بما تجرّ فی ذیلها من ویلات ومعاناة بحقّ الشعوب والناس الأبریاء نتیجة مطامع القوی الاستکباریة والتغطرس الاستعماری الأمریکی - أثارت نوعاً من الکراهیة العالمیة بالنسبة لهذه الدولة وانتهت إلی محاربتها من قبل الدول، خاصة ظهور قضیة "العولمة" کفکرة عالمیة بما فی ضمنها من الأغراض السلطویة متزامنةً ارتکاب أنواع الجرائم والجنایات فی غطاء من الخدعة والزیف الأمریکی والجلجلة الراهنة والفوضی والجلبة التی أثارتها فی العالم جعلت هذا البلد موضع اهتمام الشعوب المثقفین منهم والسیاسیین والسوسیولوجیین وغیرهم. ونتیجة الاهتمام العالمی بهذه القضیة، انعکست هذه الظاهرة فی الأدب والثقافة، فقام الأدباء والباحثون بإبراز آرائهم واتّخاذ مواضعهم تجاه هذه القضیة بترسیم الصورة الأمریکیة سلبیة أو ما شابهها وسیاساتها المخربة أو غیرها کأنها فکرة ولیست مجرد مکان. فحفّزت الشعراء علی التصدی لها ولسیاساتها وانعکاسها فی الأدب العربی ومنه الشعر العراقی إثر الاعتداء علی هذا البلد فقام الشعراء بمکافحة الإمبراطوری الأمریکی والفکرة الأمریکیة، خاصة "أحمد مطر" الذی یعدّ من کبار الشعراء المعاصرین فی العالم العربی وینادی بالمکافحة ضدّ الاستعمار ویرفض أی نوع من الرضوخ والتنازل أمام الظالمین والمستکبرین. أسئلة البحث فقد ارتأینا دراسة هذا الموضوع فی إطار دراسات الصورولوجیا فی شعر أحمد مطر الأدیب المناضل والشاعر الشعبی المطلع علی محن أمته وشعبه، الذی عاصر الظروف الراهنة وعاش فی البلدان العربیة والأوروبیة، وتابع الأحداث السیاسیة والاجتماعیة والثقافیة وجاء شعره مسرحا للصورة الأمریکیة وتصویرا للمجتمع بما یحمل من مشاکل وأزمات، وبما أن الموضوع لم یتناوله باحث فی شعر الشاعر – علی حد ما اطلعنا - فقد تصدینا دراستها علی أساس المنهج الوصفی التحلیلی محاولا الإجابة عن بعض الأسئلة وهی: کیف تجلت صورة أمریکا فی شعر أحمد مطر؟ وما هی أسباب تجلیاتها فی شعر هذا الشاعر؟ خلفیة البحث فیما یرتبط بسابقیة البحث فإنّ هناک دراسات سبقته وقام الباحثون بدراسة شعر أحمد مطر من مختلف نواحیها الشکلیة والمضمونیة التی تدور فی أغلبها حول دراسة السخریة وتجلیاتها فی شعره من رؤیة الجمالیة والمعنی. کما أنّ هناک بحوثاً ودراسات منجازة حول "الصورولوجیا" ودراستها لدی الأدباء والشعراء، من أهمها: «صورة مایاکوفسکی فی شعر عبدالوهاب البیاتی وشیرکوبیکس دراسة صورولوجیة فی الأدب المقارن» للدکتور خلیل بروینی وآخرین فی مجلة "إضاءات نقدیة" و«الصورولوجیا فی السرد الروائی عند مهدی عیسی الصقر» لنوافل یونس الحمدانی والدراسات التی مارست صورة أمریکا الثقافیة منها کتاب "لماذا یکره العالم أمریکا؟" وکتاب "رحلة إلی جمهوریة النظریة" للمؤلف عبدالله محمد الغذامی الذی یعبر عن شغفه لأمریکا وحبه إلیها والدراسات المختلفة الأخری. وأخیرا أقیمت ندوة أمریکا فی الثقافة العربیة الحدیثة بجامعة قطر جاءت تحت عنوان "صورة أمریکا فی الأدب والفنون العربیة" فی أربعة محاور رئیسیة، الأول؛ "أمریکا فی الشعر العربی الحدیث" والثانی "أمریکا فی الرؤیة العربیة الحدیثة" والثالث "أمریکا فی المسرح العربی" والرابع "أمریکا فی السینما العربیة".
دراسة الصورة (الصورولوجیا) «إن الدراسات التی تتخذ الصورة بأشکالها المتنوعة موضوعاً لها، یطلق علیها؛ الصورولوجیا (Imageology) أو کما تسمی فی بعض الترجمات بـ(الصوریة) أو (علم الصورة)، الذی یعنی بدراسة الصور الثقافیة التی رسمتها الشعوب عن بعضها.» (الحمدانی، 2012م: 2) تعدّ دراسة الصورة الأدبیة أو )الصورلوجیا: (imagologieأحد فروع الأدب المقارن وأهمّها. وبدأ الاهتمام به فی العقود الأخیرة، وقد شهد هذا العلم ازدهارا ملحوظا بسبب مناخ التعایش السلمی الذی بدأ یظهر لدى أغلب الدول، فقد لوحظ أن الصور التی تقدمها الآداب القومیة للشعوب الأخرى تشکل مصدرا أساسیا من مصادر سوء التفاهم بین الأمم والدول والثقافات، سواء کان هذا إیجابیا أم سلبیا، ونعنی بسوء الفهم السلبی ذلک النوع الناجم عن الصورة العدائیة التی یقدمها أدب قومی ما عن شعب آخر أو شعوب أخری. (پروینی، 1391ش: 60) «هذا النوع من الدراسة (...) له أهمیة خاصة فی فرنسا، وهو نوع من الدراسة یعتمد علی أدب الرحلات وما فی القصص والمسرحیات من شخوص مجلوبة کما یتناول روایة خاصة لبلد من البلاد من خلال أدب أمة من الأمم، أو رؤیة کاتب معین لبلد من البلاد الأجنبیة التی عاش فیها. ولیس من شک أنّ هذا النوع متوافر فی الآداب المختلفة نتیجة للرحلات المتصلة بین الشعوب، وأحیانا الهجرات التی یقوم بها أدباء فی بلد ما إلی بلاد أخری ینتقلون إلیها ویقیمون بها.» (المصدر نفسه) صور الشعب نوعان: الأول هو صورة شعب فی أدبه وهذا النوع لا یتعدّی إطاره القومی واللغوی مثل صورة الفرنسیین فی أدبهم وصورة المرأة الألمانیة لدی أدیب ألمانی وهو النوع الذی تکون فیه الأنا صورة للأنا ذاتها (پروینی، 2012م: 60) والثانی هو صورة شعب فی أدب شعب آخر. لعلّ من الضروری وجود نسبة من الاهتمام المشترک بین شعبین لکی یکوّن أحدهم صورة فی أدبه عن شعب آخر، ویکون الاهتمام هو الدافع إلی رصد صور علاقات الشعوب متأثرة بشعوب أخری. (المصدر نفسه) «وتأخذ الصورولوجیا نمطا آخر فی الإفصاح أو الکشف عن صورة الأجنبی ورأیه بالآخر، وأعنی به التصویر غیر المباشر، أی الصورة التی ینقلها العربی نفسه عن رأی الأجنبی فیه، وبالعکس، وغالبا ما تأتی هذه الصور التی أفرزتها ترسبات التجربة نتیجة التمازج الثقافی أو الاقتصادی أو الاجتماعی، وهی التقاطات قادرة على التمثیل الحی والحقیقی والواقعی، وتسهم فی تحقیق قدر من الخصوصیة الکتابیة لهذا النمط من السرد، وخلق مستوى محفز للحس القرائی، مما یولد إثارة محرکة تعمل علی کشف البؤرة الباثة والفاعمة فی لحمة النص.» (الحمدانی، 2012م: 13( تأخذ الصورولوجیا علی عاتقها مهمة رصد وتحلیل ما یصوره الأدب فی نتاجاته فی لحظة اتصالیة ما. وتعد «اتصالا مفتوحا أو تنافذا بین الشعوب، بدائیته تقرب من عصرنته، إذ إنّ فی مجتمع ما أو تشکیل صورة عنه یتجلى عن معرفة مضمرة متجمدة أو مخدرة فی مکامن الذهن وتصوراته، وفی عملیة تحریکها أو تنشیطها یکاد یصبح الوعی الجمعی بنیة ناطقة تخترق منافذ المعرفة والتجربة، تبث تصوراتها المتجددة وتفصیلاتها الحیة التی تتفتح عنها الذاکرة بالارتفاع من الخاص إلى العام.» (المصدر نفسه: 3) إن الصورة الأدبیة التی یرسمها أدیب ما لشعب أجنبی کثیرا ما تکون مصدر تلک الصورة أسفار أو رحلات قام بها الأدیب إلى بلد أجنبی، أو إقامة الأدیب فی ذلک البلد فترة طویلة بغرض الدراسة أو العمل أو العلاج، وفی حالات أخرى یقیم الأدیب فی البلد الأجنبی لأنه ضاق ذرعا بالعیش فی بلاده. وقد لا تکون المعرفة المباشرة للبلد الأجنبی مصدرا من مصادر الصورة عنه، إذ کثیرا ما ترجع تلک الصورة إلى مطالعات الأدیب أو إلى أحادیث سمعها حول البلد الأجنبی. الصورة التی یرسمها الأدیب لمجتمع أجنبی کثیراً ما تنبع من مشکلات قومه فی مواجهة الآخر، لذلک تلبی الصورة الأدبیة حاجات فنیة أو اجتماعیة للشعب الأجنبی. تفید دراسة الصورة الأدبیة للآخر فی توسیع أفق الکتابة والتفکیر والحلم بصورة مختلفة، إنها إغناء للشخصیة الفردیة من جهة والتعرف الذاتی من جهة أخرى، هذا على المستوى الفردی، أما على المستوى الجماعی فتفید فی تصریف الانفعالات المکبوتة تجاه الآخر أو فی التعویض وتسویغ أوهام المجتمع الکامنة فی أعماقه، کذلک تبین الصورة المغلوطة المکونة عن الشعوب، فتسهم فی إزالة سوء التفاهم وتؤسس لعلاقات معافاة من الأوهام والتشویه السلبی والإیجابی، تعطی الآخر حقه کما تعطی الذات. (ماجدة حمود، 2000م: 108-110) یمکننا لمح معالم عدیدة لقراءة الآخر وفهمه، یجدر بنا تأملها وتوضیح أهم الحالات التی یمکننا تلمسها: - الحالة الأولى (التشویه السلبی) فی حالة العداء للآخر حیث تؤدی العلاقات العدائیة بین الشعوب إلى تکوین صورة سلبیة عن الآخر (المعادی) على سبیل المثال بدت لنا صورة الأوروبی (المستعمر) فی الأدب العربی مشوهة فی کثیر من الأحیان (إنه إنسان مادی، غیر أخلاقی…) فی مثل هذه الحالة تکون وظیفة صورة الآخر إثارة مشاعر العداء تجاه الآخر ومشاعر الولاء والتضامن والتوحد تجاه الذات أو الأنا أو النحن، وبذلک تتحول الصورة إلى وسیلة من وسائل التعبئة النفسیة. - الحالة الثانیة (التشویه الإیجابی) یرى فیها الکاتب (أو الجماعة) الواقع الثقافی الأجنبی متفوقا بصورة مطلقة على الثقافة الوطنیة الأصلیة، لذلک نجدها على نقیض الحالة الأولى تعد نفسها فی مرتبة أدنى، فیترافق التفضیل الإیجابی للأجنبی مع عقد نقص تعانی منها الذات تجاه ثقافة الآخر، وأسلوب حیاته، فنجد أنفسنا أمام کاتب أو جماعة من الکتاب یعانون من حالة من الهوس والانبهار بالآخر، وبذلک یقدم الوهم فی صورة الأجنبی على حساب الصورة الحقیقیة له، مما یمکننا أن ندعو هذا التشویه بالتشویه الإیجابی. - الحالة الثالثة (التسامح) حیث تنطلق دراسة الصورة من رؤیة متوازنة للذات والآخر، لذا نجد التسامح هو الحالة الوحیدة للتبادل الحقیقی، إذ یطور تقویم الأجنبی وإعادة تفسیره عبر رؤیة موضوعیة، تنظر للآخر باعتباره ندا، فینتفی الهوس والانبهار (الاستعارة من الآخر) والرهاب (الذی ینفی الآخر ویفترض الموت الرمزی له، وبذلک یعبر التسامح طریقا صعبا یمر عبر الاعتراف بالآخر حیث تتعایش الأنا مع الآخر، وتراه ندا غیر مختلف. (المصدر نفسه: 118-117)
الصورة الأمریکیة فی الأدب العربی کلمة "الحد" [أو الثغر] لا تدلّ علی معناها الحقیقی عند الأمریکیین، لأنّ "الحد" عندهم لیس الخطوط التی تحدّ البلدان، وأنّه یتغیّر إثر الحروب؛ بل هو خط متغیّر یمکن أن یمتدّ إلی المحیط الهادئ. (گارودی، 1392ش: 29) وهی منهجها فی تعاملها مع العالم وأصبح من الأسباب الأساسیة للکراهیة الأمریکیة لدی بعض الشعوب. وهذه السیاسة الأمریکیة الخاطئة ألحقت الأذی بالکثیرین فی العالم العربی وخارجه وما لم تتعدل تلک السیاسة فلن تجدی الدبلوماسیة العامة ولا غیرها فی تحسین صورة أمریکا ورأی جون زغبی رئیس مؤسسة الزغبی الدولیة لأبحاث الرأی العام أن السبب الأساسی لتدهور صورة أمریکا فی العالم العربی وخارجه یکمن فی توجهها إلی سیاسة الربّ التی أصبحت السمة الممیزة لدبلوماسیتها العامة وقد أظهرت اسوأ ما یعتقد الناس فی الخارج عن أمریکا وهو أنها تتبع دبلوماسیة رعاة البقر وتسعی إلی إقامة الإمبراطوریة باستخدام القوة المسلحة. (الیوسفی، 2008م: raya.com) الموقف العدائی لأمریکا أخذ یزداد شدة لاسیما بعد اندلاع الثورة الإسلامیة الإیرانیة وقد رسم الإمام الخمینی صورة أمریکا خیر ترسیم حیث یمیّز بین الشعب الأمریکی والحکومة الأمریکیة، ولا یقف مطلقاً فی مواجهة شعبها ولم یحتقر الشعب أبداً. ویری أنّ الرؤساء الأمریکیین هم الذین یزرعون الضغینة عن طریق الحرب النفسیة والتدخّل العسکریّ. وهم الذین یسقطون الشعب الأمریکی من العیون بما ارتکبوه من جرائم. إنهم أساؤوا حتی إلی أمریکا نفسها وجرحوا کرامتها وإنسانیتها کما فعلوا مع سائر البلدان والشعوب الأخری. وکل ما یتشبث به الرئیس الأمریکی هو أن یصبح رئیساً للجمهوریة وفی طریق وصولها یرتکب کل الجرائم. فرئاسة هؤلاء تعدل الجریمة فی حد ذاتها ومن أجل هذه الرئاسة التی لاتساوی سوی الإجرام لمدة خمسة أعوام فإنه هکذا یشوه سمعة الشعب الأمریکی الذی لاتقصیر له فی ذلک ویجعل شعوب العالم تنظر إلیه بامتعاض. )مؤسسة الإمام الخمینی الدولیة، 1423ق: 28-29) وصورة أمریکا فی الخطاب الأدبی او الفنی العربی لا تشذ عن صورتها فی أذهان أغلب المواطنین العرب. حیث أنّ «الصورة التی یبتنیها الشاعر العربی لأمریکا کثیراً ما کانت صورة متخیّلة اضطلعت الوسائط فی تحدید ملامحها بدور مهم، فثمة وسیط جمالی فنی شعر لورکا ومایاکوفسکی مثلا ووسیط أیدیولوجی الانتماء إلی الیسار، ووسیط مصیری یخص الأمة العربیة ومحن فلسطین الصراع العربی الاسرائیلی ووسیط ثقافی عام صورة أمریکا فی أذهان المبدعین فی العالم.» (الیوسفی، 2008م: raya.com) فقد ظهرت أمریکا فی الأدب العربی بصورتین متضادتین؛ صورة إیجابیة قدیمة ظهرت فیها أمریکا بلد الأحلام والتطلعات والنزوع إلی الحریة وتحقیق الذات، وصورة سلبیة حدیثة ظهرت فیها أمریکا بلداً مشغولاً بالهیمنة علی العالم، والسیطرة علی مقدراته، وبالنظر إلی الموقف الأمریکی المعلن والداعم مباشرة لإسرائیل، فقد بدأت الصورة السلبیة تتشکل منذ نحو منتصف القرن العشرین، وبلغت ذروة السوء باحتلال العراق، وهی صورة تتلون بکل الأطیاف السلبیة التی تکشف مساراً صاعداً تکتسب فیها صورة أمریکا یوماً بعد یوم مزیداً من المظاهر السلبیة. وتقوم هذه الصورة علی المعطیات السیاسیة التی تقدمها أمریکا، وإذا ما رغب الأمریکیون فی تصحیح تلک الصورة فی الآداب والفنون وکافة مظاهر التعبیر الأخر، فلا سبیل إلا بتعدیل الأفعال الشنیعة التی یقومون بها.» (المصدر نفسه)
الصورة الأمریکیة فی شعر أحمد مطر «یفرق آکادیمی عربی یقیم فی کندا بین صورة النظام السیاسی الأمریکی من جهة وصورة الشعب وفئات المجتمع المدنی فی أمریکا فیری أن الأولی تتمثل فی شخص الرئیس وهی صورة سلبیة جداً وقد تشوهت وازدادت تشوها فی السنوات الأخیرة نتیجة للهمجیة والغوغائیة التی نهجها الرئیس الأمریکی بوش، أما صورة الشعب الأمریکی فلا شک فی أن فیها الجید وفیها الخبیث لکن ایجابیاتها أکثر فلا أحد یستطیع أن ینکر دور أمریکا فی العلوم والتکنولوجیا الحدیثة والمؤسسات التعلیمیة التی أسهمت فی تطور البشریة وتقدمها.» (الیوسفی، 2008م: raya.com) هذا، وتنقسم صورة أمریکا إلی قسمین فی شعر أحمد مطر، فإنه تارة ینظر إلی الحکام الأمریکیین ویتکلم عنهم ویشرح أعمالهم وتارة أخری ینظر إلی الشعب الأمریکی ویجعل بین الحکام والشعب فرقاً واختلافاً شاسعاً. فنظرته إلی الحکام نظرة سلبیة تشائمیة کارهة بجملتها ولکن نظرته إلی الشعب الأمریکی نظرة ملتهبة مذبذبة بین السلبیة تارة والإیجابیة أخری. تبییناً للقضیة هذه، قسّمنا البحث علی ثلاثة أقسام، فأولاً أتینا برؤیة الشاعر الشاملة إلی أمریکا کبلد وفی ضمنها الحکومة الأمریکیة وشعبها ثمّ درسنا کل قسم منفصلاً عن الآخر. یقول الشاعر موضحا نظرته تجاه الحکومة الأمریکیة: «إنّ موقفی المناهض لأمیرکا هو موقف مبدئی، لا یحتاج إلى حدث صاعق لکی یُستفز، ولا ینتظر هدنة لکی یستریح. لقد کنت، على الدوام، لا أنظر إلى أمیرکا إلاّ نظرتی إلى الشیطان - والعکس صحیح - ولا أخاطبها إلاّ بحجارة الرجم، حتى أیّام ارتدت العمامة، وأذّنت فینا للجهاد، إذا کنتم تذکرون! وعلى العکس مما ترى، فإنّ شعری فی هذا الإتّجاه، أصبح أکثر کثافةً وعنفاً بعد 11 سبتمبر بالذات، حین نزعت أمریکا حتى براقعها الشفّافة، فأبدت للدنیا وقاحة من شأنها أن تستفزّ الحجر الأصم. اطمئنوا .. لیس لمثلی أن یتغیر. أ بعد أن فاض إناء العمر؟!» (www.alsakher.com) إنّ نظرة الشاعر إلی أمریکا فی شعره تأخذ إتجاهاً عدائیاً کما نراه فی إحدی قصائده «أمریکا.....دوح الموبقات.....» یقول: أنا ضدّ أمریکا إلى أن تنقضی/ هذی الحیاة، و یوضَعَ المیزان/ أنا ضدّها حتى وإن رَقّ الحصى/ یوما، وسال الصّوانُ/ بُغضی لأمریکا لو الأکوانُ/ ضمّت بعضُه لانهارت الأکوانُ/ من غیرها زرعَ الطغاة بأرضِنا/ وبمن سواها أَثمرَ الطغیانُ/ حَبَکَت فصول المسرحیةِ حبکةً/ یعیا بِها المتمرّسُ الفنانُ/ هذا یکرُّ، وذا یَفرُّ، وذا بهذا/ یستجیرُ، ویبدأ الغلیانُ/ حتّى إذا انقشَعَ الدّخانُ مضى لنا/ جرحٌ، وحلَّ محلَّه سرطانُ!/ وإِذا ذِئـابُ الغَربِ راعـیـة لنا/ وإِذا جمیعُ رُعـاتِـنا خِرفـان!/ وإذا بِأَصـنامِ الأجـانبِ قَـدْ رَبَتْ/ وإذا الکویت وأهلُها القُربانُ! (مطر، 2011م: 237) الحقیقة أن الشاعر فی کل قصائده وفی دیوانه یعبر عن کرهه لهذه الدولة معتبراً إیاها مصدر الفضائح والخبائث کما نری فی هذه القصیدة، فیسمیها دوح الموبقات. فرؤیة الشاعر تجاه أمریکا رؤیة عدائیة لاتقبل أیّ تطبیع ومصالحة إلی یوم القیامة، فیبغضها ویتکلم عن ضدیّته إزاء هذه الحکومة مبرهناً دلائل هذا العدوان الدائم المتمثلة فی حروبها النیابیة واحتلالها لمنطقة الشرق الأوسط وخاصة فی العراق مسقط رأس الشاعر وبلد أحلامه ووطنه الذی یتعلق به ویشکل ترابه خلایا الشاعر وعروقه وعظمه. فأمریکا هی التی زرعت الطغاة بأرض الشاعر وقتلت آلافاً من مواطنیه وأثارت البلوی والاضطراب فی بلاده. ویتکلم الشاعر عن الجنایات الأمریکیة ودعمها لإسرائیل وفرضها کغدة سرطانیة نائبة عنها فی الحصول علی مصالحها فی البلدان الإسلامیة. وفی قصیدة "جواز" یری الشاعر نفسه أمام الله عزّ وجلّ ویعترف بارتکاب الکبائر من الآثام، فهو الذی لم یحفظ السنة ولم یقدم لآخرته زاداً وعصی الله تعالی آلاف مرات وخانه أکثر فأکثر فیتوب إلی الله ویقول أنه مع کلّ هذه الجرائم کان بریئاً من حبّ أمریکا وأعوانها وعملائها وهوایتها مستخدماً الأسلوب القرآنی ومتمنّیاً أن یجد له من الشفعاء فیشفعوا له سائلاً: هل لی من شفاعة؟ راجیاً وجود الشافعین له وهکذا یجعل البراءة من حب أمریکا سبباً لدخول الجنّة بفضل الله ومنّه، حیث یقول: قال: إلهی… إنّنی لَم أحفظ السنّةَ/ ولَم أقدِّم لغدی/ ما یدفعُ المحنةَ/ عصیتُ ألفَ مرّةٍ/ وخُنتُ ألفَ مرةٍ/ وألفَ ألفَ مرةٍ/ وقعتُ فی الفتنةِ/ لکنِّنی…/ ومنک کلُّ الفضلِ والمنّةِ/ کنتُ بریئاً دائماً/ من حبِّ أمریکا/ ومن حبِّ الذی یحبُّ أمریکا/ علیها وعلى آبائِه اللعـنةُ/ هل لی من شفاعهٍ؟/ قیل: اُدخُلِ الجنةَ! (مطر، 2011م: 196) «تنشط الولایات المتحدة فی سعیها لإحکام السیطرة على الشرق الاوسط بتعاون وثیق مع رکائز إقلیمیة کانت تمثلها إیران الشاه والمملکة العربیة السعودیة فیما کان یسمى بـ (الدعامتین) فضلاً عن حلیفتیها ترکیا واسرائیل وکانت تحاول ضم العراق الى تلک الرکائز من خلال حلف بغداد الذی نشأ فی عام١٩٥٥م وأطیح به فی عام ١٩٥٨م. وهی الیوم تزید تلک الرکائز لتضم دولاً شرق أوسطیة أکثر مصر والأردن، افغانستان والعراق مثلاً فضلاً عن دول الخلیج الست.» (حافظ وهیب، لاتا: 60) فقامت أمریکا ببناء القواعد العسکریة فی کل هذه الدول بغیة تحقق سیطرتها علی منطقة الشرق الأوسط بعدما هاجمت علیها عسکریاً وارتکبت فیها ما ارتکبت من الجرائم والمجازر. یشیر أحمد مطر فی لافتة "قاعدة" إلی الصنیع الأمریکی هذا، ناقداً غفلة الحکام والولاة فی هذه البلاد وسوء سیاساتهم إزاء إنتهازیة الحکام الأمریکیین، مستخدماً الجناس کأحد العناصر الشعریة والتلاعب بالألفاظ البسیطة بتوظیفه الطباق والمشترک اللفظی والترادف قائلاً: بدعةٌ عند ولاة الأمر صارت قاعدة،/کلهم یشتم أمریکا،/ وأمریکا إذا ما نهضوا للشتم تبقى قاعدة،/ فإذا ما قعدوا، تنهض أمریکا لتبنی قاعدة. (مطر، 2011م: 40) عقب عقد معاهدة "ماستریخت"[1] أصبحت أمریکا مسیطرةً علی أوروبا ففرضت علیها ما فرضت من مطامعها ومصالحها فتحولت إلی إحدی عوامل السیاسة الخارجیة الأمریکیة وأصبحت أوروبا بعد عقد هذه المعاهدة أنموذجاً کاملاً لضحیة السیاسة السلطویة الأمریکیة فی العالم. (گارودی، 1392ش: 51) أحمد مطر کثیراً ما یهاجم الغرب فی قصائده معتبراً أمریکا ممثّلة له بسبب سیطرتها علیه ثقافیاً، وإقتصادیاً، وسیاسیاً وإلخ. إذن یمکننا القول بأنّ الشاعر فی تصویره لایفرق بینهما، بل یقدّم أمریکا ممثّلة للغرب وثقافته، ففی قصیدة "فروض المناسبة" یتکلم الشاعر عن الهیمنة الأمریکیة وسیطرتها علی بلاده بحیث أنّه فی کلّ ما یرید فعله، یطلب رخصة أمریکا وأوروبا ویستأذنهما بکل ما لدیه من الامکانیات ساخرا هازئاً فی طلب الإذن من المستعمرین الأمریکیین لإقامة حفلة استقلال بلاده قائلاً: استأذَنّا مِن أمریکا/ وطَلَبنا رُخصةَ أوروبا/ ورجونا إخوة شاحال/ بُسنا أبواباً مقفلة/ ولَحَسنا صَدا الأقفالِ/ ووَهَبنا الأنفُسَ والمالَ/ ووَقَفنا فی البابِ نیاما/ ونَزعنا لهمُ السِّروالَ/ بعدَ جدالٍ طالَ وطال/ وامتدّ ثلاثةَ أجیال/ رُح وتعال/ وقیل، وقال، وحیثُ، وربّ، وإن، ولکن، وبما إن، وأیّة حال/ أعطونا الإذنَ بمثقال/ الحمدُ لَه/ أصبحَ فی إمکانِ الدّولةِ/ أن تعملَ فی الخفیةِ حفلةً لمناسبةِ الاستقلال ! (مطر، 2011م: 246) فی قصیدة "الغابة" یشرح الشاعر الظروف الصعبة والوضع المؤسف جداً فی بلده وفی منطقة الشرق الأوسط، فیری العربی المسلم علی مفترق الطرق وکل طریق تنتهی إلی الموت وحاصره الموت من جمیع الجوانب. فیری الأرض قد تحوّلت وتبدّلت عن حالتها المألوفة العادیة، ویعنی الشاعر من الأرض، منطقة الشرق الأوسط وخاصة البلدان العربیة التی أصبحت کعاهرة فاجرة رسمیة بغیضة تراودها الخنازیر القذرة. إذا یأتی الشاعر بعد إضفاء کل هذه المواصفات السیئة والخبائث علی الأرض، تصفها بأنّها أمریکیة، والصفة الأمریکیة هی خلاصة کلّ هذه الخبائث وهذه هی أفضح وأشوه وأخبث صورة یمکن أن تطلق علی بلد ما فی رأی الشاعر: نحن على مفترقٍ/ أنوارُه مُظلمةٌ وصُبحه عشیّةٌ/ أمامَنا مماتُنا/ وخلفنا وفاتُنا/ وعن یمیننا الرِّدى/ وعن یسارِنا الرِّدى/ وفوقنا منیةٌ وتحتنا منیّةٌ/ قد آن، منذ الآن، أن تنتبهی/ کلُّ الخطى تبدأ حیثُ تنتهی/ والأرضُ لا ربطَ لها/ بالکرةِ الأرضیةِ/ الأرضُ ما عادت سِوى/ عاهرةٍ رسمیةٍ/قبیحةٍ /قاسیةٍ/ غنیّةٍ /غبیةٍ /وباختصارٍ بالغٍ:/ الأرضُ أمریکیةٌ… (مطر، 2011م: 233) وکذلک فی لافتة "دیوان المسائل" ینکر الشاعر وجود أقل شرف لأمریکا ویسمیها عاهرة لاتحمل شیئاً من الضمیر، ویأخذ علی الرؤساء والعملاء تملّقهم لها ومداهنتهم فی إرسال التهانی إلیها: إن کان لامریکا عهرٌ/ فلماذا تلقى التبریکا؟/ وإذا کان لدیها شرفٌ/ فلماذا تُدعَى أمریکا؟! (مطر، 2011م: 229) «عندما تعرضت أمریکا فی الحادی عشر من سبتمبر عام 2001م لهجمات مرة من قبل تنظیم القاعدة اعتبر مطر أن هذه الهجمات ما هی إلا نتاج سیاسة واشنطن تجاه المسلمین.» (مداحش، 2012م: algomhoriah.net) فقال فی قصیدته «أعد عینی لکی أبکی علی أرواح أطفالک»: لئِن نزلت علیک الیوم صاعقةٌ /فقد عاشت جمیعُ الأرضِ أعواماً /وما زالت.. وقد تبقى /على أشفارِ زلزالک/ وکفّک أضرمت فی قلبها ناراً/ ولم تشعر بِها إلا وقد نشبت بأذیالک./ ..../ أتعرف رقمَ سروال .. على آلاف أمیال /وتجهل أرقماً فی طی سِروالک؟ /أرى عینیک فی حَول /فذلک لو رمى هذا /ترى هذا وتعجب لاستغاثته /ولکن لا ترى ماقد جنى ذلک!! /..../ بفضلک أسفر الإرهاب /نساجاً بمنوالک /ومعتاشاً بأموالک /ومحمیاً بأبطالک..!! / فهل عجبٌ.. إذا وافاک هذا /الیوم ممتناً /لیرجع بعض أفضالک؟! /..../ إذا دانت لک الآفاق /أو ذلّت لک الأعناق /فاذکر أیها العملاق /أن الأرض لیست درهماً فی جیب بنطالک /ولو ذللت ظهر الفیل تذلیلا /فإن بعوضة تکفی .. لإذلالک!! (مطر، 2008م: 113- 116) یسخر مطر من مخابرات أمریکا المرکزیة وفی نفس الوقت یستنکر من سیاسة الکیل بمکیالین ثم یعرج إلى القول بأنّ الإرهاب ماهو إلا صنیعة أمریکا وهی الّتی جندت من أجله وفی سبیل نمائه الکثیر من الأموال وفی نهایة قصیدته سخر مطر من قوة أمریکا الصناعیة والعسکریة وحذرها بأنها مهما بلغت من القوة فإن إذلالها سیأتیها من حیث لا تتوقع.» (مداحش، 2012م: algomhoriah.net) شبّه الشاعر إغترار الأمریکیین وطیشهم باستکبار النمرود ملک بابل الذی کان صاحب عظمة وحشمة وجلال، یکفر بالله مغترّاً بقدرته جعل نفسه إلهاً وطلب من شعبه بأن یعبدوه، فحاول الرسول إبراهیم (ع) هدایته إلی طریق الهدی ولکنه أبی واستکبر فأرسل الله علیه وعلی جنوده جیشاً من البعوض فمصّ دمهم وأکل لحمهم وشحمهم فهلکوا جمیعا، وأرسل بعوضة دخلت فی أنف النمرود وانتقلت لرأسه فآلمته بحیث یطلب من الناس أن یضربوه بالنعال علی رأسه لتخفیف ألمه ولکنه مات من کثرة الضرب بالنعال فمات ذلیلاً بعد أن کان عزیزاً. اقتبس الشاعر مطر هذه القصة القرآنیة فی نصحه لأمریکا المتغطرسة معتبراً هذه القصة مصدر العبرة لهذه العملاق محذّراً إیاها من مغبّة طیشها وغرورها وإنّها رغم قدرته هذه لیست شیئا یذکر إمام قدرة الله.
الحکومة الأمریکیة وشعبها یذهب الشاعر نهج الإمام الخمینی (ره) تجاه أمریکا، فیفرق بین الحکومة الأمریکیة وشعبها ویجعل فی قصائده للشعب الأمریکی نصیبه وللحکام الأمریکیین نصیبهم الذی یختلف بالکامل عن الشعب فی رأی الشاعر، مما یدلّ علی ذکاوة أحمد مطر ورؤیته السیاسیة ونظرته الثاقبة واطّلاعه السیاسیة الوافرة علی ما یجری فی العالم من الأحداث وعرفانه بالنسبة للملل والشعوب والسیاسات العالمیة المختلفة. إذن علی هذا الأساس نجعل بحثنا علی محورین أساسیین بعد دراسة الصورة الکلیة لأمریکا لدی الشاعر؛ وهما، أولاً؛ الحکومة الأمریکیة التی شغلت فضاءاً رحیباً من دیوان الشاعر وجعل لها نصیباً أوفر من روائعه وثانیاً؛ الشعب الأمریکی.
أ- الحکومة الأمریکیة وکما أشرنا سابقاً یقف الشاعر من الحکومة الأمریکیة وسیاستها موقفاً عدائیاً معارضاً یرید مکافحتها واستنهاض الشعوب إمام غطرستها مصوراً أفعالها اللّاإنسانیة واللّاأخلاقیة المتمثّلة فی بعض ما نشیر إلیها؛ ومنها:
-التصویر الاستعماری لأمریکا والناهب لثروات الشعوب «لقد ظلت القوی الاستعماریة علی مدی التاریخ تعمل لفرض سیطرتها علی المجتمعات البشریة، وکانت الخصائص السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة التی یتمتع بها الوطن الإسلامی المترامی الأطراف، (...) باعثا علی إثارة أطماع المستکبرین، مما جعلهم یبذلون قصاری جهدهم لفرض نفوذهم علی هذه المناطق.» (مؤسسة الإمام الخمینی للثقافة، 1423ق: 5-6) «إنّ الأهمیة الاستراتیجیة لمنطقة الشرق الأوسط ومیاه الخلیج الفارسی الدافئة واکتشاف الموارد النفطیة العظیمة وتعدد المصادر الطبیعیة والمناجم والثروات الغنیة واعتدال الطقس وخصوبة الأراضی (...) وسواها... کانت کلها من العوامل التی دفعت بالقوی العظمی ولاسیما أمریکا إلی الطمع فی هذه المنطقة.» (المصدر نفسه: 6) فی قصیدة "یا لیل .. یا عین" یتکلم الشاعر عن الحمایة الأمریکیة للمستبدّین والدکتاتوریین لتحمیرهم وأخذ ثروات الشعوب والأمم الإسلامیة ونهب مصادرهم الغنیة، کما وأنهم یعطونها کلّ شیء ویسوقون الأرض والعِرض إلی ماخور أمریکا ولا ترضی کما قال الله سبحانه: ﴿لن ترضی عنک الیهود ولا النصاری حتی تتّبع ملّتهم﴾ (البقرة: 120)، فهی لا ترضی حتی تأخذ الدین الإسلامی والقرآن کتاب الله والکعبة بیت الله الحرام من المسلمین. فذلک الدین الإسلامی وتلک البساطة الإسلامیة والصداقة، لم تبق منه شیء وکلها تبدّلت إلی مظاهر أمریکیة، کلّ القیم الإسلامیة قد أُبیدت، وتبدّل السلام والأمن بالعنف والخشونة والقتل والنهب وتفشی ما تفشی من الرذائل والمذلّات. آه یا لیلُ .. لقد أطفأتَ عینی/ غیرَ أنی سأغنّی/ وأُسمّی کُلَّ شیءٍ باسمهِ کی لا یُؤَوَّلْ/ وأُعرِّی کُلَّ کرشٍ فوق عرشٍ/ من دمائی یَترهَّلْ ./- أیُّها الشاعرُ لا تَعْجَلْ/ فإنَّ الموتَ أَعجلْ./ لا أُبالی ../ ذلکَ الإنسانُ تحتَ النعلِ إنسانٌ/ وذاکَ الأسودُ المخصِیُّ تحتَ التاجِ مَخصیٌّ/ وذاکَ الأحْوَلُ الدجّالُ أحْوَلْ./ - أیُّها الشاعِرُ .. یکفی/ لا .. دَعوا الصرخةَ تکملْ/ ذلکَ القوَّادُ فوقَ العرشِ قوّادٌ/ یَسوقُ الأرضَ والعِرضَ إلى ماخورِ أمریکا/ وإن لم ترضَ أمریکا بهذا العرضِ یَخجَلْ/ فیبیعُ اللّهَ والقرآنَ والکعبةَ بالمجّانِ/ کَیْ لا یتبدّلْ (مطر، 2011م: 97)
- الغزو الثقافی الأمریکی إنّ مکافحة أمریکا لیست تعاملاً مغرضاً متعصباً مع دولة مستقلة أو شعب مستقل ولیست نوعاً من الوطنیة المفرطة، بل هی مکافحة ثقافة خاصة تسمّی "الثقافة الأمریکیة"، والأمریکی لایطلق علی من یولدون فی هذا البلد فحسب، بل الأمریکی یطلق علی کلّ من یعیش هذه الثقافة الخاصة التی تکون مفروضة أکثر الأحیان، فرض مصالح طبقة خاصة أو قسم خاص علی کلّ البشر. وأساس مکافحة أمریکا التی تعتبر "مدرسة"، یعنی مکافحة هذه الثقافة الخاصة وهذه المدرسة تقابل نظاماً عالمیاً مفروضاً مع قوّادها. (غیبی، 1393ش: 176) یتکلم الشاعر فی قصیدة "العشاء الأخیر لصاحب الجلالة أبلیس الأول" عن الغزو الثقافی الأمریکی وسیطرتها الثقافیة علی الإنسان العربی وتأثر العرب بهذه الثقافة وقبولها، شاکیاً من الحالة العربیة وتبدّل الأمّة العربیةِ ألعوبةً فی أیدی الحکام الذین أصبحوا خدماً وخصیان لأمریکا، وقلّب فی تشبیههم بالأسد یخافون من أمریکا الّتی تکون کالفأر، "فهم أسد علی (الشعوب) وفی الحروب نعامة"، وهم متدینون بالدین الأمریکی ومنبهرون بثقافته، فی ظاهرهم عرب ونفسیتهم وفکرتهم أمریکیة وفی باطنهم أمریکیون: أُنبیک أنّا أُمّةٌ تباع وتشترى ونصیبها الحرمان/ أُنبیک أنّا أُمّةٌ أسیادها خدمٌ وخیرُ فحولها خصیانُ/ قِطعٌ من الکذبِ الصقیلِ فلیس فی تاریخهم روحٌ ولا ریحانُ/ أُسدٌ ولکن یحدثون بثوبهم إن حرکت أذنابها الفئرانُ/ متعفّفون وصُبحهم سطوٌ على قوتِ العبادِ ولیلهم غلمانُ/ متدینونَ ودینُهم بدنانِهم ومُسهّدون وسُکرهم سکران/ عربٌ ولکن لو نزعت قشورهم لوجدت أنّ اللُّب أمریکانُ (مطر، 2011م: 311) یهاجم الشاعر النفوذ الأمریکی فی الشرق الأوسط والبلدان العربیة باستخدام الألفاظ والمصطلحات الإنجلیزیة ویستخدم لافتاته صارخاً فی وجه الغرب وأمریکا هاجماً علی النفوذ الأمریکی الغربی الناهب لثروات الشعوب العربیة رافضاً السلطة الأمریکیة (حیدریان شهری، 1393ش: 19) فهو فی حثّ الشعب العربی علی النهضة وترغیبهم علی المکافحة ضد أمریکا والثقافة الأمریکیة یستخدم الألفاظ والمصطلحات الإنجلیزیة ساخراً المواطن العربی قاصداً صحوته وثورته ضد أمریکا ورفضه الهویة الأمریکیة السائدة علی العرب بدل الهویة العربیة، فیرید القول بأن سیطرة اللغة الغربیة علی العرب جعلهم خاضعاً للإستعمار الأمریکی، خاصة فی قصیدته "یوسف فی بئر البترول" حیث یقلد مضامین رؤیا العزیز المصری وتعبیره من النبی یوسف (ع) قائلاً: وأرى حولَ البیتِ الأسود بیتا أبیضَ/ یجری بثیابِ الإحرام/ یرمی الجمرات على صدری/ ویقبل خشمَ الأصنامِ/ ویحدّ السیف على نحری یومَ النّحرِ/ وأرى سبعَ جوارٍ کالأعلامِ/ غصّ بهنّ ضمیرَ البحرِ/ تحمل عرشَ عزیزِ المصری/ بطل العنف الثوری/ وعروش الأنصاب الأخرى والأزلامِ/ وأراها تحت الأقدام/ تشجُبُ ذلّ الاستسلامِ/ وتنادی لجهادٍ عذری/ MADE IN USA/ من سابع ظهرٍ/ یمضی بالفتح إلى "النَسر"/ ویخطّ سطورَ الإقدام/ ویُعیدُ الفتحَ الإسلامی..(مطر، 2011م: 92) والمثال الآخر فی قصیدة "السیدة والکلب"، حیث شبّه الشاعر الشعوب العربیة بأشباح یغذّی من بقایا الأرواح، ویسأل المخاطب من العرب باللّغة الإنجلیزیة: من هم؟ فیردّ قائلاً: قومی، ویقول المخاطب بالإنجلیزیة: لاتهتمّ بهم! حیث یعرض للعرب فقدان هویّته وإذلاله للأجنبی وقبوله بهویته وثقافته ونفسیته: یا سیدتی . . هذا ظلمٌ!/ کلبً یتمتّع باللّحم/ وشعوبٌ لاتجد العظمَ!/ کلبٌ یتحمـّم بالشّامبو/ وشعوبٌ تسبح فی الدّم!/ کلبٌ فی حِضنک یرتاح/ یمتصّ عصیرَ التّفاح/ وینال القُبلة بالفم!/ وشعوبٌ مثل الأشباح/ تقتات بقایا الأرواح/ وتنام باثناء النوم!/ Who are they?/ قومی/ Do not mention them/ قومک هم أولى بالذم/ وبحمل الذلة والضیم/ هذا ظلم یا سیدتی/ أین الظلم؟؟/ ومن المتلبس بالجرم؟!/ أنا دللت الکلب ولکن... هـــم/ أعطوه مقالید الحکم! (مطر، 2011م: 147) ونری ذروة هذا التغریب للعرب وقبوله الهویة الغربیة فی قصیدة (موعظة) حیث یقول المفتی العربی باللغة العربیة: “You want to be really happy?” ترید أن تکون سعیداً مسرورا؟ صلّ إذن علی النبی. (مطر، 2011م: 114) والشاعر مطر یأخذ موقفاً عدائیاً تجاه هذه الثقافة الأمریکیة یرید مکافحتها وإعادة الهویة العربیة واطلاع العرب علی إصالته الخلّص ممانعة من أمرکة الشعب العربی.
- الدعم من الصهیونیة المصالح الحیاتیة الأمریکیة توجب علی هذه الحکومة فی الشرق الأوسط أن تبقی إسرائیل دولة مستقلة (مرسلی، 2012م: 126) لهذا السبب تقوم بحمایتها.«إن أمریکا هی التی تدعم إسرائیل وأذنابها، وأمریکا هی التی تساعد إسرائیل علی تشرید العرب المسلمین، وأمریکا هی التی تعتبر الإسلام والقرآن المجید ضراراًعلیها وتعمل علی إبعاده عن طریقها.» (عبدالمجید، 1423ق: 12) یأخذ الشاعر فی قصیدة "عربی أنا.." علی أمریکا دعمه من الصهیونیة قائلاً: شارون یدنس معتقدى ویمرّغُ فی الوحل جبینی وأمیرکا تدعمه جهراً وتمدُّ النار ببنزینِ وأرانا مثلُ نعاماتٍ دفنت أعینها فی الطّینِ وشهیدٌ یتلوهُ شهیدٌ من یافا لأطراف جنینِ وبیوتٌ تهدمُ فی صلفٍ والصّمت المطبقُ یکوینی یا عرب الخسّةِ دلونى لزعیمٍ یأخذ بیمینی فیحرّر مسجدنا الأقصى ویعید الفرحة لسنینی (مطر، 2008م: 18) یصور الشاعر فی هذه القصیدة حالة الإنسان العربی والخوف المسیطر علیه، العربی الذی قَبِل الهوان ورضی بالذلة ورضخ أمام العدوّ الغالب الغاصب لعِرضه وبلاده وثرواته. یقوم الشاعر بمقارنة بین الشعوب العربیة وبین الشعوب الأخری، فیری الناس أحراراً یعیشون فی حریة من الشرق إلی الغرب ومن الشمال حتی الجنوب بینما یری بنی جنسه العرب فی القیود والأغلال الاستعماریة وهم معتقدون بالحریة. فشارون یدنس معتقدات الشاعر ویسلب حریته بارتکاب الجرائم فی بلاده ویمرّغ الجبین العربی فی التراب وفی حال لایخفی هذه الجرائم علی أحد، خاصة الاحتلال الصهیونی فی قطاع غزه و بلاد فلسطین فنشاهد یومیاً آلافاً من القتلی والجرحی من الشباب والشیوخ والأطفال والنساء الأبریاء فی هذه البلاد نتیجة الاعتداء الصهیونی والحمایة الأمریکیة الجاهرة لها. فینتقد الشاعر من أمریکا حمایته للرّئیس الإسرائیلی السابق "شارون" فی فعالیاته الجرائمیة الخبیثة بحق الفلسطینیین واشتعالها النار علی الشعوب الأبریاء.
- فرض الحکام العملاء له علی الشعوب العربیة من الأسباب التی تزید کراهیة الشاعر لأمریکا، هو فرض الحکام المستبدّین العملاء للغرب وعلی رأسهم أمریکا علی الأمم والشعوب العربیة المسلمة فی منطقة الشرق الأوسط. أمریکا حاولت منذ البدایة إلى الإیحاء بعجز العرب والمسلمین عن قیادة أنفسهم بغیة الحصول على منصب الوصی لهم، ولاسیما بعد اکتشاف الذهب الأسود فی أراضیهم، واستفاد من جهلهم لتحقیق أهدافه، والنتیجة من کل ذلک هی شعب غنی جاهل عدوانی ینبغی تطویعه بتنصیب الحکام العملاء علیهم. فالشاعر فی قصیدة "البیان الختامی لمؤتمر القمة" ینکر الجنسیة العربیة للحکام ویصرّح عدم تعلقهم بالعرب والشعوب العربیة، «لَیسَ مِنّا هؤلاءْ/ هم علی أکتافنا قاموا عقوداً/ دون عِقدٍ/ وأقاموا عُقَدَ الدنیا بنا دون انتهاء»، فهم العملاء فرضتهم أمریکا علی المسلمین العرب، یقودهم کما تهوی: لَیسَ مِنّا هؤلاءْ./ أنتَ تدری أنّهُمْ مِثلُکَ عَنّا غُرَباءْ/ زَحَفوا مِن حَیث لا ندری إلینا/ وَفَشَوا فینا کما یَفشُو الوَباءْ ./ وَبَقُوا مادُمتَ تَبغی/ وَبَغوا حتّى یمدُّوکَ بأسبابِ الَبقاءْ !/ أنتَ أو هُمْ/ مُلتقى قَوْسین فی دائِرةٍ دارتْ عَلَینا :/ فإذا بانَ لِهذا المنتهى/ کانَ بذاک الابتداءْ ./ مُلتقى دَلْوینِ فی ناعُورةٍ :/ أنتَ وَکیلٌ عن بَنی الغَرْبِ/ وَهُمْ عنکَ لَدَینا وُکلاءْ !/ ***/ لیسَ منّا هؤلاء/ إنّهم منکَ/ فإنْ وافوکَ للتَّطبیعِ طَبِّعْ مَعَهُمْ/ واطبَعْ على لَوحِ قَفاهُمْ ما تَشاءْ ./ لیسَ فی الأمرِ جَدیدٌ/ نَحنُ نَدری/ أنَّ ما أصبحَ تطبیعاً جَلِیّاً/ کانَ طبْعاً فی الخَفاءْ !/ وَلَکُمْ أن تَسحبوا مِفرشَکُمْ نحو الضُّحى/ کی تُکمِلوا فِعْلَ المساءْ ./ شأنکُمْ هذا/ ولا شأنَ لَنا نَحنُ/ بِما یَحدُثُ فی دُورِ البِغاءْ !/ ***/ لیسَ مِنَّا هؤلاء ./ ما لَنا شأنٌ بما ابتاعُوُه/ أو باعُوهُ عَنّا../ لَمْ نُبایعْ أَحَداً منهُمْ على البَیعِ/ ولا بِعْنا لَهُمْ حَقّ الشّراءْ ./ فإذا وافوکَ فاقبِضْ مِنهُمُ اللَّغْوَ/ وَسَلِّمْهُم فَقاقیعَ الهَواءْ ./ وَلَنا صَفْقَتُنا :/ سَوفَ نُقاضِیکَ إزاءَ الرأسِ آلافاً/ وَنَسقیک کؤوسَ الیأسِ أضعافاً/ وَنَسْتَوفی عَن القَطرةِ.. طُوفانَ دِماءْ! (مطر، 2008م: 54) فالحکام لیسوا من العرب ولیس لهم جنسیة عربیةبل هم طفیلیون لم یُدعوا إلی عرس وخلطوا أنفسهم فی زحمة الناس، وکما یقول الشاعر: «لیس منّا هؤلاء/ ألف کلّا/ هی دعوی لیس إلّا..»، یخاطب الشاعر العدوّ الأمریکی مفیداً تعلق الحکام المفروضین لها جاعلاً إیّاها مختارةً فی أیّ ما تریده من تطبیع العلاقات والبیع والشراء والمبایعة مع هذه العملاء، مصرّحاً أنّها لا یوجد أی علاقة بینها وبین الشعوب، محذّراً أمریکا من مغبة أفعالها هذه فیخاطبها مهدِّداً: "افعلوا ما شئتم" فـ«سوف تعلمون» ولترونّ کیف نثأر منکم ونقتل آلافاً منکم بدل الواحد الذی قتلتم منا وکیف نجری طوفان دماءکم. فی قصیدة "نمور من خشب" قام الشاعر بإحصاء الحکام العرب واحداً تلو آخر وأوجد نوعاً من الحرکة والتتابع مع بعضهم البعض بتتابع القتل والهرب (الکرّ والفرّ) والشخصیات، ویقصد من استخدام هذه التقنیة ایجاد نوع من التناسق بین الشکل الشعری ومضمونه وهو سرعة انتهاء دور الحکام العملاء لأمریکا ضاحکاً منهم، ساخراً إیّاهم وهم نمور خشبیة ستمحو عن قریب، إثر حرکة الشعوب واستنهاضهم وستکون الشعوب لهیباً تحترق هذه النمور الخشبیة التی فرضتها أمریکا علی الناس. قُتلَ السادات/ والشاهُ هرب/ قُتلَ الشاهُ/ وسوموزا هرب/ والنمیریُ هرب/ ودوفالییه هرب/ ثمّ مارکوس هرب/ کُلُ مخصیّ لأمریکا/ طریدٌ أو قتیلٌ مُرتقب!/ کُـلُهم نَمِرٌ، ولکن من خشب/ یتهاوى/ عندما یسحقُ رأسَ الشعبِ/ فالشعبُ لهب!/ کلّ مَخصیّ لأمریکا/ على قائمةِ الشَطبِ/ فعُقبى للبقایا/ من سلاطین ِ العرب!. (مطر، 2011م: 72) والشاعر فی بعض الأحایین لایصرح باسم "أمریکا" وتسمیتها، بل یشیر إلیها مجازاً، مستخدماً القرائن بإیراد متعلقاتها ومواصفاتها الخاصة بها التی تدلّنا علیها، کاستخدام اللغة الإنجلیزیة المتمثلة للثّقافة الأمریکیة کما رأینا فی قصیدة "السیدة والکلب"، ومرة یستخدم جزءاً هاماً من الحکومة الأمریکیة مثل "البیت الأبیض" حیث یقول فی قصیدته "الأمل الباقی": حسناً أیها الحکام/ لا تمتعضوا/ حسناً أنتم ضحایانا/ ونحن المجرم المفترض!/ حسناً/ ها قد جلستم فوقنا عشرین عاماً/ وبلعتم نفطنا حتى انفقتم/ وشربتم دمنا حتى سکرتم/ وأخذتم ثأرکم حتى شبعتم/ أفما آن لکم أن تنهضوا؟!/ قد دعونا ربنا أن تمرضوا/ فتشافیتم/ ومن رؤیاکم اعتلّ ومات المرض/ ودعونا أن تموتوا/ فإذا بالموت من رؤیتکم میت/ وحتى قابض الأرواح/ من أرواحکم منقبض/ وهربنا نحو بیت الله منکم/ فإذا فی البیت ..بیت أبیض/ وإذا آخر دعوانا ..سلاح أبیض! (مطر، 2011م: 122) فالشاعر فی هذه الرائعة یشیر إلی حالة الحکومة السعودیة والتسرّب الأمریکی فیها وهیمنتها ثقافیاً علی هذه البلاد، خاصة بلاد "الکعبة" بیت الله. (مختاری، 1392ش: 134)
- المؤامرة والغدر والخیانة الأمریکیة فی قصیدة "الحصاد" یجعل الشاعر الحکام العملاء کلاباً تطلقها أمریکا علی الشعوب عبر المؤامرة والغدر مستخدمةً غوایتهم وجهلهم بالأمور، فیقوم الناس بالإستنجاد من هذه الکلاب العملاء دون أن یعرفوا أنّ حالهم "کالمستجیر من الرمضاء بالنار". وهذه هی الحالة المأساویة للبلدان العربیة التی یحکمها العملاء الأمریکیون وما أصدق هذا التعبیر علی الوضع الراهن فی البلدان العربیة وفی العقود الأخیرة التی شاهدت الحرکات الثوریة التی لم تثمر بعد وتحولت من الربیع إلی الشتاء، وتصدق هذا التعبیر علی الرئیس المصری السابق "حسنی مبارک" وبقیة الرؤساء العرب الذین یرجّحون المصالح الأمریکیة علی مصالح بلدانهم وتهاجم أمریکا علی هذه البلدان وتدیر الحروب النیابیة فیها وتدبّرها عن طریق المؤامرة وترتکب أنواع المظالم بحق الشعوب وتنقذ عملائها وتنجیهم وتقتل الناس وتنهب ثروات البلاد. أَمریکـا تُطلِقُ الکَلْـبَ علینا/وبها مِن کَلْبِهـا نَستنجِـدُ !/ أَمریکـا تُطلِقُ النّارَ لتُنجینا مِنَ الکَلبِ/ فَینجـو کَلْبُهـا..لکِنّنا نسْتَشهَـدُ /أَمریکا تُبْعِـدُ الکَلبَ.. ولکنْ /بدلاً مِنهُ علینا تَقعُـدُ/!**/أَمریکا یَدُها عُلیا/ لأنّـا ما بأیدینـا یَـدُ./ زَرَعَ الجُبنَ لها فینا عبیـدٌ/ ثُمَّ لما نَضِـجَ المحصـولُ/ جاءتْ تَحصـدُ./ فاشهَـدوا ..أنَّ الذینَ انهَزَمـوا أو عَرْبَـدوا/ والذیـنَ اعترضـوا أو أیّـدوا /والذینَ احتَشَـدوا/ کُلّهـمْ کانَ لـهُ دورٌ فأدّاهُ/ وتَمَّ المشْهَـدُ !/ قُضـیَ الأمـرُ ../ رقَـدْنا وَعبیدٌ فوقَنـا قَـدْ رَقَـدوا/ وَصَحَـوْنا ..فإذا فوقَ العبیدِ السّیدُ/**/ أَمریکا لو هِیَ استعبَدَتِ النّاسَ جمیعاً/ فَسیبقى واحِـدُ/ واحِـدٌ یشقى بِـهِ المستَعبِـدُ/ واحِـدٌ یَفنى ولا یُستَعْبَـدُ/ واحِـدٌ یحْمِـلُ وجهـی،/ وأحاسیسی،/ وَصَـوتی،/ وفـؤادی ../ واسْمُـهُ مِنْ غیرِ شَکٍّ :أحمَـدُ !/ **/ أَمریکا لیستِ اللّهَ/ ولو قُلْتُـمْ هی اللّـهُ/ فإنّی مُلحِـدُ!. (مطر، 2011م: 152) - التدخل الأمریکی فی شؤون البلاد وتحقیر الشعوب بناء علی تقریر لجنة المصالح الوطنیة للولایات المتحدة فإن هرم المصالح الوطنیة الإمریکیة یتألف من: 1- المصالح الحیاتیة 2- المصالح ذات أهمیة عالیة 3- المصالح المهمة 4- المصالح الفرعیة قلیلة الأهمیة. وتوجب هذه المصالح علی أمریکا فی الشرق الأوسط: 1- أن تبقی إسرائیل دولة مستقلة 2-عدم وجود أی خلل أو محدودیة فی عرض مصادر الطاقة للسوق العالمیة 3- أن تبقی جمیع الدول المعادیة لأمریکا فی المنطقة بعیدة عن الحصول علی الطاقة النوویة. 4- الحفاظ علی خلو منطقة الخلیج الفارسی من أی قدرة ممانعة 5- السیر بعملیة المصالحة فی الشرق الأوسط إلی الأمام 6- الحفاظ علی علاقات جیدة مع الدول العربیة الصدیقة للغرب والعمل علی أن تبقی هذه الدول موطئ قدم للدول الغربیة 7- توفر النفط 8- منع ظهور عدو یسعی إلی الهیمنة علی المنطقة. (مرسلی، 2012م: 127-129) إذن للشرق الأوسط أهمیة خاصة بالنسبة للشعب الأمریکی کما أفصح بها الجنرال کالین باول وزیر خارجیة أمریکا فی طرحه لمشروع الشرق الأوسط الکبیر فی 12 سبتمبر 2006م. (المصدر نفسه: 127) تحققاً لأهدافها ودفاعاً عن مصالحها، علی أمریکا بالتعاون مع بقیة الدول وأن تکون جاهزة للقیام بإجراءات متعددة بخصوص بقائها الإستراتیجی فی الشرق الأوسط ومن ذلک: إنشاء قواعد عسکریة متعددة فی السعودیة وقطر والکویت والبحرین وتدعیم القواعد العسکریة الموجودة فی المحیط الهندی والبحر المتوسط، وزیادة عدد القوات والامکانات فی المنطقة مع الحمایة الکاملة للکیان الصهیونی، طالبان وإیصالهاللسلطة فی أفغانستان. الحلف العسکری المکون من أمریکا إسرائیل ترکیة، المبیعات الهائلة للأسلحة للدول العربیة المحیطة بالخلیج الفارسی، البارجات والإنشاءات البحریة فی المنطقة وجزء من الإجراءات للتواجد والتأثیر والتحکم بدول المنطقة والتدخل المباشر فی سیاساتها الداخیلة.ولذلک فإن الوجود العسکری للولایات المتحدة فی المنطقة یعد لازماً لترسیخ الهیمنة الأمریکیة علی المستوی الدولی. (المصدر نفسه، 2012م: 128-129) یقول الشاعر فی تقییم الواقع السیاسی العربی والإسلامی والعالمی: «الواقع السیاسی العربی .. ملعب أمریکی یلعب فیه اثنان وعشرون لاعباً، فریق منهم فی الجهة الشرقیة وفریق فی الجهة الغربیة. یختلفون ویتناحرون على متابعة الکرة، لکنهم جمیعاً یتفقون على قاعدة لعب واحدة.والأهداف التی یسعون إلى تحقیقها، فی هذا المرمى أو ذاک هی کلها فی النتیجة لا تخرج عن نطاق الملعب. أما الواقع السیاسی الإسلامی فهو محکمة تضع القرآن فی قفص الإتهام وتطلب منه أن یقسم على القرآن أن یقول الحق ولا شیء غیر الحق! أما الواقع السیاسی العالمی فهو مسرح یعرض نصاً مؤلفته ومخرجته وممثلته..أمریکا. والجمهور فی المواقع الثلاثة مربوط إلى الکراسی بالقوة.. ممنوع علیه التدخین أو المشارکة أو الاحتجاج. ومسموح له فقط بأن یصفق أو یطبل أو یقول "یحیا العدل"!» (alsakher.com) فی قصیدة "شؤون داخلیة" یتکلم الشاعر عن التدخّل الأمریکی فی شؤون البلاد العربیة قائلاً: وطَـنی ثَوبٌ مُرَقَّـعْ / کُلّ جُزءٍ فیهِ مصنوعٌ بِمصنَـعْ / وعلى الثّوبِ نُقوشٌ دَمویّـهْ / فرّقـتْ أشکالَها الأهـواءُ / لکِــنْ / وحّـدتْ ما بَینَها نفـسُ الهَـویّـهْ :/ عِفّـةٌ واسِعـةٌ تَشقى / وعِهْـرٌ یَتمتَّـعْ !/**/ وَطَنی: عِشرونَ جـزّاراً / یَسوقـونَ إلى المسلَخِ / قطعـانَ خِرافٍ آدمیّـهْ ! /وإذا القطعـانُ راحـتْ تتضـرّعْ /لم تَجِـدْ عیناً ترى / أو أُذُنـا من خارجِ المسلخِ .. تسمَعْ / فطقوسُ الذّبحِ شـأنٌ داخِلـیٌّ / والأصـولُ الدُّوَلیّـهْ / تَمنعُ المسَّ بأوضـاعِ البلادِ الدّاخلیّـهْ / إنّمـا تسمَحُ أن تَدخُلَ أمریکا علینا / فی شؤونِ السّلمِ والحَـربِ / وفی السّلْـبِ وفی النّهْـبِ / وفی البیتِ وفی الدّربِ / وفی الکُتْبِ / وفی النّـومِ وفی الأکلِ وفی الشُّربِ / فإذا ما ظلّتِ التّیجانُ تَلْمَـعْ / وإذا ظلّت جیاعُ لکـوخِ / تَستجـدی بـ**** لِتدفَـعْ / وکِلابُ القَصْـرِ تَبلَـعْ / وإذا لم یبقَ من کُلِّ أراضینا / سِـوى متْرٍ مُربـّعْ / یَسَـعُ الکُرسـیَّ والوالـی/ فإنَّ الوَضْـعَ فی خیرٍ ../ وأمریکـا سَخیّـهْ !/**/ فَرّقَتْنـا وحـدَةُ الصَّـفِّ / علـى طَبـلٍ وَدَفِّ / وَتَوحّـدْنا بتقبیلِ الأیـادی الأجنَبیّـهْ ./عَـرَبٌ نحـنُ .. ولکِـنْ / أرضُنا عادتْ بِلا أرضٍ / وعُدنـا فوقَها دونَ هویَـهْ ./ فَبِحـقِ البیتِ /.. والبیتِ المُقَنّـعْ / وبِجـاهِ التّبَعیّـهْ / أعطِنا یا ربِّ جنسیّـةَ أمریکا / لکی نحیا کِرامَـاً / فی البِـلادِ العَربیَـهْ ! (مطر، 2011م: 91) یقوم الشاعر أیضا بترسیم الحروب الأمریکیة علی البلدان ونهب الثروات وجنایات جنوده فی إغارة البیوت، فینکر التدخل الأمریکی فی الثقافة العربیة والغزو الثقافی الذی شنّه علی العرب وأخذ هویتهم العربیة وأمرکتهم. فالشاعر یدعوا الله سبحانه وتعالی یمنحه جنسیة أمریکیة لکی یحیی کراماً فی بلاده العربیة، لأنّ العرب لیسوا کراماً فی بلادهم. «ینظر المستکبرون إلی العالم نظرة استعلائیة خاصة ومن خلال ما یستحوذ علیهم من مرض نفسی، هذا المرض الذی جعلهم لایعیرون أیة أهمیة للشعوب ولایحسبونها فی عداد العالم.» (مؤسسة الإمام الخمینی للثقافة، 1423ق: 11) فی قصیدة "السیدة والکلب" یستنکر الشاعر أحمد مطر هذه النظرة الاستعلائیة من قبل الأمریکیین الأجانب إلی الشعوب العربیة ویقوم بمقارنة بین رفاهیة العملاء الأمریکیین وطبقات الشعوب رافضاً هذا الظلم الفاحش بالنسبة لهم، حیث یقول: یا سیدتی . . هذا ظلم!/ کلب یتمتع باللحم/ وشعوب لاتجد العظم!/ کلب یتحمـم بالشامبو/ وشعوب تسبح فی الدم!/ کلب فی حضنک یرتاح/ یمتص عصیر التفاح/ وینال القُبلةبالفم!/ وشعوب مثل الأشباح/ تقتات بقایا الأرواح/ وتنام باثناء النوم!/ Who are they?/ قومی/ Do not mention them/ قومک هم أولى بالذم/ وبحمل الذلة والضیم/ هذا ظلم یا سیدتی/ أین الظلم؟؟/ ومن المتلبس بالجرم؟!/ أنا دللت الکلب ولکن ... هـــم/ أعطوه مقالید الحکم!. (مطر، 2011م: 147)
- الحکام الأمریکیون (جورج بوش نموذجاً) قام جورج بوش باحتلال العراق عسکریاً عام 2003م ولقد تسببت هذه الحرب بأکبر خسائر بشریة فی المدنیین فی تاریخ العراق وتاریخ الجیش الأمریکی منذ عدّة عقود. یقول الشاعر فی قصیدة ساخراً من جورج بوش وسیاسته المساندة للکیان الصهیونی: أهذا الّذی یأکلُ الخبز شربا/ ویحسب ظل الذبابة دُبّا/ ویمشی مکبّا/ کما قد مشى بالقماط الولید ..؟/ أهذا الذی لم یزل لیس یدری /بأیّ الولایات یعنی أخوه/ ویعیا بفرز اسمه إذ ینادى/ فیحسب أنّ المنادى ابوه/ ویجعل أمر السماء بأمر الرئیس/ فیرمی الشتاء بجمر الوعید/ إذالم ینزل علیه الجلید؟ /أهذا الذی لا یساوی قلامة ظفر/ تودی عن الخبز دور البدیل/ ومثقال مرّ /لتخفیف ظل الدماء الثقیل/ وقطرة حبر/ تراق على هجوه فی القصید..؟/ أهذا الغبیّ الصفیق البلید/ إله جدید ؟/ أهذا الهراء .. إله جدید/ یقوم فیُحنى له کل ظهر/ ویمشی فیعنو له کل جید/ یُؤنِّب هذا, ویلعن هذا/ ویلطم هذا, ویرکب هذا/ ویزجی الصواعق فی کل أرض/ ویحشو المنایا بحب الحصید/ ویفعل فی خلقه مایرید؟/ لهذا الإله / أصعِّر خدِّی/ وأعلن کفری / وأشهر حقدی/ وأجتازه بالحذاء العتیق/ وأطلب عفو غبار الطریق/ إذا زاد قربا لوجه البعید / وأرفع رأسی لأعلى سماء/ ولو کان شنقا بحبل الورید/ وأصرخ ملء الفضاء المدید: /أنا عبد رب غفور رحیم/ عفو کریم/ حکیم مجید/ أنا لست عبدا لعبد مرید/ أنا واحد من بقایا العباد/ إذا لم یعد فی جمیع البلاد/ سوى کومة من عبید العبید/ فأنزل بلاءک فوقی وتحتی/ وصُبَّ اللهیب, ورُصَّ الحدید/ أنا لن أحید/ لأنی بکلّ احتمال سعید/ مماتی زفاف, ومحیای عید/ سأرغم أنفک فی کل حال/ فإما عزیز.. وإما شهید (مطر، 2008م: 117) «ویتحدث الشاعر مطر عن زعیم النظام العالمی الجدید الذی أطلق إبان هجمات سبتمبر بأن ما یقوم به من حرب ضد ما یسمیه الإرهاب إنما هی العدالة المطلقة، وقد تناسى هذا الإله الجدید کما یسمیه مطر أن العدالة المطلقة لا تکون إلا لله الواحد.وبعد هذا التمرد والخروج من دین هذا الإله المزیّف یعلن مطر أنه لن یتنازل قید أنملة عن کرامته وأرضه حتى وإن لاقى فی سبیل ذلک الویلات والصعاب وأصناف البلاء.» (مداحش، 2012م: algomhoriah.net) یقوم الشاعر بترسیم الصورة الکاریکاتیریة الغایة فی السخریة لجورج بوش، واصفاً إیاه بالخوف والتفاهة، فهو الذی یخاف من ظل الذباب ویمشی مقمطاً کالطفل. یستخدم الشاعر الأسلوب المبالغة الذی یعدّ من أبرز العناصر الکاریکاتیریة ویصنع نوعاً من المفارقة الساخرة فی تصویر المهجو. فیتکلم عن ظلمه وجرائمه التی لطالما ارتکبها بسبب زهوه وطیشه الذی أذهب بعقله فاصبح جاهلاً أحمق بحیث یجعل نفسه فی مکانة الله تعالی. فیصب علیه کل معانی الحماقة والجهالة والخفة والطیش. فالشاعر الحر یصعّر خدّه ویقطّب الجبین لهذا الفرعون الزاهی ویکفره ویشهر الحقد والکره له ویجتازه بالحذاء فینکره فاخراً بکرهه وإباءه له، فلا یحنو إلّا لله الواحد القهّار. فیتحدّی الشاعر جورج بوش بکلّ قوّته وقدرته ویذکرنا جنایاته وجرائمه فی اعتداءه علی العراق والشعب العراقی، وعلی ما یبدو أنّ الشاعر فی هذا المقام یمثل الشعب العراقی ویضحّی بنفسه فی سبیل بلده العراق، فإمّا ینتصر ویرغم أنف العدوّ مقتدرا وإمّا یستشهد وینال الفوز العظیم، ففی کلاالحالتین هو سعید إمّا بشهادته وإمّا بعزّته وفخره. ومجمل الکلام هو أنّ أمریکا هی الشیطان فی رأی الشاعر حیث یقول فی قصیدة «خلق»: فی الأرضِ/ مخلوقـانْ:/ إنسٌ ../ وَأمْریکانْ! (مطر، 2011م: 142) کما صرح بهذا الإمام الخمینی (ره) فی کلامه عن أمریکا قال: "أمریکا الشیطان الأکبر"، ونحن نری أن الله تعالی فی کلامه عن المخلوقات یقسّمهم إلی الإنس والجن فی قوله تعالی ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِیَعْبُدُونِ﴾ (الذاریات: 56) إن مطر بسبب تأثره بالقرآن الکریم والاقتباس من مضامینه العالیة وآیاته الشریفة استلهم هذه الآیة جاعلاً أمریکا مکان الجنّ المتمثلة فی الشیطان سادّاً إیّاها مسدّه مطلقاً الخاص علی العام.
ب- الشعب الأمریکی کما قلنا إنّ صورة الشعب الأمریکی فیها الجیّد وفیها الخبیث وإنها صورة ملتهبة، مذبذبة بین السلبیة والإیجابیة والشاعر مرة ینظر إلی الشعب الأمریکی قدوةً لشعبه العربی خاصة حینما ینتقد من شعبه المسلم ویهجوه علی سلبیاته ونقصه یجعل الشعب الأمریکی قدوة وأسوة لأمته العربیة، وتارة یصفه بالغباء بنقده اللّاذع وسخریته المرّة. کما نراه فی قصیدة یتکلم عن الشعب العربی علی لسان الرئیس الأمریکی أوباما، داعیاً الشعب العربی إلی التبعیة من الشعب الأمریکی وجعلها قدوة فی التعامل مع الحکام ومسائلهم: لِجَمیعِ الأعرابِ شُعوباً أو حُکّاما: ... أنَا أُمثولَةُ شَعْبٍ یأبى/ أن یَحکُمَهُ أحَدّ غَصبْا/ ونِظامٍ یَحتَرِمُ الشَّعبا/ وَأنا لَهُما لا غَیرِهِما/ سأُقَطِّرُ قَلبی أنغاما/ حَتّى لَو نَزَلَتْ أنغامی/ فَوقَ مَسامِعِکُمْ.. ألغاما/ فامتَثِلوا.. نُظُماً وَشُعوباً/ وَاتَّخِذوا مثلی إلهاما/ أمّا إن شِئتُمْ أن تَبقوا/ فی هذی الدُّنیا أنعاما/ تَتَسوَّلُ أمْنَاً وَطَعاما/ فَأُصارِحُکُمْ.. أنّی رَجُلٌ/ فی کُلِّ مَحَطّاتِ حَیاتی/ لَمْ أُدخِلْ ضِمْنَ حِساباتی/ أن أرعى یوماً أغناما. (مطر، 2011م:251) یرید الشاعر أن یأخذ من کلّ شیء إیجابیاته ویترک سلبیاته له هو، فیأخذ من الشعب الأمریکی، وعیه وذکاءه ورفضه قبول حکم الغاصبین وإباءه الرضوخ امام المزورّین العملاء فیشید بها تحریضاً شعبه العربی علی الحکام. فی لافتة "حالات"، «لأجل السخریة والتهکم حاول الشاعر الکشف عن زیف إدعائنا بأننا شعوب إسلامیة تهتم لأمر الإسلام فی حیاتها وتحاول جاهدة تطبیق تعالیمه السمحة، فعمد إلی إقامة مقابلة بین حالین فی لافتة (حالات)، حالنا نحن الشعوب التی ندعی بأنّنا شعوب إسلامیة، وحال الشعوب الأوربیة التی غالباً ما ننعتها بأنّها شعوب کافرة، ولغرض صدمنا بکذب دعوانا أجل الشاعر الکشف عن تناقضنا إلی خاتمته التی سبقها بعدّة نقاط لجعلها مهولة صادمة، حتی تهزّنا من الأعماق وتکشف عن زیفنا وعن صدقهم.» (السعیدی، 2008م: 234) فقال: بالتّمـادی/ یُصـبِحُ اللّصُّ بأوربّـا/ مُدیراً للنـوادی ./ وبأمریکـا/ زعیمـاً للعصاباتِ وأوکارِ الفسـادِ./ و بأوطانـی التی/ مِـنْ شرعها قَطْـعُ الأیادی/ یُصبِـحُ اللّصُّ/.. رئیساً للبـلادِ ! (مطر، 2008م: 34) یقابل الشاعر زیف العرب المسلمین بصدق الشعوب الکافرة ویعتبر هذا الوصف إیجابیاً لدی الأمریکیین بحیث یبرزون صورتهم الصادقة الحقیقة، قصداً للإقتداء بهم فی الصدق ویشید بقیم عُلیا مما هو موجود فی بلاد المشرکین. ففی هذه اللافتة قام الشاعر بإقامة مقابلة بین الشعوب الإسلامیة والأوروبیة الأمریکیة قائلاً: «انظر إلى الوباء المسمّى (أمیرکا).. إنّه خلیط عجیب من الألوان والأجناس والأوطان والأدیان والأفکار، لکنّه فی قضایاه الکبرى متماسک ومربوط بحزام المواطنة. ثم انظر إلینا نحن الذین نملک کل شروط الکتلة، لترى أن امتیازنا الوحید هو أننا شعب بإمکان أی مواطن فیه أن یکفّر جمیع المواطنین، ویحجز الجنة التی عرضها السماوات والأرض..له وحده ، بل بلغ الإعجاز لدینا أنّ الواحد منّا یستطیع أن یُکوّن من نفسه "فرقة ناجیة"، ثمّ لا یلبث نصفه الأیمن أن یعلن انشقاقه على نصفه الأیسر!» (www.alsakher.com)إنّ أحمد مطر یصف أهل زمانه ومعاصریه بالغباوة والجهل فی زمن تکون سمته البارزة العلم والوعی بالأمور مستخدماً الأسلوب الساخر وعبر إیجاد التضاد بین الواقعی واللاواقعی یقوم بطرح مسائل لا توائم مع العُرف مخاطباً مواطنیه رادعاً إیّاهم من توجیه أیّة إهانة مهما صغرت، إلی أمریکا وهکذا یقوم بتجریح المستعمرین ونقدهم وسخریتهم عبر استخدام عنصر المفارقة. (مختاری، 1392ش؛ 133) ویحکی فی قصیدته "افتراء" عن إنسان یتحاور مع نفسه موجّهاً رسالةً إلى شعب أمریکا وأنه لا داعی لوصفه غبیاً لأنه الغباء نفسه. النتیجة من خلال البحث هذا یمکننا الوصول إلی بعض النتائج منها: -إن أمریکا فرضت نفسها علی الثقافة الغربیة وأخذت زمامها وأصبحت رائدها التی تقودها وتحاول أیضاً الأخذ بالقیادة فی منطقة الشرق الأوسط التی ترتکب لأجلها أشنع الجرائم والجنایات، القضیة التی أثارت نوعاً من الإنزجار والکراهیة لأمریکا أو باصطلاح آخر أمریکافوبیا - لو صح هذا التعبیر - فی هذه المنطقة. -إن أحمد مطر فی ترسیم الصورة الأمریکیة ذهب نهج قائد الثورة الإسلامیة الإمام الخمینی (ره) فی تقسیم نظرته إلی الحکومة الأمریکیة والشعب الأمریکی حیث یتخذ موقفاً عدائیاً بحتاً تجاه الحکومة الأمریکیة بحیث لایقبل أیّ تطبیع معها، أمّا بالنسبة للشعب الأمریکی فنری الشاعر مذبذباً فی رؤیته ویکون تصویره ملتهب بین السلبیة والإیجابیة کما نشاهد النظرة نفسها فی الأدب العربی عامة. -کلّما یتکلّم الشاعر عن أمریکا من موضع (الآخر)، یقوم بمقارنة بینها وبین البلاد العربیة فی موضع (أنا أو نحن أو العرب)، فیقابلهما مرّة بوصف الآخر الظالم مقابل (نحن) المظلوم، والآخر المستعمِر مقابل العرب المستعمَر المتخلّف المنخدع المنبهر بالآخر، راجیاً استیقاظ العرب لاستعادة کرامته الإنسانیة عبر التمرّد علی تغطرس الآخر وکسر هیمنته وجبروته. -إنّ الصورة الأمریکیة فی شعر"مطر" تعتبر من (التشویه السلبی) الذی یکون فی حالة العداء ولکن عدائیته هذه لم تؤدّ إلی تکوین الصورة السلبیة للآخر بل حاول أحمد مطر أن ینقد أمریکا وجرائمها الّتی تکوّن هذه الصورة الواقعیة السلبیة، إذن بدت لنا الصورة الأمریکیة (المستعمرة) فی الأدب العربی وفی شعر أحمد مطر مشوهة إلّا قلیلا وهذا التشویه یعود إلی ماهیتها الواقعیة، کما أنّ الشاعر یقصد إثارة مشاعر العداء تجاه الآخر ومشاعر الولاء والتضامن والتوحد تجاه الذات أو الأنا أو النحن، وبذلک تتحول الصورة إلى وسیلة من وسائل التعبئة النفسیة. [1]. بموجبها اجتمعت الدول الاثنتا عشرة الأعضاء الأوروبیة، فی مدینة ماستریخت الهولندیة فی 7 فبرایر 1992م، ووقعت على ما سُمیّ: "إتفاقیة ماستریخت للوحدة الأوروبیة"، بجوانبها النقدیة والاقتصادیة والسیاسیة. | ||
مراجع | ||
القرآن الکریم. پروینی، خلیل. (1391ش). الأدب المقارن (دراسات نظریة وتطبیقیة). تهران: سمت. پروینی، خلیل وهادی نظری منظم وکاوه خضری. (2012م). «صورة مایاکوفسکی فی شعر عبدالوهاب البیاتی وشیرکوبیک هس دراسة صورولوجیة فی الأدب المقارن». مجلة إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی والفارسی. السنة الثانیة. العدد الثامن. صص 75-55. حافظ وهیب، حسین. (لاتا). استراتیجیة الإدارة الأمریکیة الجدیدة إزاء الشرق الأوسط. مرکز دراسات دولیة. العدد السادس والأربعون. بغداد. الحمدانی، نوافل یونس. (2012م). الصورولوجیا فی السرد الروائی عند مهدی عیسی الصقر. مجلة دیالی. العدد الخامس والخمسون. حیدریان شهری، احمدرضا. (1393ش). پژوهشی در اندیشه های سیاسی اشعار احمد مطر. فصلنامه لسان مبین. سال پنجم. شماره پانزدهم. صص 23-1. السعیدی، عبدالکریم. (2008م). شعریة السرد فی شعر أحمد مطر. لندن: دارالسیاب. غیبی، عبدالأحد ولیلا جباری. (1393ش). یحیی سماوی مظهر آمریکایی ستیزی در شعر معاصر عراق. فصلنامه نقد ادب معاصر عربی. سال چهارم. فؤاد، محمد. (لاتا). الغضب والتمرّد فی شعر أحمد مطر. لامک: لانا. گارودی، روژه. (1392ش). آمریکاستیزی چرا؟. ترجمه جعفر یاره. چاپ نهم. تهران: انتشارات کانون اندیشه جوان. مؤسسة الإمام الخمینی الدولیة للثقافة والفن والدراسات. (1423ق). أمریکا فی فکر الإمام الخمینی. ترجمة: معروف عبدالمجید. انتشارات سطر. الطبعة الأولی. ماجدة، حمود. (2000م). مقاربـات تطبیقیـة فـی الأدب المقـارن دراسة. من منشورات اتحاد الکتاب العرب. مختاری، قاسم و جواد سپهری نیا و سمیرا جوکار. (1392ش). طنز سیاسی – اجتماعی در اندیشه های عبید زاکانی و احمد مطر. کاوشنامة ادبیّات تطبیقی (مطالعات تطبیقی عربی – فارسی(231- . سال سوّم. شماره 12. صص 146-121. مرسلی، فاطمه. (2012م). تأثیر الصحوة الإسلامیة علی أمن ومصالح أمریکا فی الشرق الأوسط وشمال أفریقا. «المقالات المختارة لمؤتمر الشباب والصحوة الإسلامیة العالمی». (الجزء الثانی). صص 161-121. مطر، أحمد. (2011م). المجموعة الشعریة. الطبعة الأولی. بیروت: دار الحریة. مطر، أحمد. (2008م). مختارات. الطبعة الأولی. لامک: لانا. المصادر الإنترنتیة عادل مداحش، أحمد مطر .. شاعر التمرد والحریة؛ الخمیس 04 أکتوبر-تشرین الأول 2012م.http://www .algomhoriah.net/newsweekarticle.php?sid=162486 الیوسفی، محمد لطفی. أمریکا فی الأدب العربی.. مستوطنات بیضاء. «فی ندوة آمریکا فی الأدب والفنون العربیة... صحیفة الرایة. الأحد 28/12/2008م/. http://www.raya.com/newspages/6bf03379-328e-425e-8650-bbaff5bf5943 حسن، عبدالرحیم. الشاعر أحمد مطر لـ"العالـم": قصیدتی هی "لافتـة" تحمل صوت التمرد. (09-11-2006).http://www.alsakher.com/showthread.php?t=108783 لقاء موقع الساخر مع أحمد مطر، (20-11-2012).http://www.alsakher.com /showthread.php?t=164650 | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,756 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 2,210 |