تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,621 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,331,582 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,377,816 |
التکرار فی دیوان الجرح الفلسطینی وبراعم الدّم لزینب حبش؛ دراسة فی البنیتین الإیقاعیة والدلالیة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 6، دوره 7، شماره 26، مهر 2017، صفحه 157-133 اصل مقاله (243.36 K) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
امین نظری تریزی1؛ محمد خاقانی اصفهانی* 2؛ سمیه حسنعلیان3 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1طالب مرحلة الدکتوراه فی اللغة العربیة وآدابها بجامعة أصفهان، أصفهان، إیران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2أستاذ فی قسم اللغة العربیة وآدابها بجامعة أصفهان، أصفهان، إیران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
3أستاذة مساعدة فی قسم اللغة العربیة وآدابها بجامعة أصفهان، أصفهان، إیران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
التکرار ظاهرة أسلوبیة فی النصوص الأدبیة تؤدّی دوراً ممیّزاً فی البنیتین الإیقاعیة والدلالیة. زینب حبش من شواعر المقاومة الّتی ظهر التکرار جلیاً فی شعرها حیث اعتبر سمة أسلوبیة بارزة فی نتاجها الشعری. تناولنا فی هذه الدراسة تبیین أهمّ أشکال التکرار فی شعر زینب حبش والترکیز علی استنباط أهمّ الخصائص الدلالیة والإیقاعیة الماثلة فی تکرار الحروف والکلمات والجمل بناءا علی المنهج الأسلوبی ـ الإحصائی. اخترنا ظاهرة التکرار موضوعاً للبحث لأنّها تعدّ من أهمّ الظواهر التی امتاز بها الشعر الفلسطینی المقاوم کما أنّ دراسة هذه الظاهرة تعتبر دراسة لجوانب النصّ الشعری اللغویة، والفنّیة والجمالیة. ونتائج البحث تبیّن أنّ التکرار فی دیوان الجرح الفلسطینی وبراعم الدمظهر فی قسمین: بسیط ومرکّب. التکرار البسیط هو تکرار الصوت، والکلمة، والتکرار المرکّب هو تکرار العبارة. لم یأت التکرار فی شعر الشاعرة الفلسطینیة اعتباطیاً بل جاء مقصوداً منتظماً مع الإیقاع والدلالة لإظهار حبّها لفلسطین وإظهار ألمها وحزنها لمصابها ولشهادة أصدقائها وأقربائها وبثّ روح المقاومة والثورة للقضاء علی الاحتلال. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأسلوبیة؛ البنیة الإیقاعیة؛ البنیة الدّلالیة؛ التکرار؛ زینب حبش؛ الجرح الفلسطینی وبراعم الدم | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
یعدّ التکرار فی نظر الباحثین تقنیة أسلوبیة تحدث علی مستوی النصّ، استخدمه الشعراء فی أشعارهم وتمتّعوا به لیعبّروا عن مشاعرهم وأحاسیسهم. قد یجسّد التکرار حالة نفسیة عند الشاعر الّذی یعتقد أنّ التّکرار غایة تساعده علی التعبیر عمّا فی خلجاته، وقد یلجأ إلیه الشاعر لتحقیق غرضٍ ما أو دلالة محدّدة ومعیّنة. کما أنّ التکرار «یعدّ مرتکز الإیقاع بجمیع صوره ویعمل بصوره علی توطیده وتمکینه من معمارها، فنجده ماثلاً فی الموسیقی یدعم تواترها وحرکتها الانسابیة.» (حنی، 2012م: 7) من ثمّ للتکرار جانبان من الأهمّیة: «فهو أوّلاً یرکز المعنی ویؤکّده، وهو ثانیاً یمنح النصّ نوعاً من الموسیقی العذبة المنسجمة مع انفعالات الشاعر فی هدوئه أو غضبه أو فرحه أو حزنه.» (أبوالعدوس، 1997م: 264) زینب حبش شاعرة فلسطینیة لها مکانة ممیّزة فی مسیرة الشعر الفلسطینی المقاوم، فیمکن القول بأنّ أبرز أسباب الإبداع لدی هذه الشاعرة یعود إلی الظروف المأساویة التی تعیشها فلسطین، حیث أصبحت مادّة رئیسة استلهمت منها فی أشعارها. «هی ابنة فلسطینیة معاصرة، مازالت تحلّق فی سماء قضایا الوطن الأمّ والوطن العربی. هی الّتی جسّدت معاناة شعبها بعد النکبة جرّاء الاحتلال، حیث تضمّنت أشعارها إدانة واستنکاراً لتحقّق المشروع الصهیونی بمساعدة الاستعمار القدیم العالمی، کما حاولت أن ترسم فی قصائدها الجیّاشة بالحزن والعاطفة لوحات تعبّر عن حالة الشوق والحنین للعودة إلی الوطن وذرفها دموع الحسرة علیه. ولکن مع ذلک کان شعرها مفعماً بالأمل الوضّاء، وحرارة النضال والتضحیة من أجل تحریر الوطن.» ((www.zeinab-habash.ws أمّا الموضوع الهامّ فهو أنّ دیوان الشاعرة ملیء بظاهرة التکرار وشتّی أسالیبه، الّتی تجسّد سمة أسلوبیة بارزة فی نتاجها الشعری فضلاً عن أنّها تعتبر أبرز میزة لافتة للنظر. إنّ للتکرار عند زینب حبش دوراً کبیراً فی عکس تجربتها، فالتکرار بأسالیبه لیس تکرار الأصوات والألفاظ والعبارات بصورة عشوائیة غیر متّصل بالمعنی والإیقاع، بل إنّ للتکرار عندها علاقة وطیدة بالإیقاع والمعنی. منهج البحث تسعی هذه الدراسة إلی رصد أسالیب التکرار أی التکرارین البسیط والمرکّب فی دیوان "الجرح الفلسطینی وبراعم الدم" والکشف عن خصائصهما الأسلوبیة من الناحیتین الإیقاعیة والدلالیة اعتماداً علی المنهج الأسلوبی والإحصائی الّذی یرکّز علی الإحصاء کأحد المعاییر الموضوعیة، علی أنّ الإحصاء لیس غایة مقصودة لذاته، بل هو مجرّد مؤشر محض یفضی إلی البحث عن الدلالات الّتی تکمن وراءه. إنّ الغایة من المنهج الأسلوبی هی الوصول إلی أغوار النص الشعری، ورصد السمات الأسلوبیة البارزة فیه وقیاس متوسّط الانزیاح علی مستویات عدّة. أسئلة البحث من هذا المنطلق یستهدف البحث إلی الإجابة عن السؤالین التالیین:
أهداف البحث إنّ الهدف من هذا البحث هو إطلالة علی موضوع التکرار والتعرف علی شتّی أسالیبه ودوره فی الإیقاع والدلالة والتعرف علی زینب حبش بوصفها إحدی الشاعرات الفلسطینیة وإزاحة الستار عن إحدی الجمالیات المستخدمة فی الشعر الفلسطینی المقاوم. خلفیة البحث الدّراسات الّتی تناولت تجربة زینب حبش الشعریة نخصّ منها بالذکر: دراسة یحیی زکریا الأغانی عنوانها: "قصیدة عربیة حارّة من فلسطین"-1998م، الّتی طبعت فی صحیفة الوطن القطریة، هذا الباحث یذکر فی دراسته هذه، لمحات عابرة من خصائص دواوین زینب حبش ویعرّفنا إلی ستة دواوینها الشعریة أی: المجموعة الشعریة الأولی بعنوان"قولی للرمل"، المجموعة الشعریة الثانیة بعنوان "الجرح الفلسطینی وبراعم الدم"، المجموعة الشعریة الثالثة قدّمت لها بسورة من القرآن الکریم هی "الزلزلة" وعنوانها "أغنیة حب للوطن" صدرت عام 1995م؛ المجموعة الشعریة الرابعة الّتی تهدیها إلى شقیقها الشهید "أحمد"، بعد مرور خمس وعشرین سنة على استشهاده. مغلّفة صدر الدیوان بصورته، وکأنّه إهداء إلى کلّ شهداء فلسطین. ویحمل جملة موجّهة إلى أمّها "لا تقولی مات یا أمی"؛ مجموعتها الخامسة "رسائل حبّ منقوشة على جبین القمر"؛ المجموعة السادسة جاءت مختلفة عن المجموعات السابقة، لکونها تُعبّر عن فترة زمنیة عاشتها الشاعرة بعد الاحتلال الإسرائیلی للجزء الثانی من الوطن، حتى أنّ عنوانها"حفروا مذکراتی على جسدی". وهناک دراسة أخری للینا جمال زکریا الطریفی فی جامعة القدس بکلیة هند الحسینی للبنات فی قسم اللغة العربیة، عنوانها "الشاعرة زینب حبش"-1994م، تشیر هذه الباحثة فی دراستها إلی مصادر شعر زینب حبش وأغراض شعرها وأسلوبها إشارة موجزة. رسالة أمین نظری تریزی فی جامعة أصفهان المعنونة بـ"دراسة مقارنة لمظاهر المقاومة فی شعر زینب حبش وطاهره صفارزاده" قام الباحث فی هذه الرسالة باستخراج أهمّ مظاهر ومضامین المقاومة فی الأعمال الشعریة للشاعرتین وتحلیل هذه المظاهر ومقارنتها بناءا علی المدرسة الأمریکیة. ومقالة عزت ملا ابراهیمی ومحیا آبیاری قمصری عنوانها «تحلیل گفتمان انتقادی اشعار زینب حبش» یتطرّق الباحثان إلی تحلیل الخطاب الانتقادی فی شعر زینب حبش بناءا علی منهج فرکلاف. ومن الدراسات الّتی تناولت موضوع التکرار فی الشعر کثیرة ونشیر إلی أهمّها ومنها: مقالة إسحاق رحمانی وآخرین عنوانها "جمالیات التکرار فی شعر توفیق زیاد شاعر المقاومة"، ومقالة آمال دهنون المعنونة بـ"جمالیات التکرار فی القصیدة المعاصرة"، ومقالة أحمد زهیر المنصور عنوانها "ظاهرة التکرار فی شعر أبی القاسم الشابی دراسة أسلوبیة" ومقالة نبیلة تاولرریریت عنوانها "حداثة التکرار ودلالته فی القصائد الممنوعة لنزار قبانی"، ورسالة عبدالقادر علی زروقی المعنونة بـ"أسالیب التکرار فی دیوان سرحان یشرب القهوة فی الکافیتیریا لمحمود درویش". غیر أنّ هنالک لم توجد دراسة تهتمّ بمعالجة التکرار ودراسته فی دیوان زینب حبش التی استطاعت من خلال هذه الظاهرة أن ترسم لنا انفعالاتها وأحاسیسها فی المجالات المختلفة. فلذلک تحاول هذه المقالة الترکیز علی دور التکرار وأسالیبه فی الدلالات الفنّیة والنفسیة والاجتماعیة وأهمیته فی خلق الصور الجمالیة راجیة أن تکون محاولة جدیدة لفتح الآفاق أمام الباحثین فی البحوث النقدیة القویمة التی تعالج الجوانب الفنّیة للشعر الفلسطینی المقاوم. نبذة عن حیاة الشاعرة زینب عبد السلام عبد الهادی حبش، ولدت عام 1943م فی بیت دجن یافا. لاقت کثیراً من العنایة والحنان أثناء طفولتها، فعاشت طفولة سعیدة کان لها أکبر الأثر فی صقل شخصیّتها الأدبیة فیما بعد. وتُعتبر أسرة الشاعرة هی آخر أسرة هاجرت من یافا بسبب تمسّک الأهل بالمکان، فمکثت فترة فی اللد ثم انتقلت إلى نابلس، حیث التحقت الشاعرة بمدرسة تابعة لوکالة الغوث هناک، وقد أظهرت اجتهاداً کبیراً أدّى لترقیتها من الصّف الثانی إلى الصف الرابع الابتدائی. وهذا کان طبعاً نتیجة لعنایة البیت. وبعد إنهائها المرحلة الابتدائیة انتقلت إلى المدرسة العائشیة، ثم أنهت المرحلة الثانویة بمدینة نابلس. بعد ذلک بدأت دراستها الجامعیة سنة 1961م بجامعة دمشق فی سوریا فدرست اللغة الإنجلیزیة وحصلت على شهادة التوجیهی من کلیة النجاح الوطنیة بنابلس عام 1961م. کانت رغبتها أن تتخصّص بدراسة الطب. إلا أنّ الظروف الاقتصادیة للأسرة حالت دون ذلک، فاختارت دراسة الأدب الإنجلیزی فی جامعة دمشق وتخرّجت سنة 1965م حاصلة على لیسانس فی اللغة الإنجلیزیة وآدابها. وأثناء تلک السنوات قرأت زینب حبش، إضافة إلی الکتب المقرّرة فی المنهاج من روائع الأدب العالمی باللغة الإنجلیزیة، کلّ ما وصلت إلیه یدیها فی شتّی المواضیع، باللغتین العربیة والإنجلیزیة، خاصّة الشعر والمسرح والروایة والقصّة القصیرة، ممّا أثّر علی إنتاجها الأدبی فیما بعد. بعد ذلک عادت إلى فلسطین فعملت مُدرّسة للغة الإنجلیزیة فی الفارعة. کانت من أوائل المُعتقَلات فی أواخر 67 وبدایة 68 حیث اعتُقلت فی بدایة الاحتلال مع مجموعة أخرى. وبعد انتقالها للإقامة فی مدینة رام الله حصلت سنة 1982م على ماجستیر فی الإدارة والإشراف التربوی من جامعة بیرزیت، وقد صدرت لها کتب عدة فی هذا المجال منها کتاب «ترشید المناهج المدرسیة فی الضفة الغربیة وقطاع غزة» عام 1991م وکتاب «تعلم کیف تتعلم بنفسک» من إصدار اتحاد الکتاب والأدباء الفلسطینیین، فهی عضو فی هذا الاتحاد. تعمل الآن موجّهة للغة الإنجلیزیة فی مدارس وکالة الغوث لمنطقة القدس. کانت لها بعض الاتصالات مع بعض رجال السیاسة والأدب کلقائها مع فدوى طوقان، ولقائها مع سیادة الرئیس الفلسطینی یاسر عرفات فی غزة بالإضافة إلى لقاءاتها العدیدة مع بعض شعراء فلسطین. عملت مع وکالة الغوث الدولیة فی مرکز تدریب المعلّمات (الطیرة) برام الله. استمرّ عملها مع الوکالة کمعلّمة ومدیرة مدرسة ثمّ موجهة للغة الإنجلیزیة فی منطقة قدس حتی عام 1995م، حیث استقلّت من عملها لتتفرّغ للکتابة. إلا أنّه جری تکلیفها من الأخ الرئیس یاسر عرفات بالعمل فی وزارة التربیة والتعلیم العالی، مدیراً عامّاً موجّهاً، استمرّ عملها فیها حتّی نهایة عام 2005م. تُعتبر أسرة زینب حبش ذات ماض عریق فی النضال، حیث اسُتشهد اثنان من إخوتها بالإضافة لاستشهاد ابن أخیها، والتحاق کثیر من أفراد أسرتها بالثورة الفلسطینیة، وربما هذا یفسّر الطابع الوطنی الذی یمیّز أشعارها. أصبحت زینب حبش عضواً فی اتحاد الکتاب والأدباء الفلسطینیین، وتبوّأت مناصبَ مختلفة، وتعملُ حالیاً فی مدینة رام لله فی وزارة التربیة والتعلیم فی ظلّ السلطة الوطنیة لتُساهمَ بواجبها من أجل الوطن. (www.zeinab-habash.ws)
ظاهرة التکرار التکرار فی اللغة هو مصدر الفعل "کرّر" أو "کرّ"؛ یقال: کرّر الشیء وکرّ کرّه: أعاده مرّة بعد أخری، والکرّة: المرّة، والجمع الکرّات ویقال: کررت علیه الحدیث وکرکرته إذ أرددت علیه، والکرّ الرجوع علی الشیء ومنه التّکرار. (ابن منظور، 1997م: 390) وقد أورد الزمخشری لهذه الکلمة مجموعة من المعانی المرتبطة بها، وهی تدور کلّها حول المعنی الواحد المشترک وهو الإعادة والتردید، منه: «ناقة مکرّرة، وهی الّتی تحلب فی الیوم مرّتین وهو صوت کالحشرجة.» (الزمخشری، 2003م: 726) أمّا التکرار فی الاصطلاح فهو أسلوب تعبیری بلاغی له دلالاته الفنّیة، وأغراضه الأسلوبیة، وجمالیّاته الإیقاعیة، وهو تردید المعنی بلفظ واحد. التکرار أسلوب یتضمّن الإمکانات التعبیریة الّتی یتضمّنها أسلوب آخر، إذ یغنی المعنی ویرفعه إلی مرتبة الأصالة. (عاشور، 2004م: 11) ویثری العاطفة ویرفع درجة تأثیرها، ویرکّز الإیقاع ویکثّف حرکة التردّد الصوتی فی القصیدة. (الملائکة، 1983م: 263) لاشک أنّ التکرار أحد الأدوات الأسلوبیة والآلیات التعبیریة الّتی نستطیع بها أن نکشف عن أغوار النصّ ونجسّد الأحاسیس والمشاعر المختلفة فی نفس الأدیب کما إنّه «أحد المرایا العاکسة لکثافة الشعور المتراکم زمنیاً عند الذات المبدعة، یتجمّع فی بؤرة واحدة لیؤدی أغراضاً عدیدة.» (الزبیدی، 1987م: 263) یعتبر "صلاح فضل" التکرار من الطاقات الأسلوبیة الفاعلة فی بنیة النصّ الشعری حیث یقول: «یمکن للتکرار أن یمارس فعالیته بشکل مباشر، کما أنّ من الممکن أن یؤدّی إلی ذلک من خلال تقسیم الأحداث والوقائع المتشابکة، إلی عدد من المتفصلات الصغیرة، الّتی تقوم بدورها فی عملیة الاستحضار.» (فضل، 2001م: 264) أما النقد الحدیث فیعتبر التکرار ظاهرة أدبیة تساهم فی بناء النصّ دلالیاً وإیقاعیاً، کما أنّه تشکّل إحدی السّمات الأسلوبیة للنصّ. فالتکرار وفقاً لهذه الرؤیة، یضمّ الجانب اللفظی والجانب الدلالی معاً ویقع فی إطار الإیقاع الدّاخلی. یلجأ الشاعر المعاصر إلی التکرار لیوظّفه فی النصّ الشعری المعاصر، لدوافع النفسیة، وأخری فنیة، «أمّا الدوافع النفسیة فإنّها ذات وظیفة مزدوجة، تجمع الشاعر والمتلقی علی السواء، فمن ناحیة الشاعر یعنی التکرار الإلحاح فی العبارة علی معنی شعوری، یبرز من بین عناصر الموقف الشعری أکثر من غیره، ومن ناحیة المتلقّی یصبح ذا تجاوب یقظاً مع البعد النفسی للتکرار من حیث إشباع توقعه، وعدم إشباعه، فتثری تجربته بثراء التجربة الشعریة المتفاعل معها، وتکمن الدوافع الفنّیة للتکرار فی تحقیق النغمیة، والرمز لأسلوبه، ففی النغمیة هندسة الموسیقی التی تؤهل العبارة، وتغنی المعنی.» (السعدنی، لاتا: 172) من هذا المنطلق یعدّ التکرار من «أهمّ الوسائل الفنّیة فی النصّ الشعری الحداثی، وعلی النحو الّذی یضعه فی مجال المغامرة وحیّز التمرّد علی الأطر والقیاسات والصیاغات والألفة المعهودة.» (تاوریریت، 2012م: 30) تجلیات التکرار فی دیوان الجرح الفلسطینی وبراعم الدم قد انقسم بعض النقّاد الجدد -أمثال نازک الملائکة- التکرار إلی البسیط والمرکّب.أمّا التکرار البسیط، فیختصّ بتکرار الصوت، وتکرار الکلمة المتمثّلة فی تکرار البدایة وتکرار النهایة، وتکرار المجاورة، وتکرار الضمائر أمّا التکرار المرکّب فیختصّ بتردّد السیاق (جملة، عبارة ...). (الملائکة، 1983م: 128) نحن توخینا هذا النوع من التقسیم فی البحث، فعلی أساس هذا المنهج، التکرار فی دیوان "الجرح الفلسطینی وبراعم الدم" ینقسم إلی قسمین: تکرار بسیط وآخر مرکّب. فی البدایة سنعرض للقارئ التکرار البسیط مبتدئین بالصوت، والکلمة أو الصیغة ثمّ نتطرّق إلی التکرار المرکّب فضلاً عن الدلالات التی یجلیها هذان الأسلوبان من التکرار. التکرار البسیط ودلالته الف) تکرار الصّوت کلّ النّاس یتفاهمون أساساً عن طریق الأصوات الکلامیة، والصوت هو أصغر وحدة لغویة غیر قابلة للتحلیل، أی إنّ الصوت هو اللبنة الّتی تشکّل اللغة، أو هو المادّة الخام الّتی تبنی منها الکلمات أو العبارات. (مختار عمر، 1997م: 401) یری "فتحی أبو مراد" بأنّ «تکرار الصوت یلعب دوراً تعبیریاً وإیحائیاً إضافة إلی دوره فی خلق بنیة النصّ وتلاحمها، کما یسهم فی إبراز البنیة الإیقاعیة الّتی تکسب الأذن أُنساً وتشدّ انتباه المتلقی إلیه.» (أبومراد، 2003م: 116) فهو هنا یعنی علاقة الصوت بالمعنی فی اللفظة المفردة مع تکوین الإیقاع. إذن «تعدّ ظاهرة التکرار الصوتی لبعض الحروف من الوسائل الّتی تثری الإیقاع الدّاخلی بواسطة تردید حرف بعینه فی الشطر أو البیت أو السطر، أو مزاوجة حرفین أو أکثر وتکرار ذلک فی مقطع شعری یعکس الحالة الشعوریة للمبدع وقدرته علی تطویع الحرف لیؤدّی وظیفة التنغیم إضافة إلی المعنی.» (محمد العف، 2001م: 5) یعدّ تکرار الصوت جزءاً لاینفصل عن شعر زینب حبش ولا شکّ أنّ للحروف والأصوات المستعملة فاعلیة قویمة فی أغراض کلامها، کما أنّها قد لعبت دوراً فریداً فی تأثّر المخاطب عن شعرها. حتّی تکون دراستنا دقیقة وذات قیمة قمنا بحساب الأصوات والحروف فی الجدول التالی:
من نماذج تکرار الصوت اخترنا مقطعاً من قصائد زینب حبش حیث تقول فیها: بسام/ یغفو/ یحلم/ فی حضن الوطن الدافیء/ تکحل عینیه حبیبات الرمل الصحراء/ تزیّنه ضمّة شقیق فوق الصدر/ ویلثم شفتیه/ آخر حرف فی کلمة حبّ/ آه یا قلب/ تؤلمنی حبات العرق الفضیّ/ علی جبهة بسّام/ تفرحنی شارات النصر المرسومة بأصابع بسّام/ هذا هو الفرح الفلسطینی/ والألم الفلسطینی/ یتعانقان کعاشقین/ یتلازمان کعاشقین/یغوص بنا الدرب فی القاع/ نغرق/ نفقد إحساسنا بالرجوع/ نضیع/ نحاول ما یأسنا أن نلملم/ خیطاً من الحزن/ خیطاً من الحزن/ خیطاً من الدمع/ خیطاً من الموت/ آه من القلب حین تجفّ من الحبّ/ آه من العین حین تجفّ من الدمع/ آه من الروح حین تجفّ الحیاة/ لماذا یطاردنی الحزن؟/ یقهرنی/ وینشب فی أضلعی مخلبیه/ لماذا/ یجفّ الهواء من الأوکسیجن؟!/ یصیر التنفّس عبئاً ثقیلاً/ تصیر الثوانی سنین؟!/ لماذا یطاردنی الحزن؟!/ یخنقنی/ فأغرق فی الحزن/ أغرق فی الدمع/ أغرق فی الموت/ أغرق/ من قمّة الرأس/ حتی القدم/ کأنّ السعادة لیست لنا/ کأنّ الحیاة بأحیائنا/ تموت/ تصیر عدم/ لماذا تصیر الحیاة عدم؟! (حبش، 1994م: 5 - 6) تستغلّ الشاعرة الفلسطینیة القیمة الإیقاعیة لصفات الحروف وارتباطها بالمعنی الشعری فی هذا المقطع. إنّ الإحصاء الذی قمنا به عن أصوات الهمس والجهر سجل لنا حضوراً قویاً للأصوات المهموسة الّتی تکرّرت 190 مرّة بنسبة بلغت 39% فی مقابل انخفاض حضور الأصوات المجهورة الّتی تکرّرت 295 مرّة بنسبة بلغت 61%. ولکن لماذا نؤکّد علی قوّة الحضور للأصوات المهموسة وانخفاض الحضور للأصوات المجهورة رغماً أنّ الأصوات المهموسة أقلّ نسبة من أصوات الجهر؟ یقول إبراهیم أنیس فی کتابه "موسیقی الشعر": «لقد برهن الاستقراء علی أنّ نسبة شیوع الأصوات المهموسة فی الکلام لا تزید علی الخمس أو عشرین فی المائة منه فی حین أنّ أربعة أخماس الکلام تتکوّن من أصوات مجهورة.» (أنیس، 1952م: 35) فإذا استعملت فی السیاق بکثرة تجاوزت حدّها العادی وتعلقت بها دلالة خاصّة. (الطرابلسی، 1981م: 55) فعلی أساس هذا الکلام، المقیاس الذی نستند إلیه فی تحلیلنا هو نسبة الأصوات المهموسة والمجهورة فی الکلام العادی ومدی تجاوزهما لهذا المقیاس. فیجب أن ینحرف الجهر والهمس عن الاستعمال العادی لصفات الأصوات فی الکلام حتّی تکون له دلالة خاصّة. فیجوز لنا الآن أن نقول النسبة المسجّلة للأصوات المهموسة تکون أکثر من مرتفعة. لقد أنشدت الشاعرة هذه المرثیة بعد شهادة أخیها بسّام، کان الألم یعصر روح زینب حبش عصراً، وکأنها تتنفّس بضیق وجهد کبیر. لم تستطع ردّ القضاء الذی نزل علیها ولا تحمّل المصیبة الّتی ضربتها عنیفة. لقد بقیت الشاعرة مصدومة ومحزومة فلم تجد من متنفّس إلا هذه الأبیات التی تکون ملاذاً لها ومتنفّساً. هذا الوضع الخانق للنفس یناسب ویوافق النسبة الکبیرة فی الأصوات المهموسة، لأنّنا «نحتاج للنطق بأصوات الهمس إلی قدر أکبر من هواء الرئتین مما تتطلبه نظائرها المجهورة.» (أنیس، 1952م: 30) انقسمت عواطف الشاعرة فی بدایة المقطع إلی قسمین،ما بین الحزن العمیق الذی أصابها عندما تذکّر المعاناة الّتی لقیها بسامخلال الحرب مع الأعداء الجبابرة المغتصبین، وما بین الفرح الذی أثارته هزیمة العدوّ علی ید بسّام. إذن یمکن القول بأنّ حالة الأسی التی أصابت الشاعرة من الأسباب الرئیسة لکثافة الحروف الهمسیة لأنّها أصبحت منهار القوی فلم تستطع رفع صوتها قصد الجهر.أمّا الحالة الثانیة فموقفالرقّة والفرح، فهذا الموقف الّذی أقرب إلی الانشراح منه إلی الانقباض، لا یستلزم أصواتاً مجهورةً عالیةً بل یلائم الکثافة الهمسیة؛ لأنّ «الصوت المهموس هو الصوت الّذی لاتتذبذب الأوتار الصوتیة حال النطق به.» (بشر، 2000م: 173) فضلاً عن الحضور الکثیف لأصوات الهمس نلاحظ أیضاً استعملها أصوات الحلق بنسبة کبیرة حیثوصل عددها إلی 93 صوتاً یوافق صعوبة الموقف العاطفی الّذی تمرّ به الشاعرة. فالأصوات الحلقیة هی الأخری صعبة النطق کون مخرجها من الحلق ذاته (البکوش، 1992م: 39) فقد تکرّر صوت الهاء 12 مرّة والحاء 27 مرّة والعین 19 مرّة والغین 7 مرّة والخاء 7 مرّة وتکرّر صوت الهمزة 21 مرّة، الصوت الّذی «یخرج من الأوتار الصوتیة ذاتها» (المصدر نفسه: 40) هذا الکمّ الهائل من الأصوات الحلقیة الّذی وصل إلی 93 تکراراً یعزّز الشعور بالاختناق والضیق النفسی والتنفّسی لدی الشاعرة کما أنّها تصرّح بهذا الأمر حیث تقول: «یجفّ الهواء من الأوکسیجن؟!/ یصیر التنفّس عبئاً ثقیلاً.» فی هذا المقطع ظهر تکرار أصوات المدّ جلیاً خاصة حرف "الیاء" التی تکرّرت 33 مرّة وحرف "الألف" التی تکرّرت 39 مرّة. فأنشأت الشاعرة من التردید الصوتی لهما إیقاعاً حزیناً هادئاً مع حالة الأسی العمیق الّذی سبّب لها العیش فی وطن غیر وطن، وفی دیار الیتم والغربة، کذلک الاحتلال الذی استغرق زمناً طویلاً جعلها متوتّرة مضطربة. فقد جاءت أصوات المدّ لتعبّر عن آهات الشاعرة وحالة الحزن التی تحسّها، لأنّ أصوات المدّ تناسب التأوّه والصیاح «لاتساع مجری النفس عند النطق بها.» (عباس، 1998م: 96) من نماذج تکرار الصوت فی هذا المقطع هو تکرار حرف النون التی تکرّرت 59 مرّة وبعضها موصولة بحرف مدّ یاء مثل؛ «تؤلمنی، تفرحنی، الفلسطینی، یطاردنی، یقهرنی، یخنقنی و...» صوت النون هو «صوت مجهور متوسّط الشدّة، ینبعث من الصمیم للتعبیر عن الألم العمیق (أنّ أنیناً). هو أصلح الأصوات قاطبة للتعبیر عن مشاعر الألم والخشوع.» (عباس، 1998م: 161) کما أنّ صوتها یحاکی فی حال السکون صوت طنین النحلة أو البعوضة هذا الطنین المتواصل دون توقّف یسبب الشعور بالتوتر الشدید لدرجة أنّ الإنسان قد یفقد أعصابه ویضطرب إذا فشل فی القضاء علی تلک البعوضة المزعجة الّتی تأبی الرحیل. (عبدالجلیل، 1998م: 42) هذا التکرار یوافق الحالة النفسیة المتازّمة المترعة بالألم الّذی تعیشها الشاعرة کما أنّه یناسب حالة استسلام الشاعرة للقدر ویأسها المرّ للرجوع إلی أحضان الوطن الدافئة. فضلاً عن أنّ هذا التکرار الموصول بحرف الیاء صنع إیقاعاًهادئاً حزیناً رتیباً یمنح القاریء شعوراً بالحزن والأسی. وفی قصیدة "لن أهاجر" قد استخدمت الشاعرة نوعاً آخر من الإیقاع الّذی یعتمد المزاوجة بین حرفین أو أکثر لخلق توافق نغمی متکرر، تزاوج زینب حبش من أصوات الراء واللام والعین والسینفی قولها: لا الموت یرعبنی/ ولا الإرهاب/ والملیون عثرة/ لا السجن/ لا الضرب المبرّح/ لا/ ولا أقسی الکلام/ یا من تغطون القنابلَ والمدافع/ بالسلام/ وشدوا کلّ عمدان المشانق/ لن ترهبونی بالقنابل/ أو بنیران البنادق/ سأظلّ أحضن بلدتی الخضراء/ فی قلبی وعینی/ سأظلّ أحمیها/ أطهرها/ وأحرمها بعینی/ لا. لن أهون أمامکم/ یا میتون/ لا لن أهون/ وعزّةِ العرب الأباه/ لن أهونَ/ فأنا فتاة الثأر/ إنّی هامتی فوق المجرّة/ أنا رمز کلّ صبیةٍ/ عربیة التصمیم حرّة/ لن تسلبوها بلدتی/ لن تسرقوا من کرمتی/ سأعیش/ فوق حطام داری/ سیضم جرحی/ جرح جاری/ وجمیعنا/ سنظلّ فوق تراب عزّتنا/ سنبقی/ بالاحتقار ترشکم نظراتنا/ بالاحتقار/ وسترتمون/ عراة خزیکم/ بأحضان الصّغار. (حبش، 1994م: 31 - 32) تتعاضد الإیحاءات الصوتیة ودلالاتها المعنویة للشاعرة زینب حبش. نجد زینب حبش قد کرّرت حرف الراء 32 مرّة وهو حرف مجهور متوسّط الشدّة والرخاوة، ومن خصائصه الترجیع والتکرار الّذی یوحی بالتعاقب والحرکة وحرف اللام 48 مرّة وهو صوت مجهور انحرافی فقد جاء بما فیه من قوّة وتردّد صوتی مرتبطاً بحالات الرفض المطلق والثورة، وحرف العین 13 مرّة وهو صوت مجهور یخرج من أعماق الجهاز الصوتی ویعتبر جزءاً من الحروف القصیرة والأصوات المغلقة. (أبو عامود، 2009م: 290) ومن الناحیة الدلالیة هناک علاقة وثیقة بین النصّ الشعری وحروف الراء واللام والعین إضافة إلی أنّ المزاوجة بین هذه الحروف تضفی علی الإیقاع قوّة وانسجاماً وحیویة. هذه القصیدة مترعة بمضامین المقاومة. الشاعرة لا ترید کبت شوقها لتحریر وطنها المحتلّ والمقاومة دون العدوّ المنبوذ بل ترید أن تحافظ علی معنویاتها ومعنویات شعبها فی هذا الطریق. إنّ تکرار حرف الرّاء هنا یبعث النشاط والحرکة الّتی تلازم المقاومة، کما أنّ حرف اللام یعبّر عن الثورة والحرکة فی النضال والصمود وعدم الرضوخ دون العدوّ ورفض المطلق للضعف والکسالة بما أنّه صوت قویّ مجهور، کما أنّ حرف العین یماثل حرف اللام جهراً وقوّةً وعمقاً فیعبّر عن حالة الامتعاض الشدید للفوضی وللظروف الهمجیة ویؤکّد علی ملازمة الصمود والعزم الصارم فی نفس الشعب لمواصلة المقاومة والقضاء علی الاحتلال. لا تدع زینب حبش أن یتسرّب الیأس فی نفوس مواطنیها، بل تجعل الأمل نصب أعینهم، وتتمتم فی مسامعهم بأنّ الفجر غداً لناظره لقریب؛ لأنّهاتعتقد بأنّ عباد الله الصالحین والمستضعفین هم الذین یرثون الأرض والله یقضی علی الطغاة. یتلقّی القارئ مفهوم الحریة والنصر من خلال تکرار حرف السین باعتباره مهموساً رقیقاً رخواً، کأنّ صوت السین یبشّر عودة الانتصار. فضلاً عن أنّها یخلق الحرکیة والنشاط واستمرار المقاومة فی نفوس القرّاء بوصفها «حرفاً یوحی بالحرکة والطلب والبسط.» (عبّاس، 1998م: 114) لقد نجحت الشاعرة فی استغلال الدلالة الموسیقیة لتکرار حرف السین، فقد کرّرت هذه الحرف 12 مرّة محدثةً نوعاً من الانسجام الإیقاعی الّذی یلفّ إیقاع الحرکة والنشاط سمت النصّ، فهذه الکثافة تعزّز الشعور بتحقّق العدالة والحرّیة والقضاء علی الاضطهاد فی مستقبل قریب کما تجدّد الإحساس بأنّ السلام لابدّ أن یعمّ الوطن وروح الحیاة ینفخ فی جثمانه، وهذا یوافق تماماً مع دلالة حرف السین، لأنّه یدلّ علی تحقّق الأمر فی مستقبل قریب. وما یمکن استخلاصه من کلّ ذلک الحضور الکثیف لهذه الأصوات هو أنّ الأصوات المهموسة توافق المشاعر الرقیقة والمعانی الرومانسیة الصالحة للمناجاة الغرامیة، هذه الأخیرة الّتی تطلّب شیئاً من الستر والخفاء الّذی هو من صفات الصوت المهموس. (حسانی، 1999م: 84) والأصوات المجهورة والحلقیة توافق المعانی الواضحة والقوّیة کالمقاومة والثورة. ب) تکرار الکلمة «تشکّل الکلمة المصدر الأول من مصادر شعراء الحداثة التکراریة، والّتی تتشکّل من صوت معزول أو من جملة من الأصوات المرکبة الموزعة داخل السطر الشعری أو القصیدة بشکل أفقی أو رأسی، وهذه الأصوات تتوحّد فی بنائها وتأثیرها سواء أکانت حرفاً أم کلمة ذات صفات ثابتة کالأسماء، أو ذات طبیعة متغیّرة تفرضها طبیعة السیاق کالفعل.» (شرتح، 2010م: 493) وتکرار الکلمة لا یکون اعتباطیاً لملأ حشو، وإنّما لغایة دلالیة. فیذهب الشعراء إلی تکرار بعض الکلمات، إمّا لتأکید معنی، أو للتوسعة أو للتضییق أو النفی أو التذکیر أو الإضاءة وغیرها من الدلالات. (ر.ج: عاشور، 2004م: 52-59) یعود استخدام تکرار الکلمة لعدّة عوامل منها: الطبیعة الإنسانیة، فالکلمات ذات التکرار فی اللغة مردها إلی محاکاة الطبیعة، وقد یرتبط بالحالة النفسیة والانفعالیة. (السید، 1986م: 78-79) لعلّ من یطالع شعر زینب حبش یلاحظ الکثیر من الظواهر الأسلوبیة منها ظاهرة تکرار الکلمة مع شتّی أنواعها التی تأتی بها الشاعرة لغرض التأکید والتنبیه وجلب انتباه المتلقی و... یبدو أنّ الشاعرة تستخدم تکرار الکلمة برؤیة شاملة لتمنح الدلالات عمقاً وتؤکّد المعانی وتوضّح الأفکار وتعطی کلامها صورة صوتیة متمیّزة تتشکّل من أنغام متوالدة من تکرار بنیة معیّنة. فأنواع التکرار اللفظی فی شعر زینب حبش هی تکرار البدایة، وتکرار النهایة، وتکرار المجاورة، وتکرار الضمائر. تکرارالبدایة هو تکرار الشاعر لاسم أو فعل أو حرف من حروف المعانی فی بدایة کلّ سطر أو بعض الأسطر الشعریة، ویکون تکرارها بشکل متتابع أوغیر متتابع، حتی تبیّن فی السیاق دلالات معیّنة، (رحمانی وآخرون، 1393ش: 88) وهذا النوع من التکرار یسمّی أیضاً التکرار الاستهلالی. «یساهم التکرار الاستهلالی علی الکشف عن فاعلیة قادرة علی منح النصّ الشعری بنیة متّسقة، إذ إنّ کلّ تکرار من هذا النوع قادر علی تجسید الإحساس بالتسلسل والتتابع، وهذا التتابع الشکلیّ یعین فی إثارة التوقّع لدی السّامع، وهذا التوقّع من شأنه أن یجعل السامع أکثر تحفّزاً لسماع الشاعر والانتباه إلیه.» (عبدالمطلب، 1988م: 390) ومن أمثلة تکرار البدایة هو تکرار حرف "لن" فی قصیدة "الریح الغضوبة" فیما یلی: اعصفی یا ریح ما شئتِ/ فلن أحنی جبینی/ واصرخی/ عضی ابتساماتی/ فلن تستصرخینی/ فجبینی فوق هام الشّمس/ تکسوه الکرامة/ اعصفی یا ریح ما شئت/ فلن تذوی شموعی/ واقذفی بالحقد/ بالشر/ ففی الغیب دموعی/ اغضبی/ ثوری/ فلن ألقی سلاحی/ فعلی درب الزنود السمر/ أعلنت کفاحی/ یا بلادی/ بعد أیام/ سیأتیک الربیع/ وجبین الفجر قد هل ینادی/ یا بلادی/ اضحکی للفجر/ للطفل الودیع/ واسحقی الریح الغضوبة/ یا عروبة. (حبش، 1994م: 33 – 34) خلق تکرار البدایة فی حرف "لن" تحدّیاً صارخاً للعدوّ المحتلّ، الشاعرةتکرّر هذا الحرفلغرض الإیحاء إلی المتلقّی عن أنّ الشعب الفلسطینی مهما قیدوا وعذبوا وسجنوا فإنّهم لن یستکینوا ولن یلقوا سلاحهم، بل یقاومون تجاه العدوّ وسیتوقّفون تقدّم المحتلّ علی عتبة جهادهم وتضحیاتهم. فتردید هذا الحرف خلق إیقاعاً عالیاً حادّاً توافق المعنی المسیطر علی المقطع، فضلاً عن الإشعاع اللحنی المنبعث من الأفعال المتحدّیة "ثوری، اغضبی، اسحقی، اعصفی" من ثمّ، یدلّ تکرار البدایة علی المقاومة والاتّحاد معاً فی هذا المقطع، فاستخدمته الشاعرة ببراعة حیث لا یملّ المتلقّی من قراءته. یمکن اختزال هذا التکرار فی لفظة واحدة بالشکل التّالی: أحنی جبینی تستصرخینی لنتذوی شموعی ألقی سلاحی ومن أمثلة تکرار البدایة هو تکرار صیغة التعجّب "ما أصعب" الّتی تکرّرت فی هذا المقطع ستّ مرّات إضافة إلی أنّ هذا التکرار قد أفضی علی کلّ القصیدة نغماً موسیقیاً حزیناً تناغم مع المعنی المسیطر علی الأبیات: آه یا ایفا/ ما أصعب أن نحمل حزن الأطفال/ الأیتام/ ما أصعب أن نحمل أخطاء الکون/ ما أصعب أن تنقلب علینا الأیام/ ما أصعب أن نحمل بالکفّین/ دماء الشّهداء!!/ ما أصعب أن ندفن یا ایفا/ من غیر کفن/ ما أصعب أن نحیا فی وطن/ من غیر وطن!!!(المصدر نفسه: 54) تعبّر الشاعرة بتکرار صیغة التعجّب "ما أصعب" عن التحسّر والألم الشدید حین تفتقد أعزائها وتعترض لدوامة المصائب فی وطنها من غیر وطن. فزینب حبش تقرّر معنی الندب والحزن علی مواطنیها بتکرار هذه الصیغة، لأنّها ارتبطت من ناحیة الدّلالة مع مفردات تتّسم بالشجن والأسی والانکسار مثل: حزن الأطفال، ندفن، کفن، دماء الشهداء و... فهی تصف نفساً منکسرة مقیّدة بأغلال التسلیم مردّدة الصیغة الّتی تنمّ عن قمّة حزنها والحالة النفسیة المتأزّمة لدیها.یمکن اختزال هذه اللفظة المتکرّرة فی لفظة واحدة بالشکل التّالی: نحمل حزن الأطفال نحمل أخطاء الکون ما أصعب أنتنقلب علینا الأیام نحمل بالکفّین دماء الشّهداء!! ندفن یا ایفا من غیر کفن نحیا فی وطن من غیر وطن
ومن نماذج تکرار البدایة هی تکرار لفظة "أحمد" فی قصیدة "أحمد". تکون زینب حبش منهمکة فی رثاء أخیها الشهید "أحمد" حیث جعلت هذه اللفظة بؤرة أساسیة فی القصیدة بأسرها: یا أحمد الشجاع/ یا باقة الشقیق والنعناع/ تصهل فی ابتسامات البنفسج/ یا أحمد الدجنی/ یا لعیناک أغنیتان/ من خمر وسکّر/ تترنّح الأشواق، تغرق/ عند خاصرة الوطن/یا أحمد الفضیّ/ یا لون أغنیتی النقیّة/ یا دموع الکبریاء/ یا أحمد العربی/ یا عبق النّهار/ یا مهجة البرق الّذی/ خطف ابتسامات المحار/ یا أحمد الثوری/ یا غیمة شربت مدامعها/ وراحت تمسح الأحزان عن وجه القمر/ یا أحمد الثورُّ یا وطناً تلقّع بالضباب/ یا أحمد الحبشیّ یا فنیق هذا العصر/ یصعد للسماء/ ویعانق العنقاء یلثم ثغرها صباحاً مساء. (المصدر نفسه:12 – 13) فقد کان اسم "أحمد" أکثر حضوراً فی هذه القصیدة، فحاولت زینب حبش أن تجعل هذا التکرار أداة جمالیة تخدم الموضوع الشعری حیث تکشف عن التأکید علی حالة الأسی الّذی لایفارقها أبداً. فتکرار هذه الکلمةسبع مرّات فی بدایة الأبیات جاء لیعبّر عن استمراریة الحالة النفسیة المتأزّمة لدی الشاعرة، ولیؤکّد علی مشاعر الألم والأسی عن ضیاع أخیها الشهید. وبإمکاننا أن نقول إنّ الشاعرة تکرّر هذه اللفظة لتوحی للقاریء عن المصیبة العظیمة الّتی ابتلیت بها فی فقد أخیها أحمد، والمقصود بهذا التکرار أیضاً الإشادة بمنزلة أحمد عند الشاعرة، فهی تریدإثارة انتباه القاریء والإشعار بمکانة أحمد وعظمة دوره فی صنع مستقبل فلسطین واستمراریة الانتفاضة والثورة باستخدامها نداءات مثل "أحمد الشجاع"، و"أحمد الثوری"، و"أحمد الثورّ" و"أحمد العربی". تکرار النهایة هو تکرار الشاعر لاسم أو فعل أو حرف من حروف المعانی فی نهایة کلّ سطر بشکل متتابع، لهذا سمّی تکرار النهایة. یظهر لنا تکرار النهایة فی قول زینب حبش فی قصیدة "الجرح الفلسطینی وبراعم الدّم" تکرّرت الشاعرة لفظة "اسمی" ستّ عشرة مرّة فی هذا المقطع حیث تقول: من یعطینی اسمی/ انّی أبحث فی القطرة/ عن اسمی/ إنّی أبحث فی اللقمة/ عن اسمی/ إنّی أبحث فی العبث المتلفّع باللاشیء/ عن اسمی/ عن اسمی/ عن اسمی/ ووجدت اسمی/ محفوراً فی قلب الموت/ فقتلت الموت/ وأخذت اسمی/ لکنّهم/ سرقوا اسمی/ ووجدت اسمی وشماً/ فی کفّ الشّمس/ فقطفت الشّمس/ لکنّهم/ سرقوا اسمی/ ووجدت اسمی عصفوراً/ یشدو فی المرج الأخضر/ ففرحت ... فرحت/ لکنّهم/ قتلوا اسمی/ صار اسمی علماً/ یحمینی/ صار طعاماً وشراباً ودواءً یشفینی/ صار اسمی ثوباً/ یکسونی/ صار اسمی قندیلاً/ فوق جبینی. (المصدر نفسه: 46 -47) لقد أصبحت لفظة "اسمی" مرکزاً یدور حوله الحدیث، أو کأنّها مفتاح المعنی والشعور معاً. فهذه اللفظة التی تکرّر هازینب حبش عامرة بنبرة من الحزن والأسی، وهی فی الواقع تحلیل لاستلاب الکیان الصهیونی هویة الشاعرة الّتی تتجسّد فی کلمة "اسمی" فی هذا المقطع. إنّ التکرار هنا یؤکّد علی تمسّک الشاعرة بالهویة ویجسّد عشقها للوطن والهویة الفلسطینیة، وهو إضافة إلی نغم موسیقی تناغم مع دلالة المقطع. من ثمّ، عندما ترید الشاعرة أن تلحّ علی ضیاع وطنها وهویتها، تستعمل عبارة "سرقوا اسمی" إضافة إلی أنّنا نشعر بتضحیات الشاعرة المادّیة والمعنویة وتأثّرها وإثارة مشاعرها الّتی تعمّها الثورة والغضب، من خلال عبارة "فقتلت الموت". فی نهایة المقطع تکرّر هذه اللفظة أربع مرّات اسماً للفعل الناقص "صار" ثم یعقبها خبرها للتعبیر عن القیمة الّتی تتمتّع بها بین صفوف الشعب الفلسطینی فهی طعام، وشراب، ودواء یشفی الشاعرة ومواطنیها، وثوب لهم وحامیهم فی الظروف البشعة. کلّ هذه الصفات لهذه اللفظة أرادت زینب حبش أن تستقرّ قیمتها فی ذهن المتلقّی وتبلغ به إلی شعور التقدیر والاحترام تجاه فکرتها کما أرادت أن تبرز للمتلقّی شدّة لهفة نفسها علی استلاب هویتها وعظیم حزنها علیها. یمکن اختزال هذه اللفظة المتکرّرة فی لفظة واحدة فیما یلی: من یعطینی إنّی أبحث فی القطرة عن إنّی أبحث فی اللقمة عن اسمی ووجدت سرقوا قتلوا تکرار المجاورة تکرار المجاورة هو تکرار الألفاظ بعینها فی سطر واحد، یقول محمّد عبدالمطلب فی تعریف هذا النوع من التکرار: «والمجاورة تمثّل لوناً بدیعیاً، بحیث یتردّد فی البیت لفظتان کلّ واحدة منهما بجانب الأخری أو قریباً منها، من غیر أن تکون إحداهما لغواً لا یحتاج إلیه.» (عبدالمطلّب، 1984م: 31) تظهر لنا الکلمات المجاورة فی قصیدة "الموت المقاتل" حیث تقول زینب حبش: کلّنا ندرک/ أنّ الحبّ قاتل/ کلّنا ندرک/ أنّ الدرب للمحبوب/ ملغوم/ وأنّ العمر زائل/ یا حبیبی/ رغم أنّ الحبّ قاتل/ رغم أنّ الدرب ملغوم/ وأنّ العمر زائل/ سنناضل، سنناضل، سنناضل/ وسنسقی الموت/ تریاقاً/ لینضمّ إلینا/ فیصیر الموت/ حتّی الموت/ جندیاً مقاتل. (حبش، 1994م: 33) تؤکّد الشاعرة خلال تکرار المجاورة "سنناضل"علی أنّ الشعب الفلسطینی مهما حلّ بهم ومهما جری لهم، فإنّهم لن یستسلموا، وسیستمرّون فی مقاومتهم إلی أن یحرّروا بلدهم من أضافر المغتصبین، فلا تکون هذه القیود والمعاناة (الدرب الملغوم، الموت الزائل) إلّا باعثاً لقوّتهم وإصرارهم علی أخذ الثأر من العدوّ الصهیونی واسترجاع وطنهمالمسلوب.أمّا من ناحیة الإیقاع فتکرار المجاورة فی هذا المقطعخلق إیقاعاً حرکیاً یلائم حرکة فعالیات المقاومة والنضال ویضفی علی الإیقاع قوة وانسجامة وحیویة، فإنّ الجرس الموسیقی الناشیء من تکرار المجاورة هذا، هو النشاط والعلوّ بدون رتابة مملّ حیث یحثّ المتلقّی علی الحرکیة والنضال. من نماذج تکرار المجاورة هی تکرار لفظة "سئمت" توحی للمتلقّی المصاب الجلل الّذی ابتلیت بها الشاعرة إضافة إلی أنّه أحدث نوعاً من الانسجام الإیقاعی الّذی یلفّ إیقاع الحزن والغضب سمت النصّ: تعالی إلیّ/ لنحیا حیاة سعیدة/ علی قبعة فی بلاد جدیدة/ بلاد بعیدة/ عن الحرب/ عن طلقات البنادق/ سئمت حیاة الخنادق/ سئمت سئمت سئمت/ ففی أرضنا یعیش الشباب بدون هویة/ یموت الشباب بدون هویة. (المصدر نفسه: 42) تهدف زینب حبش بهذا التکرار إلی التوکید علی أنّ الشعب الفلسطینی شعب ملهوف یعیشون حیاة الخنادق فی وطنهم کما یعیشون بدون هویة ویموتون هکذا، فهم لیسوا أهلاً للمهانة والتنکیل المتواصل من جانب الاستعمار والأعداء الجبابرة. قد جدّت الشاعرة فی التکرار لغرض إیقاظ الضمائر والرأی العام لمساعدة فلسطین ونصرتها للخروج من هذه المهنة الّتی طال أمدها. کما لجأت إلیه لتکثیف المعنی والضغط علی المتلقّی ودفعه للقناعة بحقیقة الظلم المخیّم علی الشعب الفلسطینی وسلبهم من حقّهم المشروع. من ناحیة أخری تعبّر تکرار لفظة "سئمت" عن الحالة النفسیة المتأزّمة التی تعیشها حبش وحالة الأسی الّتی لاتفارقها. من هذا المنطلق «الموقف هو الّذی یفرض علی المرء أن یختار الأسلوبَ، والأسلوب بحدّ ذاته قادر علی أن یبلور الموقف.» (ربابعة، 1988م: 31) تکرار الضمائر «إنّ التعامل مع منطقة الضمائر له أهمیته الأسلوبیة والدلالیة، ذلک أنّها تدفع بالقاریء إلی إنتاج دلالة معینة سواء من خلال ردّ هذه الضمائر إلی مراجعها أو بتقدیرها فی بعض الأحیان.» (عبدالمطلب، 1995م: 144) تکرّر زینب حبش ضمیر المتکلم للجماعة "نا" سبع مرّات وضمیر المستتر "نحن" ثمانی عشرة مرّة فی قصیدة "إغفاءة علی صدر الحبیب" حیث تقول: أودّ یا حبیبتی/ لوأنّنا/ نغفو معاً/ ننام فوق صدر حقلنا/ نغفو من التعب/ یختلط الترابَ بالندی المنساب/ من جباهنا/ ومن مسامنا/ ومن أکفّنا/ ومن عیوننا/ نحلم/ نضحک للضیاء/ نرنو بحبّ للحشائش الخضراء/ وحین نصحو من أحلامنا معاً/ نبسم فی حنان/ نعود بعدها لنکمل اللقاء/ بالأرض/ نحرثها معاً/ نزرعها معاً/ نرشّها بالماء/ونستظلّ تحت ظلّها/ ننتظر الحصاد/ نحصدها/ نعرقُ/ نغفو من التعب. (حبش، 1994م: 41) یمتلک ضمیر المتکلّم للجماعة امتیازاً ممیّزاً فی اللغة الشعریة حسب ما یقول "الیمنی العید": «یقرّب التعبیر من النطق ویومئ إلی مباشرته، وإن کان یلجأ فی الصیاغة إلی ما یجعله مبشراً.» (العید، 1987م: 14) فیتبیّن لنا أنّزینب حبش قد لجأت إلی هذا الضمیر لتؤکّد علی أنّ هذه الأحلام فی جسد الشعب وروحه هو أحلام جماعیّة، وهذه الأحلام والرؤیة المثالیة جمعیّة تخصّ الشعب بأسره ولا تقتصر علی فرد معیّن إضافة إلی أنّ تکرار هذا الضمیر خلق إیقاعاً منتظماً زاد من انتظامه تکرار بعض القوافی. وتکرار "حلمنا" یعکس فیض الأمنیات الّتی یحلم بها الشعب الفلسطینی فی هذه الفوضی تتنازعهم أنّات الحنین ویمتلکهم حلم العودة کما تردید هذا الفعل یکشف عن غزارة الحالة النفسیة المتأزّمة عند الشاعرة. نلحظ فی نهایة المقطع أنّ الشاعرةقد اعتمدت علی تکرار هذا الضمیر فی أفعال "نحرث"، و"نزرع"، و"نرشّ" بغرض التأکید والتنبیه وجذب انتباه القارئ بأنّها دعمت ولا تزال تدعم الثورة والمقاومة جنباً إلی جنب مواطنیها حتی یرفعوا علم فلسطین ویقضوا علی الظلم والاضطهاد. التکرار المرکّب التکرار المرکّب یختصّ بتردّد السیاق (جملة أو عبارة)، من أسالیب التکرار المرکّب هو تکرار العبارة، إذ تتعمد الشاعرة فیه إلی تکرار عبارة معیّنة فی بدایة کلّ مقطع أو نهایته، أو فی بدایة القصیدة ونهایتها، أو أحیاناً فی بدایة ونهایة کلّ مقطع. فیما یتعلّق بتکرار العبارة فإنّنا نقدّم النموذج الآتی، تقول زینب حبش فی قصیدة "فجر الانتصار": أحضر جمیع مخبریک/ لن أعترف/ لنا وسائل کثیرة للاعتراف/ لن أعترف/ بالضرب بالتعذیب بالتشویة/ لن أعترف/ بالحرق بالسجائر/ لن أعترف/ بالکهرباء/ لن أعترف/ بالاعتصاب/ هاتوا جمیع ما لدیکم/ من وسائل العذاب/ لن تسمعوا منّی سوی/ لن أعترف. (حبش، 1994م: 40) فقد شکّلت العبارة "لن أعترف"موقعاً رئیسیاً فی هذا المقطع، فضلاً عما خلقت من إیقاع منتظم موقع. إنّ تکرار هذه العبارة فی المقطع یدلّ علی امتزاج شعور الأسی والحزن مع شعور التحدّی والعزم الّذی تبعثه هذه المعاناة والمصائب. فالشاعرة فی النصّ المذکور تؤکّد أنّ العذاب والجرائم من جانب العدوّ أمر هیّن ولایفتر عزائم الشعب الفلسطینی بل یعطی نتیجة العکس. فلهذا توصلنا الشاعرة خلال تکرار هذه الأسطر بأنّ الفلسطینی مهما سجن وعذب، فإنّه لن یستسلم، وسیستمرّ فی مقاومته إلی أن یحرّر بلده، فلا تکون هذه القیود والمعاناة إلّا دافعاً لقوّته وعزیمته وإصراره علی أخذ الثأر من العدوّ الصهیونی واستعادة وطنه المحتلّ. وفی قصیدة "لن تقاوموا الضیاء" نلاحظ أنّ الشاعرة قد تکرّرت العبارة "لن تقاوموا الضیاء" الّتی اتّخذتها عنواناً لقصیدتها وهی عامرة بنبرة من التأکید والتحقیق حیث تقول: لن تقلعوا الترابَ/ من بلادنا/ لن تسرقوا من الزهور/ عطرَها/ لن تمنعوا النسمات/ من مسیرها/ لن تطردوا الجبال/ لن تقاوموا الضیاء/ لن تقاوموا الضیاء. (المصدر نفسه: 57) یعتبر هذا التکرار من أبسط تکرارات العبارة لأنّه یقوم مقام التوکید اللفظی فی أداء الدلالة، ففی المقطع السابق تلحّزینب حبش بکلّ الثقة والتحدّی علی حتمیة النصر وبزوغ الفجر وإزالة الظلم الحالک من خلال تکرار عبارة "لن تقاوموا الضیاء"، فالشاعرةبهذا التکرار ترید أن تصرّح بهذه القضیةمهما حلّ بها ومهما جری لهافإنّها لن تتخلّی عن نزعتها المثالیة تجاه مستقبل بلدها وأمّتها. إنّ تکرار هذه العبارة قد أضفی علی غنائیة هذا المقطع الشعری حیث وضع المتلقّی فی حالة شعوریة متأکّدة ومتشوّقة بمستقبل باهر للشعب الفلسطینی. وفی نموذج آخر للشاعرة زینب حبش فی قصیدة "الجرح الفلسطینی وبراعم الدّم" تتأرجح لها الحیاة بین الحزن والفرح خلال تکرارالعبارة "من ینسینی"، إنّ تکرار هذه العبارة فی البدایة لازمة إیقاعیة یدلّ علی اندماج شعور الحزنوالأسی للقتلی والمجروحین و... مع شعورها الحنین، والإصرار، والعودة إلی الأیّام البیضوالعقد الأسطوری، فضلاً عمّا یخلق من إیقاعمنتظم موقع، إذن نلحظ أنّ تکرار العبارة "من ینسینی" مع الدلالات الّتی تعقبها تصوّغ لنا عالمین: الأوّل: حالة الشعب قبل الاحتلال رخاء ونعیم؛ والثانی: حالته بعده وهو عالم ضنک وجحیم. فهذا التکرار الّذی طغی علی المقطع یلعب دوراً کبیراً فی تشخیص التجربة الانفعالیة للشاعرة وعکس حیاتها النفسیة ولذلک «لایجوز أن ینظر إلی التکرار علی أنّه تکرار ألفاظ بصورة مبعثرة غیر متّصلة بالمعنی، أو بالجوّ العام للنصّ الشعریّ، بل ینبغی إلیه أن ینظر إلیه علی أنّه وثیق الصّلة بالمعنی العامّ.» (ربابعة، 1988م: 15): من ینسینی الأیام البیضاء/ والأیّام السوداء/ من ینسینی العقد الأسطوری/ من ینسینی الإخوان/ من ینسینی أطفالک یا تلّ زعتر/ من ینسینی الألف جریحٍ/ والألف الألف قتیلٍ/ من ینسینی أیلول/ ودیریاسین/ من ینسینی الجرحی والقتلی/ المبقورین/ المبتورین/ المحروقین؟!/ من ینسینی السیرَ علی الجثث/ المصلوبة فوق عمود الشّمس/ من ینسینی العطش القاتل/ والجوع القاتل/ من ینسینی الصمت العربی/ الصمت العربی القاتل؟!/ من ینسینی یا تلّ الزعتر/ اللون الأسود/ اللون الأخضر/ واللون الأبیض/ الغارق فی اللون الأحمر؟!.(حبش، 1994: 44 – 45) فبإمکاننا أن نقول إنّ الشاعرة زینب حبش تعتمد علی ظاهرة التکرار وتتعمد فی استخدامها برؤیة شاملة لتعمّق الدلالات وتؤکّد المعانی وتوضّح الأفکار فضلاً عن أنّها تمنح کلامها صورة صوتیة متمیّزة تُخلق من أنغام وإیقاعات منتظمة بوصفها بؤرة المعنی لتجذب انتباه المتلقین وتقرع أسماعهم وتهزّ أفئدتهم.
النتیجة ظهرت من هذا التطواف الذی قمنا به فی شعر زینب حبش عدة نتائج منها: - یکون التکرار هو أحد أهمّ الأسالیب التعبیریة الّتی تعیّن زینب حبش علی تأکید کلامها والترکیز علی أفکارها. کما أنّه أحد العناصر الهامّة الّتی وظّفته لأغراض فنّیة ودلالیة حیث لم تقتصر علی الجانب الدّلالی فحسب بل تعدت إلی الجانب الإیقاعی. - الشاعرة الفلسطینیة خلقت أجواء التواصل مع المتلقّی وأثّرت فیه من خلال توظیف التکرار البسیط المتمثّل فی تکرار الحروف والکلمة، والتکرار المرکّب المتمثّل فی تکرار العبارة. - لم یأت التکرار عشوائیاً عابراً فی شعرها بل جاء مقصوداً ساعد الشاعرة فی التعبیر عن موضوعاتها المتعلّقة بالتغنّی بالشهداء وإظهار الأسی لتعذیب مواطنیها وفضح العدوّ المحتلّ وجرائمه وبثّ الحیویة والنشاط لمواصلة الثورة حتّی تحرّر البلد من أیدی الغاصبین الحبابرة و... من هذا المنطلق استطاعتحبش ببراعتها أن تستخدم التکرار لعرض أفکارها وتجسید رؤیتها وتأکید مواقفها ووظّفته أحیاناً للتعبیر عن حالتها النفسیة والفکریة إضافة إلی أنّها نجحت بهذا التکرار فی بناء البنیة الإیقاعیة المتلائمة مع الدّلالة فی شعرها. - فقد تنوّع التکرار فی شعر حبش وظهرفی مختلف الأنواع کتکرار الصوت، تکرار البدایة، تکرار النهایة، تکرار المجاورة، تکرار الضمائر، وتکرار العبارة. تکرّرت الشاعرة الأصوات المهموسة والرقیقة للمعانی الرقیقة کالحزن والذکری والحنین والأصوات المجهورة للمعانی الظاهرة والقویة کالصمود والمقاومة وعدم الرضوخ للظلم. کما أن تکرار الکلمة بأنماطه وتکرار العبارة عنصران فعّالان فی تکوین القصیدة عندها فهی عندما ترکّز اهتمامها علی اسم أو جملة تجعلهما البؤرة الّتی تتمحور حولها القصیدة کلّها. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القرآن الکریم. ابن منظور، (1997م). لسان العرب. بیروت: دار صادر. أبوالعدوس، یوسف. (1997م). الاستعارة فی النقد الأدبی الحدیث. الأردن: الأهلیة للنشر والتوزیع. أبوعامود، محمد أحمد ابوبکر.(2009م). البلاغة الأسلوبیة (تصویر الموت فی القرآن الکریم نموذجاً). القاهرة: مکتبة الآداب. أبومراد، فتحی. (2003م). شعر أمل دنقل(دراسة أسلوبیة). الأردن: عالم الکتب الحدیث. أنیس، ابراهیم. (1952م). موسیقی الشعر. ط2. القاهرة: مکتبة الأنجلو المصریة. بشر، کمال. (2000م. علم الأصوات العام. القاهرة: دار غریب للطباعة والنشر والتوزیع. البکوش، الطیب. (1992م). التصریف العربی من خلال علم الأصوات الحدیث. ط3. تونس: مکتبة الإسکندریة. تاوریریت، نبیلة. (2012م). «حداثة التکرار ودلالته فی القصائد الممنوعة لنزار قبانی». مجلّة علوم اللغة العربیة وآدابها. مارس. العدد 4. صص 44- 29. حبش، زینب. (1994م). الجرح الفلسطینی وبراعم الدّم.القدس: دار الکاتب. حنی، عبد اللطیف. (2012م). «نسیج التکرار بین الجمالیة والوظیفة فی شعر الشهداء الجزائریین دیوان الشهید الربیع بوشامة نموذجاً». مجلّة علوم اللغة العربیة وآدابها. مارس. العدد 4. صص 19-7. الحسانی، أحمد. (لاتا). مباحث فی اللسانیات. الجزائر: دیوان المطبوعات الجامعیة بن عکنون. ربابعة، موسى. (1988م). «التکرار فی الشعر الجاهلی دراسة أسلوبیة، جامعة الیرموک». مؤتمر النقد الأدبی الأردن. العدد 10. صص 22-1. رحمانی، اسحاق وآخرون. (1393ش). «زیبایی شناسی تکرار در شعر توفیق زیاد شاعر مقاومت (پژوهشی در سبک شناسی آوایی)». نشریه ادبیات پایداری. سنة 6. العدد 11. صص 106-76. الزبیدی. (1987م). تاج العروس. تحقیق وتعلیق عامر أحمد حیدر. المجلّد 3. بیروت: دار العلم للملایین. الزمخشری. (2003م). أساس البلاغة. بیروت: المکتبة العصریة. السعدنی، مصطفی. (لاتا). البنیات الأسلوبیة فی لغة الشعر العربی الحدیث. الإسکندریة: منشأة المعارف. السید، عزالدین. (1986م). التکریر بین المثیر والتأثیر.ط2. بیروت: عالم الکتب. شرتح، عصام. (2010م). جمالیة التکرار فی الشعر السوری. دمشق: دار رند للطباعة والنشر والتوزیع. الطرابلسی، محمد الهادی. (1981م). خصائص الأسلوب فی الشوقیات. تونس: منشورات الجامعة التونسیة. عاشور، فهد. (2004م). التکرار فی شعر محمود درویش. عمان: المؤسسة العربیة. عباس، حسن. (1998م). خصائص الحروف العربیة ومعانیها. دمشق: منشورات اتّحاد الکتّاب العرب. عبدالجلیل، یوسف حسنی. (1998م). التمثیل الصوتی للمعانی(دراسة نظریة وتطبیقیة فی الشعر الجاهلی). القاهرة: الدار الثقافیة للنشر. عبدالمطلب، محمد. (1988م). بناء الأسلوب فی شعر الحداثة ( التکوین البدیعی ). بیروت: دار الفکر. ـــــــ. (1984م). البلاغة والأسلوبیة. مصر: الهیئة المصریة للکتاب. ـــــــ. (1995م). قراءات أسلوبیة فی الشعر الحدیث. مصر: الهیئة المصریة للکتاب. العید، یمنی. (1987م). فی القول الشعری. المغرب: دار توبقال للنشر. فضل، صلاح. (2001م). «بلاغة الخطاب وعلم النصّ». سلسلة عالم المعرفة الکویت. العدد 164. صص 278-260. محمد العفّ، عبد الخالق. (2001م). «تشکیل البنیة الإیقاعیة فی الشعر الفلسطینی المقاوم». مجلة الجامعة الإسلامیة. العدد 2. صص 27-1. الملائکة، نازک. (1983م). قضایا الشعر المعاصر. ط8. بیروت: دار العلم للملایین. الموقع الإلکترونی الموقع الشخصی للشاعرة زینب حبش: www.zeinab-habash.vs | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 721 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 450 |