تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,003 |
تعداد مقالات | 83,616 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,238,340 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,286,280 |
جمالیة الملامح الانزیاحیة فی أشعار عزّالدّین المناصرة علی أساس نظریة جیفری لیتش | |||||||||||||||||||||||||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | |||||||||||||||||||||||||
مقاله 5، دوره 9، شماره 36، فروردین 2020، صفحه 111-136 اصل مقاله (255.47 K) | |||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | |||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||
مصطفی کمالجو* 1؛ جواد محمدزاده2 | |||||||||||||||||||||||||
1أستاذ مساعد فی قسم اللغة العربیة وآدابها بجامعة مازندران، بابلسر، إیران | |||||||||||||||||||||||||
2دکتوراه فی اللغة العربیة وآدابها بجامعة مازندران، بابلسر، إیران | |||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||
إنّ الانزیاح ظاهرة من الظواهر الهامة فی الدارسات الأسلوبیة التی تهتم بلسان النص الأدبی علی أنّه لغة مضادة لما هو معتاد ومن هنا سعی هذا البحث إلی دراسة هذه الظاهرة علی ضوء المنهج الوصفی – التحلیلی، فی شعر عزّالدّین المناصرة الذی رغب فی انتهاک قواعد اللغة العادیة وثار على قیودها. یهدف هذا البحث إلی الکشف عن جمالیات الانزیاح واستجلاء أبعاده لدى هذا الشاعر الذی حفل شعره بهذه التقنیة الفنیة مما تدلّ النتائج علی أنّ الانزیاح الدلالی کان من الملامح الأکثر حضوراً لدیه، حیث قد تمکّن الشاعر من أن یحقّق علاقة بعیدة ملهمة بین الدّال والمدلول من خلال أسلوب المفارقة وتراسل الحواس. أمّا تجلّیات الانزیاح فی المستوی النحوی فتتبدّی فی التقدیم والتأخیر والاعتراض وفی المستوی الإیقاعی کان الحضور المکثّف للمزج بین التفعیلات واستخدام التکرار الصوتی أمّا فی المستوی الکتابی فلجأ الشاعر إلی تفتیت الألفاظ واستخدام السطور المتساقطة والبیاضات المنقّطة. وفی المستوی الأسلوبی، لجأ الشاعر إلی استخدام الألفاظ العامّیة ومیلاد ألفاظ جدیدة بواسطة التصرف فی بنیة الکلمة. إنّ الغرض الجمالی العام لکلّ من هذه التجلیات هو إثارة الدهشة والمفاجأة لدی المتلقّی إلا أنّ الغرض الخاص فهو یختلف باختلاف السّیاق الذی ترد هذه الظاهرة فیه. | |||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||
عزّالدین المناصرة؛ الانزیاح؛ مزج التفعیلات؛ المفارقة؛ الألفاظ العامیّة | |||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||
إنّ القصیدة العربیة الجدیدة خرجت عن إطار العربیة القدیمة، حیث نری أنّ الشاعر المعاصر استعان کثیراً ما بالتفعیلة دون التزام نظام ثابت فهذا الأمر لیس فی الموسیقی فقط وإنّما فی جمیع المستویات الترکیبیة والصرفیة والکتابیة والمعنویة، وأصبح أهم خاصیة فی اللغة الشعریة المعاصرة هو خروجها عن المأإنّ القصیدة العربیة الجدیدة خرجت عن إطار العربیة القدیمة، حیث نری أنّ الشاعر المعاصر استعان کثیراً ما بالتفعیلة دون التزام نظام ثابت فهذا الأمر لیس فی الموسیقی فقط وإنّما فی جمیع المستویات الترکیبیة والصرفیة والکتابیة والمعنویة، وأصبح أهم خاصیة فی اللغة الشعریة المعاصرة هو خروجها عن المألوف، حیث یبتعد بالنص عن المباشرة الباردة التی تتجلى فی التعبیر المألوف وهذه الصفة العدولیة أهم ما یمیز اللغة الشعریة عن غیرها، «فـاللغة الشعریة لیست غریبة عن الاستعمال الجید فحسب، بل هی ضده لأنّ جوهرها یتمثل فی انتهاک قواعد اللغة.» (فضل، 1992م: 64) لذلک اهتمت معظم الدراسات الأسلوبیة الحدیثة بظاهرة الانزیاح فی النصّ الأدبی؛ لأنه یمثل فی الواقع عندهم أسلوب النصّ الذی یتمیز به عن غیره من النصوص الأخرى، والانزیاح یعنی «خروج التعبیر عن السّائد أو المتعارف علیه قیاسًا فی الاستعمال، رؤیةً ولغةً وصیاغةً وترکیبًا.» (الیافی، 1995م: 2) ومن الجدیر ذکره أنّ الانزیاح تقنیة فنّیة یستخدمها الشعراء للتعبیر عن تجاربهم الشعوریة فهو لیس محصورًا بشعراء عصر معیّن إلا أننا نرید أن ندرس هذه الظاهرة فی القصیدة العربیة الجدیدة ومن هنا یهدف هذا البحث إلی دارسة ظاهرة الانزیاح فی شعر عزالدین المناصرة تناولاً أسلوبیًا لذلک اتجه البحث فی الإطارین: الأول وهو الإطار النظری الذی ندرس فیه مصطلح الانزیاح ونتحدث فیه عن رؤیة جیفری لیتش مما سُلِّط الضّوء فیه على مفهومه عنده وبیان أشکاله وأنواعه، أمّا الإطار الثانی فهو عبارة عن التطبیق العلمی لما سبقت الإشارة إلیه فی الإطار الأول؛ حیث یتم البحث فی النص الشعری المناصری؛ للکشف عن أسرار ما قال به الشاعر فی قصائده من تعابیر لامألوفة. إنما هذا البحث سلَّط الضوء لیس علی ما یقول الشاعر بل علی کیفیة ما یقول؛ أی أنه دراسة لا تعالج الموضوعات فی شعره بل طریقة تناوله لها وأسلوبه فی معالجتها. أسئلة البحث 1- ما تجلیّات الانزیاح إیقاعیًا وترکیبیًا ودلالیًا وکتابیًا وأسلوبیًا فی النص الشعری المناصری وأیّها أکثر انتشارًا فی قصائده؟ 2- کیف استطاعت ظاهرة الانزیاح أن تکشف لنا العمق الفنی والدلالی للغة الشعریة عند عزّالدین المناصرة؟ 3- ما وظائف الانزیاح الجمالیة فی أشعاره؟ فرضیات البحث - کان المزج بین التفعیلات واستخدام القوافی المتجاوبة ظاهرة من أهم الظواهر المنزاحة فی المستوی الإیقاعی کما أنّ التفتیت والاستعانة بالسطور المتساقطة والبیاضات المنقّطة ملامح أسلوبیة فی نمط الکتابة. فی المستوی الترکیبی نری أنّ للاعتراض والتقدیم حضوراً مکثّفاً فی أشعار الشاعر إلا أنّ الانزیاح الدلالی بما فیه من المفارقات وتجاوبات الحواس کان أکثر ملامح الانزیاح انتشارًا فی قصائده. - الاستعانة بأنماطٍ مختلفة من الانزیاحات عند المناصرة جعلت النص الشعری المناصری أن یکون فضاءً مفتوحًا یحمل مختلف الدلالات والتأویلات. - للانزیاح أغراض جمالیة متعددة إلا أنّ المفاجأة وإثارة الدهشة للمتلقّی تعدّ من الأغراض العامّة فی النص الشعری المناصری أمّا الأغراض الرئیسة فهی تعود إلی السیاق، حیث تختلف باختلاف المواقف التی ترد فیه. خلفیة البحث بالنسبة لعزّ الدین المناصرة هناک دراسات تجدر الإشارة إلیها، منها: مقالة «رموز المحتلّین فی شعر عز الدین المناصرة» للکتاب: محسن سیفی، وروح الله صیادینژاد، وفرحناز شریعت، نشرت هذه المقالة فی مجلّة "النقد الأدبی المعاصر" العدد 11، الخریف 1395هـ.ش. تسلّط هذه المقالة الضوء علی الرموز التی وظفها هذا الشاعر الفلسطینی المشرّد بدیلا عن شخوص المحتلین و یقوم بالکشف عنها. مقالة «معنا آفرینی در شعر با استفاده از هنجارگریزی زبانی) بررسی موردی: عزالدین مناصره، شاعر معاصر فلسطینی» للکاتبین: علی سلیمی و رضا کیانی، نشرت هذه المقالة فی مجلّة "پژوهشنامه نقد ادب عربی" العدد 2، الربیع والصیف 1390هـ.ش. لقد أشار الباحثان فی المقالة إلی أهمیة الانزیاح فی الشعر وما له من تأثیر فی فهم الشعر کما أشارا إلی أن الشاعر وظّف الانزیاح بأسلوب قد یدخل فی شعره الغرابة وصعوبة الفهم. مقالة «عز الدین المناصرة شاعر الحبّ والمقاومة» للکاتبین: حسین کیانی، وفضل الله میرقادری. تمّ نشر هذه المقالة فی مجلّة "لسان المبین"، الخریف 1390هـ.ش، العدد 5. وصل الکاتبان بعد رصد مظاهر المقاومة فی أشعار الشاعر إلی أنّه قد ألّف بین الحب والمقاومة، فهو یتأرجح بین الحب والسیف، ویجمع بین الحداثة والمقاومة الشعریة. مقالة «الرموز التراثیة فی شعر عز الدین المناصرة» للکاتب: إبراهیم منصور الیاسین. تمّ نشر هذه المقالة فی مجلّة مجلة جامعة دمشق العدد الثالث + الرابع، عام 2010 م. تروم هذه المقالة مقاربة ظاهرة توظیف الموروث فی تجربة عز الدین المناصرة الشعریة، وبیان دورها فی خدمة تلک التجربة، وإضاءة جوانبها من الناحیتین النظریة والتطبیقیة. رسالة ماجستیر عنوانها: «بنیة النّصّ فی شعر عزّ الدّین المناصرة، دیوان "لا أثق بطائر الوقواق" أنموذجًا»، إعداد الطالب محمّد یونس حسین عمرو، نوقشت هذه الرسالة عام 2017م، فی جامعة الخلیل بکلیة الدراسات العلیا. تأتی لبیان تلک الجوانب الإبداعیة، ولإبراز خصوصیة الظّواهر الفنّیة، وتجاوبها مع الفکر والمضمون، ولکشف قدرة الشاعر علی توظیف أدواته التعبیریة. ولا یفوتنا أیضا دراسة «مقاربة أسلوبیة لشعر عزالدین المناصرة (دیوان جفرا نموذجاً)» للباحث یوسف رزقة. نشرت فی مجلة الجامعة الإسلامیة، العدد الثانی، عام 2002م. تحاول الدراسة الکشف عن دور المثیرات الأسلوبیة فی بناء شعریة النص. والحقیقة أنّ هذه الظاهرة (ملامح الانزیاح علی أساس نظریة جیفری لیتش) لم تدرس فی شعر عزّ الدین المناصرة - علی حدِّ ما نعلم - ومن هنا حاول البحث أن یکشف عنها، ویستجلی أبعادها. مفهوم الانزیاح إنّ هذا المصطلح قد عرف بالفرنسیة علی أنّه (Ecart) وبالإنجلیزیة (Deviation) وقد اختلفت تسمیات هذا المصطلح بالنقد الغربی، وذلک باختلاف النقاد الذین تعاملوا معه ومن هذه المصطلحات حسب تصنیف عبد السلام المسدی:
وهذه المصطلحات جمیعها دوالّ لمدلول واحد، حیث أطلق علیها عدنان بن ذریل: "عائلة الانزیاح" فمفهوم الانزیاح متصل بمعرفة ما ینقل الکلام من السمة الإخباریة إلی السمة الإنشائیة وذلک بتصرف «مستعمل اللغة فی هیاکل دلالاتها وأشکال تراکیبها بما یخرج من المألوف» (المسدّی، 2006م: 124- 125)، بذلک فـ«الانزیاح اختراق مثالیة اللغة والتجرّؤ علیها فی الأداء الإبداعی، بحیث یفضی هذا الاختراق إلی انتهاک الصیاغة التی علیها النسق المألوف أو المثالی، أو إلی العدول فی مستویی اللغة الصوتی والدلالی عمل علیه هذا النسق.» (رشید الددة، 2009م: 15) الانزیاح فی رؤیة جیفری لیتش[1] یصف جیفری لیتش، وهو لغوی إنجلیزی، الانزیاح بأنّه نتیجة للتوازن أو القَوعدة (إضافة قواعد إلی قواعد اللغة القیاسیة) والانحراف (خروج عن القواعد السائدة فی اللغة المألوفة) (Leech, 1969: 36-38) ویعتقد أنّ الانزیاح مقبولٌ إذا لم یُخلّ عملیة التخاطب ولا یمسّ بإیصال الرسالة إلی المتلقّی. (صفوی، 1373ش: 43) فی رؤیة لیتش، إنّ الانحراف یرتبط ارتباطًا مباشرًا مع القواعد السائدة فی مألوف اللغة؛ لهذا السبب، قبل أن یشیر إلی أنواع الانزیاحات، قام بدراسة بنیة اللغة وقسّمها إلی النمط العادی والفنّی أو الإبداعی. فی النمط العادی، یستخدم منشئ الأثر الإمکانیات التقلیدیة إلا أنّه فی النمط الفنّی (الإبداعی) یبحث عن عالم جدید ما وراء القیود الأدبیة ویعتقد أنّ التمیّز یقع علی المستویات الثلاثة أی: علم الدلالة، والشّکل، والتحقق الصوری. (Leech, 1969: 36-38 ) فبالتالی، وفقاً لنظریة التّمیّز، قسّم الانزیاح علی ثمانیة أقسام: المعجمیة (الخروج عن طرق صنع الکلمات فی اللغة المعیاریة وخلق المفردات الجدیدة) النحویة (الإخلال فی ترتیب قواعد اللغة) الدلالیة (انتهاک الخصائص الدلالیة التی تحکم علی استخدام المفردات فی اللغة القیاسیة) والإیقاعیة (خروج عن القوانین السائدة فی علم العروض) الزمنیة (استخدام الأشکال التی کانت شائعة فی اللغة)، الأسلوبیة (خروج عن النسق الحاکم فی اللغة إلی نوع حواری منها) والکتابیة (کسر نظام کتابة المألوف (. (صفوی، 1373ش: 40-43) أما فی هذا البحث، فدرسنا الملامح الانزیاحیة التی لها أکثر حضورًا وانتشارًا فی أشعار عز الدین المناصرة الذی حفل شعره بها ومنها: الانزیاح الإیقاعی، والکتابی، والترکیبی (النحوی)، والأسلوبی، والدلالی. الانزیاح الإیقاعی والمراد بالانزیاح الإیقاعی یعنی «خروج الشاعر عن القواعد الشعریة المتعّلقة بالوزن والقافیة والإیقاع عمومًا فیطرح لنا ما یسمى"بالانزیاح الصوتی أو الإیقاعی".» (أبوالعدوس، 2007م: 187) فیکون الانزیاح عن القاعدة المتمّثلة فی الصور العروضیة الصحیحة التی نصّ علیها العروضیون، وذلک باللجوء إلى الصور العروضیة المزاحة والمتغیرات وهذه المتغیرات یمکن أن نقسمها قسمین: قسما عرفه الشعر العربی القدیم، ونصّ علیها علم العروض، وقسما ثانیا استحدثه الشعراء العرب المعاصرون مع حرکة الشعر الحر خاصة، وإذا کان القسم الأول انتهاکًا للشکل النظری لصور بحر من البحور الشعریة، فإن القسم الثانی یعتبر تمادیا فی الخرق والانتهاک، وذلک من أجل خلق لغة أدبیة تختلف عما سواها بفضل نسقها الشعری المتفرّد. (قاسی، 2008م: 40) سنعمد إلى تجلیة الانزیاحات الصوتیة فی البناء الشعری عند عزالدین المناصرة من خلال دراسة العناصر الصوتیة المساهمة فی بنائه، حیث کان المزج بین التفعیلات من أکثر الظواهر المنزاحة عن المعیار العروضی فی المستوی الخارجی، کما أنّه استعان فی هذا المستوی بالقوافی المتداخلة لیعبّر عمّا یجیش فی قلبه من خلجانات وأحاسیس. المزج بین التفعیلات قد جرّب بعض الشعراء المعاصرین قضیة المزج بین البحور ورأوا أنّ هذه التقنیة تساعدهم للتخلص من الإیقاع الواحد وهو ما سیوضحه سید البحراوی رابطاً إیّاه بجانب التلقّی، إذ یقول: «إذا کانت ظاهرة المزج بین الوزن ومجزوءاته تواصلاً، من ناحیة، مع إمکانیات الأشکال السابقة، ومن ناحیة أخری خروجاً واضحاً علی الشّکل التقلیدی، ولکن فی حدود لا تصدم ذوق المعاصرین السمعی الذی تربّی لمئات السنوات علی الاستمتاع بموسیقی الشکل التقلیدی، فإنّ الظاهرة الثانیة، وهی المزج بین أکثر من وزن فی القصیدة الواحدة تبتعد بنا أکثر عن الشکل التقلیدی وعن الذوق السمعی التقلیدی.» (البحراوی، 2006م: 112) فإذا تصفّحنا دیوان المناصرة فإننا نجد هذا الأسلوب فی المزج بین البحور شائعاً فی دیوانه، حیث عثرنا له علی نماذج کثیرة فی إحدی قصائده؛ إذ یضمّ المقطع الواحد عنده فی کثیر من الأحیان بحرین أو بحوراً متعددة یتم الانتقال بینها بطریقة مفاجئة کما نجد فی هذا المقطع الذی یمزج بین الرمل والکامل: الإِذَاعَاتُ تُحَارِبْ: (فَاعِلاتُنْ/ فَعِلَاتُنْ) أَیُّهَا المُهْرُ العَنِیدْ: (فَاعِلاتُنْ/ فَاعِلاتْ) قُلْ لَنَا مَاذَا تُرِیدْ: (فَاعِلاتُنْ/ فَاعِلاتْ) فَسِّرْ لَنَا هَذِی الْمَصَائِبْ: (مُتْفَاعِلُنْ/ مُتْفَاعِلُنْ/ مُتْ) هَلْ تَخَلَّیْتَ عَنِ الحَرْبِ وَرُوحُ النَّاسِ فِی الْأَنْفِ تُحَارِبْ: (فَاعِلُنْ/ مُتْفَعِلُنْ/ مُتْفَعِلُنْ/ مُتْفَاعِلُنْ/ مُتْفَعِلُنْ/ مُتْ ... فقد جاءت الأبیات الثلاثة الأولی علی الرّمل مع زحاف الخبن (حذف الثانی السّاکن) وعلّة القصر (وهو حذف ثانی السبب الخفیف وتسکین ماقبله) وبقیة الأبیات علی الکامل إلا أنّه فی هذا البحر التزم بزحاف الإضمار (تسکین الثانی المتحرّک) والخزل (اجتماع الإضمار والطی). لجأ المناصرة إلی مثل هذه الانزیاحات لیرینا أنّه لا یکون مضطراً للتقیّد بالصور القدیمة للبحور، بل إنّ فی مقدوره، أن یدخل من التغییر ما یقدّم معه صوراً جدیدة لهذه الأوزان فبذلک تخلّی عن القیم الموسیقیة فی أدائه لتجدید نشاط السّامع، أو التغلّب علی رتابة الوزن أو للتعبیر عن انعطاف فی مشاعره، أو للتوسل بمثیر جدید یصافح أذن السّامع. إنّ هناک خاصیة ثانیة تتمیّز بها معظم قصائد الشاعر - إن لم نقل جمیعها- هی أنّها مقسّمة إلی مقاطع یستقلّ کل مقطع منها ببحر کما نجد فی هذا النموذج من قصیدة «قِفَا .. نَبکِ»: یَا سَاکِنَاً سِقْطَ اللَّوَی: (مُتْفَاعِلُنْ، مُتْفَاعِلُنْ) قَدْ ضَاعَ رَسْمُ المَنْزِلِ: (مُتْفَاعِلُنْ، مُتْفَاعِلُنْ) بَیْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ: (مُتْفَاعِلُنْ، مُتَفَاعِلُنْ) *** مُقِیمٌ هُنَا أَشْرَبُ الخَمْرَ فِی حَانَةٍ: (فَعُولُنْ، فَعُولُنْ، فَعُولُنْ، فَعُولُنْ/ فَعُو) قُرْبَ رَأسِ المُجَیْمِرِ کُلَّ مَسَاءْ: (لُنْ/ فَعُولُنْ، فَعُولُ/ فَعُولُ/ فَعُولْ) *** ضَاعَ مُلْکِی: (فَاعِلَاتُنْ) فِی دُرَی رَأْسِ المُجَیْمِرْ (فَاعِلَاتُنْ، فَاعِلَاتُنْ) کما نلاحط أنّ المقطع الأوّل جاء علی الکامل والثّانی علی المتقارب والثالث علی الرّمل «ولا شک أن طبیعة التفعیلات النغمیّة یضفی حرکیة متمیّزة على نصوص عزّالدین المناصرة بتنوعها وفاعلیتها المُستمدة من تباین المواقف الذاتیة» (بهلول، 2016م: 109) «فالصورة الموسیقیة فی تدفقاتها الانفعالیة مرتبطة بمدى الحرکات النفسیة التی تمر بها الذات المبدعة، ومن ثمة یکون انتهاء الجملة الشعریة خاضعا لانفعالات الشاعر والذی لا یمکن لأحد أن یحدده سواه، وذلک وفقا لنوع التدفقات والتموجات الموسیقیة التی تموج بها نفسه فی حالته الشعوریة.» (فیدوح، 1998م: 468) أمّا من ناحیة استخدام القوافی فندرک أنّه استخدم أشکالاً مختلفة منها فی قصائده، إلا أنّ القوافی المتداخلة کانت أکثرها انتشاراً ورواجاً لدی الشاعر فهی تعنی «وجود قواف فی بدایات أو أواسط أو نهایات الأبیات طبقا لمقتضیات البناء الإیقاعی» (عبد الوهاب، لاتا: 140)، وهى «قافیة داخلیة لا تشبه الأنواع السابقة من القوافی التى تُخْتم بها الأبیات ولاتستخدم لحبس الصوت فی نهایة البیت الشعری وإنما یتم توزیعها على جسد القصیدة» (الحنفی، 2006م: 228)، حیث یتغیر مکان القافیة، إذ ترد أول مرة فی نهایة السطر، ثم تتکرر فی بدایة السطر الثانی، أو فی وسط السطر أو نهایة السطر الثانی، وهو ما یعد انزیاحا عن الشعر القدیم. لننظر إلى هذه القافیة لدی الشاعر المناصرة فی قصیدته (قاع العالم) علی تفعیلة (کامل) حیث یقول: زَمَنٌ مَقلُوبٌ، کَالْبَحْرِ الْمَقْلُوبْ یَا عَرَقَ العَالَمْ، یَا حَقْلَ اللَّیْمُونْ یَا إِثمَ الْعَالَمْ، یَا بَحْرِی الْمَوجُوعْ اِخْلَعْ عَنْکْ لِحَافَ التُّوتْ والملاحظ أنّ مکان القافیة فی هذا المقطع لیس مألوفاً بل هو مضاد لما هو معتاد فی الشعر القدیم الذی حدد للقافیة إطارها المکانی فی نهایات أبیات القصیدة فنلاحظ فی الشطر الأول کلمة "مقلوب" وقد وردت فی نهایة ووسط السطر الشعری فشکّلت نوعا من القافیة المتجاوبة، وفی النموذج الثانی تتردد کلمة "العالم" فی وسط السطر الشعری الثانی والثالث مشکلةً أیضا نوعاً من القافیة المتجاوبة. أمّا فی المستوی الداخلی فدرسنا الانزیاحات الصوتیة من خلال محور التکرار، وهو الغالب عند عزالدین المناصرة مما نراه ذلک عینة أسلوبیة فی قصائده إلا أنّ التکرار اللفظی کان من أکثر أنواعه انتشاراً ومن مثل ذلک قوله فی قصیدة "هل بقیت فی المدینة حداثة أیّها السیّد": لِنَفْتَرِضْ، لِنَفْتَرِضْ، لِنَفْتَرِضْ مَثَلاً، مَثَلاً، مَثَلاً أَنَّ مِزَاجَ السَّیِّدْ کَانَ مُعْتَکِراً فِی ذَلکَ الصَّبَاحْ لِنَفْتَرِضْ بأنَّهُ ... أَعَادَنِی مِنَ المَطَارْ، بِتُهمَةِ الوَقَارْ لِنَفْتَرِضْ أَنَّنِی مَازَحْتُهُ، بِنُکْتَةٍ مَلْغُومَةٍ کما هو معلوم أنّ الشاعر لجأ إلی نوع من التکرار نجده فیما یسمّی بـ "تکرار اللازمة" وهی اللفظة أو العبارة (لنفترض هنا تحدیداً) التی تکرر علی مسافات مختلفة من أجزاء النص فتحدث بنیتها الصوتیة المتماثلة انزیاحاً صوتیاً یربط المتلقّی بما مضی من أجزاء القصیدة ویشدّه إلی ما سیأتی منها؛ «لأنّها تفصل بین الأجزاء وتصل بینها فی الوقت نفسه، بمعنی أنّها تفصل لإفادة انتهاء مسرودیة ذات معنی جزئی وتصل بین المسرودیات کلّها صوتیاً لإکساب النص بناءه المعامری العام.» (المساوی، 1994م: 79) وإذا دققنا النظر فی هذا المقطع نری أنّه استخدم أنماطاً أخری من الانزیاح الإیقاعی وهی استخدام القافیة المتجاوبة والمزج بین التفعیلات. أمّا القافیة المتجاوبة فنراها فی الشطر السادس، حیث أتی بالقافیتین "المطار .. الوقار" وقد وردت فی نهایة ووسط السطر الشعری، فشکلت نوعا من القافیة المتجاوبة؛ کما أنّه استعان بالمزج بین التفعیلات فی الشطر الأخیر مما نری أنّه مزج بین تفعیلة "مُتَفعِلُن" و"فاعلاتن" واللجوء بمثل هذا الخروج یدلّ علی الخروج من صوت إلی صوت آخر بالإضافة إلی أنّه استثار إحساس المتلقّی وشدّ انتباهه بالنسبة إلی النصّ. الانزیاح الکتابی «یُعدُّ تنظیم الشکل الکتابی للشعر من أهم تجلیات النص الشعری» (محسنی وکیانی، 2013م: 91) لأنّ «تنظیم الکتابة الشعریة یسمح برصد جملة من قوانین العلاقة بین النسبة الشعریة واللغة العامة، فالشکل الخطی لایمثل أسلوباً ولا نظاماً تعبیریاً فی أی لغة طبیعیة، أما الحال فی النص الشعری، فإنَّه على العکسِ من ذلک، إذ إِنَّ الترتیب الکتابی للنص یأخذ أهمیته الخاصة وهو مایصطلح علیه الانزیاح الکتابی» (إبراهیم محمّد، 2014م: 106) فهو «عبارة عن کسر نظام کتابة المألوف» (المصدر نفسه: 99)، للانزیاح الکتابی أشکال مختلفة منها: - تفتیت الکلمة أو تشذیرها من النماذج التی استخدمها المناصرةأسلوب التفتیت أو ظاهرة التقطیع الکتابی، ونعنی به «تقطیع کلمة أو مجموعة کلمات إلى أجزاء متعددة داخل القصیدة، فهو عدول بصری فی طریقة الرسم الکتابی العادی للمفردات الشعریة، تعبیراً عن البعد النفسی لدلالة المفردة المقطعة فی القصیدة.» (محسنی وکیانی، 2013م: 91) فکلّ ما یخرق المألوف، یثیر الدهشة ویکشف عن عملیة إبداعیة تجسد قدراتها التأثیریة فی المتلقی، لذلک تعد ظاهرة «التفتیت أو التشذیر أو بعثرة الکلمات على الصفحة من أبرز مظاهر التشکیل الذی یمیز القصیدة الجدیدة، وشکلاً من أشکال التجدید الصیّاغی والتحریر البصری والتشکیل الحرفی، وجزءا من الثورة اللغویة.» (منیر، 1997م: 179) استخدم الشاعر أسلوب التفتیت أو ظاهرة التقطیع فی عدّة مواضع، وقد عثرنا علیها فی قصیدة "هل بقیت فی المدینة حداثة أیُّهَا السَّیّد": مَاذَا کَانَ سَیَحْدُثُ، یَا تُرَی لَوْ أَنَّ امْرَأَةً ... مَثَلاً، لَوْ أَنَّ قَصِیدَةً جَدِیدَةً ... مَثَلاً، هَبَطَتَا فِی لَیْلَةِ الْمَجْزَرَةْ عَلَی فِلادِیمیرْ ... مَا ... یَا ... کُو ... فْسْکِی من خلال هذا النموذج یظهر لنا أنّ الشاعر بتقطیع کلمة "مایاکوفسکی" أبدع لوحة تعبیریة جدیدة خرجت عن معاییر شکل الکتابة الاعتیادیة فی صیاغة الفضاء البصری للقصیدة؛ حیث إنّ هذا النمط من الکتابة بالإضافة إلی إثارة الدهشة لدی المتلقّی ومفاجأته، یسهم فی صنع الجانب الشعری من البعد البصری للنص. - البیاضاتالمنقّطة یعدّ البیاض عنصراً من عناصر النص البصری لإنتاج الدلالة؛ لأن البیاض فی هذا الإطار هو لغة تتکلم وتثیر القارئ للبحث فی دلالة ذلک الصّمت الناطق، (بن محمد، 2016م: 168) وکأنّه الکلام الذی یقوله الکاتب، حیث إن مساحة البیاض هی «إعلان عن تفاعل الصمت مع الکلام، وتفاعل البصری مع السمعی فی بناء إیقاع النص.» (بنیس، 1990م: 127) إنّ البیاض هو الذی یتیح للقارئ الربط بین أجزاء النص حتّی تتشکّل الدلالة، إذ إنّ هذا البیاض «هو الذی یشیر إلی أنّ النص قد قام بتغییب بعض العناصر التی یجب أن تربط بین أجزائها، ومن ثمّ، فهو الذی یصل بین مفاصل النص.» (حسنی، 2013م: 27) إنّ المتأمّل فی شعر المناصرة یلاحظ أنّه وظّف هذه التقنیة فی قصائد کثیرة، بحیث لایمکننا أن نحصرها فی مجموعة دون الأخرى، فتفصل بین عناصر الترکیب بهذه النقاط باعتبارها مظهراً من مظاهر الحذف والإیجاز تترک للقارئ حریة التأویل. ومن أمثلة هذه الظاهرة الأسلوبیة، ما نلحظه فی قصیدته "رذاذ اللغة": قَالَتْ لِی: یَکْفِی کَذِباً یَا هَذَا، وَادْخُل فِی الجُملَةِ، دُونَ مُقَدَّمَةٍ، وَبَهَارٍ، وَتَوَابِلْ وَدَخَلْتُ حَدِیقَتَهَا کَرَذَاذٍ، قَالَتْ: أَ ... وَ ... لَسْتَ القَائِلْ: ... ... ... ... ... ... ... کما هو معلوم إنّ الشاعر من خلال هذا المقطع قد أخفی جزءاً من الکلام (مفعول القائل تحدیداً) معوضا إیاه بالبیاضات المنقطة، حیث «إنّ الشاعر بتوظیفه هذه التقنیة التی تجمع فی هذا الشکل الکتابی یجعلنا أمام نصین: نص مغلق بالکتابة، ونص مفتوح بالبیاض» (بن محمد، 2016م: 170) وبالتالی فالشاعر عن طریق هذا التشکیل یبدو أنه یهتمّ بالقارئ وکأنه یرید أن یلفت انتباهه إلی النص مما یؤدّی هذا النوع من البیاض إلی إثارة دهشته. ومثل هذا النمط من الکتابة نراه فی قصیدة "لا تغازلوا الأشجار حتّی نعود"حیث قال: زَعَمَتِ الکَذَّابَةْ، بِنتُ الکَذَّابَةْ، بِنتُ الکَذَّابَةْ أَنَّنِی غَیْرُ قَادِرٍ عَلَی مُوَاجَهَةِ الفَاسِدِینْ صَرَخَتْ فِی وَجْهِی قَائِلَةً: یَا هَذَا، یَا هَذَا أَلَسْتَ أَنْتَ القَائِلْ: ............!!! بالتأمل فی هذا المقطع الشعری نجد أنّ الشاعر صوّر للمتلقّی امرأة کذابة تزعم أنّه لا یستطیع أن یواجه المفسدین، حیث تصرخ علی وجهه وتخاطبه دون احترام وتقدیر مما نری مثل هذه الإهانة فی استخدام أسلوب النداء "یا هذا" وتسأله بأسلوب تقریری إلا أننا لا نجد نص السوال فی المقطع بل حذفه الشاعر وجعل البیاض المنقّط بدله لیثیر انتباه المتلقّی ویسایره فی معرفة اللاقول المحذوف وهذا ما یدفع بالمتلقی لهذا الشکل من التعبیر أن یجتهد فی فک مغالیق هذا الصمت. - السطر المتساقط إنّ نمطاً آخر من أنماط الانزیاح الکتابی الذی استخدمه المناصرة فی قصائده هو السطر المتساقط ونعنی به « السطر الذی یتخذ شکلاً متقاطراً على فضاءِ الصَّفحة الشعریة وذلک بصورة عمودیة من الأعلى إلى الأسفل ویقدم هذا السَّطر الشعری مثیرات وحوافِز تشُدُّ عین المتلقی باتجاه هیأتها التی تحدث نوعاً من الصدمة التی تکسر أفق توقعه وتحمله على مُساءَلةِ هذا النوع من أشکالِ الکتابة والوقوف على أهم ایحاءاتها فی النص الشعری» (إبراهیم محمّد، 201م: 107-108) إذا تصفّحنا قصائد المناصرة نری أنّه لجأ إلى بناء السّطر الشعری على نحو متساقط؛ مثل قوله فی قصیدة "بین الصفا والمروة": وَهَا أَنَا مُعَلَّقٌ عَلَی هَوَاءٍ فَاسِدٍ عَلَی ذِرَاعِ سَرْوَةْ وَهَا أَنَا أَسْعَی مِنَ الصَّفَا إلی المَروَةْ هذا الشکل من الکتابة الشعریة لا یؤثر فی السامع بقدر ما یؤثر فی القارئ؛ لأن «إیجاد هذا النوع من الکتابة موجه إلى القارئ دون السامع، إذ لم یعد الأداء الشعری مقتصراً على حاسة السمع، بل تعداها إلى الإمتاع البصری مکرساً بذلک عدوى الفنون التشکیلیة.» (السّعدنی، لاتا: 142) فبالتالی إنّ الخطاب الشعری لدی المناصرة یوفّر للمتلقّی متعتین هما: متعة الأذن ومتعة العین وهذا خلاف ما کان یوفره الشکل السابق (الشکل العمودی) الذی التزم بعداً واحداً هو البعد السماعی. الانزیاح الترکیبی (النحوی) قال جان کوهن: إن النحو هو الرکیزة التی تستند إلیها الدلالة فبمجرد ما یتحقق الانزیاح، بدرجة معینة، عن قواعد ترتیب وتطابق الکلمات تذوب الجملة وتتلاشی قابلیة الفهم ویری بأنّ العلاقة بین الألفاظ تعینها مواقعها الخاصة أکثر مما تعینها حرکتها الإعرابیة وقد نری بأن نظام الکلمات تنزل المحدَّد قبل المحدِّد والمسند إلیه قبل الفعل، والفعل قبل الفضلة (المکملة) وأی انحراف عن هذه القاعدة یسمّی القلب. (کوهن، 1996م: 180) للانزیاح الترکیبی أشکال مختلفة إلا أنّ أکثرها انتشاراً فی دیوان عز الدین المناصرة هی التقدیم والتأخیر والاعتراض. - التقدیم والتأخیر یعد التقدیم والتأخیر من أهم المیزات الأسلوبیة، ولیس ذلک لکون تقدم شیء بعینه عن شیء آخر بل للدور الدلالی والجمالی الذی یلعبه هذا الخرق من تقدیم وتأخیر لهذا فإنّ التقدیم والتأخیر فی الجملة العربیة من المباحث الهامة التی حظیت بعنایة کبیرة من قبل الّنحاة والبلاغیین، فالتقدیم والتأخیر فی المنظور النّحوی «هما اللذان یخرقان عرف الجملة العربیة ویشوش ترتیبها ویثیر انتباه المحّلل.» (السّد، 2007م: 175) النقطة التی یجب الانتباه إلیها هی أنّ طبیعة الشعر أحیاناً قد تسهل هذه المهمة إلی حدٍّ کبیر؛ لأنّ الترکیب فی الشعر لیس کما هو فی النثر، وذلک لأنّ الشعر یخضع لعوامل أخری تتعلق بالوزن والموسیقی الداخلیة ونحوهما مما لا یسمح بحریة حرکة تنقل عناصر الجمل کما لو کانت فی ترکیب نثری عادی، ویقول عباس حسن فی التقدیم الجائز: «بغیر نظر لما تقتضیه الأوزان الشعریة أحیاناً من وجوب التقدیم والتأخیر لمراعاة الوزن وحده والمحافظة علیه، فلو لم نراع الوزن الشعری لجاز الأمران کما فی النثر أیضاً.» (حسن، لاتا، ج1: 492) کثیراً ما نری أنّ المناصرة لجأ إلی التقدیم والتأخیر ومن مظاهر التقدیم والتأخیر فی الجملة الاسمیة، تقدیم الخبر علی المبتدأ، مثل قوله فی قصیدة "لسبب عاطفی إغریقی": مُعْتَمَّةٌ أَحْلَامُنَا مَنْ یَمْنَحُ الغَرِیبَ فِی تَرْحَالِهِ تَأشِیرَةَ الدُّخُولْ لا شک أنّ المعنی سیکون مفهوماً بذات الدرجة لو قال الشاعر (أحلامنا معتمّة)، فالخبر الذی یرید الشاعر إیصاله للمتلقی سیصل بکلا الترکیبین، ولکن الغرض لیس مجرد إیصال هذا الخبر إلی المتلقّی فحسب، ولکن الشاعر أراد استخدام الخبر کأساس للتأثیر والتحذیر والتنبیه إلی خطورة الأمر؛ لذلک لجأ إلی تقدیم الخبر؛ لأنّه (التعتیم) هو الغرض المتعمد بالذکر وقد یمکن أن یسأل القارئ أنّ الوزن الشعری اقتضی بهذا التقدیم؛ لأنّ کل تقدیم فی الشعر لا یکون دائماً لغرض یتعلّق بالمعنی بل یتعلّق لغرض یتعلّق بالبنیة الشکلیة أو بموسیقی الکلام إلا أنّ هذا الکلام یُرفض إذا دققنا النظر فی التفعیلة التی اختار الشاعر؛ لأنّه لو قال "أحلامنا معتمّة" لما اختلّ رتابة الوزن؛ وبإمکاننا أن نؤخر هذا التقدیم دون أن یؤدّی البیت من الخلل فی الوزن فالبحر الذی اختاره فی هذا البیت هو الکامل "مُتفَاعِلُن"" فهذا یعنی أنّ تفعیلة "أحلامنا" لا تختلف مع تفعیلة "معتمّةٌ" وکلاهما (متفاعلن) یساوی من حیث الوزن. ومن مظاهر التقدیم والتأخیر فی الجملة الفعلیة، تقدیم الفاعلعلى الفعل مثل قوله فی قصیدة "الأفعی": الأَفْعَی لا تُخْلِی جُحْراً إلّا بِالفَأسْ الأَفْعَی لا تَرْحَلُ بِالمُوسِیقَی الأَفْعَی لا تَرْحَلُ إلّا إِنْ قَطَعَ الرَّأسْ کما نلاحظ أنّ المناصرة استخدم "الأفعی" عنواناً لقصیدته وهی رمز للإسرائیلیین الذین غصبوا أرض فلسطین ولطخوها بسمومهم وقسوتهم وکما أنّ سمّ الأفاعی یضرّ بالذین تنهشهم کذلک الإسرائیلیون یضرّون بفلسطینیین بمکرهم وظلمهم، لذا یرید الشاعر من أبناء شعبه أن یواجهوا الإسرائیلیین بالقوّة الصارمة ولإلقاء هذا المفهوم قدّم الفاعل (الأفعی) علی الفعل. فأصل الکلام أن یقول: لا تخلی الأفعی/ لا ترحل الأفعی، فبهذا التغییر فی ترتیب عناصر الجملة أعطى الشاعر دلالة خاصة على القصیدة، مما أحدث أثرا جمالیا متمیزا لدى المتلقی. - الاعتراض هو اختراق بنیة النص بوحدة لغویة غریبة عن ترکیبه أو کمایعرفه أبو هلال العسکری بقوله: «الاعتراض کلام فی کلام لم یتم، ثم یرجع إلیه فیتمه.» (العسکری، 2006م: 360) وینقله حسن طبل عن الحاتمی هو «أن یکون الشاعر آخذا فی معنى، فیعدل عنه إلى غیره قبل أن یتم الأول، ثم یعود فیتممه فیکون فیما عدل إلیه مبالغة فی الأول، وزیادة فی حسنه.» (طبل، 1998م: 18) ومن جمالیات الاعتراض «هی إمتاع المتلقی وجذب انتباهه بتلک النتوءات أو التحولات التی لا یتوقعها فی نسق التعبیر؛ لأن الکلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب کان ذلک أحسن تطریة لنشاط السامع، وإیقاظا للإصغاء إلیه من إجرائه على أسلوب واحد.» (المصدر نفسه: 26) ویمکن أن یکون فی أی مکان من الجملة بین متلازمین، کالمبتدأ والخبر، أو الشرط وجوابه، أو الصفة وموصوفها، أو الفعل وفاعله ومفعوله. کان عز الدین المناصرة من الشعراء الذین أکثروا فی استخدام هذه التقنیة، ولا نری قصیدة إلا وفیها نمط من أنماط الاعتراض وهی جزء لا یتجزأ من النص المناصری وإن عدّت هذه الجمل وحدة لغویة زائدة فی النص؛ إلا أنّها قد خدمت نص المناصرة علی وجه مبین، حیث تواترها جعلها ملمحًا أسلوبیًا لدی الشاعر. من أشکال الاعتراض الشائعة لدی عز الدین المناصرة اعتراض فی الجملة الفعلیة، منها اعتراض الکلام بین الفعل والفاعل کما أتی به فی قصیدة "بین الصفا والمروة"، حیث قال: مَرْمَرَتْنِی – آهِ یا أُمِّی- الوُعُودْ وَصَهِیلُ الخُطَبَاءْ حَطَّمَتْنِی سَنَةَ بَعْدَ سَنَةْ غالباً ما نری أنّ الاعتراض بین الفعل وفاعله یکثر بالجار والمجرور مثل قوله فی قصیدة "توقیعات": قَالَ الرَّاوِیْ: یَا سَادَةَ هَذِی الْأَنحَاءْ لَولا الغِیرَةْ ... لَولا الغِیرَةْ مَا حَبَلَتْ – فِی هَذَا اللَّیلِ – أَمِیرَةْ فی هذا البیت نجد الاعتراض فی الشطر الثالث، قد جاء بحرف الجر والمجرور، (فی هذا اللیل) معترضاً بین "حبلت" وفاعلها "أمیرة" و لهذا التعبیر المعترض دور دلالی فضلا عن دوره الجمالی، حیث أشار إلی لیل من اللیالی الخاصة. وردت اعتراضات أخرى مختلفة منها ما فصل بین معطوفین، ومن ذلک قوله فی قصیدة "بین الصفا والمروة": مَرَّتِ الأَیَّامُ والْأَشهُرُ – قُولِی – وَالسِّنُونْ أَکَلَتکَ الغُمَّةُ الصَّفرَاءُ یَا طِفلِی الْحَزِینْ کما نلاحظ أنّ فعل الأمر "قولی" جاء معترضاً بین المعطوف "السنون" والمعطوف علیه "الأشهر" لیدلّ علی أنّ الأمر لا یتعلق بالأیّام والأشهر فقط، بل تجاوزعنهما إلی السنون، وهذا الاعتراض یزید من شدة الهموم، ذلک أن الهموم والأحزان کانت ولاتزال معه وهو یعیش مع الحزن سنة بعد سنة. الانزیاحالأسلوبی هذا النمط من الانزیاح هو استخدام اللون الحواری من اللغة فی الشعر والذی إذا استفید دقیقاً وصحیحاً یؤدّی إلی غناء اللغة وأیضاً یسبب التواد فی الشعر ویمکن أن ندرس من الجهات المختلفة قیمة الانزیاح الأسلوبی : ١- التغییر فی فضاء الشعر ٢- التغییر فی موسیقی الشعر ٣- ایجاد التواد فی فضاء الشعر. (صفوی، 1373ش: 53) إنّ ورود ألفاظ عامّیة فی النصوص الشعریة التی تکتب باللغة الفصحی یعدّ انزیاحاً داخلیاً علی مستوی النّص والقارئ «عندما یمضی فی قراءة هذه النصوص یصادف بعض الکلمات العامّیة ویقف أمامها متسائلاً عن سرّ تغییر الشاعر لنسق اللغة، وهذا التساؤل بحدّ ذاته یشکّل توتراً وإثارة وصدمة؛ لأنّ ذلک یخالف توقع القارئ.» (ربابعة، 2000م: 115) استعان الشاعر بهذا الانزیاح فی الکثیر من قصائده ومع هذه التقنیة استطاع أن یخلق فی شعره فضاء حارًا وجاءت النماذج منه فیما یلی : قَالَتْ – وَهُوَ یُنَاوِشُهَا – عَنْ بُعْدٍ – طُزْ فِی المِشمِش قَابِلْنِی والملاحظ أنّ الشاعر أتی بکلمة "طُز" التی لا یکون لها أصل عربی وهی کلمة یغلب علیها طابع السخریة أو الاستهجان، أو التهکّم ولأصلها عدّة روایات: «قیل: هی کلمة صوتیة، تستخدم للتهکّم والاحتقار یدانیها بالعربیة الطنز: السخریة. ویقال: وهو الأرجح أنّ أصل الکلمة ترکیّ، من کلمة (Tuz) وتعنی الملح ثمّ أخذت طابع التهکّم العام.» (https://www.almaany.com) علی أیة حال، لو استبدلت بـ"طز" أیة کلمة أخری فصیحة لکانت کلها توصیفات للحالة، ولا توحی بما نفهمه من اللفظة العامیة نفسها التی اخترقت نسیج اللغة الفصیحة لتحدث انزیاحاً نسقیاً. (عمر، 1998م: 87) وقد یبدأ المقطع بلفظة عامّیة إلا أنّها لا تشکّل نسقًا خاصًا بالنص؛ لأنّها تعقبها بالسرعة الألفاظ الفصحی؛ ببیان آخر، إذا سمع المتلقّی اللفظة فی البدایة یظنّ أنّ المقطع الشعری یسرد علی طابع لهجی ثمّ یهیمن علیه النسق الفصیح مثل قوله فی قصیدة "مقهی ریش": رَشْرَشْرَتِ النَّجْمَةُ أَمْطَارًا حَمرَاءْ زَهْرَةُ حَنُّونٍ بَرِّیَةْ الصَّنْدَلُ مَثَلًا، وَالأبْنُوسُ السُّودَانیْ مَوزُونٌ فِی دَبْکَتِهَا لِظَریفِ الطُّولْ "رشرشرت" لفظة عامیة تعنی بالفصحی "تقاطرت" «ورشت العینُ والسماءُ ترُشّ رَشًّا ورَشاشًا والرّش: المطر القلیل وترشرش الماءُ: سال» (ابن منظور، لاتا، مادة رشش) وهی کلمة دخلتها زیادة فی البنیة أی کان أصلها: رشرش إلا أنّ الشاعر أضاف الراء فی بنیة الکلمة لیحوّلها إلی العامّیة فهو بهذا الشکل حدث ضرباً من الانزیاح الداخلی بتغییر نسق اللغة فیه وإذا دققنا النظر نری أنّه جاء فی الشطر الرابع نمطًا آخر من اللفظة العامّیة ألا وهی کلمة "دبکة" وقد یستخدم الشاعر اللفظة العامیة؛ لأنّها أکثر مرونة فی الاستعمال بمعنی آخر لو استبدلت بـ"الدبکة" أیّة کلمة أخری فصیحة کالرّقص أو ما رادفها لما خطر ببال القارئ ما بهذه اللفظة من تلطف. (عمر، 1998م: 87) إذا تصفّحنا دیوان الشاعر فنری أنّه لم یکتف بهذا القدر من استخدام الألفاظ العامیة بل لجأ فی کثیر من الأحیان إلی استخدام الأبیات الشعریة کلها عامیة من مثل ذلک قوله فی قصیدة "ملاحظات قبل الرّحیل": ...أَنَا زِیْ مَا کُونْ عَسْکَریْ سَکْرَانْ مَاسْکْ، مِدْفَعْ، سَعْرَانْ أَضْرِبْ فِی الْفَاضِیْ وَفِی المَلیَانْ یَا نَاسْ فِین السّکَةْ لعلّ الغایة التی من أجلها استخدم الشاعر اللغة الدارجة أو الألفاظ العامیة وسیلة للإیحاء والتعبیر هی الإیحاء بمکنونات نفسه، والتفاعل مع ما حوله وهو یحس أنّ اللفظة العامیة تستطیع أن تعبّر عن خلجانات الشاعر وأحاسیسه أفضل بکثیر من الألفاظ الفصحی بالإضافة إلی أنّه بهذا الطریق فاجأ المتلقّی وأحدث نوعاً من الانزیاح. الانزیاح الدّلالی وهو یعنی الخروج من المعنی الأصلی للکلمة إلی معنًی ثانٍ یحدده السیاق فیکون للفظ مدلولان: أوّله قریب ظاهر لیس هو المقصود وثانیه نصل إلیه من خلال الکلمات اللاحقة والسابقة. «الانزیاح الدلالی یعنی الانتقال من المعنی الأساسی أو المعجمی للفظة إلی المعنی السیاقی الذی تأخذه الکلمة حینما توضع فی سیاق معیّن یحدّد معنی الجملة بأکملها، حیث تنزاح الدوال عن مدلولاتها فتختفی – نتیجة لذلک – الدلالات المألوفة للألفاظ لتحلّ مکانها دلالات جدیدة غیر معهودة یسعی إلیها المتکلم.» (النوری الخرشة، 2008م: 37) بما أنّ للانزیاح الدلالی مظاهر متعددة إلا أننا سنتناول المظاهر التی أکثر المناصرة فی استخدامها ومنها: المفارقة والتنافر وتراسل الحواس. المفارقة والتنافر اللونی وهی تکنیک فنّی یستخدمه الشاعر المعاصر لإبراز التناقض بین طرفین متقابلین بینهما نوع من التناقض والمفارقة هی «التناقض فی المعنیین المتناقضین فی الکلام بشکلٍ استخدامها فی الکلام یؤدّی إلی العدول والانحراف.» (وهبه وکامل،1984: ص376) بما أنّ المفارقة تحدث فی الکلام نوعا من المفاجأة فهی تشبه بالاستعارة وخصوصا ما أطلق علیه الاستعارة التنافریة اللونیة التی «هی عبارة عن صورة بلاغیة تقوم على الجمع بین شیئین متنافرین لا تجمع بینهما علاقة منطقیة» (قطوس وربابعة، 1994م: 47) وبذا یکون هذا النوع من الاستعارة، وهی بالفعل قدرة فائقة لدى الشاعر أن یأتی بها، خاصة إذا کانت العلاقة بین الصفة والموصوف فی حالة من التجلی ولا یشوبها الخفاء « فالشاعر یمتلک جرأة فی المزج بین المتنافرات بصورة مدهشة تدعو إلى التساؤل والتأمل، وتفتح آفاقا غنیة من التفسیرات التی تأخذ القارئ إلى عوالم جدیدة لم یسبق له أن وقف أمام سحرها المدهش.» (المصدر نفسه) کثیراً ما نری أنّ المناصرة یقوم بالإبداع ویأتی بالتراکیب اللونیة المنزاحة عن نمط التعبیر بالمألوف، فهو یسعى إلى تقدیم دوال لونیة بتوظیف جدید غیر معهود ولا مألوف من قبل، ومن ذلک قوله: المَطَرُشَدِیدٌجِدّاًفِیالمَنْفَىالرِّابِعْ والغَیمُالقَاتِمْ یَملأُدَربِیْ وَالثَّلْجُالأسْوَدُفِیالطُّرُقَاتِالصَّیْفِیَّةْ وَالمَطَرُالحُزنُعَلَىوَجهِیالسَّاهِمِشَدیدٌیُشْبِهُتِلکالأیَّامَألاتَذکرْ فکیف یکون الثلج أسود؟! وکیف یکون فی الصیف؟! وکیف یملأ الغیم الطرقات؟! إنها أسئلة تکشف البعد المجازی للصورة الملونة بالسواد، سواد المنفى، وضیاع الوطن. (رزقة، 2002م: 371) إن الصفات المألوفة التی یمکن أن یمنحها المعجم للثلج ربما تکمن فی البیاض والنقاء والبرودة والصفاء، غیر أننا نلاحظ أنّ الشاعر هنا أضفى علی الثلج صفة جدیدة دون أن یراعی التناسب بین المستعار والمستعار له؛ لأن مقولة الثلج الأسود خروج على الاستخدام المألوف لللغة. ما جمالیة هذه المفارقة؟ إنّ هذا التعبیر (الثلج الأسود) انعکاس لما یعتمل داخل الشاعر من حزن وألم وهو یمثل شذوذا یکشف اختیار الشاعر ما یلائم تجربته ورؤیته السوداویة القاتمة. من المقاطع الشعریة التی تکلّم الشاعر فیها عن التنافر اللونی: فِی هَذَا الصَّبَاحِ المُبَکر جِدَّاً زُرْتُ الأَمْوَاتَ الأَحْیَاءْ الجَبَلُ الأَزْرَقْ کبُحَیْرَةِ السَّمَاءِ الخَضْرَاءْ الملاحظ أنّ ما یفاجئ القارئ فی هذا الترکیب لون السّماء الخضراء وهذا أمر مستحدث؛ لأنّ السّماء غالباً ما توصف باللون الأزرق لصفاءها أمّا أن توصف باللون الأخضر ففیه انزیاح دلالی یدلّ علی البعث والأمل بالمستقبل الزاهر لدی الشاعر حیث بإمکاننا أن نری هذا الأمل من خلال الترکیب المفارقی "الأموات الأحیاء" فهذا یعنی أنّ الذین جاهدوا وماتوا لأجل استقرار الأمن فماتوا ظاهراً ونفی عنهم الموت الحقیقی بقوله "الأحیاء" أی: إنّهم وإن کانوا أموات الأجسام فهم أحیاء الأرواح. الاشتباک الحواسی وهو وسیلة من وسائل تشکیل الصورة الشعریة التی عنی بها الرمزیون، وهو یعنی «وصف مدرکات حاسة من الحواس بصفات مدرکات حاسة أخری، فنعطی للأشیاء التی ندرکها بحاسّة السمع صفات الأشیاء التی ندرکها بحاسة البصر، ونصف الأشیاء التی ندرکها بحاسّة الذوق بصفات الأشیاء التی ندرکها بحاسّة الشم، وهکذا تصبح الأصوات ألواناً، والطعوم عطوراً..» (عشری زاید، 2002م: 78) إنّ هذه التقنیة بوصفها تقنیة منزاحة عن المعیار اللغوی قد شاعت فی دیوان المناصرة حیث وجدنا الکثیر من القصائد التی تتزاحم فیها الصور القائمة علی تراسل الحواس. ومن النماذج الواضحة للاعتماد بشکل أساسی علی هذه الوسیلة من وسائل التصویر الشعری قول الشاعر فی قصیدته "وَکانَ الصَّیفُ مَوعِدَنَا": یَفْتَحُ طَاقَاتٍ فِی الجَهَةِ الشَّرْقِیَّةْ المَاءُ السَّمْحُ بِضَحْکتِهِ البَیْضَاءْ کما هو معلوم أنّ التراسل واضح فی الشطر الثانی ففیه یصف "الضحکة" - التی هی من مدرکات حاسّة السمع- بأنّها بیضاء - وهی صفة من صفات ما یدرک بحاسة البصر فیضفی علیه صفة من صفات مدرکات حاسة البصر کما أنّ المناصرة فی هذا المقطع لجأ إلی التشخیص وهو یعکس من خلالها نفسیته البهجة علی نحو ما نری فی قوله "الماء یضحک ضحکة بیضاء" فالضحکة البیضاء مرتبطة دلالیةً بحالة الفرح کما أنّ الماء السمح (الماء العذب الصافی السلس) مرتبط دلالیًا بالنمو والتطور والحیاة فقد استعار هنا الشاعر صفة الضحک التی هی سمة من سمات الإنسان وألصقه بالماء، فیکون بذلک قد ذکر المشبه وهو الماء وحذف المشبه به وهو الإنسان ولکنه ترک دلالة علیه وهو الضحک، فهذه الصورة الاستعاریة زادت البیت جمالا فجعل کل من یقرأ یتأمل فی الطریقة التی کتب بها هذا البیت. ومن مثل ذلک أیضاً قول الشاعر: أَنَا الغَارِقُ فِی نَرجِسِ المَلُوحَةْ فِی هَمَسَاتِ الرّیحْ، والنَّمِیمَةِ البَیضَاءْ فالعلاقة بین النعت والمنعوت علاقة بعیدة وغریبة؛ إذ النمیمة التی هنا بمعنی "الصوت الخفی، الهمس" ومن مدرکات حاسّة السمع- بیضاء - وهی صفة من صفات ما یدرک بحاسة البصر فیضفی علی السّمع حاسّة البصر (النمیمة البیضاء) سمعی - بصری فلماذا أطلق صفة "البیضاء" علی "النمیمة"؟ إنّ اللون الأبیض یمثّل الصفاء والنقاوة، استعمله الشاعر لیمنح صورته المرئیة تأثیرها فالأبیض هنا دال على جمال النمیمة، ولا سیما أن التشکیل اللغوی الذی وردت فیه یوحی بذلک، لأنّ الشاعر أتی بالمفردات الموحیة علی الجمال منها: نرجس الملوحة وهمسات الریح حیث إنّ نرجس الملوحة نبت من الریاحین لها زهرة بیضاء، ذات رائحة جمیلة وهی زهرة عربیة بالدرجة الأولى، مما تعطی هذه المفردات هدوءاً خاصاً فی جسد النص والأمر الآخر الذی یؤکد علی هذا الهدوء، الترکیب النحوی الدال علی قصر المسند علی المسند إلیه ومبالغته؛ لأنّ الشاعر جاء بالخبر "الغارق" معرفاً بـ"الـ" التعریف وهو مضاد لما هو مألوف فی المعیار النحوی. النتائج بعد أن عالجنا شعر عز الدین المناصرة، ورصدنا أنماط الانزیاح فیه توصّل البحث إلی نتائج یمکن إجمالها فی ما یأتی: بالنسبة للانزیاح الإیقاعی تبیّن لنا أنّ المزج بین التفعیلات کان من أکثر الملامح الانزیاحیة فی الموسیقی الخارجیة، حیث یعدّ هذا الأمر خروجاً واضحاً لیس علی الشّکل التقلیدی فحسب، بل علی الشعر الذی ینبنی علی التفعیلة أیضًا والغرض الرئیس من هذا الخروج تجدید نشاط السّامع، أو التغلّب علی رتابة الوزن أو للتعبیر عن انعطاف فی مشاعره، أو للتوسل بمثیر جدید یصافح أذن السّامع. من ناحیة استخدام القوافی تبیّن لنا أنّه أکثر فی استخدام القوافی المتداخلة وهى قافیة داخلیة لا تشبه الأنواع السابقة من القوافی التى تُخْتم بها الأبیات ولاتستخدم لحبس الصوت فی نهایة البیت الشعری والغرض الجمالی من هذه القافیة یعود إلی تغییر الأصوات وتفتیتها فی ثنایا النص الشعری. أمّا فی الإیقاع الداخلی فالحضور المکثّف یعود إلی نوع من التکرار نجده فیما یسمّی بـ "تکرار اللازمة" وهی اللفظة أو العبارة التی تکرر علی مسافات مختلفة من أجزاء النص فتحدث بنیتها الصوتیة المتماثلة انزیاحاً صوتیاً یربط المتلقّی بما مضی من أجزاء القصیدة ویشدّه إلی ما سیأتی منها. أماّ بالنسبة للانزیاح الکتابی فاستنتجنا أنّه استعان بأشکال مختلفة من الکتابة إلا أنّ ثلاثة منها کان لها أکثر حضورًا فی أشعاره وهی: البیاضات المنقّطة، وتفتیت الکلمات والسطور المتساقطة؛حیث إنّ الغرض الجمالی لهذه الأنماط من الکتابة بالإضافة إلی إثارة الدهشة لدی المتلقّی ومفاجأته، الإسهام فی صنع الجانب الشعری من البعد البصری للنص. أماّ بالنسبة للانزیاح الترکیبی فاستنتجنا أنّ التقدیم والتأخیر قد حظی فی أشعاره بالنصیب الأوفر وهو صورة ترکیبیة منزاحة عن قواعد الصحة الّنحویة ومن خلال هذا الانزیاح تعددت صور عناصر الإسناد فی قصیدة عز الدین المناصرة فنتجت عن ذلک أنماط متنوعة من الجمل ولاحظنا أنّ المقدّم لا یرد اعتباطاً فی نظم الشعر وإنّما یکون عملاً مقصوداً به غرض إلا أنّ الغرض الرئیس یرجع إلی توکید المقدّم والاهتمام به. ثمّ یأتی الاعتراض بالدرجة الثانیة؛ فقد اهتمّ الشاعر بهذه التقنیة، حیث أصبحت جزءاً لا یتجزّأ من النص المناصری والغرض الجمالی لاستخدام هذا النمط من الانزیاح بالإضافة إلی إثارة الدهشة للمتلقّی، یرجع إلی دوره الدلالی والمعترض – اسماً کان أم جملة – لم یکن حضوره مهملًا بل زاد فی النص معنی التأکید وأدّی إلی إزالة الإبهام والغموض. و على مستوى الانزیاح الدلالی خلصنا إلى أنّ المفارقة وتراسل الحواس کانتا من أهمّ الملامح الانزیاحیة تواتراً فی أشعاره مما أدّى استخدام مثل هذه الانزیاحات إلى إکساب شعره بعدا إیحائیا، فهو أبدع صوراً مخالفة للمألوف ولجأ إلى المفارقة اللونیة قاصداً من وراءها المفاجأة وإعطاء معنی جدید للنص أمّا تراسل الحواس فهو من الملامح الانزیاحیة الأخری التی یعتمد علیها الشاعر فی بناء صوره فتبیّن لنا أنّ الصورة البصریة شکلت مساحة واسعة فی دیوانه. فی المستوی الأسلوبی، لجأ الشاعر إلی استخدام الألفاظ العامّیة ومیلاد ألفاظ جدیدة بواسطة التصرف فی بنیة الکلمة وهو لم یکتف بهذا القدر من الانزیاح الداخلی بل قال مقطوعة شعریة تحتوی کلها بألفاظ عامیة والغرض من ذلک بالإضافة إلی إثارة الدهشة لدی المتلقّی، الشعور بحرارة هذه الألفاظ فی تأدیة معانیها. [1]. Leech , G. N.لوف، حیث یبتعد بالنص عن المباشرة الباردة التی تتجلى فی التعبیر المألوف وهذه الصفة العدولیة أهم ما یمیز اللغة الشعریة عن غیرها، «فـاللغة الشعریة لیست غریبة عن الاستعمال الجید فحسب، بل هی ضده لأنّ جوهرها یتمثل فی انتهاک قواعد اللغة.» (فضل، 1992م: 64) لذلک اهتمت معظم الدراسات الأسلوبیة الحدیثة بظاهرة الانزیاح فی النصّ الأدبی؛ لأنه یمثل فی الواقع عندهم أسلوب النصّ الذی یتمیز به عن غیره من النصوص الأخرى، والانزیاح یعنی «خروج التعبیر عن السّائد أو المتعارف علیه قیاسًا فی الاستعمال، رؤیةً ولغةً وصیاغةً وترکیبًا.» (الیافی، 1995م: 2) ومن الجدیر ذکره أنّ الانزیاح تقنیة فنّیة یستخدمها الشعراء للتعبیر عن تجاربهم الشعوریة فهو لیس محصورًا بشعراء عصر معیّن إلا أننا نرید أن ندرس هذه الظاهرة فی القصیدة العربیة الجدیدة ومن هنا یهدف هذا البحث إلی دارسة ظاهرة الانزیاح فی شعر عزالدین المناصرة تناولاً أسلوبیًا لذلک اتجه البحث فی الإطارین: الأول وهو الإطار النظری الذی ندرس فیه مصطلح الانزیاح ونتحدث فیه عن رؤیة جیفری لیتش مما سُلِّط الضّوء فیه على مفهومه عنده وبیان أشکاله وأنواعه، أمّا الإطار الثانی فهو عبارة عن التطبیق العلمی لما سبقت الإشارة إلیه فی الإطار الأول؛ حیث یتم البحث فی النص الشعری المناصری؛ للکشف عن أسرار ما قال به الشاعر فی قصائده من تعابیر لامألوفة. إنما هذا البحث سلَّط الضوء لیس علی ما یقول الشاعر بل علی کیفیة ما یقول؛ أی أنه دراسة لا تعالج الموضوعات فی شعره بل طریقة تناوله لها وأسلوبه فی معالجتها. أسئلة البحث 1- ما تجلیّات الانزیاح إیقاعیًا وترکیبیًا ودلالیًا وکتابیًا وأسلوبیًا فی النص الشعری المناصری وأیّها أکثر انتشارًا فی قصائده؟ 2- کیف استطاعت ظاهرة الانزیاح أن تکشف لنا العمق الفنی والدلالی للغة الشعریة عند عزّالدین المناصرة؟ 3- ما وظائف الانزیاح الجمالیة فی أشعاره؟ فرضیات البحث - کان المزج بین التفعیلات واستخدام القوافی المتجاوبة ظاهرة من أهم الظواهر المنزاحة فی المستوی الإیقاعی کما أنّ التفتیت والاستعانة بالسطور المتساقطة والبیاضات المنقّطة ملامح أسلوبیة فی نمط الکتابة. فی المستوی الترکیبی نری أنّ للاعتراض والتقدیم حضوراً مکثّفاً فی أشعار الشاعر إلا أنّ الانزیاح الدلالی بما فیه من المفارقات وتجاوبات الحواس کان أکثر ملامح الانزیاح انتشارًا فی قصائده. - الاستعانة بأنماطٍ مختلفة من الانزیاحات عند المناصرة جعلت النص الشعری المناصری أن یکون فضاءً مفتوحًا یحمل مختلف الدلالات والتأویلات. - للانزیاح أغراض جمالیة متعددة إلا أنّ المفاجأة وإثارة الدهشة للمتلقّی تعدّ من الأغراض العامّة فی النص الشعری المناصری أمّا الأغراض الرئیسة فهی تعود إلی السیاق، حیث تختلف باختلاف المواقف التی ترد فیه. خلفیة البحث بالنسبة لعزّ الدین المناصرة هناک دراسات تجدر الإشارة إلیها، منها: مقالة «رموز المحتلّین فی شعر عز الدین المناصرة» للکتاب: محسن سیفی، وروح الله صیادینژاد، وفرحناز شریعت، نشرت هذه المقالة فی مجلّة "النقد الأدبی المعاصر" العدد 11، الخریف 1395هـ.ش. تسلّط هذه المقالة الضوء علی الرموز التی وظفها هذا الشاعر الفلسطینی المشرّد بدیلا عن شخوص المحتلین و یقوم بالکشف عنها. مقالة «معنا آفرینی در شعر با استفاده از هنجارگریزی زبانی) بررسی موردی: عزالدین مناصره، شاعر معاصر فلسطینی» للکاتبین: علی سلیمی و رضا کیانی، نشرت هذه المقالة فی مجلّة "پژوهشنامه نقد ادب عربی" العدد 2، الربیع والصیف 1390هـ.ش. لقد أشار الباحثان فی المقالة إلی أهمیة الانزیاح فی الشعر وما له من تأثیر فی فهم الشعر کما أشارا إلی أن الشاعر وظّف الانزیاح بأسلوب قد یدخل فی شعره الغرابة وصعوبة الفهم. مقالة «عز الدین المناصرة شاعر الحبّ والمقاومة» للکاتبین: حسین کیانی، وفضل الله میرقادری. تمّ نشر هذه المقالة فی مجلّة "لسان المبین"، الخریف 1390هـ.ش، العدد 5. وصل الکاتبان بعد رصد مظاهر المقاومة فی أشعار الشاعر إلی أنّه قد ألّف بین الحب والمقاومة، فهو یتأرجح بین الحب والسیف، ویجمع بین الحداثة والمقاومة الشعریة. مقالة «الرموز التراثیة فی شعر عز الدین المناصرة» للکاتب: إبراهیم منصور الیاسین. تمّ نشر هذه المقالة فی مجلّة مجلة جامعة دمشق العدد الثالث + الرابع، عام 2010 م. تروم هذه المقالة مقاربة ظاهرة توظیف الموروث فی تجربة عز الدین المناصرة الشعریة، وبیان دورها فی خدمة تلک التجربة، وإضاءة جوانبها من الناحیتین النظریة والتطبیقیة. رسالة ماجستیر عنوانها: «بنیة النّصّ فی شعر عزّ الدّین المناصرة، دیوان "لا أثق بطائر الوقواق" أنموذجًا»، إعداد الطالب محمّد یونس حسین عمرو، نوقشت هذه الرسالة عام 2017م، فی جامعة الخلیل بکلیة الدراسات العلیا. تأتی لبیان تلک الجوانب الإبداعیة، ولإبراز خصوصیة الظّواهر الفنّیة، وتجاوبها مع الفکر والمضمون، ولکشف قدرة الشاعر علی توظیف أدواته التعبیریة. ولا یفوتنا أیضا دراسة «مقاربة أسلوبیة لشعر عزالدین المناصرة (دیوان جفرا نموذجاً)» للباحث یوسف رزقة. نشرت فی مجلة الجامعة الإسلامیة، العدد الثانی، عام 2002م. تحاول الدراسة الکشف عن دور المثیرات الأسلوبیة فی بناء شعریة النص. والحقیقة أنّ هذه الظاهرة (ملامح الانزیاح علی أساس نظریة جیفری لیتش) لم تدرس فی شعر عزّ الدین المناصرة - علی حدِّ ما نعلم - ومن هنا حاول البحث أن یکشف عنها، ویستجلی أبعادها. مفهوم الانزیاح إنّ هذا المصطلح قد عرف بالفرنسیة علی أنّه (Ecart) وبالإنجلیزیة (Deviation) وقد اختلفت تسمیات هذا المصطلح بالنقد الغربی، وذلک باختلاف النقاد الذین تعاملوا معه ومن هذه المصطلحات حسب تصنیف عبد السلام المسدی:
وهذه المصطلحات جمیعها دوالّ لمدلول واحد، حیث أطلق علیها عدنان بن ذریل: "عائلة الانزیاح" فمفهوم الانزیاح متصل بمعرفة ما ینقل الکلام من السمة الإخباریة إلی السمة الإنشائیة وذلک بتصرف «مستعمل اللغة فی هیاکل دلالاتها وأشکال تراکیبها بما یخرج من المألوف» (المسدّی، 2006م: 124- 125)، بذلک فـ«الانزیاح اختراق مثالیة اللغة والتجرّؤ علیها فی الأداء الإبداعی، بحیث یفضی هذا الاختراق إلی انتهاک الصیاغة التی علیها النسق المألوف أو المثالی، أو إلی العدول فی مستویی اللغة الصوتی والدلالی عمل علیه هذا النسق.» (رشید الددة، 2009م: 15) الانزیاح فی رؤیة جیفری لیتش[1] یصف جیفری لیتش، وهو لغوی إنجلیزی، الانزیاح بأنّه نتیجة للتوازن أو القَوعدة (إضافة قواعد إلی قواعد اللغة القیاسیة) والانحراف (خروج عن القواعد السائدة فی اللغة المألوفة) (Leech, 1969: 36-38) ویعتقد أنّ الانزیاح مقبولٌ إذا لم یُخلّ عملیة التخاطب ولا یمسّ بإیصال الرسالة إلی المتلقّی. (صفوی، 1373ش: 43) فی رؤیة لیتش، إنّ الانحراف یرتبط ارتباطًا مباشرًا مع القواعد السائدة فی مألوف اللغة؛ لهذا السبب، قبل أن یشیر إلی أنواع الانزیاحات، قام بدراسة بنیة اللغة وقسّمها إلی النمط العادی والفنّی أو الإبداعی. فی النمط العادی، یستخدم منشئ الأثر الإمکانیات التقلیدیة إلا أنّه فی النمط الفنّی (الإبداعی) یبحث عن عالم جدید ما وراء القیود الأدبیة ویعتقد أنّ التمیّز یقع علی المستویات الثلاثة أی: علم الدلالة، والشّکل، والتحقق الصوری. (Leech, 1969: 36-38 ) فبالتالی، وفقاً لنظریة التّمیّز، قسّم الانزیاح علی ثمانیة أقسام: المعجمیة (الخروج عن طرق صنع الکلمات فی اللغة المعیاریة وخلق المفردات الجدیدة) النحویة (الإخلال فی ترتیب قواعد اللغة) الدلالیة (انتهاک الخصائص الدلالیة التی تحکم علی استخدام المفردات فی اللغة القیاسیة) والإیقاعیة (خروج عن القوانین السائدة فی علم العروض) الزمنیة (استخدام الأشکال التی کانت شائعة فی اللغة)، الأسلوبیة (خروج عن النسق الحاکم فی اللغة إلی نوع حواری منها) والکتابیة (کسر نظام کتابة المألوف (. (صفوی، 1373ش: 40-43) أما فی هذا البحث، فدرسنا الملامح الانزیاحیة التی لها أکثر حضورًا وانتشارًا فی أشعار عز الدین المناصرة الذی حفل شعره بها ومنها: الانزیاح الإیقاعی، والکتابی، والترکیبی (النحوی)، والأسلوبی، والدلالی. الانزیاح الإیقاعی والمراد بالانزیاح الإیقاعی یعنی «خروج الشاعر عن القواعد الشعریة المتعّلقة بالوزن والقافیة والإیقاع عمومًا فیطرح لنا ما یسمى"بالانزیاح الصوتی أو الإیقاعی".» (أبوالعدوس، 2007م: 187) فیکون الانزیاح عن القاعدة المتمّثلة فی الصور العروضیة الصحیحة التی نصّ علیها العروضیون، وذلک باللجوء إلى الصور العروضیة المزاحة والمتغیرات وهذه المتغیرات یمکن أن نقسمها قسمین: قسما عرفه الشعر العربی القدیم، ونصّ علیها علم العروض، وقسما ثانیا استحدثه الشعراء العرب المعاصرون مع حرکة الشعر الحر خاصة، وإذا کان القسم الأول انتهاکًا للشکل النظری لصور بحر من البحور الشعریة، فإن القسم الثانی یعتبر تمادیا فی الخرق والانتهاک، وذلک من أجل خلق لغة أدبیة تختلف عما سواها بفضل نسقها الشعری المتفرّد. (قاسی، 2008م: 40) سنعمد إلى تجلیة الانزیاحات الصوتیة فی البناء الشعری عند عزالدین المناصرة من خلال دراسة العناصر الصوتیة المساهمة فی بنائه، حیث کان المزج بین التفعیلات من أکثر الظواهر المنزاحة عن المعیار العروضی فی المستوی الخارجی، کما أنّه استعان فی هذا المستوی بالقوافی المتداخلة لیعبّر عمّا یجیش فی قلبه من خلجانات وأحاسیس. المزج بین التفعیلات قد جرّب بعض الشعراء المعاصرین قضیة المزج بین البحور ورأوا أنّ هذه التقنیة تساعدهم للتخلص من الإیقاع الواحد وهو ما سیوضحه سید البحراوی رابطاً إیّاه بجانب التلقّی، إذ یقول: «إذا کانت ظاهرة المزج بین الوزن ومجزوءاته تواصلاً، من ناحیة، مع إمکانیات الأشکال السابقة، ومن ناحیة أخری خروجاً واضحاً علی الشّکل التقلیدی، ولکن فی حدود لا تصدم ذوق المعاصرین السمعی الذی تربّی لمئات السنوات علی الاستمتاع بموسیقی الشکل التقلیدی، فإنّ الظاهرة الثانیة، وهی المزج بین أکثر من وزن فی القصیدة الواحدة تبتعد بنا أکثر عن الشکل التقلیدی وعن الذوق السمعی التقلیدی.» (البحراوی، 2006م: 112) فإذا تصفّحنا دیوان المناصرة فإننا نجد هذا الأسلوب فی المزج بین البحور شائعاً فی دیوانه، حیث عثرنا له علی نماذج کثیرة فی إحدی قصائده؛ إذ یضمّ المقطع الواحد عنده فی کثیر من الأحیان بحرین أو بحوراً متعددة یتم الانتقال بینها بطریقة مفاجئة کما نجد فی هذا المقطع الذی یمزج بین الرمل والکامل: الإِذَاعَاتُ تُحَارِبْ: (فَاعِلاتُنْ/ فَعِلَاتُنْ) أَیُّهَا المُهْرُ العَنِیدْ: (فَاعِلاتُنْ/ فَاعِلاتْ) قُلْ لَنَا مَاذَا تُرِیدْ: (فَاعِلاتُنْ/ فَاعِلاتْ) فَسِّرْ لَنَا هَذِی الْمَصَائِبْ: (مُتْفَاعِلُنْ/ مُتْفَاعِلُنْ/ مُتْ) هَلْ تَخَلَّیْتَ عَنِ الحَرْبِ وَرُوحُ النَّاسِ فِی الْأَنْفِ تُحَارِبْ: (فَاعِلُنْ/ مُتْفَعِلُنْ/ مُتْفَعِلُنْ/ مُتْفَاعِلُنْ/ مُتْفَعِلُنْ/ مُتْ ... فقد جاءت الأبیات الثلاثة الأولی علی الرّمل مع زحاف الخبن (حذف الثانی السّاکن) وعلّة القصر (وهو حذف ثانی السبب الخفیف وتسکین ماقبله) وبقیة الأبیات علی الکامل إلا أنّه فی هذا البحر التزم بزحاف الإضمار (تسکین الثانی المتحرّک) والخزل (اجتماع الإضمار والطی). لجأ المناصرة إلی مثل هذه الانزیاحات لیرینا أنّه لا یکون مضطراً للتقیّد بالصور القدیمة للبحور، بل إنّ فی مقدوره، أن یدخل من التغییر ما یقدّم معه صوراً جدیدة لهذه الأوزان فبذلک تخلّی عن القیم الموسیقیة فی أدائه لتجدید نشاط السّامع، أو التغلّب علی رتابة الوزن أو للتعبیر عن انعطاف فی مشاعره، أو للتوسل بمثیر جدید یصافح أذن السّامع. إنّ هناک خاصیة ثانیة تتمیّز بها معظم قصائد الشاعر - إن لم نقل جمیعها- هی أنّها مقسّمة إلی مقاطع یستقلّ کل مقطع منها ببحر کما نجد فی هذا النموذج من قصیدة «قِفَا .. نَبکِ»: یَا سَاکِنَاً سِقْطَ اللَّوَی: (مُتْفَاعِلُنْ، مُتْفَاعِلُنْ) قَدْ ضَاعَ رَسْمُ المَنْزِلِ: (مُتْفَاعِلُنْ، مُتْفَاعِلُنْ) بَیْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ: (مُتْفَاعِلُنْ، مُتَفَاعِلُنْ) *** مُقِیمٌ هُنَا أَشْرَبُ الخَمْرَ فِی حَانَةٍ: (فَعُولُنْ، فَعُولُنْ، فَعُولُنْ، فَعُولُنْ/ فَعُو) قُرْبَ رَأسِ المُجَیْمِرِ کُلَّ مَسَاءْ: (لُنْ/ فَعُولُنْ، فَعُولُ/ فَعُولُ/ فَعُولْ) *** ضَاعَ مُلْکِی: (فَاعِلَاتُنْ) فِی دُرَی رَأْسِ المُجَیْمِرْ (فَاعِلَاتُنْ، فَاعِلَاتُنْ) کما نلاحط أنّ المقطع الأوّل جاء علی الکامل والثّانی علی المتقارب والثالث علی الرّمل «ولا شک أن طبیعة التفعیلات النغمیّة یضفی حرکیة متمیّزة على نصوص عزّالدین المناصرة بتنوعها وفاعلیتها المُستمدة من تباین المواقف الذاتیة» (بهلول، 2016م: 109) «فالصورة الموسیقیة فی تدفقاتها الانفعالیة مرتبطة بمدى الحرکات النفسیة التی تمر بها الذات المبدعة، ومن ثمة یکون انتهاء الجملة الشعریة خاضعا لانفعالات الشاعر والذی لا یمکن لأحد أن یحدده سواه، وذلک وفقا لنوع التدفقات والتموجات الموسیقیة التی تموج بها نفسه فی حالته الشعوریة.» (فیدوح، 1998م: 468) أمّا من ناحیة استخدام القوافی فندرک أنّه استخدم أشکالاً مختلفة منها فی قصائده، إلا أنّ القوافی المتداخلة کانت أکثرها انتشاراً ورواجاً لدی الشاعر فهی تعنی «وجود قواف فی بدایات أو أواسط أو نهایات الأبیات طبقا لمقتضیات البناء الإیقاعی» (عبد الوهاب، لاتا: 140)، وهى «قافیة داخلیة لا تشبه الأنواع السابقة من القوافی التى تُخْتم بها الأبیات ولاتستخدم لحبس الصوت فی نهایة البیت الشعری وإنما یتم توزیعها على جسد القصیدة» (الحنفی، 2006م: 228)، حیث یتغیر مکان القافیة، إذ ترد أول مرة فی نهایة السطر، ثم تتکرر فی بدایة السطر الثانی، أو فی وسط السطر أو نهایة السطر الثانی، وهو ما یعد انزیاحا عن الشعر القدیم. لننظر إلى هذه القافیة لدی الشاعر المناصرة فی قصیدته (قاع العالم) علی تفعیلة (کامل) حیث یقول: زَمَنٌ مَقلُوبٌ، کَالْبَحْرِ الْمَقْلُوبْ یَا عَرَقَ العَالَمْ، یَا حَقْلَ اللَّیْمُونْ یَا إِثمَ الْعَالَمْ، یَا بَحْرِی الْمَوجُوعْ اِخْلَعْ عَنْکْ لِحَافَ التُّوتْ والملاحظ أنّ مکان القافیة فی هذا المقطع لیس مألوفاً بل هو مضاد لما هو معتاد فی الشعر القدیم الذی حدد للقافیة إطارها المکانی فی نهایات أبیات القصیدة فنلاحظ فی الشطر الأول کلمة "مقلوب" وقد وردت فی نهایة ووسط السطر الشعری فشکّلت نوعا من القافیة المتجاوبة، وفی النموذج الثانی تتردد کلمة "العالم" فی وسط السطر الشعری الثانی والثالث مشکلةً أیضا نوعاً من القافیة المتجاوبة. أمّا فی المستوی الداخلی فدرسنا الانزیاحات الصوتیة من خلال محور التکرار، وهو الغالب عند عزالدین المناصرة مما نراه ذلک عینة أسلوبیة فی قصائده إلا أنّ التکرار اللفظی کان من أکثر أنواعه انتشاراً ومن مثل ذلک قوله فی قصیدة "هل بقیت فی المدینة حداثة أیّها السیّد": لِنَفْتَرِضْ، لِنَفْتَرِضْ، لِنَفْتَرِضْ مَثَلاً، مَثَلاً، مَثَلاً أَنَّ مِزَاجَ السَّیِّدْ کَانَ مُعْتَکِراً فِی ذَلکَ الصَّبَاحْ لِنَفْتَرِضْ بأنَّهُ ... أَعَادَنِی مِنَ المَطَارْ، بِتُهمَةِ الوَقَارْ لِنَفْتَرِضْ أَنَّنِی مَازَحْتُهُ، بِنُکْتَةٍ مَلْغُومَةٍ کما هو معلوم أنّ الشاعر لجأ إلی نوع من التکرار نجده فیما یسمّی بـ "تکرار اللازمة" وهی اللفظة أو العبارة (لنفترض هنا تحدیداً) التی تکرر علی مسافات مختلفة من أجزاء النص فتحدث بنیتها الصوتیة المتماثلة انزیاحاً صوتیاً یربط المتلقّی بما مضی من أجزاء القصیدة ویشدّه إلی ما سیأتی منها؛ «لأنّها تفصل بین الأجزاء وتصل بینها فی الوقت نفسه، بمعنی أنّها تفصل لإفادة انتهاء مسرودیة ذات معنی جزئی وتصل بین المسرودیات کلّها صوتیاً لإکساب النص بناءه المعامری العام.» (المساوی، 1994م: 79) وإذا دققنا النظر فی هذا المقطع نری أنّه استخدم أنماطاً أخری من الانزیاح الإیقاعی وهی استخدام القافیة المتجاوبة والمزج بین التفعیلات. أمّا القافیة المتجاوبة فنراها فی الشطر السادس، حیث أتی بالقافیتین "المطار .. الوقار" وقد وردت فی نهایة ووسط السطر الشعری، فشکلت نوعا من القافیة المتجاوبة؛ کما أنّه استعان بالمزج بین التفعیلات فی الشطر الأخیر مما نری أنّه مزج بین تفعیلة "مُتَفعِلُن" و"فاعلاتن" واللجوء بمثل هذا الخروج یدلّ علی الخروج من صوت إلی صوت آخر بالإضافة إلی أنّه استثار إحساس المتلقّی وشدّ انتباهه بالنسبة إلی النصّ. الانزیاح الکتابی «یُعدُّ تنظیم الشکل الکتابی للشعر من أهم تجلیات النص الشعری» (محسنی وکیانی، 2013م: 91) لأنّ «تنظیم الکتابة الشعریة یسمح برصد جملة من قوانین العلاقة بین النسبة الشعریة واللغة العامة، فالشکل الخطی لایمثل أسلوباً ولا نظاماً تعبیریاً فی أی لغة طبیعیة، أما الحال فی النص الشعری، فإنَّه على العکسِ من ذلک، إذ إِنَّ الترتیب الکتابی للنص یأخذ أهمیته الخاصة وهو مایصطلح علیه الانزیاح الکتابی» (إبراهیم محمّد، 2014م: 106) فهو «عبارة عن کسر نظام کتابة المألوف» (المصدر نفسه: 99)، للانزیاح الکتابی أشکال مختلفة منها: - تفتیت الکلمة أو تشذیرها من النماذج التی استخدمها المناصرةأسلوب التفتیت أو ظاهرة التقطیع الکتابی، ونعنی به «تقطیع کلمة أو مجموعة کلمات إلى أجزاء متعددة داخل القصیدة، فهو عدول بصری فی طریقة الرسم الکتابی العادی للمفردات الشعریة، تعبیراً عن البعد النفسی لدلالة المفردة المقطعة فی القصیدة.» (محسنی وکیانی، 2013م: 91) فکلّ ما یخرق المألوف، یثیر الدهشة ویکشف عن عملیة إبداعیة تجسد قدراتها التأثیریة فی المتلقی، لذلک تعد ظاهرة «التفتیت أو التشذیر أو بعثرة الکلمات على الصفحة من أبرز مظاهر التشکیل الذی یمیز القصیدة الجدیدة، وشکلاً من أشکال التجدید الصیّاغی والتحریر البصری والتشکیل الحرفی، وجزءا من الثورة اللغویة.» (منیر، 1997م: 179) استخدم الشاعر أسلوب التفتیت أو ظاهرة التقطیع فی عدّة مواضع، وقد عثرنا علیها فی قصیدة "هل بقیت فی المدینة حداثة أیُّهَا السَّیّد": مَاذَا کَانَ سَیَحْدُثُ، یَا تُرَی لَوْ أَنَّ امْرَأَةً ... مَثَلاً، لَوْ أَنَّ قَصِیدَةً جَدِیدَةً ... مَثَلاً، هَبَطَتَا فِی لَیْلَةِ الْمَجْزَرَةْ عَلَی فِلادِیمیرْ ... مَا ... یَا ... کُو ... فْسْکِی من خلال هذا النموذج یظهر لنا أنّ الشاعر بتقطیع کلمة "مایاکوفسکی" أبدع لوحة تعبیریة جدیدة خرجت عن معاییر شکل الکتابة الاعتیادیة فی صیاغة الفضاء البصری للقصیدة؛ حیث إنّ هذا النمط من الکتابة بالإضافة إلی إثارة الدهشة لدی المتلقّی ومفاجأته، یسهم فی صنع الجانب الشعری من البعد البصری للنص. - البیاضاتالمنقّطة یعدّ البیاض عنصراً من عناصر النص البصری لإنتاج الدلالة؛ لأن البیاض فی هذا الإطار هو لغة تتکلم وتثیر القارئ للبحث فی دلالة ذلک الصّمت الناطق، (بن محمد، 2016م: 168) وکأنّه الکلام الذی یقوله الکاتب، حیث إن مساحة البیاض هی «إعلان عن تفاعل الصمت مع الکلام، وتفاعل البصری مع السمعی فی بناء إیقاع النص.» (بنیس، 1990م: 127) إنّ البیاض هو الذی یتیح للقارئ الربط بین أجزاء النص حتّی تتشکّل الدلالة، إذ إنّ هذا البیاض «هو الذی یشیر إلی أنّ النص قد قام بتغییب بعض العناصر التی یجب أن تربط بین أجزائها، ومن ثمّ، فهو الذی یصل بین مفاصل النص.» (حسنی، 2013م: 27) إنّ المتأمّل فی شعر المناصرة یلاحظ أنّه وظّف هذه التقنیة فی قصائد کثیرة، بحیث لایمکننا أن نحصرها فی مجموعة دون الأخرى، فتفصل بین عناصر الترکیب بهذه النقاط باعتبارها مظهراً من مظاهر الحذف والإیجاز تترک للقارئ حریة التأویل. ومن أمثلة هذه الظاهرة الأسلوبیة، ما نلحظه فی قصیدته "رذاذ اللغة": قَالَتْ لِی: یَکْفِی کَذِباً یَا هَذَا، وَادْخُل فِی الجُملَةِ، دُونَ مُقَدَّمَةٍ، وَبَهَارٍ، وَتَوَابِلْ وَدَخَلْتُ حَدِیقَتَهَا کَرَذَاذٍ، قَالَتْ: أَ ... وَ ... لَسْتَ القَائِلْ: ... ... ... ... ... ... ... کما هو معلوم إنّ الشاعر من خلال هذا المقطع قد أخفی جزءاً من الکلام (مفعول القائل تحدیداً) معوضا إیاه بالبیاضات المنقطة، حیث «إنّ الشاعر بتوظیفه هذه التقنیة التی تجمع فی هذا الشکل الکتابی یجعلنا أمام نصین: نص مغلق بالکتابة، ونص مفتوح بالبیاض» (بن محمد، 2016م: 170) وبالتالی فالشاعر عن طریق هذا التشکیل یبدو أنه یهتمّ بالقارئ وکأنه یرید أن یلفت انتباهه إلی النص مما یؤدّی هذا النوع من البیاض إلی إثارة دهشته. ومثل هذا النمط من الکتابة نراه فی قصیدة "لا تغازلوا الأشجار حتّی نعود"حیث قال: زَعَمَتِ الکَذَّابَةْ، بِنتُ الکَذَّابَةْ، بِنتُ الکَذَّابَةْ أَنَّنِی غَیْرُ قَادِرٍ عَلَی مُوَاجَهَةِ الفَاسِدِینْ صَرَخَتْ فِی وَجْهِی قَائِلَةً: یَا هَذَا، یَا هَذَا أَلَسْتَ أَنْتَ القَائِلْ: ............!!! بالتأمل فی هذا المقطع الشعری نجد أنّ الشاعر صوّر للمتلقّی امرأة کذابة تزعم أنّه لا یستطیع أن یواجه المفسدین، حیث تصرخ علی وجهه وتخاطبه دون احترام وتقدیر مما نری مثل هذه الإهانة فی استخدام أسلوب النداء "یا هذا" وتسأله بأسلوب تقریری إلا أننا لا نجد نص السوال فی المقطع بل حذفه الشاعر وجعل البیاض المنقّط بدله لیثیر انتباه المتلقّی ویسایره فی معرفة اللاقول المحذوف وهذا ما یدفع بالمتلقی لهذا الشکل من التعبیر أن یجتهد فی فک مغالیق هذا الصمت. - السطر المتساقط إنّ نمطاً آخر من أنماط الانزیاح الکتابی الذی استخدمه المناصرة فی قصائده هو السطر المتساقط ونعنی به « السطر الذی یتخذ شکلاً متقاطراً على فضاءِ الصَّفحة الشعریة وذلک بصورة عمودیة من الأعلى إلى الأسفل ویقدم هذا السَّطر الشعری مثیرات وحوافِز تشُدُّ عین المتلقی باتجاه هیأتها التی تحدث نوعاً من الصدمة التی تکسر أفق توقعه وتحمله على مُساءَلةِ هذا النوع من أشکالِ الکتابة والوقوف على أهم ایحاءاتها فی النص الشعری» (إبراهیم محمّد، 201م: 107-108) إذا تصفّحنا قصائد المناصرة نری أنّه لجأ إلى بناء السّطر الشعری على نحو متساقط؛ مثل قوله فی قصیدة "بین الصفا والمروة": وَهَا أَنَا مُعَلَّقٌ عَلَی هَوَاءٍ فَاسِدٍ عَلَی ذِرَاعِ سَرْوَةْ وَهَا أَنَا أَسْعَی مِنَ الصَّفَا إلی المَروَةْ هذا الشکل من الکتابة الشعریة لا یؤثر فی السامع بقدر ما یؤثر فی القارئ؛ لأن «إیجاد هذا النوع من الکتابة موجه إلى القارئ دون السامع، إذ لم یعد الأداء الشعری مقتصراً على حاسة السمع، بل تعداها إلى الإمتاع البصری مکرساً بذلک عدوى الفنون التشکیلیة.» (السّعدنی، لاتا: 142) فبالتالی إنّ الخطاب الشعری لدی المناصرة یوفّر للمتلقّی متعتین هما: متعة الأذن ومتعة العین وهذا خلاف ما کان یوفره الشکل السابق (الشکل العمودی) الذی التزم بعداً واحداً هو البعد السماعی. الانزیاح الترکیبی (النحوی) قال جان کوهن: إن النحو هو الرکیزة التی تستند إلیها الدلالة فبمجرد ما یتحقق الانزیاح، بدرجة معینة، عن قواعد ترتیب وتطابق الکلمات تذوب الجملة وتتلاشی قابلیة الفهم ویری بأنّ العلاقة بین الألفاظ تعینها مواقعها الخاصة أکثر مما تعینها حرکتها الإعرابیة وقد نری بأن نظام الکلمات تنزل المحدَّد قبل المحدِّد والمسند إلیه قبل الفعل، والفعل قبل الفضلة (المکملة) وأی انحراف عن هذه القاعدة یسمّی القلب. (کوهن، 1996م: 180) للانزیاح الترکیبی أشکال مختلفة إلا أنّ أکثرها انتشاراً فی دیوان عز الدین المناصرة هی التقدیم والتأخیر والاعتراض. - التقدیم والتأخیر یعد التقدیم والتأخیر من أهم المیزات الأسلوبیة، ولیس ذلک لکون تقدم شیء بعینه عن شیء آخر بل للدور الدلالی والجمالی الذی یلعبه هذا الخرق من تقدیم وتأخیر لهذا فإنّ التقدیم والتأخیر فی الجملة العربیة من المباحث الهامة التی حظیت بعنایة کبیرة من قبل الّنحاة والبلاغیین، فالتقدیم والتأخیر فی المنظور النّحوی «هما اللذان یخرقان عرف الجملة العربیة ویشوش ترتیبها ویثیر انتباه المحّلل.» (السّد، 2007م: 175) النقطة التی یجب الانتباه إلیها هی أنّ طبیعة الشعر أحیاناً قد تسهل هذه المهمة إلی حدٍّ کبیر؛ لأنّ الترکیب فی الشعر لیس کما هو فی النثر، وذلک لأنّ الشعر یخضع لعوامل أخری تتعلق بالوزن والموسیقی الداخلیة ونحوهما مما لا یسمح بحریة حرکة تنقل عناصر الجمل کما لو کانت فی ترکیب نثری عادی، ویقول عباس حسن فی التقدیم الجائز: «بغیر نظر لما تقتضیه الأوزان الشعریة أحیاناً من وجوب التقدیم والتأخیر لمراعاة الوزن وحده والمحافظة علیه، فلو لم نراع الوزن الشعری لجاز الأمران کما فی النثر أیضاً.» (حسن، لاتا، ج1: 492) کثیراً ما نری أنّ المناصرة لجأ إلی التقدیم والتأخیر ومن مظاهر التقدیم والتأخیر فی الجملة الاسمیة، تقدیم الخبر علی المبتدأ، مثل قوله فی قصیدة "لسبب عاطفی إغریقی": مُعْتَمَّةٌ أَحْلَامُنَا مَنْ یَمْنَحُ الغَرِیبَ فِی تَرْحَالِهِ تَأشِیرَةَ الدُّخُولْ لا شک أنّ المعنی سیکون مفهوماً بذات الدرجة لو قال الشاعر (أحلامنا معتمّة)، فالخبر الذی یرید الشاعر إیصاله للمتلقی سیصل بکلا الترکیبین، ولکن الغرض لیس مجرد إیصال هذا الخبر إلی المتلقّی فحسب، ولکن الشاعر أراد استخدام الخبر کأساس للتأثیر والتحذیر والتنبیه إلی خطورة الأمر؛ لذلک لجأ إلی تقدیم الخبر؛ لأنّه (التعتیم) هو الغرض المتعمد بالذکر وقد یمکن أن یسأل القارئ أنّ الوزن الشعری اقتضی بهذا التقدیم؛ لأنّ کل تقدیم فی الشعر لا یکون دائماً لغرض یتعلّق بالمعنی بل یتعلّق لغرض یتعلّق بالبنیة الشکلیة أو بموسیقی الکلام إلا أنّ هذا الکلام یُرفض إذا دققنا النظر فی التفعیلة التی اختار الشاعر؛ لأنّه لو قال "أحلامنا معتمّة" لما اختلّ رتابة الوزن؛ وبإمکاننا أن نؤخر هذا التقدیم دون أن یؤدّی البیت من الخلل فی الوزن فالبحر الذی اختاره فی هذا البیت هو الکامل "مُتفَاعِلُن"" فهذا یعنی أنّ تفعیلة "أحلامنا" لا تختلف مع تفعیلة "معتمّةٌ" وکلاهما (متفاعلن) یساوی من حیث الوزن. ومن مظاهر التقدیم والتأخیر فی الجملة الفعلیة، تقدیم الفاعلعلى الفعل مثل قوله فی قصیدة "الأفعی": الأَفْعَی لا تُخْلِی جُحْراً إلّا بِالفَأسْ الأَفْعَی لا تَرْحَلُ بِالمُوسِیقَی الأَفْعَی لا تَرْحَلُ إلّا إِنْ قَطَعَ الرَّأسْ کما نلاحظ أنّ المناصرة استخدم "الأفعی" عنواناً لقصیدته وهی رمز للإسرائیلیین الذین غصبوا أرض فلسطین ولطخوها بسمومهم وقسوتهم وکما أنّ سمّ الأفاعی یضرّ بالذین تنهشهم کذلک الإسرائیلیون یضرّون بفلسطینیین بمکرهم وظلمهم، لذا یرید الشاعر من أبناء شعبه أن یواجهوا الإسرائیلیین بالقوّة الصارمة ولإلقاء هذا المفهوم قدّم الفاعل (الأفعی) علی الفعل. فأصل الکلام أن یقول: لا تخلی الأفعی/ لا ترحل الأفعی، فبهذا التغییر فی ترتیب عناصر الجملة أعطى الشاعر دلالة خاصة على القصیدة، مما أحدث أثرا جمالیا متمیزا لدى المتلقی. - الاعتراض هو اختراق بنیة النص بوحدة لغویة غریبة عن ترکیبه أو کمایعرفه أبو هلال العسکری بقوله: «الاعتراض کلام فی کلام لم یتم، ثم یرجع إلیه فیتمه.» (العسکری، 2006م: 360) وینقله حسن طبل عن الحاتمی هو «أن یکون الشاعر آخذا فی معنى، فیعدل عنه إلى غیره قبل أن یتم الأول، ثم یعود فیتممه فیکون فیما عدل إلیه مبالغة فی الأول، وزیادة فی حسنه.» (طبل، 1998م: 18) ومن جمالیات الاعتراض «هی إمتاع المتلقی وجذب انتباهه بتلک النتوءات أو التحولات التی لا یتوقعها فی نسق التعبیر؛ لأن الکلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب کان ذلک أحسن تطریة لنشاط السامع، وإیقاظا للإصغاء إلیه من إجرائه على أسلوب واحد.» (المصدر نفسه: 26) ویمکن أن یکون فی أی مکان من الجملة بین متلازمین، کالمبتدأ والخبر، أو الشرط وجوابه، أو الصفة وموصوفها، أو الفعل وفاعله ومفعوله. کان عز الدین المناصرة من الشعراء الذین أکثروا فی استخدام هذه التقنیة، ولا نری قصیدة إلا وفیها نمط من أنماط الاعتراض وهی جزء لا یتجزأ من النص المناصری وإن عدّت هذه الجمل وحدة لغویة زائدة فی النص؛ إلا أنّها قد خدمت نص المناصرة علی وجه مبین، حیث تواترها جعلها ملمحًا أسلوبیًا لدی الشاعر. من أشکال الاعتراض الشائعة لدی عز الدین المناصرة اعتراض فی الجملة الفعلیة، منها اعتراض الکلام بین الفعل والفاعل کما أتی به فی قصیدة "بین الصفا والمروة"، حیث قال: مَرْمَرَتْنِی – آهِ یا أُمِّی- الوُعُودْ وَصَهِیلُ الخُطَبَاءْ حَطَّمَتْنِی سَنَةَ بَعْدَ سَنَةْ غالباً ما نری أنّ الاعتراض بین الفعل وفاعله یکثر بالجار والمجرور مثل قوله فی قصیدة "توقیعات": قَالَ الرَّاوِیْ: یَا سَادَةَ هَذِی الْأَنحَاءْ لَولا الغِیرَةْ ... لَولا الغِیرَةْ مَا حَبَلَتْ – فِی هَذَا اللَّیلِ – أَمِیرَةْ فی هذا البیت نجد الاعتراض فی الشطر الثالث، قد جاء بحرف الجر والمجرور، (فی هذا اللیل) معترضاً بین "حبلت" وفاعلها "أمیرة" و لهذا التعبیر المعترض دور دلالی فضلا عن دوره الجمالی، حیث أشار إلی لیل من اللیالی الخاصة. وردت اعتراضات أخرى مختلفة منها ما فصل بین معطوفین، ومن ذلک قوله فی قصیدة "بین الصفا والمروة": مَرَّتِ الأَیَّامُ والْأَشهُرُ – قُولِی – وَالسِّنُونْ أَکَلَتکَ الغُمَّةُ الصَّفرَاءُ یَا طِفلِی الْحَزِینْ کما نلاحظ أنّ فعل الأمر "قولی" جاء معترضاً بین المعطوف "السنون" والمعطوف علیه "الأشهر" لیدلّ علی أنّ الأمر لا یتعلق بالأیّام والأشهر فقط، بل تجاوزعنهما إلی السنون، وهذا الاعتراض یزید من شدة الهموم، ذلک أن الهموم والأحزان کانت ولاتزال معه وهو یعیش مع الحزن سنة بعد سنة. الانزیاحالأسلوبی هذا النمط من الانزیاح هو استخدام اللون الحواری من اللغة فی الشعر والذی إذا استفید دقیقاً وصحیحاً یؤدّی إلی غناء اللغة وأیضاً یسبب التواد فی الشعر ویمکن أن ندرس من الجهات المختلفة قیمة الانزیاح الأسلوبی : ١- التغییر فی فضاء الشعر ٢- التغییر فی موسیقی الشعر ٣- ایجاد التواد فی فضاء الشعر. (صفوی، 1373ش: 53) إنّ ورود ألفاظ عامّیة فی النصوص الشعریة التی تکتب باللغة الفصحی یعدّ انزیاحاً داخلیاً علی مستوی النّص والقارئ «عندما یمضی فی قراءة هذه النصوص یصادف بعض الکلمات العامّیة ویقف أمامها متسائلاً عن سرّ تغییر الشاعر لنسق اللغة، وهذا التساؤل بحدّ ذاته یشکّل توتراً وإثارة وصدمة؛ لأنّ ذلک یخالف توقع القارئ.» (ربابعة، 2000م: 115) استعان الشاعر بهذا الانزیاح فی الکثیر من قصائده ومع هذه التقنیة استطاع أن یخلق فی شعره فضاء حارًا وجاءت النماذج منه فیما یلی : قَالَتْ – وَهُوَ یُنَاوِشُهَا – عَنْ بُعْدٍ – طُزْ فِی المِشمِش قَابِلْنِی والملاحظ أنّ الشاعر أتی بکلمة "طُز" التی لا یکون لها أصل عربی وهی کلمة یغلب علیها طابع السخریة أو الاستهجان، أو التهکّم ولأصلها عدّة روایات: «قیل: هی کلمة صوتیة، تستخدم للتهکّم والاحتقار یدانیها بالعربیة الطنز: السخریة. ویقال: وهو الأرجح أنّ أصل الکلمة ترکیّ، من کلمة (Tuz) وتعنی الملح ثمّ أخذت طابع التهکّم العام.» (https://www.almaany.com) علی أیة حال، لو استبدلت بـ"طز" أیة کلمة أخری فصیحة لکانت کلها توصیفات للحالة، ولا توحی بما نفهمه من اللفظة العامیة نفسها التی اخترقت نسیج اللغة الفصیحة لتحدث انزیاحاً نسقیاً. (عمر، 1998م: 87) وقد یبدأ المقطع بلفظة عامّیة إلا أنّها لا تشکّل نسقًا خاصًا بالنص؛ لأنّها تعقبها بالسرعة الألفاظ الفصحی؛ ببیان آخر، إذا سمع المتلقّی اللفظة فی البدایة یظنّ أنّ المقطع الشعری یسرد علی طابع لهجی ثمّ یهیمن علیه النسق الفصیح مثل قوله فی قصیدة "مقهی ریش": رَشْرَشْرَتِ النَّجْمَةُ أَمْطَارًا حَمرَاءْ زَهْرَةُ حَنُّونٍ بَرِّیَةْ الصَّنْدَلُ مَثَلًا، وَالأبْنُوسُ السُّودَانیْ مَوزُونٌ فِی دَبْکَتِهَا لِظَریفِ الطُّولْ "رشرشرت" لفظة عامیة تعنی بالفصحی "تقاطرت" «ورشت العینُ والسماءُ ترُشّ رَشًّا ورَشاشًا والرّش: المطر القلیل وترشرش الماءُ: سال» (ابن منظور، لاتا، مادة رشش) وهی کلمة دخلتها زیادة فی البنیة أی کان أصلها: رشرش إلا أنّ الشاعر أضاف الراء فی بنیة الکلمة لیحوّلها إلی العامّیة فهو بهذا الشکل حدث ضرباً من الانزیاح الداخلی بتغییر نسق اللغة فیه وإذا دققنا النظر نری أنّه جاء فی الشطر الرابع نمطًا آخر من اللفظة العامّیة ألا وهی کلمة "دبکة" وقد یستخدم الشاعر اللفظة العامیة؛ لأنّها أکثر مرونة فی الاستعمال بمعنی آخر لو استبدلت بـ"الدبکة" أیّة کلمة أخری فصیحة کالرّقص أو ما رادفها لما خطر ببال القارئ ما بهذه اللفظة من تلطف. (عمر، 1998م: 87) إذا تصفّحنا دیوان الشاعر فنری أنّه لم یکتف بهذا القدر من استخدام الألفاظ العامیة بل لجأ فی کثیر من الأحیان إلی استخدام الأبیات الشعریة کلها عامیة من مثل ذلک قوله فی قصیدة "ملاحظات قبل الرّحیل": ...أَنَا زِیْ مَا کُونْ عَسْکَریْ سَکْرَانْ مَاسْکْ، مِدْفَعْ، سَعْرَانْ أَضْرِبْ فِی الْفَاضِیْ وَفِی المَلیَانْ یَا نَاسْ فِین السّکَةْ لعلّ الغایة التی من أجلها استخدم الشاعر اللغة الدارجة أو الألفاظ العامیة وسیلة للإیحاء والتعبیر هی الإیحاء بمکنونات نفسه، والتفاعل مع ما حوله وهو یحس أنّ اللفظة العامیة تستطیع أن تعبّر عن خلجانات الشاعر وأحاسیسه أفضل بکثیر من الألفاظ الفصحی بالإضافة إلی أنّه بهذا الطریق فاجأ المتلقّی وأحدث نوعاً من الانزیاح. الانزیاح الدّلالی وهو یعنی الخروج من المعنی الأصلی للکلمة إلی معنًی ثانٍ یحدده السیاق فیکون للفظ مدلولان: أوّله قریب ظاهر لیس هو المقصود وثانیه نصل إلیه من خلال الکلمات اللاحقة والسابقة. «الانزیاح الدلالی یعنی الانتقال من المعنی الأساسی أو المعجمی للفظة إلی المعنی السیاقی الذی تأخذه الکلمة حینما توضع فی سیاق معیّن یحدّد معنی الجملة بأکملها، حیث تنزاح الدوال عن مدلولاتها فتختفی – نتیجة لذلک – الدلالات المألوفة للألفاظ لتحلّ مکانها دلالات جدیدة غیر معهودة یسعی إلیها المتکلم.» (النوری الخرشة، 2008م: 37) بما أنّ للانزیاح الدلالی مظاهر متعددة إلا أننا سنتناول المظاهر التی أکثر المناصرة فی استخدامها ومنها: المفارقة والتنافر وتراسل الحواس. المفارقة والتنافر اللونی وهی تکنیک فنّی یستخدمه الشاعر المعاصر لإبراز التناقض بین طرفین متقابلین بینهما نوع من التناقض والمفارقة هی «التناقض فی المعنیین المتناقضین فی الکلام بشکلٍ استخدامها فی الکلام یؤدّی إلی العدول والانحراف.» (وهبه وکامل،1984: ص376) بما أنّ المفارقة تحدث فی الکلام نوعا من المفاجأة فهی تشبه بالاستعارة وخصوصا ما أطلق علیه الاستعارة التنافریة اللونیة التی «هی عبارة عن صورة بلاغیة تقوم على الجمع بین شیئین متنافرین لا تجمع بینهما علاقة منطقیة» (قطوس وربابعة، 1994م: 47) وبذا یکون هذا النوع من الاستعارة، وهی بالفعل قدرة فائقة لدى الشاعر أن یأتی بها، خاصة إذا کانت العلاقة بین الصفة والموصوف فی حالة من التجلی ولا یشوبها الخفاء « فالشاعر یمتلک جرأة فی المزج بین المتنافرات بصورة مدهشة تدعو إلى التساؤل والتأمل، وتفتح آفاقا غنیة من التفسیرات التی تأخذ القارئ إلى عوالم جدیدة لم یسبق له أن وقف أمام سحرها المدهش.» (المصدر نفسه) کثیراً ما نری أنّ المناصرة یقوم بالإبداع ویأتی بالتراکیب اللونیة المنزاحة عن نمط التعبیر بالمألوف، فهو یسعى إلى تقدیم دوال لونیة بتوظیف جدید غیر معهود ولا مألوف من قبل، ومن ذلک قوله: المَطَرُشَدِیدٌجِدّاًفِیالمَنْفَىالرِّابِعْ والغَیمُالقَاتِمْ یَملأُدَربِیْ وَالثَّلْجُالأسْوَدُفِیالطُّرُقَاتِالصَّیْفِیَّةْ وَالمَطَرُالحُزنُعَلَىوَجهِیالسَّاهِمِشَدیدٌیُشْبِهُتِلکالأیَّامَألاتَذکرْ فکیف یکون الثلج أسود؟! وکیف یکون فی الصیف؟! وکیف یملأ الغیم الطرقات؟! إنها أسئلة تکشف البعد المجازی للصورة الملونة بالسواد، سواد المنفى، وضیاع الوطن. (رزقة، 2002م: 371) إن الصفات المألوفة التی یمکن أن یمنحها المعجم للثلج ربما تکمن فی البیاض والنقاء والبرودة والصفاء، غیر أننا نلاحظ أنّ الشاعر هنا أضفى علی الثلج صفة جدیدة دون أن یراعی التناسب بین المستعار والمستعار له؛ لأن مقولة الثلج الأسود خروج على الاستخدام المألوف لللغة. ما جمالیة هذه المفارقة؟ إنّ هذا التعبیر (الثلج الأسود) انعکاس لما یعتمل داخل الشاعر من حزن وألم وهو یمثل شذوذا یکشف اختیار الشاعر ما یلائم تجربته ورؤیته السوداویة القاتمة. من المقاطع الشعریة التی تکلّم الشاعر فیها عن التنافر اللونی: فِی هَذَا الصَّبَاحِ المُبَکر جِدَّاً زُرْتُ الأَمْوَاتَ الأَحْیَاءْ الجَبَلُ الأَزْرَقْ کبُحَیْرَةِ السَّمَاءِ الخَضْرَاءْ الملاحظ أنّ ما یفاجئ القارئ فی هذا الترکیب لون السّماء الخضراء وهذا أمر مستحدث؛ لأنّ السّماء غالباً ما توصف باللون الأزرق لصفاءها أمّا أن توصف باللون الأخضر ففیه انزیاح دلالی یدلّ علی البعث والأمل بالمستقبل الزاهر لدی الشاعر حیث بإمکاننا أن نری هذا الأمل من خلال الترکیب المفارقی "الأموات الأحیاء" فهذا یعنی أنّ الذین جاهدوا وماتوا لأجل استقرار الأمن فماتوا ظاهراً ونفی عنهم الموت الحقیقی بقوله "الأحیاء" أی: إنّهم وإن کانوا أموات الأجسام فهم أحیاء الأرواح. الاشتباک الحواسی وهو وسیلة من وسائل تشکیل الصورة الشعریة التی عنی بها الرمزیون، وهو یعنی «وصف مدرکات حاسة من الحواس بصفات مدرکات حاسة أخری، فنعطی للأشیاء التی ندرکها بحاسّة السمع صفات الأشیاء التی ندرکها بحاسة البصر، ونصف الأشیاء التی ندرکها بحاسّة الذوق بصفات الأشیاء التی ندرکها بحاسّة الشم، وهکذا تصبح الأصوات ألواناً، والطعوم عطوراً..» (عشری زاید، 2002م: 78) إنّ هذه التقنیة بوصفها تقنیة منزاحة عن المعیار اللغوی قد شاعت فی دیوان المناصرة حیث وجدنا الکثیر من القصائد التی تتزاحم فیها الصور القائمة علی تراسل الحواس. ومن النماذج الواضحة للاعتماد بشکل أساسی علی هذه الوسیلة من وسائل التصویر الشعری قول الشاعر فی قصیدته "وَکانَ الصَّیفُ مَوعِدَنَا": یَفْتَحُ طَاقَاتٍ فِی الجَهَةِ الشَّرْقِیَّةْ المَاءُ السَّمْحُ بِضَحْکتِهِ البَیْضَاءْ کما هو معلوم أنّ التراسل واضح فی الشطر الثانی ففیه یصف "الضحکة" - التی هی من مدرکات حاسّة السمع- بأنّها بیضاء - وهی صفة من صفات ما یدرک بحاسة البصر فیضفی علیه صفة من صفات مدرکات حاسة البصر کما أنّ المناصرة فی هذا المقطع لجأ إلی التشخیص وهو یعکس من خلالها نفسیته البهجة علی نحو ما نری فی قوله "الماء یضحک ضحکة بیضاء" فالضحکة البیضاء مرتبطة دلالیةً بحالة الفرح کما أنّ الماء السمح (الماء العذب الصافی السلس) مرتبط دلالیًا بالنمو والتطور والحیاة فقد استعار هنا الشاعر صفة الضحک التی هی سمة من سمات الإنسان وألصقه بالماء، فیکون بذلک قد ذکر المشبه وهو الماء وحذف المشبه به وهو الإنسان ولکنه ترک دلالة علیه وهو الضحک، فهذه الصورة الاستعاریة زادت البیت جمالا فجعل کل من یقرأ یتأمل فی الطریقة التی کتب بها هذا البیت. ومن مثل ذلک أیضاً قول الشاعر: أَنَا الغَارِقُ فِی نَرجِسِ المَلُوحَةْ فِی هَمَسَاتِ الرّیحْ، والنَّمِیمَةِ البَیضَاءْ فالعلاقة بین النعت والمنعوت علاقة بعیدة وغریبة؛ إذ النمیمة التی هنا بمعنی "الصوت الخفی، الهمس" ومن مدرکات حاسّة السمع- بیضاء - وهی صفة من صفات ما یدرک بحاسة البصر فیضفی علی السّمع حاسّة البصر (النمیمة البیضاء) سمعی - بصری فلماذا أطلق صفة "البیضاء" علی "النمیمة"؟ إنّ اللون الأبیض یمثّل الصفاء والنقاوة، استعمله الشاعر لیمنح صورته المرئیة تأثیرها فالأبیض هنا دال على جمال النمیمة، ولا سیما أن التشکیل اللغوی الذی وردت فیه یوحی بذلک، لأنّ الشاعر أتی بالمفردات الموحیة علی الجمال منها: نرجس الملوحة وهمسات الریح حیث إنّ نرجس الملوحة نبت من الریاحین لها زهرة بیضاء، ذات رائحة جمیلة وهی زهرة عربیة بالدرجة الأولى، مما تعطی هذه المفردات هدوءاً خاصاً فی جسد النص والأمر الآخر الذی یؤکد علی هذا الهدوء، الترکیب النحوی الدال علی قصر المسند علی المسند إلیه ومبالغته؛ لأنّ الشاعر جاء بالخبر "الغارق" معرفاً بـ"الـ" التعریف وهو مضاد لما هو مألوف فی المعیار النحوی. النتائج بعد أن عالجنا شعر عز الدین المناصرة، ورصدنا أنماط الانزیاح فیه توصّل البحث إلی نتائج یمکن إجمالها فی ما یأتی: بالنسبة للانزیاح الإیقاعی تبیّن لنا أنّ المزج بین التفعیلات کان من أکثر الملامح الانزیاحیة فی الموسیقی الخارجیة، حیث یعدّ هذا الأمر خروجاً واضحاً لیس علی الشّکل التقلیدی فحسب، بل علی الشعر الذی ینبنی علی التفعیلة أیضًا والغرض الرئیس من هذا الخروج تجدید نشاط السّامع، أو التغلّب علی رتابة الوزن أو للتعبیر عن انعطاف فی مشاعره، أو للتوسل بمثیر جدید یصافح أذن السّامع. من ناحیة استخدام القوافی تبیّن لنا أنّه أکثر فی استخدام القوافی المتداخلة وهى قافیة داخلیة لا تشبه الأنواع السابقة من القوافی التى تُخْتم بها الأبیات ولاتستخدم لحبس الصوت فی نهایة البیت الشعری والغرض الجمالی من هذه القافیة یعود إلی تغییر الأصوات وتفتیتها فی ثنایا النص الشعری. أمّا فی الإیقاع الداخلی فالحضور المکثّف یعود إلی نوع من التکرار نجده فیما یسمّی بـ "تکرار اللازمة" وهی اللفظة أو العبارة التی تکرر علی مسافات مختلفة من أجزاء النص فتحدث بنیتها الصوتیة المتماثلة انزیاحاً صوتیاً یربط المتلقّی بما مضی من أجزاء القصیدة ویشدّه إلی ما سیأتی منها. أماّ بالنسبة للانزیاح الکتابی فاستنتجنا أنّه استعان بأشکال مختلفة من الکتابة إلا أنّ ثلاثة منها کان لها أکثر حضورًا فی أشعاره وهی: البیاضات المنقّطة، وتفتیت الکلمات والسطور المتساقطة؛حیث إنّ الغرض الجمالی لهذه الأنماط من الکتابة بالإضافة إلی إثارة الدهشة لدی المتلقّی ومفاجأته، الإسهام فی صنع الجانب الشعری من البعد البصری للنص. أماّ بالنسبة للانزیاح الترکیبی فاستنتجنا أنّ التقدیم والتأخیر قد حظی فی أشعاره بالنصیب الأوفر وهو صورة ترکیبیة منزاحة عن قواعد الصحة الّنحویة ومن خلال هذا الانزیاح تعددت صور عناصر الإسناد فی قصیدة عز الدین المناصرة فنتجت عن ذلک أنماط متنوعة من الجمل ولاحظنا أنّ المقدّم لا یرد اعتباطاً فی نظم الشعر وإنّما یکون عملاً مقصوداً به غرض إلا أنّ الغرض الرئیس یرجع إلی توکید المقدّم والاهتمام به. ثمّ یأتی الاعتراض بالدرجة الثانیة؛ فقد اهتمّ الشاعر بهذه التقنیة، حیث أصبحت جزءاً لا یتجزّأ من النص المناصری والغرض الجمالی لاستخدام هذا النمط من الانزیاح بالإضافة إلی إثارة الدهشة للمتلقّی، یرجع إلی دوره الدلالی والمعترض – اسماً کان أم جملة – لم یکن حضوره مهملًا بل زاد فی النص معنی التأکید وأدّی إلی إزالة الإبهام والغموض. و على مستوى الانزیاح الدلالی خلصنا إلى أنّ المفارقة وتراسل الحواس کانتا من أهمّ الملامح الانزیاحیة تواتراً فی أشعاره مما أدّى استخدام مثل هذه الانزیاحات إلى إکساب شعره بعدا إیحائیا، فهو أبدع صوراً مخالفة للمألوف ولجأ إلى المفارقة اللونیة قاصداً من وراءها المفاجأة وإعطاء معنی جدید للنص أمّا تراسل الحواس فهو من الملامح الانزیاحیة الأخری التی یعتمد علیها الشاعر فی بناء صوره فتبیّن لنا أنّ الصورة البصریة شکلت مساحة واسعة فی دیوانه. فی المستوی الأسلوبی، لجأ الشاعر إلی استخدام الألفاظ العامّیة ومیلاد ألفاظ جدیدة بواسطة التصرف فی بنیة الکلمة وهو لم یکتف بهذا القدر من الانزیاح الداخلی بل قال مقطوعة شعریة تحتوی کلها بألفاظ عامیة والغرض من ذلک بالإضافة إلی إثارة الدهشة لدی المتلقّی، الشعور بحرارة هذه الألفاظ فی تأدیة معانیها. | |||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||
إبراهیم محمد، إسراء. (2014م). «سیمیائیة الشکل الکتابی وأثره فی تکوین الصورة البصریة (شعر محمود درویش أنموذجَا)». مجلة دیالى. العدد الثالث والستون. صص 98- 124 ابن منظور، محمد بن مکرم. (لاتا). لسان العرب. بیروت: دار صادر. أبو العدوس، یوسف. (2007م). الأسلوبیة، الرؤیة والتطبیق. الطبعة الأولی. عمّان: دار المسیرة. البحراوی، سیّد. (2006م). موسیقی الشعر عند شعراء أبوللو. جامعة القاهرة: کلّیة الآداب. بنیس، محمّد. (1990م). الشعر العربی الحدیث، بنیاته وإبدالاته. ج1. المغرب: دار توبقال للنشر. بن محمّد، عامر. (2016م). الخطاب الشعری العربی المعاصر من التشکیل السمعی إلی التشکیل البصری، أطروحة مقدمة لنیل شهادة الدکتوراه فی النقد العربی المعاصر. الجزائر: جامعة الجیلالی بونعامة. بهلول، خدیجة. (2016م)؛ جمالیة الانزیاح الأسلوبی فی شعر السیّاب، رسالة مقدمة لنیل شهادة الماجستیر فی اللغة والأدب العربی. الجزائر: جامعة الجیلالی الیابس. حسن، عباس. (لاتا). النحو الوافی. الطبعة الثالثة. مصر: دار المعارف. حسنی، عبد الغنی. (2013م). حداثة التواصل، الرؤیة الرؤیة الشعریة عند نزار قبانی، دراسة فی الإیقاع واللغة الشعریة. بیروت: دار الکتب العلمیة. الحنفی، معاذ محمد عبد الهادی. (2006م)؛ البنیة الإیقاعیة فی الشعر الفلسطینی المعاصر شعر الأسرى أنموذجاً، رسالة مقدمة لنیل شهادة الماجستیر فی اللغة العربیة تخصص الأدب والنقد والبلاغة. غزّة: الجامعة الإسلامیة. ربابعة، موسی. (2000م). جمالیات الأسلوب والتلقّی. الطبعة الأولی. أربد – الأردن: مؤسسة الحمادة للدارسات الجامعیة والنشر والتوزیع. رزقة، یوسف. (2002م). «مقاربة أسلوبیة لشعر عزالدین المناصرة (دیوان جفرا نموذجاً)». مجلة الجامعة الإسلامیة .المجلد العاشر. العدد الثانی. صص 333- 390 رشید الددة، عباس. (2009م). الانزیاح فی الخطاب النقدی والبلاغی، الطبعة الأولی. بغداد: دار الشؤون الثقافیة العامّة. السد، نور الدین. (2007م). الأسلوبیة وتحلیل الخطاب. الأردن: دار هومة للطباعة والنشر والتوزیع. السعدنی، مصطفى. (لاتا). البنیات الأسلوبیة فی لغة الشعر العربی الحدیث. الإسکندریة: منشأة المعارف. صفوی، کوروش. (1373 هـ.ش). از زبان شناسی به ادبیات. تهران: انتشارات چشمه. طبل، حسن. (1998م). أسلوب الالتفات فی البلاغة القرآنیة. القاهرة: دار الفکر العربی. عبد الوهاب، فاطمة محمد محمود. (لاتا). فی البنیة الإیقاعیة فی القصیدة العربیة لحدیثة (قراءة فی نصوص موریتانیة). الجزائر: دار المعارف. العسکری، أبوهلال. (2006م). کتاب الصناعتین. تحقیق علی محمد البجاوی. محمد أبو الفضل إبراهیم. الطبعة الأولی. بیروت: المکتبة العصریة. عشری زائد، علی. (2002م). عن بناء القصیدة العربیة الحدیثة. الطبعة الرابعة. القاهرة: مکتبة ابن سینا. عمر، محمود عبد المجید. (1998م). الانزیاح فی شعر نزار قبانی، رسالة ماجستیر. أربیل: جامعة صلاح الدین. فضل، صلاح. (1992م). بلاغة الخطاب وعلم النص. الکویت: المجلس الوطنی للثقافة والفنون والآداب. فیدوح، عبد القادر. (1998م). الاتجاه النفسی فی نقد الشعر العربی. الطبعة الأولی. الأردن: دار صفاء للنشر. قاسی، صبیرة. (2008م). بنیة الإیقاع فی الشعر المعاصر النظریة والتطبیق، صلاح عبد الصبور نموذجا. الطبعة الأولی. القاهرة: مکتبة الآداب. قطوس، بسام و موسى ربابعه. (1994م). الاستعارة التنافریة، نماذج من الشعر الحدیث. لامک: مؤسسة للبحوث والدراسات. کوهن، جان. (1996م). بنیة اللغة الشعریة. ترجمة محمد الولی و محمد العمری. الطبعة الأولی. المغرب: دار توبقال للنشر. محسنی، علی اکبر ، کیانی رضا. (2013م). «الانزیاح الکتابی فی الشعر العربی المعاصر (دراسة ونقد)». مجلة دراسات فی اللّغة العربیة وآدابها. فصلیة محکّمة. العدد الثانی عشر. صص 85 – 110 المساوی، عبدالسلام. (1994م). البنیات الدالة فی شعر أمل دنقل. دمشق: مطبعة اتحاد الکتاب العرب. المسدّی، عبدالسلام. (2006م). الأسلوبیة والأسلوب. الطبعة الثانیة. تونس: الدار العربیة للکتاب. المناصرة، عزّالدّین. (2014م). الأعمال الشعریة الکاملة. الجزء الأول. دمشق: منشورات مجلّة اتحاد الکتاب. منیر، ولید. (1997م). «التجریب فی القصیدة المعاصرة». مجلة الفصول. المجلّد 16. العدد 1. النوری الخرشة، أحمد غالب. (2008م). أسلوبیة الانزیاح فی النص القرآنی، رسالة الماجستیر. الأردن: جامة مؤتة. وهبة، مجدی والمهندس، کامل. (1984م). معجم المصطلحات العربیة فی اللغة والأدب. الطبعة الثانیة. لبنان: مکتبة بیروت. الیافی، نعیم. (1995م). أطیاف الوجه الواحد. دمشق: منشورات اتحاد الکتّاب العربی. المراجع الأجنبیة Leech, G. N. (1969). A Linguistic Guide to English Poetry. New York: Longman الاقتباسات من الإنترنت https://www.almaany.com/answers/332923/سبتمبر 15، 2014
| |||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 611 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 453 |