تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,622 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,340,845 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,384,128 |
میکانیزمات نمو النص فی روایة الفردوس الیباب للیلى الجهنی | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 1، دوره 10، شماره 39، دی 2020، صفحه 9-35 اصل مقاله (252.44 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
رضا ناظمیان1؛ مجید صالحبک2؛ مجید بیاتی* 3 | ||
1أستاذ فی اللغة العربیة وآدابها بجامعة العلامة الطباطبائی، طهران، إیران | ||
2أستاذ مشارک فی اللغة العربیة وآدابها بجامعة العلامة الطباطبائی، طهران، إیران | ||
3طالب الدکتوراه فی اللغة العربیة وآدابها بجامعة العلامة الطباطبائی، طهران، إیران | ||
چکیده | ||
یناقش هذا البحث میکانیزمات نموّ النص وجمالیات التشکیل اللغوی فی روایة الفردوس الیباب التی تأتی محملةً بلغة شعریة مکثفة موحیة. تتمیز الروایة بتوظیف لغة تکثیفیة منفتحة على النصوص الأخرى حیث تجمع التجارب السابقة لتصویر عالم وجدانی مغایر للواقع. استمتعت لیلى الجهنی لتشکیل النص ونموه بالنصوص الأخرى وزاوجت بین شتى النصوص لاکتمال الإبداع الأدبی. فلذلک یکون الافتتاح السردی هو المرسى الأول الذی نقف علیه لنقد الروایة واستخراج ما یدلّ علیه من فائض المعنى. یلعب الافتتاح کالخطة الراسمة للمشروع السردی دوراً مفصلیاً للاهتداء بما یحتویه النص. لا یقتصر البحث على منهج واحد للدراسة بل یتراوح بین البنیویة وما تشتمل علیه من مناهج مثل الرمزیة والأسلوبیة، تارکاً وراءه القضایا التنظریة التی تتوفر فی المراجع والمصادر المتعددة، متناولاً القضایا التطبیقة. کشفت الدراسة أهمیة الافتتاح السردی للاهتداء إلى المعانی المستبطنة فی النص وتناولت قضایا اکتمال النص نحو شعرنة السرد والإوالیات الخارجیة والداخلیة کمیکانیزمات لنمو النص. ومن النتائج التی حصلت علیها الدراسة هی أن السرد فی الفردوس الیباب یضمر طاقات تعبیریة شعریة بما فیه من إمکانیات نصیة متعددة وأثبتت أن روایة الفردوس الیباب استعارة کبرى تحوم حولها استعارات أخرى. | ||
کلیدواژهها | ||
نمو النص؛ شعرنة السرد؛ التشکیل اللغوی؛ الاستعارة الکبرى؛ الفردوس الیباب؛ لیلى الجهنی | ||
اصل مقاله | ||
إن روایة "الفردوس الیباب" للیلى الجهنی منظومة فکریة تبحث عن المعنى الوجودی للحیاة وتتناول موضوع الضیاع والإحباط والسقوط المستمر. أحکم المنظور الذاتی سیطرته على السرد منذ البدایة. «فتقنیة ضمیر الأنا تعطی السارد شرعیة الحضور والمشارکة فی تطور ونمو أحداث العمل الروائی.» (عیساوی، 2018م: 198) یلتقی القارئ فی الروایة مع کثیر من المواقف الإنسانیة التی یسردها السارد بضمیر الأنا وهذه التقنیة تُکسب الروایة سمة ذاتیة. ولابد للغة فی مثل هذه المواقف أن تتجه نحو الکثافة والإیحاء لوصف التجربة التی تحملها والتعبیر عن الفلسفة المشحونة بها. استخدمت لیلى الجهنی جملاً متدفقة بفائض المعنى وتجنبت الروائیة اللغةَ السردیة العادیة ووظّفت لغة مکثفة رامزة فی نص انفتاحی على نصوص أخرى لإنتاج نص مکتمل. یقصد من النص المکتمل «النص الذی اکتمل تشکله فی صورة بعد أن عرف مرحلة نمو وتکامل.» (سعید، 2008م: 311) ویکتمل النص «بعد نضج التجربة المتحرکة واستقرار الشکل أو الکتابة من حیث هی تثبت للشکل وتأریخ وتحول إلى مرسلة مستقرة قابلة للانتقال "زمانیاً ومکانیاً" والانفصال عن مرسلها.» (المصدر نفسه: 311) ینمو النص ویتطور السرد فی الروایة المذکورة عبر توظیف میکانیزمات نحو استخدام طاقات اللغة الشعریة واستقدام الاستعارات الکبرى والرموز. إن «لغة الروایة حبلى بالشعریة، فمقاطعها السردیة فی جلها قابلة لأن تلامس فضاء القصیدة النثریة بعد تفکیک جملها القصیرة والطویلة، فهی تقترب من لغة الشعر وتسبح فی شواطئه دون رقابة لتلامس فیضاً وافراً من التخییل البدیع.» (عیساوی، 2018م: 201) تتخلص میکانیزمات نمو النص والتشکیل اللغوی فی الفردوس الیباب فی استحضار اللغة الشعریة أو تشعیر السرد والتمشهد (الاستعارات الکبرى) وتوظیف الرموز. تنتمی روایة الفردوس الیباب إلى "الروایات البولیفونیة[1]" أی روایة متعدد الأبنیة والأصوات والأجناس. «أما الروایة البولیفونیة فتحرص على تنویع الخطاب باستعمال أسالیب لغویة وبلاغیة تتراوح بین الحوار الداخلی "المناجاة" والوصف والحوار الخالص والرسالة والسرد بکل أنواعه، واستعمال اللهجات المحلیة وسجلات مختلف الشرائح والفئات الاجتماعیة فی إطار تواصل تداولی سیاقی، فضلا عن توظیف المؤشرات التناصیة والمتناصیة ذات مرجعیات تفاعلیة تاریخیة وفنیة وأدبیة وفلسفیة وإعلامیة ودینیة.»[2] فاللغة تزاوج بین المحکی السردی والمحکی الشعری عبر تفجیر الطاقات الشعریة للغة وتستثمر الصور الشعریة وتستغل المرجعیات التاریخیة وتوظف اللغة الإیحائیة عبر استخدام الرموز. إن الروایة تثیر عدة قضایا جدیدة مثل الشعریة وسردیة الشعر وتوظیف الرموز والانفتاح النصی، ما یستوجب تجاوز الحدود المرسومة المعتادة للغة وتفکیک السنن التقلیدیة للسرد. فلغتها حافلة بتجارب إنسانیة تثقلها الحمولة اللغویة والفکریة. وما یجعل روایات لیلى الجهنی تتمیز عن الروایات الأخرى عبارة عن توظیف لغة شعریة متمیزة ذات قوة کبیرة. أسئلة البحث تستدعی المحاولة النقدیة للروایة وفقاً للخطة التی رسمناها للتحلیل طرح بعض الأسئلة أهمها: 1. کیف یحکم المنظور الذاتی سیطرته على السرد؟ 2. ما هی طرق التشکیل اللغوی ونمو النص؟
فرضیات البحث 1. اتجه المنظور الذاتی فی الروایة نحو توظیف اللغة المکثفة والإیحاء بدل الصراحة لشحن السرد بشحنة معنویة عالیة. 2. یساهم استخدام اللغة الشعریة والصورة الفنیة فی أبهى مظاهرها فی النص والانفتاح على التجارب الأخرى کملکیة عامة فی تطویر النص والتشکل اللغوی فی السرد. سوابق البحث لیست هناک دراسات مستقلة علمیة فی الأوساط العربیة عن الروایة بعدُ على حدود علمنا، ماعدا بعض المکتوبات التی حرّرها بعض النقاد فی المواقع الإلکترونیة وجلها تناقش موضوع الروایة دون أن تمس صمیم الروایة وتخوض غمارها ولا تتجاوز هذه الدراسات المبعثرة بعض أسطر أو فقر. ولکن هناک دراسة علمیة فارسیة ألفت عن الروایة حیث قام الباحث مجتبى مرادی أحمدوندی فی أطروحته المعنونة بـ"مقایسه تحلیلی رمان تهران مخوف مشفق کاظمی و بهشت برهوت لیلی جهنی" بدراسة مقارنة بین الروایتین إذ تناقش الرسالة ما ورد فی الروایتین من مضامین مشترکة بین المجتمعین الإیرانی والسعودی حیث ترصد المظاهر الثقافیة والسیاسیة والاجتماعیة التی تخالط النصین رصداً مضمونیاً استناداً إلى مکونات الروایة. ملخص روایة الفردوس الیباب إن صبا هی البطلة لروایة الفردوس الیباب والتی تروی الروایة. فهی التی خانها حبیبها عامر الذی تزوج من صدیقتها خالدة. تروی صبا أحداث الروایة حین تحمل من عامر جنیناً فی بطنها. تتخذ الروایة من مدینة جدة التی ترمز إلیها بالفردوس حیزاً مکانیاً. تغلب الثیمة الاجتماعیة على الروایة وتسرد البطلة ثنائیة الخیر والشر فی المجتمع. إن روایة الفردوس الیباب قصة معاناة المرأة المتواصلة. تبدأ الروایة حین تشاهد صبا صدیقتها خالدة وعامر الذی أمضت معها لحظات حب وحنین متعانقین. تمثل شخصیة صبا فی الروایة فتاة مثقفة وواعیة تعزم على الانتحار فی نهایة المطاف. یعدّ الحب فی الروایة من العوامل التحریضیة ولکنه حبّ یفضی إلى الانتحار والموت. تنتحر صبا أخیراً بعد أن تجهض الجنین الذی تحمله. تروی صبا أثناء سرد الروایة ما فلعته مع عامر الذی هتک عذریتها وزرع جنیناً فی رحمها ولکن عامراً یخون صبا بدل الزواج منها ثم یخطب ابنة خالته خالدة التی تربط بینها وبین صبا علاقات ودیة. الافتتاح ومیکانیزمات نمو النص «إذا رأیته واقفاً بجوارک لیلتها أردت أن أغنی. أجل، کان الغناء هو کل ما تواثب إلى الذهن وذراعه تلتف حول ذراعک مثل أفعى. أردت أن أصرخ: "خالدة لا". وقفت الکلمات خلف الشفاه وبدا أن العالم صاخب إلى حد ألا تسمعینی. ولکن، ماذا أغنی فی تلک اللحظة وأنا أرى عامراً الرجل الذی قال لی: "أحبک"، بکل طریقة ممکنة؛ قالها صارخاً، ضاحکاً،مستلقیاً، سابحاً، هامساً، حزیناً، محبطاً، قالها وهو یقبلنی، قالها وهو یهزنی بعنف، ماذا أغنی وأنا أره وهو یلبسک – یا صدیقتی التی لاتعرف- شئیاً – خاتم الخطبة؟! کانت وجوه کثیرة تسبح فی الفضاء الممتد بین عامر وبینی، حتى خاتم الخطبة کان یطفو قلیلاً ثم یغوص مثل وردة مربوطة بحجر. ومیکائیل ینفخ فی الصور والتفاصیل المذبوحة فی قلبی تنشر، تبعث عاریة إلا أسای. فی آخر الأمر یا خالدة، کنت أنا أیضاً قد تعریت أمام الشیطان فوق أرض الله وتحت سمائه. أتصدقین یا خالدة؟ مرت أیام کان الهواء یموت فیها مخنوقاً بین جسدینا الملتحمین عامر وأنا. ولیلة رأیتکما مات الهواء مخنوقاً بالبکاء الرابض على أطراف حلقی، وعامر مثل فأر فی مصیدة یخاف أن أضع طفلنا/ إثمنا تحت قدمیک وأسألک بالله وبأسمائه الحسنى أن تنصفینی! لیته علم أنی لم أرد أکثر من أن أغنی؛ کی یکف طفل مجروح بأحشائی عن أن یضرع إلى الله أن یخسف بی الأرض أنا التی لم یبق إثم لم أرتکبه. أغنی فی انتظار أن یأتی رسول الواقعیة صلاح أبو یوسف کی یصورنا، لکن حتى صلاح أبو سیف خذلنی لیلتها. مات، أماته الواقع الذی لستُ أدری ماذا سأفعل به، بل ماذا سیفعل هو بی؟» (الجهنی، 2006م: 5) تشعیر السرد یعد الافتتاح السردی فی هذه الروایة مدخلاً شعریاً لدخول عالمها ما یجعله ذات أهمیة کبیرة. یمکن ملاحظة الکم الهائل من الطاقة الشعریة اللافتة للنظر والاعتناء برشاقة اللغة واستحضار الصور الشعریة ضمن اللغة السردیة أثناء قراءة البدایة. إن السرد فی افتتاح الروایة مفعم بالتشبیهات والاستعارات والکنایات والرموز والتناص الشعری وهو نشید یعزف فی زمن المعاناة والألم ومضمار لالتقاء السرد بالشعر. لقد أعطت العاطفة والخیال درجة کبیرة للروایة حیث نشاهد أنشودة أمامنا. إن ثیمة الضیاع والإحباط تطغى على السرد وهذه الانفعالیة تظهر من الافتتاح المعبر. ونظراً إلى هذا الافتتاح الذی یتسم بنکهة ذاتیة فالواجب هو البحث عن الذات وتاثیره فی هذه المقدمة السردیة. تخرج صبا فی سردها عن النمط المألوف أی أنها تخرج من السرد إلى الشعر ومن الشعر إلى السرد وتتداخل الأجناس الکتابیة فی الروایة. فالنص سرد تفاعلی بین أنواع متعددة وقد طرأ هذا التبدل فی السرد تباعاً لتجربة صبا الشعوریة التی اقتضتها حالتها النفسیة وطبیعة تجربتها. لقد حاولت صبا منذ البدایة إظهار انفعالیتها وتقدیمها للذات الجماعیة. ترسم السمة الذاتیة فی الروایة والتجارب التی عاشتها صبا الفضاء السردی وتعطی الکلمات دلالتها لیتناسق السرد مع هذه الرؤیة والتجریة الشعوریة. ینشئ العالم السردی فی الروایة حقیقة افتراضیة تتسم بحیثیاتها الخاصة وأحداثها التی تحدد تجربة صبا حقیقتَها. رکزت صبا على سرد الماضی الجمیل الذی لم یلبث ینهار استحضاراً للذکریات الجملیة التی عاشتها مع حبیبها عامر. تفتتح صبا سردها افتتاحاً موحیاً لانجرار القارئ وانقیاده للروایة وإیضاح الثنائیة بین الأنا والآخر. إن المواقف الذاتیة التی تروی صبا فیها تجربتها بلغة شعریة من أروع المواقف فی السرد. یقودنا مثل هذا الافتتاح الرائع واستخدام اللغة الشعریة وتقنیاتها إلى أننا بإزاء روایة تتخطى الحدود المرسومة للروایة ناویة دخول فضاء جدید للسرد. فیتداخل الشعر مع السرد فی الروایة بطریقتین: الأولى: تقلیدیة تتجلى فی ترصیع النثر بالشعر والثانیة: تجدیدیة تظهر فی ملابسة الشعریة للنص النثری. إذن تنقسم أنواع میکانیزمات نمو النص إلى قسمین: الأول: إوالیات "علاقات" داخلیة أی أن النص یتفاعل مع نفسه مما یؤدی إلى تشعبه والثانی: إوالیات خارجیة تتمثل فی المعرفة الخلفیة والمقصدیة والمماثلة. إوالیات داخلیة ندرک بعد قراءة الافتتاح قراءة متأنیة أنه یمکن اعتبار هذا الافتتاح حسن مطلع لقصیدة نثریة أنشدها شاعرٌ بارع ونلفی أن اللغة فی هذا المقدمة القصیرة المعبرة مکثفة، موحیة شدیدة التأثیر. إن القصد من تکثیف اللغة هو استخدام الصور «کإشارات انفعالیة تختزن فی داخلها تجارب ومواقف متعددة، فتکون هذه المفردات بمثابة الاستحضار الانفعالی لهذه المواقف وتلک التجارب.» (الورقی، 1983م: 151) لم ینصبّ الافتتاح البارع فی الروایة فی القوالب الجاهزة ولم یستسلم السرد للمعاییر المألوفة للغة. فقد اتجه التمهید السردی إلى تراکیب لغویة ناصعة مدللة وتوظیف لغة شعریة تکثیفیة رامزة. لا یمکن أن نستغرب اللغة الشعریة التی استخدمتها صبا فی خلق عالمها الخاص؛ لأنها فتاة واعیة مثقفة تستمتع بمرجعیات المختلفة وتنهل من روافد شتى الثقافات. أخضعت صبا من هذا المنطلق هندسةَ اللغة للفکر واتسم الافتتاح کمقطع شعری تمهیدی بتکثیف اللغة والإیجاز والترکیز والإیحاء ما یتطابق مع سمات قصیدة النثر. یفضی هذا الاستهلال الشعری بالقارئ إلى صعوبة فی إدراک المعنى؛ لأن التمهید السردی الشعری حافل بالتأثرات الذاتیة لخوض القارئ فی خضم الأحاسیس التی یمکن وعیها عبر تجاوز حدود الکلمات والحصول على إیقاعها والشحنة المعنویة للکلمة وعلاقة النص بهذه الفورة النصیة؛ لأن «الطاقات الإیحائیة للکلمات لا یمکن أن تتحقق وتکتمل إلا عبر العلاقات التی توجه التقاءها وتراکبها فی الخطاب.» (خیر بک، 1986م: 148) یتطلب هذا التمهید السردی من القارئ التنقیب عن کیفیة الاستهلال ویدعوه إلى قراءة التقنیات الشعریة المستعملة فی الافتتاح. فیمکن کتابة الافتتاح على شکل قصائد النثر وإن أعدنا کتابة الافتتاح فیمکن کتابتها على النحو التالی وقراءتها قراءة شعریة: إذا رأیته واقفاً بجوارک لیلتها/// أردت أن أغنی.///أجل،///کان الغناء هو کل ما تواثب إلى الذهن///وذراعه تلتف حول ذراعک مثل أفعى///.أردت أن أصرخ:)خالدة لا)/// وقفت الکلمات خلف الشفاه ///وبدا أن العالم صاخب///إلى حد ألا تسمعینی.///ولکن، ///ماذا أغنی فی تلک اللحظة ///وأنا أرى عامراً ///الرجل الذی قال لی:(أحبک(، ///بکل طریقة ممکنة؛ ///قالها صارخاً، ///،مستلقیاً، سابحاً، هامساً، حزیناً، محبطاً،///قالها وهو یقبلنی،///قالها وهو یهزنی بعنف،///ماذا أغنی ///وأنا أراه وهو یلبسک ///-یا صدیقتی التی لاتعرف شیئاً –///خاتم الخطبة؟! تختزل هذه المقدمة السردیة شعوراً جمالیاً. تعبر صبا حین تبدأ بسرد الأحداث عن تجربتها فی عدة جمل شعریة توحی بأحلامها القتیلة لتفعیل فاعلیة التجربة الإنسانیة. یبدو منذ البدایة أن صبا تعانی من انکسار داخلی ومخاض شعوری یفصح عنهما سردها. إن التجارب التی ترویها صبا فی هذه الفصول التی تستبطن طاقات شعریة هی تجربة ذاتیة ومحاولة لإبراز القیم الإنسانیة وکیفیة تورط الإنسان فی المستنقع. تحاول صبا بیان تجاربها عبر استحضار لغة الشعر وتروی الأحداث فی قالب شعری مستخدمةً هذه الصور لجر القارئ إلى عالم خراب یتمثل فی جدة وإلى إقناعه بأن الفردوس یمکن أن یکون فردوساً یباباً. واللافت للنظر فی السرد أن صبا تستمدّ باللغة الشعریة حیث تتعاظم التجارب والقضایا والهموم لإظهار تجربتها الذاتیة وتصویر عالمها الخاص والکشف عن آلامها وآمالها. لا یعنی قیام صبا بشعرنة السرد تماماً استحضار اللغة الشعریة فی الروایة بل تعنی هذه العملیة تشعیر المواقف الإنسانیة کذلک. یکشف السرد عن شعور صبا الذاتی وموفقها البشری أمام الحیاة التی خانتها. تعیش صبا موقفاً إنسانیاً حرجاً حیث خانها حبیبها الذی سبق أن کشف عن حبه العارم لها. آلمت تجربة الحب مع عامر صبا إیلاماً حیث تصفها بالنصل الجارح الذی غُرز فی قلبها.ترى صبا أن تجربة الحب مع عامر مغامرة مجنونة قذفتها وسط الحزن والذهول. ثم تُبادر صبا بوصف هذا الموقف مستخدمة لغةً شعریة ناریة؛ لأنها ترى التعبیر عن شعورها منوطاً بهذه اللغة؛ لأن الذات وانفعالاتها تبرز جلیة فی الشعر وإمکانیاته. والتعبیر الشعری یهمین على السرد مرة أخرى عند تصعید الموقف إذ تترک صبا عالمها السابق بکل معالمه وبهرجته وزیفه وتعبر عن انفعالاتها وتجربتها بعبارات حثیثة مدللة. یمکن تفکیک جمل فصل "الهواء یموت مخنوقا" کلها کقصیدة. فانظر کیف تصف صبا خروجه من ذلک العالم المألوف وولوجها للفردوس الیباب الذی ترمز إلیها بجدة مستحضرةً عباراتٍ شعریةً موجرة مکثفة: «ترکت کل ذلک العالم وخرجت إلى جدة. إلى الشوارع والأزقة والبیوت والرواشین. إلى الناس الذین یملئون الشوارع ویتبعثرون على الشواطئ رجالاً ونساءً وشیباً وشباباً.» (الجهنی، 2006م: 11) یمکن تفکیک الجمل السردیة وصبّها فی قالب لغة الشعر الحر على النحو التالی: ترکت کل ذلک العالم وخرجت إلى جدة إلى الشوارع والأزقة والبیوت والرواشین إلى الناس الذین یملئون الشوارع ویتبعثرون على الشواطئ رجالاً ونساءً وشیباً وشباباً ومن هذه المقاطع الشعریة أیضاً: «یا الله. منذ متى بدأ الناس یسیرون بکلابهم فی شوارع جدة؟ منذ متى یا خالدة وجدة ترتدی ما لیس لها؟ وتغنی ما لیس یطربها؟» (المصدر نفسه: 11) لو قمنا بتفکیک الجمل وإعادة کتابتها وصبّها فی قالب الشعر لکانت عندنا قصیدة على النمط التالی: یا الله منذ متى بدأ الناس یسیرون بکلابهم فی شوارع جدة؟ منذ متى یا خالدة وجدة ترتدی ما لیس لها؟ وتغنی ما لیس یطربها؟ تبرز الفورة الاندفاعیة فی الفصول التی تروی صبا تجاربها بلغة الشعر جلیة حیث تندفع هی فی هذه السطور إلى بیان أزمتها النفسیة. تقف صبا أثناء السرد موقفا ذاتیاً من الأحداث. ومن الملاحظ فی الروایة قلة الحوار والإکثار من التمسک بالسرد. یتنوع السرد فی الروایة بین الأسالیب المختلفة. تستحضر هذه الروایة إمکانات تیار الوعی فی سردها. «ومن خلال أسلوب تیار الوعی یجسد التوتر الناتج عن التضاد بین الواقع الخارجی وما یجول داخل النفس ویأتی تیار الوعی ممتزجاً مع الحوار الرامز.» (الماضی، 2008م:33 ) تولی صبا اهتماماً عمیقاً منذ البدایة بالانفعالات الذاتیة وبیان تجاربه الشخصیة. تلعب الکلمات دوراً هاماً فی إفراز هذه الفورة الحسیة. فما کان ما أفضل لغة الشعر لنقل هذه الدینامیة اللغویة وتنشأ هذه الدینامیة والإیحائیة من العلاقة بین الکلمات. إذن «التجربة الشعریة عملیة خلق أدبی یتم فیها امتزاج کامل بین الذات والموضوع.» (الورقی، 1983م: 61) غیر أن هذه الذاتیة لا ینبغی أن تفهم على أن العمل الفنی تعبیر ذاتی خاص، فالمعطیات المادیة التی تمثل المؤثر الخارجی لتجربة الشاعر هی فی عمومها معطیات موضوعیة، تشتمل ضمن ما تشتمل على وعی المجموع (المصدر نفسه: 64) وإن اعتبرنا هذه المقدمة قصیدة نثر لانکشفت الوحدة العضویة لهذا الافتتاح مع النص الذی هو بمثابة الفصول الممتدة لهذه القصیدة. وکما أشرنا إلى أن هذه الروایة یسردها سارد یرید التعبیر عن الانفعالات والتأثرات الذاتیة، فلذلک الغناء حوار مع الذات. تکمن جمالیة الشعریة الغنائیة کما یقول ستالونی فی ارتفاع درجة الذاتیة والعلاقة بالتخییل. وفی الغناء «یترک مجال محاکاة الواقع إلى مجال الاستبطان الفردی. هذا النزوع الأدبی الذی یرفض اتخاذ العالم نموذجاً ولا یبالی بتوقعات السامعین ویبدو أنه یترجم من دون التحکم فی ما یفعل عن باطن المبدع وینقل کلاماً یوجهه إلى نفسه یطابق ما سوف یسمى النزعة الغنائیة.» (ستالونی، 2014م: 162).إذن یعنی الغناء التعبیر عن الانفعالات والتأثر الذاتی والغنائیة «والغنائیة بالمعنى الحدیث لذلک اللفظ تتعرف بأنها العبارة الشخصیة عن انفعال یعبّر عنه بطریق إیقاعیة موسیقیة.» (المصدر نفسه: 176) ونجد فی الافتتاح السردی الخطوط الرئیسة والملامح الأولى من اللغة الشعریة والصور الفنیة التی تبسط فیما بعد أثناء سرد الروایة. التشکیل اللغوی فی المشهد الأول من الروایة مشحون بالمجازات والاستعارات والتشبیهات. ومن رائع التشبیه منذ عنونة الفصول نجد صبا تشبه الهواء بمن شنق. یتطابق توظیف اللغة الشعریة وإمکاناته مثل الاستعارة والمجاز فی الاستهلال السردی تماماً مع الشحنة الشعریة التی یحملها ولکن لماذا تکلمت الساردة بهذه الشعریة فی اللغة؛ لأن ما یهجس فی خاطر صبا ویخطر على بالها دعاها إلى هذا التنمیط اللغوی وأن المعنى الذهنی الذی راودها هو الذی استدعاها إلى التعبیر فی صورة تشکیل لغوی مکثف موحٍ و «العملیة الشعریة عملیة تحویل التجربة إلى صور انفعالیة تترک أثراً سحریاً وإیحاء رائعاً فی نفس اللمتلقی، ینمّ عن جهد وخلق وإبداع.» (جرادات، 2013م: 552) إن اللغة منذ الافتتاح السردی مشحونة بالعاطفة وتحمل حمولة فائضة من الخیال الشعری تباعاً للخطة التی رسمتها صبا للسرد. فتطغى العاطفة والخیال على الافتتاح ما یجعل النص ثریاً. انتابت العواطف السلبیة صبا، ثم قامت بالتعبیر عنها من خلال التشبیهات والاستعارات الشائقة. ترکت عاطفة الحزن المسیطرة على السرد أثرها فی الروایة وأثرَتْها بصور فنیة رائعة. یجعل الکم الهائل من الشحنة العاطفیة السرد یتسرى فی الروح. تساهم العاطفة المتدفقة منذ الافتتاح مساهمة کبیرة فی نمو النص وتوجّه النص نحو تکوین شعری وتؤثر فی کیفیة إنشاء الجمل والتراکیب. تعرب التراکیب الناصعة فی الافتتاح عن عواطف متقدة حیث تثیر انفعالاتنا النفسیة وتبعث قوة العاطفة فی هذه التراکیب الشعریة شعوراً بالحزن. أما صبا فهی اختارت الطاقات الشعریة للإعراب عن هواجسها وجعلت اللغة والصور البیانیة تخدم عواطفها. إن الصور الفنیة کما یقول جابر عصفور إحدى «المعاییر الهامة فی الحکم على أصالة التجربة.» (عصفور، 1992م: 7) جعلت صبا أحساسیسها فی إطار التشبیهات والاستعارات المشعة ومن التشبیهات التی استخدمتها صبا أثناء السرد حیث یصف مشهد الالتقاء بین عامر وخالدة إذ تراهما کالحیتین اللتین تلتف بعضهما بالبعض إذ تقول «...وذارعه تلتف حول ذراعک مثل الافعى. أردت أن أصرخ: خالدة لا.» (الجهنی، 2006م: 5) أثار الموقف الذی شاهدته صبا عاطفة قویة فیها حیث توسمت عامراً یحتضن خالدة کالحیة التی تلتفّ حول مصیدتها. یجعلنا هذا التصویر نتفاعل مع صبا فی التجربة التی تمر بها.تشبه صبا عامراً بالأفعى وترى أن خالدة سوف تکون ضحیة خداعه کما هی انخدعت بأقوال عامر.کما یصطاد الحیة مصیدتها فاصطاد عامر فریستیه صبا وخالدة. تشتهر الثعابین بالمکر والشر والزحف نحو الفریسة ثم اصطیادها. تزحف الثعابین نحو الفریسة فزحف عامر نحو صبا وخالدة کذلک لإفراغ السم فی جسمهما ثم التهامها. تحذر صبا خالدة من هذه السجیة الخبیثة لعامر بعد أن تراهما متعانقین حیث یقول: «آه ألان تذمرت الواقع یا صبا؟ الأن فقط فکرت فی الوجه البشع الذی کشفه لک؟ ابکی. ابکی مادمت عاجزة عن الغناء.ضاع کل شیء، حتى أنتِ ضعتِ.» (المصدر نفسه: 6) ولا یأتی هذا التشبیه اعتباطیاً بل ینشأ من الموقف الذی تعیشه صبا. تروی بعض القصص الدینیة أن نوعاً من الأفاعی التی تمسى بالأفعى النفاثة أو النفاخة أغرى بآدم وحواء وأقنعهما بالأکل من الشجرة المحرمة. یتناسب هذا التشبیه الرائع تماماً مع فکرة الفردوس الیباب التی ترید صبا إثباتها ورسم معالمها. أغرى عامر صبا کالأفعى السامة ونفث سمه فی جسمه وکذلک زحف نحو خالدة على غرة منها لیصطادها کما أوقع صبا فی المصیدة. ومن التشبیهات والاستعارات الواردة أیضا فی بدایة السرد تشبیه خاتم الخطبة بوردة مربوطة بحجر «کانت وجوه کثیرة تسبح فی الفضاء الممتد بین عامر وبینی، حتى خاتم الخطبة کان یطفو قلیلاً ثم یغوص مثل وردة مربوطة بحجر.» (الجهنی، 2006م: 5) و«کان الهواء یموت فیها مخنوقاً بالبکاء الرابض على أطراف حلقی.» و(المصدر نفسه) کذلک «وعامر مثل فأرة فی مصیدة یخاف أن أضع طفلنا/ إثمنا تحت قدمیک.» (المصدر نفسه) نرى أن هذا التشبیهات والاستعارات مواحدة خفیة بین طرفی التشبیه خاصة مواحدة بین عامر وبین الفأرة والمراد من تشبیه عامر بالفأرة فی السرد ادعاء توازن سیکولوجی بینه وبین هذه الرتبة من القوارض إذ یقع عامر فی المصیدة ویحاول الإفلات منها. تعمّق هذه الصورة الفنیة الإحساس لدى القارئ وتضعه فی الحالة النفسیة المریرة التی جربتها صبا. وظّفت صبا لغة الشعر الحدیث للتعبیر عن الأنا فی أفضل صورة ممکنة ومن أهم السمات التی تمیز اللغة الشعریة من اللغة المستعملة العادیة قابلیته للتعدد. (نامور مطلق، 1394ش: 125) أی التعددیة فی التأویل والقراءة حیث یتجلى مدلول الخطابات المختلفة فی اللغة الشعریة. ومن هذا المنطلق یمکن أن نعی: لماذا اختارت صبا اللغة الشعریة للتعبیر عن تجربتها. فالخیال «هو الکوة التی نستطیع بها أن نصوّر الأشخاص والأشیاء والمعانی ونمثلها شاخصة أمام من نخاطبه ونستثیر مشاعره.» (أمین، 2012م: 33) ولتوظیف التشبیه والاستعارة بعد سیکولوجی یجب الانتباه إلیه لأن «الاستعارة فی النقد الحدیث اتخذت طابعاً تأویلیاً وبعداً سیکولوجیاً، فهی تعبیر عما یختلج بداخل النفس من انفعالات ومشاعر وأحاسیس، أی هی ترجمة لحالة الباث النفسیة، ومن هنا نستطیع القول إن کل تأویل للاستعارة یقتضی فهم الحالة النفسیة والاجتماعیة للمؤلف.» (بوحجر، 2018م: 98) إوالیات خارجیة تتشکل الروایة من استعارات فرعیة وصولاً إلى استعارة کبرى ألا وهی الفردوس الیباب. تتمفصل الاستعارات المتفرعة وما تشتمل علیه من دوال عائمة حول الاستعارة الکبرى أی الفردوس الیباب. إن الفردوس الیباب استعارة کبرى تتمحور حولها استعارات صغرى وبعبارة أخرى إن الفردوس الیباب دال مرکزی اجتمعت حولها دوال مبثوثة صغیرة فی النص. انبثق من الفردوس الیباب کاستعارة کبرى أو مشهد عام عدد غیر محدد من الاستعارات. یکتسب العالم الذی ترسمه صبا صفاته من هذه العوامل البیئیة لتثبت أن العالم فردوس یباب رغم مظهره الباهر. إن الفردوس الیباب استعارة کبرى لتصویر الجدال بین ثنائیة الخیر والشر ورمز إلى الصراع المستمر والجدال کسیرورة أی فعل یترابط بتصور عام أی الفردوس الیباب. إذن یحدث انسجام استعاری داخل هذا التصور العام. إن تصور الصراع تصور ذهنی مجرد یحتاج إلى وعاء یسعه «فإننا نحتاج إلى القبض على التصورات مجردة و غیر مجردة من خلال تصورات أخرى نفهمها بوضوح أکثر مثل التوجهات الفضائیة والأشیاء.» (لایکوف وجونسون، 2009م: 127) إذن تعنی الاستعارة الکبرى فی الدراسة هذه، الانفتاح على النصوص السابقة ویمکن الإشارة إلى الوطن والدین والأسطورة والتاریخ کنماذج من الاستعارات الکبرى. تتطور الاستعارات الکبرى إذ کانت تابعة للتطورات الذاتیة والموضوعیة التی تتحدى المبدع. فلا نعنی من الاستعارة الکبرى ما یدرس فی الدرس البلاغی التقلییدی بل «إنما هو مفهوم یقصد به استعارة مشهد عام ببعدیه: اللغوی والدلائلی أو "التأویلی" المحتمل الذی ینتجه تأویل الذات الشاعرة.» (عبد المهدی طه، 2012م: 6) ترى صبا أن قراءة التجربة الحالیة تتوفر فی ظل العودة إلى الماضی و استحضار نصوص موازیة لها وظائف تناصیة. والقصد من التناص هو عبارة عن تمهید طریق جدید فی اللغة وتأطیر الأحداث ویجب دراسة ما توحی به الدوال وعلاقتها بالسیاق عند تناول التناص فی الأدب ویجب أن نذهب هذا المذهب بأن التناص یحرر النص من الانغلاق؛ فبه ینفتح النص على غیره ویتقاطع مع نصوص أخرى. «وما من شک فی أن المنزع الرؤیوی التناصی منزع رؤیوی عام یکاد یکون ملازماً للنصوص الأدبیة على اختلافها وتنوع مرجعیتها؛ لدرجة أنه لا یکاد یکون یخلو نص من النصوص الأدبیة من مرجعیة نصیة یرتکز علیها فی تعضید رؤیته وتفعیلها فی مسارها النص.» (شرتح، 2018م: 157) تطلق جولیا کریستیفا رائدة نظریة التناصیة اسم الأیدیولوجیم على تقاطع نظام نصی مع المقاطع السابقة علیه «وبتعبیر أکثر دقة إن الأیدیولوجیم یعنی وظیفة التداخل النصی التی یمکن قراءتها على مستوى بناء أی نص، بحیث تمتد الوظیفة على طول مساره کاشفة معطیات تاریخیة واجتماعیة مختلفة.» (شعث، 2014م: 14) ولکن تتعدد طرق التناص فی الروایة وفق تجربة صبا وتتغیر تقنیاته وفقاً لرؤیتها الذاتیة ما نتطرق إلیه فیما یلی. العنوان وانفتاح النص یشی العنوان بمسار المنظور السردی ویکشف عن تکثیف لغوی یهتدی به القارئ إلى شفرات النص، إذ إن العنوان هو العتبة الأولى التی تواجه القارئ وتبئر لمرجعیة النص. «إن للعناوین أهمیة عظمى فی تثبیت الرؤیة وتبئیر مساحة دلالاتها وتمرکزها الفنی بوصفها الدال اللغوی أو المنظم اللغوی المبئر لبنیة المتن أو الکود الکاشف عن جوهر الرؤیة النصیة.» (شرتح، 2018م: 107) و«العنوان عتبة من عتبات النص الروائی وخطاب على الخطاب أی أنه حد فاصل واصل بین عالمی الواقع والتخییل. وغالباً ما تکون له على القراء الفعلیین سلطة لا تقاوم.» (العمامی، 2013م: 101) یکشف العنوان عن العلاقة التی تحکم بینه وبین العمل السردی ویمثل دوراً إرشادیاً فی انسیاق القارئ إلى ما یحتویه النص ویزود المسرود له نظرة خاصة إلى ما یسعى وراءها السارد. ویتحتم بنا القول عن الوظیفة التی یؤدیها العنوان فی العمل السردی إنه «یعدّ النص الموازی منذ بدء السرد جزءاً من التقنیات السردیة التی یتمتع بها السارد لإثارة المتلقی ولفت انتباهه وتقدیم المعلومات فی افتتاح الروایة.» (قدیمی، 1385ش: 129) إن العنوان یحمل شحنة دلالیة ثریة وینص على تباین ظاهر ینشأ من کلمتی الفردوس والیباب أی الدمار اللتین یجمع بینهما ترکیب وصفی. جعل هذا التلاقح النصی صبا واعیة وحساسة لتبیین المواقف تبییناً فلسفیاً. لیست صبا تستحضر النصوص مباشرة فحسب؛ أی أن التناص فی سردها لا یتم مباشرة بل هی تتجاوز هذا النوع من استحضار النصوص أی أنها تجعل النصوص المرجعیة فی سیاق سردها لتخدم هذه النصوص نظرتَها. لا تترک هذه المیزة والانفتاح الذی تتمتع الروایة به مجالاً للتعجب بأن صبا تتمسک باللغة الشعریة وتنفتح على النصوص السابقة خاصة الشعر منها لبیان تجربتها. یکشف استخدام هذا العنوان عن انتماء النص وأیدیولوجیته النوعیة والروافد الثقافیة والأدبیة لتجربة صبا. المهم فی العنوان الأصلی والعناوین الفرعیة مرجعیتها بمعنى أنها تحمل إیحاءات دلالیة خاصة. تُراجع صبا الآثار السابقة لبیان تجربتها وتختزل معناها وهذا الاختزال الدلالی یشکل "الفردوس الیباب" الذی یکتنف دلالة جدیدة. توجد طرق مختلفة لإقامة العلاقة أی التفاعل النصی إذ یمکن تسمیة النوعیة التناصیة بالتحاور بین النصوص ما یمکن أن یتسم بسمة إیجابیة أو سمة سلبیة أی یمکن للتحاور بین النصوص أن یکون على شکل الاقتداء أو بشکل الصراع. تنمّ تجربة صبا کمرأة واعیة مثقفة عن تجارب شعراء عرب وأجانب تستخدمها صبا لتأسیس أفکارها وتقدیمها وما تبتغیه عبر بیان هذه التجربة عبارة عن غایة هولاء الشعراء ومقاصدهم. وجدت صبا ما تستدلّ به لإثبات رؤیتها فی آثار هولاء الشعراء فتحاورت معهم حواراً إیجابیاً. یجب اعتبار سرد صبا عن تجربتها شرحاً لأفکار هؤلاء الشعراء التی تخلخلت آثارهم. تفسر هی فی سردها أفکارهم وتؤولها ولکن بلغتها الخاصة «والشرح یعدّ من الآلیات المهمة التی تؤسس علیها بعض الخطابات وهی فی الخطاب النثری أوسع انتشاراً لما بهذه الآلیة من علاقة مع الصیغ السردیة.» (عبد الحسین محمود، 2012م: 51) أثر شعر محمود درویش فی السرد إن لمحمود درویش حضوراً لافتاً فی روایة الفردوس الیباب حیث نرى صداه فی تلافیف السرد وتحتلّ أشعاره حیزاً واسعاً من سرد صبا حیث نرى أصداء الشاعر الفلسطینی فی الروایة. تستدلّ صبا أثناءه بتجارب محمود درویش. یتقاطع النص السردی فی الروایة مع عدة نصوص شعریة لشاعر فلسطین "فی مجال حیوی أرحب" یولد من رحمه العمل السردی. والحق أن یقال إن الدلالات التناصیة تنصّ على تأثر أیدیولوجیة صبا بما ورد فی أشعار محمود درویش. قامت صبا بإدخال نصوص سابقة فی السرد وإعادة ترکیبها فی نص جامع آخر لإیحاءات جدیدة. تمتصّ الروایة لغة درویش وأفکاره وهذا الأمر یعنی الامتزاج بین عالم صبا ومحمود درویش. تسعى صبا لتمثیل تجربتها عبر بلورة تجربة محمود درویش مستمدة بشعره وأفکاره. إن قصائد درویش «من وسائل المقاومة وتجربة جدیدة من تجارب الکفاح الفلسطینی ضد المحتل الغاصب.» (علی محمد، 2016م: 118) ومن سمات شعر محمود درویش حمولته المعنویة والإیحاء و«خاصیة الغنائیة الملحمیة کما تجلت فی کثیر من أشعار محمود درویش ظلت أقرب وصفا لأشعاره وأصدق دلالة علیها.» (جبر شعث، 2014م: 207) یناضل محمود درویش فی شعره عن قضایا شعبه وثوابته والشعر عنده تعبیر عن الانهزام وصراع للبقاء وحدیث عن الإحساس وبیان لآمال الشعب المنکوبة وشعره شعر تجدیدی یحمل فلسفة راقیة و«إن هذه النزعة الفلسفیة التی انتهجها درویش فی قصائده ولدت ثنائیة الأنا والآخر.» (بوحجر، 2018م: 69) إن ثنائیة الموت والحیاة من أهم الصراعات التی تحتل حیزاً واسعاً من شعره وتجربة محمود درویش الشعریة الحافلة بالتشکیلات اللغویة والتی حمّلها الشاعر لغةً مکثفةً تتسع لتستوعب کل القضایا والهموم والأحاسیس ومشاعر شعبه. (المصدر نفسه: 86) إن مجموع شعر شاعر فلسطین عن الصراع مع المحتل الغاصب. تأخذ النکبة الفلسطینة مساحة شاسعة من شعر دروی وتنطوی المضامین التی یحتویها شعر درویش على البؤس والتشرید والقتل والسجن والنضال من الحریة. فهو أحد أهم الشعراء الفلسطیینین والعرب المعاصرین الذین ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن.یعتبر درویش أحد أبرز من ساهم بتطویر الشعر العربی الحدیث وإدخال الرمزیة فیه. (مراح، 2013م: 1) فلیس غریباً أن صبا تستدعی الطاقات الشعریة لدرویش حیث إنها ترى حبیبها عامراً محتلاً لکیانها وغاصباً لروحها، إنها صبا التی تکثر من الإتیان بشعر درویش الذی هو من وسائل الکفاح لدى الشاعر. ترى صبا أنه لابد من نضال عامر عبر هذه الأدبیة؛ لأنه خدش روحها وغرس فی کیانها طفلهما الذی تسمیها صبا "أثمنا". یقول الشاعر الفلسطینی: إلهی أعدنی إلى وطنی عندلیب على جنح غیمة على ضوء نجمة ... قامت صبا بتحویر کلمات درویش وتبدیلها إلى «إلهی أعدنی إلى براءتی عندلیب.» (الجهنی، 2006م: 11) وتؤکد صبا أن درویش لن یغضب لهذا التحویر والتبدیل وهناک مشترکات عدیدة بینهم رغم الاختلاف فی المفقودات.فقد درویش وطنه وفقدت صبا مثله وطنها.هناک محتل غاصب أکره شعب الشاعر على النزوح وقام بتشریدها وهناک محتل غاصب أیضاً أجبر صبا على النزوح. تجمع المفقودات کما تقول صبا نفسها بین درویش وبینها وتجربة الاغتراب والتشرید أصبحت ملکیة عامة وتجربة جماعیة تنبع منها عاطفة الحزن. یصف محمود درویش حالة الحلم وحنینه على الطفولة التی تتسم بالبراءة والطهارة والفرح وحنّت کذلک صبا على براءتها وعذریتها التی هتکها عامر ووظفت شعر محمود درویش محوّرةً وطنی إلى البراءة؛ لأنها ترى مشابهة بین موقفها وبین موقف الشاعر ولو کان أوجه التشابه قلیلةً، ثم تکرس صبا عبر الإشارة إلى هذه القصیدة مشاعر الضیاع. ثمة هناک تضمین نصی من شعر محمود درویش ضمن قصیدة "رسالة إلى ملک الاحتضار": «فلم یبق لی حاضر کی أمر غداً قرب أمسی» (المصدر نفسه: 80) القصیدة التی نظمها الشاعر ملیئة بالتوتر الناتج عن التردد بین الحقیقة وتساؤلٌ عن الهویة والنهایة بعد توقیع معاهدة الصلح. یرى الشاعر أنه إن لم نقاتل خشیة الموت فعلینا تسلیم مفاتیح فردوسنا وأن الصلح أباد الحاضر والماضی والمستقبل. تشبه صبا تجربتها مع عامر بمعاهدة الصلح التی تکلم عنه شاعر فلسطین لإثبات أن موقفها قضى على ماضیها وحاضرها ومستقبلها ولذلک تختار الانتحار. استحضار الفردوس المفقود لجون ملتون عندما نتطرق إلى موضوع الفردوس الیباب لدى صبا فعلینا طرح معادلة حسابیة تشکّل الخطاب السردی. الفردوس الیباب عبارة عن الفردوس المفقود لجون ملتون إضافة إلى الأرض الیباب لتی. إس. إلیوت وإذا طرحنا المفقود من أثر ملتون والأرض من أثر إلیوت فیصبح عندنا الفردوس الیباب. هذا عالم جدید صنعته صبا عبر جمع خبرات متنوعة لتدخلنا فی عالم فسیفسائی مختص بها. یتسرب نص حماسة جون میلتون کذلک فی السرد. یتجاذب ملتون فی ملحمته الشعریة الحدیث عن مکانة الإنسان وعقابه والفلاح ونجاة الجنس البشری. یعتقد ملتون أن الموت طریق یرتقی بالإنسان. و«یرى أن الإنسان مختار حر ویؤکد لنا أن جریمة الإنسان ومن ثم عقابه یثبت وجود الاختیار لدیه.» (مجربیان، 1392ش: 67) و«اتهام الله بأنه غیر عادل فیما یخص الموت وأشیاء أخرى من الموتیفات المتکررة فی الفردوس المففقود.» (ملتون، 2011م: 14) «لیس غرض ملتون أن یروی لنا ما هو مروی ملایین المرات، بل غرضه الموقف الأدبی وهو موقف خطیر ودقیق ولیس بالموقف السهل؛ لأنه لا یحسم الأمور کما یفعل العلم والعلماء بل یبقى على القارئ مشارکاً فی المسائل المطروحة. هذا الموقف الأدبی الذی یتخطى الزمان ولاتطاله ریشة التصحیح أو الإلغاء کما تطال النظریات العلمیة.» (المصدر نفسه: 30) یظهر الموقف الأدبی من خلال اللغة والأسلوب والخیال البشری و تکوین الموقف الأدبی یحتاج إلى آلیات. تکمن الآلیات التی تتمسک به صبا لإظهار موقفها فی التراث الأدبی والرؤیة الفلسفیة والنظرة الدینیة. تأثرت صبا بالتراثین الأدبین العربی والعالمی المتمثلین فی تراث محمود درویش فی شقه العربی وجون ملتون وتی. إس. الیوت فی شقه العالمی. تطبعت صبا بالفردوس المفقود والأرض الیباب لتشیید عالم یتخذ من جدة حیزاً مکانیاً له. یتغنى ملتون لوطنه ویحکی الأحداث التی طالته وتنتهج صبا نهج الشاعر الإنجلیزی بالضبط حیث تتحدث صبا عن الاحلام المنهارة وتشیر إلى قصة آدم وحواء. تقتطف صبا قسماً من ذلک الحماسة: «أی شقی أنا! فی أی اتجاه ینبغی أن أحلّق غاضباً بلا حدّ ویائساً بلا نهایة؟ وفی أی اتجاه حلّقت ثم حجیم، أنا ذاتی جحیم، .... ألم تبق فسحة للتوبة أو الغفران؟ .... إن وداعاً للأمل، ومع الأمل وداعاً للخوف وداعاً للندم!» (الجهنی، 2006م: 35) وهناک فی لحمة السرد وسداه إشارات إلى حماسة جون ملتون الشعریة أی الفردوس المفقود. عندما تتحدث صبا عن أحلامه وانهیارها النفسی فتشیر إلى الفردوس المفقود ومحتواه. «الدانتیلا والشموع والفردوس المفقود. ذهبت الدانتیلا وبقیت شمعة والفردوس المفقود. الفردوس المفقود! من أین جاء هذا الاسم؟ و من أی کتاب التقطته؟ فی أی قصة قرأته؟» (المصدر نفسه: 34) ومثله «الدانتیلا والشموع والفردوس المفقود. الدانتیلا! کیف تبدأ مراسیم الرحیل بغیر الدانتیلا؟الدانتیلا والخیبة والظلام والبحر. الفردوس المفقود من ورائی والبحر من أمامی.» (المصدر نفسه: 29) لقد عانت صبا فی حیاتها الغرامیة من آلام نخرت جسمها وروحها معاً. تستنسخ صبا فی سردها بعض التجارت ویدلّ التکرار فی السرد على إحباط صبا ومعانتها. تکشف الدوال فی البنیة السردیة عن عمق الصراع الفکری ومجابهة الثنائیة التی استدعت الاستنساخ والتکرار. یخضع السرد لتجربة صبا الملئیة بالصراعات. إن الفردوس الیباب رؤیة صبا عن هذا العالم وظاهرة التکرار فی النص الأدبی مهمة للغایة إذ یرید المبدع أن یؤکد على قضیة هامة لفتت انتباهه أثناء العمل ویقصد بهذا التکرار توکیداً أکثر وللتکرار علاقة وثیقة بین الظروف المحیطة بالشاعر وطبیعته النفسیة. فإنه یحتاج إلى وعی کبیر وانسیاب شعوری یطلی النص طلاء معنویاً و«القاعدة الأولیة فی التکرار أن اللفظ المکرر ینبغی أن یکون وثیق الارتباط بالمعنى العام.» (الملائکة، 1967م: 231) الانفتاح على الأرض الیباب لـ تی. إس. الیوت إن الفردوس الیباب الذی ترسمه صبا فی الروایة تعبیر عن دمار نفسی ترى صبا أنه یتواصل فی العالم طوال الدهر. یتراوح أسلوب صبا السردی بین الإحالات المباشرة وغیر المباشرة إلى أعمال شتى. فهذه الإبداعات الأدبیة تتواصل مع البعض فی صورة حدیثة. تأثرت صبا تأثراً شدیداً بالأرض الیباب لتی. إس. إلیوت. تتفنن صبا بتحولٍ مستمرٍ ومن خطابٍ إلى خطاب وتتنقل فی السرد من تجربة إلى تجربة. هذا الأسلوب السردی لصبا رهن بمعرفتها بهذه القصیدة الطویلة حیث یستخدم الشاعر الأنواع المختلفة الشعریة ویغیر اللحن. «فقسم من نجاح الشاعر مرهون لمحاکاته من أسلوب الآخرین وتضمینه لأقوالهم فی شعره.» (سجادی، 1393ش: 22) لذلک علینا أن نعتبر سرد صبا لغة الإحساس. فنلفی اجتماعاً مؤثراً لشتى الأحاسیس فی النص. إن السرد لدى صبا تتمرکز فیها الخبرات المختلفة التی مخضت شعوراً جدیداً تتواصل فیه الکلمات التی ترسم حدود عالم جدید. قامت صبا بلملمة شتى الأحاسیس والخبرات وشیدت عالماً جدیداً تتلاقى فیه شتى الخطابات. فالسرد نتیجة لمقطوعات أدبیة. یحمل السرد فی الروایة فلفسة خاصة. إن الفردوس الیباب مضمار لتلاقح الأحاسیس التاریخیة وتلاقیها فی ذهن صبا الحساس. یحمل الفردوس الیباب فی لحمته وسداه هواجس محمود درویش وملتون وإلیوت ویمکن قراءة ذاتیة بهواجس هولاء عبر سرد صبا دون أن نقرأ آثار هؤلاء الشعراء أو دون أن نراهم أو نتفرس فیما قالوه. إن تجربة صبا بوتقة انصهر فیها الحس التاریخی لهؤلاء الأشخاص وتحول هذه الخبرات الشتى إلى کل واحد متواصل. الفردس الیباب الذی شیدته صبا هو معادل موضوعی لهذه التجارب. وجدت صبا هذا المعادل فی آثار هولاء فعبرت عنه فی الفردوس الیباب فی تجربة ذاتیة خاصة بها. والمعادل الموضوعی لدى إلیوت یشیر إلى الأداة الرمزیة للتعبیر عن المفاهیم المجردة کالعواطف و«یرى تی.إس. إلیوت أن الأحساسیس نوع من الاجتماع. فالإحساس ظاهرة جدیدة تنتج عن اجتماع خبرات متعددة.» (قادری سهی، 1390ش: 96) خلاصة القول إن قصیدة الأرض الیباب أثرت على الفردوس الیباب من حیث الأسلوب واللغة والانفتاح النصی حیث أفضت ثقافة صبا ومعرفتها بهذه القصیدة ثم تأثرها بها إلى استدعاء التجارب المختلفة والانفتاح علیها والاستقاء من الروافد المختلفة لتنمیة النص وتشکلیه اللغوی.اتبعت صبا نظریة المعادل الموضوعی ورأت أن استلهام النصوص الأخرى یهدیها إلى العثور على معادل موضوعی لتجربتها المعیشة. استلهام القرآن ینقسم توظیف الآیات القرآنیة إلى قسمین: الأول قسم توظف صبا الآیات المصرحة مثل: «هتف موسى علیه السلام فانفلق البحر وکان کل فرق کالطود العظیم.» (الجهنی، 2006م: 79) استمدت صبا بآیة 63 من سورة الشعراء حیث ذکرت قصة موسى علیه السلام وعبوره من البحر والمخاطر المحفوفة بشعبه. إن اختزال الروح بالنسبة لصبا أمر صعب إلى حد أنه یشبه عبور موسى علیه السلام من البحر. أرادت صبا أن تبدأ رحلة لا عودة لها وهذا الأمر یحتاج إلى مبادرة جرئیة وخطوة مهمة ألا وهی الانتحار والاختیار الواعی للموت. على صبا أن تفلق بحراً من الوحشة والضیاع وتبحر إلى فردوسها الذی تنشده. ومن الآیات المصرحة فی الروایة آیة 8 من سورة السجدة حیث یقول الله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِینٍ﴾ (السجدة: 8) وما أهاب بصبا إلى استخدام هذه الآیة، وضاعة سلالة الإنسان وما یترتب من هذه الشیمة. تحمل إشارة صبا إلى مصطلح "ماء مهین" دلالة واضحة على ما خلق منه الإنسان. تشیر صبا أثناء السرد إلى الآیة 6 من سورة الملک إذ قال الله تعالى: ﴿وللذین کفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصیر﴾ (الملک: 6) مستحضرة هذا الکلام: «شکسبیر مات. اغتاله شایلوک وتردى فی جهنم وبئس المصیر.» (المصدر نفسه: 8) وشایلوک الرجل الیهودی المرابی من شخصیات مسرحیة تاجر البندقیة لولیم شکبیر ورمز للجشع والحقد والکراهیة. فهو رجل قذر مستغلّ. تقیم صبا علاقة بین شایلوک وعامر حیث تجمع بینهما القذارة فمصیر کلاهما جهنم وبئس المصیر. تبین صبا مصیر عامر بعد کل ما فعل بها وتقرر أنه لاشک ینتهی أمر عامر إلى جهنم.تستعیر صبا لبیان هذه الفکرة آیات قرآنیة. والقسم الثانی هو الإلماع إلى المضمون القرآنی نحو«کان الصخر یغور ویغور ویغور والجسد یصیر رملاً طریاً لائذاً بحمى البحر ویصیر بریة البحر ماءها الذی خرجت منه. بصورة ما کلنا أیضاً خرجنا من ماء مهین.» (المصدر نفسه: 82) ففیه تکرار للفکرة التی تکرسها "ماء مهین" ومن هذا الإلماع إلى القصص القرآنیة أشارة صبا إلى قصة ثمود «ربما تصیرین أنت أیضاً بعد دهر أحفورة من أحافیر جدة أو نقشاً أصغر عمراً من نقش ثمودی ظلّ مطموراً فی وادی البویب آلاف الأعوام یضرع فی البریة لإلهة کاهل قبل أن تلحظه عین.» (المصدر نفسه: 83) تشیر صبا إشارات إلى قصة ثمود التی وردت ذکرها فی القرآن مثل الآیة 11 من سورة الشمس إذ قال الله سبحانه: ﴿کذبت ثمود بطغواها﴾ (الشمس: 11) والآیة 141 من سورة الشعراء حیث یقول الله تعالى: ﴿کذبت ثمود المرسلین﴾ (الشعراء: 141) فالقرآن هو من مناهل الإیحاء فی سرد صبا. نجد أن السرد یتناص مع النص القرآنی حیث تفتقر فکرة الفردوس الیباب التی تتبناها صبا إلى التوکید والتعزیز. تذکر صبا آیات قرآنیة تناقش سقوط الإنسان ومصیره. تتمتع صبا فی تبیین عالمها ووصف مواصفاته بالقصص القرآنیة التی تتطرق إلى ما دها الإنسان. ساهمت آی القرآن الکریم فی تمثیل تجربة صبا. تشیر صبا بعد ذکرها قصة آدم وحواء إشارة مباشرة وکذلک غیر مباشرة إلى سقوط الإنسان. تلفت صبا انتباهنا إلى هذه القصة القرآنیة. استقت صبا قصة آدم وحواء من القرآن لتمثیل فکرتها وتجسیدها عبر اللغة.تتخلل إشارات متعددة السردَ إلى هذه القصة حیث تقول صبا: «الفردوس المفقود وآدم وحواء والشیطان. دائماً آدم وحواء وحتى الکون بدأ بآدم وحواء وشیطان وفردوس مفقود.» (الجهنی، 2006م: 36) فیمکن القول إن هذه القصة توسع الإنتاج الدلالی للسرد وتهیئ لقراءته ویعمق أثر هذه القصة الإحساس لدى صبا. استدعت صبا هذه القصة للکشف عن أزمتها النفسیة وخطیئتها التی أوجبت سقوطها من الجنة. الشقاء الذی یتابع صبا شقاء أبدی یطارد النوع البشری. ترى صبا الأرض فردوساً یباباً یجب الخروج منه وهی التی تقرر إعطاء المعنى للحیاة. قررت صبا مغادرة هذا الفردوس لعلها تدخل فی جنة عامرة خالدة وعزمت على تدارک الهزیمة التی منیت بها. هذه القصة صورة متجسدة للخطیئة ومحاولة للعودة إلى أیام العزّ. تقتنص صبا إیحاء النص القرآنی لبث مشاعرها فی السرد والتعبیر عن تجربة عامة للبشر وتستعیر قصة آدم وحواء من القرآن لإبراز الخطایا المتوصلة للإنسان؛ لأن البشر من سلالتهما. أفرزت هذه الکثافة المعنویة شعوراً فی الصعید الفردی والجمعی وأقامت حواراً بین الماضی والحاضر. امتلأ التمشهد فی هذا الانفتاح بالحزن والإحباط وأفضى إلى تجسید لحظات الترح وتصویر الروح المقیدة بسلاسل المأساة. یشیر التمشهد أو الاستعارة الکبرى فی هذا الموقف إلى ما وصل إلیه الإنسان من الشقاء المتواصل والسقوط المستمر والضیاع المتوالی. یبرهن المشهد على فجیعة لا تنتهی ما یعیش الإنسان. فقصة آدم وحواء ترمز إلى اقتراف الجریمة والسقوط إلى فردوس یباب. مزجت صبا فی سردها بین لغة العقل وبین لغة الإیحاء والرمز. یأتی استخدام صبا للغة الشعریة مستلهمة من القرآن الکریم لأن «اللغة الشعریة المستوحاة من القرآن الکریم لیست لغة عادیة هدفها إیصال المعنى بل هی لغة مؤثرة تثیر فی النفس عمق الإدراک والتقصی للواقع المألوف والمتخیل.» (علی یوسف إسماعیل،2012 م: 49) «واستحضار مثل هذه القصة القرآنیة یحقق البعد المعرفی للانفتاح النصی، حین ینقل القارئَ إلى أجواء القصة لتبدو مرآة تنعکس على سطحها صورة الواقع بطریقة إیحائیة غیر مباشرة وهو ما یضفی إلى النص غنى وجمالاً فنیاً.» (جابر، 2007م: 1076) استلهمت صبا من القرآن الکریم قصة آدم وحواء وإخراجهما من الفردوس بعد اقترابهما من الشجرة المحرمة وأکل ثمرتها. تفجر هذه القصة طاقات دلالیة فی السرد حیث تعتمد صبا علیها للتعبیر عن نظرتها تجاه الحیاة أو قُلْ لبیان فلسفة تعیشها صبا فی حیاتها. تعتبر هذه القصة القرآنیة بؤرة للسرد واستیعاب الجوانب المختلفة لهذه الفلسفة. تمتص صبا من قصة آدم وحواء ثوابت عالمها وتستقی منها سیاقها السردی. الرموز التاریخیة (الزمکانیة) یشکل الأندلس والقدس قسماً من تاریخ العرب ومجدهم. یرمز القدس إلى القداسة والأندلس رمز لمجد العرب و ضیاع الأندلس معادل لضیاع الوطن المفقود وکذلک غرناطة ترمز إلى النکبة والإذلال. إن الأندلس والقدس وغرناطة کلها رموز تاریخیة مکانیة تبرهن على ضیاع العرب وتقهقرهم ونکباتهم. تشیر هذه الإحالات التاریخیة إشارة واضحة إلى تشتت العرب الذی تجلى فی صورة لغویة عند صبا. تتحدث صبا عن الضیاع وتستقدم الرموز التاریخیة عند العرب التی تصور تاریخ حروبهم وانسحابهم أمام العدو. وجدت صبا همها وانهزامها وإذلالها فی هذه المدن المقهورة لتصویر شعورها فی أبهى صورة. تروی صبا وحدة مأساتها مع هذه المدن الرمزیة کأنها ترید أن تقول إن ما عانت منه یساوی ما تحمّله العرب بعد الانسحاب أمام الخصم وتسلیم المدن له. ترى صبا أن مأساة هذه المدن برمتها اجتمعت فیها فتدعی الوحدة بینها وبین هذه المدن بحیث أصبح کیانها وروحها مضماراً لالتقاء هذه المصائب. تقول صبا عن هذا التشابه عبر هذه الکلمات: «("واعرباه، واعرباه. أدرکونی، أغیثونی. غرناطة جدیدة تهوی، قدس أخرى ستسلب. التفتوا إلی، أغیثونی. لاتضیعونی".» (الجهنی، 2006م: 33)تستبطن عبارة "غرناطة جدیدة تهوی" معنى جمیلاً إذ تشبه صبا نفسها بغرناطة جدیدة تسقط بید العدو «ارتبط لفظ غرناطة بمعانی النفی والتشرید وبخروج العرب منها من الأندلس جمیعها؛ لذلک کانت الفاجعة أکبر والمصاب جللاً.» (علی یوسف إسماعیل، 2012م: 174) تشیر صبا عبر هذا التشکیل اللغوی وتوظیف رمز تاریخی للعرب إلى الفاجعة التی أصابتها حتى تجعل مصابها تساوی ضیاع غرناطة ومجد العرب. حین تسرد صبا استسلامها وخضوعها لکوارث الحیاة فغرناطة هی الرمز الذی تشیر إلى هذا الشعور والإحساس لدى صبا وترمز لدیها إلى الاستسلام والسقوط. إن سقوط غرناطة «لحظة ضعف وانهزام وضیاع وسقوط للذات العربیة.» (بوحجر، 2018م: 155) هناک تصعید عاطفی وشعور بالخذلان لدى صبا عندما تصف مشهد رفرفة العلم الأمریکی فی موقع یتقاطع شارع فلسطین مع شارع الأندلس إذ تقول صبا: «...حتى القنصلیة الأمریکیة اختارت موقعاً یتقاطع فیه شارع فلسطین مع شارع الأندلس لتقیم مبناها. هاهاها، روعة. لا یفکر بهذه الطریقة إلا الأمریکان. الأندلس وفلسطین وعلم أمریکی یرفرف فوقهما!» (الجهنی، 2006م: 48) إذن یدل تکرار الرموز المکانیة مثل الأندلس والقدس وغرناطة أثناء السرد على هذا الشعور بالإحباط والضیاع والخراب. ترسم لنا هذه المدن مدى حالات صبا النفسیة والعناء الذی أصابها. رضخت صبا تحت وطأة هذه المعاناة التی تقودها شیئاً فشیئاً نحو الانتحار ثم تقارن انهزامها بضیاع القدس والأندلس وتساوی همّها بما خلفته هذه القضایا فی الذاکرة الجماعیة للعرب والمسلمین. النتیجة بعد قیامنا بدراسة الروایة من حیث آلیات نمو النص واکتماله منطلقین من الافتتاح السردی وتسلیط الضوء علیه یتراءى من خلال البحث ما یمکن اختزاله فی النقاط التالیة: 1-إن السرد فی الروایة نص تهجینی أی أنه یترواح بین السرد والشعر لبیان المواقف الشعوریة والتجارب حیث تتعاظم المواقف وتثار عاطفة قویة. وهذا التهجین النصی یبدو منذ العنوان والافتتاح السردی الذی یرسم المشروع السردی للروایة. 2-استمدت الروایة بلغة شعریة إیحائیة کإحدى آلیات نمو النص لبیان التجربة فی قالب لغوی رامز یسع التجربة بأقل کلمات. تقل الکلمات فی السرد ولکن المعنى یفیض. 3-انفتح النص على النصوص المتعددة ولا تأتی هذه العملیة اعتباطیا بل تنشأ من ثقافة السارد التی تخدم الموقف. 4-إن النص بعد اکتماله تحول إلى استعارة کبرى سمیت بالفردوس الیباب أی أن الروایة خلاصة تجارب سابقة فی صورة جدیدة تتطابق مع واقع جدید.
| ||
مراجع | ||
القرآن الکریم أمین، أحمد. (2012م). النقد الأدبی. القاهرة: مؤسسة هنداوی. بوحجر، محمود. (2018م). التجربة الشعریة عند محمود درویش مقاربة فی جمالیة التلقی. بحث مقدم لنیل شهادة الدکتوراه. الجزائر: جامعة الجیلالی الیابس. جابر، ناصر. (2007م). «التناص القرآنی فی الشعر العمانی الحدیث». مجلة جامعة النجاح للأبحاث. مجلد 21. العدد 4. صص 1079 – 1096 الجهنی، لیلى. (2006م). الفردوس الیباب. ط2. ألمانیا: منشورات الجمل. جرادات، رائد ولیدات. (2013م). «بنیة الصورة الفنیة فی النص الشعری "الحر" نازک الملائکة أنموذجاً». مجلة جامعة دمشق. المجلد 29. العدد أ+2. صص 551 – 538 خیر بک،کمال. (1986م). الحداثة فی الشعر العربی المعاصر. ط2. بیروت: دار الفکر. سجادی، سید بختیار و ناصر رستمی. (1393ش). «اشعار تى اس الیوت در زبان فارسى: بررسى موردى ترجمه استعاره در سرزمین بی حاصل». فصلیة مطالعات زبان وترجمه. العدد 1. صص 19 – 36 ستالونی، إیف. (2014م). الأجناس الأدبیة.ترجمة محمد الزکراوی. بیروت: المنظمة العربیة للترجمة. سعید، خالدة. (2008م). الاستعارة الکبرى فی شعریة المسرحیة. بیروت: دار الآداب. شرتح، عصام. (2018م). جمالیة اللغة الشعریة. الأردن: دار الآمنة. ـــــ. (2018م). مستویات الإثارة الشعریة عند شعراء الحداثة المعاصرین. الأردن: دار الآمنة. شعث، أحمد جبر. (2014م). جمالیات التناص. الأردن: دار مجدلاوی. عبد الحسین محمود، بدران. (2012م). التناص فی شعر العصر الأموی. عمان: دار غیداء. عبد المهدی طه، عقبة فالح. (2014م). الاستعارات الکبرى ودلالتها فی أعمال محمود درویش. رسالة مقدمة لنیل درجة الماجستیر. فلسطین: جامعة بیرزینت. عصفور، جابر. (1992م). الصورة الفنیة. ط 3. بیروت: المرکز الثقافی العربی. علی محمد، أحمد. (2016م). فی الشعریة. سوریا: الهیئة العامة السوریة للکتاب. علی یوسف إسماعیل، نداء. (2012م). التناص فی شعر محمد القیسی. دراسة مقدمة لنیل درجة الماجستیر. فلسطین: جامعة النجاح الوطنیة. العمامی، محمد نجیب. (2013م). البنیة والدلالة فی الروایة. السعودیة: مطبوعات نادی القصیم الأدبی. عیساوی، عیسى. (2018م). «جمالیات التشکیل اللغوی فی روایة تواشیح الورد لمنى بشلم». مجلة جامعة محمد خضیر. العدد 23. صص 195 – 210 قادری سهی، بهزاد و ناهید احمدیان.(1390ش). «کلاسیسیم ورمانتیسم وردزورت در متن اندیشه نیمایی: تقابل رمانتیک و ضد رمانتیک در ارزش احساسات و نامه همسایه». مجلة ادبیات تطبیقی. العدد 4. صص 83 – 99. قدیمی، مهوش. (1385ش). «در آستانه متن مجلة پژوهشهای زبان». السنة الثانیة عشرة. العدد 33. صص 115-132 الماضی، شکری عزیز. (2008م). أنماط الروایة العربیة الجدیدة. الکویت: عالم المعرفة. لایکوف، جورج و مارک جونسون. (2009م). الاستعارات التی نحیا بها. ترجمة عبد المجید جحفة. ط2. الدار البیضاء: دار توبقال. مجربیان، لیلا و محمدرضا نصراصفهانی.(1392ش). «انسان، شیطان و خدای مولانا و میلتون». مجله الهیات تطبیقی. السنة الرابعة. العدد 4. صص 55-72 مراح، محمد. (2013م). هندسة المعنى فی الشعر العربی المعاصر محمود درویش نموذجاً. رسالة لنیل درجة الماجستیر. الجزائر: جامعة وهران. الملائکة، نازک. (1967م). قضایا الشعر المعاصر. ط3. بغداد: منشورات مکتبة النهضة. ملتون، جون. (2011م). الفردوس المفقود. ترجمة حنا عبود. دمشق: الهیئة العامة السوریة للکتاب. نامور مطلق، بهمن. (1394ش). در آمدی بر بینامتنیت. ط2. طهران: سخن. الورقی، سعید. (1983م). لغة الشعر العربی الحدیث. ط2. مصر: دار المعارف. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 357 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 345 |