تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,619 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,305,662 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,360,051 |
سيميوطيقا التوتر في رواية طوق الحمام لرجاء عالم علی ضوء منهج جاک فونتاني وکلود زلبربيرج | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 2، دوره 11، شماره 41، تیر 2021، صفحه 41-64 اصل مقاله (246.14 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
رجاء أبوعلی1؛ بهزاد اسبقی گیگلو* 2 | ||
1أستاذة مساعدة في فرع اللغة العربیة وآدابها بجامعة العلامة الطباطبائي، طهران، إیران. | ||
2طالب الماجستیر في فرع اللغة العربیة وآدابها بجامعة العلامة الطباطبائي، طهران، إیران. | ||
چکیده | ||
السیمیوطیقا عبارة عن نظریة عامة للأدلة وسیرها داخل الفکر، ویعد الهدف الأساسي من المنهج السیمیوطیقي اقتحام النصّ الأدبي مثل الروایة، والاطلاع علی خفایاه وتمییز خصائصه؛ لیستخرج السیمیوزیس منها أسس النقد التحلیلي وأرکانه. وبهذا تعتمد سیمیوطیقا التوتر علی فصل الرغبة عن الإمکان والتحقق، وهو قائم علی جدلیة القوة والمدی، هذا من ناحیة ومن ناحیة أخری، التوتر یمثل مکاناً تخييلیّاً أنتجه تفاعل حالات الذات والوجدان مع عالم الأشیاء في امتداده الزماني والمکاني والکمي. اعتمدت هذه الدراسة علی المنهج الوصفي ــ التحلیلي ونحن هنا بصدد دراسة روایة طوق الحمام ونقدها علی ضوء منهج سیمیوطیقا التوتّر مع دراسة أهمّ العناصرالسیمیوطیقیة التي نراها في الروایة وبین شخصیات المجتمع المکي في عصر ما بعد الکولونیالیة. توصّل البحث إلی أنّ هذه الدراسة في سیمیوطیقا التوتّر أدّت إلی ظهور التوتّر الموجود بین شخصیات وحوادث الروایة بحیث قد یصل التوتّر إلی حدّ لا یفهم المتلقي معه الحوادث الموجودة في الروایة وکلام الشخصیات فیها، أو قد یفهم معنی آخر یختلف عن قصد الکاتبة. ویتعیّن من البحث أنّ التصورات النظریة في الروایة حسب سیمیوطیقا التوتر قد یؤدي إلی تحدید بعض القیم الأساسیة في توتر الثقافة والحضارة لتحدید الشدة والمدی بهما. واستنتجنا أنّ الأبعاد الأساسیة والمنظور الداخلي والخارجي والزمان والمکان والقیم الکونیة والمجردة من شخصیات وحوادث الروایة خاصة الأبعاد الفرعیة والذات المدرکة والمتلفظة قد أسهمت کثیراً في توتر الثقافة والحضارة المکیتین. | ||
کلیدواژهها | ||
سیمیوطیقا التوتر؛ طوق الحمام؛ رجاء عالم؛ جاک فونتاني؛ کلود زلبربیرج؛ ما بعد الکولونیالیة | ||
اصل مقاله | ||
النقد الأدبي هو العلم الذي یولي عنایة واهتماماً کبیرين بنقد الظواهر الأدبیة من کافة جوانبها، وذلک لکي یکون قادراً علی إطلاق الأحکام علیها سواء أکانت صحیحة أم غیر صحیحة ویربط بسائر العلوم الإنسانیة التي یلعب الإنسان فیها الدورالأساسي. ویعتبر موضوع النقد الأدبي من أهمّ الموضوعات التي یعالجها الباحثون والدارسون لمسائل الحیاة الأدبیة والفکریة، ویهدف النقد قراءة الأثر الأدبي، ویقصد تبیان مواطن الجودة والرداءة، ویمیّز مواطن الجمال، ومواطن القبح. «والنقد في الاصطلاح هو فنّ تقویم الأعمال الفنّیة والأدبیة وتحلیلها تحلیلاً قائماً علی أساسٍ علميٍ.» (مجدي، لاتا: 97) ومن اللافت للنظر أنّ المنهج السیمیوطیقي من مناهج ما بعد البنیویة مع أنّه نشأ مع البنیویة وفي أحضانها، ولعلّ القضیة التي تواجهنا عند الحدیث عن هذا المنهج هي قضیة المصطلح، فتارةً یسمی بالمنهج السیمیوطیقي، وتارةً بالمنهج السیمیولوجي، وتارةً أخری بالمنهج السیمیائي، وهذا المصطلح الأخیر عربي. «ولعلّ تعدد الروافد الثقافیة المختلفة کان السبب الرئیس في تعدد المصطلح، فمن نقل عن دي سوسیر أو مدرسة جنیف آثر مصطلح (السیمیولوجیا)، ومن نقل عن الثقافة الأنجلوسکسونیة آثر مصطلح (السیمیوطیقا)، غیر أنّ بعض النقاد العرب آثر أن یبحث في تراث لغتنا العربیة عن کلمة مناظرة للمصطلح الغربي أو تؤدي بشکل تقریبي الدلالة اللغویة المطلوبة في العلم الحدیث فاختار (السیمیاء)، واشتقّ منها (السیمیائیة) ومن الملاحظ أنّ المصطلح الأخیر قد شاع استخدامه بین نقاد بلاد المغرب العربي.» (السمري، 2011م: 285) صارت السیمیوطیقیة منهجاً نقدیاً في شتی المعارف، والدراسات الإنسانیة والفکریة، والعلمیة، وأداة في مقاربة الأنساق اللغویة، وغیر اللغویة. وأصبح هذا التحلیل مفتاحاً حداثیاً، وموضة لابد من الالتجاء إلیها قصد عصرنة الفهم، وآلیات التأویل، والقراءة. «إذا کانت التداولیات المنطقیة تهتم بالمعنی والإحالة المرجعیة، وإذا کان علم الدلالة منشغلاً بدلالات الجمل، فإنّ السیمیوطیقا تهتمّ بالعلامات والرموز والإشارات والأیقونات والدوال اللسانیة، بعیداً عن حمولاتها المرجعیة والمقصدیة والواقعیة. ویعني هذا أنّ السیمیوطیقا هي نظریة للعلامات بصفة عامة.» (حمداوي، 2011م: 57) الهدف من هذه الدراسة أولاً تعریف روایة طوق الحمام وکاتبتها رجاء عالم وثانیاً الحوادث التي حدثت خلال الروایة حول ثقافة مدینة مکة والعناصرالأخری علی ضوء نقد سیمیوطیقا التوتّر وتأثیر الدال والمدلول علی الشدة والمدی، ویتمّ اکتشاف العناصر السیمیائیة الروائیة علی ضوء هذا المنهج. هذا النوع من نقد سیمیوطیقا التوتّر جدید في العصور الأخیرة ولم یُدرس دراسة نقدیة علی الروایة. أسئلة البحث 1.کیف یمکن تطبیق سیمیوطیقا التوتّر في نقد ما بعدالکولونیالية علی روایة رجاء عالم؟ 2. کیف انعکست ثقافة المجتمع المکي السعودي سیمیوطیقیاً توتّریاً علی روایة طوق الحمام؟ فرضيات البحث
منهج البحث اعتمدت هذه الدراسة علی المنهج الوصفي ــ التحلیلي مستندةً علی نقد سیمیوطیقا التوتر في روایة طوق الحمام لرجاء عالم ونقدها وکشف زوایاها ورموزها علی ضوء منهج سیمیوطیقا التوتّرعند جاک فونتاني وکلود زلبربیرج وعرض تقنیاتها الجمالیة مع دراسة أهمّ العناصرالسیمیوطیقیة التي نراها في القصة وبین شخصیات المجتمع وثقافة المکي في عصر ما بعدالکولونیالیة. خلفیة البحث هناک عدة دراسات بصورة عامة حول النقد السیمیوطیقي وروایات رجاء عالم ولکن لاتوجد دراسات بصورة خاصة حول سیمیوطیقا التوتّر، منها: 1ـ کتاب "شعریة الفضاء في روایة طوق الحمام " لزهراء عبدالله آل سلام الذي نُشر في السعودیة وتحدثت الباحثة زهراء عبدالله آل سلام في هذا الکتاب عن نقد وتحلیل الفضاء السردي في روایة طوق الحمام. 2ـ کتاب "سیرة مکان ممکنة " للناقدة جمیلة العبدالله حول روایة طوق الحمام والذي نُشرأیضاً في السعودیة والکاتبة تحدثت عن سیرة المکان الروائي والسردي الموجودة في روایة طوق الحمام بشکلٍ عام، ولم تتحدث حول النقد السیمیوطیقي. 3ـ رسالة ماجستیر "المتخیّل السردي في روایة طوق الحمام لرجاء عالم" لأمنیة داودي الذي تمّ نشرها في الجمهوریة الجزائریة، جامعة العربي بن مهدي أم البواقي سنة 2015م وتحدثت الباحثة عن عنصر التخیل والمتخیل السردي في النقد الغربي والعربي الروائي والتأویلي والسیمیائي الملائم لطبیعة الموضوع والمتن ورؤیة السردیة والرؤیة مع السارد والشخصیة وبنیة العتبات النصیة وعتبات الغلاف في روایة طوق الحمام وما أشارت إلى السیمیوطیقیة أية إشارة. 4ـ السردیات النسویة دراسة تطبیقیة علی روایات رجاء عالم، رسالة الماجستیر لفاطمة بنت فیصل العتیبي في السعودیة الذي تمّ نشرها بجامعة الملک سعود بالریاض سنة 2008م وبالمناسبة کُتِبَت هذه الدراسة قبل نشر روایة طوق الحمام لرجاء عالم. 5 ـ رسالة ماجستیر في جامعة الخوارزمي تحت عنوان "نقد اجتماعی وتاریخی رمان طوق الحمام از رجاء عالم " کاتبتها "السیدة إلهام جامع هلان" سنة 1398 ه.ش، تحدثت الباحثة خلال بحثها عن النقدین الاجتماعي والتاریخي في روایة طوق الحمام ولم تُشر إلی نقد سیمیوطیقا التوتر والنسویة. 6 ـ رسالة ماجستیر في جامعة المحقق الأردبیلي تحت عنوان "بررسی عناصر داستانی در رمان طوق الحمامِ رجاء عالم "، کاتبها "السید نوید بورطهماسبي بیاجال" سنة 1398ه.ش، وتحدث الباحث خلال بحثه عن تحلیل عناصر الروایة کالشخصیات، والحبکة، ووجهة النظر،والزمان والمکان، والأزمة، و...إلخ ولم یتطرق إلی هذا النقد المذکور. واستخرج الباحث من رسالته مقالاً تحت عنوان: "السرد الزقاقي ووصف الشخصیات في روایة طوق الحمام لرجاء عالم." 7 ـ وهناک کتابٌ تحت عنوان "هویة المکان وتحولاته، قراءة في روایة طوق الحمام لرجاء عالم" من إیمان جریدان في منشورات دار الکافي. سعت هذه الدراسة إلی رصد العناصر الهویاتیة للمدینة المقدسة (مکة مکرمة) من حیث مناظرها الجغرافیة، وطرزها وآثارها المعماریة وکذا ترکیبتها السکانیة وتاریخها. 8 ـ کتابٌ آخر عنوانه "توظیف کتاب (طوق الحمامة) لابن حزم في روایة (طوق الحمام) لرجاء عالم" ومؤلفه دوش الدوسري في مؤسسة الانتشار العربي. کل هذه الدراسات قد تطرقت إلی مباحث أخری، کما أنه لا توجد دراسة حول روایة "طوق الحمام لرجاء عالم" في مجال سیمیوطیقا التوتّر. رجاء عالم وروایتها طوق الحمام رجاء محمد عالم، روائیة وکاتبة سعودیة من موالید 1956م في مکة یضرب لها الفضل في توثیق البیئة المکیة/الحجازیة في روایاتها، تختصّ روایاتها بسردیة رمزیة صوفیة/غموضیة عمیقة، وفق رؤی کونیة مفتوحة. تُرجمت بعض أعمالها للإنجلیزیة والإسبانیة ومِن أعمالها الروائیة الشهیرة: قریة النورـ حسن الأخضر، سِتر ، موقد الطیر، طوق الحمام و...إلخ. فازت رجاء عالم في عام 2011م بجائزة البوکر للروایة العربیة مناصفة مع الکاتب محمد الأشعري عن روایته القوس والفراشة وعن روایتها طوق الحمام وذلک في حفل أجري في أبوظبي. تصوّر هذه الرواية مجتمع المملکة العربية السعودية، تبدأ الروایة من کشف جثة امرأة بين جدارين في زقاق (أبوالرؤوس) ثم يتواتر السرد لیکشف رموز هذه الواقعة من قبل مخبر. وأبو الرووس اسمٌ لزقاق قديم في مکة وسبب هذه التسمية هو إعدام أربعة أشخاص شنقاً في زمن حياة رجل من الطبقة الأرستقراطية؛ کان هؤلاء الأربعة متّهمين بسرقة ستار الکعبة. في الحقيقة يعدّ هذا الزقاق مکاناً تجري فيه الحوادث فالکاتبة تسرد تصرّفات سکّان هذا الزقاق للمتلقي وهذا السرد يشمل الحوادث التي تجري خلف الأبواب المغلقة وأسرار الفتيات و...إلخ . تبدأ الروایة بموت امرأة مجهولة؛ ومعاذ الذي يعمل في مهنة التصوير فهو مصوّر فوتوغرافي قد عثر على جثة امراة مجهولة في زقاق )أبو الرؤوس(. ولا يتمّ تحديد هويّة المرأة حتى نهاية الروایة مع أنّ تحريات الشرطة على قدم وساق. تتکوّن الرواية من شخصيّات متنوعة کثيرة، وإحدى الشخصيات امرأة اسمها عائشة وهي تؤدّي دوراً هامّاً في القصة. فقدت عائشة جميع أعضاء عائلتها في تصادم وتصاب هي بکسر عظم فخذها. ثم سافرت إلى ألمانيا بمساعدة أصدقائها وهناک عُولجت علی يد طبيب ألماني تقع عائشة في حبّه. تبدأ کثير من فصول هذه الرواية بالرسائل التي أرسلتها عائشة إلى الطبيب عبر البريد الإلکتروني والتي یفحصها المخبر ناصر لیکتشف أسرارها. کما يدخل ناصر في صراع مع زقاق (أبو الرؤوس) الذي يحتفظ بالحقيقة لنفسه ويأبى الإفصاح عنها، مما جعل ناصر يحول ويصول من فرد إلى آخر کبيراً وصغيراً، غنياً وفقيراً تحاور معه لعلّه يعرفه بقطرة من المعلومات عن القضية التي يتبعها، وفي جولته هاته کشف العديد من الأسرار المکبّلة بضمير ميت مثل: حکایة أمّ السعد ونزاعها مع إخوتها علی الإرث والمجتمع العربي، وقصة لبابيد الرسام وزوجته، وحکایة سرقة مفتاح الکعبة، وحکایة الرؤوس الأربعة التي قطعت وعلقت جرّاء سرقة کسوة الکعبة، وحکایة خليل القاضي الطيّار المطرود بشهادة مزيفة إذ يجسد بدوره الصراع النفسي المرير في مواجهة مرض السرطان، وحکایة حب عزة ويوسف ومعاناتها مع والدها الشيخ مزاحم، حکایة حادثة عائشة المقعدة وموت عائلتها وحبّها للطبیب الألماني. يرى ناصر أنّ يوسف هو المشتبه به الرئيس في قتل المرأة ويوسف صحفي وإعلامي. هو مغرم بتفاصيل مکة وعشيقته عزة. تم اتهام يوسف بالجنون والإلحاد خلال الرواية وفي نهاية المطاف سمّاه الناس "شيطاناً رجيماً". موضوع الرواية عبارة عن تطوّرات يقوم بها جماعة من الأغنیاء الحارصین علی أرباحهم والذین یبرّرون تصرّفاتهم بأن الغایة تبرّر الوسیلة. فیقومون باستثمار الشعب فی الحیّ القدیم بمکة للوصول إلی أهدافهم واستغلال المرأة کسلعة تجاریة تؤدّي إلی الربح. ليس المکان منحصراً على مکة حتى نهاية الرواية بل یشمل العالم الإسلامي بکامله ویضمّ إسبانیا والحوادث التی تقع بها. تتحدّث الرواية عن بيوت تمّ تحديدها بعلامة إکس أحمر خلال الروایة وتشیر إلی وجوب تحطیم هذه البیوت الشعبیة وتشیید بناء غربی جدید یشبه ملامح البناء في نیویورک وإدخال الثقافة الغربیة بأنواعها کتحرّر المرأة من الحجاب و تدنیسها. سیمیوطیقا التوتّر عند جاک فونتاني وکلود زلبربیرج حصلت السیمیوطیقا باعتبارها نظریة أدبیة علی أهمیة عدیدة ومتزایدة في العقود الأخیرة للقرن العشرین، وقد صارت الآن جزءاً من مناهج تعلیم الأدب والنظریة النقدیة في عصرما بعدالکولونیالیة. والنقد السیمیوطیقي ینطوي بالضرورة علی مساحات واسعة من الممارسات النقدیة والثقافیة في المجتمع؛ فهو یشمل علی العلامات البصریة بالإضافة إلی العلامات اللّفظیة. «ومن هنا، فاللّسانیات هي جزءٌ من السیمیوطیقا حسب العالم السویسري فردیناند دوسوسیر، مادامت السیمیوطیقا تدرس جمیع الأنظمة، کیفما کان سننها وأنماطها التعبیریة: لغویة أو غیرها.» (حمداوي، 2015مb: 8) ولذلک فإنّ التمییز الرئیس والوحید في اللسانیات یتعلق بمعرفة: «ما إذا کُنّا نعتبر علامة ما أو صوتیة؛ نعتبرهما علامة السیمیوطیقیات أو المورفولوجیات أو دراسة الکلمات وصیغها، النحو، الترکیبات، الترادف، البلاغة، الأسلوبیات، المعجمیات، و...إلخ، الکل متصل وهو ما یقضي مباشرة أربعة عناصر مثل المورفولوجیات، والمفرداتیات، والترکیبات والدلالیات لایمکن اختزالها وثلاث علاقات قائمة مثل البلاغة، والأسلوبیات والمعجمیات بین هذه العناصر... .» (زواوي، 2019م: 99-100) تستمدّ السمیوطیقا باعتبارها منهجاً للتحلیل، أصولها من اللّسانیات والبنیویة والفلسفة والمنطق. ومن ثمَّ، فهي تتفرّع إلی مدارس واتجاهات متعددة ومختلفة ومتنوعة، ویمکن الحدیث عن مجموعة من التصوّرات السیمیوطیقیة التي انتشرت في الحقل الثقافي الغربي منذ الستّینیات من القرن العشرین إلی غایة نهایة هذا القرن، من الجانب التنظیري والجانب التطبیقي، مثل: سیمیوطیقا الأشیاء أو العمل مع کریماص وجوزیف کورتیس وجماعة أنتروفیرن، وسیمیوطیقا الأهواء مع جاک فونتاني وکریماص، وسیمیوطیقا الذات مع جان کلود کوکي، وسیمیوطیقا التوتّر مع جاک فونتاني وکلود زلبربیرج. وتعدّ سیمیوطیقا التوتّر من أهمّ المشاریع السیمیوطیقیة المعاصرة في تحلیل الخطاب، وقد ظهرت في أواخرسنوات التسعین من القرن الماضي ضمن سیاق ما بعد الکولونیالیة الذي یؤمن بالانفتاح علی الذات والعالم والغیر والمتعدّد. «لم تظهر سیمیوطیقا التوتر إلا في سنة 1998م من القرن الماضي مع جاک فونتاني وکلود زلبربیرج، بعد أن أصدرا معاً کتاباً مشترکاً عنوانه(التوتر والدلالة).» (Fontanille, 1998: 32) ولم تتشکّل هذه السیمیوطیقا إلا بعد إنجاز مجموعة من الأبحاث في مجال سیمیوطیقا الأشیاء مع کریماص، أو في مجال سیمیوطیقا الذات مع جان کلود کوکي، أو في مجال سیمیوطیقا الأهواء مع جاک فونتاني وکریماص... تعریف سیمیوطیقا التوتّر یعدّ التوتر ظاهرة منتشرة بشکل کبیر جداً في مختلف شرائح وطبقات المجتمعات. ولکن بالنسبة إلی سیمیوطیقا التوتر «یقوم التوتّرعلی انفصال الرغبة عن الإمکان والتحقق، وینبني أیضاً علی جدلیة القوة و المدی.» (حمداوي، 2014م : 111) یعني التوتر هو الشعور الذي تظنّ أنّه من الواجب علینا المرور به في کل الأوقات. «و أکثر من هذا، فهو مکان خیالي ناتج عن تفاعل حالات الذات والوجدان مع عالم الأشیاء في امتداده الزماني والمکاني والکمي. و یعرف التوتّر أیضاً بکونه مکان تماثل بُعدین هما: الشدة و المدی، أو تماثل حالات الروح مع حالات الأشیاء، ومن هنا، ترتبط هذه السیمیوطیقا بالذات والأهواء کل الارتباط، ویؤکّد هذا تبعیة محورالمدی أو الامتداد والشساعة لمحور الشدة أوالقوة أوالطاقة الذي ینتج عن تقاطعهما ما یسمّی بالتوتر. ولا یعني هذا أنّ التوتّرناتج فقط عن تقاطع هذین البعدین الرئیسین فحسب، بل هو ناتج أیضاً عن تقاطع النغمة (الطابع) والإیقاع (السرعة) مع الزمان والمکان. علاوة علی ذلک، تصف سیمیوطیقا التوتّر مجموعة من الظواهر المرکبة في ضوء نماذج مرکبة کذلک. بمعنی أنّ هذه الظواهر تتمیّز بانسیابها في الزمان والدیمومة والدلالة، مثل: الهویّة والزمان والحساسیة والوجدان والحضور... ویقصد بالنماذج المرکبة وجود مفاهیم متداخلة مع مفاهیم أخری، کتداخل الشدة والامتداد، وتداخل الحسي مع المعرفي، وتداخل المنظور الداخلي مع المنظور الخارجي...» (حمداوي، 2015مa: 115)
نقد الروایة وتحلیلها تنبني منهجیة سیمیوطیقا التوتر علی مقاربة الظواهر الهوویة أو الذاتیة أو القیم، مثل: الهویة، والوجدان، والحساسیة، والحضور من ناحیة الشکل والمضمون. ومن ثم، یدرس المضمون الذات وقیمها علی محور الشدة قوة وضعفاً. في حین، یدرس التعبیر المدی بعناصره الفضائیة والعددیة والکمیة وعلی هذا الأساس تنبني سیمیوطیقا التوتر علی مجموعة من المرتکزات النظریة في هذه الروایة علی النحو التالي: الأبعاد الأساسیة، والأبعاد الفرعیة، والذات المدرکة والذات المتلفظة، والمنظور الداخلي والمنظور الخارجي، والزمان والمکان، والقیم الکونیة والمجردة. الأبعاد الأساسیة یعتبر التوتر صفة تنتاب الإنسان العادي إذا ما کانت تتم بشکل طبیعي وبمعدل معقول. ویکون «التوتر نقطة تقاطع بین بعدین أساسین هما: الشدة والمدی. ویتضمن محور الشدة الأهواء والوجدان والانفعالات (محور الذات). ویتسم هذا المحور بفاصل رئیس یتحدد في (القوة/الضعف). في حین، یضم محور المدی کل ما یتعلق بالأشیاء من عدد، وکمیة، وامتداد، وتنوع، وزمان، ومکان (محور الأشیاء)، ویتحدد في فاصل {المرکز/ المنتشر}. ویترابط المحوران زیادة ونقصاناً. فحینما ترتفع الشدة والمدی معاً یکون اتجاه التوتر مباشراً، وحینما یکون أحدهما مخالفاً للآخر، کأن یکون المدی مرتفعاً، أو تکون الشدة منخفضة، أو العکس صحیح أیضاً، فنحن هنا أمام توتر معاکس أو مخالف. هذا، وتعرف الشدة والمدی معاً تغیرات في قوتهما ضمن سلم مستمر ومتدرج، ینطلق من قوة صفریة إلی قوة منخفضة، وقوة معتدلة، وقوة مرتفعة، وقوة قصوی (قوة غیر نهائیة).» (حمداوي، 2017م: 40-41) بعبارة أخری، أنّ المدی یختلف تعریفه في السیمیوطیقا مع خطاب الحکایة، حیث یقول جیرار جنیت في تعریفه: «یمکن المفارقة الزمنیة أن تذهب، في الماضي أو المستقبل، بعیداً کثیراً أو قلیلاً عن اللحظة الحاضرة (أي عن لحظة القصة التي تتوقف فیها الحکایة لتخلي المکان للمفارقة الزمنیة): سنسمي هذه المسافة الزمنیة مدی المفارقة الزمنیة. ویمکن المفارقة الزمنیة نفسها أن تشمل أیضاً مدة قصصیة طویلة کثیراً أو قلیلاً وهذا ما نسمیه سعتها.» (جنیت، 1997م: 59) ویترتب عن تداخل الشدة والمدی في مجال معرفة الروایة، وجود أربعة أنماط مختلفة من أنواع المعرفة في روایة طوق الحمام کما یلی: ونمثل بذلک بهذه الأمثلة التالیة حسب وجود أربعة أنماط مختلفة من أنواع المعرفة في الروایة: «الشيء الوحید الأکید في هذا الکتاب هو موقع الجثة: الزقاق الضیّق المسمّی أبوالرؤوس، برؤوسه المتعددة. من یجرؤ علی کتابة زقاق کأبوالرؤوس غیري أنا، أبوالرؤوس نفسه، برؤوسه المتعددة. أنا الزقاق الصغیر بطرف میقات العمرة بآخر مکة، أنا أبوالرؤوس مَلِک التَنَفُّس، اللقب الذي استحققتُه من مهارتي في مواجهة المستحیل... .» (عالم، 2011م: 7) وهذا التأکید حول موقع الجثة بالنسبة للمکان في بدایة القصة یثیر تساؤلاً کبیراً لدی القارئ ویفتح باب التحدّي من اللحظة الأولی ویظهر مستوی الشدة والمدی في سیمیوطیقا التوتر بین هویة الجثة ومکانها وکیف قتلت ومن هو أبوالرؤوس حسب الأنواع الأربعة المختلفة من المعرفة: أولاً: شدة منخفضة ومدی منخفض (نعرف القلیل عن القلیل): أبوالرؤوس أو موقع الجثة یشیر إلی مکان أشخاص سرقوا کسوة الکعبة (الرجال الأربعة: الیهودي، والنصراني، والمُدّعِي بالنبوّة وآخرهم مِن عَبَدَةِ النار) وکأنّ اسم الزقاق أتی بقصد التذکیر بحکم شنق الرجال الأربعة علی أساس حکم قاضي مدینة مکة بإصدار حکمٍ سریعٍ علیهم بالشِّرک، أُبِیحَت معه دماؤهم، وضُرِبت رؤوسهم في لیلٍ وأُلقي بأجسادهم ببئرِ یَاخُور حیث تأوي السیولُ بمُخلّفات مکة، ورُفِعَت رؤوسهم علی حُزمَةِ رماحٍ کشواهد ببقعةِ القَبضِ علیهم. وهذا یدلّ علی ارتباطٍ مباشرٍ بین محوري الشدة والمدی أو بین محوري الذات والأشیاء في عرض التوتر الثابت الموجود والقوة الصفریة بین کلمة (أبوالرؤوس) وثقافة المجتمع المکي في موسوعة الأسود طیل الروایة، بمعنی آخر یتضمن محور الشدة الأهواء والوجدان والانفعالات الموجودة في نفس (أبوالرؤوس) وثقافة المجتمع المکي وعلی هذا الأساس یتّسم هذا المحور بفاصل رئیس یتحدد في القوة الصفریة بینهما ویضم محور المدی الرؤوس المتعددة (الرجال الأربعة ومدینة مکة، وزقاق (أبوالرؤوس)، وإلقاء الأجساد ببئر یاخور) وکل هذا یتحدد في المسافة الغریبة وبهذا نعرف القلیل عن القلیل. ثانیاً: شدة مرتفعة ومدی منخفض (نعرف الکثیر حول القلیل): هنا یعتبر الدال الجثة المجهولة (الذات= الشدة) والمدلول أو أبوالرؤوس (الشيء= المدی) بمعنی آخر مکانة موقع الجثة، وبهذا یدل کلاهما علی رمز في الکینونة والتوتر وهذا الحدث مشهور في المجتمع المکي ویشیر إلی التوتر غیر المباشر بسبب ترابط المحورین (الشدة والمدی) زیادة ونقصاناً، فحینما ترتفع الشدة وینخفض المدی فنحن هنا أمام توتر معاکس أو مخالف والذي ینطلق من قوة صفریة إلی قوة معتدلة لعرض التوتر المعاکس والمخالف، والاسترخاء الموجودین بین المحورین. ثالثاً: شدة منخفضة ومدی مرتفع (نعرف القلیل حول الکثیر): فهنا تتداخل الذات الداخلیة مع الموضوع أو العالم الخارجي أو مع ذوات أخری ولیس ما یهمنا هو الدال بل المدلول وما ترمز إلیه کلمة (أبوالرؤوس) حیث کلمة (أبوالرؤوس) تدل علی الخوف والتوتر الموجود إثر ما یقع في هذا الزقاق في المجتمع المکي بصورة مختلفة، وأیضاً تدل علی عرض قوة صفریة إلی قوة معتدلة أمام توترمعاکس ومخالف بین المحورین الشدة والمدی. وبهذا فنحن لا نعرف إلا القلیل حول المجتمع المکي الذي جرت فیه هذه الأحداث المخیفة. رابعاً: شدة مرتفعة ومدی مرتفع (نعرف الکثیر حول الکثیر): وکأنّ المدلول یؤثّر علی الدال فدلالة (أبوالرووس) تؤثر علی الناس في المجتمع المکي داخل ظروف المناسبة للزمان والمکان وهذا یشیر إلی اتجاهین مباشرین في التوتر بین المحورین الشدة والمدی، بعبارة یدلّ علی قوة مرتفعة وقوة قصوی (غیرنهائیة) ضمن سلم مستمر ومتدرج. ویغیرهذا المحور طاقات الصراع المتواصل الإدراکي بین سکان المجتمع المکي ویعود هذا المحور إلی المنظور الداخلي اللغوي (المدلول= أبوالرؤوس والمضمون= ثقافة المجتمع المکي)، في علاقة جدلیة بمستوی التعبیر الذي یقوم علی الزمان والمکان. فمحور القوة في الروایة هو بعد ذاتي، یتضمن ما له علاقة بالجسد (الجثة وأبوالرؤوس)، أو ما له صلة بالذات المتلفظة المدرکة. ویجعل الحافز أکثر أو أقل حیویة؛ إذ تحسّ الذات بشدة أقل أو أکثر، وتشعر أیضاً بالسلطة والجاذبیة في حضور الأشیاء أو غیابها في العالم الخارجي المدرک، أو العالم الداخلي الهووي. أما بعد المدی، فیدرک بطریقة موضوعیة باستحضار المسافة بین الجثة المجهولة والکاشف، والشساعة بین الرؤوس والأزقة غیر آمنٍ، والزمان والمکان بین زمان غیر معلوم والزقاق الصغیر الشّهیر في مدینة مکة، والعدد و الکم بین أربعة رؤوس مجهولة ومدفونة في الزقاق. ونستطیع أن نقول «إنّ الهویّة الشخصیّة لیست فقط نفسانیة أو اجتماعیة، فهي مزدوجة. مثلاً التمییز بین: هویّة نفسانیة اجتماعیة تُسمّي خارجیّة، هي هویّة الذات المتواصلة، والمتمثّلة في مجموعة من السمات المحدّدة لها حسب السنّ والجنس والوضع، ومکانها السلّميّ، ومشروعیتها في الکلام، وصفاتها الإنفعالیة، کلّ هذا في علاقة إفادة بعمل اللغة، وهویّة خِطابیّة تسمّي داخلیّة والجثة هویة الذات المتلفّظة التي یمکن أن توصف بواسطة مقولات کلامیّة عن طریق تناول الکلام، والأدوار التلفّظیّة، وطرق التدخّل.» (باتریک، 2008م: 292) وعلی هذا الأساس تنتج الاستراتیجیات الخطابیة في التوتر السیمیوطیقي ممّا بین السمات الداخلیة والخارجیة من ترابط مباشر وغیر مباشر وتفاعل. ومن هنا، تتداخل الذات الداخلیة أو هویة الجثة مع الوضوع، أو مع العالم الخارجي، أو مع ذات أخری. تتماشی کل هذه الأسالیب مع ما یقتضیه التوتر ومدی التناسب بین الشدة والمدی. الأبعاد الفرعیة قبل أن نخوض في التحلیل، ینبغي علینا أن نذکر ونحدّد الأبعاد الفرعیة في سیمیوطیقا التوتر. وبعبارة أخری «تتضمن سیمیوطیقا التوتر بعدین رئیسین هما: الشدة والمدی. وفي الوقت نفسه، تتضمن بعدین فرعیین مکملین هما: الطابع (النغمة) والإیقاع (السرعة) اللذین یتموقعان معاً علی مستوی الشدة، في علاقة تامة بفرعین آخرین: الزمان والمکان اللذین یتموقعان معاً علی مستوی المدی. وهدف هذین البعدین هو قیاس المضامین، وتبیان درجة الشدة ومسافة المدی. ومن ثم، إذا کان محور الشدة یتحکم في محور الامتداد والمسافة تأثیراً وقوة وطاقة، فإنّ الایقاع أو السرعة یتحکم بدوره في الزمانیة. في حین، تتحکم النغمة بدورها في المکانیة. وعلیه، یکون الإدراک حیاً وحاضراً، حینما یکون طابع النغمة قویاً، فنتحدث ـ هنا ـ عن الادراک المنغم. وحینما یکون الإدراک غائباً أو صفریاً أو ضعیفاً، یکون طابع النغمة ضعیفاً، ویسمی بالإدراک الراکد.» (حمداوی، 2017م: 42-43) بعبارة أخری یشیر هذا البعد إلی ارتفاع نبر التوتر في شدة الطابع والنغمة من حدث عاطفي وثقافي وصوتي وبواسطة تطور الحالة الانفعالیة من الزمن إلی حدّ الاسترخاء التام في الإیقاع والسرعة ویعتمد علی الانحطاط العام لکل من الشدة في التوتر والاسترخاء؛ حیث تنطلق النغمة والسرعة من شدة ضعیفة لتقودنا إلی ارتفاع عالٍ عبر الامتداد الزمني. «ومن المعروف أنّ الشدة أو القوة تراقب السرعة والطابع التنغیمي للزمان. ومن هنا، تحیل المشاهد الحارة فضائیاً علی دلالة القرب، وتدل المشاهد الباردة علی معنی الابتعاد. وقد یوحي الطابع أو النغمة بالرقة والخشونة والنشاز واللیونة. وإذا کان محور الامتداد یحوي الزمان والمکان، فإنّ محور الشدة یتکون من النغمة والإیقاع. وینتج عن الإیقاع والنغمة ما سُمي بالانتشار الساطع، أو قیم الانتشار، فیؤدي ذلک إلی إبراز قیمة التفوق والعلو. وتشتغل الزمانیة والمکانیة باعتبارهما علامات مساعدة لتزکیة القیم الکونیة وتقویتها.» (حمداوي، 2015مa: 129) مثلاً نجد أنّ تیس الأغوات أثناء قراءة الرسالات یعرف أنّ التطوّرات الثقافیة الأخیرة کیف وقعت وتأثّرت؟ ونجد کیف یتحکم الإیقاع في الزمانیة قوة أو ضعفاً في علامة × حسب الإدراک المنغم والإدراک الراکد وکذلک کیف تتحکم النغمة في المکانیة قوة وضعفاً بین الشدة والمدی؟ علی أساس الفصول المختلفة وعلی الأخصّ فصل المانیکانات[1] في الروایة نستطیع أن نقول إنَّ تیس الأغوات الشخصیة التي تمارس ذبح الخراف کطقسٍ یومي أو هو صبيُّ المطبخ (المُتلَذِّذ بذبح الذبائح وسلخها وتکفیتها للأفران، أو تقطیعها لقدور الغموس) الذي یعیش في أزقة أبوالرؤوس، وعلی أساس الملحوظة التي سجَّلَها المحقِّق ناصر القحطاني: لا یزال تیس الأغوات محل شُبهة، ومُرَشِّحاً لأن یکون قاتل الجثة، وعلی هذا الأساس واصَلَ المُحقِّق ناصر طریقَه إلی الحُجرة العلویة حیثُ خلوة تیس الأغوات في یومیات یوسف وهناک واجَهَ مانیکاناتٍ أشباه بأجساد النّساء، وذلک المساء اکتشف ناصر في یومیات یوسف صفحاتٍ عن تلک المانیکانات: «مع هبوط اللیل استسلم جسدُ ناصر لرائحة الزفر تعجن حوله أجسادَ المانیکانات، ولقد وجدتُها فرصة أنا أبوالرؤوس للتسلل إلی تلک الحجرة، جلستُ لناصر علی عتبتها، أفحُّ بأذنیه مقولة یوسف " أنا تیس الأغوات. رأس من بقیة الرؤوس ینفتح لک لتمشي علی خشبته.." ... حتی کان مساء تلک الجمعة، کان یعبر علی غیر هدی في أسواق الغَزَّة، ... وَقَفَ تیس الأغوات لیکشف بأنّ الثمانیة وعشرین عاماً من عمره کانت عبارة عن موسوعةٍ ضخمةٍ بسوادٍ من الغلاف للغلاف، مکتوب علی غلافها: موسوعة النّساء المُصَوَّرة! وکلَّما فَتَحَ صفحةَ بحثاً عن(×) طلعت له لطخة سوداء، عن صورة (×) : سوداء، عن ×××××: سوداء... ثم بدأ التنویع مع المَدِّ السوفیتي وتَصَاعُد حرکات الجهاد، وفاضت الموسوعة لتشمل (×××× و××× و×× طبقات سواد فوق طبقات وموصولات تتصل بموصولات تجتاح العالم... .» (عالم، 2011م: 197-198) المرأة هنا سرٌّ محاطٌ بالسواد ولایمکن الإفصاح عنه بشکل أکثر فی موسوعة یوسف ونجد النصّ یشیر إلی بعض الحالات في الأزمنة مثل عشرات المرات، الثمانیة والعشرین عاماً من عمر تیس الأغوات ویوم الجمعة والأمکنة مثل أسواق الغزّة والمدِّ السوفیتي و... إلی تأثیر هذین البعدین الرئیسین الشدة والمدی في التطوّرات الثقافیة علی مکة وکذلک نجد حسب البعدین الفرعیین المکمّلین الطابع والإیقاع أنّ الفواصل الزمانیة تتموقع في المکانیة علی أساس وجهة نظر تیس الأغوات بموسوعة النّساء المُصَوَّرة علی أساس علامات ×، بعبارة أخری استخدمت في الموسوعة ×××× و××× و×× علامات لوجود الأمکنة والمانیکانات التي أشبه بمکان وقوع الحادثة لقتل المرأة المجهولة الهویة والتی تشبه امرأتین (عائشة وعزة) ولا نعرف أیتهما وقد تشیر هذه العلامات التسعة إلی أنّ هذه الجثة تشبه تسعاً من المانیکانات مما یشیر إلی الطابع فی المکان والمسافة وقد تدلّ نفس هذه العلامات علی درجة الشدة في النغمة وکذلک عدد هذه العلامات تدلّ علی الإیقاع یعني مع ارتفاع عدد العلامات یتحکم الإیقاع في الزمانیة بقوة و مع انخفاضهم تدل علی ضعفهم. إذن یکون طابعة النغمة قویاً حسب الإدراک المنغم في ارتفاع عدد علامات بکلمة × و یکون الإدراک ضعیفاً أو غائباً حسب الادراک الراکد في انخفاض عدد علامات بعلامة ×. وأخیراً إذا جمعنا هذه العلامات وجدناها تساوي أربع عشرة علامة مما یشتبه في هذه الجثة بأنها قد تکون إحدی هذه الأربعة عشرة من النساء المانیکانات. الذات المدرکة والذات المتلفظة إنّ الذات المدرکة والذات المتلفظة هما العملیة التي یستلزمهما کل مدرک وملفوظ والتي تُعدّ ثمرة لهما. کما یقول جاک فونتاني: «إذا کانت سیمیوطیقا کریماص تدرس البنیة السردیة الکونیة للخطاب سطحاً وعمقاً، فإنّ سیمیوطیقا التوتر تهتم بدراسة الذات في أبعادها: الانفعالیة، والإدراکیة، والتلفّظیة، والأخلاقیة. ویعني هذا أنّ البنیویة اللسانیة موضوعیة تنبني علی دراسة ما هو ثابت علی مستوی البنی السردیة والخطابیة سطحاً وعمقاً. في حین، تتمیز سیمیوطیقا التوتر بکونها مقاربة ذاتیة تهتم کثیراً بالذات، ولکن في علاقة بالموضوع، أو الأشیاء المدرکة. ولا یتحقق حضور الذات إلا بوجود الجسد والحساسیة، فعبرهما تدرک الذات الموضوعات والأشیاء الخارجیة من أشکال، وزمان، ومکان، وعدد، وکمیة. ونقصد بالذات مجمل المشاعر والأحاسیس والقیم، وهذه المشاعر ـ بطبیعة الحال ـ لها عمق، وشدة، وقوة، وامتداد، وفواصل هندسیة، وحدود قیاسیة (بین...بین). ومن المعروف أیضا أن الذات تعبر عن المتکلم المتلفظ الذي یحضر في الخطاب عبر ملفوظات اندماجیة ـ حسب إمیل بنیفینست ـ، ویتجسد هذا الحضور التلفظي بواسطة ضمائر التکلم والحضور في الزمان والمکان، وتوظیف مجموعة من القرائن والمؤشرات الدالة علی الاندماج کضمائر التکلم، والفعل المضارع الدال علی الحضور، وضمائر التواصل (أنا= أنت)... .» (حمداوي، 2017م: 43-44) والملفوظُ لم یعد معتبراً استخداماً لبنیة لغویة (جملة أو جملة صغری وحتی مرکب) ولاتجلّیاً عرضیاً للدلالة أعمق منه؛ وإنّما نتعامل معه في بروزه التاریخي المکتسح. وعلی هذا النحو فإنّ الملفوظ عند فوکو یوصف في مساره علی صعیدین في آنٍ هما التزامن والتعاقبیّة. مثال علی حالة الذات المدرکة والذات المتلفظة التي تتمظهر لنا من خلال الخطاب الروائي ویتجلی ذلک في هذه الفقرة: هذا الفصل من الروایة بعنوان إسماعیل یشیر إلی مرض السرطان في جسم خلیل الذي لا یستطیع الأطبّاء أن یتجاهلُ تدنّي مستوی کریات الدم البیضاء في دمه وجسده الذي لم یعد یحتمل المعالجة، وکان خلیل سائقاً لسیارة الأجرة في مدینة مکة علی الأخصّ في أزقّة (أبوالرؤوس)، وصدیقته ترکیة و صدیقه معاذ اللذان یحاولان أن یساعداه حتی یقلّل من التوتر الموجود في جسمه بسبب مرض السرطان، والکوابیس، والأحلام التي یراح في اللیل و..إلخ، وکذلک تشیرالکاتبة إلی جدّ خلیل ابن الحضرمي الوزیر في عهد الشریف حسن بن أبي نما و هو أبرع من یَتَقَمّص الأدوار، حیث کان بوسعه أن یتقمَّصَ دورة أيَّ قاضٍ، باستحواذه علی أختامه في مدینة مکة وکان ابن الحضرمي من أبناء النبيین إبراهیم وإسماعیل. «علیک أن تکون حذراً، أیة انعطافةٍ خاطئة، أي نعاس سیرسلکَ وهذا الکون الذي تقوده للعدم... وللحال زادت سرعةُ العربة، مهما داس بمَجمَعِ قدمیه علی الکوابح لم تنباطأ، انفلت في طریق العربات والحافلات المتجهة للرِصیفة، ... أنتَ مدسوس من أبوالرؤوس لمعاقبتي، أنت السرطان یتجسَّد لیعبث بي... تعرف جیداً أنني سأهزمک... لیس بوسعک أن تقتلني لأنني وببساطة أُسابقکَ لموتي... أهل مکة حَمَام، وأهل المدینة، قَمَاري، وأهل جدَّة غزال... واندلعت مِسَلَّةٌ من اللهب الأبیض، مخترقةً السماءَ التي امتدَّت ترقبُ بصمتٍ مُحَایِد.» (عالم، 2011م: 443-444) وهنا یتبیّن لنا أنّ الذات المدرکة والذات المتلفظة في النصّ رغم وضوحهما بین الدال أي السائق السید خلیل (أنا) والمدلول أي أزقّة (أبوالرؤوس) أو (أنت) وبعض الکلمات الحاضرة في النص مثل "سرعةُ العربة، التقاء حواء وآدم، جثةُ جدّه، أبوالرؤوس، الناقة والدیناصور، خلیل الطیّار (لَقَّبه ناصر)، شاحنة النفط والسرطان وکذلک بین الأمکنة مثل عرفات، الجنة، مدینة مکة ومدینة جدَّة وعبارات مثل: أنتَ مدسوس من أبوالرؤوس لمعاقبتي، أنت السرطان یتجسَّد لیعبث بي... تعرف جیداً أنني سأهزمک... لیس بوسعک أن تقتلني لأنني وببساطة أُسابقک لموتي... " یشیر إلی الذوات التي تحدثت عبر الإدراک المنغم لأنّ هذا الادراک حیٌ وحاضرٌ فیها، بعبارة أخری تتحکم النغمة بدورها في المکانیة بین عرفات ومکة والمدینة وقیاس المضامین بین الجثة، أبوالرؤوس، الناقة والدیناصور وتبیان درجة الشدة في سرعة العربة، شاحنة النفط والسرطان وتأثیر وقوة هذه الذوات علی الإیقاع والسرعة اللذین یتحکمان بدورهما في الزمانیة وعلی حسب هذا الإدراک نجد أنّ الزمانیة في الروایة إدراکها راکد ونجد أنّهما (خلیل وأزقة أبوالرؤوس معاً في الزمکنة) یتموقعان معاً علی مستوی الشدة والمدی حتی یتوازیان في السرعة والطابع التنغیمي للزمان والمکان. ونستنتج أنّ الایقاع والنغمة في هذا النصّ ینتشران نشراً واضحاً وذي قیمة رفیعة حسب المشاهد والفضاء الحار الموجود فیها. فیؤدي کل هذا إلی إبراز قیمة التفوق والعلو في ذات (أبوالرؤوس) بسبب حضور أزقة أبوالرؤوس في أي لحظة ما من حیاة خلیل في مدینة مکة، یعني هو یری کلَّ الأزقة کأبوالروؤس الذي یشیر إلی رمز الموت في مدینة مکة. حیث الذات المتلفظة هنا نفس زقاق (أبوالرؤوس) والذات المدرکة السائق السید خلیل. تشیر العبارة المشهورة عن إمیل بنفنست إلی مفهوم المتلفّظ بأنّ «أنا تدلّ علی الشخص الذي یعلن عن الهیأة الحاضرة للخطاب المتضمّن لأنا دفعت إلی قراءتین مختلفین: 1. قراءة تستهدف مرجع ضمیر أنا هذا؛ وإذ ذاک تستعمل متلفّظ بطریقة متصرّمة بإعتباره مکافئاً لمتکلم للإشارة إلی منتج الملفوظ دون أيّ تخصیص زائد؛ 2. وقراءة تنظر إلی المتلفّظ فقط بإعتباره الهیأة التي أنا أثرها والتي یتضمنّها عمل التلفّظ وهو بصدد التکوّن ولیس لها وجود مستقلّ عن هذا الفعل.» (Benveniste, 1966: 225) إنّ بنفنست یقیم مفهوم التلفظ في مقابل الملفوظ فلذلک یقول: «ففي السیمیوطیقیا یجب التعرف علی العامة، ولکن في السیمنطیقا فیجب فهم القول.» (بنفنست، لاتا: 189) ومن هنا بسبب حضور الذات نجد أنًّ أبوالرؤوس یتکلم هنا وهو خلال النص یدرک أنّ التوتر الکائن في نفس السائق یشیر إلی مقدار إدراکه في الانفعالیة والتلفظیة. وبهذا یعتمد المستوی الظاهراتي في النص علی ربط الذات بالموضوع، أو ربطها بالمقصدیة ، وتحدید ما یجمع ذات أبوالرؤوس بالموضوع الرئیس في شدة الرغبة والإرادة. ومن المعلوم أنّ هذا الفضاء التوتري في الروایة یشیر إلی تحدید مواقع الذات المدرکة والمتلفظة في نفس أبوالرؤوس والسائق وأوضاعهما داخل فضاء توتري قد یکون معینا أو رمزیاً. المنظور الداخلي والمنظور الخارجي قبل أن نخوض في وصف المنظور الداخلي (المدلول) والمنظور الخارجي (الدال)، ینبغي علینا بدایة التأکید علی جانب من التعریف لعلامة الدال والمدلول في السیمیوطیقا، فالدال یشیر إلی مستوی التعبیر، ویعني ما تدرکه العینان عند القراءة أو هو الصورة السمعیة للکلمة من نوع سمعي وبصري ولمسي یربطها بدون صعوبة بمعنی محدّد وثابت، بالمقابل والمدلول یتعلق بمستوی المضمون وهو المفهوم الذي نتصوره أو نعقله من الکلمة. یقول جاک فونتاني في تعریف المنظورین: «یمکن الحدیث عن منظورین متماثلین: المنظور الداخلي والمنظور الخارجي، فالمنظور الأول یرکز علی المضمون واللغة الطبیعیة. بینما یستند المنظور الثاني إلی التعبیر والعالم الطبیعي، ویتأرجحان معاً بین سیمیوطیقا الوقائع والأحداث وسیمیوطیقا الملفوظ. وینتج السیمیوزیس، أو آثار الدلالة السیمیائیة، عن عملیة الجمع بین المنظورین أو المحورین، أو الجمع بین الدال والمدلول. ویعني هذا وجود ذات مزدوجة: ذات مدرکة للأشیاء، وذات تتحدث عن الأشیاء. ویعود الفضل في ذلک إلی جاک فونتاني الذي أدخلهما في سیمیوطیقا التوتر، بعد أن استبدل الدال والمدلول بمحورین مترابطین هما: المنظور الداخلي (اللغة الطبیعیة والمضمون)، والمنظور الخارجي (العالم الطبیعي والتعبیر).» (حمداوي، 2017م: 45) ینبني المنظوران الداخلي والخارجي علی دراسة النصوص دراسة علمیة موضوعیة، باستیحاء مناهج علوم الطبیعة، والترکیز علی الداخل المغلق، واستخلاص البنیات التي تتحکم في العلامات. في حین یرتبط الخارج بالتأویل والذات. ویضمّ هذا البعد من سیمیوطیقا التوتر القیام بطرح إجابة عن أسئلة عامة بشأن مفهوم الدال والمدلول في مستوی التعبیر ومستوی المضمون وعلاقتهما وعلی هذا الأساس «ینطبق مفهوم القیمة علی الدال والمدلول إذ یتعلق الأمر بالقیمة في جانبها المادي والمفهوماتي. ترتبط المدلولیة کما هي معرفة بالعلاقة بین الصوتي (الدال) والمفهوم (المدلول) في حدود اللفظ الذي یعتبر کعالم مغلق علی نفسه. لکن إذا نظرنا بتمعن إلی الدلیل نلاحظ من جهة، بأنّ المفهوم یبدو کمقابل للصورة الصوتیة ومن جهة أخری یعتبر الدلیل نفسه کمقابل للدلائل الأخری في اللغة.» (إنتروفرن، 2012م: 12) المنظور هو الرسم کما نری ولیس کما نعرف الأشیاء. فالکل یعرف أنّ السیّارة بعدت أو قربت فسوف تبقی بنفس الأبعاد. فالسیارة أمامنا کبیرة ولونها داکن وعندما تنطلق وتبعد عنا تصغر شیئاً فشیئاً ویصبح لونها فاتح حتی تصغر وتصبح نقطة. علی سبیل المثال في هذا النص یشرح یوسف التوتر الکائن في نفسه علی حسب ذاته المزدوجة ونجد أنّه یقع في توترٍ شدیدٍ: «هذا جیش المهدي، وقریباً سیستولي علی العالم... لم یجرؤ یوسف فیعترض تلک الأسطوانة المشروخة، وحیث یقف بدا جند المداهمة وعربات البولیس بالأسفل لا تزید عن دُمی تذوب في غمام غربان تنعق. صفیرٌ انفجر بجمجمة یوسف فجأة، زلزلة ذَکرته بالجرافات تبقر أبوالرؤوس، بشکل غائم لمح خطَّ الدم ینبجس بطول صدغ تیس الأغوات، أدرک أنهما یتعرضان لهجوم قبل أن یقع فاقداً للوعي.» (عالم، 2011م: 396-397) نجد في هذا النص أنّ الراویة شرحت التوتر واستخدمت الاستعارة في الموضوع لتبیین شدة التوتر والاسترخاء مثل "صفیرٌ انفجر بجمجمة یوسف فجأة، زلزلة ذَکرته بالجرافات تبقر أبوالرؤوس" وتبیًّنت أهواء یوسف بعد وقوع المعرکة والاتفاقات الأخیرة. بعبارة أخری أثَّر الدال أو المنظور الخارجي (وقوع المعرکة یعني هذا جیش المهدي، وقریباً سیستولي علی العالم) علی المدلول أو المنظور الداخلي (یوسف) وعلی هذا الأساس واجه یوسف هذه الأحداث النفسيّة في حیاته. ومن الواضح تأثر المنظور الداخلی بالمنظور الخارجي علی أساس التعبیر والعالم الطبیعي. تجدر الإشارة هنا إلی أنّ یوسف یتصور في باله أنّ أبوالرؤوس وتیس الأغوات کلاهما یواجهان معاً هذه الأحداث، ولو کان من الممکن تصور مجموعة من المستویات بین المنظورین فلا یتعلق الأمر بالتوافق الأساسي بین لفظ ولفظ آخر، ففي الواقع یمکن أن یتحکّم ویتموقع نفس التوتر فیها. یظهر التحلیل نتیجة لذلک کحدوث دائمي بین المستویات والمنظورین الرئیسین. الزمان والمکان یقسم جمیل حمداوي الزمن حسب الفترة المعاشة والإشعاع الزمني في حضوره القوي أو الضعیف و«یقصد بالزمان الفترة المعاشة التي یمکن قیاسها، وقد تکون مختصرة وجیزة، أو ممتدة طویلة، أو قدیمة أو حدیثة، أو فترة مستمرة دائمة، أو فترة متوقفة ومنقطعة. وتکون الزمانیة علی مستوی الإشعاع مخففة أو باهتة. وبالتالي، یکون الحضور إما حضور اغتراب عن الواقع، وإما حضور اندماج قوي. وقد یکون الزمان حیویاً، أو بطیئاً، أو طویلاً، وقد یتحدد بالاتجاهات المتقابلة (قبل/ بعد). ویعني هذا أنّ الزمان، من حیث السرعة، قد یکون حیویاً أو بطیئاً، وقد یکون، من حیث الدیمومة، مستغرقاً أو وجیزاً. أما فیما یخص المکان، فإنّه یرتبط بمحور المدی أو الامتداد، وله سمات ثلاث هي: الاتجاه، والحرکة، والمتوضع.» (حمداوي، 2017م: 45-46) إنّ تحدید مفهوم الزمان لم یکن بالشيء الهیّن لدی الفکر الإنساني بصفة عامة، بینما کل ما یمکن التطرق إلیه هو محاولة الإحاطة ببعض خصوصیاته حسب مفهومها. وإنّ الاهتمام بالمکان کعنصر من عناصر البناء الفني جاء متأخراً بالقیاس إلی العناصر الأخری التي ینهض بها العمل الإبداعي کالشخصیة، والحوار، والوصف، والسرد وغیرها من العناصر الموجودة. یعد الزمن من العناصر الأساسیة في بناء الروایة إذ لا یمکن أن تصور حدثاً سواءً أکان واقعیاً أم تخیّلیّاً خارج الزمن، کما أنّه یؤطّر المکان والشخصیات في الروایة. ومن خلال الروایة جئنا بأمثلة حول الزمان والمکان لکي تتضح لکم أنّ التوتر الموجود في الروایة یشیر إلی فترة قدیمة وحدیثة من مجتمع مدینة مکة وصَوَّرَ الزمان والمکان بعالم أبیض وأسود، کما یشرح الرّاوي العلیم المشهد المصرح، والمکان، والزمن المُدوَّر في الروایة، کالّذي: «في صمت بیت اللّبابیدي تَحَوَّلَ یوسُف إلی روح موحشة، غائبة عن الزمان والمکان ضالة في عالم من الأبیض والأسود، حیث اندمج ماضي مکة بحاضرها علی تلک الجدران، لم یعد من حدٍّ بین مشاهد الصور وتلک التي یراها عبر نوافذ البیت، لم یبق من رابط للواقع غیر الیومیات التي أدمن الضابط ناصر قراءتها، کما أدمن یوسفُ تلک الصور، تماهی یوسف بناصر في ذلک الإدمان.» (عالم، 2011م: 211-212) علی أساس هذه الأمثلة نستطیع القول تکون إنّ الزمانیة علی مستوی الإشعاع مخففة وباهتة. فمن حیث سمات الزمان والمکان في الفترة المعاشة التي وقعت بین زمن الماضي والحاضر في مدینة مکة یرتبط بمحور المدی علی أساس هذه السمات الثلاث. فمن حیث الاتجاه، قدیکون الاتجاه في مدینة مکة سریعاً وواضحاً. ومن حیث المتموضع،قد یکون علویاً و سلفیاً. ومن حیث الحرکة، قد تکون الحرکة سریعة وقویة. وقد یکون المکان من جهة داخلیاً ومن جهة خارجیاً علی أساس إشاعة الثقافة الغربیة کثقافة مابعدالکولونیالیة. وقد یکون مفتحاً من جهة ثانیة، وقد یکون مکاناً للتنقل. وقد نبأت هذه الثقافة والتوتر النفسي عن الثقافة الغربیة. ونستطیع القول عبر هذین الشاهدین؛ إنّ ماضي مکة اندمج بحاضرها علی الجدران، ولم یعد من حدٍّ بین مشاهد الصور وتلک التي یراها عبر نوافذ البیت. القیم الکونیة والمجردة ینطبق مفهوم القیمة علی الدال والمدلول إذ یتعلق الأمر بالقیمة في جانبها المادي والمفهوماتي، أما فیما یخص القیم والأبعاد، فالقیمة تستوجب وجود القیم الکونیة والمجردة لکل ظاهرة ما، کما یمکن الحدیث عنهما: «تخضع القیمة علی مستوی المضمون للتحلیل والتحدید والرصد، وهي نتاج تقاطع بعد الشدة مع بعد المدی. ومن ثم، فهناک قیم مجردة قائمة علی التمیز والفرادة والاستثناء والنقاء والصفاء، وقیم کونیة مبنیة علی الانتشار والتشارکیة والانصهار. وهکذا، یمکن الحدیث عن نوعین من القیم: قیم مجردة هي إقصائیة، وقیم کونیة عامة هي قیم تشارکیة. وترتبط القیم الأولی بالفرز والانتقاء بسبب خلوها من الترکیب والتعددیة. ومن ثم، فهي قیم صفریة. في حین، تعرف الثانیة بالخلط والانصهار بسبب وجود خاصیة التعدد والترکیب والانقسام. وتأسیساً علی ما سبق، فهناک قیم مجردة وقیم کونیة تترابط انفتاحاً وانغلاقاً علی محور الشدة، وقد تترابط إنتقاء ومزجاً علی محور المدی.» (حمداوي، 2017م: 46-47) وعلی هذا الأساس، أشرنا هنا إلی نصٍ طویل حول القیم الکونیة والمجردة في سیمیوطیقا التوتر ووجدنا أنّ القیم المجردة هنا قد نشأت في نفس معاذ وخلیل من الفرز والانتقاء الموجودة في مدینة مکة بسبب بعض الأحداث التي وقعت طیل الروایة حول ثقافتها وجمالها والتي تشیر إلی قیمٍ إقصائیةٍ وقیم کونیة عامة في نفس الوقت ویتّضح هذا من نفس المدینتین (مکة وجدّة) وکیفیة الحالات والصور الموجودة في بال معاذ، بعبارة أخری هذه القیم تشیر إلی قیم تشارکیة. کما یلي: «من مَوَاقِف النقل الجماعي استقلَّ معاذُ سیارةَ أجرة لتأخذه إلی موقع المعرض، ارتمی علی مقعد العربة وأرخی الزمام، سَمَحَ لجسده أن یَتَخَدَّرَ کخُلاصةٍ لفراغ لیالیه بغیاب خلیل وبحثه المحموم عن معرکة تخصه هذه المَرَّةَ، ببصره الشحیح والزائغ انشغل معاذ بتقطیع جدَّة (عروس البحر) وحَبسِها في کوادر ذهنیة، ... ثم حین یقترب من عَصَبِ جدَّة المعروف بطریق المدینة تظهر مباني الطفرة الزجاجیة والأبراج منحدرة للبحر لتنتهي بنافورة قصر الملک فهد بقلب البحر الأحمر بِشُعَبِه المرجانیة النادرة، ما بین شارع الستین والمدینة، ... تَجَاوَزَ القُنصلیةَ الأمریکیة شِبه المهجورة بسواتر الحمایة، ولم یقاوم، التقط صورةً ذهنیة بانورامیة للرشاشات المحمولة في السیارات المُصَفَّحَة علی بَوَّابَتِها: أبوسع کل تلک العزلة أن تُفَرِّخَ لقطاتٍ من السلام والأمان في الداخل؟» (عالم، 2011م: 526-527) کما أشرنا من قبل، أنّ الدال أو بعض التغیرات الثقافیة والظاهریة والبنیویة في مدینتين مکة وجدة مثل مباني الطفرة الزجاجیة والأبراج منحدرة للبحر، وطبقة من الفقر والمباني المتآکلة، وقصر الملک فهد بقلب البحر الأحمر قد تأثرت علی قیاس المضامین والثقافة والحضارة والتوتر النفسي. ویعني أنّ القیم الکونیة تشیر بشکل جذري لفکرة الانفتاح والکمال بدل الانغلاق، وتُرجِّح مبدأ التشارکیة علی مبدأ الانتقاء والفرز. وإنَّ آلاف الناس في مدینتي مکة وجدة (المدلول) یتعرضون لحالات التوتر الداخلي الشدید، لحالات الکبت، لحالات العصاب، ..إلخ، لکن عدداً قلیلاً منهم هم الذین یعیشون في حالات نفسیة دون التوتر والقلق یعني التوتر الموجود في القیم الکونیة بمدینتي مکة وجدة علی حسب المحددات الزمانیة والمکانیة یکون متلاشیاً ومنتشراً. أمّا علی حسب القیم المجردة في النص کمعاذ وسیارة معاذ، وغیاب خلیل وبحثه المحموم عن معرکة تخصّه هذه المَرَّة، وتقاطع فلسطین، وشارع الستین، وشارع فلسطین فیهیمن فیها الانغلاق علی الانفتاح مع هیمنة الانتقائي علی المختلط، والقیم المجردة علی حسب المحددات الزمانیة والمکانیة یکون التوتر ثابتاً ومرکزاً ومن الواضح أن القیم الکونیة والمجردة ینتجان في النص من وجود قیم التشارک والتضامن.
النتائج کانت سیمیوطیقا التوتر في روایة طوق الحمام لرجاء عالم علی ضوء منهج جاک فونتاني وکلود زلبربیرج مملوءة من التوتر في الحالات النفسیة والاجتماعیة. ـ نستنتج من تحلیل البحث إنّ المدی والشدة في الروایة وأسباب التوتر الداخلیة هي (عضویة ونفسیة)، والخارجیة مرتبطة (بالبیئة والمجتمع المکي). ـ إنّ ثقافة المجتمع تنعکس في أبعاد مختلفة من مثل أسماء الزقاق کأبوالرؤوس، وفي علامة إکس أحمر، وقتل امرأة مجهولة، وجنون یوسف الذي سمّاه الناس شیطانا رجیماً، وعوامل أخری و ... إلخ وتصف سیمیوطیقا التوتّر في الثقافة المکية مجموعة من الظواهر المرکبة في ضوء نماذج مرکبة کذلک، مثل: اللالهویة بالنسبة (لامرأة مجهولة) والزمان (لخلیل) والحساسیة (لعائشة) والوجدان (لناصر) والحضور (لیوسف) و... إلخ. ـ توصّل البحث إلی أنّ هذه الدراسة في سیمیوطیقا التوتّر أدّت إلی ظهور التوتّر الموجود بین شخصیات وحوادث الروایة بحیث قد یصل التوتّر إلی حدّ لا یفهم المتلقي معه الحوادث الکائنة في الروایة وکلام الشخصیات فیها، أو قد یفهم معنی آخر یختلف عن قصد الکاتبة. ـ إنّ التصورات النظریة في الروایة حسب سیمیوطیقا التوتر قد تؤدي إلی تحدید بعض القیم الأساسیة في توتر الثقافة والحضارة لتحدید الشدة والمدی بهما. حیث ارتفع مستوی التوتر وشدته وتحدد في أماکن معینة من الروایة یحیطها الخوف والقلق والتعقید فتجسد في شخصیات أنوثیة غالباً مما یدلّ علی ما تشعر به المرأة في المجتمع المکي من عدم الإطمئنان والأمن. ـ الأبعاد الأساسیة والمنظور الداخلي والخارجي والزمان والمکان والقیم الکونیة والمجردة من شخصیات وحوادث الروایة خاصة الأبعاد الفرعیة والذات المدرکة والمتلفظة قد أسهمت کثیراً في توتر الثقافة والحضارة المکیتین. | ||
مراجع | ||
إنتروفرن، فریق. (2012م). التحلیل السیمیائي للنصوص. ترجمة: جریر، حبیبة. ط1. دمشق. سوریة: دار نینوی. بنفنست، إمیل. (لاتا). سیسیولوجیا اللغة. ترجمه: سیزا، قاسم. ط1. القاهرة: دار إلیاس العصریة. جنیت، جرار. (1997م). خطاب الحکایة (بحث في المنهج) . المترجمون: معتصم، والآخرون. ط2. لامک: المجلس الأعلی للثقافة. حمداوي، جمیل. (2015مa). الإتجاهات السیمیوطیقیة (التیارات والمدارس السیمیوطیقة في الثقافة الغربیة). ط1. لامک: مکتبة المثقف. حمداوي، جمیل.(2017م). الجدید في السیمیوطیقا (من المربع المنطقي إلی المبیان التوتري). ط1. المغرب: لانا. حمداوي، جمیل. (2015مb). مدخل إلی السیمیوطیقا السردیة. ط1. المغرب: مکتبة المثقف. حمداوي، جمیل. (2014م). من سیمیوطیقا الذات إلی سیمیوطیقا التوتر. ط1. المغرب: الدار البیضاء. حمداوي، جمیل. (2011م). نظريات النقد الأدبي في مرحلة مابعدالحداثة. ط1. المغرب: لانا. زواوي، مختار. (2019م). من المورفولوجیات إلی السيميائيات. ط1. الأردن: العالم الکتب الحدیث للنشر والتوزیع. السمري، إبراهیم عبدالعزیز. (2011م). اتّجاهات النّقد الأدبي العربي في القرن العشرین. ط1. القاهرة: دار الآفاق العربیة. شارودو، باتریک؛ منغنو، دومینیک. (2008م). معجم تحلیل الخطاب. ترجمة: المهیري، عبدالقاهر. ط1. تونس: دار سنیاترا. عالم، رجاء. (2011م). طوق الحمام. ط3. المغرب: الدار البیضاء. مجدي، وهبة ؛ المهندس، کامل. (1984م). معجم المصطلحات العربیة في اللغة والأدب. ط2. بیروت: مکتبة لبنان. Benveniste, Emil. (1996) . Problemes de linguistique generale. Paris.Gallimard.
Fontanille, Jacques; Zilberberg,Claude. (1998). Tensionetsignification. Liege .p . Mardaga. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 554 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 264 |