تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,003 |
تعداد مقالات | 83,616 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,226,043 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,262,351 |
إشکالية التأزم الهوياتي في النقد ما بعد الکولونيالي:تحديد مؤشرات أزمة الهوية في التحليل الروائي | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 5، دوره 12، شماره 48، اسفند 2022، صفحه 111-136 اصل مقاله (384.45 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
بشری جزایری راد1؛ فرامرز میرزایی* 2؛ خلیل پروینی2؛ هادی نظری منظم3 | ||
1خريجة مرحلة الدکتوراه في اللغة العربية وآدابها، جامعة تربيت مدرس، طهران، إیران | ||
2أستاذ في اللغة العربية وآدابها بجامعة تربيت مدرس، طهران، إیران | ||
3أستاذ مشارک في اللغة العربية وآدابها بجامعة تربيت مدرس، طهران، إیران | ||
چکیده | ||
تُعدّ إشکالية الهوية من أهم مرتکزات النقد مابعد الکولونيالي الذي عُني بتأثيرات الاستعمار علی هويات المستعمَرين انطلاقا من جدلية الأنا/الآخر أو المستعمَر/المستعمِر وما يفرزه لقائهما من تأزّم هوياتي. وقد تطرّقَ الأدب الروائي لما بعد الکولونيالی لقضية الهوية والانتماء بشکل بارز، وقد تناول الروائيون ثيمة لقاء الشرق بالغرب لرصد تبعات هذا اللقاء علی التشکّلات الهوياتية لأنّ الاحتکاك بالآخر يحرّك الإحساس بالانتماء لدی المرء لبناء هوية مستقلة تميزه عن غيره. والآخر بالنسبة للشرقيين هو الغرب المستعمِر الذي عمل جاهدا علی تقويض وطمس هوياتهم. فاحتواء الرواية علی قضايا المجتمع الثقافية، ومن ضمنها قضية الهوية علی نطاق واسع، يؤهلها لتکون أرضية خصبة لدراسة الأزمة الهوياتية الناجمة عن صدام الأنا بالآخر. تأسيساً علی أهمية موضوع الهوية وانعکاسه علی عالم الرواية، سعت الدراسة هذه إلی تقديم إطار مبتکر لدراسة الأزمة الهوياتية اعتماداً علی المنهج الوصفي-التحليلي العام والاستعانة بأدوات التفسير، والاستنباط، والدقة إضافة إلی القراءة الطباقية المعتمَدة في النقد ما بعد الکولونيالي. وتوصلت الدراسة إلی إطار تحليلي لفهم الأزمة الهوياتية يتکوّن من ست مؤشرات رئيسية تحت عناوين: عقدة النقص والانبهار بالآخر(التغريب)، الفصام/الشيزوفرينيا، عقدة الجنس/قلق الخصاء، الاغتراب، التخلّف، والعنف. يتيسر فهم التأزم الهوياتي وموقفه في الرواية بتطبيق هذه المؤشرات وتحليلها حسب مدی ظهورها فيها. | ||
کلیدواژهها | ||
النقد مابعد الکولونيالي؛ مؤشرات أزمة الهوية؛ جدلية الأنا والآخر؛ التحليل الروائي | ||
اصل مقاله | ||
لقد صاغت تجربة الاستعمار أو الکولونيالية حيوات ثلاثة أرباع البشر، وکانت هذه الصياغة من العمق لدرجة أنّ تأثيرها لميقتصر علی المجالات السياسية والاقتصادية بل تعدّاها إلی المجالات الثقافية والفکرية والأيديولوجية. وظهر تأثيرها الأعمق والأخطر علی البعد الهوياتي للشعوب المستعمَرة. حيث إنّ الاستعمار وبآلياته المختلفة خلّف في ذواتهم عقداً نفسية متأصّلة أهمها شعورهم الدائم بعقدة النقص والدونية. فلم يتوقف الجدل حول الهوية والانتماء، بعد مضي زمن طويل علی انجلاء القوي الاستعمارية، بل أنه أخذ طابعاً متجدداً ساخنا. وجاءت النظرية ما بعد الکولونيالية لتزحزح المعطيات القديمة وتؤکّد أنّ الاستعمار لا يزال يتواصل بأشکال عصرية کما صرّح "إدوارد سعيد". وقامت النظرية بخلخلة وتقويض الخطاب الاستعماري الغربي المتمرکز علی ذاته لتعيد صوت المهمّشين. فکانت بمثابة ردة فعل عنيفة علی المرکزية الأوروبية وتحيزات خطابها الاستعماري الذي اختزل الشعوب وطمس هوياتهم ونصب الغرب حاکماً علی العالم استناداً إلی مقولات زائفة أهمّها مقولة العرق المتفوّق. کما عُنيت الدراسات ما بعد الکولونيالية بالثقافات والهويات والکتابات التي أريد لها الاندثار، لتعيدها من جديد إلی الساحة باعتبارها کتابات المقاومة القادمة من المستعمَرات، فانبثقت آداب ما بعد الاستعمار الحافلة بتصوير ثقافة وهوية المستعمَرين في مواجهتم مع المستعمِرين الطغاة، وسادت جدلية الأنا/الآخر أو الشرق/الغرب في آداب المستعمَرات. ليس من قبيل المصادفة أن تحتلّ إشکالية الهوية مکانة مرکزية في الفکر الإسلامي المعاصر في ظل الإطار العالمي الجديد الذي جعل صدام الحضارات شعارَه، وهَدفَ إلی صهر الهويات والثقافات المختلفة في نمط ثقافي متمرکز واحد هو النمط الغربي في شکله الرأسمالی أو ما يعرف بالعولمة التي حولّت العالم إلی قرية کونية تتلاشی فيها حدود الهويات ومقوّمات تمايزها واستمرارها. فبرز إلی السطح مصطلح أزمة الهوية الذي يعتبره البعض سمة العصر الحديث، وکثرت الدراسات التي تتناول أسباب الأزمة من أبعاد مختلفة خاصة فيما يتعلق بعلاقة الشرق بالغرب. فقد توجّهت -الرواية، کتعبير عن أزمات المجتمع وانعکاس لظواهره ووقائعه، إلی معالجة قضايا الهوية والانتماء، فظهرت مجموعة کبيرة من الروايات تناولت علاقة الأنا بالآخر وتأثيراتها علی التشکّلات الهوياتية، ما أتاح للباحثين فرصة قراءة الأدب قراءة هوياتية سوسيولوجية تعقد الصلة بين الأدب والواقع. فقام البحث، تسهيلا لعملية التحليل الروائي تحليلاً موضوعياً بعيداً عن النقد الذوقي والتحليل العشوائي، بتحديد مؤشرات أزمة الهوية مع تفريعاتها لتحدد مدی أزمة الهوية في الرواية.
ينشأ عن إشکالية البحث عن التأزم الهوياتي في الرواية سؤالان رئيسيان، وهما: ما هي أهم مؤشرات أزمة الهوية علی ضوء مفاهيم النقد مابعد الکولونيالي؟ وکيف تتجلی هذه المؤشرات في الرواية العربية؟ فبناء علی مفاهيم النقد ما بعد الکولونيالی وعلاقة المستعمَر بالمستعمِر تظهر أهم مؤشرات أزمة الهوية علی هيئة عقدة النقص والانبهار المفرط بالآخر، الفصام/الشيزوفرينيا، عقدة الجنس، الاغتراب، التخلّف، انتشار العنف. وتظهر جميع مؤشرات أزمة الهوية في الرواية بنسب متراوحة لأن الرواية العربية تکرّس للحديث عن أوضاع البلدان العربية في فترة ما بعد الاستعمار وتناول قضية الهوية بتمظهراتها المختلفة، تأکيداً علی تفاعل العوامل الخارجية علی رأسها الاستعمار مع العوامل الداخلية المؤدية للأزمة علی نطاق واسع.
2-1- الدراسات السابقة وقد أجريت عدة دراسات في هذا المجال فتناولت إشکالية الهوية وقضاياها علی ضوء النقد ما بعد الکولونيالی مثل: مقال فصام الهوية بين أنوثة قاهرة ورجولة مقهورة: قراءة ما بعد کولونيالية في رواية العطر الفرنسي لأمير تاجر السر (2018) لفرامرز ميرزائي وزملائه فتناول فيه جدلية الأنا الشرقي والآخر الغربي في إطار علاقة الرجل بالمرأة ولکن بمعادلة مغايرة لماجاء به الروايات السابقة فاستنتج أن الرواية تدل علی الغياب الکبير للشعور بالقهر الاستعماري عند المستعمر. ومقال فجيعة الهوية في رواية "حلم علی الضفاف لحسيبة موساوي –تشظي الآخر أم تغريب قسري (2014م) لمصطفي بوجملين. تناول فيه مسألة الهوية داخل النص الروائي الجزائري الحداثي، ووضع الإشکاليات الرئيسة کالآتية: ما تمظهرات الهوية عند الآخر في الميزان القيمي للأنا الساردة؟ ما تجليات الوطن/المنفي في حوارية الأنا مع الآخر؟ ما ظلال التشتت الأسري الذي يلمّ بالشخصية المغتربة/المستلبة؟ ليخلص إلی نتيجة مفادها انبهار بطلة الرواية بالغرب من خلال وصفها المبدع لمدينة أوروبية ما يعرّي أزمة هوية المغترب. ومقال الهوية وإشکالية الأنا والآخر قراءة تحليلة في رواية سهرة تنکرية للموتي لغادة السمان (2015م) لفيروز زوزو. وهو يتقصّي مفهوم الهوية وإشکالية الأنا والآخر في الخطاب الروائي العربي، وعالج مدی نجاح الأنا في الحفاظ علی هويتها في الغربة من خلال الرواية، ليخلص إلی نتيجة عدم التقوقع في الأنا العربية أو مواجهة الآخر الغربي في عالم منفتح علی كل الهويات الثقافية کما دلت الروائية. وباللغة الفارسية نشير إلی مقال بررسی أبعاد گوناگون بحران هويت از ديدگاه شاعران نوگرای عراق (1390ش) لمعصومة نعمتي وآخرین. تطرّق فيه الباحثون إلی تجليات الأزمة الهوياتية علی المستوي الفردي، والوطني، والقومي، والشرقي والإنساني في أشعار أربعة شعراء عراقيين. وتوصّلوا إلی أنّ تصعيد الأزمة جاء نتيجة سلب الحرية الفردية بواسطة الأنظمة الديکتاتورية الحاکمة، ضياع الشعور بالانتماء الوطني إثر تحطيم الهوية الفردية، اضمحلال الهوية القومية جراء إهمال الحکام والشعوب العربية لها، الذوبان في الثقافة والحضارة الغربية ومسخ الهوية الإنسانية والدينية في عصر التکنولوجيا. وأيضاً نقد پسااستعماري داستان بلند "سرگذشت کندوها" نوشته آل احمد (1392ش)، سيد علی قاسم زاده. سعی المقال إلی رصد تجليات النظرية ما بعد الکولونيالية في الرواية "جلال آل احمد"، ويقترب من بحثنا في محورين: أولاً تحليل الرواية علی أساس النقد ما بعد الکولونيالی وثانياً محور الانبهار بالآخر. لکن الباحث لم يتطرّق إلی موضوع أزمة الهوية من وجهة نظرنا. ومقايسه وتحليل جلوه هاي پسااستعماري در رمان هاي "موسم هجرت به شمال" طيب صالح و"سووشون" سمين دانشور (1392ش) رضا ناظميان ومريم شکوهي نيا. المقال يقترب من وجهة نظرنا في تحليل الروايات علی ضوء النقد ما بعد الکولونيالی إلا أنه يبتعد عنها في اکتفائه بالمفاهيم ما بعد الکولونيالية دون التعرّض إلی مفهوم الأزمة وخصائصها. ومقال خوانش پسااستعماري موسم هجرت به شمال اثر الطيب صالح (1394ش) کمال باغجري وشهريار نيازي. عالج الباحثان بعض مفاهيم ما بعد الکولونيالية في الرواية مثل: الأنا/الآخر، مفهوم التهجين، العرق، الجندر، المرکزية الأوروبية، الجنس. ليخلصا إلی أنّ مفهوم الأنا/الآخر أو المرکز/الهامش هو المسيطر علی المفاهيم الأخری في الرواية. ومقال بررسي هويت پسااستعماري در رمان "مملکة الفراشة" اثر واسيني الأعرج با تکية بر ديدگاه هومي بابا (1396ش) لسيد حسن فاتحي وبي بي راحيل سن سبلي. قام البحث بتحليل الهويات ما بعد الکولونيالية وکيفية تشکّلها في مرحلة ما بعد الاستعمار اعتماداً علی آراء "هومي بابا" ليخلصا إلی أنّ أغلب شخصيات الرواية في فترة ما بعد الاستعمار تحمل هويات مهجّنة ظهرت في اختيار الأسماء، طريقة اللبس، واللغة، والدين العرق والثقافة والفنون. وقد نحی المقال منحاً متمايزاً في تقصّيه الهويات ما بعد الکولونيالية وتحليلها لکنه يبتعد عن منظورنا النقدي لعدم تطرّقه لمظاهر الأزمة الهوياتية وأسبابها واکتفائه برصد تمظهرات الهويات المهجّنة. ومقال در جستوجوي خويشتن؛ واکاوي بحران هويت در رمان "ساقه بامبو" بر اساس نظريه "اريکسون" (1397ش) علی افضلي وآخرين. قام الباحثون بتحليل رواية ساق البامبو لسعود السنعوسي علی أساس نظرية إريکسون التي رکّزت علی البحث في الهوية الفردية وتقصّي أسباب أزمة الهوية لدی المراهقين، وهي من وجهة نظرنا نظرية مهمة لکنها ناقصة في فهم أبعاد الهوية المختلفة لانکبابها علی الجانب الفردي للهوية. وقد قُسم تحليل أزمة هوية بطل الرواية إلی قسمين: الأول بعنوان الاغتراب وضياع الهوية، تمّ الترکيز فيه علی الاغتراب الذاتي للبطل. والقسم الثاني بعنوان الاضطرابات والصراعات الاجتماعية عرض فيه أزمة البطل في مجتمعه الجديد وشتاته بين تناقضات انتمائه للفلبين وطن أمه وبين الکويت وطن أبيه ورفض العائلة له. ولا شك أنّ المقال يقترب من منظورنا في تحليل أزمة الهوية خاصة في مؤشر الاغتراب. وفي إطار المؤشرات يمکن أن نذکر مقال عقده حقارت در رمان "ما لا تذروه الرياح" با تکيه بر نظريه "آلفرد آدلر" (1396ش) کتابة بهنام فارسي وآخرين. قام الباحثون بتحليل مظاهر عقدة النقص علی شخصية بطل الرواية الذي يعکس شعب الجزائر عامة علی أساس آراء عالم النفس النمساوي "ألفرد آدلر" الذي يؤکد علی أثر العوامل الاجتماعية في خلق عقدة النقص. وتوصلوا إلی أنّ العقدة تسببت في ظهور ثلاث مؤشرات أساسية علی البطل: الاغتراب، تحقير الآخرين والشعور بالتفوّق، وتقليد الآخر. وخشونت سياسي جمعي ودولتي وپيامدهاي آن در رمان "ستاره آگوست" صنع الله إبراهيم (1397ش) لفرامرز ميرزائي وآخرین. قاموا فيه بتحليل الرواية استجلاء لمظاهر العنف السياسي فيها علی أساس آراء المنظر السياسي "تيد روبرت غور" الذي يری الحرمان عامل العنف السياسي و"تاسيت" الذي يعتقد أنّ عنف الحکومات يؤدي إلی انطوائية وعزلة المواطنين مما يزيد وتيرة العنف السياسي من جهته. لا شك أنّ المقال يعدّ مصدراً أساسياً لتحليل مظاهر العنف السياسي في الرواية ضمن مؤشر العنف السياسي. فيلاحظ القارئ أنّ دراسات کثيرة تناولت قضية الهوية، إما بالترکيز علی الهويات المُهجّنة وارتباطها بالعولمة واعتبارها سبب الأزمة، أو بالترکيز علی العلاقة الجدلية بين الشرق والغرب والشعور بالنقص أمام الآخر الحضاري، ولکنها لمتقدم أیّ إطار محدّد يلخّص أهمّ مؤشرات الأزمة ويسهّل البحث فيها ولم تتناول الموضوع من المنظور النقدي الذي عُني بتقديم إطار للتأزم الهوياتي، فهذا ما يميز بحثنا هذا عن تلك الدراسات، لتحديده أهم مؤشرات الأزمة بالاعتماد علی النقد مابعد الکولونيالی الذي يضع الهوية موضع التساؤل انطلاقاً من علاقتها بالآخر الذي عمل علی تهديدها وطمسها مع تقديم رسم بياني لهذه المؤشرات وتفريعاتها لتفيد الباحثين في مجال التحليل السردي للرواية.
2- الأزمة الهوياتية في النقد مابعد الکولونيالي في ظل جدلية الأنا والآخر يتناول النقد مابعد الکولونيالی آداب مابعد الاستعمار في نمطيها: کتابة المستعمِر وکتابة الآخر المستعمَر، فنشأ بينهما «خطاب مابعد الکولونيالية النقدي واضعا آليات واستراتيجيات تتيح له قراءة النص بکل ما يحمله من مضامين، وما يعکسه من أيديولوجيات بالإضافة إلی تشکيلاته النصية القائمة علی اللغة.» (أبوشهاب، 2013: 57) فمنذ منتصف القرن العشرين، ظهر نقد معطيات الاستعمار، في محاولات قام بها مفکرون ونقّاد ينتمون إلی العالم الثالث، من أمثال "إدوارد سعيد"، "هومي بابا" و"جاياتري سبيفاك". لکن قبل هولاء جميعا تناول "فرانتز فانون" هوية المستعمَر في کتاباته وقام بتحليلها من منظور التحليل النفسي وأبرز العنصرية التي يلاقيها الإنسان الأسود في مواجهته مع المستعمِر. وقد آمن بأنّ مقاومة الاستعمار لاتتمّ إلّا باستخدام العنف. (شيرزاديان، 1388ش: 10) لکن "إدوارد سعيد" فقد خطّ اتجاهاً نقدياً جديداً في التعاطي مع النصوص الأدبية وتبعه فيه "هومي بابا" و"جاياتاري سبيفاك" وغيرهم. وقد عُرف "إدوارد سعيد" باعتباره منشيء النقد مابعد الکولونيالي. وانبنی فکره النقدي علی "القراءة الطباقية"والتي تعني حسب تصريحه: «التحليل الدقيق للاستراتيجيات الإمبريالية کما للمعارضة والمقاومة ضد الإمبريالية.» (سعيد، 2014: 10) أي أنها «قراءة السيطرة الإمبريالية بنظمها وأنساقها مع قراءة موازية للمقاومة الوطنية المعارضة لهذه السيطرة، أي قراءة الثنائيات المتضادة في علاقة الإمبريالية بالثقافة» (المناصرة، 2004: 128-129) وتنتج عن هذه القراءة النقدية المستقاة من آلية "التمثيل" مجموعة من الثنائيات مثل: الأنا/الآخر، الشرق/الغرب، الرجولة/الأنوثة، الأسود/الأبيض، التابع/المتبوع، البدائي/المتحضّر، السيد/العبد، التي غالبا ما تُبنی هويات الاختلاف من خلالها. يهمّ الباحث مابعد الکولونيالی رصد قضايا هامة متعلّقة بالهوية في إطار علاقة الأنا بالآخر وجدلية الشرق/الغرب، خاصة تلك الهويات التي أُريد لها الاندثار والطمس لتعود ثانية إلی الظهور بصفتها الأخری (جاسم الموسوي، 2005: 71) وقد أکّد بعض الدارسين علی ضرورة طرح سؤال الهوية في زمن انفجار هويات کبری «کانت تؤسس وهم الانتماء، والوطن، والقومية، وتشردت الجموع البشرية ...فيما يشبه طوفان ثانٍ، بعد طوفان نوح، طوفان يؤسس/يشتت الأجناس والأعراق والشعوب، والمجتمعات من جديد.» (مهنانة، 2014: 79) بناء علی هذا الاتجاه النقدي ينبغي طرح الهوية في سياق تاريخي معين تشابکت فيه الأحداث والتغيرات السياسية مما يعقد مهمة الکشف عن حدود الهوية وبناءها الإيديولوجي. وترددت تسمية "الهويات مابعد الکولونيالية" في الأوساط النقدية إشارة إلی الهويات التي تفتحت في زمن مابعد الاستعمار حاملة ترسبات الاستعمار وتأثيراته مشکلّة نموذجاً جديدا، «يرفض المفاهيم التي تضفي علی الهوية والذات طابعاً جوهرياً، ويهتم بالمعطيات التي تجعل الهوية لاتنقطع عن التحقق. فهي موجود مفتوح علی الصيرورة والتحوّل والاختلاف لأنها معرضة للتهجين المضاعف وللتنقيح المتکرر.» (الخضراوي، 2014: 123) هذا ما يؤکده "هومي بابا" و"إدوارد سعيد". فرغم أنّ هذا الأخير يعتبر الهوية الوطنية أساس الهوية إلا أنه لايحدّ من آفاقها ويؤمن بـ"العالمية" التي تعني تحمّل المخاطرة «کي نتجاوز الحقائق السهلة التي تقدمها لنا خلفيتنا ولغتنا وجنسيتنا والتي غالباً جداً ما تحجب عنّا حقيقة الآخرين.» (سعيد، 2003: 9) لأنّ جميع الثقافات «بسبب التجربة الإمبراطورية، منشبکة إحداها في الأخريات، ليست بينها ثقافة منفردة ونقية محض، بل کلّها مهجّنة، مولّدة، متخالطة، متمايزة إلی درجة فائقة وغير واحدية.» (سعيد، 2014: 69-70) إذن لا يمکن أن تکون الهوية في عزلة وانغلاق علی الذات. ترتبط الأزمة الهوياتية بجدلية الأنا والآخر لأن الاحتكاك بالآخر يحرّك الإحساس بالانتماء لدی المرء ويدفعه إلی بناء هوية مستقلة تميزه عن غيره.وشکّل اللقاء الحضاري مع الغرب بين «الأنا الفردية والجمعيـة بالآخر المتفوق الغالب المهيمن، قيمة أساسية من قيم الفكر العربي.» (بن علي، 2009: 107) وأوحی بأنّ الهوية ليست بنية بسيطة بل هي وسيلة لفهم مزيج التطابق والاختلاف. (أعرجي، 1396: 28) وطرح تساؤلات مرکزية في "جدلية الأنا والآخر" منها: من أنا؟ من هو الآخر؟ لأنّ کل منهما يحاول الحفاظ علی هويته وتعزيزها مما قديؤدي إلی تضعيف أو طمس هوية الطرف الآخر. (شکري، 1395ه: 69) وبدأ سؤال الهوية يؤرق الإنسان العربي المستعمَر نتيجة احتكاكه بالآخر الذي سبقه حضارياً فأدرك أهمية هويته في لحظة مأزومة، فارتد عندئذ إلی مكوناته الأصلية، التي تمنحه الإحساس بوجوده، فيحسّ بضرورة الحفاظ علی هذه المكونات مهما كانت التحديات. (حمود، 2013: 13) فقضية الهوية يعاد طرحها بقوة عند الإحساس بتهديدها أو تهميشها. إذن فالجدلية تتخذ موضعاً مركزياً في النظرية مابعد الكولونيالية «من خلال افتراض وجود مقابلة ثنائية ينقسم إليها العالم. وقد اعتمد التأسيس المتدرج للإمبراطورية علی العلاقة الهرمية الثابتة بوجود المستعمَر بوصفه الآخر بالنسبة للثقافة المستعمِرة.» (أشكروفت وآخرون، 2010: 93) فإنّ الآخر لدی الشعوب المستعمَرة، هو المستعمِر/الغربي المتقدم تقنية ولديه القوة والغلبة فيفرض لغاته وأفکاره وقيمه ومصالحه علی الذوات الحضارية الأخری. (الزهراني، 1999: 55) هذه الحقيقة قد دفعت الغربَ لتشکيل خطاب کولونيإلی يحدد ماهية الآخر الشرقي وفقاً لمنظومته المعرفية وخدمة لمصالحه، فصوّره همجياً وبربرياً وغيرحضاري يحتاج إلی من ينتشله من تخلّفه، تبريراً لفرض الهيمنة عليه واستعماره واستنزاف موارده وثرواته. وانبثقت ردة فعل عکسية من قبل المستعمَر تقوم علی تفکيك هذا الخطاب وتقويض استراتيجياته والکشف عن زيف أقاويله وادعاءاته بإخضاع الآخر المستعمِر للدراسة. کل هذا يعکس الصراع القائم علی التمثيل الذي تحدّث عنه "إدوارد سعيد". ودفع هذا الصراع القائم بين الأنا والآخر کثيراً من المفکرين والأدباء لمعالجته، فبزغت روايات تناوله علی أساس «واقع عربي مهزوم ومأزوم، يعاني الاستعمار والتخلف والانقسامات.» (التلاوي، 2000: 42) وأغلبها تعامل مع الموضوع تعاملاً أحادياً تتکرر فيها سمات شبه ثابتة. (إبراهيم، 1998: 33) کأن يسافر أبطال هذه الروايات، وهم من المثقفين، إلی أوروبا طلباً للعلم والمعرفة فتکون الرواية عبارة عن تجربة ذاتية تحمل طابع تجنيس العلاقات الثقافية بين الشرق والغرب، ويحدث في معظمها لقاء المثقف الشرقي بالمرأة الأوروبية ليکتشف من خلالها أبعاد الحضارة الأوروبية. (مسلم العاني، 1979: 41) والإطار المکانی هي العواصم الأوروبية كـ "باريس" و"لندن"، لتنتهي إلی «فکرة خاطئة مفادها أن الأمة العربية ستنهض لتبني حضارة جديدة ومعاصرة ولکن هذه الحضارة لن يقدر لها أن تقوم ما لمتأفل حضارة أوروبا.» (المصدر نفسه: 153)
3- مؤشرات أزمة الهوية علی ضوء النقد مابعد الکولونياليإنّ النقد مابعد الکولونيالی لايقولِبُ الناقد ولايحدّ من حريته في التعامل مع النصوص، ومع أنّ هذا الأمر يعرقل مهمة معرفة حدود النقد مابعد الکولونيالی وآلياته وأساليبه، إلّا أنّه يعتبَر ميزة يمتاز بها هذا الاتجاه النقدي؛ فکثرة القراءات والتأويلات تضع کل باحث في فضاء جديد يضطرّه إلی الإلمام بجوانب عديدة وخفية من النص لفهم العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر. والأمر إذ ينطبق علی النقد ما بعد الکولونيالی عامة فإنّه ينطبق علی واحد من أهمّ حقوله بشکل خاص وهو حقل الهوية. هذا القول قد يفسّر عدم وجود دراسة تحدّد معالم أزمة الهوية وتشير إلی أهم مؤشراتها؛ فرغم کثرة الآراء والاتجاهات حول الهوية کحقل معرفي واسع، ورغم تشعّب الدراسات الأدبية مابعد الکولونيالية التي تناولت الهوية في إطار العلاقة الجدلية بين الشرق والغرب، إلّا أننا -کما ذکرنا في مقدمة البحث- لمنعثر علی دراسة تناولت أزمة الهوية من وجهة نظرنا المعنية بتقديم إطار لأهمّ مؤشرات الأزمة الهوياتية، ما دفعنا إلی تحديد إطار لأهمّ هذه المؤشرات يعبّد مهمة تحليل النصوص. إنّ المؤشرات التي ستُذکر تباعا، لمتأت بناء علی آراء منظّر معين؛ إذ إننا قصدنا دراسة الهوية علی ضوء مفاهيم النقد مابعد الکولونيالی لاتأسيساً علی نظريات علم النفس والاجتماع وغيرهما. فجاءت هذه المؤشرات استنباطاً من معلومات مستقاة من قراءة مجموعة کبيرة من الدراسات المتعلّقة بالهوية والنقد مابعد الکولونيالی والتي تدلّ في مجموعها علی تقابل المستعمَر والمستعمِر وما يفرزه من ثنائيات تناقضية تؤدي إلی تأزّم الهوية لدی المستعمَرين من وجهة نظر النقد مابعد الکولونيالي.
يرجع الفضل في تحليل عقدة النقص لدی المستعمَرين والبحث في أسبابها إلی " فرانتز فانون" في کتابه "بشرة سوداء أقنعة بيضاء" حيث يقوم بتحليل وجودي، نفسي واجتماعي-اقتصادي عن أثرات الاستعمار في جزر "المارتينيک"، وخلقه أزمة وجودية للإنسان الأسود. باعتقاده، لابدّ من تحليل قضية السواد تحليلاً نفسياً لفهم الاختلالات العاطفية المؤدية إلی إيجاد عقدة النقص ويعتبرها ناتجة «أولاً من الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية وثانياً من تذويت العقدة.» (فانون، 1353ش: 9) نافياً أن تکون نتيجة عوامل فردية وغريزية کما ذهب العالم النفساني "فرويد". ومن ثم بحث في «عمليات "تذويت السواد" و"تبييض الجلد" أي تذويت عقدة النقص المبنية علی الخلفيات الاجتماعية والسياسية والرغبة في العرق الأبيض.» (باغجري، 1392ش: 166) فيؤکد أنّ تذويت عقدة النقص يشجّعه الواقع الاجتماعي-الاقتصادي قائلاً إنّ: «الأسود لا يشعر بالحقارة بل يشعرونه بها.» (فانون، 1355ش: 153) وأنه يستشعر حقيقة سواده مع أول نظرة من الرجل الأبيض. ويری أن التعارض بين صور الأسود والأبيض يؤدي إلی اختلالات عديدة؛ فالأسود رمز للدنس، والجنس، والهمجية أما الأبيض فيرمز للطهارة، والحضارة والرّقي. والأسود «من اللحظة التي يحسّ فيها بالاختلاف بينه وبين الأبيض الذي أرساه الأوروبي، يشعر بقلق واغتراب ذاتي.» (فانون، 1353ش: 84-85) وتمثّلت أطروحة الکتاب في «نزع اغتراب الأسود الذي تذوّت النظرة المحدِّقة العنصرية للآخر الأبيض، التي غالباً ما يتم التعبير عنها بوصفها عقدة النقص.» (سي غبسون، 2013: 87 ) وکرّس جهوده في البحث عن وسائل لتقويض هذه العقدة ليؤکد أن الأمراض النفسية ليست عنصراً أساسياً في الواقع الإنساني لکنها نتاج الوضع الثقافي السياق الاجتماعي. لايبتعد هذا الرأي عن اعتقاد عالم النفس النمساوي "آدلر"[1]، إذ يرجع عقدة النقص إلی السياق الاجتماعي. ويری أنّ «جميع البشر يعانون من إحساس النقص بدرجات مختلفة.» (آدلر، 2005: 79) وأنه إحساس طبيعي مشترك يساعد علی صناعة الذات والتکامل لکنه «يخرج من هذه القاعدة الإيجابية إذا خرج من إطار الإحساس وتحوّل إلی عقدة.» (فارسي وزملاؤه، 1396ش: 118) وقد أرسی الغرب في سعيه الحثيث إلی استعمار الشعوب، معالمَ تفوقه فهو يملك کل ما يؤهّله إلی السيطرة علی العالم وإرساء هويته المتعالية. بدءاً من العرق الذي استخدم لتصنيف البشر إلی مجموعات متمايزة جسمانياً وبيولوجياً ووراثياً والتمييز بين الأعراق النقية والمختلطة والذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالاستعمار «لأن تقسيم المجتمع البشري بهذا الشکل لا ينفصم عن حاجة القوي الکولونيالية لفرض هيمنتها علی المستعمَرين، ومن ثم تبرير المشروع الإمبريالي.» (أشکروفت وآخرون،2010: 297) وخلق هيکل هرمي للتنوع البشري، يقع الأوروبي الأبيض علی رأس هذا الهرم ويستقرالزنوج أو الأفارقة السود في القاع بسبب لونهم وثقافتهم التي يزعم أنها بدائية (المصدر نفسه: 298) وبهذا فإنّ اختلاف لون البشرة أو ما يعرف بالجندر هو أبرز سمات التمييز العرقي الذي رسّخ عقدة النقص لدی الأسود وعقدة التفوّق لدی الأبيض.وهذا ما يجرّهم إلی الشعور بالعجز والانبهار المفرط بالآخر ومحاولة تقليده. ويمسي الإنسان المحتقَر بمثابة «الآخر الذي لايستطيع تمثيل نفسه.» (مکاريک، 1388ش: 336) وکما يقول "فانون": «يتبنی الشاب الأسود بصورة ذاتية موقف الرجل الأبيض.» (فانون، 1355ش: 147) لأن الهوية المختزلة المستشعرة للنقص والحقارة بحاجة إلی من تتطلّع إليه وتتشبه به، وبهذا تظهر هويات تابعة. 2-3. الفصام/ الشيزوفرينيا: الهروب من الواقع واللجوء إلی الخيالظهرت مصطلحات علم النفس في النظرية مابعد الكولونيالية لتحليل تبعات الاستعمار في نفوس المستعمَرين. منها مصطلح "الفصام" أو "الشيزوفرينيا"[2] وهو بالأصل «مرض ذهاني يؤدي إلی نقص انتظام الشخصية وإلی تدهورها التدريجي. ومن خصائصه الانفصام عن العالم الواقعي الخارجي. فيعيش المريض في عالم خاص بعيداً عن الواقع، وكأنه في حلم مستمر. ويعرف أحياناً باسم "انفصام الشخصية وأيضاً تفكك الذات.» (زهران، 2005: 533) ومن أعراضه «الاستغراق في الذات، ويعيش المريض سجيناً داخل نفسه كما لو كان في جزيرة منعزلة تملؤها أوهامه وخيالاته، وهي بالنسبة له حقيقة فلا يری الواقع الموضوعي. لأنه يعتبر العيش في عالم خيالی أحسن من الوضع الأليم.» (المصدر نفسه: 536و537) وفي دراسات مابعد الكولونيالية استخدم المصطلح للدلالة علی حالة المستعمَر جراء صدامه مع المستعمِر وثقافته أثناء وبعد الاستعمار، إذ يصاب بتفكك الذات، فيهرب من واقعه المرير والأليم ويلجأ إلی عالم الخيال والأوهام؛ «فالإنسان إذا لميوفق بين ميتافيزيقيا ذهنه وأفكاره ومعتقداته وبين التقلبات الواقعية وتغييراتها في حياته اليومية، فأنه سيصاب بـ"شيزوفرينيا".» (فيرحي وزملاؤه، 1383ش: 4) ومن منظور التحليل مابعد الكولونيإلی فإنّ للاستعمار بكافة تمظهراته، اليد الطولی في زعزعة التوازن الفردي والاجتماعي وظهور أعراض مَرضية شبيهة بأعراض مَرضي الفصام. حيث يبتعد المرء تدريجياً عن واقعه ويعيش في أوهامه وخيالاته. 3-3. عقدة الجنس/ قلق الخصاءمن منطلق النقد مابعد الكولونيإلی فإنّ هيمنة الرجل علی المرأة في النظام الأبوي يشبه هيمنة المستعمِر علی المستعمَر في العملية الاستعمارية، (أشكروفت وآخرون، 2010: 177) ولهذا فإن تجربة المرأة في النظام الأبوي تشبه تجربة الشعوب المستعمَرة في جوانب عدة. بعبارة أخری «کما أن السلطة والإمبريالية تبني تفوّقها واستعلاءها علی الآخرين علی أساس الثنائيات المتعارضة، فإنّ نظام التجنيس مبني علی ثنائية تفوّق الرجل مقابل دونية المرأة. تعارض المستعمر/المستعمَر وعلاقات القوة بينهما الظاهر علی شکل ثنائيات الغرب/الشرق والرجل/المرأة، في الخطابين هو في الحقيقة نتاج لنظام السيد/العبد ذاته.» (شاهميري، 1389ش: 133-134) وکما تقول الهندية "ليلي غاندي"[3] الباحثة في الدراسات النسوية ومابعد الکولونيالية أن النظريتين سعتا إلی تقويض التراتب في الجنوسة/الثقافة/العرق، وشيئاً فشيئاً تبنتا دعوة ما بعد البنيوية في رفض الثنائيات التي تبني عليها هيمنة النظام الأبوي/الاستعماري.» (غاندي، 1388ش: 121) أخذ موضوع تجنيس العلاقات الحضارية حيزاً واسعاً في النظرية مابعد الکولونيالية، حتی عُدّ المرتکز الأساسي للنظرية مابعد الکولونيالية کما فعل "هانتز برتنز"[4]، إذ يقول: «الدراسات ما بعد الکولونيالية تنشغل بکيفية توظيف النصوص الغربية لمعادلة تفوّق المستعمِر الذي عادة ما يکون مذکراً وتهميش المستعمَر المؤنث.» (برتنز، 1387ش: 247) وانتشرت الدراسات النسوية علی يد "سبيفاك" التي اهتمت بإعلاء صوت "المهمّش" و"التابع" خاصة فئة النساء. فالمرأة مستعمَرة ومهمَّشة مرتين؛ مرة في النظام الأبوي من قبل الرجل ومرة في النظام الاستعماري من قبل المستعمِر. ولاشك أن لعقدة النقص دوراً بارزاً في تعزيز عقدة الجنس، فالإنسان المستشعر للنقص والدونية إزاء الآخر يحاول اثبات رجولته وفحولته عبر العلاقات الجنسية ولو استدعی الأمر اللجوء إلی العنف الجنسي. وقد تناول "جورج طرابيشي"موضوع تجنيس العلاقات الحضارية في الروايات العربية لأول مرة، مستفيداً من آراء "فرويد" و"فانون" في التحليل النفسي. فقد سلّط "فانون" الضوء علی جدلية العنف الجنسي بين المستعمِر والمستعمَر التي تسترجع علاقات الهيمنة والرضوخ «فالرجل الأبيض باغتصابه المرأة السوداء، يشعر الزنجي بأنه رجل مخصي، والزنجي بإقامته علاقات جنسية طوعية أو غصبية مع المرأة البيضاء، ينتقم من المستعمِر ويثبت له أنه رجل مثله.» (طرابيشي نقلاً عن فانون، 1997: 9) ومن المؤکد «أن جدل القهر الکولونيالی والاغتصاب الجنسي قد جعل الکثيرين من ابناء المستعمرات المقهورين والمخصيين نفسياً يهتفون بينهم وبين أنفسهم عند مرآهم لامرأة بيضاء نقية البشرة: هذه امرأة اذا رکبتها فقد رکبت أمة بکاملها.» (المصدرنفسه، 1997: 9-10) فوضعية الإنسان المقهور تفجّر قلق الخصاء لديه والذي يتضمّن الشعور بالتهديد الدائم من قبل الآخر المتسلط کما يتضمن شعور العجز والدونية. لأن القوة التی «يؤکد بها الشخص ذکورته أو أنوثته متناسبة مع توکيد ضدها في اللاوعي أي انعدام الذکورة أو انعدام الأنوثة.» (حجازي، 2005: 90) ولهذا يری "طرابيشي" أنه: «ليس من قبيل الصدفة أن يکون نعت "البکر" و"العذراء" قد اطلق علی قارات ومناطق وغابات بکاملها".» (المصدر نفسه، 1997: 8) فعلاقة الفاتح والمستکشف بالأراضي البکر کعلاقة المستعمِر بالمستعمَر أو هي علاقة الرجل بالمرأة أي علاقة سيطرة ورضوخ. وقد وظّف الكتّاب بکثرة في نتاجهم الإبداعي علاقة الرجل بالمرأة لدلالة علی اللقاء الحضاري بين الشرق والغرب حتي غدت ثيمة أساسية. لکنّهم عکسوا المعادلة الکولونيالية السائدة؛ فاصبح الرجل رمزاً دالاً للشرق والمرأة رمزاً للغرب ومشتهاة للاغتصاب من قبل رجولتهم الشرقية المسحوقة وردّاً علی الاستعمار الغربي.
ارتبط مفهوم الاغتراب بالانفصال والابتعاد عن الوطن أي الغربة المکانية، ومن ثمّ ارتبط بأزمة الهوية التي تعد من صميم النقد مابعد الکولونيالي فلذلك تجاوز مفهومه المدلول المادي إلی ما هو أعمق وأبعد فيتجلّي في الجانب الروحي والأبعاد الاجتماعية. وتناوله أول الأمر، بهذا المفهوم، الفيلسوف الألماني "هيجل"[5]. (ستودة، 1382ش: 239) فدخل معظم الدراسات الأدبية والنفسية والاجتماعية، کحالة من شعور الفرد بانفصاله عن الواقع وعجزه عن التکيف مع المجتمع «فهو حالة إخفاق الفرد في تحقيق التوازن بين الواقعية والإمکانية.» (نعمتي وآخرون، 1393ش: 222) فيشعر الشخص باغتراب نتيجة التعارض بين هويته وهوية الآخر الذي دأب علی رصّ ثنائيات متعارضة تثبت تفوّقه ودونية غيره. فالمرء الذي لايعزّز ثقته بنفسه يبقی حائراً «لايعي کنه ذاته ولا يری للوجود معنی.» (بن خروف، 2011: 47) حينئذ تتأزم هويته نتيجة مؤثرات نفسية أو خارجية تزعزع قدرته علی إدراك ذاته وغاية وجوده، فينسلخ من ذاته ويمسي غريباً عنها. فالاغتراب هو «التوتر والقلق النفسي، وضياع الذات أو استشعار الخوف من فقدان الأمن والأمان.» (جمعة، 2011: 24) يشمل الاغتراب أنماطاً أربعة رئيسة: الذاتي، والاجتماعي، والسياسي، والمکاني.
1-4-3. الاغتراب الذاتي تبدأ فکرة الاغتراب عن الذات بعدم الانتماء إلی المجتمع لأن الفرد بابتعاده عن طبيعته الجوهرية وتنافره مع ذاته يفقد انتماءه «وحينما يحدث ذلك فإن الفرد لايعود ممتلکاً لناصية جوهره وهکذا فإنه يغترب عن ذاته وعن طبيعته الجوهرية.» (شاخت، 1980: 101) والاغتراب الذاتي ينشأ من التناقض بين الإنسان وبين العالم الخارجي أي بين ما هو عليه وبين ما يحلم به، و«هذا راجع إلی الظروف اللّاإنسانية التي تعيشها الذات فلا تتضح بذلك الهوية، ولا تعرف حقيقة ما يجب أن تکون عليه.» (بن خروف، 2011: 47) ويری عالم النفس الألماني الأمريکي "إيريك فروم"[6] بأن انکار الذات هو أخطر أشکال الاغتراب، وهو إخفاق الإنسان في أن «يصبح ذاتاً أصليةً لها سمات معيارية ومثالية تحدد ما ينبغي أن يکون عليه الإنسان.» (عباس يوسف، 2004: 60) ويعکس الاغتراب الذاتي مستويين متباينين: «الأول يمثّل الشخص الذي يتحرر من حلم الجماعة وقيمتها التي قد لاتتلاقي وقيمته الإنسانية. فهو شخص استطاع الاکتفاء بذاته، والمستوي الثاني فيمثله الشخص المهمش اجتماعيا والذي لايستطيع أن يجسّد ذاته داخل المجتمع لينتهي به الأمر إلی الاغتراب الذاتي.» (فرهنگ نيا وآخرون، 1436ق: 395) وبهذا تکون هوية الفرد مشتتة فهو يشعر بضياع أو تکون منغلقة لنفوره إقامة علاقات اجتماعية مع الآخرين. وفي أغلب الأحيان يأتي البحث عن هوية بديلة کحل للاغتراب الذاتي، ولهذا نجد الإنسان الشرقي المستعمَر ينبهر بهوية الآخر المتفوّق، أو يحاول الرجوع إلی تراثه وأمجاده بحثا عن مقوّمات هويته الأصيلة وإحيائها.
2-4-3. الاغتراب الاجتماعي يعزو بعض الباحثين انعزال الإنسان عن مجتمعه إلی ضغوط المجتمع ومتطلبات الحياة، فينتج عنه تأزم نفسي کبير، وبالتالی ينفر المرء من مجاراة التغيرات الاجتماعية ويصل به الأمر إلی نبذ الأعراف والتقاليد السائدة في مجتمعه وذلك بمحاولته لخرق النواميس السائدة وإسقاطها «إما بتغيير القانون الاجتماعي (وهذه ردة فعل ايجابية ثورية) أو بالتدمير واستغلال الثغرات لا لسدّها وإنما لتوسيعها وتحطيم القيود التي تکبله ونفض الغبار عن نفسه.» (العبدالله، 2005: 80) والأنا هنا لايعاني من انکار الذات فحسب بل يتجاوزها لتعاني الرفض والإنکار وسط الآخرين. يخلق الانشراخ عن المجتمع ونبذ نواميسه حالة من تصدّع المعايير أو ما يعرف بـ "اللّامعيارية"، وقد استند معظم الاجتماعيين في تحديد هذا المفهوم «إلی توصيف "إميل دور کايم"[7] للأنومي أو ما يعرف باندثار القيم والمعايير وتشقّقها، لأنه حالة تصيب المجتمع فتنهار المعايير أو النظم والأنساق التي تنظم السلوك الإنساني وتوجهه.» (ابن خروف، 2011: 27) أو کما يعتبره البعض: «الحالة التي يتوقع فيها الفرد بدرجة کبيرة أن أشکال السلوك التي أصبحت مرفوضة اجتماعية غدت مقبولة تجاه أية أهداف محددة أي أن الأشياء لم يعد لها أية ضوابط معيارية.» (الجبوري، 2008: 19) وبغياب هذه القواعد والضوابط يظهر ما يعرف بالأنومي أو اللّامعيارية کمظهر من مظاهر الاغتراب الذي قد يفضي بالمجتمع إلی الفوضي وانتشار الفساد وارتفاع الجرائم. وقد أرجع "جورج لوکاتش"[8] الإحساس بالاغتراب الاجتماعي إلی التناقض بين قيم الفرد الخاصة والقيم السائدة في مجتمعه (عباس يوسف، 2004: 28) وأخيرا فإنّ الاغتراب الاجتماعي بشکل عام يظهر نتيجة تأزّم هوية الأفراد ونفورهم من کل ما هو محلي ومتعارف في مجتمعهم من أعراف وقيم وتقاليد وانکارها، وقد يصل الأمر إلی حد النفور من کافة أشکال الانتماء الوطني والقومي. 3-4-3. الاغتراب السياسي تظهر تجليات الاغتراب السياسي -الذي بات من سمات العصر الحديث وخاصة في المجتمعات العربية- في «العجز السياسي الذي يشير إلی أن الفرد المغترب ليست لديه القدرة علی أن يصدر قرارات مؤثرة في الجانب السياسي، کما يفتقد إلی المعايير والقواعد المنظمة للسلوك السياسي، بمعني آخر يشعر المرء بأنه ليس له دور في العملية السياسية.» (فرهنگ نيا وآخرون، 1436ق: 396) فيشعر بالعجز والعزلة إزاء المشارکة الإيجابية في صنع القرارات. ولا عجب إن يخلق الاستعمار حالة من الاغتراب السياسي لدی الافراد والمؤسسات وأن يعزلهم عن المشارکة في صنع القرارات باعتبار المستعمَرين بدائين وغير قادرين علی تمثيل أنفسهم. کما أن الحکومات المحلية والسطات الديکتاتورية عادة ما تتمرکز حول ذاتها نافية أي مشارکة من الأطراف. 4-4-3. الاغتراب المکاني الاغتراب المکاني هو مغادرة الوطن والإحساس الذي يشعر به الإنسان في بعده عنه وحنينه إليه، فالارتحال عن الوطن «يولّد اغتراباً مکانياً لاتنفتح معه إلا أبواب الوحشة ولايصبح العالم إلا ثقب إبرة.» (بلاوي والآخرون، 2012: 81) بات الاغتراب المکاني من سمات العصر الحديث لما يتميز به العصر من بواعث ومحفّزات لانتشار هذه لظاهرة، من أهمّها الباعث السياسي وتباين المواقف والانتماءات السياسية الذي يسفر عنه «إثارة إحساس الناس بالضيق في أوطانهم وبالذل في ديارهم.» (روحي إبراهيم الخليلي، 2007: 20) فيتمّ الاغتراب المکاني إما بشکل «طوعي يختاره الإنسان لأسباب عدة کعدم انسجامه مع المجتمع.» (الجبوري، 2008: 17) وإما قسري تقتضيه دواع ومؤثرات خارجة فتفرضه عليه، وعادة ما يرتبط بهجرة المثقفين وترکهم لأوطانهم للأسباب السياسية، والشرخ الطبقي بين فئات المجتمع «فأدرك المثقف انعدام المعايير والقيم التي تحکم سلوك الفرد وتصرفاته، وجمود هذه القيم وعدم فاعليتها مما أدّي إلی تنامي إحساس المثقف بالغربة والانعزال» (أبوشاويش، 2006: 127)، وبالتالی اختيار المهجر موطنا بديلا يعترف بالاختلاف والمغايرة، وظهور هويتين متباينتين في الوقت نفسه لعدم قدرة المغتربين علی تحديد انتماءهم لأي من الوطنين. فتتشکل هوية مرکبة مُهجّنة عادة من تتسمّ بالثراء الثقافي کما حصل مع مفکري وأدباء المهجر.
5-3. التخلّفبرز مصطلح التخلّف بشدة بعد الحرب العالمية الثانية مع حصول عدد کبير من البلدان المستعمَرة علی الاستقلال. وانطلقت البحوث حوله من منظورات مختلفة بدءاً بالمنظور الاقتصادي وصولاً إلی المنظورات الاجتماعية والسياسية والفکرية. وکثرت تعاريفه فقيل إن الدول المتخلّفة هي التي ينتشر فيها الفقر والفقراء، ويعيش فيها القرويون عيشة الکفاف، ولاتوجد فيها مصانع قوية تملکها، وتنقصها موارد القوی المحرکة، وتقلّ فيها المستشفيات والمدارس ودور الثقافة وتتنتشر فيها الأمية. (عبد المولي، 1990: 25) وعزت بعض النظريات ظاهرة التخلّف إلی شروط جغرافية أو عرقية وذهبت أخری إلی «إرجاعها للبنية الثقافية الجامدة التي تميز المجتمعات المتخلّفة، وإلی العادات والتقاليد التي ورثتها والمتسمة بالسلبية والقدرية والجمود.» (سعود، 2006: 19-20) والتخلف من نتاج حرکة التوسع الاستعماري، وما هو إلا ناتج من نواتج الاستعمار. وقد أُرجعت أسباب التخلّف في مجموعها إلی سببين رئيسين: أسباب داخلية تنطوي عليها البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع؛ وأسباب خارجية تسيطر علی المجتمعات من الخارج وانحصرت غالباً في الاستعمار. لکن هناك من اتخذ اتجاهاً ثالثاً جمع بينهما فعزا ظاهرة التخلّف إلی التفاعل بين السببين. وفي هذا الإطار تبرز مساهمة "مالك بن نبي" في مؤلفاته المتعددة، فقد أرجع أسباب التخلّف إلی سببين: 1. أسباب داخلية (قابلية الاستعمار) 2. أسباب خارجية (الاستعمار) لکنه عقد تفاعلاً بينها. يطلق "بن نبي" قابلية الاستعمار علی مجموعة عوامل نفسية واجتماعية (الفقر والجهل) تقود الأفراد إلی حالة من العجز والمرض والجمود. حيث يقول: «کلما حاولنا تصنيف مختلف الأسباب التي تعرقل ضروب النشاط في العالم الإسلامي والتي تزرع القلق والعجز، وأخيراً الفوضي في حياته، وجدنا أن الأسباب الداخلية التي تنتج عن القابلية للاستعمار هي أسباب ذات الشوکة والغلب.» (بن نبي، 1986: 96) ويؤکد أنّ هذه القابلية هي التي ينبغي التنبّه إليها والتخلّص منها والکف عن إلقاء تبعات الفشل والتخلّف علی أسباب وهمية، ويعتقد أنّ التحرر من الاستعمار والإمبريالية يأتي نتيجة التحرّر من العقد النفسية ومن قابلية الاستعمار. فقد لعب الخطاب الکولونيالی دوراً بارزاً في إرساء فکرة تخلّف الشرق وتقدّم الغرب وبالتالی ضرورة استعماره بغية تحضيره وتهيئة أسباب نموّه. وظهرت تصنيفات مثل: "العالم الثالث" و"الدول النامية" و"الدول المتخلفّة" وما إلی ذلك قياساً بالمرکزية الأوروبية. لکن العالم اليوم يشهد نمطاً مختلفاً من ثنائية التخلّف والتقدّم «فينظّم نظام رأسمإلی عالميّ وحيد تطوّرَ بعض البلدان وتخلّف أو تبعية بلدان أخری. وينقسم العالم اليوم إلی بلدان رأسمالية متقدّمة وأخری متخلّفة بسبب الطريقة التي صارت فيها کلّ واحدة رأسمالية.» (لومبا، 2013: 173) فإننا نری أن البلاد الشرقية وخاصة التي عانت من الاستعمار المباشر تعاني من التخلّف علی جميع الأصعدة وهو مؤشر هام علی تأزم هويتها وعدم قدرتها علی مواکبة تطوّرات العصر. 6-3. العنفوالعنف ظاهرة عامة في مختلف المجتمعات لکنه يرتبط ارتباطاً جلياً بالمجتمعات المتخلّفة ويکون من سماتها البارزة. ولا نبالغ إذا قلنا أنّ العنف والتخلّف صنوان. کما أنه يرتبط بالهويات، إذ إنّ انتشاره بکافة أشکاله يؤذن بأزمة هوياتية علی الصعيد العالمي لاتنحصر بالهويات الهامشية والمحبطة فحسب، فالکل يحاول فرض هويته ومعالم تفوّقه ولو باستخدام آلية العنف. وليس خافياً أنّ التوسع الاستعماري الذي شمل أکثر من 80% من الکرة الأرضية ارتبط بشدة بالعنف ومظاهره المختلفة کالتعنيف الجسدي والنفسي والمتاجرة بالرقيق واستعباد الزنوج وإرغامهم علی الأعمال الشاقّة، ممّا خلّف عُقد وتراکمات نفسية کثيرة لديهم. فلابدّ من آلية تفرغ هذه التراکمات والتوترات النفسية وبالتالی تظهر آلية العنف. ويعرّف العنف علی أنه «الاستعمال غير القانوني لوسائل القهر المادي أو النفسي، إبتغاء تحقيق غايات شخصية أو اجتماعية.» (جواد رضا، 1974: 147) وأنّه القسوة والممارسة المکثّفة للقهر والقوة نتيجة الإحساس بالإحباط تجاه مطالب الحياة، فيأتي «کردة فعل لإثبات الذات وتحقيق السيطرة علی الغير.» (سليمة ، 2018: 7) ومصدره القوة بأشکالها المختلفة،«فليست الشرطة، أو الجيش أو السلاح فقط إنما لها أشکال أخری متعددة، يمکن البرهنة عليها بالنظر إلی المجتمع والحياة اليومية، فکل تراکم للمعرفة الاجتماعية وکل نوع من أنواع التنميط والتصنيف والحکم هو صورة من صور ممارسة القوة وبالتالی العنف.» (حبيلة، 2010: 15) کما أنّ "فانون" من الروّاد الذين حاولوا فهم أسباب العنف وسلّط الضوء عليه، خصوصاً العنف المرتدّ علی الذات والعنف الموجّه إلی الآخر، وآمن بضرورة استخدامه للردّ علی المستعمِر الغاصب. ويمکن دراسته بشکل عام في إطار العنف الديني والعنف السياسي. بناء علی ما سبق ترتکز المحصلة النهائية علی مجموع هذه المؤشرات المستخرجة علی ضوء النقد مابعد الکولونيالی والتي يمکن اتباعها المتّبَعَة في تحليل النصوص، والتي تشير ضمنياً إلی وجود أزمة هوياتية حيث وجدت. سنقدم لها فيما يلي رسماً بيانيا. عدد هذه المؤشرات لاينفي احتمالية وجود مؤشرات أخری غابت عن الباحثين؛ فالهوية عالم رحب ومفتوح يستقطب إبداعات الباحثين وتحرّياتهم دون الوقوف عند حدود معينة خاصة في ظلّ ما تعيشه المجتمعات من تحوّلات متلاحقة في عالم متغير بإيقاع سريع، مما يغير الثوابت والمشترکات ويعرّض الهويات إلی ضغوط وهزّات وأزمات ويفتح الآفاق إلی تجارب إبداعية وجمالية جديدة. الرسم البيانی لمؤشرات أزمة الهوية
النتائج عَمِل الخطاب الکولونيالي، وفقاً لمفاهيمه الاستعلائية السائدة، علی تصنيف البشر إلی فئتين: فئة الأوروبيين البيض المتفوّقين المتحضّرين، وفئة من يقع خارج المنظومة الأوروبية أي المتّصفين بصفات الدونية والبدائية. فکان لقاء الشرق بالغرب من خلال الاستعمار صدمة هائلة أثارت لدی المستعمَرين قلق الهوية وزرعت في نفوسهم الشعور بالدونية، مما خلق لديهم تساؤلات مرکزية منها: من أنا؟ من الآخر؟ وما علاقتي به؟ فحفّز الاهتمام بإشکالية الهوية. ظهرت النظرية ما بعد الکولونيالية في منتصف القرن العشرين لتؤکّد أنّ مرحلة جديدة من الهيمنة تُعرف بالإمبريالية قد حلّت مکان الاستعمار الکلاسيکي وتمکّن الغرب من استعمار الشعوب دون الحاجة إلی القهر العسکري، فظهر مصطلح "الاستعمار الحديث". وعُنيت النظرية بآداب حقبة مابعد الاستعمار التي جاءت من قبل المستعمَرات للردّ علی تمرکزات الخطاب الغربي وتحيزاته. ووجّهت أقلام الأدباء إلی قضايا الهوية والانتماء وکثرت الروايات التي تناولت اللقاء الحضاري بين الغرب والشرق. حفّز المؤثر الاستعماري ظهور ثنائيات جدلية مثل: التخلّف/ التقدّم، العبد/السيّد، الهامش/المرکز، المرأة/الرجل، المستعمَر/المستعمِر إلخ، ما دفع المفکرين إلی العودة إلی البحث العميق عن أسباب التخلّف الذي تعاني منه الشعوب الإسلامية عامة والعربية خاصة، وأُرجع الأمر برمته إلی وجود أزمة هوياتية کحقل معرفي واسع في النقد ما بعد الکولونيالي، فکثرت الآراء الواردة حول هذه الأزمة حيث وضعت کل باحث في فضاء جديد مضطرّب الجوانب عديد الوجوه يصعب فهم النص من هذه الوجهة وهذا ما يفسّر ضرورة دراسة تحدّد معالم أزمة الهوية لتشير إلی أهم مؤشراتها؛ ويبعّد مهمة تحليل النصوص الروائي لدراسة أزمة الهوية دراسة موضوعية بعيدة عن اللامعيارية. ولإنجاز مهمة تحليل النص الروائی لدراسة الأزمة الهوياتية دراسة علمية موضوعية، توصلت الدراسة هذه إلی إطارتحليلي يتألف من ست مؤشرات رئيسية وتفريعاتها لتحليل أزمة الهوية في النصوص الروائية وهي: 1. عقدة النقص والانبهار بالآخر(التغريب)؛ 2. الفصام/الشيزوفرينيا؛ 3. عقدة الجنس/قلق الخصاء؛ 4. الاغتراب بفروعه الذاتي، والاجتماعي، والسياسي، والمکاني؛ 5. التخلّف بفروعه الثقافي، والاقتصادي، والعلمي؛ 6. العنف بفروعه الجنسي، والديني، والسياسي. والعنف السياسي يشمل الاضطرابات، والمؤامرات والحروب الداخلية. جاءت هذه المؤشرات علی ضوء مفاهيم النقد مابعد الکولونيالی وعلم النفس والاجتماع، وقراءة مجموعة کبيرة من الدراسات المتعلّقة بالهوية وقراءة طباقية للثنائيات التناقضية کالمستعمَر/المستعمِر، المرأة/الرجل، العبد/السيد، الحاشية/المرکز، التخلّف/التقدّم.
[1] Alfred Adler [2] - Schizophrenia [3] Leila Ghandi [4] Hants Birtens [5] Hegel [6] Erich Fromm [7] Emile Durkheim [8] George Lucas | ||
مراجع | ||
الکتب العربية
أشکروفت، بيل، جريفيثيز جاريث، تيفين هيلين. (2005). الإمبراطورية تردّ بالکتابة آداب ما بعد الاستعمار: النظرية والتطبيق. ترجمة وتقديم خيري دومة. الطبعة الأولی. عمّان: أزمنة.
ــــ (2010). دراسات ما بعد الکولونيالية المفاهيم الرئيسية. ترجمة أحمد الروبي وآخرون. الطبعة الأولی. القاهرة: المرکز القومي للترجمة.
بابا، هومي. (2004). موقع الثقافة. ترجمة ثائر ديب. من مقدمة المترجم. الطبعة الأولی. القاهرة: المجلس الأعلی للثقافة.
التلاوي، مرفت. (2012). العنف ضد المرأة. الطبعة الأولی. مصر: دار التحرير.
تودوروف، تزفيتان. (1992). فتح أمريكا: مسألة الآخر. ترجمة بشير السباعي. القاهرة: سينا للنشر.
الجابري، محمد عابد. (1998). العولمة والهوية الثقافية عشر أطروحات في العرب والعولمة. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
جاسم الموسوي، محسن. (2005). النظرية والنقد الثقافي:الکتابة العربية في عالم متغير واقعها سياقاتها وبناها الشعورية. بيروت: ا المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
حبيلة، الشريف. (2010). الرواية والعنف، دراسة سوسيو نفسية في الرواية الجزائرية المعاصرة. الطبعة الأولی. الجزائر: عالم الکتب الحديث.
حجازي، مصطفی. (2005). التخلف الاجتماعي مدخل إلی سيکولوجية الإنسان المقهور. الطبعة التاسعة. المغرب: المرکز الثقافي العربي.
الجبوري، يحيی. (2008). الحنين والغربة في الشعر العربي. الطبعة الأولي. الأردن: مجدولاي للنشر والتوزيع.
ريکور، بول. (2009). الهوية والسرد، ترجمة حاتم الورفلي. بيروت: دار التنوير.
زهران، حامد عبدالسلام. (2005). الصحة النفسية والعلاج النفسي. الطبعة الرابعة. القاهرة: عالم الكتب.
الزهراني، معجب. (1999). صورة الغرب في کتابة المرأة العربية ضمن کتاب أفق التحولات في الرواية العربية. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
سعيد، إدوارد (1991). الاستشراق. ترجمة کمال أبو ديب. الطبعة الثالثة. بيروت: مؤسسات الأبحاث العربية.
______ (2000). العالم والنص والناقد. ترجمة عبد الکريم محفوض. الطبعة الأولي. دمشق: اتحاد الکتاب العرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (2003). الآلهة التي تفشل دائما. ترجمة حسام الدين خضور. الطبعة الأولي. بيروت-دمشق: دار التکوين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (2004). تأملات حول المنفي. ترجمة ثائر ديب. بيروت: دار الآداب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (2014). الثقافة والإمبريالية. ترجمة کمال أبو ديب. الطبعة الرابعة. بيروت: دار الآداب.
سليمان، محمد. (2008). أسئلة الهويات والمثاقفة في عصر العولمة. الطبعة الأولي. فلسطين: معهد إبراهيم للدراسات الإعلامية والثقافية.
سي غبسون، نايجل. (2013). فانون المخيلة بعد الکولونيالية. ترجمة خالد عايد أبو هديب. الطبعة الأولي. دوحة-بيروت: المرکز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
عبد المولي، محمود. (1990). العالم الثالث ونمو التخلف. الطبعة الثانية. تونس: الدار العربية للکتاب.
العبدالله، يحيی. (2005). الاغتراب دراسة تحليلة لشخصيات الطاهر بن جلون الروائية. الطبعة الأولي. الأردن: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
عبداله محمد، عادل. (2000). دراسات في الصحة النفسية (الهوية، الاغتراب، الاضطرابات النفسية). الطبعة الأولي. القاهرة: دار رشاد.
فانون، فرانتز. (2004). بشرة سوداء أقنعة بيضاء. ترجمة خليل أحمد خليل. الطبعة الأولي. بيروت: دار الفارابي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (2007). معذبو الأرض. بحث وتقديم ک. شولي. الجزائر: عاصمة الثقافة العربية.
الکتب الفارسية
آشوري، داريوش. (1387ش). دانشنامه سياسي. تهران: مرواريد.
برتنس، هانتس. (1387ش). مباني نظريهي ادبي. ترجمه محمدرضا ابوالقاسمي. چاپ دوم. تهران: نشر ماهي.
جنکنيز، ريچارد. (1381ش). هويت اجتماعي. ترجمه تورج ياراحمدي. چاپ اول. تهران: شيرازه.
روح الاميني، محمود. (1379ش). زمينه فرهنگ شناسي. چاپ پنجم. تهران: انتشارات عطار.
ستوده، هدايت الله. (1382ش). روان شناسي اجتماعي. تهران: انتشارات آواز نور.
شاهميري، آزاده. (1389ش). نظريه ونقد پسا استعماري. چاپ أول. تهران: علم.
شريعتي، علی. (1393ش). مذهب عليه مذهب. تهران: انتشارات سپيده باوران.
شولتز، دوآن، آلن شولتز سيدني. (1389ه). نظريههاي شخصيت. مترجم يحيي سيد محمدي. چاپ 16. تهران: ويرايش.
عباديان، محمود. (1383ش). بحران هويت؛ نه بی هويتی فرد از کتاب هويت وبحران هويت. چاپ اول. تهران: پژوهشکده علوم انساني واجتماعي جهاد دانشگاهي.
فانون، فرانتس. (1355ش). پوست هاي سياه صورتکهاي سفيد. ترجمه محمد امين کاردان. چاپ دوم. تهران: انتشارات خوارزمي.
فيرحي، داود وديگران. (1383ش). مباني نظري هويت وبحران هويت. اهتمام علی اکبر عليخاني. چاپ اول. تهران: پژوهشکده علوم انساني واجتماعي جهاد دانشگاهي.
گاندي، ليلا. (1388ش). پسا استعمار گرايي. ترجمه مريم عالم زاده وهمايون کاکاسلطاني. چاپ اول. تهران: پژوهشکده مطالعات فرهنگي واجتماعي.
گر، تد روبرت. (1394ش). چرا انسانها شورش ميکنند؟. ترجمه علی مرشدي زاده. چاپ چهارم. تهران: پژوهشکده مطالعات راهبردي.
گل محمدي، أحمد. (1389ش). جهاني شدن. فرهنگ. هويت. چاپ چهارم. تهران: نشر ني.
مکاريک، ايرناريما. (1388ش). دانشنامه نظريههاي ادبي معاصر. ترجمه مهران مهاجر ومحمد نبوي. چاپ3. تهران: آگه.
المقالات العربية
آذرشب، محمد علي، فاطمة أعرجي. (1396ش). «تمثيل هوية التابع في الرواية العربية الجديدة رواية "شيکاجو" أنموذجا». مجلة دراسات في اللغة العربية وآدابها. السنة الثامنة. العدد السادس والعشرون.
أبوشاويش، حماد حسن، عبد الرزاق عواد إبراهيم. (2006). «الاغتراب في رواية البحث عن وليد مسعود». مجلة الجامعة الإسلامية. المجلد14. العدد2.
بلاوي، رسول، مرضيه آباد، عباس طالب زاده شوشتري، عباس عرب. (1433ه.ق). موتيف الاغتراب في شعر يحيي السماوي. مجلة العلوم الإنسانية الدولية. العدد19 (3). صص 95-77
بوجملين، مصطفی. (2014م). فجيعة الهوية في رواية "حلم علی الضفاف لحسيبة موساوي –تشظي الآخر أم تغريب قسري ندوة المخبر
https://www.univ-biskra.dz/sites/lab/lla/images/pdf/nadoua2/12-03-2014/6.%20%20.pdf
فرهنگ نيا، أمير، کبری روشنفکر ، خليل پروينی. (1436ه.ق). ظاهرة الاغتراب في شعر عز الدين المناصرة. مجلة اللغة العربية وآدابها. السنة11. العدد 3. صص 408-387
ميرزائی، فرامرز؛ بشری جزائری؛ خليل پروينی؛ هادی نظری منظم. (2018). فصام الهوية بين أنوثة قاهرة ورجولة مقهورة: قراءة ما بعد کولونيالية في رواية العطر الفرنسي لأمير تاجر السر. مجلة دراسات في اللغة العربية وآدابها. السنة التاسعة العدد السابع والعشرون ص 104-85
نعمتي، فاروق، جهانگير اميری، علی سليمی، عبدالسلام کريمی. (1393ش). الاغتراب ومظاهره في شعر سيد قطب (دراسة وتحليل). مجلة الأدب العربي. السنة السادسة. العدد الأول. السنة السادسة. صص 238-218
المقالات الفارسية
افضلي، علي؛ نسترن گندمی؛ مهدخت نبوی. (1397ش). در جستوجوي خويشتن؛ واکاوي بحران هويت در رمان "ساقه بامبو" بر اساس نظريه "اريکسون". مجله انجمن ايراني زبان وادبيات عربي. شماره 47. صص 116-97
باغجري، کمال وشهريار نيازي. (1394ش). خوانش پسااستعماري موسم هجرت به شمال اثر الطيب صالح. ادب عربي. دوره 7 شماره 1. صص 86-61
شيرزاديان، رضا. (1388ش). مطالعات پسا استعماري؛ نقد وارزيابي ديدگاههاي فرانتس فانون. ادوارد سعيد، وهومي بابا. فصلنامه مطالعات سياسي. سال دوم. شماره 5. صص 174-149
فاتحي، سيدحسن وبی بی راحل سنسنبلی. (1396ش). بررسي هويت پسااستعماري در رمان "مملکة الفراشة" اثر واسيني الأعرج با تکية بر ديدگاه هومي بابا. فصلنامه لسان مبين. سال هشتم. شماره 28. صص 155-129
فارسي، بهنام، فاطمه شهرياری ، محمد مهدی سمتی. (1396ش). عقده حقارت در رمان "ما لاتذروه الرياح" با تکيه بر نظريه "آلفرد آدلر". مجله انجمن ايراني زبان وادبيات عربي. شماره 45. صص 140-113
ميرزائی، فرامرز؛ يدالله هنری لطیف پور؛ محبوبه رهبر تجارت. (1397ش). خشونت سياسي جمعي ودولتي وپيامدهای آن در «ستاره اگوست» صنع الله ابراهيم. مجله انجمن ايراني زبان وادبيات عربي. شماره46، ص 140-119
ناظميان، رضا ومريم شکوهینيا. (1392ش). مقايسه وتحليل جلوه هاي پسااستعماري در رمان هاي "موسم هجرت به شمال" طيب صالح و"سووشون" سمين دانشور. پژوهش زبان وادبيات فارسي شماره 29. صص 32-1 | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,180 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 294 |