تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,003 |
تعداد مقالات | 83,617 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,291,236 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,346,168 |
تجلّیات عقدة النقص الأدلریة لدی الشخصیة المحوریة في روایة طیور أیلول | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 2، دوره 11، شماره 44، خرداد 2022، صفحه 31-55 اصل مقاله (249.43 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
زهرا فرید* 1؛ سعیده فرید2؛ فرزانه رحمانیان3 | ||
1أستاذة مساعدة في اللغة العربية وآدابها، جامعة الزهراء، طهران، إیران | ||
2طالبة دکتوراه في علم النفس، فرع قم، جامعة آزاد الإسلامية، قم، إیران | ||
3أستاذة مساعدة في اللغة العربية وآدابها، فرع رامهرمز، جامعة آزاد الإسلامية، رامهرمز، إیران | ||
چکیده | ||
يعتبر النقد الأدبي التحليلي النفسي من الحقول الجديدة في مجال النقد الأدبي، والذي یقوم فیه الناقد بتحلیل ودراسة الزوایا الخفیة والمظاهر النفسیة الموجودة في شخصیات العمل الأدبي، لكي يخضع النص لتحلیل أمثل. حاولنا في البحث الراهن إلى تحليل شخصية "منى" البطلة والشخصية المحورية في رواية "طيور أيلول" لإميلي نصر الله الكاتبة والروائية اللبنانية في ضوء نظرية أدلر في علم النفس الفردي؛ إذ أن هذه الرواية تناقش الإحباط والنبذ عند النساء في المجتمعات الريفية اللبنانية، حيث كن يعانين من الشعور بالنقص وانعدام الذات والوحدة؛ ومن ضمن هذه الشخصيات "منى" بطلة الرواية. اعتمدت الدراسة المنهج الوصفي- التحليلي ضمن إطار نظرية أدلر في علم النفس الفردي، وتبحث مسلّمة أساسية من مسلمات نظريته، وهي عقدة النقص وملامح تكوينها في شخصية "منى" وانعكاسات هذا الشعور في سلوكياتها، ثم اتخاذها آليات لتعويض ذلك الشعور. وتوصلت هذه الدراسة إلى أن بعض العوامل مثل البيئة الاجتماعية والتقالید القاسية خاصة وجهة نظر والد منى الاستبدادية والإحباط في الغرام، والفقر، أوجد عقدة النقص لديها، ولقد توسلت منى لتعويض هذا النقص بطرق غير اعتيادية ومتوهمة مثل اللجوء إلى التعويض الخيالي والهروب من الأسرة والواقع المعاش في المجتمع، والتي لا تترك في النهاية آثارًا إلا خيبة الأمل والشعور بانعدام الذات. | ||
کلیدواژهها | ||
النقد الأدبي التحليلي النفسي؛ ألفرد أدلر؛ عقدة النقص؛ طيور أيلول؛ إميلي نصرالله | ||
اصل مقاله | ||
عُرف علم التحليل النفسي وبتبعه النقد التحليلي النفسي وتطبيق التحليل النفسي للآثار والأعمال الأدبية، منذ أواسط القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على يد العديد من المفكرين وعلماء النفس مثل فرويد ويونغ وأدلر. وهؤلاء المفكرون قاموا بالاتجاه نحو الأدب واستخدامه لاستكشاف نفسية المؤلفين والشخصيات الأدبية لإثبات نظرياتهم، وهذا التحول سبّب ظهور النقد التحليلي النفسي في الأدب بشكله المألوف اليوم. (صنعتي، 1382ش: 50-51) علی سبيل المثال يمكن أن نذكر أن ألفرد أدلر صاحب نظرية علم النفس الفردي أي عقدة النقص، والتي نحن بصدد تطبیقها، استلهم وجهات نظره من أعمال شكسبير الأدبية وكتابات مؤلفين مثل دوستويفسكي وستندال. (اسبربر، 1379ش: 34) يسعى الناقد في النقد التحليلي النفسي والذي يعتبر تخصصًا مستحدثًا بين عدة اختصاصات في الحقول الدراسية، لاستخراج الزوايا الخفية والسلوكيات المتعارضة والأعراض النفسية في الشخصية الخاضعة للتحليل بعد فحص النصوص الأدبية وتمحيصها ، وإعدادها للتحليل النفسي. ينطوي النقد الأدبي التحليلي النفسي على طرح مواضيع في مجال اللاشعور الفردي والجمعي للأعمال الأدبية وهذا ما أكسبه مظهرا من التنبؤ بالمستقبل والرمزية. (شميسا، 1388ش: 201) يمكننا تقسيم النقد الأدبي التحليلي النفسي إلى أربعة أشكال حسب المجالات التي يعالجها، فهذا النقد يمكن أن يُطبّق على الكتّاب أو محتوى النصوص أو البنية النظرية أو قراءة القارئ، وأكثر أشكال النقد الأدبي هو من النوع الأول أو الثاني. (إيجلتون، 1368ش: 264) في هذه الدراسة نرمي إلى تحليل شخصية "منى" الراوية والبطلة في رواية طيور أيلول، والتي تعتبر في الحقيقة ساردة لتفاصيل يومياتها، انطلاقًا من نظرية أدلر في علم النفس الفردي التي تميزت بمبانيها المنسقة، مما جعلتها تتألق في عالم النقد التحليلي النفسي، وبهذه الطريقة نصل إلى مفاهيم جديدة ضمن مجال التحليل النفسي في هذه الرواية. إن غوص الكاتبة في تجارب الشخصیات الذاتية وتفاسيرها الدقيقة لسلوكياتها، وأسلوب حياتها، أوجد مجالًا مناسبًا للدراسات النفسية لتلك الشخصيات. اخترنا شخصية "منى" من بين الشخصيات في الرواية لاعتبارين؛ الأول كونها الشخصية المحورية في الرواية والثاني لكونها تمثل بنات جيلها والنساء في المجتمع القروي في لبنان بصورة عامة. تهدف الدراسة إلى مناقشة أسباب إيجاد عقدة النقص لدى شخصية منى في المجتمع المحيط بها باعتبارها أنثى وامرأة، وتجليات هذا الشعور الخفية والظاهرة والآليات المتخذة لتعويضها. أسئلة البحث نحاول الإجابة عن الأسئلة التالية:
فرضیات البحث
منهج البحث يعتمد البحث علی المنهج الوصفي التحلیلي علی ضوء نظریة علم النفس الفردي، لیدرس الشخصیة المحوریة لروایة طیور أیلول "منی". للکاتبة امیلی نصرالله وانطلاقًا من هذا قمنا باستخراج العبارات والجمل التي ترتبط بموضوع البحث وعالجناها علی اساس أصول نظریة أدلر ومسلّماتها، لكي ندرس أسباب الشعور بالنقص لدی منی وطرق الخلاص منها، وأیضا نمط الحیاة وتأثیر العلاقات الاجتماعیة في تعویض هذا الشعور. خلفية البحث صدرت عدد من الدراسات في مجال الأدب العربي على ضوء نظرية أدلر من أبرزها: " دراسة وتحليل شخصية ابن الرومي على ضوء نظرية عقدة النقص لأدلر" لمجيدي وآخرين (1394ش)، لقد قام المؤلفون في هذه المقالة بدراسة شخصية ابن الرومي من خلال أشعاره وتوصلوا الى نتائج تقول أن بعض الأحاسيس المتواجدة في شعر هذا الشاعر مثل الحسد والتشاؤم والنفور ترجع إلى وجود عقدة النقض لديه. ودراسة (التحليل النفسي لهجاء الحطيئة على ضوء نظرية أدلر وهورناي) للباحث أميري وآخرين (1394ش)، حيث يری مؤلفو هذه الدراسة أن هجاء حطيئة هو انعكاس للمشاكل البيئية والنفسانية والتي من جملتها احساس النقص والعدوانية وانحلال الشخصية. بالإضافة لدراسة (إشكالية التوفيق بين الدونية والتبعيض في قوة أدونيس وشاملو الإبدائية انطلاقا من اتجاه أدلر النفسي) للباحث نودهي وآخرين (1439ش)، ولقد توصل مؤلفو هذه الدراسة إلى هذه النتيجة التي تقول أن أدونيس وشاملو كليهما كانا يعانيان من عقدة النقص بسبب المشاكل التي تعرضا لها في مرحلتي الطفولة والشباب وأن هذا الشعور قد أثر على شعريهما وأوجد جوا من البؤس والعتمة ودراسات مشابهة كثيرة قامت بدراسة شخصيات أدبية من منظور علم النفس الأدلري وتطبيقها في تلك الأعمال. ولكن في مجال دراسة الشخصیات في الأعمال الروائية الأخری يمكننا الإشارة إلى دراسة (بازنمائي عقدة حقارت در شخصيت قهرمان داستان إمرأة عند نقطة الصفر تأليف نوال السعداوي) للباحثة صاعدي (1394ش)، في هذه الدراسة قامت الباحثة بدراسة العوامل التي سبّبت ايجاد عقدة النقص في الشخصية المحورية للقصة وآليات تعويض هذا الشعور للتخلص منها، وتوصلت إلى أن بطلة القصة قامت بالتعويض الكاذب بهدف الخلاص من هذا الشعور مما سبّب ظهور مشاكل عديدة في حياتها. وفي مجال أعمال إميلي نصرالله هناك بحوث كثيرة، أجريت من قبل الباحثين مثل: (الهجرة والمرأة في رواية الإقلاع عكس الزمن لإميلي نصر الله) للباحث كنجیان وآخرين(1391ش)، اذ أن موضوع هذه المقالة يدور حول المرأة والتحديات الاجتماعية التي تواجهها، وموضوع الهجرة في آثار إميلي نصر الله وانعكاساتها السلبية والإيجابية، من جملتها قضية الهوية. ودراسة (أساليب رواية الحوارات القصصية في رواية "الإقلاع عكس الزمن" لإميلي نصر الله)، للباحثة نصيحت وآخرين (1391ش)، حيث قام الباحثون بدراسة أسلوب الرواية المذكورة وفق أسس الرواية، وكيفية انتقال حوار الشخصيات وتبادل الحديث بينهم. کذلک دراسة (البحث عن الحرية …رؤية نقدية لرواية "طيور إيلول" اميلي نصر الله) من آغا (2018م) حيث تدرس المؤلفة في هذه الدراسة موضوع رواية طيور أيلول والروايات الأخرى لإميلي نصر الله وتشير إلى أسلوبها الخاص في ببان مشاكل المرأة اللبنانية في المجتمع وتوصلت إلى نتيجة تبين فيها أن إميلي نصرالله من خلال معالجة مسألة الهجرة في رواية طيور أيلول تريد أن تشير إلى ما هو أقصى من ذلك بكثير وهي القيود التي تحدّ من كتابات المؤلفين وتخنق أفكار أهل القلم في الدول العربية لبيان ما يجول في داخلهم بحرية. وهناك رسالة موسومة بـ(دراسة وتحليل قصة "الرهينة" لإميلي نصرالله)، للباحثة عرب زادة جعفري (1392ش) قامت فيها الباحثة بدراسة إحدى الأعمال الروائية من حيث أركان الرواية في الأثر المذكور ومعالجة موضوع المرأة ومشاکل واقعها في المجتمع. وتوصلت إلى نتيجة تقول أن الروائية إميلي نصرالله في هذا العمل الأدبي عن طريق عرضها للأساليب الحديثة لفن كتابة القصة المعاصرة وعدم لجوئها للأساليب القديمة، استطاعت أن تسلط الأضواء بمهارة على أوضاع المرأة ومكانتها في المجتمع اللبناني وما يترتب عليها من جراء ذلك من محن وآلام وأن تصرخ بصوتها نيابة عن مثيلاتها وتطلب الحرية لهن. وهناك رسالة جامعية أخرى تحت عنوان (مقارنة الأدب الريفي في ايران ولبنان على ضوء الأعمال الأدبية لساعدي ونصرالله)، للباحثة صفربور بهداني (1390ش)، والتي قارنت بين أساليب القصة لدى الروائيتين للتعرف على مواضع التشابه والاختلاف. ومن نتائج هذه الدراسة نستطيع أن نشير إلى ما يتشابه لدى المؤلفين ساعدي ونصرالله من حيث استخدام اللهجة العامية والمضامين الموجودة في القصص الريفية كتأثير الحرب والتوصيفات التي تتلاءم والأجواء القروية، كذلك فإن الإختلافات الاجتماعية والسياسية والثقافية بين االشعبين كانت سببا لوجود إختلافات في الأعمال الأدبية لديهما. مع أن شخصيات روايات إميلي نصر الله تتسم بالوصف الدقيق من حيث الحالات والأفكار والمشاكل النفسية والذاتية، وأن معالجة عقليات تلك الشخصيات تعتبر مجالا مناسبا للدراسات النفسية، فإننا لم نجد دراسة تطرقت للنقد الأدبي التحليلي النفسي في الأعمال الأدبية لإميلي نصر الله؛ ولهذا تعتبر هذه الدراسة دراسة من منظور جديد ومختلف، حيث تسعى للوصول إلى إثراءات جديدة في أعمال إميلي نصرالله الأدبية. ملخص الرواية تُعد رواية "طيور أيلول" أولى مؤلفات إميلي نصرالله الروائية والتي نُشرت في عام 1962م وحازت على ثلاث جوائز أدبية، وتمّ تجديد طبعها لسبع مرات . ولقد أبدت المؤلفة في هذه الروایة تصويرا دقيقا وبديعا؛ لترسم جوانب من الحياة في قرية تقع في جنوب لبنان، وتطرقت إلى الحياة في أجواء القرية ومعاناة أهلها من ظروف الحياة القاسيىة من حيث الثقافة والظروف الاقتصادية الصعبة والقيود التي تفرضها العادات والتقاليد هناك، والفجوة العميقة بين الجيل السابق والجيل الجديد. وكما يدل عنوان الرواية فإن رواية "طيور أيلول" تدل على نوع من الطيور التي تتجمع على شكل أسراب لتهاجر في شهر أيلول عندما يكون الشتاء على الأبواب، أي الظروف المناخية المفروضة تُجبر الطيور على الرحيل والاغتراب، وهذا إن دل على شئ، يدل على هجرة شباب القرية والهروب من الطقوس القاسية فيها إلى عالم أوسع خارج القرية للجري وراء لقمة العيش، وتحكي لنا عن قصص الضيعة وأهلها وقصص حب الشباب غير المكتملة أو الفاشلة، والتي تتحول في النهاية إلى الإحباط وأحاسيس مكبوتة في الأعماق،. هذه الرواية تنقل لنا النظرات الخاطئة تجاه المرأة وحرمانها من حقوقها في المجتمع القروي. واستخدمت المؤلفة لروايتها أول شخص أو الشخصية المحورية أي البطلة التي تسرد الرواية من وجهة نظرها. الراوية هي فتاة تُدعى منى، والتي بعد هجرتها إلى المدينة شرعت في سرد تفاصيل يومياتها في القرية، الذكريات التي على الرغم من أنها تذكر فيها نقاء وصفاء وطبيعة القرية الآسرة إلا أنها تحكي هموم ومشاكل القرية كالفقر والبطالة وآلام الفراق والهجرة بأسلوب واقعي وانتقادي. هذه الرواية تنقل لنا قصص البنات اليافعات والشابات وأمنياتهن بالزواج والاقتران وكيف يتحول الحب عندهن إلى وهم.الفتيات اللاتي كن ضحية للأفكار الخرافية والتقاليد المسيطرة التي تتحكم بكل الأمور، فلامناص لهن في النهایة الا الزواج القسري من رجل لا علاقة حب بینهما. الأسس النظریة علم النفس الفردي لأدلر[1] ونظرية النقص علم النفس الفردي مصطلح في علم النفس يُطلق على إحدى نظريات الشخصية[2] التي أُسست على يد الفرد أدلر[3] (1870-1937) عالم النفس النمساوي، هذا الاتجاه النفسي ذو وجهة نظر مستقبلية بالنسبة للإنسان. ومن خصائصه أن عقليات وأفكار الإنسان تجاه مستقبله تسبب تكوين شخصية الإنسان، ومن ثم تترك آثارا على سلوكيات الأشخاص. (آدلر، 145:136) ألفرد أدلر هو أول من لفت الانتباه للجانب الاجتماعي للإنسان، وكان في بدايات أعماله العلمية موافقا لأفكار فرويد، وعضوا في جمعية التحليل النفسي "وينه" لفترة وجيزة ثم تولّى رئاستها لمدة وعندما قدم نظريته المغايرة لنظرية فرويد حول طبيعة الإنسان وسلوكه اصطدم بأعضاء الجميعة واضطر في النهاية على الاستقالة لينطلق في بحوثه المستقلة ونظامه الذي كان في الجهة المغايرة لتحليلات فرويد ونظريته. (سياسي، 1379ش: 81) إن نظرية أدلر في علم النفس الفردي تتشكل من جزئين: نظرية عقدة النقص وأسلوب الحياة. وقد عدّ أدلر الإحساس بالنقص هو المصدر العاطفي لكل الجهود والمساعي الضرورية للإنسان. فالنمو والتطور جهود يقوم بها الإنسان من أجل التغلب على هذا الشعور بالنقص سواء أكان تخيليا أم واقعيا. في الحقيقة كان أدلر يعتقد أن الإحساس بالعجز أو النقص والفعاليات الناتجة عن ذلك كلها لتعويض ذلك النقص وسببا لجميع التطورات التي تحدث في حياة الإنسان. (آدلر، لاتا : 103-104) ركّز علم النفس الأدلري على خلاف التحليل الفرويدي الذي يؤكد على تأثير ماضي للأشخاص في تكوين الشخصية، «على الشعور بالنقص، والعوامل الاجتماعية والسعي من أجل التفوق والكمال.» (آدلر، 1379ش: 125) على أساس نظرية أدلر على الرغم من أن الشعور بالنقص أحيانا يسبب تطور الشخص في المجتمع، وله التأثير الإيجابي عليه في تعامله مع المجتمع، إلا أن هذا الشعور إذا لم يُسيطر عليه الإنسان، ولم يستخدم في الأعمال المفيدة، فقد تتعمق تدريجيا وتتحول إلى عقدة التميز أو الكمال[4] والتي تعتبر نوعا من الاضطرابات العقلية النفسية أو العصبية. إن الشخص المصاب بعقدة النقص أحيانا قد يؤذي نفسه والآخرين، وأحيانا يسبب حب التميز والكمال المفرط أو الاعتزال والانطواء عن المجتمع. ولكن كیف تتشكل عقدة النقص؟ من وجهة نظر أدلر «عقدة النقص يمكن أن تنشأ، وتتكون بثلاث طرق في الطفولة: النقص العضوي، والدلال والاهتمام المفرط، والإهمال. واستنتج أدلر أن الشخص المصاب بعجز أو قصور في عضو ما يحاول في الغالب تعويض هذا النقص أو العجز بالعمل على تقوية هذا العضو بالمزيد من العمل أو التدريب، وکذلک الدلال الزائد يمكن أن يقود إلى الشعور بالنقص، إذ يكون الطفل هو مركز الانتباه في البيت، تشبع كل حاجاته، وتحت هذه الظروف، من الطبيعي أن تنشأ لدى الطفل فكرة بأنه هو الشخص الأكثر أهمية في أي موقف. أما النوع الثالث من الأطفال فهم الذين ينشأون في ظل الإهمال الزائد، فيكون الطفل منبوذًا ومهملًا، وتتسم طفولته بانعدام الحب والطمأنينة، بسبب عدم اكتراث الوالدين أو تخاصمهما كنتيجة لذلك، قد تنمو لدى الطفل مشاعر الدونية، وبالتالي فهو يفقد الثقة بالوالدين، وينظر لكل شخص بأنه غير موضع ثقته ويحاول تعويض هذا النقص بأشكال شتى منها العنف مع الآخرين.» (آدلر، 1387ش: 22) شخصية منى وعقدة النقص لبيان شخصية منى وخصوصياتها يجب أن نشير في البداية إلى البيئة الاجتماعية والثقافية للرواية ثم نبين أسلوب وطريقة حياة منى. إن أسلوب الحياة من وجهة نظر أدلر، له دور مهم في صوغ عقدة النقص. وهذا الأسلوب الذي يخص كل شخصية بذاتها؛، يتشكل منذ الطفولة: «شخصية الفرد التي تتبلور في فترة الطفولة والتي تسيطر على سلوكياته وردود فعله. إن نمط الحياة هي الشخصية عمليا.» (روي، 1389ش: 36) إن طريقة أسلوب الحياة أو نمط الحياة «تعكس الاتجاهات والقيم العامة للفرد أو الجماعة، وتبين العادات والاتجاهات والمعايير الأخلاقية، والمستويات الاقتصادية وغير ذلك كلها تصوغ الأفراد والجماعات.» (مهدوي كني، 1390ش: 51) «يعتقد أدلر بأن أسلوب الحياة مكتسب من تعامل الطفل مع الوالدين الذي يحدث في السنوات الأولى من الحياة، ويتبلور بشكل ثابت في عمر الرابعة أو الخامسة، وسيكون تغيره صعبا بعد ذلك وهو كلانية متفردة في الحياة والتي تتأطر فيها المواقف والاتجاهات والسلوكيات العامة.» (adler.1956:145) ترسم لنا إميلي نصرالله منذ بداية روايتها مشهد الجمال في القرية، قرية خضراء تحيط بها أشجار الزيتون والعنب وزقزقة العصافير وأسراب الطيور التي تهاجر في أيلول؛ لتأخذنا إلى عالمها النفسيّ المتأجج بين الهجرة من القرية أو البقاء فيها. ولقد قامت الكاتبة عن طريق رسم المشاهد التمثيلية ببيان ظروف المجتمع القروي اللبناني وطرح المواضيع الرئيسة للرواية. منى الشخصية الساردة للرواية والشخصية المحورية فيها، فتاة من أهالي القرية الذين ترعرعوا فيها، ونمت أناملهم بين تربتها، وهي قد تعرفت منذ نعومة أظفارها على طيور أيلول والشجن الذي تلقاه في أثناء هجرتها فوق السطوح وبين الأزقة، وتأخذنا منى إلى طرقات ودروب وبساتين القرية، وتنتقل بين بيوت أهلها كما أشارت مرارا إلى البيوت المهدمة أو الخالية؛ لتكون رمزا للهجرة من القرية، شباب هاجروا وآباء وأمهات دُفنوا، وأصبحت بيوتهم خرائب تضيف حزنا إلى أحزان القرية. إن تاريخ القرية مليء بمثل هذه الهجرات التي قام بها الشباب، ولكن يفتقر لهجرة الفتيات إلا لو حصلت بعد زواجهن؛ لأن هجرة الفتيات خطيئة عظيمة لا تغفرها ثقافةُ القرية. لقد ترعرعت منى في قرية تميز فيها الصبي عن البنت، ولا تسمح طقوسها للأنثى بالتعليم، وليس لها بد غير الزواج والإنجاب ولا شيء سوى ذلك، والبوح بالحب في قاموس القرية من المحرمات التي لا تُغفر: « أبغض المحرمات بمفهوم القرية.» (نصرالله، 1991م: 154) المرأة مصيرها لآخر عمرها الزواج وتربية الأطفال وأداء وظائفها داخل البيت وخارجه من غير أن يُسمح لها بالإدلاء بمشاعرها. لقد عاشت منى في مثل هذه الأجواء، أجواء يُعد فيها إعطاء الحرية للمرأة جريمة لا تُغفر: «البنات ما بتنعطي الحرية.» (المصدر نفسه، 164) لقد تعرف الجيل الشاب عن طريق المهاجرين العائدين للقرية لقضاء عطلاتهم في الإجازات على بعض الأجهزة الحديثة والتكنولواوجيا المعاصرة ورفاهية العيش في المدينة مثل الإذاعة التي دخلت بيوت القرية، فالصورة التي رُسمت في أذهان شباب القرية عن الهجرة هي صورة جميلة تعبر عن أشكال الرفاهية والثراء؛ لذا تشكلت لديهم مشاعر الحسرة بالنسبة للهجرة والحسد بالنسبة للمهاجرين. وكانت الرغبة في الهجرة والتحرر من تقاليد القرية القاسية والفقر والعقليات الخرافية أيضا موجودة بين فتيات القرية؛ لأنهن أيضا كن يرغبن في الهروب من هذه الأجواء والوصول للحرية: «السفر هو السبيل الوحيد للهرب من هنا من أتون الشقاء.» (المصدر نفسه، 177) ولم تستثنَ منى عن مثيلاتها من بنات القرية، فهي أيضا كانت ترغب في الهجرة والتحرر، مع العلم أن شجاعتها في إبداء رأيها وأفكارها وأحلامها كانت أكثر من صديقاتها وبنات القرية، وكانت وجهة نظرها بالنسبة لطقوس القرية تختلف عن كل بنات جيلها: « لست أدري ماذا؟ غير أني بقيتُ أنتظر، وأهرب من التفكير في مصيري ضمن تلك الحدود الضيقة.» (نصرالله،1991م: 202) لم تكن منى كسائر الشخصيات النسائية في الرواية فهي تبحث عن ذاتها وهويتها وأحلامها، وقررت منى لتعويض مشاعرها بالنقص التي تكونت لديها بسبب كونها أنثى في المجتمع القروي أن تهاجر إلى المدينة، وتكمل تعليمها حيث كان هدفها الدراسة والتحرر من القيود المجتمعية في القرية؛ لتكون شخصية مستقلة؛ لذا بذلت قصارى جهدها للوصول لذلك الهدف. لقد كانت منى تعشق قراءة الكتب، على الرغم من أنها لم تجد في القرية ما يناسبها من الكتب إلا أنها كانت تحس بالمتعة حين قراءتها: «مددتُ يدي أتلمس الكتاب الذي ينام تحت وسادتي. كان كتابا تافها، أحد تلك الكتب القليلة التي أصادفها في بيوت الصديقات.» (المصدر نفسه، 22) كان الشوق إلى الحياة المتقدمة يشتعل في داخلها باستمرار، فعندما ترى أخاها يستعد للذهاب إلى المدرسة تتأجج ثورة في كيانها وتريد أن تثور على تلك الإهانات التي تصوّب نحو المرأة: «تحسست ثورة عتية تجتاح كياني في تلك اللحظة. تذكرتُ أخي يحزم حقائبه استعدادا للذهاب إلى المدرسة.» (المصدر نفسه، 21) يكمن في قلب منى حب التحليق إلى أعلی السماء: «وقلبي...يطلب الارتفاع إلى فوق، إلى السماء» (المصدر نفسه، 36)، إلى الحد الذي ترى في أحلامها رؤى الطيران: «كنتُ واقفة قرب نهر أتأمل المياه الدافئة، والمروج المنبسطة على ضفتيه، وأعيش لحظات نشوة لا يعرفها الواقع. فجأة نبت لي جناحان، فرحتُ أطير وأعلو والنشوة العارمة ارتفع في صدري ثم إذا بي أهوى إلى عالم اليقظة.» (المصدر نفسه، 102) كانت منى بسبب مرورها بتلك الظروف المعيشية في القرية والطقوس الاجتماعية والثقافية تعاني من عقدة النقص مما تجلى في شخصيتها وسلوكياتها بصورة مشهودة. ومن أهم تجليات عقدة النقص في هذه الشخصية كما يلي: الهروب من الواقع وعدم التطابق الاجتماعي والتعويض. الهروب من الواقع من خلال أحداث الرواية نفهم أنه من قبل أن تأخذ منى قرارا نهائيا للهجرة من القرية، ذهبت في يوم من الأيام متجهة بقصد الهروب إلى الصخرة التي كانت تحدد الفاصل بين القرية والعالم الآخر، ولكنها لم تتجرأ على الخروج من القرية، ربما مازالت القصص والأساطير المسيطرة على أجواء تلك القرية تشدها إلى هذه البيئة بالإضافة إلى أن العالم الذي تعرفت إليه من خلال الكتب التي قرأتها أو تصورته من أحاديث المهاجرين مازال في هالة من الإبهام لديها؛ لهذا فضلت أن تبقى في الحد بين العالم التقليدي في القرية والعالم المعاصر في المدينة. لقد كانت تعلم منى جيدا أنها لكي تبقى في القرية عليها أن تتقيد بقوانين القرية، لذا لم تستطع أن تأخذ قرارًا قاطعا للهجرة من القرية، وانطلاقا من هذا في اليوم الذي قررت أن تترك فيه القرية بصورة جدية؛ لتصل للكمال وتثبت ذاتها وهويتها وشخصيتها المنفردة ومكانتها، كانت تعلم أن هذه آخر مرة يخرج أهل القرية لتوديعها، وليس لها مكانا في القرية بعد ذلك: «لقد رفضتني القرية لحظة انسحبت من وجودها لأغرس قدميّ في تربة غير تربتها.» (نصر الله، 1991م: 244) وكما أشرنا أنه لم تصل منى في العالم الجديد للكمالية المرجوة، حيث ظهرت لها المدينة بغير الوجه الذي تحلم به، ولم تملك القدرة على التآلف مع بيئة المدينة الجديدة؛ لذا بقيت في عالم ما بين القرية والمدينة، واعتبرت نفسها الخاسرة في هذا المجال: «بطلة حائرة في حلبة الصراع.» (نصرالله، 1991ش: 245) إن الحياة في المدينة مع كل إغراءاتها الفاتنة فقدت بريقها في عينيّ منى، وبعد فترة من العيش في المدينة لم تجد نفسها إلا في حالة من الشعور بالوحدة والعزلة والحزن وضياع مغزى وجودها: «كنت صغيرة عديمة الخبرة، وكان في يدي دلو صغير وددت لو أرميه في بئر الحياة. الحياة الكبيرة المجلجلة في عالم خيالي.» (المصدر نفسه، 217) الاهتمام الاجتماعي[5] أول حاجة للإنسان حاجته للترابط والانتماء والتمتع بالمنزلة الاجتماعية. لقد اعتقد أدلر أن الفرد إذا لم يشعر أنه ينتمي إلى مجتمع أو بيئة ما، فإنه يكافح بكل جهده لإثبات ذاته وبالطبع إذا وصل إلى منزلته فهذه المنزلة غير صحيحة. يعزو أدلر كل المشكلات الناتجة عن الانفعالات التصادمية والتعارضات إلى النقص في الترابط الاجتماعي، ومن وجهة نظره الاضطراب والأمراض العقلية النفسانية والشرارة والدناءة، وكثير من الاضطرابات ردود فعل الفرد في كفاحه للوصول إلى منزلته الاجتماعية التي ترتكز على الشعور بالنقص بصورة عميقة. (آدلر، 1379ش: 58) في رواية طيور أيلول تعاني منى من اللاوعي والشعور بعدم الانتماء للمجتمع، ونستطيع أن نتلمس هذا في حوارها الذاتي والداخلي مع أبيها: «مَن أكون في نظرك؟ من أنا؟ إمرأة، عالة، مصيبة، لعنة الضعف؟» (نصرالله، 1991م: 104) لقد صنف أدلر نمط الحياة لدى الفرد على أساس التغلب على المشاكل ودرجة الاهتمام الاجتماعي إلى أربع مستويات،
النوع الأول «هو الذي يظهر السيطرة والتحكم، ويتصرف دون اعتبار الآخرين، وإن كان لديه اهتمام اجتماعي فيكون بدرجة قليلة. وهذا النوع بدوره ينقسم إلى نوعين من الأفراد حيث يكون النوع المفرط منه أكثر قسوة، ويعمل على إيذاء الآخرين ومهاجمتهم، وربما يكون جانحا أو طاغيا.أما النوع الثاني وهو الآخذ أو المتلقي والذي يعتبره أدلر من أكثر الأنواع شيوعا، فيكون الفرد فيه معتمدا على الآخرين في إشباع حاجاته وتحقيق أهدافه متوقعا أن يحصل على كل شئ من الآخرين. والنوع الثالث من أنماط الشخصية هو المتجنب الذي يتجنب المشاكل والاتصال بالآخرين والمحاولة، وهو لا يبدي أي محاولة لمواجهة تحديات الحياة وإيجاد الحلول لها، ومثل هذا النوع لديه ضعف من الاهتمام الاجتماعي. اما النوع الرابع وهو المفيد اجتماعيا حيث يتمتع الفرد بدرجة عالية من الاهتمام الاجتماعي فهو يتعاون مع الآخرين، ويسعى إلى تلبية حاجاتهم.» (آدلر، 1379ش: 121 و122) إذا أخذنا في الاعتبار مميزات شخصية منى وسلوكياتها وارتباطها مع الآخرين في المجتمع القروي، يمكننا أن نصنفها ضمن النوع الثالث أي المتجنب؛ لأنه على الرغم من أنها كانت تبحث عن ذاتها ووجودها، وكافحت في هذا المجال إلا أنها اختارت طريقا متوَّهما وغير مدروس لإثبات ذاتها. فالهروب من القرية واللجوء للمدينة وإنهاك الروح والجسم في دوّامة الحياة المدنية المميتة، والاختفاء في ازدحام الناس، والشعور بالاحباط وعدم الأمان والميل للعزلة وعدم الارتباط الروحي وعدم وجود الدافع لبناء وايجاد التغيير في الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في القرية، كل هذا إن دلّ علی شيء، فيدل على أن منى شخصية متجنبة؛ لأنها بسبب إحباطها وشعورها بالنقص لم تجد في وجودها القدرة على العطاء وإفادة القرية: « لا لن أبقى هنا. بقائي لا يعيد المرح إلى الأمسيات الساحرة، لن يعيد الخير إلى الأراضي الجدباء. يداي لا تجهلان إطعام دود القز وغزل الحرير وأذناي لم تعتادا سماع "طقة" النول.» (نصرالله، 1991م: 204) ونستطيع أن نفهم من كلام وتصرفات منى أنها وصلت بالنسبة لمفهوم وجودها إلى نوع من الفراغ، حيث أن هذا الشعور نشأ لديها نتيجة عوامل اجتماعية داخلية وخارجية، ويمكن القول أن الشعور بالنقص والإحباط الناتج عن الفشل في قصة حب وعدم التكيف مع البيئة المحيطة واليأس وخيبة الأمل من أسباب بروزها. وانطلاقا من هذا الشعور لا يُتصور للبشرية مصيرا غير الهلاك والدمار؛ ولهذا وجدت منى تشابها بين مستقبلها وأوراق الأشجار الخريفية: «أهذا مصيرنا يوما؟» (المصدر نفسه، 23) لقد شرح أدلر أیضا العوامل التي تساهم في إیجاد الشعور بالترابط الاجتماعي في الطفل وتعتبر الأسرة إحدی العوامل المشار الیها وقد أکّد أدلر علی دور الأم من بین أفراد الأسرة تاکیدا خاصا في هذا المجال. «تستطيع الأم من خلال سلوكها نحو الطفل أن تُنشئ وتنمّي الرغبة الاجتماعية أو تستطيع أن تحرف أو تعوق نموّها. فالأم يجب أن تعلّم الطفل مفاهيم التعاون والشجاعة، عندئذ فقط يستطيع الطفل أن يعمل بشجاعة في محاولاته للتغلب على مشاكل الحياة.» (آدلر، 1361ش: 56) إن الوالدين لاسيما الأم في الفترة المهمة لنمو شخصية الطفل وتكوينها عند وضع "شروط للتقييم" يعرضان قوة شخصية الطفل للخطر، إن الإفراط في الأوامر والنواهي يؤثر على اعتماد الطفل على نفسه ويعوق إبداعه وهذا السلوك يكون سببا في منع الطفل من التفوق والوصول للكمال الذي قصده أدلر. ( rogers.1995:198) فالأمهات كشخصيات في رواية طيور ايلول أمهات في الواقع عشن حياة قاسية في القرية تحت وطأة الظلم من السيطرة الذكورية، ولم يحققن الكثير من آمالهن واحتياجاتهن، كل منهن تقوم بواجبها نحو الأسرة كأم وزوجة ولم تبح بما يدور في خلجات نفسها على الإطلاق، وكأنها جُبلت على ذلك، على سبيل المثال أم منى هي أم من النوع التقليدي والمحافظ، وكانت تشجع ابنتها دائما على الالتزام بالأعراف والطقوس المسيطرة على أجواء القرية: «أنت لا تشبهين الفتيات الطائشات. أنت تختلفين عن الجميع ...» (نصرالله، 1991م: 43)، «البنت الشريفة لا تعاشر الشباب لا تتطلع إلى وجوههم» (المصدر نفسه، 35)، أو عندما يخطب رجل کهل منى من أهلها، ترسم منى صورة أمها في هذا الموقف، صورة امرأة مصالحة يغلب عليها الصمت: « كنتِ صامتة بالأمس.. حين زارنا ذلك الكهل يجره أبو الياس: « أمريكائي ...وغني. شو بدك أكثر من هيك؟» (نصرالله، 1991م: 62) ولهذا كانت أم منى شخصية تتسم بالضعف، وبالتالي لم تستطع أن تُوجِد الشعور بالكرامة والفخر والقدرة على مواجهة مشاكل الحياة وتخطي الصعاب في شخصية ابنتها، كما أنها امرأة بسيطة ومتوافقة ليس لديها ثقة بنفسها، وعلى هذا لم تستطع أن تغرس حب التعاون والشعور بالاهتمام الاجتماعي في شخصية منى: «لا لن أبقى هنا. بقائي لا يعيد المرح إلى الأمسيات الساحرة لن يعيد الخير إلى الأراضي الجدباء.» (المصدر نفسه، 204) يركز أدلر بعد شخصية الأم على شخصية الأب تركيزا خاصا، من وجهة نظره على الرغم من أن ارتباط الطفل بأبيه في السنوات الأولى من حياته أقل، ولكن هذا الارتباط يترك تأثيرا ذا أهمية فيما بعد في حياته. منذ الولادة يجد الوليد الجديد نفسه في موقف يتطلب التعاون مع الآخرين أولا في أعضاء العائلة الآخرين، وأخيرا مع أولئك الذين هم خارج البيت. في الأسر التي تعتمد على السلطة الأبوية، ويستند الأب على مسند أعلى من الآخرين، نجد أعضاء الأسرة دائما في حالة صراع وغضب، والأولاد تتكون لديهم نظرة خاطئة عن مكانة الرجل وحقوقه، ويأخذون مواضع الآباء، أما البنات إذا وصلن لسن الرشد يتصورن أن كل الرجال متغطرسون وقواد، ونتيجة الزواج لديهن لا شيء سوی ي الخضوع والطاعة والمخالطة. (أدلر، 2005م: 174) وهذا يدل على أهمية معاملة الوالدين ودورها الكبير في صقل شخصية الطفل، صورة والد منى في الرواية المذكورة صورة تقليدية من المجتمع الذي يخضع للنظام الأبوي وسيطرة رب العائلة. وعندما نتصفح الرواية من بدايتها لنهايتها لم نجد مقاطع حوارية بين والد ووالدة منى، و لا يوجد اهتمام أو تعاون اجتماعي أو استشارة بينهما في داخل الأسرة. شخصية والد منى تبدو لنا بشكل أب يصدر أوامره الجافة والصارمة، والتي تخلو من المشاعر اللطيفة نحو الأنثى: «نظراته القاسية المستقرة إلى الوجود والإنسان وإلى ابنته بنوع خاص.» (نصرالله،1991م: 35) من العوامل الأخرى التي تستطيع أن تلعب دورا مهما في إيجاد الاحساس العام والتعاون الاجتماعي، هي المدرسة: «تلعب المدرسة بعد الأسرة دورا مهما في إيجاد العلاقة الاجتماعية وغرس مفاهيم التعاون الاجتماعي، فالعلاقة بين المعلم والطفل لها أهمية خاصة في تطوير الرغبة الاجتماعية، «تُعدّ المدرسة بالنسبة للأطفال الذين لم تتوافر لهم الظروف في البيت والأسرة للتعرف على الاهتمام الاجتماعي والتكيف مع متطلبات المجتمع مكانا مناسبا للوصول إلى ذلك الهدف.» (أدلر، 2005م: 175) في رواية طيور ايلول كان للمربيين والناشطين في الأجواء التعليمية أيضا الدور الأساسي في سحق المشاعر الغريزية لدى الشباب، فهم من البداية يبدؤون بتلقين الأطفال أن الإنسان مخلوق دنس والحب خطيئة قاتلة. بالطبع مثل هذه البيانات متعارضة مع مفهوم التنشئة الاجتماعية للطفل؛ لأن الشخص الذي يعتقد أن الإنسان مخلوق دنس لديه عزة نفس هشة ومتزلزلة، لذا لا يستطيع أن يحب نفسه أو الآخرين. كانت منى من خلال الرواية تتحدث عن معلمة كانت على الرغم من معاناتها من المشاكل الروحية والنفسية تقوم بمهمة تنشئة أطفال القرية: «ومعلمتی؟ أما تزال تعيش في ذلك الكبت القاتل، تصب نقمتها الروحية والجسدية في النصح والإرشاد» (نصرالله، 1991م: 35)، ومن هنا نفهم أن المعلمة ذاتها كانت تعاني من الشعور بالنقص والذي تبدل إلى عقدة النقص لديها. بالتأكيد مثل هذه المعلمة لا تستطيع أن تكون مربية مناسبة للأطفال لمساعدتهم على التغلب على مشاكل الحياة التي يجب أن يحلها كل فرد. فالطفل الذي ينشأ على أساس هذه التعاليم بالتأكيد لا يستطيع أن يكوّن لنفسه نمط حياة يتميز بالتعاون والالتزام بالمسؤولية والمشاركة والمساهمة، وعلى هذا لم يجد حلا أمامه للتخلص من الضغوط الاجتماعية والنفسية إلا الهروب: «رحتُ باكرا أبحث عن عالم لا تصل إليه أقوالهم، ولا تطاله انتقاداتهم.» (المصدر نفسه، 36) التعويض[6] التعويض في علم النفس هو استراتيجية يحاول من خلالها الشخص، بصورة واعية أو غير واعية، التغطية علی ضعف أو رغبة أو إحساس بعدم الكفاءة أو العجز في أحد جوانب الحياة، عن طريق الإشباع أو التفوق في جانب آخر. التعویض یمکن ان يغطي عیوبًا حقیقیة أو متخَيّلة، فردية أو فيزيولوجية، التعويض الإيجابي يساعد الشخص في التغلب على الصعاب في حين أن التعويض السلبي يمكن أن يعزز الإحساس بالنقص والدونية. (آدلر، 1379ش: 54) عندما یکافح الانسان ویسعی للتغلب علی عجزه حسب طریقته الخاصه وبأسالیب صحیحة وفي نطاق طبیعي، فانه یکون قد قام بتعویض ناجح والذي نطلق علیه التعویض المباشر. (عبدالمنعم، 1975م: 152) من وجهة نظر أدلر فإنّ الإعتراض من غير وعي والهروب من تكوين علاقات اجتماعية والتعويض عن طريق التوسل بالتميز الفوري (مثل الانتقام والسبّ والشتم والغضب والاعتداء و...) ورفع مستوى الانتظار والتعويض الافترائي من ردود الفعل السلبية بالنسبة لعقدة النقص، وبالطبع في حالة ارتفاع مستوى الوعي والإدراك يتم التعويض الإيجابي مثل تعديل السلوك العدواني. (منصور، 1392ش: 145) التعويض الوهميّ إن أحد أنواع التعويض السلبي هو التعويض الخيالي أو الوهمي، ففي هذه الحالة يجنح الفرد إلى عالم الخيال ولتعويض عجزه يعتمد على التصور والأحلام. «الهروب إلى عالم القراءة والتمثيل أو الاستمتاع بما يحسن الجمال أو اللجوء إلى النشاطات غير المثمرة، مثل: جمع المجموعات وطرق البحث عن الرفاهية والرخاء والأناقة إلخ ...كلها من العوامل التي تساعد على التعويض الوهمي.» (منصور، 1392ش: 45) كانت منى تعيش تمزقًا جليًا بين الموجود والمنشود، مما أنشأ لديها مشاعر متناقضة بالنسبة للبيئة التي حولها ، فكانت تلجأ للخيال كثيرا، ومما ساعدها في ذلك جمال الطبيعة القروية الخلابة، فكانت على الرغم من أنها تعشق الأرض، وتعشق الطبيعة إلا أنها كانت تنفر من العادات والتقاليد المسيطرة على القرية، وتسعى في أحلامها أن تهرب من مشاعر النقص والنبذ والانزواء التي تشعر بها في بيئتها؛ لذا كانت تهرب من الواقع في قوقعة ذاتها؛ لتبحث عن حبها وحب جميع فتيات القرية الضائع، إن الحب كان حلقتهن المفقودة التي ضاعت في عالم النسيان وسط زحام العادات والأعراف البالية: «كان الحب أنشودة خيالية... كنتُ أرسم له صورة بين الصور الكثيرة المرصوفة في خيالي، حتى بات هذا الرسم الوهمي هواية اجتهدتُ في إتقانها؛ لأفزع إليها كلما ضاقت أنفاسي، ومات الأمل الأخضر في عينيّ.» (نصرالله، 1991م: 136) فيمكننا أن نعتبر طريقة شخصية منى في تعويض مشاعر النقص عندها من نوع التعويض الوهميّ، فصورة المدينة التي صاغتها منى في مخيلتها هي صورة وهمية، فالمدينة بالنسبة لها بمثابة مكان للنجاة والطموح والتحرر من القيود ومكانٌ: «تزول الشقوق من الأنامل والأقدام. تبقى القمصان بيضا، ولا يغمسها العرق.» (المصدر نفسه، 226) تواجه منى من خلف ستائر الخيال عالما مجهولا لا تعرفه بوضوح، وكانت تعتقد أنها تستطيع أن تصل في مدينتها المثالية للسعادة والأمان، وتخفف من الفراغ والحرمان المعاش في القرية: «في المدينة أدفن قلقي وحيرتي وأودّع وحدتي القاسية.» (المصدر نفسه، 227) من وجهة نظر أدلر: «الإنسان يلجأ للأوهام؛ ليكوّن لنفسه عالما مليئا بالتفوق والسعادة، ويحصل على أحلامه بعيدة المنال بسهولة، فالشخص المصاب بعقدة النقص يهرب من الواقع، ويغوص في عالم الأوهام والتصورات.» (آدلر، 1379ش: 45) إن نظرة منى للمدينة باعتبارها ملجأ مثاليا تكونت على أساس قوى تخيلية ذهنية لم تكن واقعية. دراسة عوامل إيجاد عقدة النقص لدى شخصية منى لقد تحدثنا حول تجليات عقدة النقص لدى شخصية منى ولكن لكي نناقش العوامل التي سببت إيجاد عقدة النقص بصورة خاصة في هذه الشخصية سنشير إلى ما يلي: الطرد والنبذ ( التهميش الاجتماعي) الشعور بالطرد والنبذ من العوامل التي تسبب إيجاد عقدة النقص عند الأطفال وهذا الشعور لم ينشأ بسبب معاملة العائلة فحسب بل يلعب المجتمع أيضا دورا مهما في إيجاده في بعض الأحيان. احساس الاستبعاد الاجتماعي، وكما يُعرف باسم التهميش الاجتماعي، وهو الحرمان الاجتماعي لمدة طويلة والإبعاد على هامش المجتمع، ومن نتائج الاستبعاد الاجتماعی هي: أن الأفراد أو المجتمعات المتضررة يمنعون من المشاركة الكاملة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية للمجتمع الذي يعيشون فيه. إن التهميش الاجتماعي يحدث عندما يعاني الأفراد أو المجموعات من ظروف مثل البطالة أو العنصرية أو المرض أو ... . (فيروز آبادي وصادقي، 1392ش: 234) تعيش منى الشخصية المحورية للرواية في أسرة قروية مسيحية، الأب هو رب الأسرة الذي يرسم الخطوط الأساسية للأسرة والأم هي المطيعة والخاضعة فقط، وتقوم بتدبير شؤون البيت، أو معاشرة نساء القرية والاشتراك معهن في مجالسهن، علاقة منى بأبيها لا تتعدى الحوارات الباطنية، ولم تحدث بينهما محاورات واقعية، فالأب لديه أفكار وآراء عامة حول المرأة ومكانتها، ومنى باعتبارها من الجيل الجديد في القرية تختبئ خلف كواليس الحياء والخجل، ولا تستطيع إبداء احاسيسها و أفكارها: «نظراته القاسية المستقرة إلى الوجود والإنسان، وإلى ابنته بنوع خاص.» (نصرالله، 1991م: 35) تعيش منى في أسرة كهذه تحكمها عادات وتقاليد أهل القرية وتنظر إلى نفسها بأنها غير مُجدية وغير مهمة في مسيرة الحياة البشرية، فالشعور بالكآبة والدونية والنبذ أنشأ لديها عقدة النقص وعدم الثقة بالنفس في البوح بأفكارها ومتطلباتها وميولها. كانت الظروف الاجتماعية السائدة في القرية تزيد من تأجيج عقدة النقص هذه عند منى، وكان أكثر شباب القرية إما بصدد الهجرة أو قاموا بالهجرة بالفعل، ولكن الشابات كنّ في ظروف أخرى، فلم تسمح لهنّ الطقوس بإكمال تعليمهن أو الزواج ممن يرغبن أو حتى الهجرة، التحدث عن الحب أو حتى التفكير فيه خاصة للفتيات يعتبر خطيئة كبيرة لا تُغتفر، والعاشق إنسان دنس وسيكون عارًا على أهالي القرية حتى آخر عمره: «الإنسان كائن دنس، والحب خطيئة مميتة.» (المصدر نفسه،150) لم تجد منى من ناحية طريقًا للتحدي مقابل العقليات البالية والعادات والتقاليد المسيطرة ولم تتصور في نفسها القدرة على حل مشاكلها، ومن ناحية أخرى أُصيبت بالتردد بالنسبة لكل الأصول وتيارات التقاليد القروية: «كيف يمكن أن يكون الإنسان دنسا؟» (المصدر نفسه، 35)؛ ولهذا ظلت منى تعيش تمزقا جليّا بين الموجود والمنشود، بين قرية أنجبتها واحتضنتها بكل ما فيها من عفوية وبساطة وتناقضات، وعالم بعيد، لا تكاد تراه، وإنما تحلم به، وكانت حائرة بين طقوس القرية القديمة وثقافة المدينة الجديدة التي تعرفت عليه من خلال الذين هاجروا من القرية. يعتقد أدلر أن العادات والتقاليد الثقافية - ولیست الجينات الثقافية- تؤثر على الكثير من الرجال والنساء حتى يركزوا على أهمية الذكورة بصورة إفراطية، الحالة التي سماها "إثبات الرجولة أو نزوع الرجولة"، في بعض المجتمعات يعتبر الرجال والنساء المرأة كائنا حقيرا، وتُعد هذه الحالة المؤسفة سببًا لكثير من التخاصمات بين الزوجين، والشعور بالتميز وعقدة النقص. (أدلر، 2005م: 135) المرأة في المجتمعات التقليدية كالمجتمعات الريفية لم تجد بدا إلا أن تتبع ثقافة السلطة الرجولية، حيث يُنظر إليها بأنها غير مجدية بسبب جنسيتها، وليس لها أي حق في إبداء رأيها في القرارات المتخذة بمجريات الأمور، وفي مسار القدرة التي يتمتع بها الرجل، فالمرأة ذاتها برضوخها تحت قوانين وقوالب العادات والتقاليد والثقافات البالية تؤجج شعورها بالدونية والنقص. وهي بدورها تنقل هذا الشعور إلى مثيلاتها. على سبيل المثال عندما تتحدث منى لصديقتها مرسال عن أحلامها، تجيب مرسال: «ماذا يقول الناس؟ تذهبين إلى المدينة وتعيشين فيها وحدك مثل الشباب؟ لا شك أنك تمزحين يا منى!.» (نصرالله، 1991م: 24)، هذه العبارات تبين أن فتيات القرية لم يدركن بعد قدرتهن كفاعلات للدخول في مجتمعات أوسع، ولم يقدرن أن يكوّنن لأنفسهن ذاتا مستقلة، وهوية مؤثرة بسبب التحقير والإحباط الاجتماعي الذي يواجهنه. الفشل في الحب من الأمور التي تساهم في إيجاد عقدة النقص والإحباط في شخصية منى كان اليأس والإخفاق في العثور على الحب الحقيقي أو الحب التام[7]، «الحب الذي يحوي ثلاثة عناصر أن يكون من صميم الفؤاد ويتصف بالشوق والالتزام، الحب الكامل والقابل للثناء.» Sternberg,1986:124) ( كانت منى تبحث عن هذا الحب، ولكنها لم تجده، إن إحباط منى في العثور على هذا الحب نشأ عندما فشلت قصة حب مرسال وراجي. من وجهة نظر منى فإن حب مرسال لراجي من النوع الكامل، ولكن حب راجي لمرسال حب غير واقعي، بل علاقة حب من النوع البسيط الذي يخلو من العلاقة الوطيدة والالتزام الطويل الأمد، أي في حدود صداقة و إعجاب فقط: «كان حبه لمرسال شبيها بحبه للأرض حبا فطريا ساذجا لا يصمد أمام عواصف الطموح.» (نصرالله، 1991م: 95) كل إنسان يحتاج في أعماق وجوده إلى مَن يفهمه، ويحبه من صميم فؤاده، ويعرف حاجاته، ويتجاوب مع ميوله العاطفية، لذلک عندما لم تجد منى الحب المنشود حولها اتجهت لذاتها، وحاولت أن تخلق مفهوم الحب الخالص والكامل في طيات وجودها واستفادت منه لملء فراغها النفسي: « لقد أحببت كثيرا يا مرسال، كان الحب مصدر قوتي التي تعجبك. إن معاصر العنب تعج بالحياة في فصل الخريف، ولكن للحب معصرة دائمة في قلبي. إننا كنا نختلف في أسلوب الحب يا مرسال.» (نصرالله، 1991م: 31) إن الإخفاق في العثور على الشخص الذي يتمتع بتلك الصفات المثالية، وعدم وقوع حدوث الحب الواقعي من الأسباب التي تُوجد الشعور بعقدة النقص والدونية. القرية التي تعيش فيها بطلة الرواية منى تسيطر عليها طقوس تمنع البوح بالحب بين الصبي والصبية سويا، وكان إظهار الحب نوعا من الخطيئة وبالطبع كان هذا القانون يطبق على الأنثي بصورة أشد، زواج الشباب في القرية كان يخضع لأعرافها، والقرار الذي يتخذه الوالدان خاصة السلطة الأبوية، ولم يكن هناك مجالا للاهتمام لمشاعر الشابين المقبلين على الزواج بتاتا، ولم تستثنَ منى من هذه القاعدة القاسية، ولو أنه لم يواجهنا على طول الرواية أي حديث أو إشارات واضحة عن أي مشاعر حب من قبل منى لأي شاب في القرية، إلا أنه نجد في عرض مشهد من حفلة زفاف ابن عم منى حالتها التي تدل على الارتباك والضيق: «لم تعرف أمي لماذا انزويت أبكي في عرس "سعد " سعد ابن عمي تزوج... فهربت من العرس ولجأت إلى غرفتي أبكي.» ( المصدر نفسه: 44) ظروف منى النفسية خلال عرس ابن عمها تشير إلى أنها بحاجة إلى أن تُحِب أو تُحَب، ولكن بسبب الأجواء الثقافية والاجتماعية القاسية التي تخيم على القرية ووثوقها من النهايات الفاشلة لقصص الحب رجحت كبت مشاعرها العاطفية للأبد. الفقر إن فقر الأسرة وعجزها عن تلبية حاجات الأطفال والأولاد والبنات يمكن أن يكون من أسباب إيجاد العقدة بالنقص عند الفرد. «لا يمكن أن ننسي بأن الظروف الاقتصادية للأسرة تؤثر في نظرة الطفل للحياة، فالفقر يسبب نوعا من الاحساس بالعجز لديه لأنه يقارن نفسه بأصحابه الأثرياء.» (آدلر، 1378ش: 123) أهالي القرية التي تسكنها منى يعانون من الفقر وجدب العيش المتواصل فيها، مما سبب الإضرار بالمحاصيل الزراعية، وما تبقى منها لم تُدرّ دخلا للفلاحين في بعض السنين بسبب عدم دعم الحكومة، فالفقر والعوز والعسر هو العامل الأساسي لهجرة شباب القرية للمدن: «فالعطاء الشحيح لا يشفي الغصص المحشرجة في صدور يدقها الطموح في كل لحظة.» (نصرالله، 1991م: 92)كما دفع الإعسار إلى زواجات إجبارية: «وتعلم أنها ضحت، وضحت بالكثير، لإنقاذ عائلتها من الفقر.» (المصدر نفسه، 111) معاناة شباب القرية من الفقر والظروف المعيشية القاسية من ناحية ومواجهتهم للمهاجرين الذين يتمتعون بالثراء والرفاهية، سبب إيجاد الشعور بالنقص والعجز عندهم وعاقبة هذا الشعور كان هجرة الشباب من القرية والانفصال عن جذورهم وثقافاتهم، وكانت منى باعتبارها من فتيات تلك القرية تعاني من هذا الشعور. النتائج بعد دراسة شخصية منى في ضوء نظرية أدلر في علم النفس الفردي مع التأكيد على عقدة النقص توصلنا إلى النتائج التالية: لقد استطاعت إميلي نصرالله أن تُري القارئ طيات شخصية منى من خلال منولوجاتها، أو حوارها مع الشخصيات الأخرى؛ ولهذا أوجدت شخصية بطلة الرواية إلى جانب الشخصيات الأخرى مجالا مناسبا للدراسات النفسية. وانطلاقا من أدلة أدلر المذكورة حول كيفية تكوين عقدة النقص في أنماط الشخصية المختلفة، فإن شخصية منى بسبب تعرضها للنبذ والإهمال والتهميش الاجتماعي من جانب أسرتها والمجتمع القروي بسبب أنوثتها ومكانتها والطقوس الاجتماعية القاسية، بالإضافة إلى الفقر والشعور بخيبة الأمل لاكتساب الحاجات الأصلية مثل التعليم والاحباط في قصص غرام غير مكتملة وعدم القدرة لنيل الحب الحقيقي التي عايشتها، كل هذه العوامل مجتمعة ساعدت على إصابة منى بعقدة بالنقص، ولتعويض النقص والتخلص من هذا الشعور لجأت منى لاتخاذ آليات متعددة واستراتيجيات غير واقعية ومفرطة ومؤقتة. ومن ضمن هذه الطرق، التعويض الوهمي أو الخيالي، يعني اللجوء إلى تخيلات للخروج من الأزمات النفسية والروحية. وكانت منى تتصور المدينة بأنها الجو المناسب للحرية والتخلص من ورطاتها ومشاكلها النفسية والاجتماعية، وأيضا لجأت إلى آلية الهروب من الواقع للتخلص من المشاكل، ولأنها تتسم بالشخصية التجنبية وتعاني من اضطراباتها لا تناضل من أجل حل المشاكل، وتجد الحل فقط في الهروب من البيئة التي تثقل كاهلها، فهي التي كانت تعقد آمالها على الحياة في المدينة وفي بيئة عصرية جديدة، تجد الآن نفسها أمام حلمها الذي تحقق، وتعيش في المدينة الفاضلة التي کانت في خیالها، إلا أنها لم تنجح في إيجاد التآلف بين ماضيها ومستقبلها، ومازالت تعيش حائرة بينهما، وتمر بأزمة التعرف على ذاتها وهويتها. أسلوب حياة منى يدل على أنها كانت واعية بمشاكل الحياة في المجتمع الريفي، وكانت تنتقد دائما تلك العقليات والعادات والتقاليد، إلا أنها لم تستطع تعويض الشعور بالنقص لديها علاوة على ذلك تشكّل لديها شخصية حائرة. عدم اهتمام والد منى بابنته بسبب تصوراته الخاطئة بالنسبة للأنثى وضعف شخصية أمها وتأثير بعض التعاليم الخاطئة من قبل العاملين في مجال التربية والتعليم في البيئة الريفية كقولهم أن الإنسان مخلوق دنس، سبب فقدان الثقة بالنفس في شخصية منى وفقدان الاعتقاد بأنها مفيدة اجتماعيا وعدم قدرتها على مواجهة تحديات الحياة من أجل إيجاد الحلول لها مما جعلها تصاب بالحيرة وخيبة الأمل، ويمكننا أن نقول أن عدم قدرة منى في ايجاد التطابق بين ظروف البيئة القروية وظروف المدينة العصرية يرجع إلى العوامل المذكورة.
[1] - individual psychology [2] - personality theory [3] - Alfred adler [4] - superiority complex [5] - social interest [6] - Compensation [7] - consummate love | ||
مراجع | ||
آدلر، آلفرد. (1361ش). روانشناسی فردی. ترجمه حسن زمانی شرفشاهی. تهران : پیشگام.
ــــــــــ. (1378ش). نظریات کاربردی تربیت کودکان. ترجمه محمد حسین سروری. تهران: انتشارات سازمان اولیا و مربیان.
ـــــــــــ. (1379). طبیعت انسان از دیدگاه روانشناسی. ترجمه طاهره جواهر ساز. تهران: انتشارات رشد.
ـــــــــــ. (بی تا). معنی زندگی. ترجمه عنایت الله شکیباپور. تهران: انتشارات شهریار.
ــــــــــ.(2005م). معنی الحیاة. ترجمه عادل نجیب بشری. ط1. القاهره: المجلس الأعلی للثقافة.
ــــــــــ(2005م). الطبیعة البشریة. ترجمه عادل نجیب بشری. ط1. القاهره: المجلس الأعلی للثقافة.
ایگلتون، تری. (1368ش). پیش درآمدی بر نظریه ادبی. ترجمه عباس مخبر، تهران: نشر مرکز.
اسپربر، مانس. (1379ش). تحلیل روانشناختی استبداد وخودکامگی. ترجمه علی صاحبی. چاپ دوم. تهران: انتشارات ادب ودانش.
سیاسی، علی اکبر. (1388ش). نظریههای شخصیت با مکاتب روانشناسی. چاپ هشتم. تهران: مؤسسه چاپ وانتشارات دانشگاه تهران.
شمیسا، سیروس. (1388ش). نقد ادبی. چاپ سوم. تهران: نشر میترا.
صنعتی، محمد وساموئل بکت. (1382ش). تحلیل روانشناختی در هنر وادبیات، مجموعه مقالات محمد صنعتی وجنب وجوشهای ایستا اثر ساموئل بکت. چاپ دوم. تهران: نشر مرکز.
عبدالمنعم، حفنی. (1975م). موسوعة علم النفس والتحلیل النفسي. ج1. القاهرة: مطبعة مدبولی.
فیروزآبادی، سید احمد؛ علیرضا صادقی. (1392ش). طرد اجتماعی؛ رویکردی جامعه شناسی به محرومیت. جامعه شناسان: تهران.
منصور، محمود. (1392ش). احساس کهتری، به انضمام بررسیهای بالینی أدلر، نظریههای بنیادی، تک بررسیهای بالینی. چاپ چهارم. تهران: انتشارات دانشگاه تهران.
مهدوی کنی، محمد سعید. (1390ش). دین و سبک زندگی، مطالعه موردی شرکت کنندگان در جلسات مذهبی. تهران: دانشگاه امام صادق.
نصرالله، امیلی. (1991م). طیور ایلول. چاپ هفتم. بیروت: نوفل.
Adler.Alfered. 1956.The individual psychology of Alfred Adler. New York: basic Books.
Rogers.Carl.(2004). on becoming a person: A Therapist's View of Psychotherapy. Constable & Robinson Ltd.
Sternberg, Robert J. (1986). A triangular theory of love. Psychological Review.Vol. 93. No.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,797 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 388 |