تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,001 |
تعداد مقالات | 83,581 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,081,263 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,014,512 |
تحلیل ودراسة مسرحیّة القبعة والنبي لغسّان كنفاني علی ضوء عناصر التغریب البریختي | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 6، دوره 12، شماره 46، شهریور 2022، صفحه 135-155 اصل مقاله (283.3 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
سیدیوسف نجات نژاد* 1؛ فیصل سیاحی1؛ ناصر قاسمی2 | ||
1طالب دکتوراه في اللغة العربیة وآدابها، جامعة طهران، طهران، إیران | ||
2أستاذ مشارك في قسم اللغة العربیة وآدابها، جامعة طهران (فردیس الفارابی)، قم، إیران | ||
چکیده | ||
یُعتَبر غسان كنفاني من أشهر الكتّاب الفلسطینیین والمناضلین حیث أنارت كتبه وقصصه ومسرحیاته خاصّة، طریق كل من حذا حذوه، وصار قدوة ونموذجا لكل كاتب یمت بصلة ما إلی فلسطین والمقاومة. مسرحیّة القبعة والنبي هي من أهم مسرحیاته التي تتكون من ثمان شخصیات وشخصیّة المتهم تُعد الشخصیة البطَلة بینها، إذ هي تُمثّل نفس غسان المناضل أیضا. نَظَراً لما جاء في هذه المسرحیة من بُنیَة وعناصر وكأنّما یرید الكاتب فيها أن یخاطب الجمهور والمجتمع ویشاركهم في استمرارها، لذلك رأینا أن ندرس هذه المسرحیّة ونطبقها علی منهج وعناصر برتولت بریخت (بریشت) الألمانی الشهير الذي مثل مدرسة تقف بوجه المدرسة الأرسطاطلیسیة، حیث أخذت المسرح من بعده یطلق علیه المسرح البریختی، والمسرحیات التي تطلب انتبهاه المتفرجین ومشاركتهم فيها ولا تسلیتهم فقط بل تستنهضهم، توظف هذه الورقة المنهج الوصفي – التحلیلي، علی ضوء عناصر برتولت بریخت، فما وصلت إلیها هذه الورقة هي مشاركة المخاطب بقضایا المسرحیة الهامة، بحیث یستطیع المشاهد أن یحلل السیناریوهات الموجودة، وأن لا یَكون المخاطب مُستَأنِساً ولا مندَمجاً مع شخصیات مسرحیة؛ عاطفياً ومعنویاً، بل یحفز المتفرج ولكل مخاطبه تفعل هذا الدور تلك التقنیات الموظفة التي رسمها علی خشبة المسرح برتولت بریشت. | ||
کلیدواژهها | ||
التغریب؛ برتولت بریخت؛ مسرحیة القبعة والنبي؛ غسّان كنفاني؛ فلسطین | ||
اصل مقاله | ||
المسرحیّة لها دور هام في تقریب وتغریب الأفكار لدی القارئ والمتفرج خاصّة، ولاسیّما في طلیعة الخمسینات والستینات وما بعدها. حیث لجأ كثیر من الكتّاب إلی قوالب لیسوا مقیّدین فيها بكتابتهم ولن تكون غایتهم مُسلّین فيها علی نمط الأرسطی والإغریقي القدیم فقط؛ بل انتهجوا قالبا یكون فكرهم فيه موسَّع ویغوصون ویغورون من خلال أثرهم الأدبی إلی الاّمحدود زمانیّاً ومكانیّاً، مأجّجین الفكر وما في الصدور من خلال مشاركتهم القارئ والمجتمع في النص وفاتحین طریق الكتّاب من خلفهم لكي یواصلون طریقتهم دون حدود وعوائق شائكة، لِما یریده المجتمع منهم ویتطلبه حسب زمانهم ومكانهم. التغریب في المسرح هو حالة من الإبداع المتجدد محاولا إیجاد طرق تفكیر جدیدة تحفز المتلقي كي تبعده من مساحات التخدیر و تدخله في مضمار التغییر فهو یظفي نوع من التجدید في الروئ موظفا أسالیب و تقنیات جدیدة فهو یبعد المتفرج من الجمود في إلی التحرك وبريخت استعار مصـطلح "الملحمي" من أرسطو لكي يحدد نوعاً سرديا يتيح وصف بضعة أحداث متوازية ووظف هـذا المصطلح لعدم تقيد الملحمة بزمان ومكان محددين فالمسرحي الملحمي یقوم على القصص الدرامي وسرد الأحداث، كي یجعل من المتفرج مراقباً دون أن يدمجه بالأحداث كما يفعل المسرح التقليدي أو الأرسطي، كما أنه يهدف إلى إيقاظ طاقتـه دون أن يستنفد تلك الطّاقة، ودون أن يلهب تشوق المتفرج إلى الخاتمة التي يتمركز فيها التـأثير فمعنى هذا أنّ غاية المسرح الملحمي شحذ المتفرج لتغيير واقعه، أي لا يجوز أن يكون المسرح وسـيلة للتنفيس بل یكون غایة تقوم علی فعالیة المتفرج حتی ینهض بتغییر الواقع لذلك رسم رسم برتولت بریخت خارطة لهذا النوع من المسرح ذات تقنیات محدده كاعتماد الكاتب علی السرد، وتحویل المتفرج إلی مراقب للحدث، وإثارة قدرة الإنسان علی الفعل، ودفع المتفرج إزاء ما یحدث والحكم علیه موظفا المناقشة والجدل ومقارعة الحجة بالحجة كي یخرج المشاعر الغریزیة إلی النور ویدفع المشاهد إلی إدراكها بوعیه كي یصبح الإنسان فيه موضوع بحث وتمحیص لأنه قابل للتغییر والتحول وقادر علی إحداث التغییر حتی في الشكل صار كل مشهد مستقلا بنفسه وبدلالته عن المشاهد الأخری كما كانت النهایات المفتوحة تحیر المتلقي وقیام الممثّل بأكثر من دور والحدیث المباشر إلی الجمهور والمسرح داخل المسرح نوعا ما یبعد المشاهد عن التخدیر لأنه دائما یسعی أن یذكر المتفرج بأن ما یجري علی الخشبة مجرد أحداث یلعب دورها أبطال مدربین علی هذه المهنة، فهذه الورقة دخلت ضمن حبكة مسرحیة "القبعة والنبي" لغسان كنفاني[1] هادفة لتبیین الملامح والتقنیات البریختیة التي وظفهت في مسرحیته وكیفیة هذا التوظیف والغایة التي لأجلها وظفت تلك التقنیات التي تقوم بعملیة التغریب وجعل المألوف غیر مألوف، فهذا البحث یرد علی الأسئلة التالیة. 1-1 أسئِلَة البحث
1-2 فرضیات البحث
1-3 خلفية البحث قد تَطرّق الكثیر من الباحثین والنقّاد إلی دراسة المسرحیات المعاصرة ومنها المسرحیات التي قد تأثَّرت بعناصر ومناهج الكاتب المسرحی الشهير برتولت بریخت، لكن ما توصّلنا إلیه من خلال فحصنا في المواقع الإلكترونیة والمجلات العلمیة المحكمة المعتبرة حول غسان وبریخت في الأدب العربي هو ما یلي:
من خلال تفحصنا في المواقع والمصادر هناك دراسات كثیرة تقصد غسان أو أثر بریخت الملحمي لكن لم نعثر علی ورقة تنص علی دراسة العناصر البریختیة ولم یتطرق باحث أیضا إلی هذه المسرحیة التي نحن بصدد دراستها في هذا المضمار لأجل هذا تعد هذه الدراسة جدیدة في هذا المجال. 1-4 ملخص المسرحیة مسرحية القبعة والنبي غسان كنفاني أنجز كنفاني كتابة هذه المسرحية في بدايات عام 1967. غير ان هذه المسرحیة لم تعرف طريقها الى النشر الا عام 1973، اي بعد استشهاد غسان كنفاني بحوالي تسعة اشهر. فهي من المسرحيات القصيرة التي كتبها غسان كنفاني في عام 1967م، وتتحدث عن شخصية رئيسية وهي المتهم الذي يُحاكم لجريمة قتل الشيء، وهو كائن فضائي سقط في شرفة منزله، وأثناء محاكمته من قبل القاضيين المسؤولين عن التحقيق معه، يبدأ بتذكر كافة التفاصيل التي مرّ بها منذ سقوط الشيء في شرفة منزله إلى وفاة هذا الشيء، ويوضح كنفاني في نص المسرحية كيف أن جميع الأشخاص المحيطين بالمتهم وتحديدًا خطيبته ووالدتها، والشخصيات الثانوية الأخرى أرادت أن تشتري منه هذا الشيء؛ من أجل إجراء مجموعة من التجارب عليه، وتظل الأحداث متسلسلةً حتى الوصول إلى النهاية التي يتحول فيها بطل المسرحية من متهم إلى بريء. 2-1 برتولت بریخت برتولت بريخت الكاتب والشاعر والمخرج المسرحي، وهو ألماني الجنسية، ومن أشهر كتاب عصره، حتی أثر علی مسرح أروپا وصار له عصرا «عرفت أروبا ثلاثة عصور مسرحیة كبری هي بمثابة ثلاث مراحل من تاریخها المتأزم: المسرح الیوناني، ومسرح شكسبیر، ومسرح بریخت.» (برشت، 1981م: 3) ويصدم كثيرون عندما يعرفون أن هذا الفنان في الواقع طبيب لكنه تولع بالكتابة وأحب المسرح فأعطاه حياته. ولد برتولت بريخت في العاشر من فبراير عام 1898 ميلادية، في أوغسبورغ في ألمانيا، قام بدراسة الطب في ميونخ حيث تعرف على أشخاص جعلوه يحب المسرح والعمل به مثل لودفيج فويشتنفانجر، وقد قدم أول أعماله المسرحية على مسرح كارل فالنتين، وقد حصل على جائزة عن هذه المسرحية وهي جائزة كلايست وكان هذا في عام 1922، ثم في عام 1924 عمل كمخرج مسرحي في مدينة برلين، حيث قام بإخراج العديد من المسرحيات الناجحة، «وفي عام 1926م بدأ برشت بدراسة جذریة وشاملة للمادیة الجدلیة. وفي ذلك العام كتب قصص: "لكمة الذقن" و"الموقف الطبیعي لموللر".» (برشت، 2000م: 8) ثم تعرف على الممثلة هلينا فايجل وتزوجها في عام 1929، وفي عام 1933 فرَّ برتولت هاربا إلى الدنمارك خوفا من ظلم هتلر لكن «بریشت الذي كان قد ناضل ضد هتلر والنازیة في وطنه. لم یتوخ من المهجر سوی متابعة ذلك النضال وقد أخذ علی عاتقه مهمة أساسیة وهي تحطیم العدو.» (برشت، 2004م: 6) فجيوش هتلر بعدها احتلت العديد من الدول الأوروبية، فترك الدنمارك وذهب إلى أمريكا حيث إستقر في ولاية كاليفورنيا، ولم يكن الوحيد الذي هرب من ظلم هتلر وجيوشه، حيث كان هتلر في هذا الوقت يكره اليهود كثيرا، وكان يعدم كل من يعارضه، كما كان يحرق كل الكتب التي لا تعجبه والأراء والأفكار الموجودة فيها، ولهذا لم يكن غريبا في كالفورنيا فقد فعل مثله الكثيرون.ولم تعجب أفكار بريشت الحكام في أمريكا أيضا فقد كان يعارض الكثير من الأوضاع التي يراها خاطئة، وخاصة الأوضاع الأخلاقية، فقد كان يرى أن الأوضاع الإجتماعية والأخلاقية في أمريكا سيئة بدرجة كبيرة، حتى أنه حوكم في عام 1947 على أرائه التي كان يعارضها كثيرون، وفي العام التالي قام بالعودة إلى وطنه ألمانيا، ولكنهم لم يسمحوا له بأن يعيش في ألمانيا الغربية، فإستقر في ألمانيا الشرقية، وهناك عاد للمسرح الألماني، وفي عام 1949 قام بتأسيس فرقة برلين، وفي عام 1953 تولى منصب رئيس نادي القلم الألماني، وفي العام التالي نال جائزة ستالين للسلام، إضافة لذلك المسرح الملحمي الذي قدمته والتقنیات التغریبیة «مازالت تفرض نفسها عیلنا باستمرار. وهي تكسب في كل یوم قراء جددا، وبخاصة قد بدأت تشكل جزءا لا بتجزأ من المسرح الفرنسي علی رغم تضارب الآراء حولها.» (دورت، 1997م: 6) حتی بقى بريشت يعمل كمدير للمسرح الذي أنشأه حتى مات في عام 1956م. 2-2 التغریب لغة «التغریب، مصدرٌ علی وزن التفعیل من صیغة (فعل)، وهومأخوذ من مادة (غ،ر،ب) وفي لسان العرب؛ غَرَبَ فُلانٌ: بَعُدَ مصدره الغَربُ، والغَربُ: الذهاب والتَنَحّی عَن الناس وقد غَرَبَ یَغرِبُ غَربَاً، وغَرُّبَ واَغرَبَ، وغَرَّبَهُ، واغرَبَهُ: نَحّاهُ.» (ابن منظور، 1994، ج1: 658) 2-3 مفهوم التغریب ( Distanciation ) كل من المنظرین والفلاسفة قاموا بتعریف خاص حول التغریب كما تطرق لها ماركس من خلال الجدلیة الماركسیة ومفهومها ربطه بالبنیة التحتیة التي تبعد الفرد عن ما هو علیه وعن مجتمعه لأنه في النهایة یری نفسه آلة بید النظام الرأسمالي فالإغتراب الماركسي يعني «اغتراب العمل في ناتجه، أن عمله قد أصبح موضوعا ووجودا خارجيا فقط، لكنه يعني أنه يوجد خارجه مستقلا عنه كشيء وغريب بالنسبة له، إنه يصبح قوة بذاتها تواجهه، إنه يعني أيضا أن الحياة التي منحها للموضوع تواجهه كشيء معاد وغريب.» (بريخت: نظرية المسرح الملحمي، لاتا: 291) لهذا بعد فترة ینعزل عن المجتمع وأیضا تطرق لها كبار الفلاسفة كهجل فهو أعطاه معنا مزدوجا ووظفة للإشارة إلی «علاقة انفصال أو تنافر، كتلك التي تنشأ بين الفرد والبنية الاجتماعية أو كإغتراب للذات ينشأ بين الوضع الفعلي للمرء، وبين طبيعته الجوهرية ... أو للإشارة إلى تسليم أو تضحية بالخصوصية والإرادة.» (شاخت، 1980م: 96) لكن التغریب البریختي في الأدب والمسرح خاصة یعني «جعل المألوف غریباً، والتواصل إلی تغریب الحادثة والشخصیة یعني فقدانها لكل ما هو بدیهي ومألوف وواضح، بالأضافة إلی إثارة الدهشة والفضول بسبب الحادثة نفسها.» (بریخت، لاتا: 124) فالتغریب یكوّن للكاتب حالة جدیدة تجدد ما كان مألوفا دون أن ینفي وجوده في العمل الدرامي لهذا «إذا كان التغریب یختص بالتنوع والإختلاف فانه لا ینفي الاشكال السابقة علیها، وانّما یجدد الرؤی وینّوع الأسالیب، إنه اختیار مستمر للأفكار والأشكال والأدوات.» (مخلوف، لاتا :4) ومن هذا المنظور یتحدث المنظرون حول مسرحین: المسرح التقلیدي أو الأرسطاطلیسی والمسرح الملحمي أو البریختي؛ فنجد الكاتب الملحمی "دیبلین" یرسم خارطة الاختلاف بین المسرح الدرامی والملحمی، قائلاً «إن ما یمیز العمل الدراماتیكی عن الملحمی، هو قدرتنا علی تقطیع الأخیر إلی أجزاء، ومع ذلك فإنّ كل جزء یحافظ في حدود معینة علی قدرته الحیاتیة، ولهذا فإنّ المسرح الملحمی یهتم بالعرض الواسع للوسط الاجتماعی، أما الدراما السابقة وإن كانت قد عرضت للوسط الاجتماعي، فإنها قد أخضعته بصورة كاملة إلی البطل الرئیسي في الدراما، أي أن هذا الوسط یعرض من خلال رد الفعل البطل الرئیس علیها، أمّا في المسرح الملحمی فيظهر علی أنه عنصر مستقل.» (بریخت، لاتا: 104-105، نقلاً عن عجوج، أثر المسرح البریختی في المسرح المغاربی،2017) لذلك نجد المسرح الأرسطاطالیسی یسلب عقل و روح الإنسان خلافا للمسرح الملحمي البریختي الذي یكون عقلانیا وروحیا دون أن لایغفل المتعة و المسرة، فالمسرح التتقلیدي یقوم علی أساس التطهیر لكن المتفرج في المسرح البریختي یطلب منه برتولت بریخت أن یفكر بما یجری علی خشبة المسرح لكی یغیر ما لا یكون صحیحا أو اضطهادا یخدم فئة خاصة، فیطالبه بالانتفاضة بوجه الأخطاء التي تواكب الحیاة دون اللجوء الي التطهیر الأرسطاطالیسي الذي یحجب الحقیقة بواسطة الخوف والشفقة، لأنهما یضعان حجر الأساس في صیاغة وسرد الأحداث خاصة في المأساة، لكن بریخت یرد هذه الحالة بعنف ویرید القضاء علی الخوف والشفقة لإیجاد حیاة ومصیر أفضل للإنسان، وهذا ما یطلبه من المتفرج و المسرحي، فبریخت یرسم من خلال مسرحیاته مسرحا ینتج ویستخدم الأفكار والأحاسیس التي تلعب دورا هاما في تغییر الجمال ذاته، إذا فــ«المسرح لا یمكن ان یزدهر بغیر التغریب الدائم والمغامرة المستمرة مع الجدید، لأن المسرح یستهدف سیر أغوار التجربة الإنسانیة المتحولة المتغیرة ابداً، والتي تنأی بطبیعتها الحیّة الفاعلة عن الثبات والجمود وعن الانحصار في أیّة قوالب محددة فالقالب قید والحیاة تَدَفّق عارم یستعصی علی التكبیل.» (صبری، 1984م: 7) وهو في هذا الرأي یثور ضد المسرح البورجوازي الذي یأخذ التسلیة لنسیان الهموم والمتاعب ویغلق باب التنویر الفكري كي لایثوروا علیهم، فبهذه الحالة تكون الطبقة البورجوازیة في برجها آمنة ومستغلة لقدرات الإنسان لأهدافها الاقتصادیة وتطفيء نیران الثورة التي یطلبها بریخت من خلال مسرحه التعلیمي المشوق لإیجاد هذا النمط التغییري ومن خلال مخاطبة العقل الإنساني وإعتبار الإنسان أهم كائن لإنه یحتل المركز الرئیسي في فلسفته هادفا تخلیص الإنسان من الثقافة البورجوازیة والرجعیة مستندا إلی النظریة الماركسیة التي تهدف خلاص الإنسان من دوافع البورجوازیین المستغلین حیث لأنه یتكهن علی أن هؤلاء المسحوقین سوف ینهضون كالسیل. 2-4 أبرز العناصر في المسرح البریختی إذا كان أرسطو في كتابه "فن الشعر" قد اعتمد على مفهوم التطهير (Catharsis) محور النظرية من أساسها فطرح بریخت البديل النظري لها من أجل مسرح حديث متميز ببنيته النصية من جهة وجمالية عرضه من جهة أخرى، فإن مفهوم التغريب (Distanciation)، الذي یعد «حالة من الإبداع المستمر یبحث عن التجدید ویحاول أن یتجاوز الصیغ المقیّدة ویراهن علی التحول وتجدد أدواته لاكتشاف مجالات جدیدة في التفكیر والتعبیر.» (مخلوف، لاتا: 4) ففي التغريب يصبح الاعتيادي والمعروف ملفتا للانتباه ومفاجئا والبديهي غامضا وذلك من أجل أن تصبح الأمور واضحة أكثر وهذا العمود الأساسي في التغريب. فإذا یُضرب مثلا للتغریب، فيقال «یتحقق التغریب حینما یُسأل البعض؛ هل نظرت من قبل إلی ساعتك؟ ومن یسألنی هذا السؤال یعرف غالباً أننی أنظر إلیها عدّة مرّات، لكنه بسؤاله هذا ینزع منّی النظرة التي اعدت أن ألقیها علی ساعتی، هذه النظرة التي لم تعد تخبرنی بشیء، ویشدد بریخت علی أنّ العالم إذا ما بدی غریباً فإنّه یوقظ في المتفرج الرّغبة في تغییره.» (كامل، 1986م: 16) فلجأ بریخت لتقنیات متعدد كي یقع التغریب في المسرح حتی یلفت انتباه المتلقي و یبعده من الخوض في طلب الموضوع فعمل علی «تقطیع وتفتیت البنیة والحدث المسرحی، حیث یتم عرض الحوادث بأسلوب بانورامی إلی حد ما علی عكس ما یجری في المسرح عادة من بنیة فنیّة یمیلها منطق الضرورة أو منطق الاحتمال وتحقق واقعاً فنّیاً بحیث نجد كل حدث ما عدا الحدث الأول في المأساة مبنی علی مسابقة جهد للحدث الّاحق في بنیة متنامیة تحصل إلی الذروة وتؤدی إلی الحل (عرسان، 1978م: 277) فلهذا ولتحقیق تلك القایة رسم لریشته بعض التنقیات التي تساعد المسرحي علی بناء الإغتراب علی الخشبة كاعتماده علی السرد وتحویل المتفرج إلی مراقب للحدث دون أن یحسم النهایة بنتیجة حاسمة وإثارة قدرة الإنسان علی الفعل والحكم علی ما یجري كي یعطي المتفرج صورة من العالم یتأملها كي یواجه الأحداث المرویة مواجهة موضوعیة وأیضا یستخدم الجدل والمناقشة ومقارعة الحجة بالحجة والمشاعر الغریزیة إلی النور ویدفع المشاهد إلی إدراكها بوعیه دون أن یدخله في خضامها بل یقف المتفرج فيها خارج الأحداث ویدرسها، لأنه یرید أن یصبح الإنسان موضوع بحث وتمحیص، فالإنسان قابل للتغییر والتحول وقادر علی احداث التغییر ولیس فكرة مطلقة أومفهومها مطلق، والتركیز فيه علی مسار الأحداث وعلی الأحداث نفسها، فهو حتی علی صعید الشكل وضع كل مشهد یستقل بنفسه وبدلالته عن المشاهد الأخری، والعرض یمتد علی تكنیك المونتاج والقطع والوصل ویتطور في شكل منحنیات حتی الأحداث تتوإلی فيما یشبه القفزات، وعلی صعید الأسلوب أیضا نجد الغنائیة والخطابیة لها حصة الأسد واللغة فیها أیضا یدمج مفردات غیر اللغة الموظفة ولتقطیع سرد الأحداث یوظف أبیات من الشعر أو عبارات نثریة، إضافة لنظرة علی والموروث السردی، والحكائی القدیم وفي العرض نجد الراوی یخاطب القارئ أو المتفرح، والنهایات المفتوحة، واستخدام الهوامش والإحالات، وقیام الممثّل بأكثر من دور والحدیث المباشر إلی الجمهور والمسرح داخل المسرح كلها نبذة مما رسم لنا هذا المنظر العظیم لأن ملحمة بریخت تتألف «من اندماج عنصرین رئیسیین: العنصر الشكلي والعنصر الأیدیولوجي، وكان بریخت یری أنه من غیر الممكن الفصل بین العنصرین، ولم یكن أبدا لیتصور إمكانیة الحدیق عن أحدهما دون الآخر.» (أوین، 2011م: 165) 3- تقنیات المسرح الملحمي البریختي الموظفة في مسرحیة القبعة والنبي 3-1 توظیف المناقشة والجدل ومقارعة الحجة بالحجة كثیرا ما استخدم غسان كنفاني المناقشة في مسرحیته هذه وكذلك الجدل والإتیان بالحجة والدلیل أمام القاضیین لِیُري المخاطب والجمهور بأن كیف یستطیع المتهم الذي اتهم دون سبب وجریمة، بأن یدافع عن نفسه بالحجة والمناقشة، لافقط نفس المتهم بل كل فلسطینی والشعب بأجمعه إزاء اللاحتلال، وعلی الإنسان أن لا یبقی مكتوف الأیدی أمام الافتراءات والاتهامات التي من خلالها تُرید السُلطات والقوی المهيمنَة أن تُطیح به، نشاهد هذه التقنیة في المشهد الأول من هذه المسرحیّة والمشاهد الأخری التي تشكل قِسماً كبیرا فيها حیث یتحاكم فيها المتهم وردة فعله: القاضی رقم1: ( وكأنه یكمل حدیثاً) أما وقد انتهينا من المحاكمة فسأصدر الحكم الآن. قف كی تسمعه كما ینبغی. المتهم: (دون اهتمام ولكن بقلیل من الدهشة) تصدر حكمك؟! انتهينا من المحكمة؟ (یقف) ولكننا یا سیدی لم نبدأ بعد! القاضی رقم 1: (مخاطباً رقم2) أسمَعت ما قال؟! یقول إننا لم نبدأ بعد. القاضی رقم 2: لنَنته من الموضوع بسرعة .. دعنا نشنقه هنا والآن.. إلیس هذا هوالحكم الذي اتفقنا علیه؟ (یخرج من درج الطاولة حبلاً ویضعه علی الطاولة) المتهم: (یدور حول الطاولة ویَمسِك الحاجز بكلتا كفيه) أیها الساده دعونی أذكركم بأننا لم نبدأ! لقد قُبِض علیّ أمس فقط ولم یقابلنی أحد طوال اللیل، ثُم جیء بی إلی هنا، وكنت أعتقد أننا نجتمع للتعارف. (كنفاني، 2014: 9) ممّا جاء في هذه الفقرات من المسرحیة نلاحظ عنهجیّة القاضیین واتهام المتهم بجریمة قتل "الشيء" الذي نتطرف إلیه لاحقاً، بأن المتهم هوالقاتل والمجرم وحُكم القاضیین هذا؛ أثار دهشة وحیرة المتهم بأن كیف یكون اصدار مثل هذا الحكم علیه دون محاكمته واستفساره عما وقع وحدث وما فَعل، أحقیقة هو متهم أم لا؟ أم فقط افتراءٌ؛ افتراه القاضیان؟ كیف یكون الحُكم والمحاكمة أحادیة الجانب من جهة المحكمة فقط، أی كأنما المُتَحاكم فيها ملثوم الفم لا یستطیع فيها الرد والدفاع عن نفسه، فنری المتهم كیف كانت ردة فعله وهي المناقشة والإتیان بالدلیل بأن؛ قُبض علیّ خلال فترة جداً قصیرة استغرقت من بیتی إلی السجن والآن أنا في المحكمة؛ فكیف یكون حكمكما إذاً علیّ دون المحاكمة؟ كیف یكون رأیكما نهائیاً دون أن تسمعا إلی كلامی، والمُلفت للنظر هوكلام أحد القضاة اذ یقول ... أن نشنقه هنا والآن ... إذ هذا الكلام یصرّح تماما بأن هذه المحكمة التي أقیمت للمتهم، ما یَهمُّها هو قتل وسحق كل من ابناء الشعب الفلسطیني الذي یمثلهم نوعاً ما هذا المتهم، دون الاكتراث بهم ولا سمحهم الوقت للجدل والمناقشة خوفَ أن یحتجوا علی القضاة الذين یمثلوا الاحتلال والسلطات، فنشاهد كیف یدعوا غسان كنفاني من خلال شخصیة المتهم إلی الحجة والدلیل التي هي من أهم عناصر المسرح البریختی،بأن أیها المخاطب والمتفرج علیك أن تكون ناشطا ومحتجا أمام كل أزمة تلم بك ولا تركن ولا تَتَزَعزَع إلی الخلف. ولا تتنصل من المقارعة والكفاح المُلِح واستقصاء الحق من أیّ جهة كان ویكون. فهو جعل من هذا الدیالوج المقصود فهمه «شیئا غیر متوقع وغریبا، بعد أن كان معروفا ومألوفا معتادا. وما هو مفهوم بطبعه یصبح – علی نحو ما – غیر مفهوم، وهذا یحدث فقط من أجل أن نجعله مفهوما أكثر.» (بریشت، 2009م: 21) لأن طبیعة التغریب تفرض هذه الحالة حتی یكون أثر الأثر موجها لما یریدة الكاتب وكما وظفه غسان هنا. 3-2 نموذج آخر من هذه المناقشات ومقارعة الحجة بالحجة القاضی رقم1: أیها القاتل. القاضی رقم2: قاتل ووقح أیضا. القاضی رقم1: قاتل رهيب (مشیراً إلی الشیء الأسود أمامه) والجثة ما تزال أمامه وقد بدأ ینكر حتی قبل أن ندفنها. القاضی رقم2: .. حتی قبل أن یجف دمها .. المتهم: دمها؟! القاضی رقم1: لننس موضوع الدم (ملتفتاً إلی رقم 2) الحقیقة أنه لا یوجد دم. القاضی رقم 2: قتلها خنقاً. المتهم: خنقاً؟ إنه شیء لا یستعمل الهواء. القاضی رقم1: قتلته .. وهذا یكفي. المتهم: قتلته أم قتلتها؟! یا سیدی! أنا أقبل حكمكم لوتقررون إذا كان هذا الشیء هو أوهي. القاضی رقم1: هذه مسألة لا تخص القانون. لا تخرجنا عن الموضوع. لقد ارتكبت جریمة قتل وهذا یكفي. المتهم: قتل من؟ القاضی رقم1: قتل هذا (مشیراً إلی الشیء الأسود). المتهم: انظر كیف تتهرّب من الموضوع! إننی أسألك (یعلو صوته ویأخذ حالة الهجوم) هل تسمع ؟ إننی أسألك: ما هوهذا الذي قتلته. (یتقدم "الشرطی" بهدوء ویحرك ضلع الحاجز المواجه للجمهور وینقله علی محوره إلی الجهة المقابلة فيبدو القاضیان الآن في القفص والمتهم دونه). القاضی رقم1: (مخاطباً رقم2) قل له ما هوهذا. القاضی رقم2: قل له أنت. المتهم: إنه شیء لا یوجد فيه دم. لا یتنفس. لا یأكل. لیس من المعروف إذا كان ذكراً أم أنثی .. لقد تفحصته بنفسی، لیس فيه شیء یمكن أن نسمیه عضواً تناسلیاً .. فكیف یمكن قتله؟ (كنفاني، 2014م: 11 -12) نری في هذه الفقرات أیضا، كیف یحاكم القاضیان المتهم علی أسس واهية وبُدَّهما ومحاولتهما علی رضوخ المتهم بقبول تلك الجریمة المَنكورَة اساساً واصلاً ، وكیف یكون المتهم قاتلا لمن لا یعرفه من هو أو من هي؟ مذكر أم مؤنث، أیَحق علی المتهم حُكمُ المحكمة هذا دون التصریح والتشخیص عن نوع وجود هذا الشیء، وما هو جنس المقتول، فيأتی المتهم بحججه المقرعة رداً علی قول القاضیین بأن كیف استطیع قتل من لا یوجد فيه الدم حتی أریق دمه ولا یتنفس ولا یشم الهواء حتی أخنِقَه، فأخذ القاضیان یخاطبان بعضهما الآخر بأن أنت قل له كیف قتله، بسبب اتهامهما الكاذب؛ فيبین غسان كنفاني بأن المكافحین والمناضلین مهما كانوا وما لدیهم من قوة، یستطیعون أن یربكوا ویضیّقوا فسحة مجال اعتداء الأعداء والاحتلال الواهن، حیث یمثل هذا الكفاح، شخصیة المتهم وتمثیل دورهم في مثل ساحات هذه المواقف الحاسمة، إذ یبقی العدو فيها حیران ومنقهر إلی الوراء وكلٌّ منهم یلقون كلَّ جریمة الاعتداء والاحتلال، علی عاتق الآخر، الذي یتمثّل سوء عملهم في شخصیة القاضیین وهو قول أحدهما للآخر قل للمتهم كیف قتلَ الشيء، فتستمر هذه المناقشات والمحاكمة إلی أن یقع القاضیان في قفص الإتهام تارة وتارة المتهم علی ید الشرطي الذي یقوم بتحریك الحاجز بعد كل فقرات من المحاكمة بین الطرفين وطبعا هذه المشاهد ساحات الصراع والكفاح في المسرحیة، ویمثّل الشرطی كما یبدو لنا في هذه المسرحیة ونراه علی أرض الواقع الفلسطیني یومیاً ومیدانیاً، دور منظمة الأمم وبعض الدول إذ مرة تدین وتَستَقبِح الاحتلال وغطرستَه ومرة أخری تصوت بصالح الاحتلال وتهجیر الشعب الفلسطینی المضطهد وأخری من البلدان المستضعفة والمقصومة. في هذا العنصر ما نتوصل إلیه هو أیضا، دفع المخاطب والمشاعد علی أن یدقِّق كیف احتجّ المتهم بالحجج ومقارعة الباطل بما هو صحیح وحق، لأن «المسرح الملحمي یدعو إلی الفعل، و یزود بالمعارف، مستعینا بالحجج، محللا العواطف إلی معان عمیقه.» (بریشت، 2009م: 16) فنبّه المتفرجین بأن لا ینظروا بنظرة الشفقة والترحم علی مثل هذه الشخصیات التي تمثل دور المتهم، ولا آنسین كل الأُنس بما یُعرض في المسرحیّة، بل متزودین بزاد المناقشات والحجج المقرعة ویستلهموا كل ما یكون لهم مسانداً وظهيراً في غایاتهم في المجتمع الذي یرومون العیش فيه؛ دون ظلم ولا موبقین من هيمنة الاحتلال والسلطات الطاغیة. 3-3 دفع المتفرِّج إلی إتخاذ قرارات إزاء ما یحدث والحكم علیه وهي أیضا من عناصر المسرح الملحمی البریختی؛ إذ جاء به غسان كنفاني أیضا في مسرحیته هذه لكی یدعو من المتفرج أخذ القرار الحاسم علی ما یحدث في المسرحیّة ومواقف أخری حیث یقع فيها ویشاهدها، في زمان ومكان آخر. وأن لا یبقی المخاطب صامتا دون أی ردّة فعل تجاه الأحداث النازلة به. لأن بعض الأحیان إتخاذ القرارت من قِبل المخاطبین تكون مثمرة ورادعة أمام العدوو كل من یرید المُكایدة معهم، وهذا ما نشاهده في الدیالوج التالي من المسرحیّة. القاضی رقم1: قتلته .. وهذا یكفي. المتهم: قتلته أم قتلتها؟! یا سیدی! أنا أقبل حكمكم لو تقررون إذا كان هذا الشیء هو أو هي. القاضی رقم1: هذه مسألة لا تخص القانون. لا تخرجنا عن الموضوع. لقد ارتكبت جریمة قتل وهذا یكفي. المتهم: قتل من؟ القاضی رقم1: قتل هذا ( مشیراً إلی الشیء الأسود). المتهم : انظر كیف تتهرّب من الموضوع! إننی أسألك (یعلو صوته ویأخذ حالة الهجوم) هل تسمع؟ إنني أسألك: ما هو هذا الذي قتلته. (كنفاني، 2014م: 11) غسان كنفاني في هذه الفقرات، یدعو المخاطب والشعب الفلسطینی خاصة، من خلال شخصیة المتهم، إتخاذ القرار الازم أمام القاضیین ببسالة وصمود وتندیده للقاضیین وقلب لهما ظهر المجن، إذ هو قَرار كل مناضل أمام الاحتلال طَبعَاً، كما نری المتهم خلال محاكمته یتخذ قرار مُطالِب ومطارِد بِشَأن حقه في ساحة الكفاح، ویعلو بصوته ویهاجم أیضا في المحكمة؛ كفاحٌ في المفاوضات وفي ساحات القتال میدانیاً، حیث یكون صوته وهجومه صدی وصرخة في وجه الاحتلال. 3-4 استخراج المشاعر الغریزیة إلی النور ودفع المشاهد إلی إدراكها بوعیه علی ضوء هذا العنصر، استطاع غسّان كنفاني من خلال استخراج المشاعر الغریزیة مثل الحُبّ والزواج وتجلیاتهما لتكوین وتأسیس الأسرَة، ومن جهة أخری تمثیل العوائق الشائكة والمانعة مثل المشاكل الاقتصادیة والاجتماعیة التي تعرقل ظهور تلك المشاعر علی الأرض الواقع، ومن أزاء ذلك یدفع المشاهد والمخاطب إلی ادراكها بوعیه وتَتَبّع أسبابها، حتی أن تنیر ذلك الوعی: «السیدة: الزواج مستحیل ... لأن ... المتهم: لأننی لا أستطیع أن أعیل قطة؟!، ولأننی لا أرید أن أستبدل دیانتی كما تستبدلین معطفك، ولأنّ الحب وحده لا یستطیع مهما بلغت حرارته أن یخبز رغیفاً ... إنّ أمك رائعة في اكتشاف النواقص. السیدة: أنت في كل مرة تقول هذه الأشیاء ذاتها. المتهم: أنت! في كل مرة تقولین هذه الأشیاء. السیدة: (بلطف مفتعل) قل شیئاً جدیداً هذه المرة فقط یا حبیبی ... المتهم: (یرق)! لِنتزوج! سأخطفك ونطیر ویرضخ الجمیع .. إن العالم واسع وملیء بالفرص. السیدة: ملیء بالفرص! هل تستطیع أن تقول لی ما الذي قضی علیك إلا هذا الهراء؟ أنت تنتظر أن یسقط علیك من السقف عمل مثلما تُقدّم الكعكة للأطفال .. إن العالم صغیر.. أنه أمی وغرفتك ومئتی لیرة .. هذا هو العالم.» (كنفاني، 2014م: 16) هذه المحادثات التي تبادلت بین السیدة والمتهم، هي نابعة من تلك المشاعر الفطریة الموجودة في صَمیم كل إنسان صاحب حریة ومتنعم من النِعم التي اعطاها الله لكل من عباده، لكن حینما نری الكاتب، عبر شخصیة المتهم والسیدة، یتكلم عن عدم تحقق هذه المشاعر علی وجه مرغوب ومتناسب بما یتوخاه ویستَحقّه كل من الشعب الفلسطینی، وهي عدم توفير أبسط ملزومات وأولویات، تكوین عیشَة الحیاة المشتركة، وازدیاد الفقر المدقع، البطالة، و...إلخ. ومع هذا نری المتهم متفائل لإستمرار هذا الحب والحیاة حیث یعبر بقوله للسیدة؛ أنّ العالم واسع وملیء بالفرص، وهذا ما یدل علی عدم اسستلام المتهم، وعدم الرضوخ للإحتلال ولا یائساً من الحیاة ، مستَلهماً من معین سُنَن الله، كما نری جواب الله سبحانه وتعالی للذین ظُلِموا «قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا.» (النساء،97) فغسان كنفاني بما أنه أُرغِم علی التهجیر من بلد إلی بلد آخر، لم یكن منعزلا عن الكفاح والجهاد، بل كان یواصل نشاطاته، ویحفز ویحرك مشاعر كل من المناضلین علی عدم الاستسلام أمام الاحتلال، وإن أُجبروا علی التهجیر وترك وطنهم. 3-5 المسرح داخل المسرح بما أنّ قد بَدَأت هذه المسرحیة، مباشرة بمحاكمة المتهم من قبل القاضیین، حول موضوع اتهامه بقَتل الشیء، تدخل السیدة الغرفة فُجأة في أثناء تلك المحاكمة وتتكلم عن موضوع الجنین والزواج، وهذا أیضا یُشَكل مسرح آخر داخل المسرح، وهذا یُعتبر من العناصر البریختی أیضا، حیث استخدمه غسان كنفاني في مسرحیته هذه، حتی لا یندمج المشاهد والمخاطب مع الشخصیات، ویأخذ جانب الوعی والإنتباه، وهذا ما نشاهده في الفقرات التالیة: «(یعود المتهم إلی مقعده بِبَطء، وفي اللحظة ذاتها تصعد "السیدة" درج الشرفة وتبدو عبر الباب المفتوح مُتجهة نحو المتهم الذي یصل إلی كرسیه ویجلس علیه باسترخاء – یخفت الضوء الموجه علی القاضیین حتی یبدوان شخصین غامضین- تدخل السیدة بشیء من الغضب) السیدة: (ترمی حقیبة یدها علی الطاولة وكذلك قفّازیها وتبدأ بالمشی عبر الغرفة بغضب، ثم تقف وتنظر نحوه) یبدو أن علینا أن نستسلم أخیراً. وذلك بسبب جبنك وجبنی معاً، فدعنا نسوی المسألة بهدوء؟ المتهم: أیة مسألة؟ مسألة الجنین؟ مسألة الدین؟ مسألة المال؟ مسألة أمك؟ السیدة: كل هذه المسائل.» (كنفاني، 2014: 15) فنری هذه الحوارات والحالات بین المتهم والسیدة، تَستمر في عدة صفحات وذلك، في نفس مسرح محاكمة المتهم في تلك الغرفة (أی كأنها اصبحت مقاطعة)، حیث یلفت مسرح السیدة هذه والمتهم، أنظار المشاهدین والمخاطبین، بأنّ في هذه المسرحیّة (القبعة والنبي) مسارح أخری موجودة ومتداخلة أیضا حسب فِكرة ورؤیَة الكاتب، إذ هو وشعبه الفلسطینی كانوا یعانون منها، من مشاكل اجتماعیة واقتصادیة والبطالة وما شابه وناتج من كل ذلك. 3-6 النهایات المفتوحة وهي أیضا من تقنیات المسرح البریختی، حیث تكون المسرحیات فيها ذات نهایة مفتوحة ولیست مختومة ومحكومة بقضیة ما، بل النهایة مفتوحة لكل من هو ذات عقل نیّر وواعی بأحداث ما قد جری في المسرحیة أو المسرحیات، فيستطیع أن یحلل ویلقی الضوء علی فكرة الكاتب، ویواصل كل من المخاطبین والكاتبین، مسار هذه المسرحیة التي نهایتها مفتوحة بما هو مفيد ومُتَآزَرٌ مع المجتمع والشعب، فمثل هذا العنصر نشاهده في مسرحیة غسان كنفاني، أیضا وهوما جاء في ختام هذه المسرحیة: القاضی رقم1: أنت بریء، إذن أنت حر، لماذا لا تذهب؟ المتهم: إننی أكرهكم جمیعاً ... ولكن ألا تستطیعون نبش قانون واحد یحلّ هذا الإشكال..؟ القاضی رقم 2: لقد فعلنا كل ما في وسعنا یا سیدی. نَقسِم لك! (تُعَتّم جهة المتهم. رقم 1 ورقم 2 یقفان ویسویان ملابسهما ثم یخرجان ببطء. المتهم وحده) المتهم: (صارخاً) لحظة واحدة أیها السادة (یتّجه الضوء نحوه) لحظة واحدة .. (یكملان سیرهما حتی یختفيا – المتهم یصل إلی طاولة المحكمة ویقف هناك) لحظة واحدة. وذلك أیضا مستحیل. بریء! یا للحماقة ! كأن البراءة تعطی!. (المتهم یقترب من الشیء ویرفعه بین یدیه، لأول مرة) المتهم: هيا بنا أیها الصدیق. لیس أمامنا إلا أن نخرج معاً. (كنفاني، 2014م: 92-91) فما قرأناه في هذه الفقرات من المسرحیة، یدل علی أنها قد تمت! ولكن تمت بنهایة مفتوحة، حیث ما استطاع القاضیان أن یحكما ویصدقا علی المتهم بأنه حقیقة قد قتل الشيء وما استطاعا أن یأتیا بحلول للمتهم كل ما أَستفسَرهما وطلب منهما عن حقیقة الشيء وهذا هوطبعا من العناصر البریختیة حیث یَتسائل فيه المشاهد والمخاطب لماذا تمت هذه المسرحیة دون نهایة؟! أی كأنَّ المشاهد والمخاطب یفتقد شیئاً في هذه المسرحیة، وكما أنّ هذا العنصر یمنع من اندماج المتلقی في المسرحیة وشخصیاتها، یحث المتلقی في الحین نفسه، علی السؤال والمشاركة في مسار واستمرار المسرحیة أیضا.
فبعد دراسة في بحر مسرحیة " القبعة والنبي" لغسان كنفاني تنص النتائج علی ما یلي:
[1] یُعتبر غسان کنفاني أحد أشهر الكتّاب والصحفيین العرب في عصرنا فقد كانت أعماله الأدبیة؛ روایات وقصص قصیرة متجذرة في عمق الثقافة العربیة والفلسطینیة، ومصدر وحیٍ لجیلٍ كامل في حیاته وبعد استشهاده بالكلمة والفعل. ولد في عكا، شمال فلسطین، في التاسع من نیسان/أبریل 1936، وعاش في یافا حتی أیار/مایو1948 حین أجبر بسبب الحرب التي أسفرت عن إنشاء إسرائیل، علی مغادرة وطنه الأم واللجوء مع عائلته في بادیء الأمر إلی لبنان، ثم إلی سوریا. عاش وعمل في دمشق ثم في الكویت، وبعد ذلك في بیروت منذ سنة 1960. وفي الثامن من تموز/یولیو 1972 استشهد في بیروت مع ابنة أخته لَمیس في انفجار سیارة مفخخة علی أیدی عُملاء إسرائیلیین. أصدر غسان حتی تاریخ وفاته ثمانیة عشر كتاباً، وكتب مئات المقالات في الثقافة والسیاسة وكفاح الشعب الفلسطینی ففي أعقاب اغتیاله تم إعادة نشر جمیع مؤلفاته بالعربیة في طبعات عدیدة. كذلك جمعت روایاته وقصصه القصیرة ومسرحیاته ومقالاته ونشرت في مجلدات، وتُرجم العدید من أعماله الأدبیة إلی عشرین لغة. (کنفاني، 1981م: 3) | ||
مراجع | ||
القرآن الكریم
أوین، فردریك. (2011م). برتولت بریخت:حیاته، أعماله، عصره. ترجمة: إبراهیم العریس. ط1. القاهرة: المركز القومي للترجمة.
ابن منظور، محمد بن مكرم بن على. (1994م). لسان العرب. ج: 1. بیروت: دار صادر.
برشت، برتولت. (1981). حیاة غالیلة. تعریب: بكري الشرقاوي. الإسكندریة: دار الفارابي.
برشت، برتولت. (2000). قصص من الرزنامة. إعداد وترجمة: بوعلي یاسین. ط 2. بیروت: دار الكنوز الأدبیة.
بریخت، برتولت. (لاتا). نظریة المسرح الملحمی. ترجمة: جمیل نصیف. بیروت: عالم المعرفة.
بریشت، برتولد. (2004). حوار المنفقین. تعریب: یحیی علوان. ط 2. دمشق: دار كنعان.
بریخت، برتولت. (1986م). نظریة السیاسة والممارسة، ترجمه: كامل یوسف، ط1بغداد: لانا.
بریخت، برتولت. (2009م). طبول في اللیل. ترجمه: عبدالرحمن بدوي. ط2. الكویت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب.
بوكروح، مخلوف. (لاتا). التغریب في المسرح العربی تبعیّة أوتثاقف. لامك: لانا.
دورت، برنارد. (1997م). قراءة بریشت. ترجمه: جورج الصانع وماري لور سمعان، ط. دمشق: منشورات وزارة الثقافة.
الخشاب، وجدان توفیق. (2012م). "رد الفعل الدرامی في نصوص مسرحیات غسان كنفاني". مجلة جامعة تكریت للعلوم. المجلد19 . العدد 1. صص 179-158
خلافت، عجوج. (2017م). أثر المسرح البریختی في المسرح المغاربی. جامعة بلقاید، كلیة الآداب، قسم الفنون الجمیلة.
جرجیس سلمان، سلوی. (لاتا). مسرحیّة «جارت زهرة الربیع». العراق: جامعة كركوك.
شاخت، ريتشارد. (1980م). الإغتراب، ترجمة: كامل يوسف حسين. ط5. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
عرسان، علی عقلة. (1978م). سیاسة في المسرح. دمشق: دار الأنوار للطباعة.
علی نجاد، فاطمه وسعیده میرحقجو لنگرودی. (2019م). "فلسطین في نظرة الكاتب الشهيد غسان كنفاني(رجال في الشمس)" في مجلة دراسات الأدب المعاصر. العدد26. صص 108-103
صبري، حافظ. (1984م). التغریب والمسرح، دراسات ومشاهدات في المسرح الإنكلیزی. القاهرة: الهيئة المصریة العامّة للكتّاب.
كنفاني، غسان. (2014م). القبعة والنبي. ط2. قبرص: منشورات دار الرمال.
مروشیة، محمد صالح. (2014م). "أثر المسرح الملحمي البريختي في التغريب عند سعد اﷲ ونوس". مجلة مجلة دراسات في اللغة العربیة وآدابها. المجلد. 18 العدد 1. صص 138-119 | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 887 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 142 |