تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,005 |
تعداد مقالات | 83,622 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,365,520 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,402,539 |
دراسة مفهوم الحریة في القصائد الملحمیة لمحمود درویش وأحمد شاملو (بالتركيز على آراء جان بول سارتر) | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
دوره 13، شماره 49، خرداد 2023، صفحه 133-152 اصل مقاله (255.56 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
سارا قیاسی1؛ بابک فرزانه* 2؛ عبدالحسین فرزاد3؛ سید ابراهیم دیباجی2 | ||
1طالبة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها، فرع العلوم و تحقیقات، جامعة آزاد اسلامیة، طهران، إيران | ||
2أستاذ، قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة آزاد اسلامیة، فرع العلوم و تحقیقات، طهران، إيران | ||
3أستاذ مشارك في اللغة الفارسية وآدابها، معهد الدراسات الإنسانية والثقافية، طهران، إيران | ||
چکیده | ||
يعتبر مفهوم الحرية من أكثر المفاهيم الشعرية شيوعًا في الشعر الملحمي الحديث والذي أصبح من أهم الموضوعات في حياة الإنسان المعاصر متأثرا بالمدارس الفلسفية وخاصة فلسفة الوجودية. وقد لعب الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، أحد مؤسسي الفلسفة الوجودية، دورًا مهمًا في انتشار الأفكار الوجودية وترك تأثيرا عميقًا على أفكار الادباء. يعتبر محمود درويش شاعر المقاومة الفلسطينية وأحمد شاملو الشاعر الإيراني المعاصر، من الشعراء البارزين الذين ينعكس مفهوم الحرية على نطاق واسع في قصائدهم، ودراسة أشعارهم تكشف عن بعدها الفلسفي والوجودي. يحاول البحث الحالي مقارنة أفكار درويش وشاملو حول الحرية معتمدا علی آراء سارتر وتحليل أوجه التشابه في شعرهما وربما فحص الاختلافات بينهما. وفقًا لنتائج البحث فإن مفهوم الحرية في موقف درويش وشاملو له بعد فلسفي ولا يقتصر على الحرية الفردية بل يشمل المجتمع بأسره. يتماشى مفهوم الحرية في نظرتهما للعالم تمامًا مع آراء سارتر كتقدم الوجود على الماهیّة والخوف وقبول المسؤولية، وإنكار القوى الميتافيزيقية، وعدم استقرار الماهية، والعلاقة بين الموت والحرية. | ||
کلیدواژهها | ||
الحریة؛ سارتر؛ القصیدة الملحمیة؛ محمود درویش؛ احمد شاملو | ||
اصل مقاله | ||
مقدمة الشعر الملحمي الحديث هو انعكاس للظروف السياسية والثقافية والاقتصادية التي تحكم المجتمع و يضع الإنسان في مركز الاهتمام. والحرية تعتبر إحدى الموضوعات الرئيسية في هذا الأسلوب الملحمي الحديث التي تستخدمه الشعراء الملتزمون. أدى إلمام الشعراء المعاصرين بالمدارس الفلسفية الجديدة إلى تعمق شعرهم دلاليا فعلى القارئ أن يبذل مجهودا أكثر لسبر أغوار النص الشعري وصولا إلى أعماق الفكرة لدى الشاعر. اما الفلسفة الوجودية هي إحدى المدارس الفلسفية الحديثة التي ظهرت في العصر الحديث. و سارتر الذي يعتبر من أبرز الفلاسفة الوجوديين يقسم أتباع هذه الفلسفة إلى فئتين: مسيحي (يعتقد بالله) وملحد (يجحده). فهو يقول: «الوجوديون المسيحيون الذين يكون من ضمنهم جاسبير ومارسيل الكاثوليكيين، وهايدجر والوجوديون الفرنسيون أتباع عقيدة الوجودية الإلحادية وأنا من أتباع هذه العقيدة.» (سارتر ، 1969: 15) المفهوم الأكثر وضوحا في رأيه هو الحرية، و«الإنسان في نظره كائن حر يمتلك سلطة غير محدودة ويمكنه ممارسة إرادته على كل شيء في الطبيعة.» (نوالي، 1373: 42) وعلى أساس هذه الفكرة يعتبر الإنسان كائنا مبدعا يمكنه أو تكوين حياته حسب رغباته وبعدما دخلت هذه الفكرة إلى عالم الأدب وضع العديد من الأدباء المتأثرين بسارتر مكانا خاصا للانسان في أعمالهم. فهكذا يشرح الشاعر المعاصر بنظرة إنسانية مفهوم الحرية في القصائد الملحمية ويجعل الإنسان بطل قصته. محمود درويش وأحمد شاملو شاعران حداثيان تحكم شعرهما الملحمة وقد امتزجت نزعتهما الملحمية بالأفكار الوجودية. ورغم الفروق في الشخصية الفردية والاجتماعية لهذين الشاعرين تعد الحرية واحدة من أكثر الموضوعات شيوعا في شعرهما فيمكن دراسة تأثرهما بنظريات سارتر الوجودية حول مفهوم الحرية و فحص أوجه التشابه في آرائهما. أسئلة البحث يحاول هذا البحث العثور على إجابات مناسبة لأسئلة منها: كيف وإلى أي مدى تشترك أفكار درويش وشاملو مع أفكار سارتر الوجودية حول الحرية؟ ما هو دور المؤثرات عبرالنصية في توافق آراء درويش وشاملو حول المفهوم الوجودي للحرية في قصائدهم الملحمية؟ فرضيات البحث يبدو أن درويش وشاملو متأثران كثيرا بسارتر في معظم أفكارهما الوجودية حول مفهوم الحرية وتوصلا إلى فهم مشترك لمفهوم الحرية. - يبدو أن نهج شاملو في التعبير عن آراء معينة حول الحرية يكون أكثر صراحة وأقرب إلى آراء سارتر الإلحادية. - يبدو أن الاستبداد والقهر واحتلال البلد بيد الأجانب والظلم الاجتماعي والقمع والفقر الفكري والثقافي والاقتصادي تكون مادة الأفكار الوجودية لكل من درويش وشاملو. خلفية البحث تمت دراسة مفهوم الحرية في شعر درويش وشاملو في مؤلفات عديدة منها: 1- أحمد جوانمرد في رسالة ماجستير بعنوان "دراسة موضوعات الوطن والحرية في قصيدة محمود درويش" (2010) وتم ذلك بإشراف الدكتورة فاطمة قادري في جامعة يزد. توصل البحث إلى أن مفهوم الحرية قد تجلى في موضوعات كالنضال والمقاومة، والدعوة إلى الثورة، والأمل في المستقبل، والتضحية من أجل تحرير البلاد. 2- عباس محمديان ومريم غفاري جاهد، في مقالهما "مفهوم الوطن والحرية في قصائد ملك الشعراء (بهار) ومحمود درويش" (2017) استنتجا أن الشغل الشاغل لهذين الشاعرين كان إنقاذ الوطن من تسلل الأجانب واحتلالهم له. 3. خلص أحمد جوانمرد وفاطمة هیبتی في مقالهما "دراسة مضمون الحرية وتجلياتها في شعر محمود درويش، شاعر المقاومة الفلسطينية" (2016)، إلى أن درويش استخدم لغة الرمز للتجنب من الرقابة الإسرائيلية على قصائده ونشر أفكاره عن الحرية في ظروف السجن القاسية. 4. وقام أحمد درويش في مقالته "ملامح التجسيد الفني لظاهرة الحرية في شعر محمود درويش" (1992) بدراسة دور الوزن والموسيقى في قصائده القومية والتي كتبت عن الحرية. 5. خلص عبد الحسين فرزاد وزملاؤه في مقالهم "نظرة مقارنة إلى مفهوم الحرية عند أحمد شاملو وأحمد مطر" (2020) إلى أن كلا الشاعرين اعتبرا مهمة الشعر الحرية، لكن لغة مطر أكثر حدة وصرامة من شاملو. 6. راضیه كارآمد وحسين ميرزائي نيا في مقال بعنوان "مفهوم الحرية في قصائد نزار قباني وأحمد شاملو" (2017) توصلا إلى نتیجة مفاده أن شاملو وقباني يدينان الاستبداد ويعتبران الكفاح المسلح أحد سبل تحقيق الحرية. والمقالات المقارنة بين قصائد درويش وشاملو من ضمنها: 1. فاطمة بخيت وآخرون (2013)، سيميائية العنوان في قصيدتي شبگير لأحمد شاملو و ليل يفيض من الجسد لمحمود درويش (دراسة مقارنة) 2- برويز أحمد زاده هوچ وآخرون (2017)، دراسة مقارنة لتجليات المقاومة في قصائد شاملو ودرويش. 3- عيسى زارع درنياني وفاطمة مسعودی زاده (2019) دراسة مقارنة للتمثيل في شعر محمود درويش وشاملو. 4- شيرزاد طايفي ومريم محمد زاده (2017) قراءة مقارنة للرمزية الاجتماعية في قصائد أحمد شاملو ومحمود درويش. والمقالات التي كتبت حول الفلسفة الوجودية في قصائد درويش وشاملو منها: 1. صادق جقتايي وزهرا فدوي في مقال "تحليل أسس أصالة الوجود في شعر وفكر شاملو (مع التركيز على الوعي والحرية والمسؤولية)، درسا انعكاس مفاهيم الوعي والحرية والمسؤولية والإنسانية والموت" و تحدثا فيه عن تأثر الشاعر بالفلاسفة الوجوديين. 2. فرهاد رجبي في مقاله "تحليل وجودي لشعر شاملو وأدونيس" (الأغاني الصغيرة للغربة وأغاني مهيار الدمشقي أنموذجا) (2018)، قام المؤلف بتحليل وجهات النظر الوجودية لشاملو وأدونيس في مواضيع مثل الأنطولوجيا والتناقض والوحدة ووجود الآخر ،الصيرورة وتمثيل الإنسان. 3. محمد محمود أبو علي في كتابه "ملامح الفلسفة الوجودية في شعر محمود درويش: قراءة في ضوء النقد الثقافي" (2013) قام بدراسة أفكار درویش الوجودية. لقد درست الأبحاث السابقة مفهوم الحرية في قصائد هذين الشاعرين بشكل منفصل أو بمقارنة مع شعراء عرب وإيرانيين آخرين، أو انتقدت أفكارهما الوجودية كلا على حدة. وقارن البعض قصائد هذين الشاعرين مركزين علی مجالات منها سيميائية العنوان وأدب المقاومة والتمثيل. ولكن لم يتم العثور على بحث مستقل من شأنه أن يدرس مفهوم الحرية بناء على وجهة نظر سارتر في قصائد درويش وشاملو، ويبدو أن هذه الورقة تكون أول بحث متخصص في هذا المجال و أهم ابتكار فيه هو التركيز على آراء سارتر مؤكدا على البعد الفلسفي لمعنى الحرية. سارتر ونظرته إلى الحرية جان بول سارتر من الفلاسفة الوجوديين الأكثر تأثيرا و قدتطورت فلسفة الوجودية مع سارتر ولم تقتصر على إطار الفلسفة، واكتسحت مجال الأدب والدراما والمسرح. استخدم سارتر الرواية والدراما لشرح أفكاره الفلسفية، على عكس الوجوديين السابقين، كيركجور، نيتشه، وهايدجر، الذين عبروا عن آرائهم الفلسفية فقط بمقالاتهم وكتبهم. فالمفهوم الأكثر جوهرية في نظر سارتر هو الحرية التي لها علاقة مباشرة بوجود الإنسان «فلا يوجد تمييز بين وجود الإنسان وحريته وهما متساويان، وماهية الإنسان مرتبطة بحريته، وما نسميه الحرية لا يمكن فصله عن الوجود الحقيقي للإنسان.» (سارتر، 1966: 704؛ شاروني، د.ت: 133) إنه يقدم الحرية علی الوجود قائلا «الحرية في الإنسان مسبوقة بوجوده، والأساس الإنساني خلقته الحرية.» (سارتر، 1389: 39) «الحرية والوجود مفهوم واحد، والحرية هي نسيج الوجود ومبدأه، والإنسان حر بطبيعته، والحرية مصير لا مفر منه.» (رشوان، 1992: 107) بمعنی أن الانسان في هذا العالم، حر في اختيار طريق حياته وتشكيل حياته كما يشاء. «إنه يعتبر الحرية القيمة الحقيقية الوحيدة ويعتقد أن الحرية هي أساس كل القيم والمصدر الوحيد المولدة للقيم.» (سارتر، 1386: 30) هذا ما يجعل سارتر أن يعتقد في الحرية المطلقة للإنسان ف«الإنسان حر في اختيار كل شيء إلا العبودية والانعتاق ولا يمكن لأي قانون أن يمنعه من أن يكون حرا.» (خفاجي، 1995: 180-181) وعليه فإن الحرية موجودة في كل حال ولا شيء يمكن أن يدمرها.
الحرية تعني المسؤولية الاجتماعية والالتزام يرتبط مفهوم الحرية في رأي سارتر ارتباطا وثيقا بالمسؤولية وهو ينقسم إلی نوعين فردية واجتماعية؛ فلا تقتصر الحرية على الفرد بل تشمل المجتمع بأسره. يعتقد سارتر أن «الفرد الانساني يختار جميع البشر باختياره.» (سارتر، 1380: 31) وهذا يدل على البعد الاجتماعي وعبر الشخصي للحرية، وأن مصير جميع البشر متشابك بعضهم في البعض. يقول سارتر عن المسؤولية الاجتماعية الإنسانية: «أنا مسؤول عن نفسي وعن البشرية جمعاء و أخلق شكلا معينا للبشرية كما سأكون أنا بنفسي ومن خلال تكوين نفسي، أكون الإنسانية.» (سارتر، 2007: 30) وحرية الناس مترابطة مع بعضهم كما يقول سارتر: «الإنسان ملزم بالسعي من أجل حرية الآخرين كما يسعی من أجل حريته الخاصة لذلك لا يمكن أن تكون الحرية هدفا محددا للانسان اذا لم يعتبر حرية الآخرين هدفا مماثلا له.» (سارتر، 1380: 68-69) أي أن البشر يؤثرون على حياة الآخرين من خلال أفعالهم وهذا يضاعف مسؤوليتهم. إن النهج الملتزم لشعر درويش يجعله يعالج أحزان شعب بلاده ويعتبر مصيرهم مصيره. وهو يحمل نفسه المسؤولية حيال جميع الفلسطينيين ويسعی من أجل حريتهم و الشاعر الذي لا يبالي بقضايا بلاده خائن للوطن في نظرته ويعتبر أن مهمة الشاعر هي التعاطف مع الفقراء.: يَا رفَاقِيَ الشُعَرَاء! / قَصَائِدُنَا، بِلا لَونٍ / بِلا طَعمٍ ... بِلا صَوتٍ! / إذَا لَم تَحمِل المِصبَاحَ مِن بَيتٍ إلی بَيتٍ / وَإن لَم يَفهِم «البُسَطَاءُ» مَعَانِيهَا / فَأولی أن نُذَرّيهَا / وَنَخلُدَ نَحنُ ... لِلصَمتِ. (درويش، 2005: 1/63) يشعر شاملو أيضا بالمسؤولية أمام مجتمعه وشعب وطنه ويحاول أن يكون مع الناس الذين ترعرع بينهم. ويعتبر مهمة الشاعر التعبير عن آلام الناس العاجزين الذين انحنت ظهورهم تحت وطأة أحذية الطواغيت: هو يكتب الشعر، أي إنه يلمس جراح المدينة القديمة / هو يكتب الشعر أي إنه يصرخ بآلام مدينته ومنزله. (شاملو، 1394: 146) يتفق كلا الشاعرين مع سارتر على التنشئة الاجتماعية للإنسان، ويعتبران التزام الأديب بالمجتمع ومعالجة مشاكل الناس بيده كمصلح اجتماعي تمهيدا لتحقيق مفهوم حرية الإنسان. ودرويش يتحمل سنوات من السجن من أجل حرية بلاده لأنه يعتقد أن مصيره مرتبط بمصير بلاده وإنه مسؤول أمام المجتمع بقدر ما هو مسؤول تجاه نفسه. كما أن حرية بلاده هي حريته فلا ينتهك حقوق الضعفاء ويساعدهم.: أنا صَادَقتُ أحذِيَةَ الصَّبِيَةِ الضُعَفَاءِ / أنا قَاوَمتُ كلَّ عُرُوشِ القَيَاصِرَة الأقويا / لَم أبِع مَهَرَتِي فِي مَزَادِ الشُعَارِ المُسَاوِمِ / لَم أذُق خُبزَ نَائِمٍ / لَم أُسَاوِم. (درویش، 2005: 3/ 345) كما أن شاملو لا يعتبر نفسه منفصلا عن الناس ويتنفس في أجواءهم ويتعاطف مع آلامهم، ولا يعتبر نفسه متفوقا على الشعب. و هكذا يفسر الحرية: كن مع الناس، وافهم قلوبهم بقلبك واجعل قصيدتك كلمات تنبثق من قلوبهم: الشعر اليوم هو سلاح الشعب / لأن الشعراء هم أغصان من غابة الشعب / وليسوا زهرة ياسمين أو سنبلة في مشتل شخص ما / شاعر اليوم ليس غافلا عن آلام الخلق المشتركة: /هو يبتسم بشفاه الناس / يزرع آلام الناس وآمالهم في عظامه/ فأنا بحثت في الشوارع و الأزقة و أدركتُ أن كل موضوعات قصائدي تكون الناس كلهم. (شاملو، 1402: 144) النزعة الشعبوية وقبول المسؤولية الجماعية عند درويش وشاملو تمثلان وجهة نظر سارتر الملتزمة بالأدب والمجتمع و أن حرية الإنسان تتحقق من خلال التفاعل والتفكير المتبادل والتفاهم المشترك. يرى درويش الحرية أنها قبول للمسؤولية العامة ويعتقد أن الحرية لن تتحقق فقط من خلال صراخه وجهده، ولكن يجب على جميع الفلسطينيين الوقوف والشعور بالمسؤولية تجاه بعضهم البعض. لذا فإن إرادة الجماعة هي التي تؤدي إلى تفاهم وتعاطف واسعين: فَمِن عَزمِي / فَمِن عَزمِك / وَمِن لَحمِي / وَمِن لَحمِك / نُعَبَّدُ شَارِعَ المُستَقبِلِ الصَاعِد. (درویش، 2005: 73) و كما رأينا في شعر درويش، يلتزم شاملو أيضا بالمجتمع الذي تعيش فيه ويری جميع أفراد المجتمع مرتبطين مع بعضهم. إنه يرى واجبه الرفق بأخيه الإنسان ويحسب قلبه ملاذا لكل من عانی و تألم: تعالوا يا أصدقائي / بآلامكم / وانفضوا عبء آلامكم في قلبي. (شاملو، 1394: 175) إن تعاطف درويش وشاملو مع المجتمع والطبقة الدنيا هو انعكاس للجانب ماوراء الشخصي للحرية من وجهة نظر سارتر التي يتطلب تحقيقها حكمة جماعية. الحرية والخوف ترتبط الحرية ارتباطا مباشرا بالخوف وعندما يتحمل المرء المسؤولية يكون المرء في حالة من الذعر لأنه يدرك أنه وحيد في هذا الطريق. يقول سارتر: «عندما يتحمل قائد الجيش مسؤولية الهجوم ويرسل عددا من الأشخاص نحو الموت يقرر أن يفعل ذلك بنفسه وهو الوحيد الذي يصنع القرار. مثل هذا القائد لا يمكن أن لايشعر بالقلق.» (سارتر، 1973: 32) يُظهر هذا القلق للفرد أنه حر ويجب أن يغير الحالة الأولية والبدائية لماهيته. يجب على الشخص الذي يقبل المسؤولية أن يقاوم الصعوبات ولايقنع نفسه بأنه لا يمكن أن يكون حرا ويتحمل المسؤولية. وفقا لسارتر، الخوف لايتعارض مع حرية الإنسان وارادته فهو يقول: «القلق ليس عقبة أمام العمل وصنع القرار بل على العكس إنه شرط ضروري للعمل.» (سارتر، 1380: 37) يمكن إطلاق صفة الحر علی الشخص اذا تغلب على هذا الخوف ولم يخدع نفسه أو لم يقل إنه لا يستطيع فعل أي شيء لتغيير حياته. يوضح سارتر في رواية "عصر العقل" (Age of Reason) من خلال شخصية بوريس نتيجة الهروب من الخوف: «كان بوريس دائما خائفا من التعرض للسخرية؛ لم يكن يريد أن يخدع نفسه فيفضل عدم قول أي شيء و يتركهم يعتقدون أنه ليس لديه فكرة. فهو كان يری هذه الطريقة أكثر قبولا لطبيعته.» (1960: 162) نتيجة هذا الخوف هي الافتقار إلى الحرية وعدم النمو، لذلك يجب على المرء ألا يخدع نفسه ولا يتحدث عن عدم القدرة على الكلام. يعتقد درويش أن للإنسان الحق في الاختيار ويمكنه أن يعيش حياة راكدة طبيعية رتيبة مع الخوف و يمكن يجعل نفسه عرضة للقدر أو يهزم هذا الخوف ويواجه بنفسه عاصفة أحداث الحياة ليغير ما هو عليه. بالنظر إلى روحه الإنسانية والملحمية فهو لا يخاف من الخطر ويفضل متعة تحقيق الحرية مع الخوف علی القدرية: أختَارُ يَا اِبنَ اللهِ ... أيَّ سَبِيلٍ؟ / أأكفُرُ بِالخِلاصِ الحلو / أم أمشِي؟ وَلَو أمشِي وَأحتَضِرُ؟ / أقولُ لَكم: امَاماً أيُها البَشَرُ!. (درويش، 2005: 1/166) اما شاملو بسبب هيمنة الروح الملحمية، يعتبر الإنسان حرا في أن يتهرب من المسؤولية ويقنع نفسه بأنه لا يستطيع اختيار مسار حياته بإرادته الحرة فيقتنع بماهية محددة سلفا أو يمكنه التغلب على قلقه واختيار طريق خطير يمنحه مجد الحرية: يمكن قيادة السفينة على البحر بأي شكل من الأشكال / يمكنك قيادة قارب في حالة سكر برفقة حبيب في عزلة البحر الهادئة / تحت نظرات القمر و مع أغنية الملاح يمكن عزف السيتار(سه تار) و تقبيل شفة / ولكن في تلك الليلة أيضا ينهض الصياد البطل / الذي يرفع شراعه تحت عيون العاصفة / على منحدر الهاوية المظلمة من أمواج البحر المخيفة / لإخراج ولادة الحياة و نهرها من فم الموت. (شاملو، 2015: 169) هذه الروح الملحمية لدرويش وشاملو هي انعكاس واضح للروح المتمردة لسارتر الذي يرى الحرية مظهرا للتغلب على الخوف والتحرك نحو مجهولات عالم مفتوح لا نهاية له. امتزجت العاطفة الملحمية بروح درويش، و هو ينطلق من أجل الحرية في طريق خطير يخلق خوفا كبيرا في وجود كل إنسان لكن روحه المتمردة تدرك قيمة الحرية وتتغلب على القلق ولاتتهرب من المسؤولية التي يتحملها وتشرع في خوض مغامرة كبيرة: عَلَيّ أن أنسَی لِأنفَضَ عَن يَدِيّ سَلاسَلَ الطُّرُقَ الكثِيرَة / وَعَلَيّ أن أنسَی هَزَائِمِي الأخِيرَة كي أرَی أفُقَ البِدَايَة. (درویش، 2005: 3/ 95) يرى شاملو الحرية أنها هي الشجاعة في مواجهة العالم الخارجي والحرية في رأيه هي القتال ببسالة في ساحة الوجود. والانسان الذي يقصده شاملو هو شخص يختار ويُسهّل الطرق الوعرة لإرضاء روحه المغامرة والمتلهفة: جلس رجل من خوف رياح الأحداث / انطلق رجل من صاعقة الأحداث / هذا اختار العار واتخذه درعًا / وذاك أسرع نحو الشرف بدون درع. (شاملو، 2015: 319) هذه النظرة المشتركة في شعر درويش وشاملو حول الحرية المحفوفة بالمخاطر مظهر من مظاهر تأكيد سارتر على تقدم الوجود الإنساني وتغيير الماهية البشرية طوال الحياة وأن الإنسان هو صانعه الفريد. من يصبح مسؤولا عن حرية الآخرين فهو يواجه الخوف؛ يعتقد درويش أن الطريق إلى الحرية هو اجتياز الخوف وتحمل أعباء المسؤولية. وهو يعتقد أن حريته وحرية الفلسطينيين تعتمد على مقاومة الظروف الصعبة التي فرضها العدو عليهم: ألو ... أريدُ مُحَمَدَ العَرَب / نَعَم! مَن أنت؟ / سِجِينٌ فِي بَلادِي / بِلا أرضٍ / بِلا عَلَمٍ / بِلا بَيتٍ / رَموا أهلِي إلی المَنفَی / وَجاؤوا يَشتَرونَ النَارَ مِن صَوتِي / لِأخرُجَ مِن ظَلامِ السِجن ... / مَا أفعَلُ؟ / -تَحدَّ السِجنَ وَالسَجّانَ / فَإن حَلاوَةَ الإيمَانِ / تُذِيبُ مَرَارَةَ الحَنظَل!. (درویش، 2005: 1/166) شاملو يمتلك شخصية متمردة وشجاعة ومغامرة لايخاف من السجن والتعذيب ويتحمل مصاعب الحياة من أجل تقرير مصيرها وتحقيق مجد الفردية فيثبت أنه موجود في هذا العالم، ومن خلال اجتياز العقبات والتغلب على الخوف من المسؤولية يحقق الحرية فيستحق التبجيل: والآن أنا الذي اجتزتُ كل تحيراتي وصولا إلى قمة جُلجتا هذه / الآن أنا الذي قد خلعت مسمار الصليب من راحة يدي بأسناني / والآن أنا من يدوس برجله الصليب المقلوب واقفا مرفوع القامة كارتفاع الصراخ. (شاملو، 1394: 41) هذه الفردية واحترام الذات لدى درويش وشاملو هي مظهر من مظاهر أصالة الوجود التي يؤكد عليها سارتر ويعتقد أن حرية الإنسان تعتمد على منحه وجودًا مستقلًا وديناميكيًا ينبعث من قدرته على السير في طريق الكشف والمغامرة. الحرية: عدم الإيمان بالقوى الميتافيزيقية ينكر سارتر وجود الله ويعتبره انتهاكا للوجود الإنساني ويقول عن هذا: «لا أستطيع أن ألجأ إلى الله كأساس للحق والفضيلة لأن الله، وفقا لقول نيتشه، قد مات. ألاحظ أنني المصدر الوحيد لأي معنى أو حقيقة أو قيمة يمتلكها عالمي.» (سارتر، 2007: 43) يرى سارتر أن الإنسان هو سيد مصيره ولم يخلقه أي خالق. يقول في مسرحيته الشيطان والله: "الإنسان وحده هو منبع المعجزات. لايوجد أحد سواي وأنا أقرر أن أفعل شيئًا سيئًا أو أن أكون مصدر الخير. أنا من أتهم نفسي وأنا الوحيد الذي يغفر لنفسي. أنا إنسان و إذا كان الله موجودا فإن الإنسان لا يساوي شيئا". هذا النوع من التفكير يجعل الناس يعتمدون على البشر وقدراتهم وحقهم في الاختيار بدلاً من الإيمان بالميتافيزيقا وخلق الملاحم. «بناءً على فكرة سارتر، لم يتغير شيء حتى بافتراض وجود واجب الوجود. يقول: "الوجودية تؤمن بأن البشرية محكوم عليها بخلق الإنسانية في أي لحظة دون أي دعم وبدون أي مساعدة".» (سارتر، 2010: 41) أي أن الإنسان لا يستطيع التغلب على مشاكله بالقوى الغيبية بل يجب عليه الاعتماد على جهوده الخاصة. رغم أن درويش ليس شاعرًا دينيًا لكن إلحاد سارتر وجرأته لا يظهران في فكره فيما يتعلق بالإيمان بالله لكنه بسبب معاناة التشرد و احتلال فلسطين،في وقت ما، يشعر بالحزن والغضب واليأس من أي قوة خارقة للطبيعة ويعتقد أن سر الانتصار هو الاعتماد على نفسه فقط و يفضل القوة البشرية على مساعدة الغيب ويعتبر الحرية نفيا للإيمان بمساعدة قوة غيبية: نَحنُ لِلنِسيَانِ قَد جِئنَا تَقدِيمَ المَدَائِحِ / لِإلهٍ فَرَّ مِن خَيمَتِنَا / وَاختَفَی حِينَ خَرَجنَا نَجمَعُ الصَيدَ لَهُ. (درویش، 2005: 3 / 26) يعيش شاملو في ظروف سياسية واجتماعية صعبة ، والاستبداد يؤذي روحه الثائرة، وبسبب الاختناق وانعدام الحرية فهو غاضب ويعتبر أي قوة غير الإنسان أسطورة. في تفكير شاملو كل الأشياء تتمحور حول الإنسان وكل تغيير يتم بواسطته وليس بواسطة قوى غيبية: أليس الإنسان معجزة؟ / إنسان .. الشيطان الذي أسقط الله وسَجنَ الدنيا وحطمَ السجون! مزقَ الجبال، وكسر البحار، وشرب النيران وحوّلَ المياه إلى رماد. (شاملو، 2014: 273) إن إيمان درويش وشاملو المشترك بإنكار الأساطير وعدم الإيمان بالقوى خارج كوكب الأرض هو انعكاس لتفكير سارتر الإلحادي وإنكاره لواجب الوجود ولكن صراحة كلام شاملو في هذا السياق أقرب كثيرًا إلى جرأة سارتر. في قصائده الملحمية ينتقد درويش أولئك الذين وقعوا في أسر الحتمية وبدلاً من الاعتماد على إرادتهم اعتمدوا على مساعدة خارقة للطبيعة ودعوات من أجل الحرية. وهو يسخر من الخيال البعيد لبعض أبناء وطنه ويعتبر أنه من خداع الذات الأمل في قوة أخرى غير الإرادة البشرية: هذه أصنَامُكم فَلتَعبدوهَا مِثلَمَا شِئتُم. كلُوا التَّمرَ. كلُوا أسمَاءَنَا. (درويش، 2005: 3/28) إن مقاربة شاملو الواقعية للوضع السياسي والاجتماعي تجعله يكره الأسطورية ويعتبرها عدوًا لاستقلاله الوجودي. من وجهة نظره ، الإنسان المعاصر هو رب حياته، وكل ما يحدث له هو نتيجة اختياره وإرادته الحرة: آه / هؤلاء الناس يبحثون عن الحقيقة في الأساطير فقط/ أو لايعتبرون الحقيقة إلا نوعا من الأسطورة / وناري لم تشتعل فيهم/ لأنني قلت آخر كلمة عن السماء / دون أن أذكر اسم السماء بنفسي. (شاملو، 2014: 587) إن إجماع درويش وشاملو على أن الإنسان هو الخالق والباني الوحيد لذاته هو مظهر واضح من مظاهر تأليه سارتر للإنسان الذي يعتقد أن وجود الإنسان وإرادته مستقلان وخاليان من أي اعتماد على إرادة الله. بعد حرب الأيام الستة بين إسرائيل والعرب ، طغى اليأس على فلسطين وشعراء المقاومة لفترة من الزمن ، وبعد مصالحة بعض الدول العربية مع إسرائيل، شعر الفلسطينيون بالوحدة أكثر ، واستنتجوا هم ودرويش أن بلادهم تُركت وحيدة في هذا العالم كما نسيهم الله وفقط إرادة الفلسطينيين يمكن أن ينقذهم: نَامِي .... عُيُونُ اللهِ نَائِمَة / عَنا، / وَأسرَابُ الشَحَارِير / وَضَمَادُ جُرحك زَهرَةٌ ذَبَلَت! / فِي السَفحِ مَهجُور / لَكنَّ عَينَ أخِيك سَاهرَةٌ / خَلفَ الضبابِ، وَوَحشَةَ السُورِ / وَفُؤادُهُ مُلقی عَلَی جَسَد. (درویش، 2005: 1/ 33) وفقًا لشاملو، الإنسان هو حاكم العالم وينتصر على الجميع بقوته ولامعنى للقوة غير الإنسان سواء كانت أرضية أو سماوية. ويذكرنا تأليه شاملو البشر بأفكار سارتر الإلحادية التي تعتبر الإنسان إله هذا العالم: في الشارع / و علی ظهر علبة سيجار/ كتب شاعر أستاذ هذه الملحمة بدافع من اللحظة: / الإنسان هو الله/ هذا ما اقوله / إذا كان هذا تجديفًا أو حقًا خالصًا فإن الإنسان هو الله. (شاملو، 2014: 428) إن النزعة المادية لدرويش وشاملو تجاه القيمة الوجودية للإنسان وحقه في الاختيار والحرية متجذرة في عقلانية سارتر وتأكيده على الأحاسيس والعواطف الإنسانية التي تعتبر حقيقة العالم مقصورة على الأشياء التي يتم القيام بها من قبل البشر، والإرادة الإلهية والحكمة فيه ينفي تحديد مصير الإنسان. الحرية: الانتقال من الوجود إلى الصيرورة يعتقد سارتر أن ماهية الانسان قابلة للتغيير وانسيابية فيقول "الإنسان موجود أولاً، إنه موجود في هذا العالم ، ويواجه نفسه وهو ما يخلقه بنفسه، ولديه إمكانية أن يصير (صيرورة)، إن الإنسان ليس سوى سلسلة من الإجراءات ، أو جهاز ، أو مجموعة العلاقات التي تخلق هذه الأفعال. (سارتر، 1973: 42) أي أن الإنسان يشكل الخميرة التي يريدها بالعمل والجهد المستمرين وينتقل من حالة ثابتة إلى حالة امتياز. يقول سارتر عن دور الإنسان في تشكيل حياته: «الإنسان ليس سوى خطته. لا وجود للإنسان إلا بالقدر الذي يحقق فيه خططه.» (سارتر، 2018: 51) هذا التخطيط يجعل الإنسان يجتهد من أجل ازدهار مواهبه ويتجنب الكسل ويلقي بنفسه في الطريق الخطير. «الحقيقة تقوم على تحول الإنسان والعالم، والإنسان يوجهها ويخلقها بأفعاله.» (سارتر، 2010: 12) يقول سارتر في كتاب الذباب: «لا أريد أن أتبع أسلوبًا آخر غير طريقي ويجب على كل شخص أن يبتكر أسلوبه الخاص.» (سارتر، 1353: 127) لذلك لا يؤمن الإنسان الحر بماهية محددة سلفًا ويصنع مستقبله بمشاريعه وخططه الجديدة. وفقًا لدرويش، يمكن لأي شخص أن يتذوق طعم الحرية من خلال المحاولة والمخاطرة باستمرار ويجب أن يعرف أنه وحده في هذا الطريق ومقاومته و إرادته سوف تنقذه من الأسر. لذلك على المرء أن يتقدم باستمرار ويتحمل المصاعب: إنَنِي مَندوبُ جُرحٍ لا يُساوِمُ / عَلَمَتنِي ضَربَةُ الجَلّادِ أن أمشِي عَلَی جُرحِي / وَأمشِي ... ثُمَ أمشِي / وَأقَاوِم!. (درويش، 2005: 1/219) شاملو هو الفارس الذي يدعو في العصر الجديد إلى وحدة وعظمة الإنسان ويلخص الإنسانية في العمل والديناميكية. يجب على الرجل الحر من وجهة نظره أن يركب الخطر وليس الاعتماد على الأمن المتكرر لأن الطبيعة البشرية يجب أن تمضي قدما: أنت تختار عيش الراحة والامن ولكني سأواجه الموقف / خُذ مكانًا آمنًا / وانا سأسلك طريق الخطر!. (شاملو، 1394: 690) الحركة المستمرة في مسار التميز لدی درويش وشاملو تنبعث من فكرة سارتر عن تقدم الوجود على الماهية والتي تنسب المرونة والتحول إلى الماهية ولا تعتبرها عملية تلقائية تتم برمجتها من قبل شخص بل استقلال الوجود الإنساني يلهم له أن يشكل كيانه الخاص بحرية كما يشاء. و درويش لديه إرادة فولاذية، وهو يعتبر الإنسان مركز كل التفاعلات في العالم. من وجهة نظره ، الإنسان هو سيد نفسه ويبني نفسه ومستقبله بقدراته. و مفتاح النصر والحرية هو الخروج من حالة الوجود الی الصيرورة ، وهذا يتوقف على نسيان الماضي والتخطيط للمستقبل: صَنَعتُ أُلوهَتِي / بِيَدِي، آلِهَةُ القَطِيعِ مُزَيّفَة. / السِرُّ فِي الإنسَانِ، / وَالإنسَانُ سَيّدُ نَفسِهِ وَسِيدُ نَفسّهِ وَسُؤالِه / لا عِلمَ إلّا مَا يَرَاه الآنَ، / وَالمَاضِي دُمُوعٌ مُترَفَة. (درویش، 2005: 3/ 76) يعتبر شاملو ماهيته ظاهرة ديناميكية وسلسة تنمو، وهو إنسان يسعى إلى تطور كيانه ويتجنب التوقف في الماضي ويسعى إلى شكله النهائي في المستقبل ويستكشف الكرامة في تحديث كيانه: أليس / لا أحد / هل كان كافياً أن أصير قدري؟ / أنا / صرخت فقط / لا! / تعبت من الغرق / أصبحت صامتًا / كنت صوتًا / - شكلًا بين الأشكال - / ووجدت معنى. / لقد نشأت / وأصبحت / ليس مثل برعم / زهرة / أو جذر / أو مثل برعم / أو بذرة / أو مثل غابة- / بل حقيقيا / مثل رجل عادي / شهيد / حتى تصلي له السماء. (شاملو، 1394: 728) هذه النظرة المشتركة لدی درويش وشاملو بأن الإنسان يكتسب حريته على أساس تحوله الخاص هي مثال واضح على تأكيد سارتر على المستقبلية والمثالية التي تجعل الإنسان يسعى جاهدا لاستخدام موارده الخاصة. حرية التمرد على الوضع الراهن سارتر ليس غافلا عن تأثير العوامل البيئية على صنع الإنسان ويعتبر الإنسان نتاج العالم من حوله فيقول: «الانسان قبل أن يكون كائنا يصنع نفسه، هو كائن من صنع الطقس والأرض والعرق والطبقة والوقت والتاريخ والمجتمع الذي هو جزء منه.» (سارتر، 1977: 441) لكن هذا لا يتعارض ولا ينتهك حرية الإنسان. الحرية من وجهة نظر سارتر يعني عدم الاستسلام للظروف الحالية. «ينتقد سارتر فكرة أننا غير قادرين على تغيير وضعنا الراهن وطبقتنا الاجتماعية وأمتنا وعائلتنا وأنه ليس لدينا حرية في اكتساب القوة والثروة وأننا لا نستطيع السيطرة على شهواتنا ورغباتنا ويعتبرها فشلا كبيرا.» (سارتر، 1966: 614) إنه يعتقد أن الماهية البشرية ليست محددة سلفا وأن الإنسان لديه القدرة على تغيير ظروفه الحالية. يقول سارتر عن دور الإنسان في تغيير بيئته: «الإنسان هو الذي يعطي معنى لبيئته سواء أصبحت البيئة عاملا مدمرا أو مساعدا، فإن ذلك يعتمد على اختيار خطتي.» (سارتر، 1977: 509) وعليه فالحرية انتفاضة للوصول الی التحول وتغيير الوضع الراهن وتحقيق التميز في المستقبل. ويرى درويش الحرية على أنها انتفاضة ضد الوضع الراهن وينتقد الفلسطينيين الذين هم على استعداد لتقديم تنازلات. إنه يوبخ المؤمن بمصير محدد سلفا ويذكره بحق الإنسان في اختيار أن الطبيعة البشرية تتغير بإرادته. لذلك الحرية لا تتحقق بالركود واليأس ولكن عليك أن تتمرد على كل ما هو موجود: إنّا حَمَلنَا الحُزنَ أعواماً وَمَا طَلَعَ الصَبَاحُ / وَالحُزنُ نَارٌ تُخمِدُ الأيَامُ شَهوَتَهَا / وَتُوقِظُها الرِيَاحُ / وَالرِيحُ عِندَك، كيفَ تُلجِمُهَا؟ / وَمَا لَك مِن سِلاحٍ / إلّا لِقَاءُ الرِيحِ وَالنيرانِ. (درویش، 2005: 1/ 68) إن روح شاملو التي لا تقهر تبحث عن الحرية في الحركة والتمرد وتعتبر الخضوع مصدر خزي الإنسان و تری تمزيق ستار الصمت والكسل والمصالحة دليلا على حرية الإنسان، و هو بنبرة ساخرة يحث الناس المحاصرين في قبضة الاستبداد واليأس على التمرد في وجه هذا الوضع البائس: أينما يختبئ الخوف والجشع والرقص / أينما يوجد الموت / أينما يعاني الإنسان ليل نهار / أينما يصرخ الحظ الثائر / أينما يتحول الألم نحو الإنسان / أينما تتحدی الحياة شخصا حيًا للقتال / أخرِج من الغمد/ نصلا ذا حدين / قد صُنع من قوتك وضعفك !. (شاملو، 1394: 151) إن موقف درويش وشاملو الملحمي ورؤيتهما المشتركة حول ضرورة إيقاظ الناس وعملهم للمطالبة بحقوقهم هو مظهر من مظاهر فكرة سارتر التي يعتبر الإنسان مخلوقًا يهرب من الركود، ونظرته إلى الأمام تجعله يكسر باستمرار كل الأعراف من أجل تغيير وضعه الحالي. من وجهة نظر درويش، ليس للإنسان دور أو سلطة في اختيار أن يكون أبا أو فقيرا أو مولودا غنيا ولكن يمكنه تغيير ظروفه الحالية وتتويج نفسه ورفع مكانته. إنه حر لأن له الحق في الاختيار وهذه هي الفردية وأصالة الوجود: لا شأنَ لِي فِي أصلِ أُمّي / سَيّانِ، إن كانَت أمِيرَة / أو فَقِيرَة. / أنا واحدٌ / أحَدٌ / مَلَك. (درویش، 2005: 1/ 78) اما السمة المميزة لشاملو هي التمرد فهو لا يؤمن بذاتية مسبقة الصنع بل ينكر أن يرث الانسان السلوك البشري من أسلافه. إنه يتخلص من كل الأمور الساكنة ويرى ماهيته كعنصر ديناميكي لا يتم نسخه من خصائص الماضي: لأني أكره كل ما معكم ، وكل ما كان مرتبطًا بكم / من أطفالي و من والدي / من أحضانكم ذات الرائحة الكريهة /و من أيديكم التي قد صافحت يدي مرارا لغرض الخداع / من غضبكم ولطفكم / ومن جسدي الذي ورث تشابها من أجسادكم من دون إرادتي. (شاملو، 2014: 305) إن هذا النهج الملحمي والنقدي لدرويش وشاملو تجاه الوضع القائم وتجنبهما الحتمية تقترب من نظرة سارتر في عدم إيمانه بالطبيعة الثابتة وهو يعتبر الإيمان باستقرار الطبيعة البشرية انتهاكًا لحريته وحقه في الاختيار، و في هذه الحالة تكون لغة شاملو أكثر حدة وصراحة من لغة درويش وترتبط بالفردانية والنرجسية. الحرية تعني الموت و العدم بالنسبة لسارتر الموت هو الموضوع الذي يقود الإنسان إلى استنتاج مفاده أنه كائن حر. ويقول عن العلاقة بين الموت والحرية: «هنا يحيط العدم بالكون بشكل واسع و ذلك في لحظة من الوجود، والعدم يشبه شيئا جاء من خارج العالم.» (سارتر، 1966: 22). التفكير في الموت يجعل الإنسان يعرف أنه ليس لديه متسع من الوقت في هذا العالم، أنه حر في تجريب طرق مختلفة للوصول إلى أهدافه حتى تأتي وفاته. يعتقد سارتر أن موت الإنسان هو عودته إلى الماضي ويقول: «وقت الموت، نفكر بما كنا عليه منذ البداية لكن لم تعد لدينا الفرصة لنصبح ما ينبغي أن نكون.» (سارتر، 1389: 140) عقلية الموت هذه تخلق نوعًا من الخوف في الشخص حتى يقدر اللحظات والفرص وتصبح حياته هادفة. يعتقد سارتر أنه «كلما كانت الحياة أكثر عبثية أصبح الموت لا يطاق.» (سارتر، 2010: 88) لذا فإن فكرة العدم تجعل مفهوم الحياة ذا معنى وقيِّما بالنسبة للإنسان ويحثه على بذل الجهود. درويش شاعر ملحمي لايخاف الموت لأسباب دنيوية لكنه يعرف أن الحياة قصيرة وأن الإنسان حر ويختار ما دام يعيش في هذا العالم فخوفه من الموت لا يسبب له العزلة واليأس بل يعزز إيمانه بأنه حر وأن هناك خيارات وطرق مختلفة له الحق في اختيار أحدها لتقرير حياته ومصيره ومستقبله، لأنه لاخيار بعد الموت وبالتالي ليست هناك حرية: كانَ عُمراً قَصِيراً / وَ مَوتاً طَوِيلاً / وَأقَفتُ قَلِيلاً / وَكتَبتُ اِسمَ أرضِي عَلَی جُثَّتِي / وَعَلَی بُندُقِيَّة / قُلتُ: هذا سَبِيلِي / وَهذا دَلِيلِي / إلی المُدُنِ السَاحِلِيَة. (درویش، 2005: 2 / 36) شاملو هو أيضا شاعر ملحمي والموت في معجمه لا تفوح منه رائحة الخوف، بل هو مفهوم مولد يعطي معنى للحياة البشرية ويشرح مفهوم الحرية. وهو يعتبر الحياة بمثابة لحظة يجب أن يستكشفها بوعي ويصل إلى ما يريد فالحياة في نظرته: بحثٌ / وإيجادٌ / ثم اختيار ما تريد / وأن تلقي من عاتق نفسك الأعباء والاحمال- / فإذا كان الموت أكثر قيمة من كل هذا. هيهات أن أخاف الموت أبدًا. (شاملو، 2014: 460) إن نظرة درويش وشاملو الإيجابية والعقلانية للموت وعلاقته بمفهوم الحرية هي انعكاس لوجهة نظر سارتر بأن الموت وما ينتج عنه من خوف هو سبب وعي الإنسان بوجوده المستقل مما يؤدي إلى فهم واقعي للحياة والعالم من حوله واستخدام الإمكانيات المتاحة قدر الإمكان لتفجير الطاقة الكامنة في طبيعته. بسبب الخوف من الموت، يدرك درويش أنه تُرك وحيدًا في هذا العالم لاختيار الخيارات المتاحة ليعبر إلى مستقبل توجد فيه أية احتمالات. إنه يعلم أن فرصته في هذا العالم محدودة لذلك يجب عليه أن يختار في زمن حياته ويلبي رغباته وإلا فإنه سيفضل الموت على الحياة التي ليس لديه فيها إرادة أو خيار: يُخَيّلُ لِي أنّ عُمرِي قَصِيرٌ / وَأني عَلَی الأرضِ رائِحٌ / وَلَو بَقِيَت فِي دَمِي / نَبضَةٌ وَاحِدَة / تُعِيدُ الحَيَاةَ إلَيَّ / لَو أني أُفَارِقُ شَوقَ مَسَالِكنَا الصَاعِدَة / لَقُلتُ: أُدفُنُونِي حَالاً / أنا تَوأمُ القِمَةِ المَارِدَة. (درویش، 2005: 1/ 172) كما يعتبر شاملو الموت بلورة للحرية وهو موت يُظهر أن للإنسان إرادة وسلطة تفصله عن ماهيته الثابتة. إنه يرى الحياة بدون اختيار واع كأسرٍ مهين وفيرى الموت معنى للحياة البشرية ودليلا على الحرية: وعندما تجدف الطيور المهاجرة في البحيرة المقمرة/ يا للسعادة أن تغادر و تبتعد/ نوم آخر بمستنقع آخر! / يا للسعادة أن تطير، أن تتخلص/ يا للسعادة أن تموت حرّا حتی لو لم تعش حرّا. (شاملو ، 2015: 545) إن الظروف الاجتماعية والاختناق السياسي السائد في المجتمعين الفلسطيني والإيراني تجعل فكرة الموت لدی درويش وشاملو رمزا للمقاومة وطريقا مؤديا إلى الحرية الوجودية للإنسان، وتجعلهما يتفقان مع سارتر في أن العالم ليس مكانا للجبناء وأن البصيرة الناتجة عن الخوف من الموت تدفع الانسان إلى القيام بالاعمال و بذل الجهود والاختيار بحرية. النتیجة بناء على ما توصل اليه البحث ينظر درويش وشاملو إلى الحرية بنهج فلسفي وكلاهما يعبران عن أفكار سارتر الوجودية بلغة الشعر. يعكس الموقف الإنساني لدرويش وشاملو آراء سارتر حول الالتزام والمسؤولية الاجتماعية وتقدم الوجود على الماهية وتحول الماهية البشرية وأصالة الوجود ونفي القوى الغيبية والتخطيط ومحاولة من أجل التطور، والخوف والتفكير في الموت والاستبصار. تجلت مظاهر حرية سارتر بشكل كامل في قصائد كلا الشاعرين لكن نهج شاملو يأتي أكثر وضوحا وصراحة في إبراز بعض المكونات الوجودية لمفهوم الحرية ويبدو أقرب إلى أفكار سارتر. على سبيل المثال فيما يتعلق بعلاقة الحرية بنفي القوى الخارقة للطبيعة ، فإن شاملو يظهر أكثر جرأة، ومثل سارتر، ينكر وجود واجب الوجود ويعتبر الإنسان خالق نفسه. كما أنه في تبيين العلاقة بين الحرية والتمرد على الوضع الراهن نجد شاملو أكثرحدة وصرامة في التعبير عن مواقفه حول تقدم الوجود البشري على ماهيته ونفي الحتمية والإيمان بالماهية المحددة مسبقا. إن الظروف الاجتماعية السيئة للفلسطينيين بعد الاحتلال والقمع الصهيوني، والتهجير والنفي والفقر الاقتصادي والفكري والاستبداد الداخلي في إيران في عهد بهلوي كلها أسباب تعزز الرغبة في الحرية لدی درويش وشاملو وتجعل النهج الملحمي يسيطر على قصائدهما وتضع الانسان في مركز كل الشؤون حيث يأخذ الشاعران مفهوم الحرية إلى ما هو أبعد من مستوى الحقوق الفردية والاجتماعية ويعتبرانها سببًا للتميز البشري. إن تجربة السجن والتعذيب والمقاومة و معارضة الظلم تُلهم درويش وشاملو أن الإنسان هو مركز كل الشؤون وأن الحرية لا تتحقق إلا بيديه ولا يولد أي إنسان أسيرًا أو عبدًا وهو الذي يصنع مصيره ويفجر الطاقات الكامنة في وجوده. | ||
مراجع | ||
الخفاجی، محمد عبدالمنعم. (1995م). مدارس النقد الأدبي الحديث. ط1. لامك: الدار المصرية واللبنانية. درویش، محمود، الدیوان. (2005م). الأعمال الأولی. ج4. ط1. بیروت: ریاض الریس للکتب والنشر. رشوان، محمد مهران. (1992م). مدخل إلی دراسة الفلسفة المعاصرة. الفجالة: دار الثقافة للنشر والتوزیع. سارتر، ژان پل. (1380ش). اگزیستانسیالیسم و اصالت بشر. ترجمه مصطفی رحیمی. تهران: قطره. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (1348ش). اگزیستانسیالیسم یا مکتب انسانیت. ترجمه حسینقلی جواهرچی. چ3. تهران: مؤسسه مطبوعاتی فرخی. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (1386ش). بازپسین گفتگو. ترجمه جلال ستاری. تهران: نشر مرکز. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (1378ش). روانکاوی وجودی. ترجمه احمد اسعدی نژاد. تهران: جامی. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (1960م). سن الرشد. ترجمة سهيل ادریس. ط1. بیروت: دار الأدب. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (1353ش). مگسها. ترجمه سیما گویان. چ1. لامك: مازیار. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (1389ش). هستی و نیستی. ترجمه عنایتالله شکیباپور.تهران: دنیای کتاب. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (1966م). الوجود والعدم، عبدالرحمن بدوي. بیروت: منشورات دار الأدب. شاروني، حبيب. (د. ت). فلسفة جون بل سارتر. الاسکندرية: منشأ المعارف. شاملو، احمد. (1394ش). مجموعه آثار احمد شاملو (دفتر یکم). چ12. تهران: نگاه. کامل، فؤاد. (1993م). أعلام الفکر الفلسفي المعاصر. ط1. بیروت: دار الجیل. نوالی، محمد. (1373ش). فلسفههای اگزیستانست و اگزیستانسیالیسم تطبیقی. چ1. تبریز: دانشگاه تبریز. منابع انگلیسی
Sartre, Jean Paul. (1973). Existentialism & humanism. EVRE METHVEN LTD. London. _____________. (1977). Being & Nothingness, An Essay on Phenomenological Ontology, Tr. by Hazel E. Barnes, Newjersy: Citadel press. _____________. (1966). Being and Nothingness. Translated by Hazel E. Barnes, University of Colorado. _____________. (2007). Existentialism is a Humanism. Translated by Card Macomber, Yale University Press.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,721 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 143 |