تعداد نشریات | 418 |
تعداد شمارهها | 10,002 |
تعداد مقالات | 83,589 |
تعداد مشاهده مقاله | 78,176,684 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 55,202,757 |
السرد البولیفوني في روایة "دفاتر الورّاق" لجلال برجس علی ضوء نظریة "میخائیل باختین" | ||
إضاءات نقدیة فی الأدبین العربی و الفارسی | ||
مقاله 1، دوره 13، شماره 50، شهریور 2023، صفحه 9-36 اصل مقاله (653.98 K) | ||
نوع مقاله: علمی پژوهشی | ||
نویسندگان | ||
مجید صالحبک* 1؛ مائدة ظهري عرب2 | ||
1أستاذ مشارك، قسم اللغة العربیة وآدابها، جامعة العلامة الطباطبائي، طهران، إیران | ||
2طالبة مرحلة الدکتوراه في اللغة العربیة وآدابها، جامعة العلامة الطباطبائي، طهران، إیران | ||
چکیده | ||
الروایة البولیفونیة هي الروایة التي نجد فیها اختفاء الرواي لصالح الشخصیات التي تتولی عملیة السرد والخطاب بنفسها وتعبر عن ذواتها وأفکارها وخلجات نفسها بحریة وهذا ما عبر عنه النقاد بالسرد البولیفوني. نواجه السرد البولیفوني في روایات أدب الحداثة وما بعد الحداثة وذلك باعتبارها انزیاحا عن الروایة التقلیدیة واتسامها بتعدد الأصوات في مستویات مختلفة. وظاهرة تعدد الأصوات داخل الروایة الجدیدة هي من أهم سمات الروایة البولیفونیة حیث یعد التعدد الصوتي واللغوي من أهم المفاهیم التي بحث عنها المنظر الروسي، "میخائیل باختین". ولا شك أن النص الروائي البولیفوني یعتبر نوعا جدیدا من النصوص الأدبیة وله أهمیة قصوی في تشکیل لغات وأصوات معارضة ذات انتماءات ثقافیة واجتماعیة مختلفة وفي جعل الروایة مسرحیة تتفاعل فیها الشخصیات الروائیة. وعلی هذا الأساس، یهدف هذا البحث إلی دراسة السرد البولیفوني في روایة "دفاتر الورّاق" للروائي الأردني "جلال برجس" علی ضوء نظریة میخائیل باختین وبالنظر إلی أن هذه الروایة تحتفل بتعدد الأصوات نطمح في هذا البحث أن نبین أسس البولیفونیة من خلال تطبیق المقومات البولیفونیة علی النص الروائي وبما أن الموضوع یستحق الکشف والترکیز علیه من جوانب متعددة حاول البحث التعمق في هذه الروایة من خلال ملامحها البولیفونیة، مستنتجا بأن النص الروائي عند جلال برجس ينفتح علی تعدد الشخصیات، تعدد أنماط الوعي، تعدد الإیدیولوجیات وغیرها التي تُعدّ من مکونات السرد البولیفوني. | ||
کلیدواژهها | ||
السرد البولیفوني؛ میخائیل باختین؛ جلال برجس؛ دفاتر الورّاق | ||
اصل مقاله | ||
تحتل الروایة مکانة خاصة في الأدب العربي باعتبارها إحدی الأنواع الأدبیة الأکثر إقبالاً عند القرّاء. وبما أن الروایة تعتمد علی الواقع المعیش إلی جانب الخیال والفن والجمال، فإن القراء یمیلون إلیها علی نطاق واسع وینغمسون في عالمها المثیر والجذاب وکأنهم یسافرون إلی زمان ومکان الروایة ویعیشون علی هیئة شخصیات الروایة ویرون أنفسهم في تلك الشخصیات. وفي الواقع تفتح الروایة عالماً جدیدا أمام المتلقي ونری أن الروائي یجذب القارئ ویحثه علی متابعة أحداث الروایة بشغف. علما بأنّ النقطة الأساسیة هي خروج الروایة العربیة من شکلها القدیم والکلاسیکي واتخاذها شکلاً جدیداً یلائم العصر. وهو أمر حدث فعلاً في حقبات زمنیة مختلفة تتبین من ظهور أسالیب واتجاهات وتیارات أدبیة حدیثة وبناء علی ذلك بدأت الروایة تتخطی القدیم وتتغیر أشکالها وأسالیبها بسبب صلتها الوثیقة بالمجتمع وقضایا الإنسان، ممّا أدّی إلی اهتمام وتوجه النقاد إلی فن الروایة بأسالیبها الحدیثة. ومن بین الروایات ذات الأسلوب والسیاق الجدید، هي الروایة "البولیفونیة" أي الروایة المتعددة الأصوات التي تقوم علی أساس نظریة الناقد الروسي "میخائیل باختین". فإذن تُعَدّ الروایة البولیفونیة من مظاهر الأدب المعاصر وبسبب رفضها الأسلوب القدیم، تلائم مرحلة الحداثة ولاسیما مرحلة ما بعد الحداثة في الأدب؛ والجدیر بالذکر إن مرحلة الحداثة وما بعد الحداثة تتمیزان بظهور أفکار ورؤی جدیدة؛ فمثلاً نری في مرحلة الحداثة بأنّ العقل یعد المرجع الأساسي أما في ما بعد الحداثة فنجد انقلاب هذا المفهوم حیث لم یعد العقل کافیاً بل یسود الشك وعدم الیقین واختلاف الرؤیة علی روح العصر ولهذا تتناسب الروایة البولیفونیة مرحلة ما بعد الحداثة حیث أنها تضم إطارات مختلفة وشخصیات تتفاوت في الإیدیولوجیات والأفکار لأنها تنحو منحی تحطیم السلطة المهیمنة وتعطي لشخصیاتها حریة التعبیر في الأفکار والموضوعات المختلفة وتشتمل علی الحواریة بین الشخصیات ومن ثم تقوم بمزج الأصوات المعارضة. عرفت الروایة البولیفونیة في کتابات میخائیل باختین حیث فرق بینها وبین الروایة المونولوجیة أي أحادیة الصوت. «ركز ميخائيل باختين، في أبحاثه المختلفة، على جمالية الرواية وأسلوبيتها. واهتم، بالخصوص، بالرواية البوليفونية (متعددة الأصوات)، فأثرى النقد الروائي بكثير من المفاهيم؛ مثل: فضاء العتبة، والشخصية غير المنجزة، والحوارية، وتعدد الرؤى الإيديولوجية... إلخ.» (حمداوي، لاتا: 10) وقد اتخذ باختین من الروایة مجالاً لدحض أطروحات الشکلانیین والأسلوبیین (التقلیدیین کما یسمیهم) لتشیید نظریته عن الطابع الغیري للإبداع والتواصل. فالروایة، في نظره هي التنوع الاجتماعي للغات، وأحیانا للغات والأصوات الفردیة، تنوعاً منظماً أدبیاً. ویُدَلّل باختین علی صفتین اساسیتین ممیزتین لنسیج الخطاب الروائي، وهما: تعدّد الملفوظات، والتناص. (باختین، 1987م: 15) ولا مناص من القول أن باختین یتوجه في أبحاثه إلی تعددیة الصوت وتعددیة اللغة ویعتقد أن التعدد اللغوي في الروایة یظهر من خلال: اللعب الهزلي مع اللغات، الخطاب الذي یأتي علی لسان الکاتب المفترض (لا علی لسان السارد الحقیقي)، أقوال الشخصیات والأجناس المدرجة داخل الروایة مثل الشعر والأمثال و... فهذه الأشکال تسمح بإدخال التعدد اللغوي وتنوُّع الملفوظات إلی الروایة، کما تجعل خطاب الآخرین حاضرا بکمیة وافرة، وهذا التعدد اللغوي یحوّل خطاب الروایة إلی خطاب ثنائي الصوت. (المصدر نفسه: 17) في الحقیقة، جاءت الروایة الجدیدة البولیفونیة لتنتزع الروایة العربیة من المسار التقلیدي ولتضفی علیها بعض ملامح الحداثة وما بعد الحداثة الجدیدة بالغائها فکرة البطولة المرکزیة والأحادیة وبانفتاحها علی أصوات جدیدة. وفي النص البولیفوني نری تعدد الشخصیات وهي رؤیة مستمدة من المجتمع الذي لا یضم فردا واحد وإنما یضم أفراد یتفاوتون في الرؤیة والوعي. (کاهه وآخرون، 1436ه: 604) علی ضوء ما سبق، یتضح أن الروایة البولیفونیة هي مفهوم وضعه "میخائیل باختین" لهیکلیة الروایة الجدیدة وإنها ضرباً من ضروب الروایة بوصفها نوع أدبي تسهم في توسیع أفق السرد ومن خلال هذا الأسلوب، أصبحت الروایة عالما رحبا تتعدد فیه وجهات النظر وفي الواقع، البولیفونیة حررت نفسها من سلطة الراوي المهیمن لتشکل نظام معین وجدید تتداخل فیه الأصوات المختلفة. وفي کثیر من الروایات المعاصرة نری ملامح السرد البولیفوني ومنها روایة "دفاتر الورّاق، الحائزة علی جائزة (البوکر) 2021م للروائي "جلال برجس" والتي تعبر فیها الشخصیات عن قضایا مختلفة دون خوف وإغماض. تتجه هذه الروایة إلی تجسید الآلام والقضایا الاجتماعیة للإنسان المعاصر وترسم معاناة المهموشین في المجتمع، ومن هذا المنطلق نری فیها تعدد الأصوات التي تأتي إثر تعدد الشخصیات الروائیة،إضافة إلی تضمن هذه الروایة خصائص السرد البولیفوني ؛ فقد استطاع جلال برجس أن یعطي لنصّه الروائي خاصیة السرد البولیفوني حیث إنه جمع الأصوات المتعددة داخل إطار سردي متکامل؛ ولهذا رأینا أن نتناول في هذه الروایة موضوع تعددیة الأصوات ومظاهرها ولعل أهم سبب کامن وراء هذا الاختیار یکون في أهمیة التعدد الصوتي في النص الروائي الحدیث في مجال الدراسات النقدیة الجدیدة. أسئلة البحث هناك أسئلة تطرح نفسها في هذا المجال، حاولنا الإجابة علیها من خلال هذا البحث وهي: - کیف تحول الخطاب الروائي عند جلال برجس إلی خطاب متعدد الأصوات؟ - ما هي مکونات السرد البولیفوني في روایة دفاتر الورّاق؟ فرضیات البحث - نواجه سمات في الروایة هیّأت الأرضیة المناسبة للبحث عن مکونات السرد البولیفوني فیها ونفترض أن تحول الخطاب الروائي عند جلال برجس إلی خطاب متعدد الأصوات من خلال إعطاء الحریة للشخصیات المختلفة لتتولی عملیة السرد بنفسها کما أن هناك سمات أخری یمکننا أن نجعلها ضمن السرد البولیفوني. - نفترض أن تعدد الشخصیات، تعدد أنماط الوعي، تعدد الإیدیولوجیات والتعدد الأسلوبي والتهجین تعد من أهم مکونات السرد البولیفوني في روایة دفاتر الورّاق. منهج البحث اعتمدنا في بحثنا هذا علی المنهج الوصفي- التحلیلي وکان هدفنا من ذلک إلقاء نظرة علی نوعیة الروایة البولیفونیة من خلال وصفها وتعریفها وصولاً إلی دراسة تحلیلة في روایة دفاتر الورّاق باعتبارها نوعاً من الروایات البولیفونیة ومن خلال هذا المنهج حاول البحث أن یوصل للقارئ- وصفا وتحلیلا- رؤیته حول شکل من الأشکال السردیة وهو النص المتعدد الأصوات. خلفیة البحث تعد البولیفونیة من الموضوعات المهمة في مجال الدراسات النقدیة الجدیدة و قد تجلّت في بعض الدراسات التي عثرنا علیها وهي: - مقالة "البولیفونیة اللسانیة: قراءة أسلوبیة جدیدة في روایة "المخطوطة الشرقیة" لواسیني الأعرج" بقلم محمد مرزوق، کلیة الآداب واللغات والفنون، جامعة سیدي بلعباس، 2017م. تقوم هذه الدراسة علی مقاربة نص الروایة المذکورة لواسیني الأعرج وتتناول أنماط الأسالیب البولیفونیة. - "تعدد الأصوات في روایة "أشباح المدینة المقتولة" لبشیر مفتي"، الجمهوریة الجزائریة، جامعة العربي بن مهیدي، 2017-2018م، اعداد: أمیرة تایب وفیروز بشوع. تناولت هذه الدراسة التعدد اللغوي في روایة "أشباح المدینة المقتولة" وهي مشتملة علی التعدد الأسلوبي وتتمثل فیها البولیفونیة من خلال التهجین والأسالیب والتقنیات التي جعلت الروایة متعددة الأصوات. - مقالة "دراسة ظاهرة البولیفونیة في القصیدة السردیة- الدرامیة الحدیثة حسب نظریة باختین الحواریة"، لمصطفی پارسایيپور وآخرون، مجلة الأدب العربي، سنة 13، العدد 2، 2021م. قامت هذه الدراسة بالبحث عن شعر الحداثة من خلال الترکیز علی المکونات التقنیة مثل تعدد الایدیولوجیات المتمثلة في تعدد الشخصیات والمحاکاة الساخرة وغیرها من تقنیات ،ووصلت هذه الدراسة إلی أن الشعر الحداثي انبثقت فیه الایدیولوجیات والأصوات المختلفة. - کتاب "تعدد الأصوات في الروایة العراقیة، دراسة نقدیة في مستویات وجهة النظر" للکاتبة الدکتورة هدیل عبدالرزاق أحمد، 2016م. تهدف هذه الدراسة إلی الکشف عن موضوع تعدد الأصوات وتتناول موضوعات جدیرة بالذکر ومنها: اللاتجانس، الموقف والتقویم الإیدیولوجي، الأشکال السردیة ودورها في التعدد اللغوي وغیرها من موضوعات هامة حول الروایة البولیفونیة العراقیة. - رسالة ماجستیر تحت عنوان: "شعریة البولیفونیة: قراءة في روایة إرهابیس لعزالدین میهوبي"، الجمهوریة الجزائریة، جامعة محمد لمین دبّاغین، 2015-2016م، لِوردیة الجاحضة. تطرقت الباحثة في إنجازها إلی أسس الروایة البولیفونیة وتطبیقها علی نص روایة "إرهابیس" وحاولت الوصول إلی نظریة جدیدة في فهم النص الروائي. - مقالة "تعدد الأصوات في روایة الزیني برکات لجمال الغیطاني"، للباحث علیرضا کاهه وآخرون، مجلة اللغة العربیة وآدابها، السنة 10، العدد4، 1436ه. هدفت هذه المقالة من خلال الاعتماد علی آراء میخائیل باختین إلی إلقاء الضوء علی تقنیة تعدد الأصوات في روایة الزیني برکات حیث ظهرت فیها الأصوات المختلفة. تمتاز هذه المقالة عن غیرها في إلقاء الضوء علی مکونات السرد البولیفوني في روایة دفاتر الورّاق التي تعتبر روایة جدیدة ولم تدرس حتی الآن. وبعد الإشارة إلی خلفیات الموضوع، نأمل أن یکون هذا البحث بنیة صغیرة في صرح الدراسات المتعلقة بالسرد البولیفوني، لأن الموضوع- حسب معلوماتنا- لم یُدرس بعد. تعریف الروايـة البوليـفونية إن مصطلح تعدد الأصوات، هو استعارة أخذت من فن الموسیقی وذلك یعني التناسق القائم بین الأصوات الموسیقیة المختلفة في النغم الواحد وقد انتقل المصطلح إلی فن الروایة الجدیدة التي حررت نفسها من سلطة الراوي ووحدة اللغة والأسلوب. (أحمد، 2016م: 11) یعد میخائیل باختین –کما ذکرنا- أول من تطرق إلی مصطلح الروایة البولیفونیة أو الروایة ذات الأصوات المتعددة. فهي «ذات طابع حواري على نطاق واسع. وبين جميع عناصر البنية الروائية، توجد دائما علاقات حوارية أي: إن هذه العناصر جرى وضع بعضها في مواجهة البعض الآخر، مثلما يحدث عند المزج بين مختلف الألحان في عمل موسيقي. حقاّ إن العلاقات الحوارية هي ظاهرة أكثر انتشاراً بكثير من العلاقات بين الردود الخاصة بالحوار الذي يجري التعبير عنه خلال التكوين. إنها ظاهرة شاملة تقريباً، تتخلّل كل الحديث البشري، وكل علاقات وظواهر الحياة الإنسانية.. تتخلل تقريباً كل ما له فكرة ومعنى.» (باختین، 1986م: 59) الروایة البولیفونیة تقابل الروایة المونولوجیة المتمرکزة علی صوت واحد وتحکم سارد مطلق، فهي تتمیز بتعدد الأسالیب وتعدد اللغات والأصوات في السرد الروائي و«هذا النوع من الکتابة لا یتحقق إلا عندما یحصل وعي الذات عند الأبطال علی درجة معینة من الاستقلال تکفي لإلغاء الأحادیة التي ینزع إلیها الکاتب عادة، وهذا لا یتحقق، في نظر باختین إلا إذا تخلی الکاتب عن التعبیر عن البطل بالنیابة عنه، بل ینبغي تشخیص وعیه، وهو في کامل حرکیته وحیویته.» (الحسیب، 2014م: 55) فعلی هذا الأساس إن من أهم مکونات الخطاب السردي البولیفوني التعدد الصوتي الذي له مقومات یستخدمها الروائي حسب عالمه الحکائي وتبدو روایته کمسرحیة تتکلم فیها الشخصیات وتتحاور وتعرض أقوالها. تتمیز نظریة باختین في الحواریة الروائیة التي تعکس أهمیة دور الحوار في الجنس الروائي حیث إن الحوار یمیز الجنس الروائي بالأسالیب واللهجات المختلفة وبذلك یبرز التعدد في أصوات الشخصیات داخل النص الروائي وفي ضوء هذه الحواریة نری الجمالیة في الروایة البولیفونیة. جلال برجس جلال برجس شاعر وروائي أردني من موالید 1970م في قریة حنینا في محافظة مادبا. تخرج من مدارس محافظة مادبا ودرس هندسة الطیران وعمل في الصحافة الأردنیة لعدة سنوات وترأس العدید من المنظمات الثقافیة وهو حالیا مقدم برنامج إذاعي أردني بعنوان: "بیت الروایة".له آثارفي الشعر والقصة والمقالات النقدیة والأدبیة ونصوص المکان والروایة. لجلال برجس، الكاتب الأردني أعمال فازت بجوائز مختلفة؛ صدر له في الروایة: "مقصلة الحالم" والتي حازت علی جائزة رفقة دودین للإبداع السردي 2014م، روایة "أفاعي النار" التي حصلت علی جائزة کتارا للروایة العربیة 2015م وترجمت إلی الإنجلیزیة والفرنسیة، روایة "سیدات الحواس الخمس" التي وصلت إلی القائمة الطویلة للجائزة العالمیة للروایة العربیة (بوکر) 2019م، روایة مشترکة وهي "حکایات المقهی العتیق" 2019م، وروایة "دفاتر الورّاق" التي حازت علی الجائزة للروایة العربیة (البوکر) 2021م. وفي الشعر له: "کأي غصن علی الشجرة" 2008م و"قمر بلا منازل" 2011م. کما أن في القصة له: مجموعة "الزلزال" القصصیة والتي حصلت علی جائزة روکس بن زائد العزیزي للإبداع 2012م. وفي أدب المکان له: "شبابیك مادبا تحرس القدس" 2017م وترجم هذا الکتاب إلی سبع لغات حیة. (برجس، لاتا: صفحة المجلد) قراءة روایة "دفاتر الورّاق" رواية دفاتر الورّاق رواية رائعة جدا، حیث إن أسلوبها السردي القوي یجذب القارئ إلیها. تتناول هذه الروایة موضوعات مختلفة ومنها الهروب من الواقع المرير وإلقاء الضوء علی شخصيات مهمشة في المجتمع؛ مثل إبراهيم وهو كاتب وحيد ومشرد وليلی الفتاة العاجزة ويوسف السمّاك وناردا، الذین رغم كل المحن والمآسي ظلوا يتطلعون إلى مستقبل مفعم بالأمل ومجتمع تتدفق فيه الإنسانیة الضائعة. تحتوي هذه الرواية على عدة قصص يتم سردها من خلال عدة دفاتر وهذا الأمر یتلائم مع عنوان الروایة وهو: دفاتر الورّاق. تتکون الرواية من 366 صفحة في سبعة فصول، وكل فصل ینقسم إلى عدة أقسام وكل قسم يرويه راوٍ ورد إسمه في أعلى الصفحة. تحكي روایة دفاتر الورّاق قصة حياة إبراهيم جاد الله الملقب بإبراهيم الورّاق (بائع الأوراق) الذي كان يقطن في بیت في (جبل الجوفة). کان ماضیه، حزینا جدا وکله خسارات وآلام بما أن أمه ماتت بسبب السرطان الذي کان ینهش جسدها وبعد سنین اختفی أخوه عاهد صارخاً بوجه أبیه: (لن أکون نسخة عنك)، بعد سنوات غادر والده البیت لکنه عاد بعد سبعة أشهر من الغیاب، لیواجه إبراهیم في الیوم التالي مشهد والده وهو ينتحر في المطبخ، وکان هذا المشهد من أقسی لحظات حياته. لم يتبق أمل في حیاة إبراهيم سوى (کشك الورّاق)، الذي أقامه أبوه في بدایة شارع (الملك حسین). کان یمضي إبراهیم معظم أوقاته في الكشك ویملأ وحدته بقراءة أنواع الكتب وخاصة الروايات، وینغمس في قراءة الروايات لدرجة أن شخصيات وأبطال الروايات استوطنت ملء ذاکرته، وبات یقلد أبطالها. وبعد هذا التعلق الشدید لدی إبراهیم بالکشك، فجأة استلم بلاغاً من أمانة العاصمة یشدد علی ضرورة ترکه للکشك وأعلنوا أنهم سيقيمون له مكاناً آخر، لكنهم لم يفعلوا ذلك، وأقاموا في محل الکشك، متجر لبيع الهواتف المحمولة. وبسبب هذا الأمر، فقد ابراهیم محله الذي کان یعتاش منه وأصيب بالاكتئاب. بعد فترة شعر أن بطنه منتفخة وأن مخلوقًا في بطنه يتحدث معه باستمرار ويشجعه على القيام بأعمال مخربة وغير قانونية، وهذا الأمر کان مقدمة لمرض نفسي عنده حتی أصیب بالإنفصام في الشخصیة. وعندما اتعبه هذا الشعور المؤلم وهذا الکائن في وجوده، قرر أن یتخلص من هذه المشاعر إلى الأبد، فذهب إلی میناء العقبة ليلقي بنفسه في البحر وينتحر، فحینما بلغ شاطئ البحر لیودع الحیاة إلی الأبد، رأى فجأة امرأة جميلة أدرك لاحقًا أنها تواجدت على الشاطئ لنفس السبب وهو الانتحار؛فوقع إبراهیم في حب تلك السيدة التي ما عرف منها شيء سوی الحرف الأول من إسمها من القلادة التي کان عليها حرف N ، وتخلى إبراهیم عن قراره بالانتحار وبالأحری أنقذه حبه لتلك المرأة؛ فعاد إبراهيم من العقبة باحثاً عن السيدة نون التي ترکته عند الشاطئ ونسیت دفترها عنده فبدأ إبراهیم یقرأ قصة حياتها من خلال هذا الدفتر، وبعد ذلك بحث عنها دون جدوی وفقد الأمل من العثور علیها لکنه لم يتخل عن حبه لها وبات یراها في الحلم والیقظة. في قسم آخر من هذه الرواية وهو بعنوان (لا بيت للوراق) نواجه مشهد طرد إبراهيم من منزله من جانب صاحب البیت بسبب عدم دفع الإيجار الأكثر، مما دفع المالك بتهدیده ومن ثم بطرده من المنزل؛ وهو من أكثر المشاهد إيلاما في هذه الرواية لأن المؤلف يصوّر مشهد التهجير والتشرّد والتجوّل في الشوارع ببراعة، حیث یشعر القارئ بعمق الفاجعة؛ مثل هذا التصویر: «ها أنا أخسر بیتي. خسران البیت فاجعة عصافیر تقف بلا حذر أمام بندقیة الصیاد، لا تعي ماذا ینوي إصبع یحرض البارود علی ابتداع شکل أوسع للکارثة، إذن من الآن فصاعداً أنا (دیوجین) في مدینة لم تکترث بي، وأمشي بلا بوصلة ولا جهة.» (برجس، د.ت: 145) وأیضا: «في ذلك الیوم صرت بلا بیت، تمامًا مثل عصفور هدمت الریحُ عشه واستفردت به في العراء.» (المصدر نفسه: 165) بعد ذلك ظل إبراهیم ضائعاً وعلی مقربة من السقوط وبقی یسیر في الشوارع ولا یدري إلی أین یتجه، حتی صادف فجأة إمرأة کانت تتنکر بزي الرجال وتتسول في شوارع المدینة وهي لیلی، الفتاة اللقیطة والتي رویت قصتها بالتفصیل الممل في هذه الروایة. کان لقاء إبراهیم مع لیلی أول اتصال بین البطلین. ذهب إبراهیم ولیلی، اللذان لم یکن لدیهما مکان للعیش إلی بیت مهجور حیث کان یعیش أصدقاء لیلی المشردون هناك وحیث لم یکن هناك سوی الفقر والبؤس. بعد أن مكث إبراهیم في ذلك البیت المهجور عدة أسابيع، بدأ الجزء المنفصم من شخصیته یغریه ویحثّه علی ارتکاب أنواع الجرائم لیأخذ حقّه وحقّ باقي الفقراء من المجتمع وراح إبراهیم یتقنّع بقناع شخصیّات مختلفة ومنها شخصيّة سعيد مهران بطل رواية اللّص والکلاب لنجیب محفوظ حیث تخیّل نفسه سعید مهران الذي هاجم علیش بعد خروجه من السجن وفي أثناء هذه الخیالات هجم إبراهیم علی البنك وسرقه. کما أجبر بسبب إلحاح ذلك الکائن الذي یسکن فیه أن یتنکّر شخصیّة مصطفی سعید بطل روایة موسم الهجرة إلی الشمال ویسرق منزلا کبیرا. کلّما کان ینتهي من سرقة کان یدرک انه هو إبراهیم الوراق ولیس تلك الشخصیات التي تنکرها. وبعدها مُنِيَ إبراهیم بانکسار جدید یضاف إلی انکساراته السابقة وهو إدراکه بعد فترة بأنّ السیدة ناردا التي أحبّها، کانت زوجة والده المطلقة وهکذا استحال وصوله إلی ناردا. بعد کل هذه المآسي واختباء إبراهیم بسبب الخوف، في یوم من الأیام اعتقلته الشرطة ولکن أثناء الاستجواب، أصیب إبراهیم بانهیار عصبي شدید بسبب اتهامه بارتکاب جرائم قتل وذلك بسبب الکوابیس التي کان یدوّنها في الدفتر والتي کان یری فیها أنه یقتل أشخاص فعندما عثرت الشرطة علی ذلك الدفتر فظنوه قاتلاً. بعد ذلك تنتهي الروایة بطریقة غامضة حیث یظلّ القارئ یتساءل في نفسه أسئلة کثیرة والمؤلف عمد علی هذه النهایة لیترك القارئ في الشكّ وحتی یضیف سرّا ًجدیدا إلی أسرار هذه الحیاة. یربط الکاتب البداية بالنهاية بصورة فنیّة وكأنّنا نقرأ في السطور الأخیرة نفس ما قرأناه في نقطة البدایة. لا یدري الشخص ماذا یوجد في دفاتر هذه الروایة حتی یقرأها بوعي کامل لیری نفسه أسیراً بین تلك الدفاتر حیث لا یستطیع الخروج عن إطارها بسبب انجذابه القويّ وهذه هي میزة دفاتر الورّاق وربمّا السبب في اختیارها فائزة وبطلة البوکر في عام 2021م. مکوّنات البولیفونیة في روایة دفاتر الورّاق تعدّد الشخصیات من أهم میزات الروایة البولیفونیة هي تعدد الشخصیات الروائیة أو تعدد الأصوات داخل الروایة. والشخصیة في الروایة البولیفونیة هي الشخصیة المتفاعلة التي تتطوّر علی طول النصّ وتمتاز بالحریة وبالاستقلال عن المؤلّف. «یری باختین أن الشخصیّة داخل العمل الروائي، تتمتّع باستقلال استثنائي في التعبیر عن رأیها بصوتها الخاصّ، وعن ایدیولوجیتها الخاصّة، والتفاعل مع غیرها ما یخلق التعدّد الصوتي.» (رافع، 2017م: 49) إذن یمتاز السرد البولیفوني بکثرة الشخصیّات وتعدّدها داخل العمل الروائي. أمّا في ما یخصّ روایة دفاتر الوراق، فلا بدّ من القول أنّ من السمات المهمّة في هذه الرواية، تعدّد الشخصيّات وکثرتها؛ بحیث أن ّالقارئ عندما یبدأ بعملیة القراءة، يواجه مجموعة متنوّعة من الشخصيّات الجديدة، ويستمرّ هذا الأمر حتى الأجزاء الأخيرة من الرواية؛ بعبارة أخری تحتوی الروایة علی عدد کبیر من الشخصیّات الروائیة، والسارد یتّجه نحو توظیف شخصیّات کثیرة في روایته. علی الرغم من أنّ لکلّ شخصیّة وجودها الخاصّ واستقلالها لكنّ المهم هو أن كلّها مرتبطة بعضها ببعض بنوع ما، وهذا يؤدّي إلى رغبة القارئ في معرفة كلّ واحدة وربطها بالشخصيّات الأخری، وبالأحری وجود الشخصیّات المتعدّدة یجعل نوعا من الشوق عند المتلقّي لمعرفة کلّ شخصیّة علی حقیقتها وهو یتساءل في نفسه دائما، ما علاقة هذه بتلك؟ وبعد رحلة بحثیّة مثیرة سیعثر القارئ علی الإجابة حیث إن في النهاية، یربط الکاتب بشكل جميل وفنّي جميع الشخصيّات بعضها ببعض. فکلّ شخصیّة في روایة دفاتر الوراق لها عالم مستقل وتروي قصة حياتها الخاصّة، وحتى أنّ الشخصيّات الفرعيّة لها وجود ومکانة مهمّة في الروایة وأحیاناً تتدفّق قصصها عبر لغات أصحابها. تعدّد الأصوات السردیّة حسب الشخصیّات الرئیسیّة هناك ثلاث شخصيّات رئيسيّة في هذه الرواية وهي إبراهيم وليلي وناردا: إبراهیم ابراهیم، بطل روایة دفاتر الوراق هو الشخصیة الرئیسیة الأکثر تبلورا في هذه الروایة وهوالکاتب المثقّف الذي عبّر عن قضایاه وهمومه بکلّ عفویّة. حیاة إبراهیم کانت ملیئة بأنواع الصراعات الداخلیة والخارجیة التي حاول رسمها للقارئ. شخصیة إبراهیم شخصیة متنامیة ومتغیّرة علی طول الروایة حیث واجهت هذه الشخصیة صعوبات کثیرة وفي مواقف مختلفة تغیّرت حسب الظروف ومن الممکن أن نقول إنها شخصیّة غیر منجزة. «یتحدّث میخائیل باختین عن الشخصیّة غیر المنجزة، وهي الشخصیّة التي تعیش حالة اللاإنجاز واللا اکتمال واللا حزم داخل المسار السرديّ الروائيّ، ویعني هذا أن الشخصیّة غیر المنجزة هي تلك الشخصیّة القلقة التي تعیش المعاناة، وتواجه تعقّد الحیاة، وهي کذلك شخصیّة غیر مستقرّة، تلك الشخصیّة التي تعاني داخلیاً، وتعیش فضاء العتبة، أو فضاء الأزمات والمواقف والأفکار، وقد ترتکب هذه الشخصیة جنحاً وجنایات للتعبیر عن أفکارها، أو للتخلّص من أعدائها الآخرین؛ وبتعبیر آخر، الشخصیة غیر المنجزة هي الشخصیة المهووسة والمریضة نفسانیاً.» (مولاي وبامحمد، 2019م: 24) فإذن تعد شخصیة إبراهیم الذي عبر عن حالاته النفسیة وواجه العدید من الأزمات في حیاته وأصیب بمرض نفسي وارتکب إثر ذلك جرائم کثیرة نموذجاً علی ذلك کما نری في مثل هذا المقطع: «أي طریق کان عليّ أن أسلکها لأنجو من کل هذا السواد الذي یحیط بي؟ حملتُ دفترًا اعتدت أن أدوّن فیه الکوابیس وشرعت أکتب ما رأیت، کنت أعلم أنّي أفعل ما یقوم به طبیب یُخرج رصاصة من جسد شخص میّت، أوهم نفسي بالنسیان رغم یقیني من أن بعض ما جری لنا یصیر کبذار لنباتات ضارّة، کلّ ما یحدث في لحظة التجاوز أنّنا نمنع الماء عنها، لکن ما الذي یمکن فعله لواحد مثلي شتاءاته الداخلیة کثیرة ولا تنتظر الفصول.» (برجس، لاتا: 51) تحدث إبراهیم في هذا المقطع عن السواد الذي یحیط به من کل جانب وإنه یلجأ إلی الکتابة ربما یشفي من هذه الأوجاع؛ بسبب ما تلقاه من الضغوط النفسیة الکثیرة وکذلك الصعاب التي واجهها في الحیاة؛ إنه فقد الأمل ولا ینتظر أن تنتهی شتاءاته القاسیة والباردة. لیلی لیلی إحدی الشخصیات التي نقرأ قصتها في هذه الروایة؛ حیاتها حیاة مأساویة حیث کانت بنت لقیطة وعانت ما عانت من مشاعر الاغتراب والتهمیش والقسوة في مجتمع ظالم فقدت فیه شعورها بالاستقرار والأمان حیث عاشت في الملجأ ورأت نفسها في عالم لا أسرة لها فیه ولا أقرباء وهربت من الملجأ طالما کانت لا تجد فیه الأمن. کانت لیلی محبطة ومتعبة وفاقدة لأدنی أمل. «أمضیت یومین في ذلك البیت بلا طعام، وکلّ ما تبقّی معي لا یتجاوز العشرین دیناراً، کان عليّ أن أجد وسیلة لأعمل، فاشتریت منادیل ورقیة لأبیعها لسائقي السیارات.» (المصدر نفسه: 65) نری في هذا الخطاب ملامح الفقر والبؤس في حیاة هذه الفتاة التي کانت تتسوّل في شوارع المدینة وتتنکّر بزيّ الرجال حتی تحمي نفسها من المجتمع الرجوليّ، ففي هذه الروایة، صوت لیلی هو صوت الفتاةلحزینة التي تعبّر عن حیاتها البائسة ومعاناتها ونحن نقرأ في الروایة عن حیاتها بالتفصیل المملّ من جانبها وبکلّ جرأة وشفافیة في التعبیر. في الحقیقة، «فإنّ لکلّ شخصیة عالمها ومحیطها الذي من خلاله تتولّد لدیها رؤیة منفردة وخاصّة، فالأفضل ترك الجمیع یسیرون ویعبرون من دون وصایة أو رقابة من أحد، فینتحر من یرید الانتحار، ویتزوّج من یرید الزواج، ویقاوم من یرید المقاومة، فحین تأتي إحدی الشخصیات بصوتها فإنها لا شكّ ستکون منحازة لوجهة نظرها فقط، ولیس لوجهة نظر المؤلف، ولن تنیر إلا مسارها السرديّ الخاصّ بأفقها الخاصّ أیضا.» (مسند ارشید القبیلات، 2010م: 36) وبالضبط، هذا ما وجدناه في شخصیات دفاتر الورّاق ومنها شخصیة لیلی الفتاة المسکینة التي یعلو صوتها في طیّات الروایة. ناردا ناردا هي السیدة التي أحبها إبراهیم وکان یقول لها السیدة نون بسبب عدم معرفة إسمها ،ونری في الروایة هناك راوٍ تحت عنوان الصحافیة وبعدها ندرك أن التي کان یسمیها إبراهیم السیدة نون وأیضا الشخصیة التي تجيء تحت عنوان الصحافیة هي السیدة ناردا نفسها وهذا مالم یصل إلیه القاري إلا في الفصول الأخیرة من الروایة. ناردا، الشخصیة الرئیسیة الثالثة وهي شخصیة مکتئبة ووحیدة تروی قصّتها للمخاطب بکلّ براءة وصوتها هو صوت إمرأة متعبة من مشاعر الوحدة والاغتراب تبحث عن السکینة والأمان، حیث تقول: «کان أمامي وقت لا بأس به لأصل البیت، فأخرجت من حقیبتي دفترًا عثرت علیه ذات یوم کتب فیه صاحبه حکایة ربما تکون له، واقترح الطبیب عليّ أن أحوّل تلك القصة إلی مسلسل حینما أخبرته بتلك الهوایة، کان یری في الکتابة دواء للاکتئاب.» (برجس، لاتا: 107) هذا الصوت الجدید للصحافیة أو السیدة ناردا یخبرنا عن المتاهات النفسیة والأزمات الروحیة عند هذه الشخصیة، حیث إن من خلال القصة تعبّر الشخصیة عن حیاتها بلغة وبصوت فیه یأس وخیبة من ماضٍ ألیم ومستقبل مجهول. والجدیر بالذکر هو أن في هذه الروایة نمرّ علی أقسام تروي لنا قصة لیلی و أقسام أخری تروي لنا قصة إبراهیم وناردا بصورة مستقلة یأتي في أعلی کل قسم إسم إیراهیم أو لیلی أو الصحافیة ناردا ویدل علی أن هذا القسم یحتوي علی قصة هذه الشخصیة المذکورة في الأعلی وإن رواي هذا القسم هو من ذکره الکاتب في أعلی الصفحة وهذه الأقسام لا تأتي علی ترتیب خاصّ وشكل منتظم أي أن قصة إبراهيم لا تزال غير مكتملة حتی تليها قصة ليلي. وهذا التشویش وعدم النظم من أسالیب سرد الروایة الجدیدة وربما من محاسن هذه الرواية لأنهما یجعلان القارئ حريصاً على مواصلة القصة بسبب تداخل الرواة. ومن هذا المنطلق یتّضح لنا، تعدّد الشخصیّات الرئیسیّة وأصواتها في الروایة. تعدّد الأصوات السردیّة حسب الشخصیّات الثانویّة تمیّزت روایة دفاتر الورّاق بتنوع الشخصیات حیث إنّنا نری إلی جانب الشخصیّات الرئیسیّة کاراکتیرات ثانویّة أو فرعیّة لها صوت في نصّ الروایة وتسرد ما تحمله من أفکار ورؤی في مواقف مختلفة وبهذا یجد القارئ وجود أصوات عدیدة في الروایة ویحاول کشف کلّ شخصیّة حسب صوتها في عملیة القراءة. ومن جملة الشخصیّات الثانویّة في الروایة نذکر أسماء أهمّها هي: یوسف السمّاك، الشموسي، جادالله، السیدة إمیلي، عاهد، مریم، رمضان، نور، رائد، سلام، عديّ وأنیسة. نری أن أکثر هذه الشخصیّات الفرعیّة لها صوت مستقلّ في الروایة وعلی سبیل المثال نکتفي بذکر مثال لشخصیّة ثانویّة ذات صوت في الروایة وهي شخصیّة الدکتور یوسف السمّاك حیث یقول: «أعرف أنّه لیس من اللائق اقتحامي وقتك الخاصّ... أکثر ما یزعجني أنّ کلّ ما قرأته في علم النفس لم یستطع أن یخلّصني من هذا الهاجس... بتُّ أشكّ بکلّ شيء حولي.» (المصدر نفسه: 130-131) هذا السرد جاء عبر ضمیر (الأنا) المتکلم وفیه صوت الدکتور یوسف السمّاك یحاول أن یبرز هواجسه النفسیة لإبراهیم الذي کان مریضه. وکما یبدو قد مهد الکاتب الفرصة للشخصیات الفرعیة أن تتحدث وتأخذ دور الراوي أحیاناً مما یشکّل کشفا لأبعاد شخصیات متعدّدة. في الحقیقة، عمد الکاتب إلی توظیف الشخصیات المختلفة ذات الأصوات لیقدم أفکاره المختلفة من خلال لسان هذه الشخصیات ولاشكّ أن المؤلف بتوظیفه الشخصیات المتعدّدة یروم إضفاء التعدّد اللساني والصوتي علی نصّ روایته وجعلها روایة بولیفونیة متعدّدة الأصوات. ومن بین هذه الأصوات المختلفة یبدو أن صوت ابراهیم هو الصوت الأعلی بین مختلف الأصوات ویبدو أنّه الصوت الرئیسي من بین تلك الأصوات. أضف إلی ذلك إن من الناحیة الجمالیة نجد أن صوت ابراهیم هو الصوت الأکثر جمالاً والأکثر اتزاناً وتناسقاً وتفاعلاً مع الأصوات الأخری. تعدّد أنماط الوعي تتعدد أنماط الوعي في الروایة البولیفونیة بتعدد الشخصیات، أو بالأحری إن تعدّد الشخصیات ینتج عنه التعدّد في أنواع الوعي ویبرز ذلك من خلال الآراء التي تطرحها الشخصیات حول العالم ومختلف الأمور بطریقة فعالة وذکیّة حیث إن الروایة تهیئ مساحة واسعة لتجلي وعي الذوات المختلفة مما یؤدي إلی انفتاح آفاق السرد إلی أنماط متعدّدة من الوعي وهذا ما جعل فکرتها تتجلّی عند میخائیل باختین. «فـإن تعدد الأصوات الذي یحاول باختین تبیین معالمه یتأسس علی مجموعة من المفاهیم من أهمها "الوعي"، ویدل الوعي علی منطقة الانتباه الذهني التي تبتدئ من منطقة ما قبل الوعي، وتمر بمستویات الذهن، وتصعد حتی تصل إلی أعلی مستوی في الذهن فتشمله، وهو مستوی التفکیر الذهني والاتصال بالآخرین. أما الوعي الذي یتحدث عنه باختین فهو نوعان: وعي الشخصیة الروائیة، ووعي المؤلف. ووعي الشخصیة یتشکل من نظرتین: نظرتها لذاتها ونظرتها للعالم الذي تسکنه.» (الجاحضة، 2015- 2016م: 62) في الجزء الأكبر من هذه الرواية، تقدم الشخصیات وجهة نظرها من خلال الخطابات التي تأتي من جانبها وأحیاناً نری الوعي عند هذه الشخصیات من الدور الذي تلعبه، ومن سلوكها. وكذلك یجب القول أن السارد یطرح أفکاره ووعیه من خلال هذه الشخصیات وربما هذه الشخصیات تتحدث وتفکر علی طریقة الروائي وهذه الشخصیات تعد مکونات في بناء العالم الذي یحاول الروائي رسمه ولا یخفی علینا إن السارد یعتمد علی هذه الشخصیات الورقیة بوعیها المتمیز والفرید حتی یخلق آفاقاً أکثر إشراقاً وتأثیراً للمتلقّي. وفي روایة دفاتر الوراق الکثیر من الشخصیات تعبّر عن وعیها االناتج عن عالمها الخاصّ ویبرز هذا الوعي عندها من خلال الإدلاء بنظرتها حول العالم کما نری في هذا النموذج: «العالم یسیر علی نحو مجنون ومرعب. لکن ستأتي لحظة ینهار فیها کل شيء، ویبدو الأمر بعدها مثل وردة تنمو من بین الرکام، وردة تطرح بذارًا ستحول المکان الذي حولها إلی حقل.» (برجس، لاتا: 301) هذا کلام جادالله والد إبراهیم والذي تزوج ناردا بعد مغادرته بیته وکان رجل مثقف لکن وحید بشکل کبیر ویمضی معظم وقته بالقراءة کما کان یفعل في السنین الماضیة وهو في کشك الوراق. یری جاد الله العالم من حوله في انهیار ورعب ولکنه یعتقد بمستقبل زاهر وبما أن نظرته للحال نظرة سلبیة ولکنه متفائل نحو المستقبل. هذا الوعي عند هذه الشخصیة وعي متمیز وربما یکون وعیاً متعارضاً مع وعي الشخصیات الأخری. وفي موقف آخر نری نموذجاً آخر یلفت الانتباه إلی أبعاد الوعي عند شخصیة إبراهیم حیث یقول: «العالم أصبح قریة واحدة. حینما أغرمت بعوالم الحواسیب والإنترنت، وصرت متمکنا منها أدرکت کم صرنا مکشوفین! وکم تلاشت الأسرار! وما عدنا قادرین علی أن نداري شیئاً. نعم، العالم أصبح قریة واحدة لا أسرار فیها، وسیتحول کلّ شيء فیها إلی إلکتروني، سطحي، تسهل السیطرة علیه، عبودیة بشکل جدید، أنیق لکنّه مرعب من الداخل.» (المصدر نفسه: 298) نری أن إبراهیم علی خلاف جادالله له وعي مختلف حیث إنه متشائم نحو المستقبل ویری أن العالم سیکون مرعباّ بسبب هذه العبودیة التي سببتها العوالم الافتراضیة والإنترنت. في الحقیقة، «تعبّر الشخصیات البولیفونیة عن أنماط عدّة من الوعي، ولاسیما الوعي الإیدیولوجي منه، فهناك من یملك وعیاً زائفاً، وهناك من له وعي واقعي عن العالم الذي یعیش فیه، وثمة شخصیات أخری لها وعي ممکن أو تصورات مستقبلیة إیجابیة مبنیة علی تغییر الواقع، واستبداله بواقع أفضل، بمعنی أن وعي الشخصیات قد یکون وعیا سلبیاً أو وعیاً إیجابیاً، ویتعدد هذا الوعي بتعدد الشخصیات، وتنوع مصادر ثقافتها، واختلاف منظوراتها السیاسیة والحزبیة والنقابیة والاجتماعیة والإیدیولوجیة، لذلك تتعدد أنماط الوعي داخل الروایة البولیفونیة، بینما تختفي لصالح وعي الکاتب المهیمن، أو لصالح وعي السارد المطلق، أو لصالح وعي الشخصیة البطلة التي تدافع عن وجهة نظر الکاتب.» (مولاي وبامحمد، 2019م: 24- 25) علی هذا الأساس، کان وعي إبراهیم کما أسلفنا وعیاً سلبیاً ولکن جاد الله وعیه مبنی علی التفائل والأمل إلی المستقبل ولا یفوتنا أن نقول إن في البدایة کان وعي جاد الله سلبیا وبعدها تحول إلی إیجابي وهذا یعني أن الشخصیات تتغیّر وعیها في مسار الروایة بحسب الظروف والمواقف التي تمرّ بها. تعدّد الایدیولوجیات تتعدد الأصوات السردیة بحسب الایدیولوجیات المختلفة مثل الایدیولوجیات الدینیة، السیاسیة والثقافیة وبهذا تتمتع الشخصیات باستقلالیة في طرح ایدیولوجیاتها وتقدم صوتها مستقلا عن المؤلف؛ بعبارة أخری، «تستند الرواية البوليفونية إلى تعدد الشخصيات التي تتمتع بنوع من الاستقلالية النسبية في التعبير عن أفكارها، والإفصاح عن مشاعرها الوجدانية. كما تدافع هذه الشخصيات عن معتقداتها الشخصية بكل حرية؛ فتعرض أطروحتها الإيديولوجية التي قد تكون مخالفة لإيديولوجية الكاتب، ومتعارضة معها بشكل كلي.» (حمداوي، لاتا: 111) ومن هنا نقف على حيز خاص في الرواية البولیفونیة وهو تعدد الایدیولوجیات، فالشخصیة تحاول أن تقدم ایدیولوجیتها بمواجهة القضایا في العالم من حولها عبر رأیها الخاص الذي یبدو متبلوراً في کلامها وفضلاً عن هذا، إن ایدیولوجیات الشخصیات تهیمن علی فکرها وحیاتها وموقفها وتتجسد بأشکال مختلفة لدی جمیع الشخصیات. وأمّا شخصیات روایة دفاتر الوراق فهي شخصیات عاشت الاضطراب والغربة والفقد والضیاع والتأزم وهذا ما خلق لها عالمها الخاصّ علی اختلاف مستواها الفکري والاجتماعي. فنلاحظ أن الشخصیات في النصّ الروائي تعبر عن ایدیولوجیتها للتعبیر عن معاناتها التي تراها أزمة إنسانیة مشترکة في مرحلة زمنیة واحدة. یعبر بطل الروایة إبراهیم عن إیدیولوجیته وفکرته التي ترتبط بالوضع السائد في المجتمع حیث نجد فی خطابه نقداّ موجهاّ للمسؤولین الذین لم یکترثوا إلی الشباب الفقراء مثل نور وعدي ولیلي الذین کانوا أطفال لقیطین منذ البدایة ولم تکن لهم عائلة: «مهملین لا یکترث بأمرهم أحد، کأنهم براز عصفور سقط علی کتف سید یرتدي بدلة فاخرة وراح یمسحها بعجالة وقرف.» (برجس، لاتا: 203) یعبر إبراهیم بجرأة وبصورة فنیة عن إهمال هؤلاء الناس من قبل الطبقة العلیا ویرمز هنا إلی الحکام والساسة الذین یفکرون بمصالحهم دون الاهتمام بالطبقة السفلی من المجتمع؛ یری إبراهیم هذه المأساة، مأساة البشریة جمعاء وهذا الأمر یؤدي إلی الخراب والمعاناة في حیاتهم. یشیر إبراهیم إن هؤلاء الأشخاص الذین لم تکن لهم عائلة أصبحوا موضع اشمئزاز وقرف للحکام والمسؤولین وهذه هي عمق المأساة. وفي موضع آخر تبرز لیلی، الفتاة اللقیطة فکرتها حول هذا الموضوع قائلة: «رمونا إلی عالم إن لم تکن لك فیه قبیلة أو عشیرة ستبقی منبوذًا، ولن تکون لك أي قیمة مهما فعلت.» (المصدر نفسه: 64) الشعور بالوحدة وعدم الانتماء هو أقسی شعور عند هؤلاء الأشخاص المهموشین والذین لم یکترث بأمرهم أحد. صوت لیلی هنا صوت یحمل إیدیولوجیات سیاسیة واجتماعیة جاء في انتقاد وضع المجتمع الذی یعیشون فیه حیث لم یکن لهم قیمة ومقبولیة وإنتماء مهما فعلوا. فالکاتب سمح لبروز هذه الأفکار والایدیولوجیات السیاسیة والاجتماعیة من خلال الشخصیات وهنا سمح الکاتب للیلی أن تعبر عن أهم هواجسها وهي عدم الانتماء وأزمة الهویة وموقف الآخرین تجاهها. ففي الحقیقة التعدد الایدیولوجي هو من جمالیات الروایة البولیفونیة حیث إن في هذا النوع من السرد، یسمح السارد للشخصیات «لیدلوا بآرائهم بکلّ حریة وتلقائیة، فیختاروا ما یشاؤون من المواقف والإیدیولوجیات المناسبة. في حین نجد الروایة التقلیدیة روایة أحادیة الصوت یتحکم فیها الراوي المطلق والسارد العارف بکلّ شيء.» (حمداوي، الروایة البولیفونیة أو الروایة المتعددة الأصوات، alukah.net.) فهنا الشخصیات وهي لیلی وإبراهیم عبرت عن موقفها بکل حریة وتلقائیة تجاه الوضع الاجتماعي السائد الذي یؤدي إلی الشعور بالغربة واللا إنتماء بشکل کبیر. والجدیر بالذکر هو أن «باختین یعدّ الایدیولوجیا مادة أولیة من مواد بناء الروایة ولیست مقتبسة من الواقع ولکنها تجسید لواقعیة الایدیولوجیا، فدراسة الایدیولوجیا فتي النص الروائي لیست بهاحاجة إلی الإحالة إلی ما هو خارج النص، ذلك أن النص لیس موجوداً خارج الواقع الایدیولوجي ولکنه منغمس فیه، لذا فلیست به حاجة إلی أن یعکس الایدیولوجیا مادام یوجد في مجراها الطبیعي. فالنتاج الأدبي مکتمل بذاته -ببنیته الذاتیة-ولا یحتاج أن ینظر إلی علاقته بالواقع الخارجي.» (عبدالرزاق أحمد، 2016م: 45) وهکذا الأمر في هذه الروایة وفي نموذج آخر تتضح الحریة في التعبیر عن الایدیولوجیا والرأي في النص الروائي عند جلال برجس في قول إبراهیم: «خرجت من الزقاق وسلکت رصیفاً یصعد إلی الأعلی نحو الدوار الثالث، أفتّش عن متجر یبیع القهوة، خشیت أن ینتبه الناس إلی ملابسي المتسخة، لکني تجاهلت خشیتي؛ فالمدن اعتادت معذبیها، بل حتی صارت تستغل عذابهم، وتسرد سیرهم الموجعة فتحیلها إلی أیقونات لعلها تضيء عتمتها.» (برجس، لاتا: 195- 196) في هذا الموقع من الروایة، یشیر إبراهیم إلی ملابسه المتسخة لیوجه نقده للمدینة التي اعتادت هذا المظهر في شوارعها ویرید القول إن ظاهرة الفقر والتسول والضیاع باتت طبیعیة في هذه المدینة وعلاوة علی ذلك أصبحت المدینة تستغل الفقراء والبائسین وصارت تسرد ألمهم ونفیهم وفقدانهم للتسلی بهذه الأحداث وتحولهم إلی إیقونات. هذا المنظر الذي وصفه إبراهیم من عالم الیوم هو حقیقة لا یمکن الهروب منها وهي سمة المدن المعاصرة في أنحاء العالم. هذه الصورة الموجعة التي رسمها إبراهیم من خلال ایدیولوجیته الخاصة تکشف الستار عن المجتمع الزائف أمام القارئ ونری في أکثر من موقف یصر إبراهیم أن یفصح عن هذا الأمر وکأنه یرید أن یبین حقیقة العالم والمدن التي باتت تسخر من معذبیها. فهذه الایدیولوجیا التي یحملها إبراهیم ویرید طرحها في مواقف عدة في الروایة تسهم في وعي المتلقي حول الحقیقة السیاسیة والاجتماعیة في الوطن إذ نشهد في سطور كثيرة یشیر إلی أن السياسة هي التي تؤدي إلی الخراب وکان یرینا الواقع الذي يدفع إلى اليأس وربما هذه الایدیولوجیات عند ابراهیم کانت علی خلاف ایدیولوجیات الشخصیات الأخری وحتی الکاتب وذلك أن «تتجلی صیاغة الحبکة لدی باختین في الاختلاف الایدیولوجي بین الشخصیات، فکل شخصیة أو مجموعة من الشخصیات تمتلك وجهة نظر خاصة مخالفة لوجهة نظر الشخصیات الأخری، فلکل منها صوتها وایدیولوجیتها الخاصة في الروایة. فمن الناحیة الایدیولوجیة تتمتع الشخصیة باستقلالها ونفوذها المعنوي وینظر إلیها بوصفها خالقا لمفهوم ایدیولوجي خاصّ وکامل القیمة لا بوصفها موضوعا لرؤیا الکاتب. فالکاتب یمنح شخصیاته حریة التعبیر عن أنفسها، فتکون الکلمة لها، ومستقلة عن المؤلف وایدیولوجیته وهذا أمر في غایة الصعوبة علی الکاتب الذي یخلق عالما ًلا ینتمي له بل ینتمي للغیر (الشخصیات).» (عبدالرزاق أحمد، 2016م: 45- 46) وخلاصة القول، نری أن الکاتب أعطی أهمیة کبیرة لانعکاس ایدیولوجیات الشخصیات الرئیسیة ولاسیّما شخصیة إبراهیم الورّاق بکلّ ما ینطوی علی هذه الشخصیة من حساسیات ورؤی وأفکار وقیم وهذا هو إبداع الکاتب في سرده البولیفوني. التعدّد اللغوي والأسلوبي یتمثل التعدد اللغوي في النص الروائي البولیفوني من خلال عدة مظاهر ومن جملة هذه المظاهر نشیر إلی أبین المظاهر حضورا ًفي الروایة وهي الحوار الخالص والتهجین. الحوار الخالص يأتي الحوار في النص الروائي ليشكل عنصراً هاما من عناصر الروایة. ومن ثم حیویة الأبطال الروائیة والشخصیات تتضح من خلال الحوارات التي تجري ما بین الشخصیات حول الموضوعات المختلفة منها السیاسیة والاجتماعیة، والقارئ من خلال هذه الحوارات یتعرف علی التفاصیل والجوانب المخفیة من الشخصیات. لاشك أن، «تطوّر الروایة یقوم علی تعمیق الحواریة وتوسیعها، وإحکامها وبذلك یتقلّص عدد العناصر المحایدة الصلبة، التي لا تدرج في الحوار، فیتغلغل الحوار بالتالي إلی أعماق الجزئیات، وأخیراً إلی أعماق الذرات في الروایة.» (درّاج، 2002م: 72) للحوار دور أساسي في التفاعل الاجتماعي بین الناس في الحیاة الیومیة ولا یخفی علینا أن المحادثات بین الناس تعجّ بالحوارات ولکن فیما یتعلق بالحوار الخالص في الروایة «یقصد "باختین" بالحوار الخالص ما سمّاه أفلاطون منذ زمن بالمحاکاة المباشرة (mimesie)، أي حوار الشخصیات فیما بینهم داخل الحکي، و "باختین" کعادته یستخدم صیغاً متعددة للتعبیر عن الشئ الواحد، لذلك نجده یتحدث أیضاً عمّا یسمّی "الحوارات الدرامیة الخالصة"، ثمّ عن "حوار الروایة"، و هو یقصد دائماً حوار الشخصیات المباشر في الحکي، کما نجد الحوار الخالص یأتي غالباً بعد فعل القول أو ما فیما معناه، و یکون مسبوقاً بنقطتین و موضوعاً بین قوسین مزدوجین.» (زیتوني، 2002م: 91) في روایة دفاتر الوراّق اعتمد الکاتب في مواضیع کثیرة علی عنصر الحوار ومن خلال هذا الأسلوب نری أن الشخصیات تتفاعل معاً. والجدیر بالذکر أن الحوار في هذه الروایة لم یکن فقط بین الشخصیات بل هناك حوارات کانت بین إبراهیم والکائن غیر المرئي الذي یعتقد إنه یسکن في جوفه، وهذا ما أضاف للنص الروائي جمالا وحیویة حیث إن الکاتب استخدم هذا الحوار بین ابراهیم وذلك الکائن وبذلك أصبح هذا الحوار، حوارا عجائبیا والقارئ منذ بدایة الروایة یتفاجأ بهذا النوع من الحوار. جلال برجس ککاتب أردني حاول من خلال الحوار بین الشخصیات أن یسلط الأضواء علی واقع المجتمع وبذلك استخدم الحوار کتقنیة للوصول إلی هذا الأمر حیث إن، «یشکل مبدأ الحواریة بالنسبة لمؤلف الروایة البولیفونیة قیمة معنویة کبری تفوق الفحوی الفني، فقد فشل وعلی نحو مریع مبدأ التحاور الإنساني الواقعي (الحقیقي)، وفشل الإنسان العربي في الوصول حتی إلی أسباب ذلك الفشل، والمؤلف الأردني، المثقّف بطبیعة الحال، وبعد موجات وانعکاسات ألمت به رغب في سد الثغرة ما بین تجربته الإنسانیة الواقعیة وتجربته الروائیة الإبداعیة. فلم تعد الروایة بوقا لتوجهات عظیمة تخص سلطة أو بناء فکر محدد دون غیره، بل أصبحت ... تتحرك بین الذات والواقع وفي مجال حسي، فالغایة التعبیریة ترتبط وبنفس الأهمیة مع التجربة الواقعیة ومع الفن الروائي.» (مسند ارشید القبیلات، 2010م: 51 – 52) وهکذا استطاع المؤلف الأردني "برجس" أن یحقق هذه الغایة المهمة. هناك حوارات کثیرة في هذه الروایة ولکن سنکتفي بذکر نموذج من تلك الحوارات وهو الحوار الذي کان بین ناردا وجاد الله؛ فتبدأ ناردا قائلة: «قلت أحاول أن یحکي؛ لأنصت له: - یبدو أن عمّان تتغیر. أ رأیت؟ اتجه إلی حاویة قمامة وألقی بعقب سیجارته فیها:ّ
| ||
مراجع | ||
آنسته، رضا، قهرمانی مقبل، علی أصغر، بلاوي، رسول و زارع، ناصر. (2019م). «مرایا البولیفونیة في روایة الزمن الموحش علی ضوء نظریة باختین السردیة». مجلة الأدب العربي. السنة الحادیة عشرة. العدد 1. صص 70-49 باختین، میخائیل. (1987م). الخطاب الروائي. ترجمه: محمد برادة. ط1. القاهرة: دارالفکر للدراسات و النشر و التوزیع. ________. (1986م). شعریة دویستفسکي. ترجمه: جمیل نصیف الترکیتی. ط1. المغرب: دارتوبقال، الدار البیضاء. برجس، جلال. دفاتر الورّاق. t.me/qurssan بلخیر، لیلی. (لاتا). «المبدأ اللساني وتحلیل الخطاب الروائي، دراسة في أسلوبیة الروایة عند میخائیل باختین». جامعة تبسة. الجاحضة، وردیة.) 2015- 2016م). شعریة البولیفونیة: قراءة في روایة إرهابیس لعزالدین میهوبي. الجمهوریة الجزائریة: جامعة محمد لمین دبّاغین. الحسیب، عبدالمجید. (2014م). الروایة العربیة الجدیدة وإشکالیة اللغة. الأردن: عالم الکتب الحدیث. حمداوي، جمیل. النظریة الشکلانیة في الأدب والنقد والفن. شبکة الألوکة، www.alukah.net حمداوي، جمیل. الروایة البولیفونیة أو الروایة المتعددة الأصوات. alukah.net درّاج، فیصل. (2002م). نظریة الروایة والروایة العربیة. ط1. المغرب: الدار البیضاء. المرکز الثقافي العربي. رافع، نسیبة. (2016- 2017م). الحواریة في الخطاب الروائي "أصابع لولیتا" لواسیني الأعرج، أنموذجًا. الجمهوریة الجزائریة: جامعة امحمّد بوقرة. زیتوني، لطیف. (2002م). معجم مصطلحات نقد الروایة. مکان: دارالنشر، مکتبة لبنان ناشرون، دارالنهار للنشر. عبدالرزاق أحمد، هدیل. (2016م). تعدد الأصوات في الروایة العراقیة، دراسة نقدیة في مستویات وجهة النظر. ط1. عمان: دار غیداء للنشر والتوزیع. علیرضا، کاهه، خلیل، پرویني و کبری، روشنفکر. (1436ه). «تعدد الأصوات في روایة الزیني برکات لجمال الغیطاني». مجلة اللغة العربیة وآدابها. السنة 10. العدد 4. صص 621-603 مسند ارشید القبیلات، نزار. (2010م). تعدد الأصوات في الروایة الأردنیة. الجامعة الأردنیة: کلیة الدراسات العلیا. مولاي محمد، بامحمد محمود. (2019م). تعدد الأصوات في روایة "کاماراد" للصدیق حاج أحمد. الجمهوریة الجزائریة: جامعة أحمد درایة.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 362 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 164 |